الموقف الروسي من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات

تراقب روسيا عن كثب حالة التصعيد التي يشهدها قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي عليه في أعقاب الهجوم الذى نظمته حماس داخل مستوطنات غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر 2023 (عملية طوفان الأقصى). إذ فوجئت روسيا كما غيرها من الدول بقوة الهجوم واتساع نطاقه، لكن ومع اتجاه الجانب الإسرائيلي لشن عدوانه على القطاع بدءًا من اليوم الرابع ومحاولاته فرض خطط من شأنها التهجير القسري لسكان القطاع تجاه المناطق الجنوبية منه، أو بدفعهم نحو “وطن بديل” خارج حدود غزة، بدأ الموقف الروسي ينتقل من مرحلة “المراقبة المتأنية” للحدث إلى مرحلة “التفاعل المحسوب” معه، فبدا الموقف الروسي يدين حماس وإسرائيل، لكنه في الوقت نفسه يبدو أكثر ميلًا للأولى، وانعكس هذا الموقف في الإدانة الرسمية من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية سيرجى لافروف لنمط معالجة الغرب للحدث وتطوراته[1]. وعليه تسعي هذه الورقة إلي الوقوف علي أبعاد الموقف الروسي من العدوان الإسرائيلي علي غزة، ومحددات هذا الموقف، ومدي تأثير الموقف الروسي علي وقف هذا العدوان. أولًا: أبعاد الموقف الروسي من العدوان الإسرائيلي علي غزة: يمكن الإشارة إلي أبعاد الموقف الروسي من العدوان الإسرائيلي علي غزة كما يلي: 1- التصريحات الرسمية: اتسمت تصريحات المسئولين الروس في بداية الحرب بالترقب والتمهل، وصدر أول التصريحات من نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في 7 أكتوبر 2023، والذي اكتفى بالقول: “روسيا تجري اتصالات مع إسرائيل وفلسطين ودول عربية، وتدعو أطراف الصراع إلى وقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة المفاوضات”[2]. ثم علقت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بالقول: “نؤكد موقفنا المبدئي والثابت بأنه لا يمكن بوسائل القوة حل هذا النزاع المستمر منذ 75 عامًا، وفقط يمكن حله حصرًا بالوسائل السياسية والدبلوماسية، ومن خلال إقامة عملية تفاوضية كاملة على الأسس القانونية- الدولية المعروفة، التي تنص على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بسلام وأمن مع إسرائيل”. وأعتبرت “التصعيد الحالي نتيجة مباشرة للفشل المزمن في الامتثال للقرارات ذات العلاقة الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ولقيام الغرب عمليًا بعرقلة عمل – رباعية الشرق الأوسط للوسطاء الدوليين التي تضم روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة”. ودعت الخارجية الروسية، الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى وقف فوري لإطلاق النار، ونبذ العنف، وممارسة ضبط النفس اللازم، وإقامة عملية تفاوض، بمساعدة المجتمع الدولي، تهدف إلى إقامة سلام شامل ودائم طال انتظاره في الشرق الأوسط[3]. كشفت هذه التصريحات الأولية حرص روسيا علي عدم مهاجمة أيًا من طرفي الصراع (إسرائيل وحماس)، مكتفية بوضع اللوم على الغرب. وربما كان ذلك نابعًا من رغبة روسيا في لعب دور الوساطة، خاصة وأنها تري نفسها وسيطًا فعالًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لعدة أسباب، منها؛أنها دولة محايدة نسبيًا ليس لها مصالح مباشرة في الصراع مثل الولايات المتحدة، ولديها علاقات جيدة مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء، ولديها خبرة طويلة في إدارة النزاعات والوساطة في مناطق أخرى مثل سوريا، وترغب في زيادة تأثيرها ودورها الإقليمي وهذا يتطلب النجاح في مهمة التوسط، وأن الإحباط الفلسطيني من دور الوساطة الأمريكية قد يفتح المجال لدور روسي بديل[4]. لكن حالة الترقب بدأت تتلاشى بالتدريج لدى المسؤولين الروس مع تصاعد وتيرة الحرب على غزة، وسقوط المدنيين الفلسطينيين بأعداد كبيرة. فخلال مؤتمر الطاقة الذي عقد في موسكو، في 11 أكتوبر 2023، انتقد الرئيس فلاديمير بوتين ما ينشر عن خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، محملًا سياسة الاستيطان الإسرائيلية المسؤولية، ومعتبرًا أن أحد أسباب ما قامت به حركة حماس يعود إلى هذه السياسة، “فالأرض التي يعيش عليها الفلسطينيون هي تاريخيًا أرضهم”، حيث كان من المفترض إقامة دولة فلسطينية مستقلة[5]. وذهب إلى أبعد من ذلك عندما شبه، في 13 أكتوبر، خلال مؤتمر صحفي في بشكيك عاصمة قرغيزستان، الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة بحصار ألمانيا النازية لمدينة لينينغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية. وقال بوتين  إن الحصار المحكم الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة الذي يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة غير مقبول. محذرًا من أن شن إسرائيل عملية برية في غزة سيؤدي إلى زيادة الخسائر في صفوف المدنيين. وكرر بوتين انتقاداته السابقة للولايات المتحدة، قائلًا إن “المأساة الحالية هي نتيجة لفشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط”[6]. فيما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقابلة مع وكالة أنباء بيلاروسيا الرسمية “بيلتا” نشرتها في 28 أكتوبر 2023، إن القصف الإسرائيلي على غزة يتعارض مع القانون الدولي ويخاطر بالتسبب في كارثة يمكن أن تستمر لعقود. وقال لافروف “بينما نندد بالإرهاب، فإننا نرفض بشكل قاطع إمكانية الرد على الإرهاب من خلال انتهاك قواعد القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الاستخدام العشوائي للقوة ضد أهداف من المعروف أن هناك مدنيين يتواجدون فيها، ومنهم الرهائن المحتجزون”. وأضاف أن من المستحيل القضاء على حماس، مثلما تعهدت إسرائيل، بدون تدمير غزة مع معظم سكانها المدنيين. وتابع “إذا تم تدمير غزة وطرد مليوني نسمة، مثلما يقترح بعض السياسيين في إسرائيل والخارج، فإن ذلك سيؤدي إلى كارثة لعقود عديدة، إن لم يكن لقرون”. وقال “لابد من التوقف والإعلان عن برامج إنسانية لإنقاذ السكان تحت الحصار”[7]. بينما أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في 22 نوفمبر 2023، أن إسرائيل لم تقدم أي دليل يثبت استخدام حركة حماس للمستشفيات في قطاع غزة لأغراض عسكرية، مضيفًا أن ضرب أهداف مدنية أخرى مثل المساجد، والكنائس، ومخيمات اللاجئين، ومواقع الأمم المتحدة التي يلجأ إليها النساء والأطفال في غزة هربًا من القصف يمثل انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي[8]. كما دعا نيبينزيا، في 27 فبراير 2024، إلى دراسة إمكانية فرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي علي إسرائيل بسبب عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة[9]. بالنظر إلي هذه التصريحات الروسية يتضح أن موسكو قد امتنعت عن الإشارة إلى هجوم حماس في السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى) باعتباره عملًا “إرهابيًا”، ولم تعتبر موسكو حماس حركة “إرهابية”، بل اعتبرتها منظمة تحرير وطنية (وهذا اعتراف بحماس، وإقرار بحقها)، كما أنها رفضت التعامل مع حماس على أنها كيان منفصل عن الشعب الفلسطيني[10]. ورغم إدانة روسيا لهجوم حماس على المدنيين الإسرائيليين، إلا أنها وجهت اللوم للاحتلال الإسرائيلي على ممارساته، ورده غير المتناسب. كما انتقدت روسيا الدور الغربي لعدم ضغطه على إسرائيل من أجل تحقيق مطلب الدولة الفلسطينية المستقلة[11]، وإعطائه الشرعية لإسرائيل في استمرار عملياتها العسكرية بدون محاسبتها على قتل المدنيين واستهداف المؤسسات في قطاع غزة[12]. 2- الاتصالات الدبلوماسية: بينما سارع قادة الدول الكبرى، وفي طليعتهم رئيس الولايات المتحدة إلى زيارة إسرائيل لإعلان دعم مطلق للعدوان المخطط له علي غزة عقب عملية “طوفان الأقصى”، فإن المسؤولين الروس لم يبادروا إلى اتخاذ خطوة مشابهة[13]. بل إن الرئيس بوتين لم يتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلا بعد مرور عشرة أيام،  في…

تابع القراءة

أهداف المقترح الأمريكي ببناء ميناء علي ساحل غزة: بين المعلن والمخفي

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه عن حالة الاتحاد، في 7 مارس 2024، عن خطة تدشين “ممر بحري مؤقت” لنقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة؛ نظرًا لصعوبة إدخال المساعدات عبر المعابر البرية بسبب التعنت الإسرائيلي، ولعدم جدوي آلية الإنزال الجوي للمساعدات التي قامت بها عدة دول. وقد أثار الإعلان عن هذا المقترح مخاوف وشكوك الكثيرين، من أن يكون خلف هذا الإجراء أهداف ونوايا أخرى، وهناك الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية الكامنة وراءه؛ إذ كيف لإدارة (إدارة بايدن) تمعن في إمدادات السلاح اللامحدودة إلى إسرائيل، أن يتغير موقفها فجأة لتقرر فتح ممر بحري للمساعدات؟ ولو كان الهدف الحقيقي من خلف هذا المقترح هو المساعدات فقط، فلماذا لا تضغط الإدارة الأمريكية علي إسرائيل لفتح المعابر البرية الموجودة بالفعل، على رأسها معبر رفح المصري، باعتبارها الأسرع والأقل تكلفة في إدخال المساعدات للقطاع؟[1]. وبخلاف السؤال الأساسي تظهر تساؤلات أخرى؛ هل من علاقة بين إنشاء هذا الميناء وبين مشروع التهجير الذي تسعى إسرائيل إلى تنفيذه؟ وهل للممر المزمع تسييره بعد نهاية الحرب من مخاطر على فلسطيني القطاع، وعلى مصر؟ وما هي هذه المخاطر؟[2]. أولًا: تفاصيل المقترح الأمريكي ببناء ميناء علي ساحل غزة: قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه عن حالة الاتحاد[3]، في 7 مارس 2024: “أوجه الجيش الأمريكي لقيادة مهمة طارئة لإنشاء رصيف مؤقت في البحر الأبيض المتوسط على ساحل غزة يمكنه استقبال الشحنات الكبيرة المنقولة”، وأضاف: “سنوفر الغذاء والماء والدواء والملاجئ المؤقتة، ولن تكون هناك قوات أميركية على الأرض”[4]. وأصدرت المفوضية الأوروبية، في 8 مارس 2024، ودولة الإمارات وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وقبرص والمملكة المتحدة؛ بيانًا مشتركًا، تضمن تأييدها للولايات المتحدة، بتفعيل الممر البحري الدولي؛ لتوصيل المساعدات مباشرة إلى قطاع غزة[5]، كما نقلت “شبكة CNN”، عن مسئول قطري قوله: “نحن ملتزمون بدعم الممر البحري الذي خططت له “فوجبو”، وستنقل هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص 200 شاحنة محملة بالمساعدات عبر بارجة من قبرص إلى غزة كل يوم، وقد وافقت قطر على مساهمة مالية كبيرة تقدر بـ 60 مليون دولار”. ثم أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في 8 مارس 2024، بأن الجيش الأمريكي سينشئ رصيفًا بحريًا عائمًا قبالة سواحل غزة (بطول 548 مترًا، وتكلفة تقدر بنحو 35 مليون دولار) لتمكين سفن الشحن الضخمة من الرسو فيه، وتفريغ بضائعها في قوارب أصغر تنقل هذه المساعدات إلى جسر بحري يتم ربطه بشاطئ غزة. وأنه من المتوقع أن يستغرق إنشاء الرصيف العائم الذي سيتم استخدامه لتوصيل المساعدات الإنسانية الحيوية عن طريق البحر إلى غزة شهرًا واحدًا على الأقل أو ربما شهرين حتى يتمكن الجيش الأمريكي من البناء والتشغيل بكامل طاقته. وقال المتحدث باسم “البنتاغون” باتريك رايدر إن بناء الرصيف سيتطلب، على الأرجح، الاستعانة بقرابة 1000 عسكري أمريكي لإكماله. وذكر رايدر، أن أفراد الجيش الأمريكي لن ينقلوا المساعدات عبر الجسر المؤدي إلى غزة، وسيتم تثبيت الجسر على الشاطئ من قبل الشركاء الإقليميين على الأرض في غزة، وقال إن “الرصيف بمجرد تشغيله يمكن أن يوفر ما يصل إلى مليوني وجبة يوميًا لسكان غزة”[6]. وقالت القيادة المركزية الأمريكية، في 10 مارس 2024، أن سفينة الجيش الأمريكي “الجنرال فرانك إس بيسون” غادرت قاعدة “لانجلي- يوستيس” المشتركة في فرجينيا “بعد أقل من 36 ساعة من إعلان الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدات إنسانية لغزة عن طريق البحر”. وأن السفينة “تحمل المعدات الأولى لإنشاء رصيف مؤقت لإنشاء ميناء غزة لتوصيل الإمدادات الإنسانية الحيوية”[7]. وبحسب الخطة المعلنة، ستتجه المساعدات إلي ميناء “لارنكا” في قبرص، حيث ستخضع للتفتيش من قبل الاحتلال الإسرائيلي ما يعني إلغاء الحاجة لأي عمليات تفتيش أمنية في غزة، ثم تنقل عبر سفن الشحن إلى المرسي الذي سيتم بناؤه قبالة ساحل ميناء مدينة غزة القديم في منطقة “الرمال”، ثم يجري تفريغ الحمولات في مجموعة من المراكب والسفن الصغيرة – المعروفة باسم سفن الدعم اللوجستي – قبل أن تؤخذ هذه إلى الميناء على ساحل غزة. ومن على الرصيف، ستتولى الشاحنات مهمة نقل مواد المساعدات إلى اليابسة ومن ثم إلى داخل قطاع غزة. وللمساعدة في إنجاز هذه المهمة، دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع شركة خاصة تدعى “فوغبو” ويديرها مسؤولون سابقون في الجيش والمخابرات الأمريكية، تتركز مهمتها بشكل أساسي في تنظيم حركة المساعدات لدى وصولها إلى ساحل غزة. فيما سيقوم الجيش الإسرائيلي بعملية تأمين خارجية لمنع حشود المدنيين من الوصول إلى الساحل ولجعل المنطقة آمنة. أما مهمة توزيع المساعدات فسيتولاها فلسطينيون محليون وغير مسلحين. ولن تشارك “فوغبو” في مهمة التوزيع، بل سيقتصر دورها على مهام لوجستية. وعلى مدى أطول، تخطط “فوغبو” لإنشاء مؤسسة تديرها جهات مانحة من أجل إدخال المساعدات إلى غزة[8]. يذكر هنا أن أول ظهور لفكرة بناء ميناء علي ساحل غزة خلال العدوان الإسرائيلي الحالي علي غزة جاء عندما أعلن الرئيس القبرصي (نيكوس خريستودوليدس) ــ خلال قمة الاتحاد الأوروبي، التي انعقدت يومي 26 و27 أكتوبر 2023 ــ عن مبادرة إنشاء ممر بحري يربط بين قبرص وغزة، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين بشكل آمن ومن دون عوائق، مشيرًا إلي أنه يناقش مبادرته مع قادة عدة دول. وتعد قبرص أقرب دول الاتحاد الأوروبي إلي غزة، إذ تبعد حوالي 370 كيلومترًا فقط إلي الشمال الغربي من القطاع في أقرب نقطة[9]. وفي 9 نوفمبر 2023، قدم الرئيس القبرصي خطة ــ في 25 صفحة ــ إلى مؤتمر للمساعدات الإنسانية في باريس، تتضمن فتح ممر بحري للمساعدة في تعزيز توصيل المسـاعدات إلى غزة بحرًا عن طريق جزيرة قبرص. وقال الرئيس القبرصي إن مقر مركز العمليات سيكون مدينة (لارنكا) جنوب قبرص، حيث يوجد ميناء ومطار، ويوجد بالفعل مركز تنسيق مع 33 دولة. ويسع الميناء 200 ألف طن من المساعدات الإنسانية، مما يتيح نقل ألفي طن من المساعدات لكل سفينة. وأوضح الرئيس أن المساعدات الإنسانية ستصل إلى قبرص لتحملها سفن تخضع لفحص يومي من لجنة تشارك فيها إسرائيل. وبمجرد تحميل القوافل، ستتبعها سفن حربية إلى منطقة محددة على ساحل غزة، ومن هناك توجه إلى منطقة آمنة ومحايدة. وقال (خريستودوليدس) إن المفوضية الأوروبية واليونان وفرنسا وهولندا تحرص على المشاركة[10]. وقد أبحرت سفينة تحمل نحو 200 طن من الغذاء من ميناء لارنكا في قبرص، في 12 مارس 2024، في تجربة أولى لإطلاق الممر البحري الجديد لإيصال المساعدات إلى سكان قطاع غزة[11]. كما تجدر الإشارة هنا، إلي أن فكرة الممر المائي الذي اقترحه الرئيس بايدن للربط بين قطاع غزة في فلسطين المحتلة وقبرص، قد طرح أكثر من مرة خلال السنوات العشر الماضية، وذلك على النحو التالي: 1- مبادرة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: في شهر مايو عام 2014، وبينما كان الصراع بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة محتدمًا، وترفض إسرائيل – كعادتها في فترات التصعيد ضد غزة – دخول المعونات…

تابع القراءة

من ملامح النظام السلطوي في مصر

للنظم السلطوية ملامح تميزها، تكتسب هذه النظم ملامحها تلك جراء حرصها على استدامة بقائها، ما يفرض عليها، ما يمكن تسميته شروط ولوازم البقاء، من هذه الشروط واللوازم في الحالة المصرية، نشير إلى ما يلي: أولى ملامح النظام الاستبدادي هو الإخفاق في تحقيق تنمية أو استقرار اقتصادي وأمني حقيقي؛ هذا الفشل هو الذي يعري الطبيعة الاستبدادية للنظام أمام المجتمع، فلولا الفشل لما تكشفت الطبيعة الاستبدادية للنظام؛ فالفشل هو الذي يدفع الناس للتململ، وتململ الناس واحتجاجهم هو الذي يدفع النظام الاستبدادي للكشف عن وجهه القبيح رداً على أصوات الاحتجاج وإسكاتًا للأصوات المعترضة. إن وظيفة المجال السياسي هو فتح المجال أمام القوى الاجتماعية والاقتصادية المختلفة للتعبير عن نفسها، وإفراز فاعل سياسي يعبر عنها ويتبنى مصالحها ويدافع عنها، والمجال السياسي الديمقراطي هو المجال الذي يسمح لجميع القوى الاجتماعية في التعبير عن نفسها عبر بناء تنظيمات ممثلة لها، وعليه يصبح المجال السياسي مرآة تعكس المجتمع ككل، أما النظام السلطوي فهو النظام الذي يهندس المجال السياسي عبر إقصاء القوى غير المتحالفة معه، وغير المدجنة، مهما كان حجم التمثيل والحضور الاجتماعي الذي تتمتع به هذه القوى المستبعدة. وهذه هي آفة النظام السلطوي، أنه يخلق مجال سياسي لا يعبر حقيقة عن المجال الاجتماعي بكل مكوناته وتنوعها، فهو مجال مروض مؤمم يضم فقط المؤيدين والمعارضة المدجنة، وعليه تبقى الكثير من القوى الفاعل غير ممثلة؛ ومن هنا يتأتى عدم استقرار النظم السلطوية؛ كونها تخلق مجال سياسي هش عرضة للتقويض أو للاقتحام من جانب القوى الاجتماعية غير الممثلة فيه، وهذه القوى عندما تقتحم المجال السياسي تقوضه، كونه يحتكم إلى قواعد وقوانين إقصائية لا تتيح لها المجال للتواجد والفاعلية. أولًا: الأحزاب السياسية: يتعامل النظام الحاكم في مصر مع كل مساحات المجال العام من منظور أمني خالص؛ يظهر ذلك في كونه يزرع في كل مجال كيان؛ يستهدف من وجوده السيطرة على هذه المساحة والتحكم فيها. في المجال السياسي سعى النظام إلى تحقيق هذه الغاية عبر آليتين؛ الأولى حزب مستقبل وطن: حزب مستقبل وطن ومعه تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين حيث يمثلان حجري الرحى الذي من المفترض أن تدور كل القوى السياسية الأخرى في مداريهما، فهما يمثلان لدى السلطة القناة التي تنتج وتضخ الرموز والشخصيات السياسية التي يحتاجها النظام في إدارة عجلة المجال السياسي. الآلية الثانية؛ الحوار الوطني: الذي دعا إليه الرئيس خلال حفل إفطار رمضاني عام 2022، بهدف إيجاد فاعلية تنشغل بها القوى السياسية المختلفة؛ فلا تدخل في حالة سكون وبيات كامل، ولا تنشط بشكل يهدد استقرار الوضع القائم؛ فالحوار الوطني يسمح للقوى المرضي عنها بمناقشة الملفات التي سمح النظام بمناقشتها، وفي النهاية ما يقدموه من مقترحات يظل توصيات للنظام القائم مطلق الحرية في الأخذ بها أو تجاهلها. ثانيًا: المجتمع المدني: نجد الاستراتيجية نفسها في المجتمع المدني والأهلي حيث الرغبة في السيطرة على مال الخير، وتوظيف أنشطة الجمعيات الأهلية ضمن خطة الدولة، وتوظيفها في كسب ولاء المستفيدين من هذه الخدمات، كانت هي الأهداف التي صاغت استراتيجية النظام للتعامل مع الجمعيات الأهلية. وهي جزء من الاستراتيجية الرئيسية للنظام القائمة على تأميم كل المساحات والسيطرة التامة عليها. بدأت مع إعلان الرئيس السيسي، خلال إفطار الأسرة المصرية في 26 أبريل 2022، «مبادرة التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي»، على أن تقدم الحكومة للتحالف 9 مليار جنيه؛ بهدف تقديم الحماية الاجتماعية لتسعة ملايين أسرة. فالتحالف يقدم خدمات للأسر الأشد احتياجا، وفي القرى الأكثر فقرًا، كما ينسق بين الجهات والهيئات التي تعمل تحت مظلته؛ بما يضمن تنظيم العمل الخيري بشكل مركزي، وبما يمنع حصول أي أسرة على الدعم من أكثر من جمعية أهلية[1]. وبحسب أعضاء أربعة جمعيات خيرية منضمة للتحالف فإن “التحالف يُسهّل الكثير من أنشطة الجمعيات في مقابل حصوله على نسبة من أموالها تُخصم من حساباتها في البنوك لصالح صندوق تحيا مصر تحت بنود مختلفة بينها الدعاية وتنمية موارد الصندوق”[2]. بالتأكيد يضمن الانضمام للتحالف تيسير عمل الجمعيات وتسهيل حصولها على التصاريح والموافقات اللازمة خلال ممارسة نشاطاتها، مقابل قبولها بأن تصبح جزء من استراتيجية النظام في السيطرة على حركة أموال الخير والرقابة على مسارات تدفقها. الملمح الثاني للنظام السلطوي أنه يخلق شبكة زبائنية ومنتفعين واسعة ومعقدة، تدير معظم الملفات التي من المفترض أنها مخولة للجهاز الإداري للدولة؛ هذه الشبكات تمكن النظام السلطوي من تحقيق هدفين: أن يظل الجزء الأهم من سياساته خارج الإطار القانوني والمؤسسي للدولة وبالتالي يبقى بعيدا عن أية مساءلة أو رقابة أو تدقيق، من جهة ثانية: يسمح للنظام القائم بحية كبيرة في إعادة تشكيل هذه الشبكات بصورة مستمرة حتى لا تمثل مصدر خطورة عليه، دون أن يخضع في عمليات الإحلال والتجديد تلك إلى أية ضغوط. ولعل الصعود السريع لـ إبراهيم العرجاني رئيس اتحاد قبائل سيناء المتحالف مع القوات المسلحة في مواجهة التنظيمات الإرهابية هناك، دليل سافر على الشبكات غير الرسمية التي انتزعت أدوار كثيرة من المفترض أن تؤديها الدولة، وقد وصفه تقرير لمدى مصر بالرجل الذي “تتقاطع عنده خطوط الأعمال والسلطة والعلاقات الدولية. شخص تحول، خلال أقل من عقد، من طريد سابق للعدالة إلى قائد كتيبة من القبائل تساعد الجيش في حربها على الإرهاب، وأحد أكبر رجال الأعمال في مصر: إبراهيم العرجاني”، حيث “كل شخص أو شيء يمر الآن عبر معبر رفح، وبشكل شبه حصري، عبر شركات العرجاني وشبكة علاقاته”[3]. لم يكن صعود العرجاني استثنائيا؛ إنما جزء من شبكات نفوذ تتمدد وتكتسب أرض جديدة بمرور الوقت، في هذا السياق نشير إلى “عقد قران محمد صافي ابن رجل الأعمال صافي وهبة، على مريم أحمد السيسي بنت المستشار أحمد السيسي أخو الرئيس السيسي” في أغسطس 2018، بعدها بسنة واحدة وتحديدا في أغسطس 2019 تم تعيين صافي وهبة بقرار من وزير الصناعة كرئيس للجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الكويتي، وفي 2020 ظهر اسم صافي وهبة كرئيس لمجلس إدارة شركة النيل لحلج الأقطان، واللي كانت شركة حكومية تم خصخصتها قبل الثورة[4]. ولأنها شبكة نفوذ واحدة؛ ففي 2022 قامت الصافي جروب بالإضافة للعرجاني جروب المملوكة لإبراهيم العرجاني بعقد شراكة مع مجموعة الغانم الكويتية اللي كانت هي الوكيل الحصري لبي إم دبليو في مصر، وتم إعادة افتتاح مصنع التجميع الخاص بالسيارات بعد توقف حوالي 5 سنوات، وفي العام نفسه أسس العرجاني والصافي مع مستثمرين أخرين شركة تطوير عقاري اسمها The arc  وبدأت في بناء مشاريع في العاصمة الإدارية كأولى مشاريع الشركة بتكلفة 30 مليار جنيه[5]. إقصاء قوى المجتمع الحية، غير الحليفة للنظام، خارج المجال السياسي، مع الحرص على تفكيكها بشكل يحرمها من القدرة على ممارسة أي تأثير في ظل النظام القائم. هذه السياسة على المدى القريب تحمي النظام من صداع قوى المجتمع المتضررة من سياساته والمعارضة لاستمرارها، لكنها على المدى البعيد وأحيانا على المدى المتوسط تمثل مصدر تهديد دائم للنظام القائم؛…

تابع القراءة

جولات دولية مُتتابعة للقارة الإفريقية: قراءة في جولتي وزيري الخارجية الصيني والأمريكي

تتابعت الجولات والزيارات الدولية للقارة الإفريقية منذ بداية العام الحالي 2024. وكان على رأس تلك الجولات جولتي وزيري الخارجية الصيني (وانغ يي) ثم الأمريكي (أنتوني بلينكن)، واللتان عكستا تنامي التنافس الدولي على القارة في تلك الفترة، لاسيما في ظل الأزمات الدولية والإقليمية المُتتابعة خلال الفترة الأخيرة. فماذا كانت دوافع وأهداف كلتي الجولتين؟ وما هي الرسائل التي حرصت كلٌّ من بكين وواشنطن من خلال تلك الجولات؟ وكيف يُمكن قراءتها في السياقين الإقليمي والدولي الحاليين؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال تلك الورقة.. أولًا: جولة وزير الخارجية الصيني.. أجرى وزير خارجية الصين، وانغ يي، جولة شملت أربع دول إفريقية، في الفترة من 13 إلى 18 يناير 2024، وقد بدأت الزيارة بمصر، مرورًا بتونس وتوجو وساحل العاج؛ من أجل تدعيم الوجود الصيني السياسي والاقتصادي في المنطقة. وجاءت هذه الزيارة في ظل توترات كبرى تشهدها المنطقة؛ منها الحرب على قطاع غزة، والتوترات في البحر الأحمر، وتطرح الجولة العديد من التساؤلات فيما يتعلق بدلالتها وتوقيتها، وأبرز مخرجاتها ومستقبل النّفوذ الصيني في القارة الإفريقية، لاسيما في ظل التطورات الدولية والإقليمية الراهنة. 1. الصين في إفريقيا: منذ بدء سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين قبل 45 عام، كانت إفريقيا موردًا موثوقًا به للمعادن والمواد الخام. وفي المُقابل استثمرت الصين في البنية التحتية والمجال الاجتماعي مثل التعليم والصحة في تلك البلدان. وقد موَّلت الصين في سبعينيات القرن الماضي، سكة الحديد التي يبلغ طولها 1860 كيلومتر بين ميناء دار السلام في تنزانيا ومدينة كابيري مبوشي في زامبيا. تمر هذه السكة الحديدية عبر أهم مناجم النحاس في إفريقيا. وهكذا حصلت الصين على النحاس من زامبيا عبر شبكة سكة الحديد التي أقامتها هي. واليوم هناك العديد من مشاريع البنية التحتية الأخرى التي أقامتها الصين في إفريقيا على غرار سكة الحديد الرائدة هذه قبل نحو نصف قرن. وفي إطار مبادرة الرئيس الصيني شي جينبينغ ومشروع الحزام والطريق[1]، تمَّ تكثيف التعاون الاقتصادي مع إفريقيا. ويمر طريق الحرير البحري عبر سواحل شرق إفريقيا على المحيد الهندي. وفي جيبوتي على القرن الإفريقي أقامت الصين عام 2016 أولى قواعدها العسكرية فيما وراء البحار. وكل ثلاث سنوات تعقد قمة صينية- إفريقية يُشارك فيها العديد من قادة الدول الإفريقية، والمعروفة باسم منتدى التعاون الصيني- الإفريقي، القمة الأخيرة كانت عام 2021 في السنغال. وحينذاك قال الرئيس الصيني في رسالته عبر الفيديو: إن العلاقات الصينية- الإفريقية مثال يُحتذى للمجتمع الدولي، لأن “الطرفين أقاما علاقات صداقة وأخوة لا تتزعزع في الكفاح ضد الإمبريالية والاستعمار”.[2] 2. خلفيات الجولة: في يناير من عام 1991 قام وزير الخارجية الصيني آنذاك تشيان تشي تشن، بزيارة رسمية ودية إلى إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا. ومنذ ذلك الحين، دأب وزراء الخارجية الصينيون المتعاقبون على زيارة القارة الإفريقية في بداية كل عام. هذا وأفردت وسائل إعلام رسمية صينية مساحة كبيرة للحديث عن جولة وانغ يي الخارجية، وارتباطها بالظروف والتوترات الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خاصةً أن الزيارة سوف تشمل دولتين عربيتين في شمال إفريقيا هما مصر وتونس. ويرى هؤلاء أن زيارة هذا العام للدول الأربع تُسلِّط الضوء على اهتمام الصين المُتزايد بالوضع الأمني في شمال إفريقيا على خلفية التداعيات المُحتملة للصراع الفلسطيني- الصهيوني. وأن اختيار زيارة شمال إفريقيا على وجه التحديد يعكس أيضًا قلق الصين المُتزايد بشأن الوضع الأمني في الشرق الأوسط والبحر الأحمر، حيث يُهدِّد استمرار تصاعُد التوترات في المنطقة الممر الآمن لشريان حياة مهم للاقتصاد الدولي، ويُنذر بامتداد الصراع.[3] 3. دلالات الجولة وتوقيتها: تُعتبر هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لوزير الخارجية الصيني، وانغ يي، منذ تولِّيه المنصب في يوليو 2023، وتوضح أهمية إفريقيا بالنسبة للصين؛ لأن الصين مُحاطة بقوى كبرى في آسيا، وبالتالي يصعب منافستها؛ لذلك تُمثِّل إفريقيا المجال الحيوي بالنسبة للصين، كما تأتي هذه الزيارة في ظل توترات كبرى تشهدها المنطقة؛ منها الحرب على قطاع غزة، والتوترات في البحر الأحمر، والذي يمثِّل شريانًا مهمًا للتجارة للعديد من دول العالم؛ على رأسها الصين، وتأمل الصين في لعب دورٍ كبيرٍ في حلِّ القضايا الدولية. ومن المُرجَّح أن اختيار هذه الدول ليس من قبيل الصدفة، فقد بدأت الجولة بمصر، باعتبارها تُمثِّل بوابة إفريقيا والشرق الأوسط والمنطقة العربية، وتأتي هذه الزيارة بعد انضمام مصر للبريكس، وبالتالي فإن مصر أصبحت دولة مجاورة للصين في التجمع، وتتزامن الزيارة مع الاحتفال بالذكرى الـ 20 لإقامة منتدى التعاون الصيني– العربي. وتم اختيار تونس؛ لرغبة الصين في تزويد استثماراتها مع تونس؛ لتصل إلى شراكة استراتيجية، وبحث فرص انضمام تونس إلى مبادرة الحزام والطريق، وتتصادف هذه الزيارة مع الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أما بالنسبة لتوجو وساحل العاج؛ فهناك انعطاف صيني في منطقة غرب إفريقيا وعلى الدول الفرانكفونية تحديدًا، وقد يحمل ذلك العديد من الدلالات؛ منها الفراغ الفرنسي في منطقة غرب إفريقيا، والتمدُّد الصيني في القارة؛ فالصين لها تمدُّد في الشرق والجنوب والوسط، والوقت الحالي، تتمدَّد في الغرب. وتنطوي الزيارة على ملفات كثيرة، تتركز على الأبعاد الاقتصادية والتنموية والاستثمارية والسياسية، كما أن الشراكة الصينية– الإفريقية تُمثِّل أهمية كبرى بالنسبة للصين؛ من أجل تنشيط اتفاقيات التجارة والاستثمار والاتفاقيات البينية والاتفاق على حوار إفريقي– صيني، ففي أغسطس 2023، حظِي حوار قادة الصين وإفريقيا، الذي انعقد في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا بقبولٍ وترحيبٍ واسعٍ، ومن المُقرَّر أن تُعقد الدورة الجديدة لمنتدى التعاون الصيني– الإفريقي في الصين في هذا العام.[4] ويُمكن قراءة ذلك من منظور التنافس الصيني الأميركي، خاصةً بعد أن أصبحت الصين اليوم الشريك التجاري الرئيسي للدول الإفريقية، حيث شهد العام الماضي نموًا في حجم التبادل التجاري بين الجانبين بنسبة 7.4%، كما بلغ التبادل التجاري بينهما 1.14 تريليون يوان أي ما يُعادل 160 مليار دولار، وذلك فقط خلال النصف الأول من العام الماضي. كما أن الصين لديها مشاريع ضخمة في عدة دول إفريقية وهي مُستثمر رئيسي في مشاريع البنية التحتية والتعدين، وقد وقَّعت 52 دولة إفريقية على الأقل ومفوضية الاتحاد الإفريقي اتفاقيات تعاون في إطار مُبادرة الحزام والطريق مع الصين.[5] 4. الدوافع الرئيسية للجولة: تتعدَّد الدوافع الصينية من إجراء هذه الزيارة إلى إفريقيا، ويُمكن توضيح أهمها في عدة دوافع: أولها؛ تصاعُد حِدّة التنافس الدولي في القارة الإفريقية: أصبحت القارة الإفريقية مسرحًا يتكالب عليه العديد من القوى الدولية والإقليمية؛ في محاولة كلٍّ منها لخلق نفوذٍ متنامٍ لها في القارة السمراء؛ من أجل خلق النفوذ الذي يسهل في مرحلة تالية استنزاف المزيد من الموارد والثروات الطبيعية الإفريقية، ويتصدر التنافس الأمريكي أولوية هذا المشهد، وهذا ما يدفع الأطراف المتنافسة نحو المسارعة؛ من أجل استمالة الأفارقة، من خلال العديد من الأدوات والمحفِّزات؛ من أجل تعزيز الحضور والنفوذ، حتى وإن كان ذلك يعمل على تهديد الاستقرار الإقليمي في بعض المناطق الإفريقية. وثانيها؛ تأكيد النفوذ الصيني في القارة الإفريقية: تسعى…

تابع القراءة

ملفات زيارة الرئيس التركي إلي مصر: التوافقات والاختلافات

خطت العلاقات المصرية-التركية خطوات بطيئة على مسار التقارب وكسر الجمود الذي اعترته فترات من الصعود والهبوط طوال العامين الماضيين، لتفضي في نهاية المطاف إلى حلول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضيفًا على القاهرة يوم 14 فبراير 2024، وتمثل الزيارة تتويجًا لسلسلة من الترتيبات التمهيدية التي هدفت لخفض منسوب التوترات وتصفية الأجواء وبلوغ مستوى أكبر من تفهم المصالح المتعارضة[1]. وتنطوي زيارة الرئيس التركي إلى مصر على أهمية كبرى، نظرًا لكونها أول زيارة رسمية لرئيس تركي منذ 12 عامًا، بعد زيارة الرئيس السابق عبد الله جول في فبراير 2013[2]، وأول زيارة لأردوغان نفسه كرئيس دولة وليس رئيس وزراء، فآخر زيارة لأردوغان للقاهرة كانت في نوفمبر 2012، حيث التقى الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، ومن قبلها زيارة في سبتمبر 2011 التقى خلالها رئيس المجلس العسكري الحاكم، المشير محمد حسين طنطاوي، وفي الزيارتين كان آنذاك رئيسًا للوزراء. كما تأتي زيارة أردوغان لمصر ولقائه السيسي بعد اندلاع الخلاف بين الجانبين على إثر الانقلاب العسكري في يوليو عام 2013 الذي قام به السيسي ضد الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي[3]. ولهذا حظت باهتمام إعلامي واسع، خاصة وأنه بعد رفع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء بين أنقرة والقاهرة تردد أن الرئيس المصري سيزور تركيا في يوليو 2023، إلا أن الزيارة لم تتم، الأمر الذي ترك إشارات استفهام حول مدى جدية تطبيع العلاقات بين البلدين، خاصة عند المقارنة بالمصالحات التي تمت بوتيرة متسارعة بين تركيا وكل من إسرائيل _ لولا حرب غزة _ والسعودية والإمارات، حيث زار أردوغان الإمارات والسعودية، كما زار رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ تركيا[4]. أولًا: تطور العلاقات المصرية- التركية في عهد السيسي: بعد انقلاب 30 يونيو 2013 الذي أطاح فيه الجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسي اتسمت العلاقات التركية- المصرية بحالة عداء قوية، انعكست في مداومة كبار المسئولين الأتراك على إطلاق التصريحات المهاجمة للنظام المصري، ما حدا بالأخير في نوفمبر 2013 إلى إعلان السفير التركي شخصًا غير مرغوب فيه، وهو ما ردت تركيا عليه بالمثل[5]. وتركز الخلاف المصري- التركي خلال السنوات من 2013 إلي 2020 حول احتواء تركيا لجماعة الإخوان المسلمين وعناصرها وقادتها، والسماح ببث قنوات إعلامية لهم معارضة لنظام السيسي. كما تدخلت تركيا في العديد من الدول العربية بمختلف الوسائل السياسية والعسكرية مثل سوريا والعراق. وقد وصل التوتر بين الدولتين إلي ذروته عقب التدخل التركي في ليبيا عقب توقيع اتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فائز السراج في نوفمبر 2019، وبناءً علي هذا الاتفاق؛ قامت تركيا بنقل السلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين السوريين لليبيا، وهو ما اعتبرته مصر تهديدًا لأمنها القومي. فضلًا عن الخلافات حول قضية غاز شرق المتوسط، في ظل ارتباط مصر باتفاقيات شراكة مع كل من اليونان وقبرص، طرفي النزاع الأكبر مع تركيا؛ بسبب الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية[6]. ورغم حالة التوتر التي شابت العلاقات السياسية بين الجانبين فإن العلاقات الاقتصادية بينهما شهدت تطورًا كبيرًا، حيث تضاعف إجمالي حجم التجارة بين البلدين ما يقرب من ثلاثة أضعاف بين عامي 2007 و2020، من 4.42 مليارات دولار إلى نحو 11.14 مليار دولار. ومع مطلع عام 2021، بدأت العلاقات السياسية بين الجانبين في التحسن، حين بدأت المستويات السياسية العليا في تركيا، خاصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الدفاع خلوصي آكار، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، في إصدار تصريحات إيجابية حول مصر ودورها الإقليمي. من ثم بدأت سلسلة من الاتصالات السياسية بين الجانبين، تم الإعلان عنها من جانب تركيا في مارس 2021، وتم تتويجها في أبريل من نفس العام بمحادثة هاتفية بين وزيري خارجية كلا البلدين، ثم انعقاد الجولة الأولى من المباحثات الاستكشافية بين الجانبين في شهر مايو من نفس العام بالعاصمة المصرية، وهي الجولة التي حقق فيها كلا الطرفين تقدمًا كبيرًا في بحث آفاق توسيع وتحسين العلاقات بينهما. من ثم انعقدت الجولة الثانية من المباحثات بعد ذلك بثلاثة أشهر في العاصمة التركية، لكن لم تحرز هذه الجولة نفس النجاحات التي حققتها الجولة السابقة. مسار تطبيع العلاقات هذا تعرض لبعض التباطؤ خلال عام 2022، حين أوقفت مصر المباحثات الاستكشافية بينها وبين تركيا؛ نظرًا لقناعتها بعدم وجود تغيير واضح في الممارسات الإقليمية لتركيا، خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي، لكن أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شهر أغسطس من نفس العام، تصريحات صحفية دعا فيها إلى تحسين العلاقات مع مصر، وشدد على أنه يعتبر الشعب المصري “إخوة” يجب أن تتصالح معهم تركيا، وهو ما مهد عمليًا للقاء الأول منذ عام 2013 بينه وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نوفمبر 2022 بالعاصمة القطرية الدوحة. وعلى الرغم من أهمية هذا اللقاء، إلا أن حديث مصر عن عدم تغير توجهات تركيا في ليبيا، حمل في طياته قناعة مصرية باستمرار وجود خلافات جذرية عميقة مع تركيا. الجمود الذي طال هذا المسار، تمت حلحلته بشكل أو بآخر، عبر زيارة غير مسبوقة قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى مدينة “أضنة” التركية، في فبراير 2023، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب الأراضي التركية، والتقى حينها بنظيره التركي. وهو ما مهد للزيارة التي قام بها الوزير التركي للقاهرة في الشهر التالي، والتي تمت قراءتها ضمن جهود استعادة مسار رفع مستوى العلاقات بين بلاده ومصر إلى المستويات المأمولة، خاصة أنها كانت الزيارة الأولى لوزير خارجية تركي إلى القاهرة منذ أكثر من عقد من الزمن. هذه الزيارة – بالتبعية – أسهمت في الوصول إلى محطة مهمة في مسار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، عبر إعلان كلا البلدين في يوليو 2023، إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء، مرورًا بمباحثات السيسي مع أردوغان في 10 سبتمبر 2023 على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، وزيارة وزير الخارجية التركي للقاهرة في أكتوبر 2023 لمناقشة الجهود المشتركة بين البلدين حيال الأوضاع في غزة، ووصولًا إلى الزيارة الحالية للرئيس التركي إلى القاهرة في 14 فبراير 2024[7]. ويمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع والمحفزات التي تقف خلف تحسن العلاقات المصرية- التركية، تتمثل أبرزها في: 1- أن العاصفة التي ضربت علاقات البلدين بعد انقلاب يوليو 2013 استنفذت زخمها بعد أكثر من عشر سنوات كاملة، والموقف التركي السلبي من انقلاب 2013 هو موقف أخلاقي بالمقام الأول، وسياسي بالمقام الثاني، لأن معركة أردوغان الأهم والتاريخية كانت ضد سيطرة العسكر على السلطة في بلده، كما كان أردوغان نفسه يتحسب للخطر نفسه على حكومته داخل تركيا، وهو ما حدث بالفعل في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة 2016، بعد ثلاث سنوات من الانقلاب الناجح في مصر، لذلك كان من المحال وقتها تصور أنه يتسامح مع انقلاب في دولة إسلامية كبيرة بحجم مصر،…

تابع القراءة

موقف الأردن من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات

تبنى الأردن منذ العدوان الإسرائيلي علي غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023 خطابًا قويًا أدان فيه الإجراءات الإسرائيلية، وبخاصة استهداف المدنيين والمنشآت المدنية في قطاع غزة. ونشطت الدبلوماسية الأردنية بشكل مكثف لتحقيق وقف لإطلاق النار، أو على الأقل فرض “هدنة إنسانية”، وإيصال المساعدات الإنسانية والطبية إلى سكان القطاع[1]. ولكن يلاحظ أن الموقف الرسمي الذي بدا قويًا وواضحًا بصورة نسبية بداية العدوان الإسرائيلي علي غزة، قد شهد تراجعات ملحوظة في وقت لاحق، وبرزت تعارضات بين الموقف السياسي المعلن وبين الإجراءات العملية على الأرض، وهو ما يطرح التساؤل حول أبعاد الموقف الأردني من العدوان الإسرائيلي علي غزة ومحدداته[2]. أولًا: أبعاد الموقف الأردني من العدوان الإسرائيلي علي غزة: تركز الموقف الأردني من العدوان الإسرائيلي علي غزة في ثلاثة أبعاد رئيسية، تتمثل في: 1- البعد السياسي والدبلوماسي: في أول رد فعل على أحداث 7 أكتوبر 2023 “عملية طوفان الأقصى”، أصدرت وزارة الخارجية الأردنية بيانًا[3] في اليوم نفسه دعت فيه إلى “وقف التصعيد”، ودانت “الانتهاكات الإسرائيلية” في حق الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية، وأكدت على “ضرورة ضبط النفس وحماية المدنيين”. وقد تجنب البيان إدانة العملية أو حماس على نحو مباشر، وظل الموقف الأردني الرسمي يتحرك خلال الأيام الأولى في إطار “ضرورة وقف التصعيد” و”التأكيد على حل الدولتين”، و”التحذير من أي محاولات للتهجير”، من دون طلب وقف فوري لإطلاق النار في حينه، وهو ما عمل عليه الأردن ومصر وأُقر في بيان صادر عن اجتماع وزاري لجامعة الدول العربية عقد في 11 أكتوبر 2023[4]، وذلك ردًا على دعوات إسرائيلية، دعمتها الولايات المتحدة، لترحيل الغزيين من شمال القطاع تحت عنوان فتح “ممرات آمنة للمدنيين”، وهو الموقف الذي أكد عليه ملك الأردن خلال زيارته مصر لمناقشة العدوان الإسرائيلي على غزة[5]، واعتبره خطًا أحمر[6]. وقد ذهب رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، إلى القول إن “أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة سيعتبره الأردن بمثابة إعلان حرب”[7]. ترافق مع هذه التصريحات السياسية، تحريك الجيش الأردني دبابات وناقلات جند وتعزيزات عسكرية، وتمركز الجيش في مناطق الحدود الغربية بين الأردن والضفة الغربية المحتلة، وذلك بعد أن قام وزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير” بتوزيع السلاح على المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية، وكانت تلك التحركات العسكرية من الجانب الأردني بمثابة إعلان الاستعداد للحرب، في حال محاولة تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية باتجاه الأردن[8]. وعلي إثر القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، في 17 أكتوبر، أصدر الديوان الملكي بيانًا قويًا وصف القصف “بالمجزرة البشعة التي لا يمكن السكوت عنها”، وعلى إثره ألغيت القمة الرباعية[9] التي كان مزمعًا عقدها في اليوم التالي في عمان بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، إضافة إلى ملك الأردن[10]. كما نقلت تقارير عن مصدر مطلع داخل الحكومة الأردنية، إن الملك عبدالله ألغى مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا كان من المفترض أن يُقام خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عمان في 25 أكتوبر بعد تصريحات الأخير واقتراحه توسيع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” ليشمل حركة حماس[11]. بعد ذلك، قاد الأردن جهودًا دبلوماسية عربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة نجحت في استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد فشل مجلس الأمن نتيجة استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروعي قرار روسي وبرازيلي يدعوان إلى وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على غزة. وقد حظي قرار الجمعية العامة، الذي صدر في 27 أكتوبر، بموافقة أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ودعا إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف للأعمال العدائية، وذلك في دورة الأمم المتحدة الاستثنائية الطارئة العاشرة التي ناقشت “الأعمال الإسرائيلية غير القانونية”، لكن إسرائيل تجاهلت ذلك وقامت في اليوم نفسه بإطلاق حملتها البرية على قطاع غزة مستغلة الدعم الأميركي لسياساتها[12]. ثم استدعت عمان في 1 نوفمبر 2023 سفيرها لدى إسرائيل، كما أعلنت بأنه لا يمكن للسفير الإسرائيلي العودة إلى الأردن ما لم تتوقف الحرب على غزة. وبالرغم من أن الأردن يعد ثاني أفقر دولة في العالم بمجال المياه، غير أن عمان قررت تعليق اتفاق المياه مقابل الطاقة مع إسرائيل الذي كان من المقرر التوقيع عليه بشكل نهائي خلال مؤتمر “كوب 28” في دبي نهاية نوفمبر 2023. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي – في مقابلة مع قناة الجزيرة آنذاك في 17 نوفمبر 2023 –  “هل يمكنكم تخيل وزيرًا أردنيًا يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاقية حول المياه والكهرباء بينما تواصل إسرائيل قتل الأطفال في غزة؟”[13]. وبهذه الطريقة يكون الأردن أول دولة عربية ومسلمة تسحب سفيرها من إسرائيل، وأول دولة تلغي اتفاقية تعاون رئيسة، ما يؤكد جدية عمان على الساحة الخارجية والضغط الذي تواجهه على الجبهة الداخلية[14]. 2- البعد الإغاثي والإنساني: منذ بدء الحرب على غزة وجه الملك عبد الله الثانى بإرسال المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكل عاجل إلى مطار العريش، بالتنسيق مع مصر وذلك بهدف إدخالها إلى القطاع عبر معبر رفح. وأعلن الأردن تبرعه  بمبلغ 4.3 مليون دولار لدعم عمليات “الأونروا” في قطاع غزة في أكتوبر 2023. وقامت الإذاعات الأردنية بتوحيد بثها باللغتين العربية والإنجليزية لجمع التبرعات لإغاثة سكان قطاع غزة ضمن سلسة حملات نظمتها مجموعة الراية الإعلامية التابعة للقوات المسلحة الأردنية بالتعاون مع الهيئة الخيرية الهاشمية .وأقر المكتب الدائم في مجلس النواب الأردني في أولى اجتماعاته برئاسة أحمد الصفدى، رئيس مجلس النواب اقتطاعات مالية من مخصصات النواب دعمًا للأهالي في قطاع غزة، وأكد على أن خطوته تأتي من هدي التوجيهات الملكية[15]. ورفض الأردن الطلبات الإسرائيلية بإخلاء المستشفى الميداني الأردني – المقام في منطقة تل الهوى شمال قطاع غزة منذ عام 2009، وحملها مسؤولية أي محاولة اعتداء على المستشفى وكوادره، كما أقام مستشفى ميدانيًا جديدًا في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة، ترافق ذلك مع إقامة مستشفى ميداني جديد في نابلس في الضفة الغربية؛ بعد تصاعد الأحداث وحصار واقتحام المدن والقرى الفلسطينية. هذا، بالإضافة إلى مستشفى في جنين، مقام منذ عام 2002، مع إرسال قوافل من الإمدادات الغذائية للضفة الغربية[16]. كما أعلن الجيش الأردني، في 5 مارس 2024، تنفيذ 8 إنزالات جوية مشتركة مع مصر وأمريكا وفرنسا لمساعدات إغاثية وغذائية في قطاع غزة، واصفًا العملية بأنها “الأكبر منذ بدء عمليات الإنزال حتى اليوم”. وأشار إلى أن المساعدات الإغاثية والغذائية، استهدفت عددًا من المواقع شمال غزة، وتضمنت مواد مقدمة من برنامج الأغذية العالمي. ولفت الجيش في بيانه إلى أنه نفذ منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع 28 إنزالًا جويًا، 15 منها بالتعاون مع دول “شقيقة وصديقة”[17]. 3- البعد الشعبي والمجتمعي: أظهر استطلاع للرأي في الأردن – أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية – أنه أكثر الشعوب العربية تأييدًا للمقاومة ولـ”عملية طوفان الأقصى”. فمنذ بداية الحرب،…

تابع القراءة

موقف حزب الله من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات والسيناريوهات

طرحت عملية “طوفان الأقصي” التي قامت بها حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والرد الإسرائيلي بإعلان حالة الحرب على الحركة وقطاع غزة، تساؤلات عن احتمالات انخراط حزب الله اللبناني في الحرب، وبخاصة في ظل اندلاع اشتباكات محدودة ومضبوطة بين الطرفين بالقرب من الحدود اللبنانية- الإسرائيلية[1]. حيث شهد جنوب لبنان منذ 8 أكتوبر 2023 اشتباكات متصاعدة ولكن مضبوطة، بدأت بمحاولات حزب الله، وفصائل لبنانية وفلسطينية بتنسيق معه، القيام بعمليات محدودة، في مقابل ردود إسرائيلية تتناسب مع العمليات المنطلقة من جنوب لبنان. ولكن المناوشات خرجت لاحقًا عن إطار الردود المضبوطة لتصبح جزءًا من رغبة إسرائيلية معلنة في تغيير معادلة جنوب لبنان، والمطالبة بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 لعام 2006 في شقه المتعلق بانسحاب حزب الله عسكريًا من جنوب نهر الليطاني، أو إلى مسافة كافية لضمان أمن مستوطنات وبلدات شمال إسرائيل[2]. وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة، تدور التساؤلات حول مستقبل جبهة الجنوب اللبناني، وهل ستظل وتيرة التصعيد في هذه الجبهة تحت السيطرة، أم أن هناك احتمالية لتصاعد المواجهة لحرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله؟[3]. أولًا: أبعاد موقف حزب الله من العدوان الإسرائيلي علي غزة: نفى حزب الله من أول الأمر علمه بعملية “طوفان الأقصى” أو مشاركته فيها، لكنه أثنى عليها في بيان له ودعا إلى “إعلان التأييد ‏والدعم للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة التي تؤكد وحدتها الميدانية بالدم والقول ‏والفعل”. وبادر مقاتلو حزب الله منذ اليوم التالي للعملية إلى قصف مواقع للجيش الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، هي الرادار وزبدين ورويسات العلم، ليسجلوا عمليًا موقفهم بأنهم جزء من الحرب وإلى جانب المقاومة في غزة بمواجهة الحرب الإسرائيلية. وشاركت مجموعات مقاتلة فلسطينية تتبع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في عمليات عسكرية من الجنوب اللبناني، إضافة إلى “قوات الفجر” وهي ذراع عسكرية تتبع للجماعة الإسلامية اللبنانية[4]. وقد أخذ تدخل حزب الله في الحرب إلي جانب المقاومة الفلسطينية منحى تصاعديًا مع امتداد الحرب على غزة، وإن كان هذا المنحى بطيئًا بالنظر إلى تسارع وتضاعف حجم العنف الإسرائيلي الذي انصب على غزة؛ إذ بدأت المواجهات باستهداف أهداف عسكرية في مزارع شبعا المحتلة؛ الرادار وزبدين ورويسات العلم بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ، ومن ثم اتسعت لتشمل كل الخط الحدودي على مبدأ “الرد والرد المتبادل”[5]. وفي ظل رغبة إسرائيل بفرض هيمنتها العسكرية على المشهد في الجنوب اللبناني، بدأ القصف الإسرائيلي يستهدف مناطق مأهولة، على عكس القصف السابق الذي كان يطال أراض خالية غير مأهولة. إذ استهدفت إسرائيل تجمعًا للصحفيين في بلدة “عيتا الشعب”، مما أدى إلى مقتل صحفي يعمل بـ”وكالة رويترز” وإصابة ثلاثة آخرين منهم “مراسلة الجزيرة”. كما أدى القصف، في 15 أكتوبر 2023، لقرى شرقي “صور” إلى مقتل مواطنين لبنانيين اثنين يسكنان هذه المناطق. وإزاء هذا التصعيد الجديد الذي أوقع ضحايا من الصحفيين والمدنيين، تحرك حزب الله بقصف دقيق على موقع “الراهب العسكري”، فضلًا عن استهداف الحامية العسكرية لـ”مستوطنة شتولا” قبل أن يوسع قصفه ليشمل 5 مواقع عسكرية في الشمال الإسرائيلي ويوقع إصابات دقيقة. وقال حزب الله في بيانه أنه “كان يرد بشكل متناسب على القصف الإسرائيلي وفق قواعد اشتباك مستقرة ولكن الاستهداف الإسرائيلي لقرى جنوبية مأهولة قد أدى لمقتل مدنيين وصحفيين”، مما يعني أن حزب الله مضطر للتصعيد المقابل وتوسيع استهدافه من مجرد قصف مواقع عسكرية إلى استهداف المستوطنات الشمالية. وبدأ الاشتباك بالصواريخ المتبادلة يتصاعد على جانبي الحدود اللبنانية-الإسرائيلية منذ 15 أكتوبر، سواء كان مصدر النيران من حزب الله أو من فصائل فلسطينية أخرى، وطال الرد الإسرائيلي قرى الجنوب بطول الخط الحدودي من “العديسة” غربًا إلى “الناقورة” شرقًا مرورًا بـ”رميش” و”عيتا الشعب” و”الضهيرة” و”مروحين” و”طير حرفا” و”علما الشعب”، حيث طالت القذائف مساحات مأهولة من هذه القرى وأوقعت إصابات بالممتلكات والسكان، فيما سقطت بعض القذائف في محيط مقار الجيش اللبناني و”اليونيفل” (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) وأوقعت بعض الخسائر في الأبنية. وفي المقابل، استمر حزب الله في استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية مثل “راميم” و”برانيت” و”المالكية” و”حانيتا”، فضلاً عن الحاميات العسكرية التي تتمركز في محيط مستوطنات الشمال مثل “المطلة” و”شتولا”. بينما دوت صافرات الإنذار الإسرائيلية في مستوطنات الشمال مثل “نهاريا” و”كريات شمونة”. وتم إعلان المنطقة الحدودية بعمق 4 كيلو متر منطقة عسكرية يمنع دخولها من المدنيين، وتم فرض دخول الملاجئ على سكان المستوطنات الشمالية كافة[6]. وشهد التصعيد بين الطرفين تطورًا ملحوظًا في 14 فبراير 2024 بدءًا من شن حزب الله قصف بالصواريخ استهدف قواعد عسكرية في محيط مدينة “صفد” بـ”الجليل الأعلى” شمال إسرائيل مما أدى إلى مقتل مجندة وإصابة 8 عسكريين. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن ما حدث في “صفد” لم يكن له مثيل منذ اندلاع الحرب وهو حدث استثنائي مع إطلاق الصواريخ نحو منطقة بعيدة نسبيًا عن الحدود. وأكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنها رصدت 8 صواريخ أطلقت من لبنان استهدفت القيادة الشمالية والقاعدة الجوية في “ميرون” وقاعدة عسكرية في “صفد”[7]. وردت إسرائيل علي هذا القصف عبر تنفيذ ضربات ضد مواقع في جنوب لبنان في نفس اليوم، أسفرت عن مقتل 15 شخصًا، بينهم 10 مدنيين في ضربة استهدفت مدينة “النبطية”، بينما قتل 5 عناصر من حزب الله ضمت  قائد “قوات الرضوان” التابعة للحزب، لتسجل تل أبيب أكبر حصيلة من القتلى في يوم واحد منذ بدء التصعيد على الجبهة اللبنانية[8]. ثم قامت إسرائيل بكسر قواعد الاشتباك بصورة كبيرة مع استهدافها نائب رئيس حركة حماس “صالح العاروري” واثنين من قادتها، في 2 يناير 2024، في قلب الضاحية الجنوبية ببيروت التي تعد معقلًا أساسيًا لحزب الله. ويعد ذلك الاغتيال أول استهداف إسرائيلي علني داخل الضاحية منذ حرب 2006، والذي وقع بالرغم من تهديدات الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” في 14 أبريل 2023 بأنه سيرد بقوة ودون تردد على أي استهداف لشخصية لبنانية أو فلسطينية أو سورية في لبنان. ثم اغتالت إسرائيل في 8  يناير أحد القادة الميدانيين من قوات النخبة بالحزب والمسؤول في وحدة “الرضوان”، وسام طويل، في جنوب لبنان[9]. كما قامت إسرائيل، في 26 فبراير 2024، بشن غارات لضرب أهداف في بعلبك (بمحافظة البقاع، شرق لبنان)، أي داخل العمق اللبناني بنحو 100 كيلومتر، وهي المرة الأولي التي يتم فيها استهداف بعلبك منذ بداية الحرب وحتى منذ حرب يوليو 2006. ويأتي هذا الاستهداف بعدما بات القصف الإسرائيلي جنوب لبنان ومحيطه يطال أحيانًا مدنيين وقرى مأهولة ومنشآت وبنى تحتية. ولم تمض ساعات، حتى أطلق حزب الله وابلًا من نحو 60 صاروخًا نحو مقر قيادة فرقة عسكرية إسرائيلية في الجولان، ردًا على غارات بعلبك[10]. وبناءً علي ما سبق؛ يمكن القول أنه في هذه المرحلة فإن حالة الاشتباك المتصاعدة بين حزب الله وإسرائيل تنتظم وفق ثلاث قواعد رئيسية: القاعدة…

تابع القراءة

الاتفاق الصومالي- التركي وتأثيره على العلاقات المصرية- الصومالية

في الثامن من فبراير، وقَّع كلٌّ من وزير الدفاع التركي يشار غولر والصومالي عبدالقادر محمد نور اتفاق إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي. ويأتي هذا الاتفاق بين الصومال وتركيا في ظل أزمة سياسية بين إثيوبيا والصومال على خلفية توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع صوماليلاند (إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دوليًا)، حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في صوماليلاند. واعتبر الصومال هذه المذكرة تعديًّا صارخا على سيادته، في موقف حظي بدعم من دول ومنظمات عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي. فما هي حلفيات الحضور التركي في إفريقيا؟ وما هي تفاصيل ذلك الاتفاق؟ وكيف ستنعكس على الاستثمارات والمصالح الإقليمية في الموانئ الصومالية؟ ولماذا تركيا وليست مصر أو غيرها من الدول العربية؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال تلك الورقة.. الحضور التركي في الصومال: الحضور التركي المتمدد في إفريقيا عمومًا، والصومال على وجه الخصوص، ليس وليد لحظة توقيع الاتفاق الدفاعي بين البلدين، ويُمكن التأسيس له منذ العام 2002، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. عام 2005، أعلنت تركيا أنه “عام إفريقي”، وعام 2010، عُقد مؤتمر في إسطنبول لدعم العلاقات بين تركيا والصومال. وعندما كان الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان رئيسًا للوزراء في تركيا، زار الصومال في 19 أغسطس 2011، وكانت هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول تركي بهذا المستوى منذ 20 عامًا، واستغرقت يومًا واحدًا، واصطحب فيها عائلته و5 وزراء و50 صحافيًا. وبعدما أصبح رئيسًا للجمهورية التركية، عاد في إطار تعزيز الدور التركي في 25 يناير 2015 لزيارة مقديشو مرة أخرى. ووقَّعت أنقرة عام 2020 اتفاق للتنقيب عن الغاز والبترول في المياه الصومالية، وتوسَّطت بين الصومال وكينيا للتوصُّل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية المشتركة بينهما، وأنشأت أنقرة قاعدة فضائية في الصومال بكلفة 350 مليون دولار لإطلاق الأقمار الصناعية منها. وتُرجمت العلاقات الأمنية والعسكرية بين تركيا والصومال بشكلٍ أوضح في نهاية العام 2022، عندما كشف حسين معلم محمود، مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عن مشاركة الطائرات المُسيرة التركية “بيرقدار 2” في الحرب التي تشنّها بلاده على حركة الشباب. يأتي توقيع الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال ضمن سياق الاستراتيجية التركية لتوسيع حضورها ونفوذها في القارة الإفريقية وتنويع علاقاتها الاقتصادية وفتح أسواق واستثمارات جديدة في إفريقيا، وتحديدًا الصومال وجيبوتي، والتمدد خارج الجغرافيا التقليدية للدور والحضور والنفوذ التركي.[1] تصاعد التوترات في القرن الإفريقي: لا تزال التوترات مرتفعة في منطقة القرن الإفريقي بعد أن وقَّعت إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي اتفاقًا مُثيرًا للجدل يمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر الأحمر. وبموجب الاتفاق المُوقَّع في أوائل يناير، ستقوم أرض الصومال بتأجير 20 كيلومتر (12 ميل) من ساحلها لإثيوبيا غير الساحلية لاستخدامها كقاعدة عسكرية ولأغراض تجارية. وفي المُقابل تدرس إثيوبيا الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. وأعلنت أرض الصومال، وهي منطقة صغيرة تقع على ساحل خليج عدن، استقلالها في عام 1991، لكنها لا تزال تحظى بالاعتراف الدولي كجزء من الصومال. وأثارت الصفقة مخاوف من نشوب صراع أوسع نطاقًا حيث تتنافس عدة قوى كبرى على النفوذ في المنطقة الاستراتيجية. يمتد الخط الساحلي الصومالي الذي يبلغ طوله 3025 كيلومتر (1879 ميل)، وهو الأطول في إفريقيا، على طول خليج عدن إلى الشمال والمحيط الهندي إلى الشرق والجنوب. تحدها كينيا وإثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال الغربي، وتُعتبر بوابة إلى إفريقيا. وندَّدت الصومال بشدة بالاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال ووصفته بأنه انتهاك صارخ لسيادتها الإقليمية. بينما قلَّل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من المخاوف من نشوب صراع مسلح، قائلًا إن بلاده لا تُخطِّط لحرب مع الصومال. وفي حديثه أمام البرلمان الإثيوبي في وقتٍ سابق، أكَّد أن الاتفاق لا يُفيد إثيوبيا فحسب، بل يُفيد أيضًا “التعاون الإقليمي”.[2] عن الاتفاق: وقَّعت تركيا والصومال في العاصمة أنقرة يوم 8 فبراير، اتفاق إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي. المعلومات المنشورة حول الاتفاق ما تزال شحيحة؛ ولكن بحسب المُعلن؛ تبلغ مدة ذلك الاتفاق 10 سنوات، وبموجبها تُقدِّم تركيا الحماية للمياه الإقليمية الصومالية كأنها منطقة سيادة تركية، تسير فيها دورات بحرية لمكافحة الأنشطة غير القانونية من قرصنة وإرهاب وصيد غير مشروع وإلقاء نفايات من السفن الأجنبية، على أن تقوم تركيا ببناء القوات البحرية لدولة الصومال خلال المدة نفسها. في المُقابل، تُمنح أنقرة حق استغلال 30 بالمئة من ثروات الساحل الصومالي الأطول في القارة الإفريقية، وتحصل على حصة من تلك الثروات. لا يُعرف بعد مقدار هذه الحصة أو إن كانت تلك الثروات تقتصر على الثروة السمكية الهائلة في مياه البلاد، أم تمتد لتشمل التنقيب واستخراج النفط. وتشير تقديرات إلى أن الصومال يمتلك نحو 250 منطقة بحرية مُحتمل وجود النفط فيها، وقد أعلن وزير البترول والمناجم عن البدء في ترسية سبع مناطق استكشاف في المياه الإقليمية، ثلاثة منها تقع في مياه إقليم صوماليلاند.[3] وقد وافق البرلمان الصومالي بمجلسيه، الشعب والشيوخ، في جلسة غير عادية مشتركة، على الاتفاق. وصوَّت 213 عضو في البرلمان الفيدرالي لصالح الاتفاق، بينما رفضها 3 أعضاء من أصل 331 عضو بمجلسي البرلمان الصومالي. وفي كلمة غير مُجدولة مُسبقًا، تحدَّث الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أمام جلسة مُغلقة للبرلمان نظرًا لحساسية الخطاب. ولاحقًا، عقد شيخ محمود مؤتمرًا صحفيًا بقصر الرئاسة، إثر موافقة البرلمان على الاتفاق، تحدَّث خلاله عن مضمونها. وقال شيخ محمود أن الاتفاق مدته 10 سنوات، وتستهدف بناء البحرية الصومالية وتدريبها وتأهيلها وتسليحها، ولفت إلى أن النقاشات التي أسفرت عن هذا الاتفاق بدأت قبل فترة طويلة لكنها تزامنت في إبرامها مع الأزمة الدبلوماسية مع إثيوبيا. وأكد أن “الصومال لا يريد حربًا بالوكالة بين أطراف إقليمية أو دولية في أراضيه، ويسعى إلى التعاون مع الجميع”. وأوضح أن الاتفاق إطاري، ويترتب عليها اتفاقيات وبروتوكولات تنفيذية لتطبيقها بشكل كامل. وتعهَّد الرئيس الصومالي بأن الاتفاق لن يبقى سري وسيتم اعتماده رسميًا بشكل نهائي، وسيتم نشره في الجريدة الرسمية.[4] ما الذي يُغطيه الاتفاق؟ يمتد “الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي” الذي أُبرم مع الصومال لمدة 10 سنوات، ووفقًا للمعلومات المتوفرة من أنقرة، فإن مجالات التعاون تشمل: إدخال الموارد البحرية في الاقتصاد. تخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والبرية والبحرية المشتركة، في حال الحاجة للدفاع فيما يتعلق باستخدام هذه الموارد. بناء السفن وإنشاء الموانئ والمرافق وتشغيلها، واتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لذلك، وتوحيد قوانين الملاحة البحرية بين البلدين. اتخاذ تدابير أحادية ومشتركة لمكافحة جميع أنواع التهديدات في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة، مثل “الإرهاب” والقرصنة والنهب والصيد غير القانوني والتهريب. بناء منشآت أحادية ومشتركة وإقامة مناطق أمنية. تقديم الدعم التدريبي والتقني والمعداتي للجيش الصومالي. إنشاء وإدارة منشآت أمنية ساحلية. تطوير وتحديث القوة البحرية. منع التلوّث البحري. وستحصل الشركات التي ستعمل في جميع هذه المجالات على الموافقة من تركيا، وسيتم فتح المجال الجوي الصومالي ومناطقها الأمنية بالكامل أمام أنقرة. وبعد الاتفاق الإطاري سيتم…

تابع القراءة

الحرب الإسرائيلية الغربية على “الأونروا” لتصفية القضية الفلسطينية وانهاء حق عودة اللاجئين

منذ انشائها في العام 1949، تواجه وكالة الأونروا، تضييقا وحربا مكتومة،  على كافة المستويات المالية والإجرائية والاعلامية والدبلوماسية، من قبل إسرائيل، والتي تسعى لإزاحة “الأونروا” عن غزة ، بل عن مجمل الأراضي الفلسطينية.. ولم تتوقف الحكومات الاسرائيلية بمختلف مشاربها وانتماءاتها عن استهداف الوكالة… ولم يتوقف التحريض الإسرائيلي على وكالة الأونروا لاغاثة اللاجئين، يوما منذ نشأتها، وهو ما دفع بمزيد من الأزمات المتنوعة، بوجه المنظمة، ماليا وعملياتيا  على أرض الواقع الفلسطيني المرير… وفي يناير 2021، نشر الباحثان بـ”مركز بادين لدراسات سياسة الشرق الأوسط” رون شلايفر ويهودا براشين مقالا في موقع “نيوز ون” العبري، زعما فيه إن “الأونروا تسعى من أجل إدامة مشكلة اللاجئين، التي طُلب منها حلها، وبدلا من ذلك، فقد تحولت الأونروا تدريجيا كي تصبح منظمة قصيرة المدى شبه حكومية لمساعدة التنمية البشرية، تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية في مجالات الرعاية الطبية والمأوى والتعليم”. وأشارا إلى أنه “مع مرور الوقت، تولت الأونروا المسؤوليات التي عادة ما تكون في أيدي المؤسسات الحكومية كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وبدأت في إدارة مخيماتها للاجئين انطلاقا من سيادتها عليها، رغم أن معظم سكان هذه المخيمات من الفلسطينيين معروفون بنشاطهم السياسي، وصلاتهم بالمنظمات المسلحة، ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة (المقاومة الإسلامية) حماس“-حسب زعمهما.. وزعم الباحثان الإسرائيليان إلى أن “الشراكة قائمة بين الأونروا والمنظمات الفلسطينية منذ عقود، وانحيازها الواضح ضد إسرائيل، يزيدان الشكوك حول صورتها الذاتية بوصفها منظمة غير سياسية، وضرورة استمرار وجودها، وفي الواقع، شرعية وجودها بشكل عام، لأن الأونروا حوّلت قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مشروع يتم عبره ضخ مبالغ كبيرة من الأموال من الأنظمة العربية وتحفيز المؤيدين الغربيين“.… وتواصلت الاتهامات الاسرائيلية للمؤسسة.. أولا: استغلال الحرب على غزة للهجوم على الأونروا: وخلال الحرب الاسرائيلية المستعرة على غزة، منذ عملية “طوفان الأقضى” في 7 أكتوبر الماضي، شنت اسرائيل هجوما عاتيا على “الأونروا”، ضمن مخططه لتصفية القضية الفلسطينية ، وحرث القطاع المحاصر ، انسانيا وديمغرافيا… فروجت اسرائيل مزاعم غير محققة، دفعت لتوقف دول عدة عن دعمها، مؤخرا. وضمن الحملة الإسرائيلية على “الأونروا”، جرى اتهام 12 من موظفي الأونروا  في غزة، بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر الماضي على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية في محيط قطاع غزة. وفي أعقاب المزاعم الإسرائيلية، التي رددتها إسرائيل، عقب اتهامات دولية لها، خلال نظر القضية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا، بمحكمة العدل الدولية، قررت 18 دولة والاتحاد الأوروبي تعليق تمويلها لـ”أونروا”. وأعلنت الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق في الاتهامات الإسرائيلية. إلا أن “الأونروا”  أرادت قطع الطريق على أية محاولات للتأثير على عملها، فقررت فصل الـ12 موظفا من منتسبيها، مع احالتهم للتحقيق، متوعدة بالملاحقة الجنائية، إذا ثبتت الاتهامات.. وأعلنت حكومة نتنياهو أنها زودت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بمعلومات زعمت فيها أن 12 من أصل 13,000 من موظفيها في غزة متورطون في هجمات مقاتلي حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي. ولم تكشف لا إسرائيل ولا الأونروا عن أي تفاصيل أو معلومات حول هوية الموظفين الإثني عشر أو طبيعة عملهم ومدى تورطهم في الهجوم، إن كان تخطيطا أو دعما أو تنفيذا. وعلى الفور أعلن المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أنه “حمايةً لقدرة الوكالة على تقديم المساعدة الإنسانية، اتخذت قرارًا بإنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق من أجل التوصل إلى الحقيقة دون تأخير… إن أي موظف يثبت تورطه في “أعمال إرهابية” ستتم محاسبته من خلال الملاحقة الجنائية.” ثانيا: تاريخ طويل من التحريض الاسرائيلي ضد الاونروا: ومنذ البداية، برز موقف إسرائيل  المناهض للمنظمة، وعملها في قطاع غزة بعد العدوان الثلاثي عام 1956، فتعاملت إسرائيل مع الأونروا والقوات الدولية التي كانت على حدود القطاع من عام 1957 إلى العام 1967″. وطوال فترة الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع كانت الأونروا تعمل وتدير شؤون اللاجئين الفلسطينيين التعليمية والصحية في كل مخيمات وأماكن وجود اللاجئين في الضفة والقطاع من دون عراقيل. بل إن الأونروا ظلت تعمل في مخيمات شعفاط وقلنديا وحتى في مدينة القدس، حيث أعلنت إسرائيل ضم كل هذه المناطق رسميا إلى أراضيها. أي أن إسرائيل تعاملت مع الأونروا حتى داخل ما صار يقال عنه إنها أراض سيادية إسرائيلية“. ولا يعني ذلك  أن إسرائيل كانت راضية تماما عن الأونروا. ولكنها كانت تتقبل الأونروا في زمن الاحتلال لأنها تسهم في تمويل الكثير من الخدمات الأساسية لجزء كبير من الفلسطينيين. تقريبا، ثلثا السكان في غزة وربما ثلث السكان في الضفة”. ولخص الأميركي جون ديفيس مدير الأونروا في عام 1959 رؤيته لدور الوكالة في تلك الحقبة المبكرة بأنه بمثابة “تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشاكل السياسية للاجئين الفلسطينيين“. لكن موقف إسرائيل من الأونروا ما لبث أن بدأ يتغير في النصف الثاني من الثمانينات مع اندلاع الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1987، متخذا صفة التشكيك في حيادتها. فقد زعمت إسرائيل أن بعض موظفي الأونروا أعضاء أو مؤيدون لتنظيمات فلسطينية مقاومة، وادعت أن مركبات الأونروا تُستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة، وطالبت بمنحها الإذن لتفتيش مركبات الوكالة.  بالمقابل تذرعت الأونروا حينها بالحصانة الدبلوماسية لموظفيها، واعترضت على فحص مركباتها. وبعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 تنفيذا لاتفاق أوسلو، تغير الحال، فالحديث عن حقوق اللاجئين زاد ، وصار ينظر للوكالة على أن وجودها يخلّد قضية اللاجئين ولا يمحوها. وتبين زيف الشعار الصهيوني بأن الكبار يموتون والصغار ينسون. وصار الحديث عن القضاء على الأونروا هدفا معلنا وبالتعاون مع أميركا”. بالمقابل كانت إسرائيل في أوقات الحروب والأزمات تزيد في اتهاماتها للأونروا، بقصد واضح وهو إشعار الفلسطينيين بأنه لا ملاذ لهم منها وأن لا حماية دولية لهم. ويسهم ذلك في تيئيس الفلسطينيين من مواصلة الصراع من أجل حقوقهم.. وفي العام 2014 زادت نبرة التحريض على الأونروا في الإعلام الإسرائيلي، حيث نشر رئيس تحرير موقع “تايمز أوف إسرائيل” دافيد هوروفيتش مقالا في الأول من أغسطس 2014 بعنوان: “المشكلة مع الأونروا”، أشار فيه إلى أن الوكالة “تعمل بموجب تعريف مختلف عن تعريف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتقدم المساعدة ليس فقط لأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة بين لاجئي سنة 1948، ولمن فقدوا منازلهم ووسائل العيش بعد حرب 1967، ولكن أيضا -وهذه هي النقطة الحاسمة- لأحفادهم”. لذا، “فبدلاً من مشكلة لاجئين يعدّون بعشرات الآلاف، يوجد الآن ما بين 5 و6 ملايين لاجئ فلسطيني، ينتظرون عبثا العودة إلى إسرائيل، ويتم تمويل رعايتهم الصحية وتقديم الخدمات الاجتماعية والتعليم لهم من خلال الأونروا”. وعليه، أصبحت الأونروا، بصفتها الوكالة التي أقيمت لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، هي الوكالة التي “تغذي هذه المشكلة“. وبدءا من عام 2017 باشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي تولى السلطة تباعا بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995- بالتحريض علنا على الأونروا عبر تبني دعوة هوروفيتش إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين…

تابع القراءة

العملية العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية: بين الإصرار الإسرائيلي والرفض المصري

تزايدت التصريحات الإسرائيلية مؤخرًا بالاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية برية في مدينة رفح الفلسطينية الملاصقة للحدود المصرية، وترافق معها تحريض إعلامي لتبرير السيطرة على محور فيلادلفيا، ما أثار استياء مصر، وحذرت من تداعيات هذه العملية علي العلاقات المصرية- الإسرائيلية، خاصة وأن القاهرة تري في هذه العملية تمهيدًا لتنفيذ سيناريو التهجير للفلسطينيين من غزة إلي سيناء. وهو ما أثار التساؤلات حول أسباب إصرار إسرائيل علي تنفيذ هذه العملية رغم ما قد ينتج عنها من أزمة دبلوماسية مع القاهرة، وما هي طبيعة الموقف المصري من هذه العملية؟ وما هي الخيارات التي تملكها القاهرة للجم إسرائيل وتوقيفها عن شن تلك العملية؟ وهل يمكن أن تلجأ إلي هذه الخيارات بالفعل؟ وما هي سيناريوهات تنفيذ إسرائيل لهذه العملية؟ أولًا: الإصرار الإسرائيلي علي شن عملية عسكرية في مدينة رفح: علي الرغم من وجود معوقات كثيرة أمام إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، والتي تتمثل أبرزها في: 1- وقوع كارثة إنسانية: ستكون لتوسعة الاحتلال لعمليته البرية نحو مدينة رفح نتائج كارثية على النازحين في رفح، إذ بلغ عدد سكان محافظة رفح قبل بدء العدوان قرابة 260 ألف نسمة، يتوزعون على مساحة 64 كم، أي بنسبة كثافة سكانية تفوق 4 آلاف نسمة لكل كم مربع، ومع بدء التوغل البري بدأ عشرات الآلاف بالتدفق إلى رفح، ليبلغ عدد النازحين إليها مع عدد سكانها الأصلي أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، فيما يستمر الآلاف بالنزوح إليها من خانيونس ووسط قطاع غزة يوميًا، أي أن كثافة السكان حاليًا فيها بلغت قرابة 24 ألف نسمة لكل كم مربع، والنسبة في ازدياد دائم، مع استمرار العدوان وتوسيع الاحتلال لعملياته البرية، وإجبار الناس على النزوح وترك مناطقهم ومنع عودة أهالي شمال القطاع إلى مناطقهم. هذه الأعداد المهولة من النازحين تقول أنه لا يوجد في رفح حاليًا شبر فارغ من السكان الذين يقيمون في خيام هشة جدًا لا تقي من البرد أو المطر، ولا تشكل أي ملاذ لساكنيها في حال تقدمت الدبابات الإسرائيلية نحوهم. وبالتالي فإن توسيع الاحتلال لعمليته البرية نحو رفح في ظل هذه الظروف سيكون كارثيًا، وسيؤدي إلى استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين بأضعاف ما شهدته كل أيام العدوان السابقة، إذ كما هو معروف، لا يتقدم الاحتلال مترًا واحدًا بدون تمهيد ناري عنيف جدًا، وعندما يتقدم نحو المناطق السكانية فإنه يتعمد استهداف المدنيين بشكل مباشر، إذ قال المحلل العسكري لـ”القناة 14″ العبرية، “نوعم أمير” إنه التقى بضباط من جيش الاحتلال بالقطاع في ديسمبر 2023 وأكدوا له بوضوح أن: “كل من يمشي على رجلين، وهو ليس جنديًا في جيش الاحتلال، فهو ميت”، حسب تصريحه، وهذا ما يعني أن قوات الاحتلال لا تميز بين مدني ومقاوم، وأنها لن تتورع عن ارتكاب عشرات المجازر في حال تقدمها نحو رفح. في هذه الحالة لن يكون أمام النازحين مكان آخر لينزحوا إليه هربًا من المجازر الصهيونية، وذلك لأن الاحتلال ما زال يمنع عودة النازحين إلى مناطقهم في شمال القطاع ووسطه، ويعمل باستمرار على دفع المزيد من السكان على النزوح نحو رفح، ومن ناحية أخرى، فمصر قد أعلنت منذ اليوم الأول أنها لن تفتح أبوابها أمام هجرة جماعية للفلسطينيين، لما يعنيه ذلك من تكرار النكبة وتصفية القضية الفلسطينية، ما يعني أن النازحين في رفح سيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يظلوا في أماكنهم لتفتك بهم آلة القتل والتدمير الصهيونية، أو أن يتدافعوا نحو الحدود المصرية متسلقين الجدر العازلة ومقتحمين المعبر للنجاة بأرواحهم، وفي ذلك تتخوف مصر من حدوث سيناريو التدفق نحو حدودها واختراقها، وهو الأمر الذي عارضته منذ بداية العدوان[1]. هذه الكارثة الإنسانية ستشكل ضغطًا علي إسرائيل من جانبين: الأول؛ خاص بالقرار الأولي لمحكمة العدل الدولية الذي عنى أن إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية، وأنها تحت المراقبة والملاحظة، وأمرها باتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها من أجل منع قواتها من ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في إطار قضية رفعتها جنوب أفريقيا، ولذلك، فقد سارعت جنوب إفريقيا بتقديم طلب عاجل لمحكمة العدل الدولية لاستخدام سلطتها الكاملة من أجل وقف العملية العسكرية التي تخطط إسرائيل لشنها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة[2]. والثاني، متعلق بإعلان “حماس” أن أي عملية عسكرية قد تشنها إسرائيل على مدينة رفح ستؤدي إلى نسف المفاوضات المتعلقة  بتبادل الأسرى[3]. 2- الرفض المصري للعملية: حيث ترفض مصر قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية في مدينة رفح، وموقف مصر هام بالنسبة لإسرائيل؛ نظرًا للحدود المشتركة، ومنها حركة دخول وخروج المقاتلين أو السلاح أو حتى المساعدات الإغاثية، وهناك أيضًا اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب وهي مهمة جدًا لإسرائيل وتحرص علي المحافظة عليها[4]. وفي هذا السياق، فقد هددت مصر بالانسحاب من معاهدة السلام 1979، في حالة قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية في رفح. وتحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، في 11 فبراير 2024، عن مخاوف في إسرائيل من أن تؤدي عملية عسكرية في رفح وسط رفض مصري، إلى “إدخال القاهرة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح دون تفتيش إسرائيلي”، ورأت أن “التنسيق مع مصر، الذي يسمح لإسرائيل بإجراء فحص أمني لكل شاحنة تدخل القطاع عبر معبر رفح، يكاد يكون غير مسبوق، والإضرار به سيضر بأمن إسرائيل أكثر من مصر، ولذلك فإن الجيش منزعج ويحذر من احتمال نقل أسلحة إلى هناك دون تفتيش”. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل “تريد أن تتعامل في المستقبل القريب مع صفقة الرهائن، ومحور فيلادلفيا، ومصر هي همزة الوصل بين الهدفين”[5]. 3- التحفظ الأمريكي علي العملية: يبدو أن هناك تحفظات أمريكية علي العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح؛ نظرًا لما سينتج عن هذه العملية من سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، خاصة وأن واشنطن أصبحت تتلمس الحرج أمام الرأي العام العالمي، وخصوصًا بعد قرار محكمة العدل الدولية[6]. كما ترى واشنطن أن هدف القضاء على حركة حماس بحاجة إلى وقت طويل، وبالتالي يمكن استئناف الحرب بعد صفقة تبادل الأسرى، أما حياة الأسرى الإسرائيليين فليست مضمونة إذا استمرت الحرب، فقد مات أكثر من ثلاثين أسيرًا إسرائيليًا على يد القوات الإسرائيلية. كذلك تخشي واشنطن من تأثير هذه العملية علي السلام المصري الإسرائيلي الذي يعتبر أهم إنجاز حققته الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط منذ عشرات السنين، وتعطيه إدارة بايدن أهمية كبيرة؛ لأنها كانت تعمل قبل 7 أكتوبر، ولا تزال بعده، من أجل دمج إسرائيل في المنطقة عبر تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، ضمن مخطط أكبر لمحاصرة المشروع الصيني “الحزام والطريق” عبر الممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي[7]. ناهيك عن خشية واشنطن من أن تؤدي الكارثة الإنسانية في رفح مع اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدينة إلي انخراط أوسع من قبل “محور المقاومة” في لبنان والعراق وسوريا واليمن[8]. وفي ضوء ذلك؛ قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، أن واشنطن…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022