
الاتفاق الصومالي- التركي وتأثيره على العلاقات المصرية- الصومالية
في الثامن من فبراير، وقَّع كلٌّ من وزير الدفاع التركي يشار غولر والصومالي عبدالقادر محمد نور اتفاق إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي. ويأتي هذا الاتفاق بين الصومال وتركيا في ظل أزمة سياسية بين إثيوبيا والصومال على خلفية توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع صوماليلاند (إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دوليًا)، حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في صوماليلاند. واعتبر الصومال هذه المذكرة تعديًّا صارخا على سيادته، في موقف حظي بدعم من دول ومنظمات عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي. فما هي حلفيات الحضور التركي في إفريقيا؟ وما هي تفاصيل ذلك الاتفاق؟ وكيف ستنعكس على الاستثمارات والمصالح الإقليمية في الموانئ الصومالية؟ ولماذا تركيا وليست مصر أو غيرها من الدول العربية؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال تلك الورقة.. الحضور التركي في الصومال: الحضور التركي المتمدد في إفريقيا عمومًا، والصومال على وجه الخصوص، ليس وليد لحظة توقيع الاتفاق الدفاعي بين البلدين، ويُمكن التأسيس له منذ العام 2002، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. عام 2005، أعلنت تركيا أنه “عام إفريقي”، وعام 2010، عُقد مؤتمر في إسطنبول لدعم العلاقات بين تركيا والصومال. وعندما كان الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان رئيسًا للوزراء في تركيا، زار الصومال في 19 أغسطس 2011، وكانت هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول تركي بهذا المستوى منذ 20 عامًا، واستغرقت يومًا واحدًا، واصطحب فيها عائلته و5 وزراء و50 صحافيًا. وبعدما أصبح رئيسًا للجمهورية التركية، عاد في إطار تعزيز الدور التركي في 25 يناير 2015 لزيارة مقديشو مرة أخرى. ووقَّعت أنقرة عام 2020 اتفاق للتنقيب عن الغاز والبترول في المياه الصومالية، وتوسَّطت بين الصومال وكينيا للتوصُّل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية المشتركة بينهما، وأنشأت أنقرة قاعدة فضائية في الصومال بكلفة 350 مليون دولار لإطلاق الأقمار الصناعية منها. وتُرجمت العلاقات الأمنية والعسكرية بين تركيا والصومال بشكلٍ أوضح في نهاية العام 2022، عندما كشف حسين معلم محمود، مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عن مشاركة الطائرات المُسيرة التركية “بيرقدار 2” في الحرب التي تشنّها بلاده على حركة الشباب. يأتي توقيع الاتفاق الدفاعي بين تركيا والصومال ضمن سياق الاستراتيجية التركية لتوسيع حضورها ونفوذها في القارة الإفريقية وتنويع علاقاتها الاقتصادية وفتح أسواق واستثمارات جديدة في إفريقيا، وتحديدًا الصومال وجيبوتي، والتمدد خارج الجغرافيا التقليدية للدور والحضور والنفوذ التركي.[1] تصاعد التوترات في القرن الإفريقي: لا تزال التوترات مرتفعة في منطقة القرن الإفريقي بعد أن وقَّعت إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي اتفاقًا مُثيرًا للجدل يمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر الأحمر. وبموجب الاتفاق المُوقَّع في أوائل يناير، ستقوم أرض الصومال بتأجير 20 كيلومتر (12 ميل) من ساحلها لإثيوبيا غير الساحلية لاستخدامها كقاعدة عسكرية ولأغراض تجارية. وفي المُقابل تدرس إثيوبيا الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. وأعلنت أرض الصومال، وهي منطقة صغيرة تقع على ساحل خليج عدن، استقلالها في عام 1991، لكنها لا تزال تحظى بالاعتراف الدولي كجزء من الصومال. وأثارت الصفقة مخاوف من نشوب صراع أوسع نطاقًا حيث تتنافس عدة قوى كبرى على النفوذ في المنطقة الاستراتيجية. يمتد الخط الساحلي الصومالي الذي يبلغ طوله 3025 كيلومتر (1879 ميل)، وهو الأطول في إفريقيا، على طول خليج عدن إلى الشمال والمحيط الهندي إلى الشرق والجنوب. تحدها كينيا وإثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال الغربي، وتُعتبر بوابة إلى إفريقيا. وندَّدت الصومال بشدة بالاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال ووصفته بأنه انتهاك صارخ لسيادتها الإقليمية. بينما قلَّل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من المخاوف من نشوب صراع مسلح، قائلًا إن بلاده لا تُخطِّط لحرب مع الصومال. وفي حديثه أمام البرلمان الإثيوبي في وقتٍ سابق، أكَّد أن الاتفاق لا يُفيد إثيوبيا فحسب، بل يُفيد أيضًا “التعاون الإقليمي”.[2] عن الاتفاق: وقَّعت تركيا والصومال في العاصمة أنقرة يوم 8 فبراير، اتفاق إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي. المعلومات المنشورة حول الاتفاق ما تزال شحيحة؛ ولكن بحسب المُعلن؛ تبلغ مدة ذلك الاتفاق 10 سنوات، وبموجبها تُقدِّم تركيا الحماية للمياه الإقليمية الصومالية كأنها منطقة سيادة تركية، تسير فيها دورات بحرية لمكافحة الأنشطة غير القانونية من قرصنة وإرهاب وصيد غير مشروع وإلقاء نفايات من السفن الأجنبية، على أن تقوم تركيا ببناء القوات البحرية لدولة الصومال خلال المدة نفسها. في المُقابل، تُمنح أنقرة حق استغلال 30 بالمئة من ثروات الساحل الصومالي الأطول في القارة الإفريقية، وتحصل على حصة من تلك الثروات. لا يُعرف بعد مقدار هذه الحصة أو إن كانت تلك الثروات تقتصر على الثروة السمكية الهائلة في مياه البلاد، أم تمتد لتشمل التنقيب واستخراج النفط. وتشير تقديرات إلى أن الصومال يمتلك نحو 250 منطقة بحرية مُحتمل وجود النفط فيها، وقد أعلن وزير البترول والمناجم عن البدء في ترسية سبع مناطق استكشاف في المياه الإقليمية، ثلاثة منها تقع في مياه إقليم صوماليلاند.[3] وقد وافق البرلمان الصومالي بمجلسيه، الشعب والشيوخ، في جلسة غير عادية مشتركة، على الاتفاق. وصوَّت 213 عضو في البرلمان الفيدرالي لصالح الاتفاق، بينما رفضها 3 أعضاء من أصل 331 عضو بمجلسي البرلمان الصومالي. وفي كلمة غير مُجدولة مُسبقًا، تحدَّث الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أمام جلسة مُغلقة للبرلمان نظرًا لحساسية الخطاب. ولاحقًا، عقد شيخ محمود مؤتمرًا صحفيًا بقصر الرئاسة، إثر موافقة البرلمان على الاتفاق، تحدَّث خلاله عن مضمونها. وقال شيخ محمود أن الاتفاق مدته 10 سنوات، وتستهدف بناء البحرية الصومالية وتدريبها وتأهيلها وتسليحها، ولفت إلى أن النقاشات التي أسفرت عن هذا الاتفاق بدأت قبل فترة طويلة لكنها تزامنت في إبرامها مع الأزمة الدبلوماسية مع إثيوبيا. وأكد أن “الصومال لا يريد حربًا بالوكالة بين أطراف إقليمية أو دولية في أراضيه، ويسعى إلى التعاون مع الجميع”. وأوضح أن الاتفاق إطاري، ويترتب عليها اتفاقيات وبروتوكولات تنفيذية لتطبيقها بشكل كامل. وتعهَّد الرئيس الصومالي بأن الاتفاق لن يبقى سري وسيتم اعتماده رسميًا بشكل نهائي، وسيتم نشره في الجريدة الرسمية.[4] ما الذي يُغطيه الاتفاق؟ يمتد “الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي” الذي أُبرم مع الصومال لمدة 10 سنوات، ووفقًا للمعلومات المتوفرة من أنقرة، فإن مجالات التعاون تشمل: إدخال الموارد البحرية في الاقتصاد. تخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والبرية والبحرية المشتركة، في حال الحاجة للدفاع فيما يتعلق باستخدام هذه الموارد. بناء السفن وإنشاء الموانئ والمرافق وتشغيلها، واتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لذلك، وتوحيد قوانين الملاحة البحرية بين البلدين. اتخاذ تدابير أحادية ومشتركة لمكافحة جميع أنواع التهديدات في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة، مثل “الإرهاب” والقرصنة والنهب والصيد غير القانوني والتهريب. بناء منشآت أحادية ومشتركة وإقامة مناطق أمنية. تقديم الدعم التدريبي والتقني والمعداتي للجيش الصومالي. إنشاء وإدارة منشآت أمنية ساحلية. تطوير وتحديث القوة البحرية. منع التلوّث البحري. وستحصل الشركات التي ستعمل في جميع هذه المجالات على الموافقة من تركيا، وسيتم فتح المجال الجوي الصومالي ومناطقها الأمنية بالكامل أمام أنقرة. وبعد الاتفاق الإطاري سيتم…