دراسة التوتر الأمريكي السعودي بعد قرار “أوبك+”
فاقم قرار السعودية خفض إنتاج النفط من خلال تحالف “أوبك +” الضغوط على علاقتها المتوترة أساسا مع الولايات المتحدة، بما يهدد بقطيعة في العلاقة بين الحليفين التاريخيين، أو تصاعد التوتر وتشعب الخلافات والتباينات التي تؤثر على استقرار الشرق الأوسط . وقد أعلن تحالف “أوبك بلاس” المكون من الدول الـ13 الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” وحليفاتها العشر بقيادة روسيا يوم 17 أكتوبر الماضي خفضاً كبيراً في حصص الانتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من بداية نوفمبر 2022. وجاءت الخطوة وسط أزمة طاقة ناجمة عن الحرب في أوكرانيا، وفيما يستعد الناخبون الأمريكيون المنهكون من التضخم للإدلاء بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ما أثار غضب واشنطن، حيث حذر الرئيس الأمريكي “جو بايدن” السعودية من مواجهة “عواقب” لم يحددها. وعلى الرغم من أن السعودية، ليست وحدها صاحبة القرار في أوبك بلس، غير أن الغضب الأميركي تركز ضد الرياض، لما تمثله من قوة انتاج، إذ تحتل السعودية المرتبة الثانية عالميا في انتاج النفط عالميا. بالمقابل، دافع المسؤولون السعوديون عن هذه الخطوة باعتبارها مدفوعة باعتبارات اقتصادية تتعلق بتصاعد التضخم العالمي وبدء تراجع النشاط الاقتصادي في الصين بعد اكتشاف بؤر جديدة لاصابات كورونا، ورفضت السعودية اتهامات البيت الأبيض بأن “أوبك بلاس” متحالفة مع روسيا. وأعربت الخارجية السعودية رفضها الاملاءات الأمريكية..فيما رد البيت الأبيض بالقول إن السعودية “يمكن أن تحاول التلاعب أو تحويل الانتباه، لكن الوقائع واضحة” ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن أن يتطور الخلاف بين البلدين. إذ لم يقدم “بايدن” في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” تفاصيل عن طريقة رد بلاده على قرار “أوبك+” فيما واصلت التصريحات السعودية الرسمية التركيز على مكاسب العلاقات القوية مع واشنطن. أولا: دلالات قرار خفض الانتاج: وجاء تصاعد التوتر إزاء قرار أوبك+، لما يحمله القرار من دلالات خطيرة على الصعيد الأمريكي، ومنها: -تدني مردود زيارة بايدن للسعودية يوليو الماضي: يشار إلى انه، قبل ثلاثة أشهر فقط، زار “بايدن” مدينة جدة والتقى ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، ما أثار غضب النشطاء المعارضين بأمريكا ودول عدة، لسجل المملكة في مجال انتهاكات حقوق الإنسان. ومثلت الرحلة تراجعا دراماتيكيا عن تعهد “بايدن” عام 2019 بمعاملة السعودية على أنها “منبوذة” بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ومنها القتل المروع للصحفي “جمال خاشقجي”. وتفسر رحلة بايدن التي لم تؤد إلى الزيادة المأمولة في إنتاج النفط التصريحات القاسية من بعض أعضاء حزبه الديمقراطي الذين وصفوا السعوديين في الأيام الأخيرة بـ “الخونة” الذين “ضللوا وتجاوزوا” رئيس الولايات المتحدة. وحاول بعض المشرعين الأمريكيين إحياء الدعم لقانون سيعرّض “أوبك+” لدعاوى قضائية بزعم مكافحة الاحتكار، بينما دعا آخرون الولايات المتحدة إلى سحب المعدات العسكرية من المملكة. إلا أن تلك الخطوة قد تدفع نحو مزيد من التوترات بين البلدين، الأكثر احتياجا لبعهما البعض؛ وفق محللون.. ومع الحملات المضادة لبايدن، بعد عودته من السعودية، وعد بايدن بخفض أسعار الطاقة بعد وعود السعوديين له بزيادة الانتاج، وهو ما جعل البيت الأبيض يرى أن قرار”أوبك+” موجّهاً ضد واشنطن، وفي وقت حساس أميركياً، مع الاستعداد للانتخابات النصفية للكونجرس، إذ سرعان ما انعكس القرار على المستهلك الأميركي للنفط. غضب سعودي من تعاطي واشنطن مع القضايا الاقليمية باليمن وايران: ويبرز الملف النووي الإيراني والمفاوضات بشأنه أحد أوجه الخلاف السعودي الأميركي، وكذلك المواقف الأميركية بخصوص الحرب في اليمن، والتي تحمل أحيانا صبغة محايدة. وحتى اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع إسرائيل، فقد بدا أن ثمة تسهيلات إيرانية، من خلال حزب الله، لتمريره، لكن للسياسية دروبها المتعرّجة وأولوياتها لدى كل طرف، فقد نشطت مفاوضات إيرانية سعودية في بغداد، بموازاة مفاوضات الملف النووي الإيراني، وما زالت طهران تعلق آمالا كبيرة بأن تجيز المفاوضات فتح سفارة أو قنصلية إيرانية على الأراضي السعودية، وهو ما لا يلقى قبولاً من الرياض. وتعد السعودية أبرز المنتجين للنفط من بين الدول الأعضاء بتحالف “أوبك+” المؤلف من 23 عضوا وأصبحت الطاقة مصدر الخلاف الأكبر بين واشنطن والرياض، منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اعترض في 10 مناسبات على قرارات تحالف “أوبك+”، واستمرت الخلافات في عهد الرئيس الحالي بايدن، الأمر الذي قد تكون له انعكاسات على مجالات تحالف أخرى بين البلدين، خاصة وأن المملكة كانت حتى وقت قريب، أكبر حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط. وخلال السنوات القليلة الماضية، لم تجد السعودية الدعم الأمريكي اللازم تجاه هجمات جماعة الحوثي والذي طال عمق البلد عبر هجمات بطائرات مسيرة. كذلك، ترى المملكة ودول الخليج المنتجة للنفط، أن واشنطن تبحث عن دور المتحكم الأول في سوق النفط العالمية، وبالتالي فإن قرار الغرب ومجموعة السبع، بتحديد سقف لأسعار النفط الروسي، قد تتبعه خطوات مماثلة على بقية المنتجين، وهي إحدى أبرز مخاوف المنتجين. فشل الدبلوماسية الاقتصادية الأمريكية: ويعكس الهجوم الأمريكي على السعودية بدرجة أو بأخرى، فشل الدبلوماسية الاقتصادية الأمريكية مع الخارج وخاصة دول الخليج العربي، إذ لم تشفع زيارة بايدن للمنطقة في تعديل الإنتاج صعودا بما يلبي رغبة الأمريكيين. وفي تحليل لصحيفة نيويورك تايمز، اعتبرت أنه “إذا كان هناك أي درس من تجربة بايدن المريرة (بخصوص زيادة انتاج اوبك)، فقد ولت الأيام التي كان بإمكان الرؤساء الأمريكيين أن يطلبوا فيها خدمات من حلفائهم السعوديين”. وأضافت: “نأى الأمير محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) بنفسه عمداً عن واشنطن، وأقام علاقات دولية أوسع لا سيما مع الصين وروسيا.. كما أوضح أنه لا ينظر إلى المملكة على أنها شريك صغير للولايات المتحدة وأنه على استعداد لتجاهل أي مطالب يعتبرها تتعارض مع المصالح السعودية”. ولعل الفشل الدبلوماسي هذا، سيدفع نحو اتخاذ الادارة الأمريكية استراتيجيات أخرة، قد تكون أيسرها استراتيجية الضغوط المتصاعدة أمريكيا على الرياض في ملفات عدة.. – فشل أمريكي في إدارة ملفات الشرق الأوسط: بعد قرابة عامين على تولّي إدارة بايدن، يمثل القرار السعودي دلالة واضحة على فشل سياساتها في ملفيْ النووي الإيراني واليمن. ناهيك عن انشغالها بأولوية التصدّي للصين وروسيا، من دون تحقيق نتائج واضحة أو حاسمة لمصلحة واشنطن ضد هذين الفاعليْن الدولييْن، بعد مرور نحو ثمانية أشهر من الحرب الروسية على أوكرانيا، وإصرار بكّين على الرد على الاستفزازات الأميركية في تايوان وبحر الصين الجنوبي ومناطق الجوار الصيني عمومًا. والحاصل أن ثمّة تصاعدًا في وزن العامليْن، الصيني والروسي، في التأثير على العلاقات الأميركية السعودية، وربما نشهد انحسارًا “نسبيًّا” في نفوذ واشنطن خليجيًّا وعربيًّا وإقليميًّا، بما يسمح بـ”تدويل” أمن الخليج (عبر بروز أدوار روسيا والصين والهند في معادلاته)، مع الاعتراف بمكانة واضحة لدوري تركيا وإيران، وربما باكستان، في الخليج العربي. صدمة للتعطش الأمريكي التاريخي للنفط السعودي: ويتصادم قرار خفض الانتاج مع التعطش التاريخي لدى أميركا تجاه النفط السعودي، وليس إلى أن النفط سلعة استراتيجية فقط، وإنما لأن هذه السلعة تدخل في صلب العلاقات الأميركية السعودية، إذ بدأت هذه العلاقات على مستوى…