تمرد فاغنر ومُستقبل الوجود الروسي في إفريقيا

تمرد فاغنر ومُستقبل الوجود الروسي في إفريقيا

تُعد قوات فاغنر ذراع فلاديمير بوتين الضاربة خارج الحدود الروسية، حتى أنها باتت أداة التأثير الروسي الأكثر فاعلية والتي لا تُبارى بالتحديد في إفريقيا، حيث نشرت قواتها في ليبيا وإفريقيا الوسطى، وأبرمت علاقات وثيقة مع ميليشيات خليفة حفتر في ليبيا، وقوات الدعم السريع في السودان، وتتورط في تهريب الذهب بالمنطقة وتوريد السلاح. ويبدو أن مجموعة فاغنر أسَّست لروسيا إمبراطورية في إفريقيا بأرخص التكاليف إن لم تكن، مع تحقيق مكاسب مادية عبر دورها في القارة في حروب القارة ونهب مواردها. والعلاقة بين قائدها بريغوجين والرئيس بوتين تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما كان الأخير عمدة مدينة سان بطرسبرغ حيث وُلد الشخصان. ونتيجة هذه العلاقة الخاصة بين بريغوجين وبوتين، فقد حظيت قوات فاغنر منذ تأسيسها وظهور نشاطها بشبه جزيرة القرم عام 2014 بثقة الكرملين وتمتَّعت بوضع خاص داخل أروقته، الأمر الذي أثار فيما يبدو خلافات بين زعيم فاغنر، وجنرالات الروس، وعلى رأسهم سيرغي شويغو وزير الدفاع، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، وأذكى صراعًا على النفوذ. ومنذ دخول قوات فاغنر معركة مدينة باخموت الأوكرانية لم يتوقف قائدها عن توجيه السباب لقادة الجيش الروسي، بل اتهمهم بالخيانة، وشكَّك في قدرتهم على حماية روسيا، في مسلك غريب على دولة عظمى اشتُهرت بحكمها المركزي الاستبدادي. واحتدَّت الأزمة بين مجموعة فاغنر والجيش الروسي مُنذرةً بتعقيد الأوضاع في أوكرانيا، وبالتبعية في الدول الإفريقية والمناطق التي تسعى موسكو لتوسيع نفوذها بها. فكيف نشب الخلاف بين فاغنر والحكومة الروسية حتى وصل إلى تمردها؟ وكيف يُمكن أن يؤثر ذلك على إفريقيا في المستقبل؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير… أولًا: الخلاف بين فاغنر والحكومة الروسية.. أعلن قائد فاغنر يفغيني بريغوجين في 5 مايو الحالي عن أن مقاتليه مضطرون إلى الانسحاب من جبهة باخموت في إقليم دونيتسك الأوكراني، بحلول 10 مايو الماضي، وذلك بسبب عدم قيام وزارة الدفاع بتزويده بالذخائر اللازمة. وعلى الرغم من تراجع قائد فاغنر بعد يومين عن تهديده بالانسحاب من باخموت، وتأكيده بأنه تلقى وعودًا من وزارة الدفاع الروسية بتزويده بالذخائر اللازمة، فإن تصريحاته السابقة قد كشفت عن تفكك في العلاقة بين القوى العسكرية الروسية المنخرطة في معارك أوكرانيا، مع مؤشرات على خلافات داخل الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.[1] وكانت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين مجموعة فاغنر والجيش تُنذر بقرب الانفجار في الأسابيع الأخيرة. فقد اختطفت المجموعة قائدًا بارزًا للجيش على الجبهة وهو العقيد رومان فنيفيتين، بعد اتهامه بفتح النار على سيارة تابعة لمجموعة فاغنر بالقرب من مدينة باخموت. وقد أطلق سراح فنيفيتين لاحقًا، وفي مقطع فيديو تداوله مدونون عسكريون روس، اتهم المجموعة بتأجيج الفوضى على خطوط الجبهة الروسية من خلال سرقة السلاح وإجبار الجنود الذين يخدمون بموجب التعبئة العسكرية على توقيع عقود مع المجموعة، ومحاولة ابتزاز الأسلحة من وزارة الدفاع. ووصف بريغوجين ذلك بأنه “محض هراء”. وأشار أيضًا إلى أنه مستعد لنشر قواته على الأرض الروسية لمواجهة القوات المتمردة في منطقة بيلغورود. وفي المُقابل؛ قال نائب وزير الدفاع الروسي نيكولاي بانكوف إن “تشكيلات المتطوعين” سيُطلب منها التوقيع على عقود بشكل مباشر مع وزارة الدفاع، في خطوة اعتبرها الخبراء استهدافًا مباشرًا لقوات فاغنر، لكن وزارة الدفاع قالت إن الخطوة تهدف إلى “زيادة فعالية” الوحدات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا. إلا أن ذلك لم يمنع رئيس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، من إعلانه في بيان غاضب إن قواته ستُقاطع العقود.[2] 1. جذور وأسباب الخلاف بين فاغنر ووزارة الدفاع: كان بريغوجين متورطًا في نزاع علني مع وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس أركان الجيش فاليري غيراسيموف طيلة أشهر. واتهم مرارًا المسؤولين الاثنين بعدم الكفاءة وبتعمد تقليل الإمدادات العسكرية لوحدات فاغنر التي تقاتل في أوكرانيا.[3] حتى أنه اتهمهما في فبراير الماضي بارتكاب أفعال ترقى إلى الخيانة، هدفها تدمير قوات فاغنر. ويرى البعض أن أسباب تصاعد الخلاف بين الطرفين ترجع من جهة إلى وجود استياء من فاغنر في أوساط قيادتي الأمن والجيش الروسيين، نظرًا إلى تنامي نفوذها، خاصةً أن ضباط الأمن والجيش ينظران إلى بريغوجين على أنه “مجرم وصاحب سوابق”، كونه دخل السجن لعدة سنوات سابقًا. ومن جهة أخرى إلى محاولات وزير الدفاع ورئيس الأركان المستمرة لعرقلة عمليات التجنيد في فاغنر، والتي تعتمد بدرجة أساسية على سجناء وأصحاب سوابق، يجري استصدار قرار عفو عنهم مقابل القتال مع فاغنر. والصراع بين قائد فاغنر ورئيس الشيشان قاديروف من جهة، وقادة الجيش الروسي من جهة أخرى، بدأ منذ سبتمبر 2022 عندما هاجم قاديروف القوات الروسية ووزارة الدفاع بعد فقدان مناطق استراتيجية في خاركييف شرق أوكرانيا، إذ ضغط بعدها كل من بريغوجين وقاديروف على بوتين لاستصدار قرار تعيين الجنرال الروسي سيرجي سوروفيكين قائدًا عامًا للعمليات في أوكرانيا. لكن الجيش الروسي استخدم نفوذه واستفاد من عدم تحقيق سوروفيكين تقدم يُذكر، واستطاع فرض تعيين رئيس هيئة الأركان غيراسيموف قائدًا لعمليات أوكرانيا في يناير 2023، ومنذ ذلك الحين عمد قائد العمليات الجديد للتضييق على فاغنر في أوكرانيا. بينما يرى البعض الآخر أنه هناك خلافات داخل الطبقة المسماة “أصحاب القوة” ضمن روسيا، وهم الدائرة الضيقة المحيطة ببوتين، حيث يُعد تصعيد قائد فاغنر ضد قادة الجيش الروسي امتدادًا للخلافات ضمن طبقة “أصحاب القوة”. وهجوم بريغوجين على وزير الدفاع الروسي ورئيس هيئة أركان الجيش، يهدف إلى إعادة التوازنات تلك الطبقة، إذ يدير التصعيد ضد الجيش من الخلف يرجل يدعى يوري كافالشوك المسؤول عن إدارة ثروة بوتين، ولديه تأثير كبير على قائد قوات فاغنر. ولم يستبعد هؤلاء وجود ضوء أخضر من بوتين للهجوم الإعلامي الذي يشنه بريغوجين على قيادات الجيش الروسي، والهدف المحتمل لذلك هو رغبة الرئيس الروسي بتأديب الجيش بشكل مستمر وعدم ترك المجال أمامه لاستعادة دوره في الحياة العامة، مستفيدًا من أوضاع الحرب الراهنة.[4] 2. تطور الخلاف وتمرد فاغنر: تفاقم الخلاف بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية حتى أعلن قائد فاغنر بشكل مفاجئ في نهاية يونيو الماضي، دخول قواته الأراضي الروسية وتوجههم نحو العاصمة موسكو، معلنًا رفضه التراجع أو الاستسلام. إلا أنه بعد ما يقارب الـ 24 ساعة دخلت بيلاروسيا على خط الوساطة بين بريغوجين وموسكو، لتنتهي تلك المغامرة المفاجئة والقصيرة بنفي قائد فاغنر إلى الأراضي البيلاروسية. وليعلن من هناك أن هدفه لم يكن الإطاحة بالحكومة الروسية أو حكم الرئيس فلاديمير بوتين بل حماية مجموعة فاغنر. فيما خيّر بوتين عناصر فاغنر إما بالخروج إلى بيلاروسيا، أو الانضمام للقوات الروسية، أو العودة إلى بيوتهم. وقال قائد فاغنر، يفغيني بريغوجين، قبل الإعلان عن التمرد: “تم استهدافنا بضربة صاروخية وبسلاح المروحيات بالرغم من أننا لم نقم بأي مقاومة.. وقتل قرابة 30 شخصًا من مجموعتنا وأصيب آخرون.. توجهت برسالة حول عدم نيتنا القيام بأعمال عدائية وأننا لن نرد إلا في حالة استهدافنا”. وأضاف أن “عملية التمرد استمرت 24 ساعة وقافلتنا الأولى توجهت…

تابع القراءة
"المبادرة الإفريقية للسلام" هل تنجح في تسوية الأزمة الروسية الأوكرانية؟

“المبادرة الإفريقية للسلام” هل تنجح في تسوية الأزمة الروسية الأوكرانية؟

في مسعىً جديد لوقف نزيف أسوأ صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتنعكس تداعياته على العالم؛ بادر قادة 6 دول إفريقية -هي زامبيا والسنغال وجمهورية الكونغو وأوغندا ومصر وجنوب إفريقيا- بالسفر إلى روسيا وأوكرانيا بهدف إيجاد حل للنزاع بين البلدين، في مبادرة لاقت ترحيبًا في الأوساط الإقليمية والدولية. وأعلن رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، المبادرة في 16 مايو، والتي يقودها الرئيس السنغالي، ماكي سال، رئيس الاتحاد الإفريقي العام الماضي. ووافق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي على استقبال البعثة وقادة الدول الإفريقية في موسكو وكييف. كما تم إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة وبريطانيا بالمبادرة ورحبوا بها. فما هي بنود المبادرة الإفريقية؟ وماذا يُميزها عن سابقاتها؟ وما هي دوافعها؟ وكيف كانت مواقف طرفي النزاع منها؟ وما هو المصير المُنتظر لها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. التحضير لطرح المبادرة: في 5 يونيو 2023، استضاف الرئيس سيريل رامافوزا نظرائه الذين سيشاركون في مبادرة السلام الإفريقية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. وكان من بين المشاركين عثمان غزالي عن جزر القمر -الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي-، وعبد الفتاح السيسي عن مصر، وماكي سال عن السنغال، ويويري موسيفيني عن أوغندا، وهاكيندي هيشيليما عن زامبيا. وناقشوا التأثير المدمر للحرب على شعبي أوكرانيا وروسيا وكذلك التهديدات التي تشكلها هذه الحرب على أوروبا وبقية العالم إذا استمرت. واتفقوا على أنهم سوف يتواصلون مع الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي بشأن عناصر وقف إطلاق النار وإحلال سلام دائم في المنطقة. وتم تكليف وزراء خارجية البلدين بوضع اللمسات الأخيرة على عناصر خارطة الطريق للسلام.[1] وأجرى الرئيس رامافوزا في الأسابيع الأخيرة محادثات مع رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس زيلينسكي، والرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية، وزعماء دول البريكس والأمين العام للأمم المتحدة بشأن الجهود المبذولة لتسهيل السلام السلمي. وبعدما شارك الرئيس سيريل رامافوزا في مؤتمر قمة منظمة العمل الدولية في جنيف؛ توجَّه يوم الخميس 15 يونيو 2023 إلى العاصمة البولندية وارسو -حيث تشترك بولندا في الحدود مع أوكرانيا وروسيا وتتأثر بشدة بالصراع الإقليمي- في طريقه إلى أوكرانيا والاتحاد الروسي كجزء من مشاركته في بعثة السلام الإفريقية. وفي اليوم التالي توجَّه الرئيس رامافوزا إلى العاصمة الأوكرانية كييف لإجراء مداولات مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وضمَّت البعثة قادة جنوب إفريقيا وزامبيا وجزر القمر والكونغو برازافيل ومصر والسنغال وأوغندا، كممثلين للقارة. وغادر الوفد الإفريقي الجمعة 16 يونيو كييف إلى سان بطرسبرج- روسيا، لإجراء محادثات مع الرئيس بوتين يوم السبت، 17 يونيو.[2] بنود المبادرة الإفريقية: ذكرت وكالة تاس الروسية أن الخطة الإفريقية لإحلال السلام تضم 10 بنود رئيسية، هي: خفض التصعيد من الجانبين، وتحقيق السلام عبر المفاوضات من خلال الطرق الدبلوماسية، وبدء مفاوضات السلام في أسرع وقت ممكن، ووقف تصعيد النزاع من كلا الجانبين، وضمان سيادة الدول والشعوب وفق ميثاق الأمم المتحدة، وتوفير ضمانات أمنية لجميع البلدان، وضمان حركة تصدير الحبوب والأسمدة من الدولتين، وتوفير الدعم الإنساني لمن وقعوا ضحايا الحرب، وتسوية موضوع تبادل أسرى الحرب، وإعادة الإعمار بعد الحرب، وتوفير تفاعل أوثق مع الدول الإفريقية.[3] ومن المُرجَّح –نقلًا عن رويترز- أن تتضمَّن المبادرة مجموعة من “الإجراءات لبناء الثقة”، وتشمل: سحب القوات الروسية والأسلحة النووية التكتيكية من بيلاروسيا، وتعليق مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتخفيف العقوبات المفروضة من جانب الغرب على روسيا، وتهيئة الأجواء بما يسمح للطرفين ببناء استراتيجياتهما لاستعادة السلام.[4] ما يُميِّز المبادرة الإفريقية عن غيرها من مبادرات: المبادرة هي الأولى التي تخرج من إفريقيا، وهي الأكثر سهولة في تمريرها من المبادرة الصينية مثلًا، حيث يُشكِّك الطرف الغربي في نوايا بكين التي طرحت مبادرة سلام من 12 نقطة (أبرزها: احترام سيادة الدول، وعدم سعي أي دولة لتحقيق الأمن على حساب الأخرى)، لكنه في المُقابل يريد كسب الساحة الإفريقية. كما اقترح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا قبل أسابيع تشكيل مجموعة اتصال من دول غير ضالعة في الحرب، للوساطة من أجل إحلال السلام، إلا أن المقترح لم يمضِ قُدُمًا. ونجحت وساطة سعودية إماراتية نهاية العام الماضي في الإفراج عن أميركية محتجزة في موسكو، مُقابل إطلاق سراح سجين روسي في الولايات المتحدة. وعرض الفاتيكان في مارس 2022 المساعدة في أي نوع من الوساطة، و”فعل كل ما هو ممكن” بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا. وحاولت تركيا في نفس الشهر دفع عملية التفاوض، واستضافة وفدين روسي وأوكراني في إسطنبول، لكن المناقشات الأولية لم تسفر عن تقدم في محاولات الحل. وشهدت بيلاروسيا لقاءات بين ممثلين روس وأوكرانيين في الأيام الأولى للصراع، إلا أنها لم تُقدِّم حلًا يُذكر.[5] ولعل ما يُميز المبادرة الإفريقية عن كل تلك المبادرات هو كونها خرجت من الدول الإفريقية التي تُعد الآن كتلة مؤثرة، وقبول الجانبين المبدئي للمبادرة الإفريقية يعكس رغبة كلٍّ منهما في كسب الساحة الإفريقية، خاصةً أن القارة تُمثِّل مؤخرًا ساحة للاستقطاب الدولي، والعلاقات الممتدة والمتوازنة للعديد من الدول الإفريقية مع الجانبين؛ تُمكِّنها من لعب دور مهم في إطار محاولات حل الأزمة. ردود الفعل الروسية والأوكرانية على المبادرة: جاء رد الفعل من الجانب الروسي؛ بأن قدَّم الرئيس الروسي للقادة الأفارقة قائمة بالأسباب التي تجعله يعتقد أن معظم مقترحاتهم لا تستند لأسس سليمة، وأكَّد بوتين موقفه بأن من بدأ الصراع هو كييف والغرب، قبل وقتٍ طويل من إرسال روسيا قواتها المسلحة عبر الحدود إلى أوكرانيا في فبراير من العام الماضي. وقال إن الغرب، وليس روسيا، هو المسؤول عن الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء العالمية أوائل العام الماضي، وكانت الدول الإفريقية أكبر المتضررين منه. ومن جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -في تصريحات أذاعها التلفزيون- إن بلاده تتفق مع “المنهجيات الرئيسية” للخطة الإفريقية، في حين نقلت وكالات أنباء روسية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله “من الصعب تحقيقها”. وقال بيسكوف إن الرئيس أبدى اهتمامًا بالخطة التي عرض رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا نقاطها العشر، وإن روسيا ستواصل الحوار مع الدول الإفريقية. وأوضح أن الرئيس أكد انفتاحه على “حوار بناء مع الراغبين في سلام يستند إلى مبادئ العدالة، مع أخذ المصالح المشروعة للأطراف بالاعتبار”. ومن الجانب الأوكراني؛ كان زيلينسكي قد قال -بعد لقائه القادة الأفارقة في كييف الجمعة- إن محادثات السلام مع موسكو لن تكون ممكنة إلا بعد أن تسحب قواتها من الأراضي الأوكرانية المحتلة.[6] وكان الوفد الإفريقي اقترح وساطة سلام في النزاع، مشددًا من كييف على ضرورة “وقف التصعيد من الجانبين”، إلا أن الرئيس الأوكراني رفض ذلك منددًا بـ “عملية غش” من جانب روسيا في خضم هجوم مضاد تشنه القوات الأوكرانية. وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحفي مع القادة الأفارقة المشاركين في الوفد: “من الواضح أن روسيا تحاول مجددًا استخدام تكتيكها القديم القائم على الغش، لكنها لن تنجح بعد…

تابع القراءة
حرب السودان وسد النهضة

حرب السودان وسد النهضة

في خضم الأوضاع المضطربة وتصاعُد المواجهات بين طرفي النزاع في السودان؛ تتزايد المخاوف من دخول السودان في حرب أهلية طويلة الأمد، والتي ستترك بلا شك العديد من الآثار السلبية على دول الجوار والقضايا الإقليمية، بما في ذلك ملف سد النهضة الشائك، في الوقت الذي تستعد فيه إثيوبيا للملء الرابع لبحيرة السد، والذي من المُفترض أن يبدأ شهر يوليو المقبل ويثير خلافات بشأنه مع دولتي المصب؛ السودان ومصر. ويرى الكثير من المراقبين أن تطور الأوضاع في السودان سيزيد من تعقيد الأمور أكثر، وذلك بعد 10 سنوات من المفاوضات الفاشلة مع إثيوبيا والتي لم تصل إلى توافق بشأن عملية ملء بحيرة السد وإدارة التشغيل. فما هو موقع مصر وإثيوبيا من طرفي النزاع السوداني- السوداني؟ وكيف يُمكن قراءة تأثيرات الحرب على سد النهضة والموقف المصر؟ وهل يُمكن أن يتغير هذا الوضع بانتهاء الحرب؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير.. الحرب السودانية وموقع إثيوبيا ومصر من طرفي النزاع: الأزمة السودانية لها وجهان، أحدهما محلي والآخر خارجي. الوجه الأول للأزمة يتعلَّق بصراعات الواقع الداخلي، مثل الصراع المسلح الجاري بين الجيش والدعم السريع، ومن قبله الصراع السياسي بين المكونين العسكري والمدني. أما الوجه الآخر فإنه يرتبط بتشابكات ذلك الصراع الداخلي مع الارتباطات الإقليمية والدولية، مثل علاقة أطرافها بدول الخليج، وإثيوبيا، ومصر، أو بتركيا، والولايات المتحدة، وروسيا. ولكل دولة في المحيطين الإقليمي والدولي علاقة بالطرفين، حتى اللحظة، لكن تُحسب على طرف منهما من زاوية نسبية، أي العلاقة الأكثر متانة. وبالنسبة لإثيوبيا؛ فهي تُحسب بدرجة ما أنها أقرب للدعم السريع، ويميل مراقبون لهذا الاستنتاج كون قائد الدعم السريع (محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي) وقواته، لم يُبديا حماسة لحرب تحرير الفشقة. يُضاف إلى ذلك أن ثمَّة حديثًا تردَّد عن دعم حميدتي لحكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في مواجهة التيجراي، واحتياج آبي أحمد له، في حال دخل الأخير معركة مع جيش الأمهرا، الذي تضخَّمت قوته بفعل معركة رئيس الوزراء الإثيوبي مع التيجراي. وما يُعزِّز فرضية تقارب قائد الدعم السريع أيضًا، هو التخوُّف من تدخُّل الجيش السوداني في الأراضي التي تضم السد، إذا حدث انهيار داخلي إثيوبي، لاسيما مع العلاقة المُفترض أنها تجمع الجيش السوداني بمصر. إلا أن كل هذا لا يزال مجرد فرضيات، كون المعركة حتى اللحظة داخلية، وكل الأطراف الإقليمية والدولية تحرص على التعامل بحذر. وثمَّة عنصران مهمان حاليًا؛ هما: صراع الوساطات وما يستتبعه من نفوذ، وتأثير امتداد الحرب على مفاوضات سد النهضة، التي هي في الأصل مُتعثِّرة، فتزيدها الأحداث تعثُّرًا لعدم وجود طرف سوداني يحكم ويتفق ويصدق على شرعية اتفاق، أو يهتم لقضية خارجية في ظلال الكارثة الداخلية الجارية.[1] كيف يُمكن أن تؤثر الحرب السودانية على سير مفاوضات سد النهضة؟ لا شك أن تصعيد الأوضاع في السودان سيكون له تأثير سلبي للغاية على موقف مصر والسودان في قضية سد النهضة، حيث أن انشغال القيادة في الخرطوم بهذه التطورات سيمنح إثيوبيا الفرصة للتحرك منفردة بشأن عملية الملء الرابع لبحيرة سد النهضة دون الاكتراث بموقف مصر والسودان برفض هذه الخطوة. وأي احتجاجات أو تحفظات سودانية على قرار السلطات الإثيوبية ستكون “شبه مستحيلة” في ظل الاضطراب الداخلي، إضافةً إلى ما يُمكن أن تُحدثه الاشتباكات العسكرية من تأثير على ملف النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا خلال الفترة المقبلة. كما أن الأوضاع الداخلية في السودان حاليًا من الأهمية بمكان أن تستحوذ على تعامل الاتحاد الإفريقي في رئاسته الجديد مع قضايا القارة الإفريقية ولن يكون هناك اتجاه حاسم بشأن أزمة سد النهضة في الوقت الراهن. إلا أن بعض المتخصصين اعتبر أن قضية سد النهضة أكبر بكثير من تأثير الاشتباكات الدائرة في السودان على مسارها، حيث توقَّفت المفاوضات بشأن أزمة سد النهضة منذ عامين ولم تسفر عن شيء على مدار 10 سنوات بسبب العديد من الأحداث التي كانت لها تأثير سلبي عليها.[2] تحركات إثيوبية بالتزامن مع الحرب السودانية: رصدت صور الأقمار اصطناعية تسارع الأعمال الإنشائية الخاصة بالسد، وهو ما فسّره البعض بأن أديس أبابا، تستغل الأحداث الحاصلة في السودان، من أجل الانتهاء من أعمال البناء في السد. حيث استطاعت الأقمار الاصطناعية رصد التطورات في سد النهضة خاصة حجم البحيرة، عمل بوابات التصريف، وتشغيل التوربينات. وقد أظهرت آخر تلك الصور منذ عدة أسابيع ارتفاع الممر الأوسط بمقدار 5 إلى 6 أمتار ليصبح المستوى 605 أمتار فوق سطح البحر في ذلك الوقت، والجانبين حوالي 625 متر، قد يكون الممر الأوسط أكثر من 610 متر حاليًا حيث إنه لا توجد أي معلومات من الإدارة الإثيوبية، وجاري العمل في زيادة ارتفاع الجانبين والممر الأوسط.[3] ويجري العمل بشكل مُكثَّف، لرفع منسوب الكتلة الغربية، ورفع الممر الأوسط. إلا إنه رغم ذلك يرى البعض أن تكثيف عمليات البناء في السد، لا علاقة له بالأحداث الجارية في المنطقة، لأن إثيوبيا من الناحية الفنية البحتة كانت قادرة على الوصول إلى منسوب 625 مترًا، قبل أن تتطور الأوضاع في السودان. بينما يرى البعض الآخر أن الجانب الإثيوبي دائمًا ما يستغل الأحداث المضطربة في بلدان المنطقة، فعندما يعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أن الأحداث في السودان ستعوق المحادثات، رغم عدم وجودها، فإنه بذلك يسعى إلى تضليل الرأي العام والمجتمع الدولي.[4] التفسير الفني للتطورات على الأرض: مع استمرار سقوط الأمطار والفيضان خلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين، ارتفع إجمالي تخزين المياه إلى 20,5 مليار متر مكعب ومنسوب البحيرة إلى 605 أمتار. كما أنه ومع انخفاض سقوط الأمطار في الشهور التالية ثم توقفها، انخفض منسوب المياه في البحيرة إلى منسوب التخزين الثالث 600 متر، كما بقي التراجع مستمرًا رويدًا رويدًا بعد فشل التوربينات التي أقامتها إثيوبيا لتوليد الكهرباء عن إمرار المياه أعلى الممر الأوسط ما أجبر أديس أبابا على فتح بوابتي التصريف، حيث قرَّرت إثيوبيا بعد ذلك غلق البوابة الغربية في 23 فبراير الماضي فيما استمرت البوابة الشرقية لإمرار المياه بنصف طاقتها، ما أدى لانخفاض منسوب بحيرة السد بمقدار 10 أمتار لتقف عند منسوب 595 مترا بدلًا من 605 ولتصل كميات التخزين المتواجدة في البحيرة عند 13,5 مليار متر مكعب وهو نفس الرقم الذي وقفت عنده في نهاية التخزين الثالث الصيف الماضي. نحو ذلك، توقَّع خبراء المياه أن الملء الرابع الذي من المُفترض أن يجرى في يوليو المُقبل تزامنًا مع موسم سقوط الأمطار وينتهي في أغسطس سيصل معه منسوب المياه إلى 620م بزيادة قدرها 25م عن آخر منسوب وصل له التخزين وهو 595 متر.[5] وحتى الآن ما زالت بوابة التصريف الشرقية مفتوحة بنصف طاقتها وهي المنفذ الوحيد الآن لمرور المياه، وتُمرِّر في اليوم الواحد حوالي 20 مليون متر مكعب من أصل 50 مليون متر مكعب في اليوم هي كامل طاقتها، نتيجة التحكم في بوابة التصريف. والمياه التي تمر الآن تأتي إلى السودان…

تابع القراءة
جدل الانتخابات الرئاسية المبكرة.. المضامين والتفسيرات

جدل الانتخابات الرئاسية المبكرة.. المضامين والتفسيرات

قال ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني، خلال الجلسة التي عقدت الأحد 11 يونيو 2023، “أن من يروج إلى وجود انتخابات رئاسية مبكرة لا يقرأ أو يطلع على الدستور المصري”، مضيفاً “أن إجراءات الانتخابات الرئاسية المصرية تنعقد قبل 120 يوما على الأقل من نهاية مدة الرئاسة الحالية، لافتا إلى أنه في حال احتساب 120 يوما من 2 إبريل، سيعني فتح باب الترشح يوم 3 ديسمبر ولا يجوز بعدها”[1]. ما قاله المنسق العام للحوار الوطني، أكده رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، المستشار محمود فوزي، موضحا أن هناك نصوص دستورية حاكمة لمواعيد الانتخابات الرئاسية، وأنه يجب أن تعلن نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة قبل 1 مارس المقبل، والحد الأقصى في التقديم للانتخابات هو 1 ديسمبر 2023، وإن كان من الجائز التبكير في فتح باب الترشح[2]. هذه التصريحات جاءت بعد الجدل الذي أثير بشأن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد تصريح النائب والإعلامي مصطفى بكري، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار في مصر، أن “انتخابات رئاسية ستجري في مصر قبل نهاية العام الحالي، بدلا من الموعد السابق الذي كان مقررا في منتصف العام المقبل”، مؤكداً خلال برنامجه “حقائق وأسرار” المذاع على فضائية صدى البلد، أن الدولة المصرية قررت أن تكون هناك انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الحالي[3]. وإن كان بكري قد أكد في تصريح له على “تويتر” أن إقامة الانتخابات الرئاسية خلال العام الجاري لا يعد تبكيراً للانتخابات، إنما يأتي استنادا للفقرة الثانية من المادة 140 من الدستور[4]. لم يكن بكري وحده من داخل النظام المصري الذي أفاد نية الحكومة التبكير بالانتخابات الرئاسية، فبحسب اندبندنت عربية، نقلاً عن مصدر مسئول لم تسميه، أن الانتخابات الرئاسية المقبلة من المرجح انعقادها في نوفمبر المقبل[5]. جدير بالذكر أن تصريحات مصطفى بكري عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، جاء بعد 5 أيام من صدور تقرير عن موقع Africa Intelligence الفرنسي، جاء فيه أن الرئيس المصري يرغب في تقديم موعد انتخابات الرئاسة لتُجري في شهر يناير 2024، بعد أن كان من المقرر انعقادها في نهاية مارس وبداية أبريل 2024. وبحسب الموقع الاستخباري فإن غرض هذا الاستعجال “أن يُعاد انتخاب السيسي قبل اتخاذه قرارات اقتصادية مكروهة شعبياً”[6]. هل تشهد مصر انتخابات رئاسية مبكرة: السؤال الذي يفترض طرحه هنا؛ هل سنشهد انتخابات رئاسية مبكرة كما أكد مصطفى بكري؟ أم أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها في مايو 2024؟ من الناحية الدستورية، ليس هناك ما يمنع بدء إجراءات الانتخابات الرئاسية في ديسمبر القادم[7]؛ فبحسب المادة 241 مكرر، التي تم إدراجها خلال التعديلات الدستورية التي جرت في 2019، فإن إجراءات الانتخابات الرئاسية يجب أن تبدأ قبل 120 يوم “على الأقل” من انتهاء مدة الرئيس الحالي، وتعلن النتيجة قبل 30 يوم “على الأقل” من نهاية الـ 120 يوم المشار إليها. وكون الرئيس الحالي جرى إعلان نتيجة انتخابه في 2 أبريل 2018، فمن المفترض أن تبدأ إجراءات الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2023، وتعلن النتيجة في نهاية فبراير 2023[8]. فيما يتعلق بالتصريحات الصادرة عن ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني، وعن رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، المستشار محمود فوزي، وعن مصطفى بكري المعروف بقربه من دوائر صنع القرار. فمن الواضح أن كلهم أكدوا أن الانتخابات الرئاسية في مصر سيتم تقديم موعد انعقادها. الخلاف الوحيد هو أن “بكري” قال أن الانتخابات سيتم تقديم موعد انعقادها، بينما قال “رشوان” و”فوزي” أن إجراء الانتخابات في ديسمبر بدلاً من مايو ليس تقديماً لموعد الانتخابات، إنما التزاماً بالدستور وما ورد فيه. لكن ما يمكن استنتاجه من كل ذلك؛ أنه قد يجري بالفعل تقديم موعد الانتخابات، ويبدو هذا هو السيناريو الأرجح، لكن هذا التقديم سيظل مستظلاً بمظلة الدستور؛ مستفيداً من المادة 241، المطاطة التي تم إدخالها في تعديلات 2019. نستنتج كذلك أن هذا اللغط جزء منه حدث نتيجة؛ أولاً: التقارير الغربية التي استبقت تصريحات المقربين من النظام المصري في حديثها عن رغبة النظام في تقديم موعد الانتخابات الرئاسية. ثانياً: نتيجة التعديلات الدستورية التي حدثت في 2019، وقادت أو فتحت المجال أمام النظام للتلاعب بموعد الانتخابات الرئاسية كما يشاء بما يتماشى مع مصالحه. ونذكر في هذا السياق أن الرئيس الحالي انتخب مرتين، الأولى في 2014، والثانية في 2018، وفي كلا المرتين أجريت الانتخابات في مايو، وفي أواخر أبريل على الترتيب. دوافع تغيير بموعد انتخابات الرئاسة: لو قبلنا بالطرح الذي يرى أن موعد الانتخابات الرئاسية سيجري تقديمها قبل موعدها، فما هي الأسباب التي دفعت النظام المصري لاتخاذ هذا القرار؟ بحسب مراقبين فإن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تتزامن مع انتهاء جلسات الحوار الوطني بعد أسابيع، فيما يتم تصويرها على أنها من المخرجات المباشرة للحوار[9]، وهو ما يعطي الانتخابات دفعة كبيرة كونها نتيجة توافق واسع بين الحكومة وأطياف المعارضة السياسية المشاركة في الحوار، لكن يبدو هذا التصور غير واقعي؛ فالقوى السياسية غير مهيأة بعد للاستجابة لهذه الخطوة، كما تغيب الشخصية البارزة في صفوف المعارضة، والتي تلقى قبولاً واسع منها، لتخوض الانتخابات الرئاسية باسم المعارضة[10]. ومن الأسباب الأخرى التي ذُكرت في معرض تفسير تفكير النظام في تقديم موعد الانتخابات، أن هذا التوجه تحركه المعضلة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وأن تبكير الانتخابات محاولة لاستباق الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي ستزداد تردياً خلال الفترة القادمة، وتستبق كذلك أية إجراءات اقتصادية قاسية قد يضطر إليها النظام تحت ضغط الواقع القاسي أو اشتراطات صندوق النقد[11]. وأن السلطة قد ترى “ضرورة الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي مبكراً للتفرغ للأزمة الاقتصادية، لا سيما أن الجهات المانحة قد تعلق أي طلب لقروض أو مساعدات لحين الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي[12]“. وهناك أسباب أخرى ذكرت لتفسير رغبة النظام في التبكير بانتخابات الرئاسة، لكنها تبدو ذات قدرة تفسيرية أضعف، منها مثلا: أن تقديم الانتخابات الغرض منه “ضمان حضور أعداد معقولة من الناخبين حتى لا تظهر اللجان خاوية”، أو أن تبكيرها حرصاً من الرئيس على الوفاء بتعهده بأن تكون الانتخابات المقبلة تحت إشراف قضائي، وبما أن الدستور الحالي حدد الإشراف القضائي لمدة عشر سنوات بعد نفاذه، أي تنتهي في يناير ٢٠٢٤، بالتالي يجيب أن تجري الانتخابات الرئاسية قبل هذا الموعد[13]. لكن هذه الأسباب، عدا السبب الأول، يبدو أنها ليست كافية لتفسير مقترح تقديم موعد الانتخابات[14]، فمن جهة أولى: فإن التبكير بانتخابات الرئاسة لاستباق قرارات تقشفية صعبة، يتناسب أكثر مع نظام ديمقراطي يؤسس استقراره على الرضا الشعبي، أما النظام الحالي في مصر فإنما يؤسس استقراره على القمع والاقصاء وتكميم الأفواه وتأميم المجال العام وعسكرته. في النظم الديمقراطية قد تستبق الحكومة القرارات المصيرية بإجراء انتخابات؛ لتجديد شرعيتها قبل الأقدام على أي قرار خطير ومصيري؛ فالانتخابات مدخل لتأكيد شرعيتها، وترميم صورتها، وللتواصل المباشر مع الشارع، ولجسر الفجوة بينها وبين الفئات غير المؤيدة لها، ومحاولة بناء تكتل داعم واسع تضمن تأييده والوقوف في…

تابع القراءة
البعد الديني في الانتخابات التركية

البعد الديني في الانتخابات التركية

لعل من أبرز ملامح المشهد الانتخابي التركي هو حضور الدين كمعيار لتقييم وتصنيف المرشحين، فتركيا كغيرها من دول المنطقة والدول العربية ما تزال تعاني من أزمة هوية، ولم تقدم بعد معالجة مناسبة لمسألة علاقة الدين بصيغ الاجتماع الحداثية المعاصرة، “وواضح من لغة الخطاب السياسي السائد في هذه الانتخابات أن صراع الهوية لا يزال على أشدِّه في تركيا[1]“، وإن كان هذا الملمح يبرز بشكل خاص لدى المجموعات العربية المقيمة هناك؛ فهم من جهة كأنهم حملوا معهم صراعاتهم من مجتمعاتهم الأصلية إلى مجتمعهم الجديد، وهم من جهة أخرى جاءت مواقفهم استجابة وردةفعل على الخطاب الشعبوي الكاره للأجانب في تركيا. هذا التوتر الإسلامي العلماني جاء على الرغم من حرص تحالف الأمة أو تحالف الطاولة السداسية، وفي القلب منه حزب الشعب الجمهوري، وعلى رأسه المرشح الرئاسي كيليتشدار أوغلو، على مغازلة التيار المحافظ في تركيا، فالشعب الجمهوري رشح محجبات على قوائمه، كذلك ضم التحالف أحزاب السعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم[2]، وكلها أحزاب تنتمي للطيف الإسلامي بتنويعاته، فضلا عن تصريحات كثيرة لشراء ود المحافظين الأتراك. لكن هذه المحاولات يبدو أنها لم تؤت ثمارها؛ إذ يعتقد كثير من المتدينين الأتراك “أن هذه التصرفات لا تعبر عن موقف هؤلاء الحقيقي اتجاه الدين بقدر ما هي ضرورة انتخابية سرعان ما ستزول”[3]، خاصة مع حرص كثير من رموز التيار السياسي العلماني في تركيا على تأكيد ضرورة تطهير المجال العام من كل مظاهر التدين التي تفشت فيه خلال سنوات حكم العدالة والتنمية. الحضور الكبير للبعد الديني، بصورة لم يألفها الشارع التركي بهذه الكثافة من قبل؛ لا يمكن فهمه بمعزل عن الدور الذي لعبته المنصات الإعلامية ومراكز الدراسات الأوروبية والأمريكية، في الترويج لنتائج استطلاعات الرأي المبشرة بهزيمة تحالف الشعب الذي يترأسه الرئيس أردوغان، وفي الدعاية السلبية ضد الأخير، وضد التحالف الذي يتزعمه، “فمئات المقالات والتقارير والصور على أغلفة الصحف والمجلات الكبرى تهاجم الرجل بكل ضراوة، وتحذر الأتراك من انتخابه[4]“؛ حتى غدت الانتخابات التركية وكأنها حلبة صراع ومواجهة بين الغرب العلماني والشرق المتدين، هذه الممارسات بدورها غذت البعد الهوياتي والديني للانتخابات التركية؛ حيث بدا لكثير من المتدينين أن هناك رغبة ملحة لدى الحكومات الغربية في الإطاحة بـ “أردوغان” كونه آخر معاقل الإسلام السياسي في المنطقة، وكون ذلك يرد أنقرة مجدداً لحظيرة التبعية[5]. في ضوء ما سبق، نحاول في هذه السطور تسليط الضوء على بعض بيانات المؤسسات العلمائية التي أعلنت فيها دعمها للرئيس التركي والقوى المتحالفة معه، والوقوف على أبرز ملامح وسمات هذه البيانات. المؤسسات العلمائية والانتخابات التركية: كان من ملامح حضور الدين في الانتخابات التركية الأخيرة، حرص مؤسسات علمائية، في الداخل التركي وخارجه، على إعلان تأييدهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتحالف الداعم له في الانتخابات الجارية. في داخل تركيا: أعلن ‏منتدى العلماء UMAD، وجمعية العلماء المسلمين، في بيان مشترك، عن دعمهما الرئيس التركي أردوغان؛ كون تركيا في عهده حققت خلال الأعوام العشرين الماضية إنجازات بارزة، كان لها رأي في السياسة العالمية من خلال كسر الأغلال التي كانت تكبل أياديها[6]. وفي خارج تركيا: قال بيان مشترك، وقعه علماء تابعون لـ “الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين” وعلماء مستقلون من معظم دول العالم الإسلامي، أن سياسية تركيا في عهد أردوغان عادت على المسلمين بنفع كثير؛ ففي تركيا وفرت الحرية والأمن للجميع، كما رفعت الحظر المفروض على الحجاب، كما كثرت هناك المساجد وحفظة القرآن، وعلى الصعيد الخارجي، حققت صعود سياسي، وحضور قوي على مستوى القضايا الإقليمية والدولية، كما شهدت نهضة اقتصادية كبيرة، وما أنجزته من نمو كبير في قوتها العسكرية، وهذا كله يعود على المسلمين بالنفع العميم. أما على مستوى العالم الإسلامي فقد صارت تركيا مأمن يأوي إليه كل من يعاني الظلم والاضطهاد في بلده، بما في ذلك جمع عظيم من علماء المسلمين. كما امتدح البيان السياسات الخارجية التركية، مثل التدخل في ليبيا وإيقاف اجتياح العاصمة طرابلس، التدخل في سوريا وتأمين مناطق الشمال، ومساندة قطر خلال أزمة الحصار في 2017، وموقف أنقرة الصلب من الإساءات الغربية للنبي (ص). لكل ذلك دعا البيان المسلمين الذين يمتلكون حق التصويت في هذه الانتخابات أن يمنحوا أصواتهم للرئيس أردوغان، ومن لا يملك هذا الحق أن يساند مؤيدي أردوغان الأتراك بما استطاع[7]. كذلك أعلنت “جمعية الفاتح” لرجال الدين التركمان في العراق، عن دعمها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، المقرر لها 14 مايو 2023. وعن دوافع هذا الموقف، قال عضو الجمعية، عيسات رشيد، أن نتيجة الانتخابات التركية مهمة ليست فقط لتركيا ولكن للمنطقة بأكملها، وأن حق التصويت في الإسلام أمانة دينية يجب أن تعطى لمن يستحق، وأن أردوغان قدم تضحيات كبيرة من أجل تحقيق السلام في المنطقة خلال العقدين الماضيين فيما اعتبر عضو الجمعية معروف الحسيني، أن فوز تحالف الجمهور في الانتخابات سيكون انتصاراً للعالم الإسلامي[8]. أولى ملامح البيانات الصادرة عن هذه الجهات في سياق دعمها لتحالف الشعب وعلى رأسه أردوغان، أن هذه البيانات، سواء في الداخل التركي أو خارجه، لم تستخدم اللغة الفقهية المعتادة، فلم تستخدم مصطلحات حلال أو حرام، وإنما استعانت بمفردات “المصلحة” و”المنفعة” في تبرير تأييدهم لـ “أردوغان”. ثاني الملامح أن خطاب الدعم الصادر عن هذه الجهات، رغم كونه صادر عن مؤسسات دينية وعلمائية، إلا أن مسوغات التأييد التي دفع بها تتعلق بالأداء السياسي والاقتصادي للرئيس التركي، ولا تستند إلى مقولات دينية أو نصوص شرعية. حتى وإن أشارت البيانات إلى إنجازات الحكومة المتعلقة بحماية القيم الوطنية والأخلاقية، وحماية الأسرة والمجتمع، وفتح المجال أمام المحجبات، وإزالة التضييقات التي كانت تحول دون التحاق خريجي المدارس الدينية بالجامعات، وحماية وتطوير المراكز الدينية ومراكز تحفيظ القرآن، وإدخال دراسة القرآن والسيرة للمناهج التعليمية، وتقديم مأوى في تركيا للإسلاميين المضطهدين في بلادهم، تبقى العوامل التي ساقوها لتبرير دعمهم لـ “أردوغان” متعلقة بأدائه السياسي، ولا تستند إلى مقولات دينية، بمعنى لا تشرعن موقفها من انتخاب أردوغان لكونه واجب ديني، وكون انتخاب غيره محرم شرعاً[9]. لكن يبقى هذا الموقف الذي يستند إلى المصلحة والمنفعة في تبرير دعمهم لـ “أردوغان”، ليس موقف جامع للعلماء، إذ ثمة من يفتي بأن دعم الرئيس التركي واجبا وجوباً عينياً؛ على قاعدة أن الأخير “يقاوم العلمانية بقدر الوسع، بمقابل الفريق الذي يؤمن بالعلمانية ويحرسها”، وبحسب هذا الطرح، فإن انتخاب أحد مرشحي المعارضة غير جائز شرعاً؛ كونها “تتبنى العلمانية وتدعم المثليين والشذوذ الجنسي”[10]. وبالتأكيد هذا التعاطي مع الشأن السياسي بموجبه يفقد المجال السياسي معناه وفاعليته ودوره. وإن كان هذا لا ينفي أن ثمة خطاب علمائي آخر، يبدو أنه أعلى صوتاً يبرر دعمه للرئيس التركي بالحديث عن إنجازاته السياسية في داخل تركيا وخارجها[11]. الملمح الأخير، أن خطاب المؤسسات العلمائية التركية يبدو أكثر انفتاحاً ومرونة من خطاب مؤسسات العلماء العرب، وإن كان خطاب العلماء العرب في دعمهم لأردوغان لا يمكن فهم أبعاده بمعزل عن…

تابع القراءة
اغتيال قادة حركة الجهاد الإسلامي.. الدوافع الإسرائيلية وردود الأفعال الفلسطينية

اغتيال قادة حركة الجهاد الإسلامي.. الدوافع الإسرائيلية وردود الأفعال الفلسطينية

لم تمر فترة طويلة بين مطالبة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في الخامس من أبريل الفائت (2023) بالتوقف عن استهداف الكثبان الرملية في غزة وإزالة الرؤوس، في إشارة إلى استهداف قادة الفصائل الفلسطينية، وبين استهدف إسرائيل لعدد من قادة الصفوف الأولى في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، عبر عملية “درع وسهم”، في غزة صباح التاسع من مايو الجاري (2023)، فيما اعتبر عودة إلى سياسة الاغتيالات السياسية[1]. وردًا على ذلك؛ فقد أطلقت الفصائل الفلسطينية المسلحة، عبر عملية “ثأر الأحرار”، رشقات صاروخية صوب مدن وبلدات إسرائيلية منها تل أبيب والقدس. وقد أسفرت جولة القتال بين الطرفين عن ارتقاء 33 شهيدًا فلسطينيًا بينهم 6 أطفال و3 سيدات وإصابة 190 آخرين بينهم 64 طفلًا. وفي المقابل تم قتل شخصين إسرائيليين وإصابة 75 آخرين. ورغم انتهاء جولة القتال في 13 مايو الجاري، بعد 5 أيام متواصلة بوساطة مصرية[2]. إلا أنها لا تزال تثير العديد من التساؤلات حول ماهية الأهداف الإسرائيلية من خلف هذا التصعيد، ومدي نجاح الاحتلال في تحقيق هذه الأهداف، بجانب التساؤلات المتعلقة بكيفية تعامل المقاومة الفلسطينية مع هذا التصعيد، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق بين حماس والجهاد. أولًا: لماذا أقدمت إسرائيل علي اغتيال قادة حركة الجهاد؟: خلال الآونة الأخيرة، تصاعدت التهديدات الإسرائيلية بالعودة إلي سياسة الاغتيالات، خاصة بعد حرب غزة الرابعة، مايو 2021، وما شهدته إسرائيل تالياً من عمليات فلسطينية فردية تم الربط بينها وبين شخصيات فلسطينية مختلفة من بينها يحيي السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة. وكذلك صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وممثل الحركة في الضفة الغربية، والذي تم الربط بينه عبر تحليلات إسرائيلية أمنية مختلفة وبين التصعيد في الضفة الغربية والقدس في العام الجاري (2023)، والحديث عن محاولته إطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة. ولم يقتصر استهداف قادة الفصائل على التهديد والتحريض، حيث تم فعلياً اغتيال عدد من قادة حركة الجهاد الإسلامي في معركة وحدة الساحات في أغسطس 2022. حيث تم اغتيال كلًا من تيسير الجعبري، قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، وخالد منصور، عضو المجلس العسكري لسرايا القدس وقائد المنطقة الجنوبية. كما قامت إسرائيل في 23 أكتوبر 2022 باغتيال تامر الكيلاني، القيادي في مجموعة عرين الأسود في نابلس، واغتالت بعده وديع الحوح أحد أبرز قادة عرين الأسود في نابلس أيضاً، ثم فاروق سلامة أحد قادة كتيبة جنين ومؤسسيها. بدورها أسفرت عملية الاستهداف الإسرائيلية في التاسع من مايو الحالي في غزة عن اغتيال كل من جهاد الغنام أمين سر المجلس العسكري في سرايا القدس، والذي اعتبرته إسرائيل أحد أعضاء الجهاد الأعلى رتبة. وكذلك خليل البهتيني عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس خلفاً للجعبري الذي اغتيل بدوره في معركة وحدة الساحات. بالإضافة إلى طارق عز الدين أحد قادة العمل العسكري بسرايا القدس في الضفة الغربية، وأحد الأسرى المحررين في صفقة جلعاد شاليط أو وفاء الأحرار، والمبعد من الضفة الغربية إلى غزة. من جانب آخر، يعتبر استشهاد القيادي في حركة الجهاد، الأسير في سجون الاحتلال، خضر عدنان، بعد إضراب عن الطعام امتد لـ86 يوماً، بمثابة اغتيال للقادة. ومثلت سياسة إسرائيل في التعامل مع إضراب عدنان عن الطعام سياسة فارقة في التعامل مع إضرابات الأسرى عن الطعام، وهي السياسة التي كان من شأنها تفعيل قواعد الاشتباك التي أعلنها زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، خلال إضراب هشام أبو هواش، وتحديداً في يناير 2022 حين ساءت حالة أبو هواش الصحية، وجاء حديث النخالة ليربط بين وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية والرد من غزة. وبالتالي، يعد السلوك الإسرائيلي في التعامل مع خضر من وجهة نظر فلسطينية بمثابة اغتيال للقادة، ومبرر لتفعيل قواعد الاشتباك وإطلاق الصواريخ من غزة. وفي هذا السياق، ترى بعض الكتابات والآراء، بما فيها الإسرائيلية، أن التعامل مع عدنان هو الذي حول قضية تكتيكية كان يمكن إدارتها دون خسائر ضخمة، إلى مواجهة استراتيجية من شأنها التصعيد على ساحة قطاع غزة[3]. ويمكن الإشارة إلي مجموعة من الأهداف والدوافع التي تقف خلف قيام إسرائيل باستهداف قادة حركة الجهاد الإسلامي، تتمثل أبرزها في: 1- ترميم قوة الردع الإسرائيلية: يهدف الاحتلال من خلف التصعيد ضد حركة الجهاد في غزة إلي ترميم قوة الردع التي تآكلت كثيراً خلال الفترة الماضية، خصوصاً بعد تطورين حصلا مؤخراً: التطور الاول، اضطرار نتنياهو إلى احتواء تصعيد المستوطنين بعد اعتدائهم على المصلين في قلب المسجد الأقصى في شهر رمضان (أبريل الماضي)، وسعيهم إلى محاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى في سياق مخطط تهويده، واحتدام المواجهة بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال والمستوطنين الصهاينة، ودخول حلف المقاومة على خط المواجهة من خلال الرسائل الصاروخية التي وجهت من جنوب لبنان، باتجاه المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة، ومن سورية باتجاه الجولان المحتل، وبالتالي إظهار استعداد حلف المقاومة إلى الذهاب للحرب إذا ما تجاوز كيان الاحتلال الخط الأحمر في المسجد الأقصى. التطور الثاني، قيام حركة الجهاد بقصف المستوطنات الصهيونية في جنوب فلسطين المحتلة بمئة صاروخ، وفشل القبة الحديدية في التصدي لها، وذلك رداً على جريمة العدو في اغتيال القيادي في الجهاد الإسلامي الأسير خضر عدنان في سجنه الإداري وهو مضرب عن الطعام منذ 86 يوماً[4]. الأمر الذي دفعه إلى تنفيذ عملية اغتيال قادة سرايا القدس، بهدف خطف صورة نصر ترمم الردع المتأكل. وربما يكون الاحتلال اختار هذا التوقيت بالذات لترميم قوة ردعه؛ نظرًا لحلول مناسبات تنطوي على طاقة تفجير كبيرة تحل خلال شهر مايو الحالي. فمبادرة إسرائيل بشن عملية عسكرية واسعة قبل حلول مناسبات ذات حساسية خاصة، مثل “يوم القدس”، الذي تحتفي به إسرائيل بمناسبة احتلالها للمدينة (سيوافق 18 مايو)، وتنظم خلاله الجماعات اليهودية المتطرفة مسيرة الأعلام، تقلص من قدرة الفصائل الفلسطينية على التدخل والرد على الاستفزازات الإسرائيلية عند حلول هذه المناسبة، على اعتبار أنها تكون قد فرغت طاقتها القتالية قبل حلول هذه المناسبة. ومن الجدير ذكره أن تنظيم “مسيرة الأعلام” في مايو 2021، أشعل مواجهة عسكرية بين حركة حماس وإسرائيل، قادت إلى انضمام فلسطينيي الداخل إليها بشكل غير مسبوق[5]. أضف إلي ذلك، فإنه يتردد في الأوساط الإسرائيلية أن هناك توجهاً يقضي بإمكانية افتعال مواجهة عسكرية في واحدة من الجبهات المحيطة بفلسطين، لا سيما سوريا أو لبنان، وربما إيران، مما حدا بالجيش للعمل على تحييد جبهة غزة، تمهيداً للتفرغ لتلك الجبهات الأكثر ضراوة من غزة، بحيث يتم استنزاف المقاومة في غزة (خاصة حركة الجهاد أكبر حليف لإيران علي الساحة الفلسطينية)، وعدم جعلها متفرغة للانخراط بجانب الجبهات المرشحة للاشتعال في أي لحظة[6]. 2- إيجاد مخرج من الأزمة الداخلية: في الوقت الذي ما يزال الائتلاف الحاكم الذي شكله رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في نهاية العام الماضي يتعرض لضغوط داخلية هائلة، سواء من جانب المعارضة التي ترفض خطة…

تابع القراءة
كيف وصل السودان إلى لحظة الصدام بين حميدتي والبرهان

كيف وصل السودان إلى لحظة الصدام بين حميدتي والبرهان

النزعة الاقصائية لدى قوى الحرية والتغيير: قاد “فشل قوى الحرية والتغيير في وضع استراتيجية للتعامل مع قوى النظام القديم بخلق تمايز بين الفاسدين ماليا وسياسيا وغيرهم، في مراحل مبكرة بعد خلع عمر البشير” إلى “جعل الإسلاميين كتلة شبه صلبة ضد الثورة السودانية باستثناء حزب المؤتمر الشعبي”[1]. ولعل أحد جذور فشل التمييز لدى قوى الحرية والتغيير بين إسلاميو البشير وبين جمهور الإسلامين في المجتمع السوداني، هو هيمنة الحزب الشيوعي على توجيه “قحت” وسياساتها العامة، وهو ما اشتكى منه بعض أعضاء التحالف[2]. ومن الأسباب كذلك نزوع الثوار لما يمكن تسميته “النقاء الثوري[3]” وهي نزعة بطبيعتها إقصائية راديكالية. ويظهر فشل تحالف الحرية والتغيير بصورة واضحة، في إدخال الحكومة المدنية نفسها في صراعات جانبية كان يمكن تأجيلها حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، من قبيل؛ (1) قرار وزير العدل رقم (47) لعام 2020، بتشكيل لجنة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، وهو ما أثار ريبة جمهور الإسلاميين، والمحافظين ككل في المجتمع السوداني، خاصة مع ما تضمنه النقاش المصاحب للقرار، من إشارة إلى السعي لإلغاء شرط الولاية في عقد الزواج، وتعديلات أخرى غايتها تضمين اتفاقية “سيداو” الدولية الخاصة بحقوق المرأة ضمن القانون الجديد. (2) إجراء تعديلات على القانون الجنائي السوداني، في يوليو 2020، وشملت التعديلات القانونية إلغاء عقوبة الردة وإباحة المشروبات الكحولية لغير المسلمين، وإباحة سفر المرأة بأولادها للخارج دون إذن زوجها. (3) تعديل المناهج التعليمية في أواخر 2020، وقد تضمنت التعديلات إلغاء أغلبية سور القرآن المقررة في كافة المراحل الدراسية، كما تضمنت إدخال لوحة “خلق آدم” للرسام الإيطالي مايكل آنجلو وهي تحوي تجسيدًا للذات الإلهية ولنبي الله آدم عليه السلام[4]. هذه الممارسات من جانب “قحت”، وحكومة حمدوك، هي التي قادت إلى تشقق وحدة الجماهير خلف قوى الثورة، وأحيت الاستقطاب الإسلامي العلماني في السودان، وأوجدت نقاط اتفاق بين القوى الإسلامية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهي التي أوحت إلى القوى العسكرية أن تحركها ضد المكون المدني في أكتوبر 2021، لن ينجم عنه ردة فعل قوية من جانب الشارع السوداني. لم تكتف قوى الحرية والتغيير بإثارة قلق الشارع منها، إنما حركت الحساسيات بينها وبين الجيش؛ لما سعت إلى التدخل في الشئون الداخلية للمؤسسة بدعوى تطهيرها من فلول النظام السابق. التيار الإسلامي العريض وعودة الإسلاميين للشارع: تأسس “التيار الإسلامي العريض” في 18 أبريل 2022؛ بعد الانقلاب الذي قاده البرهان على رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، وقد وقع على بيان التأسيس 10 قوى إسلامية، والتحالف يضم مكونين أساسيين؛ الكيانات القريبة من الخط الفكري والتنظيمي للإخوان المسلمين، إضافة إلى المحسوبين على تيار السلفية الحركية، ممثلاً في حزب “دولة القانون التنمية” بقيادة محمد علي الجزولي[5]؛ ويهدف إلى مواجهة ما أسماه مؤسسي التيار بـ “مخططات الإقصاء”[6]. مع تحقيق الاندماج التنظيمي بين هذه الكيانات العشرة. يرى مراقبون أن ظهور “التيار الإسلامي العريض” في هذا التوقيت محاولة للملمة صفوف الشارع الإسلامي الذي تضرر بالتأكيد من الخلط الذي تم بين الإسلاميين عموماً وبين الإسلاميين المتحالفين مع نظام البشير، وهو كذلك محاولة للاستفادة من حالة الشقاق بين مكونات الانتقال المدنية والسياسية، وردة فعل على أحزاب الحرية والتغيير التي ظل شغلها الشاغل خنق كل ما هو إسلامي. فيما يرى آخرون أن التحالف العريض ليس سوى واجهة قد تفتح المجال لعودة فلول نظام البشير من جماعة الإخوان المسلمين[7]. وعن علاقة ظهور التحالف العريض بالانقلاب الذي قاده العسكريين على مجلسي السيادة والوزراء، قال عمار السجاد، القيادي بالمؤتمر الشعبي غير المنضم للتيار العريض، أن نشأة هذا التيار تعود إلى ما قبل عامين وليس وليد اللحظة، وأن “ظهور التيار خلال الأيام الماضية يعود إلى أن هذه التنظيمات تريد أن تضع له قيادة”[8]. وقد رفض حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الترابي الانضمام للتحالف العريض؛ باعتبار أن الاهتمام بالعملية السياسية في الوقت الراهن مقدم على الانشغال بتوحيد الإسلاميين[9]، وأن التحالف العريض هو كيان أيديولوجي مغلق فيما يسعى المؤتمر الشعبي للعمل كحركة سياسية تجمع كل أهل السودان[10]. كما نأى حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً الانضمام للتيار العريض كذلك. كان من المتوقع والمفهوم أن يعلن التيار العريض رفضه للاتفاق الإطاري، كونه يتوج عملية علمنة الدولة، ويواصل اقصائهم بحجة “إزالة التمكين وتفكيك مفاصله”. لذلك سرعان ما أعلنت القوى الإسلامية رفضها للاتفاق الإطاري، مع تنظيم فاعليات لرفض الاتفاق، وصدرت بيانات من كيانات محسوبة على الإخوان مثل مبادرة “نداء أهل السودان” لرفض الاتفاق الإطاري ونقده[11]. كذلك أصدر حزب “المؤتمر الوطني” الحاكم سابقاً، بياناً في ديسمبر 2022، أكد فيه “رفضه التام للاتفاق الإطاري، ويعلن مقاومته للاتفاق بلا هوادة وبشراسة وبكل الوسائل القانونية والطرق الشرعية”[12]. المثير أن الاتفاق الإطاري لم يرفض من جانب الإسلاميين فقط، بل تواطأ على رفضه “مجموعات متباينة فكريا وسياسيا وعلى رأسهم تنظيم الإخوان وواجهاته المختلفة المنضوية تحت ما يسمى “التيار الإسلامي العريض” والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين الأصل والحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني؛ إضافة إلى حركات مسلحة موقعة على اتفاق السلام السوداني، وعدد كبير من لجان المقاومة التي تقود الحراك الحالي في الشارع”[13]. بالتالي وكون الاتفاق لم يحظى بدعم “كتلة حرجة” من القوى السياسية والاجتماعية تضمن تنفيذه، فإن إجهاضه كان متوقعاً إلى حد كبير، وكان أن تطوع الجيش والدعم السريع لدور إجهاض الاتفاق.   الحركة الإسلامية السودانية والجيش: تنقسم مواقف الإسلاميين في السودان من المؤسسة العسكرية إلى قسمين في ظل الوضع الراهن، أحدهما يعتبر أن الجيش هو بالأساس جيش الإسلاميين، في إشارة إلى “التمكين” الذي مورس خلال 30 عام. واستطاع الجيش استقطاب عدد كبير من الكوادر القيادية المدنية في الحركة الإسلامية، وأصبحوا هم من يقفون ضد أي انتقال ديمقراطي أو عودة الحريات للسودان[14]. في الضفة الأخرى، يقف الإسلاميون الذين يُحمِّلون الجيش مسؤولية ضياع المشروع الإسلامي، وهؤلاء كانوا يؤيدون عودة الجيش إلى ثكناته بعد عامين من انقلاب الحركة الإسلامية على السلطة الديمقراطية في يونيو 1989، ويرى هؤلاء أن ما حدث في 25 أكتوبر الماضي، هو انقلاب عسكري على السلطة الانتقالية. ويندرج ضمن الطرف المناهض لتدخل العسكريين في السياسة حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه حسن الترابي[15]. الخاتمة: قد يكون إسلاميو النظام السابق غير راضين عن الترتيبات الجارية خلال المرحلة الانتقالية في السودان، كونها أنبنت على أنقاض نظامهم، وكونها تعدهم بمزيد من الملاحقة والإقصاء. وقد يكون لهذه القوى علاقات بالجيش -لا تزال أبعادها مجهولة، لكن هذا لا ينفي مسئولية المكون المدني عما آلت إليه الأوضاع في السودان؛ كونه عجز عن تبني معيار يفصل بين إسلاميو النظام السابق وبين التيار الإسلامي الواسع في السودان بتنويعاته، وكونه أثار توجس الجيش من خلال الحديث المتكرر عن ضرورة تطهير الجيش من فلول الإنقاذ، وأخيراً كونه استسلم للخلافات الداخلية والانقسامات تفقده الانفراد بتمثيل الشارع والثورة.  [1] أماني الطويل، في السودان: هل من مستقبل للإسلام السياسي؟، مصر 360، شوهد في 10 مايو 2023، في: https://tinyurl.com/2mduj8z4…

تابع القراءة
قراءة توثيقية تحليلية.. كيف تحول رمضان إلى "سلعة" وموسم للدراما والترفيه؟

قراءة توثيقية تحليلية.. كيف تحول رمضان إلى “سلعة” وموسم للدراما والترفيه؟

عرفت مصر السينما مبكرا، وكان أول فيلم سينمائي قصير سنة 1896م، في حين يرى البعض أن  بداية السينما  بمصر كانت في 20 يونيو 1907 مع تصوير فيلم تسجيلي صامت قصير عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى معهد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية. وفي عام 1917 أنشأ المخرج محمد كريم بمدينة الإسكندرية شركة لصناعة الأفلام وعرضها، استطاعت هذه الشركة إنتاج فيلمين هما «الأزهار الميتة» و«شرف البدوي» وتم عرضهما في مدينة الإسكندرية أوائل عام 1918. وكان (أولاد الذوات) هوولاأ أول فيلم ناطق سنة 1932م قام ببطولته يوسف وهبي وأمينة رزق.  كما شهد هذا العام ظهور أول مطربة مصرية وهي نادرة وذلك في فيلم (أنشودة الفؤاد) الذي اعتبر أول فيلم غنائي مصري ناطق، بينما كان أول مطرب يظهر على الشاشة هو محمد عبد الوهاب في فيلم (الوردة البيضاء). تطورت صناعة  السينما لاحقا، وأنتج 16 فيلما سنة 1944م زادت إلى 67 فيلما سنة 1946م. وفي الستينيات أممت صناعة السينما، حيث أنشئت فيه المؤسسة العامة للسينما لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة، التي تتبع القطاع العام في مصر، مما أدى إلى انخفاض متوسط عدد الأفلام من 60 إلى 40 فيلمًا في السنة، كما انخفض عدد دور العرض من 354 دارًا عام 1954 إلى 255 دارًا عام 1966م. وفي منتصف عام 1971 م تم تصفية مؤسسة السينما وإنشاء هيئة عامة تضم مع السينما المسرح والموسيقى. وتوقفت الهيئة عن الإنتاج السينمائي مكتفية بتمويل القطاع الخاص وبدأ انحسار دور الدولة في السينما، والاعتماد على شركات القطاع الخاص المملوك غالبا لمقربين من السلطة. ظهور صناعة الدراما في 31 مايو 1934م كان أول بث إذاعي حكومي على الإذاعة المصرية، لكن المحطة الفارقة والمؤثرة كانت في 21 يوليو 1960 حيث كان اول بث تلفزيوني حكومي من ماسبيرو. وهو ما جعل الدولة تفرض سطوتها على صناعة الوعي من خلال توظيف السينما في تحقيق أجندة النظام. وظهرت صناعة جديدة بالغة التأثير لاحقا  هي صناعة الدراما؛ وتم عرض أول مسلسل مصري هو (هارب من الأيام) الذي تم إنتاجه سنة 1962م، وهو مسلسل مأخوذ عن رواية  للكاتب ثروت أباظة تحمل العنوان نفسه وقام بعمل السيناريو والحوار السيناريست فيصل ندا وأخرجه نور الدمرداش وقام ببطولته عبدالله غيث وتوفيق الدقن وحسين رياض ومديحة سالم.[[1]] تتحدث القصة عن واقع القرية المصرية، وعلى رأسها شخصية العمدة الحاكمة المتسلطة، التى لا تعرف من الدين إلا قشوره، إذ يتخذ من نفوذه وسيلة لإخضاع الأهالى، إلى أن تتعرض القرية لعدة حوادث سرقة وتخريب، مما يثير الرعب في قلوب سكانها لعدم قدرتهم على اكتشاف الفاعل، ليظهر بالنهاية أن الطبال الذي يتعرض لسخرية الناس هو من يقف وراء كل هذه الجرائم. حقق المسلسل شهرة مدوية في الشارع المصري حتى قال مؤلفه في إحدى اللقاءات التلفزيونية بأن مجلس الوزراء كان يجتمع بعد عرض الحلقات، كما روى بأنه قد تم القبض عليه بعد الحلقة السابعة لاتهامه بالإشارة إلى رئيس الجمهورية وقتها جمال عبد الناصر بأنه طبال، وتم الافراج عنه بعد 48 ساعة.[[2]] تطورت صناعة الدراما لاحقا وكانت فترة الثمانينات والتسعينات هي ذروة العمل الدرامي بأعمال كبرى مثل ليالي الحلمية والمال والبنون ورأفت الهجان وأرابيسك والسبنسة والراية البيضاء وزيزينيا وذئاب الجبل ورحلة أبو  العلاء البشري ولن أعيش في جلباب أبي وإمام الدعاة ومحمد رسول الله وغيرها. وكان ملايين المصريين يتابعون مسلسل الساعة (7) كل يوم على القناة الأولى لسنوات طويلة، وللحق كان هناك مسلسلات وبرامج هادفة، وحتى اليوم لم ينتج التلفزيون المصري برامج ناجحة أكثر من المسلسلات مثل برامج (العلم والإيمان) الذي كان يقدمه الدكتور مصطفى محمود في التاسعة من مساء كل يوم إثنين من الأسبوع على القناة الثانية. ومسلسل (خواطر الشعراوي) وعالم الحيوان وغيرها من البرامج الهادفة حقا والتي لم يعد لمثلها وجود حاليا. بقي الوضع على هذا النحو حتى قبل عقدين من الزمان؛ حيث كانت الدولة هي المتحكم في البث التلفزيوني من الألف إلى الياء عبر قنوات التلفزيون الحكومي. وكان رمضان يتميز بنكهة خاصة على المستوى الإعلامي، حيث تميز بالدراما الدينية، وكثافة الفوازير الاستعراضية والتي كانت تثير كثيرا من السخط والغضب الشعبي لما تبثه من عري ورقص ودعوة للشهوانية الجامحة؛ الصورة الإعلامية على هذا الشكل كانت انعكاسا لحالة مصر التي لا تعرف هويتها على نحو صحيح؛ فالمؤسسات الدينية (الأزهر ــ الكنيسة) تدعو إلى التمسك بالفضيلة والقيم الأخلاقية، بينما الإعلام منفلت ويبث رسالة مضادة لرسالة الأوليين في معظم برامجه وأفلامه ومسلسلاته. هذه الازدواجية ظلت قائمة فليس هناك رسالة واضحة المعالم حول الملامح والسمات الإنسانية والأخلاقية التي تسعى الدولة بكل منظومتها وآلتها إلى تجذيرها في المجتمع كجزء من الحفاظ وحماية الهوية الوطنية بكل سماتها وأبعادها. بل كانت الرسالة على الدوام متناقضة ومضادة وتهدم بعضها بعضا؛ فقد تجد  برنامجا دينيا يدعو إلى الفضائل والتمسك بالقيم والتعاليم الدينية كالعلم والإيمان أو خواطر الشعراوي. وفي غضون دقائق تجد فيلما  يدعو إلى الشهوانية الجامحة والانفلات الأخلاقي  والسلوكي وعدم التسليم بالتعاليم الدينية سواء كانت الإسلامية أو المسيحية.  فهل الدولة بآلتها الإعلامية مع الفضيلة والتمسك بالقيم أم مع الشهوانية والانفلات الديني والأخلاقي والسلوكي؟ أم انها مجرد سمسار لا هم له سوى الربح والمكسب فتعرض البضاعة حسب رغبات المستهلكين؟ أم كان ذلك جزءا من سياسات الإلهاء والتنويم لضمان بقاء الشعب تحت السيطرة وتأمين حكم الجنرالات لعقود طويلة؟! انطلاق الفضائيات الخاصة منذ أن أطلقت مصر برامجها التليفزيونية الأولى في عام 1960، احتكرت القنوات الحكومية التي تديرها الدولة البث الأرضي. وزارة الإعلام تنظم بدقة القنوات الفضائية الخاصة كذلك.  يمتلك اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري وهو كيان حكومي جميع القنوات الأرضية السبعة عشر. القناة الأولى والقناة الثانية هما القنوات الرئيسية للشبكة وتبث عبر مصر. قناة النيل التليفزيونية المملوكة للدولة هي القناة الرئيسية للغات الأجنبية وتهدف إلى تعزيز وجهة نظر مصر وتشجيع السياحة. توجد 6 قنوات أرضية إقليمية والتي كانت تُبث جميعها في نطاق القاهرة الكبرى.. تم الإعلان عن أن 23 قناة تابعة للدولة اعتبارًا من عام 2012 ولكن كانت نسب مشاهدتها صغيرة ومتضائلة. في 12 ديسمبر 1990م، أطلقت القناة الفضائية المصرية، التي تعتبر أول قناة فضائية عربية والقناة الفضائية الرسمية لجمهورية مصر العربية. والتي ركزت محتواها على أمرين: الأول هو عرض المواد الترفيهية (الأفلام ـ مسلسلات ــ برامج ترفيهية ورياضية). والثاني هو تبني الخطاب السياسي للسلطة وتسويقه بين الجماهير. فالقنوات الأرضية لا يشاهدها إلا المصريون في الأراضي المصرية. أما الفضائية فيمكن أن يشاهدها أن مواطن بالعالم كله. المحطة الأخرى التي كانت تمثل قفزة كبرى هي ظهور الفضائيات الخاصة وشاشات رجال الأعمال وذلك مع بث أول فضائية خاصة في 2002 هي قناة (دريم) للمليونير الراحل أحمد بهجت. ثم توالى ظهور الفضائيات الخاصة التي يملكها رجال الأعمال المقربون من نظام مبارك كقنوات (دريم ــ الحياة ـ المحور)  وكان للحكومة حصة…

تابع القراءة
تطورات الوضع الميداني في السودان وتأثيراته على مصر

تطورات الوضع الميداني في السودان وتأثيراته على مصر

تواجه السودان أزمة خانقة تُعزِّزها حالة الانسداد السياسي التي تفاقمت بانطلاق الاشتباكات المسلحة في 15 إبريل الماضي 2023 في عدد من الولايات والمدن السودانية بين القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وسط إخفاق في احتواء الصراع برغم التحركات الإقليمية والدولية لإيجاد مخرج للأزمة في البلاد. وتكشف تطورات المشهد العملياتي على الساحة السودانية عن إصرار طرفي الصراع على حسمه عسكريًّا والتغاضي عن دعوات المجتمع الدولي لوقف القتال المحتدم في البلاد، أملًا في بدء المفاوضات بشأن تسوية الصراع بشكل نهائي، وهو ما يُعزِّز المخاوف لدى دول الجوار المباشر للسودان وعلى رأسها مصر من استمرار الصراع الذي يُهدِّد استقرارها السياسي والاقتصادي. فكيف يُمكن قراءة تطورات الوضع الميداني والعملياتي في السودان؟ وما هي أهم تداعياته السياسية والاقتصادية على الدولة المصرية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا؛ الوضع الميداني في السودان وتطوراته.. 1. عوامل أثَّرت على تطورات الوضع الميداني على الأرض: هناك عدة عوامل ساهمت في تشكيل الوضع الميداني على الأرض منذ بدء الحرب: أولها؛ محاولة قوات الدعم السريع في مرحلة لاحقة من اليوم الأول للمعارك قطع التواصل بين شمال العاصمة وجنوبها، عبر تعطيل حركة المرور التي تربط بين جنوب العاصمة ومنطقتي بحري وأم درمان شمالها، وتحديدًا جسر نمر الرابط بين الخرطوم وبحري، وجسر النيل الأبيض بين الخرطوم وأم درمان، وجسر شميرات بين أم درمان والخرطوم بحري، وذلك بهدف منع القوات النظامية من تحريك قواتها لتأمين مبنى التلفزيون الحكومي، لكن فشلت قوات الدعم في تحقيق هذا نتيجة لافتقارها للآليات العسكرية الثقيلة، ما أفضى في النهاية إلى فشلها بالتالي في السيطرة على مبنى التلفزيون. وثانيها؛ افتقار قوة الدعم السريع للدعم المدفعي الثقيل والدبابات، حيث يقتصر تسليحها على أقل من 50 مدرعة خفيفة، وأعدادًا كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز لاندكروزر مسلحة براجمات صواريخ من عيار 107 و122، ورشاشات متوسطة مضادة للطائرات، ومدافع عديمة الارتداد مضادة للدروع، في حين تمتلك القوات النظامية قوة مدفعية كبيرة، وقوة مدرعة متماسكة، تمكن من الدفع بدبابات تي-55 وتي-72 لتقديم الدعم الناري المباشر. وثالثها؛ على المستوى البشري، وبالإضافة إلى حقيقة أن ميزان القوى البشرية يميل بشدة لصالح القوات النظامية، التي تمتلك نحو 205 آلف جندي، من بينهم 100 ألف جندي قوات عاملة، و55 ألف جندي ينتمون لقوات داعمة شبه عسكرية، مقابل ما لا يزيد عن مائة ألف جندي في صفوف قوات الدعم السريع، قسم كبير منهم يتمركز في دارفور، يُمكن القول أن قسم مهم من قوات الدعم السريع، ينتمى في الأصل لأجهزة عسكرية نظامية سودانية، مثل جهاز المخابرات وأجهزة عسكرية اخرى، وتم إلحاقه بقوة الدعم السريع، وبالتالي كان قرار حل جهاز الدعم السريع محفزًا لهؤلاء للعودة إلى جهاتهم الأصلية في السلك العسكري النظامي، وهو ما أثَّر على أداء قوة الدعم السريع، خاصةً على المستوى المعلوماتي والاستخباراتي.[1] 2. تطورات الوضع الميداني في السودان: في أول مايو الجاري قال الجيش السوداني إن قواته تمكَّنت خلال 15 يوم من تخفيض قدرات قوات الدعم السريع القتالية بما بين 45 و55%. جاء ذلك في بيان نشره الجيش السوداني عبر فيسبوك، تحت عنوان “الأوضاع مستقرة في جميع ولايات السودان”. ورغم ذلك؛ تعالت أصوات الاشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم رغم تمديد الهدنة في وقت حذَّرت فيه الأمم المتحدة من “لحظة انهيار” على الصعيد الإنساني. وسقط مئات القتلى وآلاف المصابين منذ أن بدأت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وعن الوضع الميداني، أفاد الجيش بأن (العدو) حشد بالعاصمة لتنفيذ المؤامرة حتى صبيحة يوم 15 إبريل، قوات ضخمة بتجهيزات كبيرة بلغت حشد 27135 مقاتل، و39490 مستجد، و1950 مركبة مقاتلة، و104 ناقلات جنود مدرعة، و171 عربة بوكس دبل كاب مسلحة بالمدافع الرشاشة.[2] هذا وقد تم تعطيل إمدادات المساعدات ودفع 100 ألف لاجئ للفرار إلى الخارج وتحويل المناطق السكنية بالخرطوم إلى مناطق حرب.[3] وقالت وزارة الصحة السودانية إن 528 على الأقل قُتلوا وأُصيب 4599 آخرون، وسجَّلت الأمم المتحدة عددًا مماثلًا من القتلى لكنها قالت إنها تعتقد أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، وكلا الجانبين لم يكشف عن عدد القتلى من مقاتليهم. ومن جانبه، قال مارتن جريفيث منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة إن الصراع أدى أيضًا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان الذي كان ثلث سكانه يعتمدون على شكل من أشكال المساعدات الإنسانية قبل اندلاع القتال. وأضاف “نطاق وسرعة ما يحدث في السودان غير مسبوق، نحن قلقون جدًا من التأثير الحالي وعلى المدى الطويل في جميع الناس في السودان والمنطقة الأوسع”. وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إنه سيلغي فورًا تعليق أنشطته في السودان بعد أن اضطر إلى ذلك بسبب مقتل 3 من موظفيه هناك في 16 إبريل باشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.[4] وبالرغم من قدرات الجيش؛ لكن قائده، اللواء عبد الفتاح البرهان، سرعان ما وجد القوة الجوية والمدفعية وحدهما لن يتمكنوا من إيقاف رجال خصمه، الذين اقتحموا مقر إقامة البرهان في عمق مقر قيادة الجيش في الساعات الأولى من الصراع -وفقًا لتقرير صادر عن رويترز-. ويتبع حميدتي تكتيكه المفضل، وهو القتال من مسافة قريبة واللعب على نقاط القوة في قوات الدعم السريع. فعلي المستوى التكتيكي؛ بعد قرابة شهر من بدء القتال، وعلى الرغم من الضربات الجوية شبه اليومية، لم يطرد الجيش قوات الدعم السريع من العاصمة، حيث اتخذ رجالها مواقع في مناطق سكنية وعدة مؤسسات رئيسية. واتجه مقاتلو قوات الدعم السريع من قواعدهم في العاصمة، التي تتعرض للضربات الجوية، إلى المنازل وطردوا السكان. ويقول السكان إنهم يوقفون سياراتهم بالقرب من المنازل لردع الضربات الجوية. كما احتل رجال حميدتي مبانٍ حكومية مثل وزارة الداخلية ومباني الشرطة واستولوا على إمدادات كبيرة من الوقود من مصفاة النفط، وكذلك البنوك. ونشرت قوات الدعم السريع قناصة على أسطح المنازل. ولتشديد سيطرتهم، أقام العديد من مقاتلي حميدتي من الرزيقات، أكبر قبيلة عربية في دارفور، نقاط تفتيش في جميع أنحاء الخرطوم، يبحثون في بطاقات الهوية ويفتشون السيارات والأمتعة. واتهمهم سكان العاصمة بالنهب، وهو ما نفته قوات الدعم السريع.[5] وعلى المستوى الجغرافي؛ بالرغم من ميل كفة ميزان القوة لصالح قوات الجيش السوداني، بشكلٍ يجعلها في النهاية تُحقِّق انتصارًا مرحليًا في العاصمة والولايات القريبة، لكن ظلت معضلة التعامل مع الوضع في كلٍّ من مدينة مروى وولاية شمال كردفان، وولايات دارفور، خاصةً مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ومدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، حيث قد تلجأ قوات الدعم السريع إلى التمترس في ولايات دارفور، وخلق واقع مشابه لما كان الحال عليه في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، خاصةً أن القطاعات السبع العسكرية التي تمتلكها قوات الدعم، يقع أغلبها في…

تابع القراءة
الموقف المصري من الصراع السوداني بين الجيش وقوات الدعم السريع.. المحددات والأبعاد

الموقف المصري من الصراع السوداني بين الجيش وقوات الدعم السريع: المحددات والأبعاد

بعد توتر طويل وتراشق إعلامي، انفجر في 15 أبريل 2023 الصراع بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (تأسست عام 2013)، على شكل اشتباكات مسلحة عنيفة، بدأت داخل العاصمة السودانية الخرطوم وانتقلت منها إلى مدن أخرى؛ ما أسفر عن سقوط مئات القتلي والآف الجرحي. وجاءت المواجهات الأخيرة على خلفية خلافات نشبت بين قيادة الجيش، ممثلة بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بشأن الجدول الزمني المقترح لدمج قوات الدعم في صفوف القوات المسلحة بموجب الاتفاق الإطاري الذي جرى التوصل إليه في 5 ديسمبر 2022، لحل الأزمة السياسية المستمرة في البلاد، منذ انقلاب الجيش على حكومة عبد الله حمدوك في أكتوبر 2021. فقد اقترح الاتفاق فترة عشر سنوات لاستكمال عملية الدمج، بينما طالبت القوات المسلحة بحد زمني أقصاه سنتان، أي مع انقضاء المدة المقترحة للفترة الانتقالية الجديدة[1]. ومع استمرار القتال لما يقارب الشهر، والفشل المتكرر للهدنات ووقف إطلاق النار، وإجلاء الدول رعاياها، بات شبح تحول القتال إلى حرب أهلية، قد تمتد لأشهر وربما سنوات، يثير تساؤلات متعددة حول التداعيات الكارثية داخل السودان وفي المنطقة، وبصفة خاصة في الجارة الشمالية مصر[2]. وعليه، تسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي محددات الموقف المصري تجاه الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتحديد أي طرف في الصراع أقرب للمصالح المصرية، والسياسات التي يتبعها نظام السيسي للتعامل مع هذا الصراع وتداعياته، وأخيرًا، محاولة تقييم الموقف المصري تجاه هذا الصراع. أولًا: محددات الموقف المصري تجاه الصراع السوداني: لاشك أن الصراع الحالي بين الجيش والدعم السريع سيكون له العديد من التداعيات السلبية علي مصر علي جميع المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وهذه التداعيات تمثل المحددات الرئيسية التي تحكم صانع القرار المصري في تعاطيه مع الأزمة السودانية. 1- المحددات الأمنية: يمثل الصراع السوداني صداعًا مزمنًا في رأس الدولة المصرية، لما ينطوي عليه من ارتدادات قد تهدد الأمن القومي المصري من فنائه الجنوبي، وتتمثل أبرز هذه الارتدادت في: – استهداف الجنود والدبلوماسيين المصريين: وجدتالقاهرة نفسها منخرطة بشكل مباشر في الصراع السوداني بعدما نشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو لضباط وجنود مصريين جرى ضبطهم في قاعدة “مروي” الجوية. وحملت المقاطع الكثير من دلالات الإهانة للجنود المصريين وطريقة جلوسهم ووضع أيديهم فوق رؤوسهم كالأسرى، ما أثار حفيظة الشارع الذي طالب برد حاسم وسريع على تلك المشاهد المهينة، رغم تصريحات مسؤولي قوات الدعم بأن التعامل مع المصريين هناك يتم بشكل مقبول دون أي تجاوزات وأنهم على استعداد لإعادتهم لمصر حال طلبت ذلك. ويٌعتقد أن هناك وجودًا عسكريًا مصريًا منذ نحو عامين في مطار مروي العسكري، يتعلق بالتدريب الجوي المشترك الذي تجريه القوات المسلحة في البلدين[3]. كما أظهرت صور ملتقطة بالأقمار الصناعية أن طائرة مصرية على الأقل من طراز ميغ-29 قد دُمرت في قاعدة مروي الجوية السودانية، وذلك بعد استيلاء قوات حميدتي على القاعدة، وفق ما أفادت به مجلة “ذا وور زون” الأمريكية. وأشارت المجلة أنه من المحتمل أن تكون هناك طائرات مصرية مثيلة قد تعرضت كذلك لأضرار بالغة أو دمرت. موضحة أن الصور التي حصلت عليها تعود لتاريخ 17 أبريل 2023[4]. كذلك فقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في 24 إبريل، مقتل مساعد الملحق الإداري بالسفارة المصرية في الخرطوم محمد الغراوي الذى استشهد خلال توجهه من منزله إلى مقر السفارة لمتابعة إجراءات الإجلاء الخاصة بالمواطنين المصريين في السودان[5]. – عمليات التهريب عبر الحدود: تمثل الأزمة السودانية تهديدًا للأمن القومي المصري من ناحية الجنوب بحدود تمتد لنحو 1273 كم[6]. فالهجرة الواسعة للسودانيين إلي مصر تصاحبها مخاوف أمنية عبر الحدود تتمثل في تهريب الأسلحة والبشر وتسلل الإرهابيين. وقد تم تضخيم هذه المخاطر بشكل أكبر من خلال محاولة قوات الدعم السريع فتح سجون السودان؛ مما سمح لجميع السجناء والمجرمين بالفرار لتحويل انتباه القوات المسلحة السودانية وزيادة زعزعة استقرار البلاد. وكانت مصر عانت خلال العقد الماضي من أحداث واضطرابات على طول حدودها الغربية مع ليبيا وحدودها الشرقية مع فلسطين المحتلة؛ مما أدى إلى تسلل مجموعات إرهابية إلى الحدود وتنفيذ عمليات إرهابية في مصر، ويوضح ذلك سبب عدم سماحها بحدوث نفس الشيء مرة أخرى من حدودها الجنوبية[7]. لن تقتصر المخاوف الأمنية على الحدود المصرية بل ستظهر حال طالت الحرب عبر تنظيمات مسلحة داخل السودان[8]. وقد تصاعدت هذه المخاوف بعدما ذكر مسؤولو منظمة الصحة العالمية أن أحد مختبرات الصحة الوطنية في السودان التي تحتوي على مواد بيولوجية، بما في ذلك مسببات الكوليرا، قد تم الاستيلاء عليها من قبل أحد أطراف النزاع المستمر. وهذا لا يشكل خطراً بيولوجياً كبيراً على السودان فحسب، بل وعلى الدول المجاورة[9]. – أزمة سد النهضة: بعد يومين على اندلاع اشتباكات الخرطوم، حذر وزير الخارجية المصري السابق عمرو موسى عبر “تويتر” من أن “احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد بالنسبة إلينا”. كما وصف الدبلوماسي المصري البارز رئيس مكتبة الإسكندرية السابق مصطفى الفقي، أحداث السودان بأنها “تضرب ملف سد النهضة في مقتل”[10]. ويمكن القول أن الصراع الحالي سيضر بموقف مصر تجاه أزمة سد النهضة من عدة جوانب؛ فمن جانب أول، ففي ظل استمرار الصراع الحالي، لا يمكن التعويل على موقف سوداني متماسك أو موحد، وقد يكون غائباً تماماً، مما يضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر، وذلك يلقي بالمزيد من الأعباء على مصر فيما يتعلق بتحركاتها الدولية والأممية في هذا الملف[11]. ناهيك عن أن الموقف السوداني تجاه السد يظل غير ثابت بما فيه الكفاية لطمأنة القاهرة، إذ إنه يختلف من الجيش (الداعم لمصر) إلى قائد قوات الدعم السريع (الداعم لأثيوبيا)، وهو ما يثير قلق المسؤولين المصريين من انفراط التحالف الهش بينهم وبين السودان. أذكت تلك المخاوف ما تم إعلانه نهاية العام الماضي (2022)، إذ أعلن كل من السودان وإثيوبيا توصلهما إلى اتفاق لتسوية قضايا سد النهضة الإثيوبي والحدود بين البلدين بطريقة سلمية، بعد اللقاء الذي تم بين نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن، في العاصمة السودانية الخرطوم. وفي محاولة لتدارك الجدل الذي أثاره الاتفاق الأخير، أصدر حميدتي، بيانًا صحافيًا نشرته وكالة الأنباء السودانية، أشار فيه إلى أن “التوصل إلى اتفاق في شأن سد النهضة ينبغي أن يضمن حقوق مصر والسودان وأثيوبيا في حصص نهر النيل”، مؤكدًا على أهمية التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث في شأن سد النهضة حتى يمكن ضمان حقوق جميع الأطراف[12]. ومن جانب ثان، فمن المتوقع أن تستغل أثيوبيا الصراع من أجل تجميد المفاوضات مع مصر والسودان حول الوصول إلي اتفاق قانوني مُلزم ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد[13].ويمكن تلمس ذلك في إعلان وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، في 28 إبريل، عن أن بلاده “شكلت لجنة وطنية لمتابعة تطورات ما يجري في السودان”، لافتاً إلى أن “الصراع في السودان…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022