الاتفاق الصومالي- التركي وتأثيره على العلاقات المصرية- الصومالية

في الثامن من فبراير، وقَّع كلٌّ من وزير الدفاع التركي يشار غولر والصومالي عبدالقادر محمد نور اتفاق إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي. ويأتي هذا الاتفاق بين الصومال وتركيا في ظل أزمة سياسية بين إثيوبيا والصومال على خلفية توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع صوماليلاند (إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دوليًا)، حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في صوماليلاند. واعتبر الصومال هذه المذكرة تعديًّا صارخا على سيادته، في موقف حظي بدعم من دول ومنظمات عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي. فما هي حلفيات الحضور التركي في إفريقيا؟ وما هي تفاصيل ذلك الاتفاق؟ وكيف ستنعكس على الاستثمارات والمصالح الإقليمية في الموانئ الصومالية؟ ولماذا تركيا وليست مصر أو غيرها من الدول العربية؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال تلك الورقة.. الحضور التركي في الصومال: الحضور التركي المتمدد في إفريقيا عمومًا، والصومال على وجه الخصوص، ليس وليد لحظة توقيع الاتفاق الدفاعي بين البلدين، ويُمكن التأسيس له منذ العام 2002، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. عام 2005، أعلنت تركيا أنه “عام إفريقي”، وعام 2010، عُقد مؤتمر في إسطنبول لدعم العلاقات بين تركيا والصومال. وعندما كان الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان رئيسًا للوزراء في تركيا، زار الصومال في 19 أغسطس 2011، وكانت هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول تركي بهذا المستوى منذ 20 عامًا، واستغرقت يومًا واحدًا، واصطحب فيها عائلته و5 وزراء و50 صحافيًا. وبعدما أصبح رئيسًا للجمهورية التركية، عاد في إطار تعزيز الدور التركي في 25 يناير 2015 لزيارة مقديشو مرة أخرى. ووقَّعت أنقرة عام 2020 اتفاق للتنقيب عن الغاز والبترول في المياه الصومالية، وتوسَّطت بين الصومال وكينيا للتوصُّل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية المشتركة بينهما، وأنشأت أنقرة قاعدة فضائية في الصومال بكلفة 350 مليون دولار لإطلاق الأقمار الصناعية منها. وتُرجمت العلاقات الأمنية والعسكرية بين تركيا والصومال بشكلٍ أوضح في نهاية العام 2022، عندما كشف حسين معلم محمود، مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عن مشاركة الطائرات المُسيرة التركية “بيرقدار 2” في الحرب التي تشنّها بلاده على حركة الشباب. يأتي توقيع الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال ضمن سياق الاستراتيجية التركية لتوسيع حضورها ونفوذها في القارة الإفريقية وتنويع علاقاتها الاقتصادية وفتح أسواق واستثمارات جديدة في إفريقيا، وتحديدًا الصومال وجيبوتي، والتمدد خارج الجغرافيا التقليدية للدور والحضور والنفوذ التركي.[1] تصاعد التوترات في القرن الإفريقي: لا تزال التوترات مرتفعة في منطقة القرن الإفريقي بعد أن وقَّعت إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي اتفاقًا مُثيرًا للجدل يمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر الأحمر. وبموجب الاتفاق المُوقَّع في أوائل يناير، ستقوم أرض الصومال بتأجير 20 كيلومتر (12 ميل) من ساحلها لإثيوبيا غير الساحلية لاستخدامها كقاعدة عسكرية ولأغراض تجارية. وفي المُقابل تدرس إثيوبيا الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. وأعلنت أرض الصومال، وهي منطقة صغيرة تقع على ساحل خليج عدن، استقلالها في عام 1991، لكنها لا تزال تحظى بالاعتراف الدولي كجزء من الصومال. وأثارت الصفقة مخاوف من نشوب صراع أوسع نطاقًا حيث تتنافس عدة قوى كبرى على النفوذ في المنطقة الاستراتيجية. يمتد الخط الساحلي الصومالي الذي يبلغ طوله 3025 كيلومتر (1879 ميل)، وهو الأطول في إفريقيا، على طول خليج عدن إلى الشمال والمحيط الهندي إلى الشرق والجنوب. تحدها كينيا وإثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال الغربي، وتُعتبر بوابة إلى إفريقيا. وندَّدت الصومال بشدة بالاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال ووصفته بأنه انتهاك صارخ لسيادتها الإقليمية. بينما قلَّل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من المخاوف من نشوب صراع مسلح، قائلًا إن بلاده لا تُخطِّط لحرب مع الصومال. وفي حديثه أمام البرلمان الإثيوبي في وقتٍ سابق، أكَّد أن الاتفاق لا يُفيد إثيوبيا فحسب، بل يُفيد أيضًا “التعاون الإقليمي”.[2] عن الاتفاق: وقَّعت تركيا والصومال في العاصمة أنقرة يوم 8 فبراير، اتفاق إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي. المعلومات المنشورة حول الاتفاق ما تزال شحيحة؛ ولكن بحسب المُعلن؛ تبلغ مدة ذلك الاتفاق 10 سنوات، وبموجبها تُقدِّم تركيا الحماية للمياه الإقليمية الصومالية كأنها منطقة سيادة تركية، تسير فيها دورات بحرية لمكافحة الأنشطة غير القانونية من قرصنة وإرهاب وصيد غير مشروع وإلقاء نفايات من السفن الأجنبية، على أن تقوم تركيا ببناء القوات البحرية لدولة الصومال خلال المدة نفسها. في المُقابل، تُمنح أنقرة حق استغلال 30 بالمئة من ثروات الساحل الصومالي الأطول في القارة الإفريقية، وتحصل على حصة من تلك الثروات. لا يُعرف بعد مقدار هذه الحصة أو إن كانت تلك الثروات تقتصر على الثروة السمكية الهائلة في مياه البلاد، أم تمتد لتشمل التنقيب واستخراج النفط. وتشير تقديرات إلى أن الصومال يمتلك نحو 250 منطقة بحرية مُحتمل وجود النفط فيها، وقد أعلن وزير البترول والمناجم عن البدء في ترسية سبع مناطق استكشاف في المياه الإقليمية، ثلاثة منها تقع في مياه إقليم صوماليلاند.[3] وقد وافق البرلمان الصومالي بمجلسيه، الشعب والشيوخ، في جلسة غير عادية مشتركة، على الاتفاق. وصوَّت 213 عضو في البرلمان الفيدرالي لصالح الاتفاق، بينما رفضها 3 أعضاء من أصل 331 عضو بمجلسي البرلمان الصومالي. وفي كلمة غير مُجدولة مُسبقًا، تحدَّث الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أمام جلسة مُغلقة للبرلمان نظرًا لحساسية الخطاب. ولاحقًا، عقد شيخ محمود مؤتمرًا صحفيًا بقصر الرئاسة، إثر موافقة البرلمان على الاتفاق، تحدَّث خلاله عن مضمونها. وقال شيخ محمود أن الاتفاق مدته 10 سنوات، وتستهدف بناء البحرية الصومالية وتدريبها وتأهيلها وتسليحها، ولفت إلى أن النقاشات التي أسفرت عن هذا الاتفاق بدأت قبل فترة طويلة لكنها تزامنت في إبرامها مع الأزمة الدبلوماسية مع إثيوبيا. وأكد أن “الصومال لا يريد حربًا بالوكالة بين أطراف إقليمية أو دولية في أراضيه، ويسعى إلى التعاون مع الجميع”. وأوضح أن الاتفاق إطاري، ويترتب عليها اتفاقيات وبروتوكولات تنفيذية لتطبيقها بشكل كامل. وتعهَّد الرئيس الصومالي بأن الاتفاق لن يبقى سري وسيتم اعتماده رسميًا بشكل نهائي، وسيتم نشره في الجريدة الرسمية.[4] ما الذي يُغطيه الاتفاق؟ يمتد “الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي” الذي أُبرم مع الصومال لمدة 10 سنوات، ووفقًا للمعلومات المتوفرة من أنقرة، فإن مجالات التعاون تشمل: إدخال الموارد البحرية في الاقتصاد. تخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والبرية والبحرية المشتركة، في حال الحاجة للدفاع فيما يتعلق باستخدام هذه الموارد. بناء السفن وإنشاء الموانئ والمرافق وتشغيلها، واتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لذلك، وتوحيد قوانين الملاحة البحرية بين البلدين. اتخاذ تدابير أحادية ومشتركة لمكافحة جميع أنواع التهديدات في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة، مثل “الإرهاب” والقرصنة والنهب والصيد غير القانوني والتهريب. بناء منشآت أحادية ومشتركة وإقامة مناطق أمنية. تقديم الدعم التدريبي والتقني والمعداتي للجيش الصومالي. إنشاء وإدارة منشآت أمنية ساحلية. تطوير وتحديث القوة البحرية. منع التلوّث البحري. وستحصل الشركات التي ستعمل في جميع هذه المجالات على الموافقة من تركيا، وسيتم فتح المجال الجوي الصومالي ومناطقها الأمنية بالكامل أمام أنقرة. وبعد الاتفاق الإطاري سيتم…

تابع القراءة

الحرب الإسرائيلية الغربية على “الأونروا” لتصفية القضية الفلسطينية وانهاء حق عودة اللاجئين

منذ انشائها في العام 1949، تواجه وكالة الأونروا، تضييقا وحربا مكتومة،  على كافة المستويات المالية والإجرائية والاعلامية والدبلوماسية، من قبل إسرائيل، والتي تسعى لإزاحة “الأونروا” عن غزة ، بل عن مجمل الأراضي الفلسطينية.. ولم تتوقف الحكومات الاسرائيلية بمختلف مشاربها وانتماءاتها عن استهداف الوكالة… ولم يتوقف التحريض الإسرائيلي على وكالة الأونروا لاغاثة اللاجئين، يوما منذ نشأتها، وهو ما دفع بمزيد من الأزمات المتنوعة، بوجه المنظمة، ماليا وعملياتيا  على أرض الواقع الفلسطيني المرير… وفي يناير 2021، نشر الباحثان بـ”مركز بادين لدراسات سياسة الشرق الأوسط” رون شلايفر ويهودا براشين مقالا في موقع “نيوز ون” العبري، زعما فيه إن “الأونروا تسعى من أجل إدامة مشكلة اللاجئين، التي طُلب منها حلها، وبدلا من ذلك، فقد تحولت الأونروا تدريجيا كي تصبح منظمة قصيرة المدى شبه حكومية لمساعدة التنمية البشرية، تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية في مجالات الرعاية الطبية والمأوى والتعليم”. وأشارا إلى أنه “مع مرور الوقت، تولت الأونروا المسؤوليات التي عادة ما تكون في أيدي المؤسسات الحكومية كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وبدأت في إدارة مخيماتها للاجئين انطلاقا من سيادتها عليها، رغم أن معظم سكان هذه المخيمات من الفلسطينيين معروفون بنشاطهم السياسي، وصلاتهم بالمنظمات المسلحة، ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة (المقاومة الإسلامية) حماس“-حسب زعمهما.. وزعم الباحثان الإسرائيليان إلى أن “الشراكة قائمة بين الأونروا والمنظمات الفلسطينية منذ عقود، وانحيازها الواضح ضد إسرائيل، يزيدان الشكوك حول صورتها الذاتية بوصفها منظمة غير سياسية، وضرورة استمرار وجودها، وفي الواقع، شرعية وجودها بشكل عام، لأن الأونروا حوّلت قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مشروع يتم عبره ضخ مبالغ كبيرة من الأموال من الأنظمة العربية وتحفيز المؤيدين الغربيين“.… وتواصلت الاتهامات الاسرائيلية للمؤسسة.. أولا: استغلال الحرب على غزة للهجوم على الأونروا: وخلال الحرب الاسرائيلية المستعرة على غزة، منذ عملية “طوفان الأقضى” في 7 أكتوبر الماضي، شنت اسرائيل هجوما عاتيا على “الأونروا”، ضمن مخططه لتصفية القضية الفلسطينية ، وحرث القطاع المحاصر ، انسانيا وديمغرافيا… فروجت اسرائيل مزاعم غير محققة، دفعت لتوقف دول عدة عن دعمها، مؤخرا. وضمن الحملة الإسرائيلية على “الأونروا”، جرى اتهام 12 من موظفي الأونروا  في غزة، بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر الماضي على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية في محيط قطاع غزة. وفي أعقاب المزاعم الإسرائيلية، التي رددتها إسرائيل، عقب اتهامات دولية لها، خلال نظر القضية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا، بمحكمة العدل الدولية، قررت 18 دولة والاتحاد الأوروبي تعليق تمويلها لـ”أونروا”. وأعلنت الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق في الاتهامات الإسرائيلية. إلا أن “الأونروا”  أرادت قطع الطريق على أية محاولات للتأثير على عملها، فقررت فصل الـ12 موظفا من منتسبيها، مع احالتهم للتحقيق، متوعدة بالملاحقة الجنائية، إذا ثبتت الاتهامات.. وأعلنت حكومة نتنياهو أنها زودت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بمعلومات زعمت فيها أن 12 من أصل 13,000 من موظفيها في غزة متورطون في هجمات مقاتلي حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي. ولم تكشف لا إسرائيل ولا الأونروا عن أي تفاصيل أو معلومات حول هوية الموظفين الإثني عشر أو طبيعة عملهم ومدى تورطهم في الهجوم، إن كان تخطيطا أو دعما أو تنفيذا. وعلى الفور أعلن المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أنه “حمايةً لقدرة الوكالة على تقديم المساعدة الإنسانية، اتخذت قرارًا بإنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق من أجل التوصل إلى الحقيقة دون تأخير… إن أي موظف يثبت تورطه في “أعمال إرهابية” ستتم محاسبته من خلال الملاحقة الجنائية.” ثانيا: تاريخ طويل من التحريض الاسرائيلي ضد الاونروا: ومنذ البداية، برز موقف إسرائيل  المناهض للمنظمة، وعملها في قطاع غزة بعد العدوان الثلاثي عام 1956، فتعاملت إسرائيل مع الأونروا والقوات الدولية التي كانت على حدود القطاع من عام 1957 إلى العام 1967″. وطوال فترة الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع كانت الأونروا تعمل وتدير شؤون اللاجئين الفلسطينيين التعليمية والصحية في كل مخيمات وأماكن وجود اللاجئين في الضفة والقطاع من دون عراقيل. بل إن الأونروا ظلت تعمل في مخيمات شعفاط وقلنديا وحتى في مدينة القدس، حيث أعلنت إسرائيل ضم كل هذه المناطق رسميا إلى أراضيها. أي أن إسرائيل تعاملت مع الأونروا حتى داخل ما صار يقال عنه إنها أراض سيادية إسرائيلية“. ولا يعني ذلك  أن إسرائيل كانت راضية تماما عن الأونروا. ولكنها كانت تتقبل الأونروا في زمن الاحتلال لأنها تسهم في تمويل الكثير من الخدمات الأساسية لجزء كبير من الفلسطينيين. تقريبا، ثلثا السكان في غزة وربما ثلث السكان في الضفة”. ولخص الأميركي جون ديفيس مدير الأونروا في عام 1959 رؤيته لدور الوكالة في تلك الحقبة المبكرة بأنه بمثابة “تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشاكل السياسية للاجئين الفلسطينيين“. لكن موقف إسرائيل من الأونروا ما لبث أن بدأ يتغير في النصف الثاني من الثمانينات مع اندلاع الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1987، متخذا صفة التشكيك في حيادتها. فقد زعمت إسرائيل أن بعض موظفي الأونروا أعضاء أو مؤيدون لتنظيمات فلسطينية مقاومة، وادعت أن مركبات الأونروا تُستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة، وطالبت بمنحها الإذن لتفتيش مركبات الوكالة.  بالمقابل تذرعت الأونروا حينها بالحصانة الدبلوماسية لموظفيها، واعترضت على فحص مركباتها. وبعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 تنفيذا لاتفاق أوسلو، تغير الحال، فالحديث عن حقوق اللاجئين زاد ، وصار ينظر للوكالة على أن وجودها يخلّد قضية اللاجئين ولا يمحوها. وتبين زيف الشعار الصهيوني بأن الكبار يموتون والصغار ينسون. وصار الحديث عن القضاء على الأونروا هدفا معلنا وبالتعاون مع أميركا”. بالمقابل كانت إسرائيل في أوقات الحروب والأزمات تزيد في اتهاماتها للأونروا، بقصد واضح وهو إشعار الفلسطينيين بأنه لا ملاذ لهم منها وأن لا حماية دولية لهم. ويسهم ذلك في تيئيس الفلسطينيين من مواصلة الصراع من أجل حقوقهم.. وفي العام 2014 زادت نبرة التحريض على الأونروا في الإعلام الإسرائيلي، حيث نشر رئيس تحرير موقع “تايمز أوف إسرائيل” دافيد هوروفيتش مقالا في الأول من أغسطس 2014 بعنوان: “المشكلة مع الأونروا”، أشار فيه إلى أن الوكالة “تعمل بموجب تعريف مختلف عن تعريف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتقدم المساعدة ليس فقط لأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة بين لاجئي سنة 1948، ولمن فقدوا منازلهم ووسائل العيش بعد حرب 1967، ولكن أيضا -وهذه هي النقطة الحاسمة- لأحفادهم”. لذا، “فبدلاً من مشكلة لاجئين يعدّون بعشرات الآلاف، يوجد الآن ما بين 5 و6 ملايين لاجئ فلسطيني، ينتظرون عبثا العودة إلى إسرائيل، ويتم تمويل رعايتهم الصحية وتقديم الخدمات الاجتماعية والتعليم لهم من خلال الأونروا”. وعليه، أصبحت الأونروا، بصفتها الوكالة التي أقيمت لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، هي الوكالة التي “تغذي هذه المشكلة“. وبدءا من عام 2017 باشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي تولى السلطة تباعا بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995- بالتحريض علنا على الأونروا عبر تبني دعوة هوروفيتش إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين…

تابع القراءة

العملية العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية: بين الإصرار الإسرائيلي والرفض المصري

تزايدت التصريحات الإسرائيلية مؤخرًا بالاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية برية في مدينة رفح الفلسطينية الملاصقة للحدود المصرية، وترافق معها تحريض إعلامي لتبرير السيطرة على محور فيلادلفيا، ما أثار استياء مصر، وحذرت من تداعيات هذه العملية علي العلاقات المصرية- الإسرائيلية، خاصة وأن القاهرة تري في هذه العملية تمهيدًا لتنفيذ سيناريو التهجير للفلسطينيين من غزة إلي سيناء. وهو ما أثار التساؤلات حول أسباب إصرار إسرائيل علي تنفيذ هذه العملية رغم ما قد ينتج عنها من أزمة دبلوماسية مع القاهرة، وما هي طبيعة الموقف المصري من هذه العملية؟ وما هي الخيارات التي تملكها القاهرة للجم إسرائيل وتوقيفها عن شن تلك العملية؟ وهل يمكن أن تلجأ إلي هذه الخيارات بالفعل؟ وما هي سيناريوهات تنفيذ إسرائيل لهذه العملية؟ أولًا: الإصرار الإسرائيلي علي شن عملية عسكرية في مدينة رفح: علي الرغم من وجود معوقات كثيرة أمام إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، والتي تتمثل أبرزها في: 1- وقوع كارثة إنسانية: ستكون لتوسعة الاحتلال لعمليته البرية نحو مدينة رفح نتائج كارثية على النازحين في رفح، إذ بلغ عدد سكان محافظة رفح قبل بدء العدوان قرابة 260 ألف نسمة، يتوزعون على مساحة 64 كم، أي بنسبة كثافة سكانية تفوق 4 آلاف نسمة لكل كم مربع، ومع بدء التوغل البري بدأ عشرات الآلاف بالتدفق إلى رفح، ليبلغ عدد النازحين إليها مع عدد سكانها الأصلي أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، فيما يستمر الآلاف بالنزوح إليها من خانيونس ووسط قطاع غزة يوميًا، أي أن كثافة السكان حاليًا فيها بلغت قرابة 24 ألف نسمة لكل كم مربع، والنسبة في ازدياد دائم، مع استمرار العدوان وتوسيع الاحتلال لعملياته البرية، وإجبار الناس على النزوح وترك مناطقهم ومنع عودة أهالي شمال القطاع إلى مناطقهم. هذه الأعداد المهولة من النازحين تقول أنه لا يوجد في رفح حاليًا شبر فارغ من السكان الذين يقيمون في خيام هشة جدًا لا تقي من البرد أو المطر، ولا تشكل أي ملاذ لساكنيها في حال تقدمت الدبابات الإسرائيلية نحوهم. وبالتالي فإن توسيع الاحتلال لعمليته البرية نحو رفح في ظل هذه الظروف سيكون كارثيًا، وسيؤدي إلى استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين بأضعاف ما شهدته كل أيام العدوان السابقة، إذ كما هو معروف، لا يتقدم الاحتلال مترًا واحدًا بدون تمهيد ناري عنيف جدًا، وعندما يتقدم نحو المناطق السكانية فإنه يتعمد استهداف المدنيين بشكل مباشر، إذ قال المحلل العسكري لـ”القناة 14″ العبرية، “نوعم أمير” إنه التقى بضباط من جيش الاحتلال بالقطاع في ديسمبر 2023 وأكدوا له بوضوح أن: “كل من يمشي على رجلين، وهو ليس جنديًا في جيش الاحتلال، فهو ميت”، حسب تصريحه، وهذا ما يعني أن قوات الاحتلال لا تميز بين مدني ومقاوم، وأنها لن تتورع عن ارتكاب عشرات المجازر في حال تقدمها نحو رفح. في هذه الحالة لن يكون أمام النازحين مكان آخر لينزحوا إليه هربًا من المجازر الصهيونية، وذلك لأن الاحتلال ما زال يمنع عودة النازحين إلى مناطقهم في شمال القطاع ووسطه، ويعمل باستمرار على دفع المزيد من السكان على النزوح نحو رفح، ومن ناحية أخرى، فمصر قد أعلنت منذ اليوم الأول أنها لن تفتح أبوابها أمام هجرة جماعية للفلسطينيين، لما يعنيه ذلك من تكرار النكبة وتصفية القضية الفلسطينية، ما يعني أن النازحين في رفح سيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يظلوا في أماكنهم لتفتك بهم آلة القتل والتدمير الصهيونية، أو أن يتدافعوا نحو الحدود المصرية متسلقين الجدر العازلة ومقتحمين المعبر للنجاة بأرواحهم، وفي ذلك تتخوف مصر من حدوث سيناريو التدفق نحو حدودها واختراقها، وهو الأمر الذي عارضته منذ بداية العدوان[1]. هذه الكارثة الإنسانية ستشكل ضغطًا علي إسرائيل من جانبين: الأول؛ خاص بالقرار الأولي لمحكمة العدل الدولية الذي عنى أن إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية، وأنها تحت المراقبة والملاحظة، وأمرها باتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها من أجل منع قواتها من ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في إطار قضية رفعتها جنوب أفريقيا، ولذلك، فقد سارعت جنوب إفريقيا بتقديم طلب عاجل لمحكمة العدل الدولية لاستخدام سلطتها الكاملة من أجل وقف العملية العسكرية التي تخطط إسرائيل لشنها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة[2]. والثاني، متعلق بإعلان “حماس” أن أي عملية عسكرية قد تشنها إسرائيل على مدينة رفح ستؤدي إلى نسف المفاوضات المتعلقة  بتبادل الأسرى[3]. 2- الرفض المصري للعملية: حيث ترفض مصر قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية في مدينة رفح، وموقف مصر هام بالنسبة لإسرائيل؛ نظرًا للحدود المشتركة، ومنها حركة دخول وخروج المقاتلين أو السلاح أو حتى المساعدات الإغاثية، وهناك أيضًا اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب وهي مهمة جدًا لإسرائيل وتحرص علي المحافظة عليها[4]. وفي هذا السياق، فقد هددت مصر بالانسحاب من معاهدة السلام 1979، في حالة قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية في رفح. وتحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، في 11 فبراير 2024، عن مخاوف في إسرائيل من أن تؤدي عملية عسكرية في رفح وسط رفض مصري، إلى “إدخال القاهرة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح دون تفتيش إسرائيلي”، ورأت أن “التنسيق مع مصر، الذي يسمح لإسرائيل بإجراء فحص أمني لكل شاحنة تدخل القطاع عبر معبر رفح، يكاد يكون غير مسبوق، والإضرار به سيضر بأمن إسرائيل أكثر من مصر، ولذلك فإن الجيش منزعج ويحذر من احتمال نقل أسلحة إلى هناك دون تفتيش”. وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل “تريد أن تتعامل في المستقبل القريب مع صفقة الرهائن، ومحور فيلادلفيا، ومصر هي همزة الوصل بين الهدفين”[5]. 3- التحفظ الأمريكي علي العملية: يبدو أن هناك تحفظات أمريكية علي العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح؛ نظرًا لما سينتج عن هذه العملية من سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، خاصة وأن واشنطن أصبحت تتلمس الحرج أمام الرأي العام العالمي، وخصوصًا بعد قرار محكمة العدل الدولية[6]. كما ترى واشنطن أن هدف القضاء على حركة حماس بحاجة إلى وقت طويل، وبالتالي يمكن استئناف الحرب بعد صفقة تبادل الأسرى، أما حياة الأسرى الإسرائيليين فليست مضمونة إذا استمرت الحرب، فقد مات أكثر من ثلاثين أسيرًا إسرائيليًا على يد القوات الإسرائيلية. كذلك تخشي واشنطن من تأثير هذه العملية علي السلام المصري الإسرائيلي الذي يعتبر أهم إنجاز حققته الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط منذ عشرات السنين، وتعطيه إدارة بايدن أهمية كبيرة؛ لأنها كانت تعمل قبل 7 أكتوبر، ولا تزال بعده، من أجل دمج إسرائيل في المنطقة عبر تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، ضمن مخطط أكبر لمحاصرة المشروع الصيني “الحزام والطريق” عبر الممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي[7]. ناهيك عن خشية واشنطن من أن تؤدي الكارثة الإنسانية في رفح مع اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدينة إلي انخراط أوسع من قبل “محور المقاومة” في لبنان والعراق وسوريا واليمن[8]. وفي ضوء ذلك؛ قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، أن واشنطن…

تابع القراءة

قرار محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل: الإيجابيات والسلبيات

تقدمت حكومة جمهورية جنوب أفريقيا، في 29 ديسمبر 2023، بدعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، تتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب أحكام “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” على أساس المادتين 36/1 و41 من النظام الأساسي للمحكمة، التي تأسست عام 1945، وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وتضمنت مذكرة الدعوى طلبًا للبت في التدابير المؤقتة (كإجراء فرعي مستعجل)، عملًا بأحكام المادة 41 من ذلك النظام. وبناءً على ذلك، أعلنت المحكمة في 3 يناير 2024 أنها ستعقد جلستين لسماع المحاجة الشفهية لفريقي الادعاء والدفاع يومي 11 و12 يناير 2024. وفي 12 يناير 2024، أعلنت اختتام جلسات الاستماع لطرفي الدعوى، وأشارت إلى أن قرارها بشأن ما قدم إليها من طلبات مستعجلة سيصدر في وقت تعلن عنه لاحقًا[1]. ثم أصدرت المحكمة، في 26 يناير 2024، قرارها بفرض التدابير المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تلزمها بوقف جميع الأعمال والأنشطة والتصريحات التحريضية التي تؤدي إلى ارتكاب صور جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وبالأخص قتل المواطنين وإصابتهم بأضرار جسدية ونفسية وفرض ظروف معيشية صعبة بقصد تدمير شعب غزة كليًا أو جزئيًا وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات، مع ضمان عدم ارتكاب الجيش الإسرائيلي جميع الأعمال السابقة، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وضرورة اتخاذ تدابير فورية وفعالة لتوفير الخدمات الأساسية ودخول المساعدات الإنسانية[2]. وقد تباينت ردود الفعل بشأن القرار بين محتفل يرى فيه انتصارًا رمزيًا للعدالة الدولية وإرغامًا لأنف إسرائيل في المحافل الدولية، ومن أصيب بخيبة أمل بشأن قرار لم يشر إلي وقف العدوان الإسرائيلي المستمر علي قطاع غزة، ولم يضمن للناجين عودة آمنة لديارهم التي نزحوا عنها قصرًا[3]. أولًا: ماهية محكمة العدل الدولية وجريمة الإبادة الجماعية: 1- محكمة العدل الدولية: هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة. يقع مقرها في “قصر السلام” في مدينة لاهاي في هولندا، وهي الجهاز الوحيد من بين الأجهزة الستة التابعة للأمم المتحدة ( الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، محكمة العدل الدولية، الأمانة العامة، مجلس الوصاية) الذي لا يقع مقره في مدينة نيويورك. تم تأُسيسها في العام 1945 وبدأت أعمالها في العام التالي فحلت، بذلك، محل “المحكمة الدائمة للعدالة الدولية” (التي تأسست في العام 1920). وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين “محكمة العدل الدولية” و”المحكمة الجنائية الدولية”، فهما هيئتان مختلفتان لكلًا منهما اختصاصات مختلفة؛ حيث تحاكم الأولى (العدل) الحكومات/ الدول بينما تحاكم الثانية (الجنائية – في لاهاي، أيضًا) الأفراد. يتمثل الاختصاصان المركزيان لمحكمة العدل الدولية في: الأول؛ الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول (وهذه مشروطة بموافقة الدولة المدعى عليها)، ويمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتلك التي قبلت اختصاص محكمة العدل الدولية تقديم القضايا. والثاني؛ إصدار فتاوى قضائية، بصفة استشارية، حسب طلب الهيئة العامة للأمم المتحدة أو منظمات مختلفة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة. وهي توفر وسائل سلمية لحل النزاعات القانونية الدولية. وتعالج فقط القضايا التي تتقدم بها الدول وتستند قراراتها على مبادئ القانون الدولي ولا تقبل الاستئناف. تتألف المحكمة من 15 قاضيًا يخدم كل منهم مدة 9 سنوات، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مع مراعاة التنوع الجغرافي. يُنتخب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات. ويجب أن يمثل القضاة كل الحضارات والأنظمة القانونية الرئيسة في العالم. ولا يسمح بوجود قاضيين يحملان الجنسية نفسها. وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يُعاد انتخاب قاض بديل يحمل جنسية المتوفي فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته. يمكن عزل القاضي عن كرسيه فقط بموجب تصويت سري يجريه أعضاء المحكمة. يجوز للقضاة أن يقدموا حكمًا مشتركاً أو أحكامًا مستقلة حسب آراء كل منهم. وتؤخذ القرارات وتقدم الاستشارات وفق نظام الأغلبية. وفي حال تساوي الأصوات، يعتبر صوت رئيس المحكمة مرجحًا. تتكون هيئة المحكمة حاليًا من 15 قاضيًا من الدول التالية: الولايات المتحدة (رئيسة المحكمة)، فرنسا، اليابان، ألمانيا، أستراليا، سلوفاكيا، البرازيل، جمايكا، الهند، أوغندا، الصين، الصومال، روسيا، لبنان والمغرب. يمكن تعيين قاض خاص من قبل كل طرف في القضايا الخلافية (بين دولتين) وبذلك يصل عدد القضاة في هذه القضية إلى 17. في الدعوى الحالية، عينت جنوب أفريقيا ديكجانج موسينيكي النائب السابق لرئيس المحكمة العليا في البلاد قاضيًا عنها، وعينت إسرائيل أهارون باراك الرئيس السابق للمحكمة الإسرائيلية العليا قاضيًا عنها[4]. 2- جريمة الإبادة الجماعية: “الإبادة الجماعية” مصطلح صاغه، في أربعينيات القرن العشرين، المحامي اليهودي رفائيل ليمكين، الذي هرب من بولندا (مولده الأصلي) إلى الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك في إثر الفظائع التي ارتكبت خلال المحاولات التي جرت لإبادة طوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي. وقد صنفت هذه كجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع في 8 ديسمبر 1948 ووضعت موضع التنفيذ العام 1951 وأُطلق عليها اسم “اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية” أو “اتفاقية الإبادة الجماعية – منع ومعاقبة جميع أشكال جرائم الإبادة الجماعية، في أوقات الحرب والسلم على حد سواء”. تتكون الاتفاقية من 19 مادة. وبموجب المادة الثانية من هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة؛ )ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة؛ )ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي، كليًا أو جزئيًا؛ )د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛ )هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى. ووفقًا للمادة الثالثة من الاتفاقية، يعاقب على الأفعال التالية: )أ) الإبادة الجماعية؛ )ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية؛ )ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية؛ )د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية؛ )هـ) المشاركة في الإبادة الجماعية. ووفقًا للمادة الرابعة، يُعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية، أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكامًا دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادًا. ووفقًا للمادة الخامسة، يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا، كل طبقًا لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة لإنزالها بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة. ووفقًا للمادة السادسة، تتم محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية، أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها. وحول دور “محكمة العدل الدولية”، تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على أنه “تعرض على محكمة العدل الدولية، بناءًا على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير…

تابع القراءة

الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال: قراءة في الأبعاد والتداعيات

أبرمت إثيوبيا في الأول من يناير 2024 اتفاقًا مبدئيًّا مع إقليم أرض الصومال، يمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر الأحمر تمهيدًا لإقامة قاعدة بحرية تجارية إثيوبية بالقرب من ميناء بربرة على مساحة 20 كيلومتر مربع لمدة 50 عام، مُقابل اعتراف الحكومة الإثيوبية بأرض الصومال كدولة مستقلة، ومنحها حصة قدرها 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية التي بلغت إيراداتها نحو 6.9 مليار دولار وفقًا لإحصاءات عام 2022. فما هي أرض الصومال؟ وما هي أهمية الاتفاق بالنسبة لكلٍّ من إثيوبيا وأرض الصومال؟ ولماذا تتحفَّظ عليه الصومال؟ وما هي التداعيات المُحتملة للاتفاق على الدول المعنية؟ وكيف يُمكن توقُّع مستقبل الاتفاق؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. أولًا: أرض الصومال والحلم الإثيوبي للولوج للبحر.. قبل التعرُّض للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال؛ لابد من التعرُّض أولًا لخلفيات نشأة أرض الصومال، ودوافع إثيوبيا لمثل هذه الاتفاقات.. 1. كيف نشأت أرض الصومال؟ كانت أرض الصومال، وهي منطقة شبه صحراوية تقع على ساحل خليج عدن، محمية بريطانية ثم حصلت على استقلالها عام 1960 واندمجت مع الصومال، التي كانت تحتلها إيطاليا لتُكوِّنا معًا جمهورية الصومال. ثم انفصلت أرض الصومال وأعلنت استقلالها عن جمهورية الصومال في عام 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق سياد بري. العاصمة: هرجيسا، المساحة: 177,000 كيلومتر مربع، عدد السكان: 5.7 مليون نسمة، اللغات: الصومالية، العربية، الإنجليزية.[1] ورغم أن الإقليم ينتخب حكومته، ويملك عملته الخاصة، ويصدر جوازات سفر، فقد ظل غير معترف به كدولة مستقلة. وترتبط حكومة الإقليم بعلاقات مع عدد من الدول، ولديها مكاتب تمثيلية في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والإمارات، وتايوان، وتستضيف بعثات قنصلية من المملكة المتحدة، وتركيا وتايوان، وإثيوبيا، وجيبوتي، والإمارات التي وقَّعت اتفاقًا مع أرض الصومال عام 2016 بقيمة 442 مليون دولار، لتشغيل مركز تجاري ولوجيستي إقليمي في ميناء بربرة. كما وقَّعت الإمارات في 2018 مع حكومة الإقليم اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء بربرة، وتحتفظ شركة موانئ دبي العالمية بحصة تبلغ 51% من المشروع، الذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2021، بجانب 30% حصة أرض الصومال، و19% حصة إثيوبيا.[2] 2. الحلم الإثيوبي للولوج للبحر: لطالما احتل الوصول إلى البحر مكانة مركزية في الوجدان الإثيوبي، ولاسيما بعد استقلال إريتريا عام 1993 الذي حوّل المستعمر السابق إلى أكبر الدول الحبيسة في إفريقيا. هذا الطموح الإثيوبي المُتجدِّد كانت آخر تجلياته الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء آبي أحمد أمام برلمان بلاده في 14 أكتوبر الماضي. وفي إطار إثبات أحقية بلاده في الحصول على منفذ بحري؛ ساق أحمد العديد من المبررات التاريخية والاقتصادية والديمغرافية والجيوسياسية. وأكد أن أبناء وطنه الذين سيبلغ عددهم 150 مليونا خلال أقل من عقد “لا يستطيعون العيش في سجن جغرافي”، وأن “النيل والبحر الأحمر هما الأساس لتطوير إثيوبيا أو فنائها”. واعتماد إثيوبيا على ميناء جيبوتي المجاورة في الاستيراد والتصدير عبر البحر الأحمر، مثّل قلقا دائمًا لأديس أبابا مما دفعها إلى العمل على إستراتيجية لتنويع الموانئ، بعقد اتفاقيات مع جيرانها كالصومال وكينيا وغيرهما، لكن التطور الأخير كان في الرغبة في الحصول على منفذ بحري سيادي خاص بها.[3] ثانيًا: تفاصيل الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال.. تُعد مذكرة التفاهم بيان نوايا، وليست اتفاقًا مُلزمًا قانونيًا، لكن ما يبدو واضحًا من المذكرة هو أن أرض الصومال مستعدة لمنح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر من أجل حركة مرور سفنها التجارية عبر أحد الموانئ في البلاد. حيث سيوفر الميناء مجالًا لإثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر وقناة السويس، مما يُتيح لها الوصول إلى أوروبا. وأفادت تقارير بوجود جانب عسكري في الاتفاق؛ إذ قالت أرض الصومال إنها قد تؤجِّر جزءًا من الساحل للبحرية الإثيوبية، وأكَّدت هذا أديس أبابا. ويمنح الاتفاق، الذي وُقِّع في أديس أبابا، إثيوبيا عقد إيجار لمدة 50 عام لقاعدة بحرية مع إمكانية الوصول إلى ميناء بربرة في أرض الصومال للعمليات البحرية التجارية. ووعدت إثيوبيا في المقابل ببحث عميق لسعي أرض الصومال إلى الحصول على الاعتراف الرسمي بوصفها دولة مستقلة، كما ستحصل أرض الصومال على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، وهي خطوط جوية ناجحة في البلاد.[4] 1. ملاحظات أولية حول الاتفاق: جاء الإعلان عن الاتفاق بعد فترة زمنية قصيرة من تصريحات آبي أحمد في أكتوبر 2023 حول ضرورة إيجاد موطئ قدم لبلاده في البحر الأحمر، والتي انطوت على تحذيرات بإمكانية استخدام القوة في حالة فشل التفاوض مع دول المنطقة. مما يوحي بأن الاتفاق قد يتجاوز طرفيه ليضم أطرافًا إقليمية وربما دولية أخرى تختفي عن المشهد، لكنها تديره برمته لتحقيق أهداف استراتيجية خاصة بها. ولا يُمكن إغفال أيضًا الأطراف التي ستتأثر بتداعيات هذا الاتفاق مثل الصومال ودول القرن الإفريقي التي تنظر إلى الاعتراف الإثيوبي بـأرض الصومال كسابقة قد تُعزِّز عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة خلال السنوات المقبلة. كذلك، يُمثِّل الاتفاق تحديًّا دبلوماسيًّا للقرن الإفريقي، في ضوء التنافس الإقليمي والدولي على المنطقة من أجل حماية مصالحها الاستراتيجية هناك، فهناك تنافس تاريخي بين إثيوبيا وبعض القوى الإقليمية الأخرى، مثل مصر، إلى جانب وجود العديد من القوى الفاعلة التي تمتلك استثمارات ضخمة في المنطقة مثل الصين وتركيا كمستثمرين رئيسيين في مجال الموانئ البحرية والبنى التحتية، الأمر الذي يُسهم في تعقيد المشهد الإقليمي خلال الفترة المقبلة في ضوء تضارب المصالح الإقليمية والدولية إزاء توقيع الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال. وقد يعكس توقيت إبرام هذا الاتفاق مناورة من جانب كلٍّ من آبي أحمد وموسى عبدي لاستغلال فرصة انشغال المجتمع الدولي إثر اندلاع معركة طوفان الأقصى، وما تبعها من تداعيات في المحيطين الإقليمي والدولي.[5] 2. أبعاد ودلالات الاتفاق: مذكرة التفاهم الإثيوبية مع حكومة أرض الصومال الانفصالية، كشفت عن العديد من الأبعاد والدلالات، التي من المهم الوقوف عليها، وما يمكن أن يترتّب عليها من مآلات. أولها؛ الدور الإثيوبي الممتد في تفكيك الصومال، سواء من خلال دعم احتلال إقليم الأوجادين الصومالي منذ عام 1954، أو في دعم انفصال أرض الصومال منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين، وصولًا إلى هذا الاتفاق الذي يُرسِّخ من الانفصال، ويُعزِّز من الهيمنة الإثيوبية على الأراضي الصومالية. وثانيها؛ الحضور الإماراتي المهم والمؤثر في الاتفاق، والذي كانت بدايته عام 2016، ثم تعزَّز في 2018، وكانت إثيوبيا حاضرة بنسبة 19% من اتفاق ثلاثي ضمَّ إلى جانبها الإمارات وحكومة الإقليم. وثالثها؛ الحضور الأميركي المؤثر في الخلفية، فالولايات المتحدة ترى في إثيوبيا إحدى الأوراق الرئيسية التي تعتمد عليها في تعزيز الدور الأميركي في القرن الإفريقي، وفي عام 2016 دعمت الولايات المتحدة الاتفاق الإماراتي مع حكومة الإقليم، وفي عام 2020، دعمت اتفاق الإقليم مع تايوان التي تدعمها في مواجهة التمدد الصيني في الصومال، وخاصةً بعد رفض الصين الاعتراف بالاتفاق التايواني مع أرض الصومال. ورابعها؛ بُعد يرتبط بالتداخل الكبير بين الإقليمي والدولي في القرن الإفريقي، مع حضور الدور التركي…

تابع القراءة

التصعيد العسكري بين ايران وباكستان …الدوافع والتداعيات الاقليمية

فجأة، وبلا مقدمات، تصاعدت  التوترات بين الجارتَين: باكستان وإيران، حين أطلقت الأخيرة صواريخ بالستيّة ومسيّرات على ما قيل إنه معاقل لمنظمة “جيش العدل” السُنية التي تتخذ من باكستان مقرًا لها، والتي تتهمها إيران بتنفيذ عمليات داخل أراضيها، وذلك يوم الثلاثاء 16 يناير الجاري… فيما ردّت باكستان،  فجر الخميس 18 يناير، بقصف جويّ وصاروخي على ما وصفته بمقرات لجماعات انفصالية بلوشية، ممثلة بـ”جيش تحرير بلوشستان” وجبهة “تحرير بلوشستان” اللذين يتخذان من إقليم سيستان البلوشي الإيراني منطلقًا لنشاطاتهما ضد باكستان. كما استدعت باكستان سفيرها إلى إيران، وطلبت من سفير إيران لديها، الذي يزور طهران، عدم العودة بعد الضربة الإيرانية.. وكان  التصعيد الإيراني العنيف بهذا الشكل غير المسبوق في علاقات البلدين، مثيرة للدهشة لدى المراقبين، لا سيما أن اتصالات عالية المستوى كانت تجري بين مسؤولي البلدين، ولعل آخر مظاهر التنسيق والتقارب ؛ اجتماع وزراء البلدين في دافوس الأسبوع الجاري وإجراء قواتهما البحرية مناورات مشتركة في مضيق هرمز والخليج. بالإضافة إلى أن عمليات العنف الأخيرة التي ضربت الداخل الايراني من تفجيرات وأحداث عنف، لم يتبنَّها “جيشُ العدل”، وإنما تبنّاها “تنظيم الدولة”، وردّت إيران بقصف ما قالت إنه معاقل لـ”تنظيم الدولة” في محافظة “إدلب” السورية، والتي كانت قد تطّهرت من التنظيم قبل سنوات، في حين الكل يعلم أن الأخير ينشط في مناطق شرق سوريا، حيث تتقاسم جغرافيّة المنطقة المليشيات الموالية لإيران، وروسيا، مع القوات الأميركيّة وقوات “قسد الكردية” الحليفة لها. أولا: ملابسات التصعيد: وباستقراء  مسار العلاقات بين الجانبين، يتضح أن علاقة إيران وباكستان قوية جدا منذ تأسيس الأخيرة سنة 1948، إذ أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما، لكن المشكل الأكبر تاريخيا، هو العرقية البلوشية المنتشرة بين البلدين، إذ يسعى بلوش باكستان، وعلى رأسهم “جيش العدل” لتحرير إقليم سيستان بلوشستان الإيراني، وهو ما يفسر هجماتهم المنتظمة منذ نحو 30 سنة، من خلال الإغارة على قوى الأمن المتمركزة على الحدود. في المقابل، يشن البلوش المتمركزون في إيران هجمات أيضا على الإقليم الباكستاني قصد تحريره. وبدأت شرارة الخلاف، حينما شن إيران ضربات على مقاطعة بلوشستان الباكستانية، مما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة عدة آخرين، وفقا للسلطات الباكستانية. وقالت طهران إنها “استهدفت الإرهابيين الإيرانيين فقط على الأراضي الباكستانية” ولم يتم استهداف أي مواطن باكستاني. وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: “استهدفنا مجموعة تسمى جيش العدل… والتي لجأت إلى أجزاء من باكستان“. وخلف الهجوم غضبا عارما في باكستان التي وصفت الهجوم بأنه “انتهاك فاضح للقانون الدولي وروح العلاقات الثنائية بين باكستان وإيران“. من جهتها، نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء التابعة للدولة أن الجيش الإيراني استهدف معاقل جماعة “جيش العدل” السنية المتشددة. وعقب ذلك، ردت باكستان بعد يومين بما وصفته “سلسلة من الضربات العسكرية الدقيقة والمنسقة للغاية” على عدة مخابئ للانفصاليين المزعومين في سيستان وبلوشستان. وقالت وزارة الخارجية الباكستانية، لدى إعلانها عن الضربات ، إن عددا من المسلحين قتلوا. -صراع الدولتين مع البلوش: والاشتباكات المميتة التي تخوضها باكستان وإيران ضد الانفصاليين الذين ينشطون على جانبي حدود كل منهما ليست وليدة اليوم، ولكنها تعود لسنوات طوال.. وقبل أسابيع، وفي شهر ديسمبر 2023، اتهمت إيران مسلحي “جيش العدل” باقتحام مركز للشرطة في سيستان وبلوشستان، مما أدى إلى مقتل 11 ضابط شرطة إيراني، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية تسنيم. -تصعيد غير متوقع: يشار إلى أنه في يوم الثلاثاء،16 يناير الجاري، وقبل ساعات من الضربة الايرانية، أجرى رئيس الوزراء الباكستاني محادثات مباشرة مع كبار الدبلوماسيين الإيرانيين في دافوس، وسط تفهمات مشتركة حول الحرب في غزة. ولكن بعد ساعات، نفذت إيران ما أسمته “هجمات بصواريخ دقيقة وطائرات بدون طيار” على من زعمت أنهم إرهابيون إيرانيون في منطقة بلوشستان الباكستانية. أدانت باكستان ما وصفته بانتهاك سيادتها، والذي أدى إلى مقتل طفلين على الأقل. وأدت غارات باكستان لقتل  10 أشخاص على الأقل.. وفي الواقع، نفذت إيران هذا الأسبوع ضربات صاروخية أيضًا ضد شمال العراق وسوريا. وجاء التصعيد الإيراني، بعد إعلان داعش مسؤوليته عن انفجارين مزدوجين في مدينة كرمان الإيرانية في الثالث من يناير، والذي أودى بحياة العشرات من المدنيين. وبحسب علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، فقد “كان هذا في المقام الأول استعراضًا للقوة في مكان اعتقدت إيران أنه سيكون له تداعيات محدودة من حيث خطر التصعيد. فقد قللت الحسابات الايرانية من شأن الكيفية التي قد يضع بها هذا الأمر الحكومة الباكستانية في موقف صعب… ثانيا: دوافع  التصعيد : -خلافات  ممتدة بين الطرفين: ووفق تقديرات استراتيجية، فهناك بعض الخلافات الإيرانية الباكستانية القديمة ، ووتأزمت مؤخرا، لأن باكستان تعتقد أن إيران تتعاون مع الاستخبارات الهندية في دعم معارضي بلوش لإسلام آباد.. بينما تعتقد إيران أن باكستان تؤوي جماعات من البلوش المعارضين لطهران داخل أراضيها. -حسابات خاصة للحرس الثوري الايراني: وتكشف الأحداث الأخيرة أن للحرس الثوري الإيراني حسابات خاطئة، تتعلق برغبته في نقل المشاكل الداخلية إلى خارج الحدود، عبر إظهار قدرته العسكرية وقوة إيران على الردع. كذلك  أرادت طهران أن توجه لإسرائيل رسالة بأن صواريخها التي وصلت إلى باكستان قادرة على الوصول إلى تل أبيب حال استهدفت إيران، وكذلك رسالة بالقدرة على الردع موجهة لواشنطن والغرب بشأن خلافاتهما معها حول الملف النووي الإيراني. -رغبة ايران في الهروب من الضغوط المفروضة عليها: كما إن  السلطات الإيرانية تتعرض حالياً لضغط شديد داخلياً، ومن حلفائها سواءً حماس أو حزب الله أو الحوثيين، للاستمرار بتنفيذ مزيد من العمليات. فالهجمات الإيرانية في العراق وسوريا وباكستان تسعى لتشتيت الانتباه بعيداً عن القضايا الداخلية، والوضع في الشرق الأوسط.  بجانب العمليات الاامريكية والبريطانية، في خواصر ايران المتعددة باليمن وسوريا والعراق.. ويقول الدكتور كامران بخاري من معهد نيو لاينز للاستراتيجيات في واشنطن، إن “باكستان قد تكون قررت الانتقام، لأنها لا تريد السماح لإيران بالتصرف داخل أراضيها كما تفعل في العراق“. -رخاوة مناطق الحدود وضعف الانتشار الأمني: يشار إلى أنه لم يتم نشر أي جنود على طول الحدود التي يبلغ طولها 1000 كيلومتر بين إيران وباكستان حتى عام 2013، على الرغم من وجود المسلحين ونشاط الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات في المنطقة. على صعيد آخر، لدى البلدين مخاوف مماثلة بشأن المنطقة الحدودية التي ينعدم فيها القانون، وحيث ينشط مهربو المخدرات والجماعات البلوشية المسلحة بشكل كبير. بعد الضربات المتبادلة، بدا كل جانب حريصا على التأكيد على أن ما حدث لا يمثل هجمات على جار شقيق. وصورت كل من إيران وباكستان لسنوات التمرد في المنطقة الحدودية على أنه مدعوم من الخارج، جزئيا على الأقل. فبينما اتهمت إسلام أباد طهران بغض النظر عن المسلحين الذين ينشطون من إيران، قال مسؤولون إيرانيون في الماضي إن جيش العدل يختبئ في باكستان ويتلقى دعما إسرائيليا. وبعيدا عن تقاذف التهم بين البلدين، لم يسبق الضربات الإيرانية الأخير ، أي سبب واضح…

تابع القراءة

أبعاد الموقف الإيراني من عملية طوفان الأقصي والعدوان الإسرائيلي علي غزة

وضعت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس منذ 7 أكتوبر الماضي، إيران والمليشيات الموالية لها أمام معضلة حقيقية، فعلى خلاف الجولات السابقة من التصعيد، بدا لأول مرة أن إيران حريصة على تأكيد أنها ليست معنية بالانخراط في النزاع، أو بمعنى أدق ليست معنية بدفع جزء من كلفة العملية التي نفذتها حماس داخل غلاف غزة وكانت السبب المباشر في اندلاع المواجهات. في الغالب يعود هذا الموقف إلى أن الحرب الحالية مختلفة إلى حد كبير عن سابقاتها، فالمدى الذي وصلت إليه عملية حماس التي قتل فيها نحو 1200 شخص لم يكن مسبوقًا، وبالمثل فإن المدى الذي وصلت إليه العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة لم يكن مسبوقًا أيضًا، كما أن الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل على المستويات المختلفة لمساعدتها في إنجاز أهدافها من الحرب وفي الوقت نفسه منع خصومها من توسيع نطاق انخراطهم فيها هو دعم استثنائي. في هذا السياق يمكن القول أن إيران بقدر ما فوجئت بالمستوى الذي وصلت إليه عملية حماس فوجئت أيضًا بالرد الإسرائيلي، وربما يفسر ذلك التناقض في التصريحات الإيرانية حول الحرب؛ ففي حين تؤكد التصريحات الإيرانية علي أنها ستتدخل إذا استمرت العملية العسكرية، ولكنها سرعان ما تؤكد على أن القوات المسلحة الإيرانية لن تدخل في اشتباك مع إسرائيل ما لم تقم الأخيرة بالهجوم على أراضي إيران أو مصالحها أو مواطنيها[1]. وعليه تسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي أبعاد الموقف الإيراني من عملية طوفان الأقصي وما تبعها من عدوان إسرائيلي علي غزة، وتوضيح أهم المحددات المؤثرة في هذا الموقف الإيراني. أولًا: موقف إيران من القضية الفلسطينية وحركات المقاومة قبل طوفان الأقصي: تعود جذور العلاقات الفلسطينية الإيرانية إلي نهاية القرن التاسع عشر؛ حينما فتحت إيران ممثلية لها في فلسطين لرعاية شؤون تجارها هناك، حيث استمر حضورها إلى حين قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، حيث نشأت علاقة مميزة بين الطرفين، استنادًا إلى الاستراتيجية الإسرائيلية المعروفة باسم “شد الأطراف”، التي تقضي بالتحالف مع الدول المحيطة بالعالم العربي، مثل إيران وتركيا وإثيوبيا، بهدف محاصرته من أطرافه. وبالفعل، ترسخ تحالف ناشئ بين إسرائيل وشاه إيران “محمد رضا بهلوي”؛ الذي زودها بالنفط واستورد منها العديد من البضائع، ورعى تعاونًا أمنيًا بين جهاز أمن الدولة الإيراني “السافاك” وبين الموساد الإسرائيلي بهدف ملاحقة المعارضة الإيرانية، كما دعم مسار التسوية المصرية – الإسرائيلية، ووصف الكفاح الفلسطيني المسلح بأنه عمل “إرهابي”، وحارب جميع مظاهر التعاطف مع فلسطين، بالتوازي مع محاربته لمعارضيه الإيرانيين. ولكن بمجرد انهيار نظام الشاه، وقيام نظام الثورة الإسلامية عام 1979، تبنى “آية الله الخميني” موقفًا معاكسًا من إسرائيل، يرى أن الصهيونية عدو لإيران والإسلام، وغدة سرطانية ينبغي استئصالها. وبالفعل بمجرد إسقاط الشاه سحبت إيران اعترافها بإسرائيل وطردت بعثتها الدبلوماسية، واستبدلت بمكاتب التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي مكاتب لسفارة فلسطين، وقدمت الدعم السياسي والمالي للثورة الفلسطينية وممثلتها منظمة التحرير. لكن العلاقة بين طهران ومنظمة التحرير سرعان ما تراجعت لأسباب على رأسها الخلاف الأيديولوجي، إذ برزت علمانية المنظمة عائقًا أمام مساعي إيران لأسلمة الثورة الفلسطينية، حيث كانت العوامل الأيديولوجية شديدة الأهمية في تحديد سياسات الثورة الإيرانية في سنواتها الأولى، إضافة إلى اتضاح ميل المنظمة إلى العراق إبان حرب الخليج الأولى بفعل الضغط الذي مارسته القوى القومية داخل المنظمة. وعلى الرغم من ذلك صمدت العلاقة بين الطرفين إلى حين توقيع اتفاقية السلام الفلسطينية الإسرائيلية عام 1993، المعروفة باسم اتفاقية أوسلو، التي أطلقت رصاصة الرحمة على التحالف الهش، إثر اتهام طهران للمنظمة بالتخلي عن المقاومة والتفريط في حقوق الفلسطينيين. وبالتوازي وجدت إيران حليفًا جديدًا أقرب لها أيديولوجيًا على الساحة الفلسطينية، وهو حركة الجهاد الإسلامي، التي انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1980، ورأت في الثورة الإيرانية نموذجًا ملهمًا، لكن حجمها ونشاطها لم يسمحا لها بلعب دور الحليف القوي الذي تطمح له طهران. ظهر هذا البديل المحتمل إلى السطح بعدما أعلن الإخوان المسلمون في فلسطين عن إنشاء حركة المقاومة الإسلامية، حماس، عام 1987، التي سرعان ما سطع نجمها بفعل ريادتها للانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في نهاية ذلك العام نفسه. وبعد ثلاثة أعوام من تأسيسها، بدأت العلاقة بين حماس وإيران في التشكل عام 1990، حيث زارت وفود من الحركة إيران، وفُتح مكتب تمثيل دبلوماسي للحركة هناك عام 1992، بما مثل اعترافًا إيرانيًا بالدور المركزي الذي تلعبه حماس في فلسطين. كان إبعاد إسرائيل المئات من قيادات حماس إلى جنوب لبنان عام 1992 محطة مهمة في العلاقات بين الحركة الفلسطينية وحزب الله اللبناني حليف طهران في لبنان والحرس الثوري الإيراني. وحينما أُفرج عن قائد حماس ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين عام 1998 فإنه زار طهران والتقى كلًا من المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، والرئيس الإيراني في حينها محمد خاتمي. وبعد توثق العلاقة، قدمت طهران الدعم السياسي والمالي وتكنولوجيا التصنيع العسكري، إضافة إلى التدريب العسكري لمقاتلي الحركة. ازدادت أهمية حماس ومركزيتها في نظر إيران عقب فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، إذ انتقلت من كونها حركة مقاومة وفصيلًا سياسيًا معارضًا إلى حكومة الفلسطينيين، ما دعا طهران إلى مضاعفة دعمها لها، فتعهدت بتقديم 50 مليون دولار شهريًا لهذه الحكومة، وفي المقابل كان للمقاطعة الدولية والإقليمية لحكومة حماس دور أساسي في دفع الحركة باتجاه توثيق علاقتها مع إيران. واستمر ربيع العلاقة بين الطرفين حتى جاء الربيع العربي ووصلت رياحه إلى سوريا، مقر إقامة قيادة حماس، وعاصمة الحليف الإقليمي الأهم للقيادة الإيرانية، فمع تقدم مسار الثورة السورية، وشروع نظام الأسد في قصف معارضيه بالبراميل المتفجرة بدعم من طهران، وجدت حماس نفسها أمام الاختبار الأخلاقي الأهم في تاريخها، اختبار وضع علاقتها الاستراتيجية مع طهران أمام تحد غير مسبوق. ففي حين اعتبرت طهران الثورة السورية “مؤامرة دولية على المقاومة”، لكن حركة حماس أظهرت انحيازها إلى الشعب السوري، إذ أفصح رئيس الحركة في قطاع غزة آنذاك “إسماعيل هنية” عن دعمه للثورة السورية في خطاب من منبر الأزهر، كما قاتل بعض أبناء الحركة ضمن فصائل الثورة السورية، في الشمال السوري وفي مخيم اليرموك الذي شكلوا فيه فصيل “أكناف بيت المقدس”. مثل خروج حماس من سوريا ومواقفها المؤيدة للثورة لاحقًا صدمة لإيران، التي خفضت دعمها للحركة، وشن إعلامها وإعلام حلفائها هجومًا على حماس وصل إلى اتهامها بالخيانة، وبدا أن العلاقة بين الطرفين ذاهبة باتجاه القطيعة، لكن صمود الحركة في وجه العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2012 دفع إيران إلى استئناف الدعم العسكري للحركة، مع محاولة التمييز في التعامل بين الجناح العسكري في قطاع غزة وبين قيادة الحركة السياسية، وبالفعل فقد ظهر بعض التباين في الخطاب والمواقف بين الطرفين، إذ كان تقدير العسكريين لأهمية الدعم العسكري الإيراني يدفعهم إلى التعبير عن التقارب مع إيران، في حين كانت حساسية القيادة السياسية المقيمة في الخارج أكبر تجاه أي تعبيرات من هذا النوع؛ بفعل كثرة اختلاطها…

تابع القراءة

تحليل اقتصادي لتوجهات الاقتصاد المصري 2024-2030

مع ما أثير من انتقادات وجهتها الكثير من المصريين للسيسي، واتهامها بعدم وجود برنامج له يكشف رؤيته لحكم البلاد للسنوات الست القادمة، أصدر مجلس الوزراء، وثيقة بعنوان “أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري الفترة الرئاسية الجديدة 2024-2030”. أولا: معالم التوجهات الاستراتيجية: الوثيقة، كشفت عن خطط الحكومة المصرية وتوجهاتها نحو مضاعفة مواردها من العملات الأجنبية ثلاث مرات خلال ست سنوات لتصل إلى 300 مليار دولار أمريكي. وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية في البنوك المصرية 35.173 مليار دولار فى نهاية نوفمبر 2023، مقارنة بنحو 35.102 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2023، بحسب بيانات البنك المركزي المصري. الوثيقة حددت بموجبها أولويات التحرك على صعيد السياسات من خلال تعديل خطط الأداء الاقتصادي والمشروعات المستقبلية المقترحة. وتشتمل الوثيقة على توجهات استراتيجية مقترحة للاقتصاد المصري (2024 – 2030) ضمن مشروع بحثي رسمت من خلاله أولويات التحرك على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة المصرية. وأثار نشر الوثيقة من قبل الحكومة، بناء على «توجيهات رئاسية» وفق بيان رسمي، جدلاً  كبيرا، على الصعيد المصري… وتضمنت الوثيقة الجديدة، التي أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، 8 استراتيجيات مقترحة، تتضمن تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام ومتوازن، يتراوح ما بين 6 و8 %، مع العمل على توفير ما بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل، وتحقيق مستهدفات للنقد الأجنبي بقيمة 300 مليار دولار بنهاية 2030. وكشفت وثيقة الاتجاهات الاقتصادية أن الحكومة تعتزم إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 و30 سنة، لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين، الحالي والمقبل، مقابل التوسع في إصدارات الدين المحلي قصير الأجل، والتوسع في بيع العقارات بالدولار.. وتعتزم مصر، بحسب الوثيقة، تأسيس شركة متخصصة بإدارة أنشطة تصدير وتأجير العقار في مصر بالنقد الأجنبي، بعائدات متوقعة ما بين 2 و3 مليارات دولار، وتصدير العقار بالعملة الصعبة مقابل الحصول على الإقامة لمدة 5 سنوات، وأيضاً طرح صندوق استثماري برأس مال مليار دولار، بوحدات قابلة للاكتتاب من قبل المصريين بالخارج، للاستثمار في محفظة من الأصول المملوكة للدولة عالية الجاذبية والعائد، وأيضاً الأوراق المالية المتنوعة. وذكرت الوثيقة أن الحكومة تتبنى سياسة مرنة لسعر الصرف لتعزيز مرونة الاقتصاد في مواجهة الصدمات، بالتوازي مع التحسن في الحصيلة من النقد الأجنبي، بحيث تُغطى الفجوة بين سعري الصرف الرسمي وغير الرسمي خلال فترة زمنية محددة. وتعاني مصر من شح شديد في السيولة الدولارية منذ الربع الأول من عام 2022، الذي شهد تخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفعها إلى إطلاق العديد من المبادرات بهدف جمع العملة الأجنبية، علماً بأن سعر صرف الدولار في البنوك الرسمية يبلغ 30.95 جنيهاً، مقابل نحو 53 جنيهاً للدولار في السوق السوداء (الموازية). ثانيا: مرتكزات  الاستراتيجية: -التوسع في الديون طويلة الأجل: وتعتزم مصر إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 إلى 30 سنة لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين، الحالي والمقبل، مقابل التوسع في إصدارات الدين المحلي قصير الأجل، والتوسع في بيع العقارات بالدولار. ووفقاً لـ”وثيقة الاتجاهات الاقتصادية للدولة خلال الفترة الرئاسية الجديدة لعبد الفتاح السيسي”، التي تنتهي في 2030، فإن إصدار السندات طويلة الأجل خارجياً سيسمح بمبادلة إصدارات الدين قصيرة الأجل الحالية بإصدارات طويلة الأجل، وبما يمدد فترات السداد. وقالت وزارة المالية في وقت سابق من شهر يناير الجاري، إنها تعتزم إصدار أدوات دين محلية بقيمة 1.647 تريليون جنيه (53.3 مليار دولار) خلال الربع الحالي الممتد من يناير حتى مارس 2024 مقارنة بـ1.055 تريليون جنيه في الربع ذاته من عام 2023، وذلك في صورة أذون وسندات خزانة لا تزيد آجالها على عام في معظم الإصدارات. فضلا عن نية الحكومة المصرية إصدار سندات بآجال استحقاق تتراوح بين 20 و30 عاما لخدمة الدين الخارجي المستحق في العام المالي الحالي والمقبل، من أجل تمديد نطاق ديون البلاد إلى ما هو أبعد من المدى القصير. ووفقاً للوزارة، فإنها تعتمد حالياً على أدوات الدين قصيرة الأجل بشكل أكبر من الأدوات طويلة الأجل من السوق المحلي لتفادي تحمّل أسعار الفائدة العالية لفترات طويلة. وتبلغ أسعار الفائدة حالياً بمصر 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض. وبحسب بيان موازنة العام المالي 2023 / 2024، فإن الفجوة التمويلية تقدَّر بنحو 2.140 تريليون جنيه، بارتفاع يصل إلى 26.8% مقارنة بالعام المالي 2022 / 2023 والمقدَّر بنحو 1.688 تريليون جنيه. وفي 14 يناير الجاري، كشف محمد معيط، وزير المالية ومحافظ مصر لدى “بنك التنمية” الجديد، أن حكومته تنوي إصدار سندات بالعملات المحلية في أسواق الدول أعضاء بنك التنمية الجديد من أعضاء تحالف “بريكس”. وقال معيط: “نستهدف إصدار سندات خضراء وزرقاء واجتماعية ومستدامة.. تلبى طموحات “رؤية مصر 2030″، من أجل إضافة فئات جديدة من المشروعات ذات البعد الاجتماعي إلى محفظة مصر المستدامة”، وفقاً لبيان مجلس الوزراء… وأكد معيط، فى لقائه مع فلاديمير كازبيكوف، نائب رئيس البنك، والوفد المرافق له، تدرس مصر إصدار سندات مقومة بالروبية الهندية بقيمة 500 مليون دولار خلال عام 2024، وتتطلع البلاد إلى إصدار سندات بالعملات المحلية في الأسواق الخارجية، في ظل التضخم العالمي الذي يؤثر على السندات المقومة بالدولار، وفقاً لما ذكرته نشرة “انتربرايز” المعلوماتية اليومية. وأنهت مصر إصدارا بقيمة 3.5 مليارات يوان صيني، وآخر بقيمة مليار ين ياباني في الخريف الماضي. وتوسع البنك التنموي متعدد الأطراف الذي أسسته دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ليشمل مصر اعتبارا من إبريل الماضي، إلى جانب الإمارات وبنغلاديش. وتعاني مصر من شحّ شديد في السيولة الدولارية منذ الربع الأول من عام 2022، الذي شهد تخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفعها إلى إطلاق العديد من المبادرات بهدف جمع العملة الأجنبية، ومنها التوسع في الاقتراض من الخارج، وبيع بعض الأصول المملوكة للدولة، ضمن إجراءات أخرى. ووفقاً للوثيقة ، فإن إصدار السندات طويلة الأجل خارجياً سيسمح بمبادلة إصدارات الدين قصيرة الأجل الحالية بإصدارات طويلة الأجل، وبما يمدد فترات السداد. وقالت وزارة المالية في وقت سابق من شهر يناير الجاري، إنها تعتزم إصدار أدوات دين محلية بقيمة 1.647 تريليون جنيه (53.3 مليار دولار) خلال الربع الحالي الممتد من يناير حتى مارس/آذار 2024 مقارنة بـ1.055 تريليون جنيه في الربع ذاته من عام 2023، وذلك في صورة أذون وسندات خزانة لا تزيد آجالها على عام في معظم الإصدارات. ووفقاً للوزارة، فإنها تعتمد حالياً على أدوات الدين قصيرة الأجل بشكل أكبر من الأدوات طويلة الأجل من السوق المحلي لتفادي تحمّل أسعار الفائدة العالية لفترات طويلة. وتبلغ أسعار الفائدة حالياً بمصر 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض. ووفقاً لبيان موازنة العام المالي 2023 / 2024، فإن الفجوة التمويلية تقدَّر بنحو 2.140 تريليون جنيه، بارتفاع يصل إلى 26.8% مقارنة بالعام المالي 2022 / 2023 والمقدَّر بنحو 1.688 تريليون جنيه. – استبدال الديون بأصول اقتصادية: وكشفت الوثيقة عن استراتيجية…

تابع القراءة

انسحاب الجيش السوداني من ود مدني

مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي تتميز بموقعها الإستراتيجي، وهي تُعد أكبر مصدر غذائي واقتصادي في البلاد، وتتميز بتوسطها للعديد من الولايات، وتبعد عن العاصمة السودانية الخرطوم حوالي 200 كيلومتر. ومنذ يوم السبت 16 ديسمبر بدأت قوات الدعم السريع بمهاجمة مدينة ود مدني، التي توجد فيها الفرقة الأولى مشاة في الجيش السوداني والتي كانت بقيادة اللواء أحمد الطيب، وبعد يومين تقريبًا من المعارك تفاجأ أهالي المدينة بانسحاب الفرقة الأولى مشاة من مقرها، ودخول قوات الدعم السريع إلى المدينة. وأعلنت قوات حميدتي سيطرتها على الفرقة، ونشرت مقاطع فيديو لتجول مقاتليها داخلها. فماذا حدث؟ ولماذا انسحبت قوات الجيش؟ وماذا كانت ردود الفعل المختلفة حول هذا الانسحاب؟ ماذا حدث؟ دخلت قوات الدعم السريع مدينة ود مدني يوم الاثنين 18 ديسمبر بعد انسحاب الجيش بشكل مفاجئ من المدينة، مما أثار موجة غضب وانتقادات لقيادة المؤسسة العسكرية للتفريط في مدينة إستراتيجية تربط وسط البلاد مع شرقها وغربها وجنوبها الشرقي وتستضيف نحو نصف مليون نازح من الخرطوم وصارت مركزًا اقتصاديًا بعد اندلاع الحرب في العاصمة. وبعد سيطرتها على ود مدني قامت قوات الدعم السريع بعمليات نهب واسعة لممتلكات المواطنين من سيارات ودراجات بخارية، وكانت تبحث في المنازل عن الأموال والذهب والمقتنيات، وتهدد كل من يعترض قواتها بالقتل. وكانت هناك مقاومة في بعض أجزاء ود مدني من قوات صغيرة من المخابرات والمتطوعين استطاعت تأمين بعض المواقع المهمة، لكن أغلبية أحياء المدينة شهدت حالة نزوح نحو مدينتي سنار والقضارف المجاورتين لولاية الجزيرة، كما شهدت مدن الكاملين والحصاحيصا ورفاعة والحوش والحاج عبد الله وود الحداد -التي انتشرت فيها قوات الدعم السريع- أحداثًا مماثلة. وهو ما اعتبره محللون عسكريون “نكسة عسكرية” للجيش أدت إلى صدمة وطنية، ودافعًا لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” للتمدد في وسط السودان وشرقه، وتصاعُد الضغوط الغربية لحمل طرفي الحرب على التفاوض لوقفها لتجنب انهيار البلاد. وقد تواصلت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدة مناطق في البلاد، بعد أيام من سيطرة قوات الدعم السريع على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. واشتباكات وُصفت بالعنيفة وقعت عند مداخل مدينة سنار، إحدى أكبر المدن في ولاية سنار التي تقع جنوب ولاية الجزيرة.[1] تطورات الوضع الميداني: قصفت طائرات حربية تجمعات لقوات الدعم السريع شمال سنار ما أثار الرعب بين السكان، والجيش هو الوحيد بين طرفي الصراع المزود بقوات جوية. في المقابل، تفضّل قوات الدعم السريع العمل من خلال وحدات خفيفة ومتحركة تتنقل باستخدام شاحنات صغيرة مزودة رشاشات ثقيلة. كما أفاد شهود عيان وسكان أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تبادلا القصف المدفعي العنيف في عدد من المناطق في الخرطوم. وأوضح الشهود أن قوات الدعم السريع شنَّت هجومًا بالمدفعية هو الأعنف من نوعه على مقر سلاح المهندسين جنوب مدينة أم درمان، وسلاح الإشارة في بحري ووادي سيدنا شمال أم درمان، فيما رد الجيش بضربات مدفعية على مواقع للدعم السريع شرق وجنوب الخرطوم. وتُشكِّل منطقة سلاح المهندسين إلى جانب السلاح الطبي وأكاديمية نميري المجاورة موقع تمركز لقوات الجيش السوداني، لم تتمكن قوات الدعم السريع من اختراقه منذ بدء القتال في أبريل الماضي، وكان يتحصن بداخلها مساعد قائد الجيش الفريق أول ياسر العطا، المسؤول عن العمليات العسكرية في مدينة أم درمان، قبل أن ينتقل إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال المدينة. وقال الشهود إن قصفًا مدفعيًا مُكثفًا من عدة محاور يستهدف سلاح مقر المهندسين منذ فجر الاثنين. كانت قوات سلاح المهندسين أعلنت، في الأسبوع السابق للمواجهات، تمشيط أحياء الفتيحاب والمربعات والراشدين وحمد النيل والدوحة المحيطة بالسلاح. كما قصفت قوات الدعم السريع من منطقة شرق النيل بمدينة بحري القيادة العامة للجيش شرق الخرطوم، وسلاح الإشارة في مدينة بحري، ووادي سيدنا شمال أم درمان. وذكر الشهود أن الجيش قصف كذلك مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في أحياء بري والمنشية شرق الخرطوم، ومحيط أرض المعسكرات والمدينة الرياضية جنوب العاصمة، مع سماع أصوات انفجارات عنيفة وتصاعد كثيف لأعمدة الدخان. وأفاد سكان بأن المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تجدَّدت في منطقة سكر سنار المجاورة لولاية الجزيرة غرب مدينة سنار. وأشار السكان إلى أن اشتباكات عنيفة على الأرض دارت بين الطرفين في أحياء ود الحداد ومنطقة سكر سنار وود المكي غرب مدينة سنار.[2] تفسير ما حدث: من ناحية الدعم السريع؛ يقول محمد الباشا طبيق مستشار قائد الدعم السريع إنهم قرروا السيطرة على ود مدني بعد زيارة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى المدينة مؤخرا وإعلانه تدريب 40 ألف متطوع لقتال قواتهم، إلى جانب موقعها الإستراتيجي الذي يربط ولايات شرق البلاد مع ولايات النيل الأزرق والنيل الأبيض وسنار وكردفان، كما أنها خط إمداد رئيس للجيش. وكان حميدتي، في بيانه، قد عدَّ السيطرة على ود مدني عملًا استباقيًا مشروعًا بعد حصولهم على معلومات استخباراتية دقيقة عن حشد قيادة الجيش -بالتنسيق مع قادة النظام السابق- عشرات الآلاف من المقاتلين لمهاجمة قواته في الخرطوم. أما من ناحية الجيش؛ فيرى البعض أن هناك فرضيات عدة قد تكون وراء الانسحاب، وهي التواطؤ أو نقص في الأسلحة والذخائر والمقاتلين أو تقديرات غير مرئية للآخرين من قائد الفرقة. ويرى هؤلاء بأن تكليف قيادة جديدة للفرقة الأولى خلفًا للقائد المنسحب من ود مدني هو أمر طبيعي، لأن أي ضابط يُحال إلى التحقيق يتم وضعه في الإيقاف إلى حين ظهور نتائج التحقيق. كما يُبرر هؤلاء سبب الهزة العنيفة التي رافقت أحداث ود مدني بعنصر المفاجأة، حيث لا أحد كان يتوقع انسحاب الجيش بلا قتال من المدينة بعد 4 أيام من المواجهات العسكرية في الجانب الشرقي من النيل الأزرق الذي يفصلها عنه جسر حنتوب، وتكبيد متمردي الدعم السريع خسائر فادحة وإبعاد الخطر من المدينة. ويرى البعض الآخر أن ما جرى في مدينة ود مدني يكتنفه غموض لن يفك طلاسمه إلا التحقيق، لأن قوات الجيش في المدينة لم تحاصَر، والطرق إليها سالكة لمدها بالسلاح والرجال، والطبيعي أن تصمد في القتال، ولكنها انسحبت منها بعد 4 أيام. ويقارن هؤلاء بين ما جرى في ود مدني وما حدث في قيادات الفرق العسكرية في نيالا وزالنجي والجنينة في دارفور التي استمرت في القتال 7 أشهر حتى استنفذت ما لديها من الذخائر وحوصرت من الدعم السريع، ولم تجد أي إمداد لوجستي حتى اضطرت إلى الانسحاب. ويركزون على كون الفرقة العسكرية لا تنسحب بقرار من قائدها، وإنما بموافقة القيادة العسكرية العليا للجيش، وفي أوقات الحروب تكون غرفة العمليات (مجلس الحرب) -التي تضم القيادات العسكرية- مسؤولة عن التقديرات ويُصنع فيها القرار العسكري، ويبدون تخوف من تقديم قائد فرقة ود مدني “كبش فداء” لامتصاص الغضب الشعبي.[3] ردود الأفعال: تعهَّد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أمام ضباط منطقة البحر الأحمر العسكرية في بورتسودان يوم الخميس 21 ديسمبر بـ”محاسبة كل متخاذل ومتهاون…

تابع القراءة

تطورات الملف الأمني الصومالي وتأثيرها على المنطقة

بعد مرور نحو 31 سنة، جاء قرار مجلس الأمن الدولي برفع حظر التسلح عن الصومال ليعيد للبلد القابع في القرن الإفريقي حريته في تعزيز قدرات جيشه، والذي سعى شيخ محمود فورًا بتوظيفه لصالح دعم الملف الأمني للصومال من قِبل القوى المختلفة. ولكنه ما لبث إلا أن تفاجأ بتحرك إثيوبي من شأنه أن يُعرِّض مساعي شيخ محمود للخطر. فماذا كانت دلالات وسياقات قرار مجلس الأمن؟ وماذا كانت تحركات شيخ محمود؟ وكيف أعاق آبي أحمد تلك التحركات؟ وكيف كان رد فعل شيخ محمود؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا: قرار مجلس الأمن.. القرار الذي أعلنه مجلس الأمن، أول ديسمبر الماضي، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة نصَّ على “رفع حظر الأسلحة المنصوص عليه في القرار 733 الصادر عام 1992، بصيغته المُعدَّلة”. ودعا حكومة الصومال إلى “اتخاذ تدابير عدة؛ بينها: تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإدارة الأسلحة والذخائر، وتعزيز مزيد من التأهيل المهني والتدريب، وبناء القدرات لجميع مؤسسات الأمن والشرطة الصومالية”. كذلك دعا مجلس الأمن الحكومة الصومالية “لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان منع إعادة بيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية المستوردة لتستخدمها قوات معينة، وكذلك شركات الأمن الخاصة المرخصة، أو نقلها أو إتاحتها للاستخدام لأي جهة”. 1. سياقات ودلالات القرار: لا يتعلق الأمر بتنفيذ صفقات أسلحة فقط، ولكن يرجع صدور القرار في هذا التوقيت إلى قرب مغادرة قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي (أتميس) الصومال. إذ من المُقرَّر انسحابها تدريجيًا، ونقل أنشطتها إلى القوات الصومالية بنهاية عام 2024. ما يستدعي تعزيز بنية الجيش الصومالي، ولا سيما أنه سيكون المسؤول عن حفظ الأمن في البلاد. وقد ظل الجيش الصومالي لفترة طويلة محدود القدرات، وقرار التسليح مرتبط بلا شك بقرب مغادرة قوات أتميس (الإفريقية لحفظ السلام). وقد تزامن قرار رفع حظر التسلح عن الصومال مع قرار ثانٍ بـ”فرض حظر على الأسلحة الموجهة لحركة الشباب، يمنع الجماعات المتطرفة التي تستهدف تقويض الأمن والسلم في الصومال من شراء أسلحة ومعدات عسكرية”. فبالرغم من كون القرار يشير إلى الثقة الدولية في الحكومة الصومالية، بينما تواصل ترسيخ وجودها في البلاد، إلا أنه يظل هناك تخوُّف من أن يكون تأثير قرار رفع حظر التسلح رمزيًا أكثر من كونه عمليًا، ولاسيما أن الصومال كان قادرًا على استيراد معظم الأسلحة من قبل من خلال عملية الإخطار[1]، إضافةً إلى كون الصومال لا يزال يفتقر إلى التمويل اللازم لإجراء صفقات شراء كبيرة للأسلحة.[2] 2. ردود الأفعال حول القرار: فور إعلان القرار الأممي الذي سعى الصومال طويلًا لتحقيقه، توالت بيانات الترحيب المحلي والدولي. وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إن “مقديشو أصبحت الآن حرة في شراء أي نوع من الأسلحة”، وأكد أن “الأسلحة الموجودة بحوزة الحكومة لن تُشكِّل تهديدًا لشعبنا وللعالم”. وأشارت وكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية إلى أن القرار “جاء في لحظة حاسمة، خصوصًا مع حرب الحكومة للقضاء على حركة الشباب التي تحاربها منذ 16 سنة”. ووصفت الحكومة الصومالية القرار بأنه “خطوة مهمة إلى الأمام”. أما على الصعيد الدولي فاعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة أن “القرار سيؤثر إيجابيًا على مستقبل البلاد”، كما رحّبت الخارجية التركية بالقرار الذي وصفته بـ “التاريخي”، ورحّب أيضًا البرلمان العربي بالقرار، معربًا عن أمله أن “يساعد في دحر الإرهاب”.[3] ثانيًا: تحركات حسن شيخ محمود التالية للقرار.. كان أهمها تحركان رئيسيان؛ هما: مؤتمر أمني استضافته نيويورك وترأسه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وثانيهما اتفاق دفاعي جديد بين الصومال وإثيوبيا.. 1. مؤتمر أمني حول الصومال بنيويورك وخطة شيخ محمود: بالتزامن مع رفع حظر السلاح عن الصومال؛ شاركت 25 دولة وثلاث منظمات دولية (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية) في مؤتمر استضافته نيويورك لدعم الصومال عسكريًا. وترأَّس المؤتمر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود. وكان هناك تفاهمات بين الدول المشاركة في المؤتمر والصومال لإيجاد آلية جديدة لدعم مقديشو عسكريًا. وطرح الوفد الصومالي، خلال المؤتمر، احتياجاته العسكرية وسُبل توفيرها عبر آلية جديدة من أجل تعزيز القدرات العسكرية للجيش الصومالي.[4] وخلال المؤتمر؛ ناشد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الشركاء الدوليين لمواصلة الدعم لبناء جيش “يتسم بالكفاءة والفعالية” لتعزيز قدرات مواجهة الإرهاب. وأوضح خطة حكومته لبناء قوات أمن صومالية قادرة وخاضعة للمساءلة وبتكلفة معقولة.  وقال إن المرحلة الأولى تبدأ بأولويات فورية تتمثل في تشكيل قوات أمنية كافية ومدربة ومجهزة لتلبية متطلبات العملية الهجومية والحفاظ على الأراضي المحررة. وتركز المرحلة الثانية على بناء القدرات، والحفاظ على المكاسب، والاستجابة للتهديدات الناشئة التي تنقل المسؤوليات من الجيش إلى الشرطة. وتتضمن المرحلة الثالثة من الخطة الاستمرار في بناء وتوسيع قدرة القطاع الأمني ​​ليشمل البحرية والجوية مع التركيز بشكل أكبر على الشرطة والعدالة. وذكر مستشار الأمن القومي الصومالي أن مخرجات المؤتمر تشكل نواة دعم دولي موحد تجاه المجال الأمني والدفاعي. وأشار إلى أن الحكومة ستتعامل مع الدول بشكل ثنائي في خارطة مُتفق عليها دوليًا للحصول على حجم الدعم الذي تستطيع كل واحدة أن تقدمه إلى مقديشو لتنفيذ سياسة الانتقال الأمني.[5] 2. اتفاق دفاعي جديد بين الصومال وإثيوبيا: وقَّعت الصومال وإثيوبيا يوم 8 ديسمبر مذكرة تفاهم جديدة بهدف تعزيز التعاون الدفاعي المشترك بين البلدين استجابةً لمستجدات الوضع الأمني وخاصةً في منطقة القرن الإفريقي. وتُعد بمثابة تجديد لاتفاقية سابقة تم توقيعها في فبراير 2014. ويغطي الاتفاق مجالات مثل التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب والأمن البحري والمساعدة الإنسانية. وتنص مذكرة التفاهم أيضًا على إنشاء لجان دفاع مشتركة، والتي ستقوم بمراقبة وتسهيل تنفيذ الاتفاقية وتنسيق أنشطة قوات الدفاع في البلدين. وأشاد وزيرا دفاع البلدين بتجديد اتفاقية الدفاع المشترك باعتبارها شهادة على الشراكة القوية والاستراتيجية بين الصومال وإثيوبيا، وخطوة حيوية نحو تعزيز استقرار وازدهار المنطقة. وأكد الجانبان من جديد التزامهم بالعمل معًا لمعالجة التحديات والتهديدات المشتركة التي تواجه البلدين، مثل الإرهاب والتطرف والقرصنة وتغير المناخ.[6] والاتفاقية لم تنص مباشرةً على تشكيل قوات مشتركة ولكن مضمون الاتفاقية -الدفاع المشترك- سيؤدي إلى ذلك حيث أن القوات الإثيوبية تتمركز في الصومال لمشاركة مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي- أتميس ولها قواعد عسكرية في وسط وجنوب البلاد.[7] – توقيت وسياقات وتداعيات الاتفاق: يأتي الاتفاق الدفاعي بالتزامن مع أزمة بين إثيوبيا وإريتريا بعد حديث آبي أحمد عن ضرورة إيجاد منفذ بحري لبلاده، مما جعل الشكوك تحوم حول عزم أديس أبابا الحصول على ميناء على سواحل البحر الأحمر. وفي ظل حديث حول أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد تفرَّغ بعد انتهاء حرب تيجراي لدراسة الخيارات الممكنة لإعادة تغيير الخريطة الإثيوبية بما يضمن تمدُّدها على البحر الأحمر. ويرى البعض أن السبب الأول وراء هذه التحركات هو محاولة من آبي أحمد لتخفيف العبء الداخلي الذي نشأ من الصراعات الأهلية من حرب تيجراي والتمرد الأمهري الأخير، والسبب الثاني هو وجود ضغط دولي- غربي يدفع إثيوبيا إلى النزاع الحدودي مع…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022