الاحتجاجات في إيران .. الأسباب والتداعيات المستقبلية
كشفت الاحتجاجات الغاضبة في الشارع الإيراني والمتفجرة منذ 17 سبتمبر الماضي، عن الكثير من التناقضات والمؤشرات، ما بين ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تجاهلت أمريكا والكثير من الأطراف الغربية إدانة اسرائيل أو عقابه على القتل بدم بارد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، على يد جنود الاحتلال الاسرائيلي، تكاثرت بيانات الادانة لإيران وفرض عقوبات وضغوطات دولية. كما تؤشر الاحتجاجات الضخمة عن تململ الشارع الايراني من حكم رجال الدين، وتصاعد الاستبداد والقمع السلطوي للشعب باسم الدين، وانغلاق الأفق السياسي في إيران، وتفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد، وهو ما تفاقمه التغطيات الإعلامية والحملات الموجهة من الغرب وإسرائيل تجاه الشارع الايراني، المشوب بكثير من الانقسامات والتباينات العرقية والجهوية والسياسية.. وتوفيت مهسا أميني – 22 عامًا – في ظروف غامضة بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق الإيرانية لارتدائها الحجاب – الذي أصبح مفروضًا على النساء في إيران منذ ثورة 1979 – بشكل غير مناسب. تلك الاحتجاجات أيضا مثلت مدخلا وفرصة لامريكا والغرب لتصويب سهام النقد و الضغوط على إيران، للدفع نحو اصغاء ايران للشروط الأمريكية والغربية، فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق نووي، ملزم لإيران، متعطل منذ شهور… أولا: انطلاق الاحتجاجات على خلفية مقتل أميني: واندلعت الاحتجاجات على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً، في 17 سبتمبر 2022 ببلدة سقز في كردستان الإيرانية، وتحولت الاحتجاجات إلى أكبر استعراض لمعارضة السلطات الإيرانية منذ سنوات، إذ دعا كثيرون إلى إنهاء حكم رجال الدين المستمر منذ أكثر من أربعة عقود. ولا تزال الاحتجاجات تتواصل بمناطق مختلفة في إيران، واشتبكت قوات الأمن الإيرانية، الأحد 2 أكتوبر الجاري مع طلاب في جامعة شريف الكبيرة في طهران. وفي جامعة شريف، المعروف أنها بؤرة للمعارضة، تحاط بالعشرات من أفراد شرطة مكافحة الشغب، في مواجهة مظاهرات للطلبة في العديد من الجامعات الأحد 2 أكتوبر 2022، فضلاً عن خروج مظاهرات في عدة مدن مثل: طهران ويزد و كرمانشاه و سنندج وشيراز ومشهد، وهتف المشاركون فيها “الاستقلال.. الحرية.. الموت لخامنئي”. ولم تهدأ الاحتجاجات على الرغم من العدد المتزايد للقتلى والقمع من جانب قوات الأمن التي تستخدم الغاز المسيل للدموع والهراوات، وفي بعض الحالات الذخيرة الحية، وذلك على مدار أكثر من ثلاثة أسابيع، وفقاً لمقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي وجماعات حقوقية. ووثقت منظمة “إيران لحقوق الإنسان”، ومقرها النرويج، مُتل 133 شخصاً في أنحاء إيران، من بينهم أكثر من 40 قالت إنهم قتلوا في اشتباكات الأسبوع الماضي في زاهدان، عاصمة إقليم سيستان وبلوخستان. لكن السلطات الإيرانية لم تعلن عدد القتلى، فيما قالت إن العديد من أفراد قوات الأمن قُتلوا على أيدي “مثيري شغب وبلطجية مدعومين من أعداء أجانب”، وذكر التلفزيون الرسمي الأسبوع الماضي أن 41 قتلوا بينهم أفراد من قوات الأمن. يُشار إلى أن هذه التظاهرات التي تشهدها إيران هي الأكبر منذ نوفمبر 2019، حين اندلعت احتجاجات رفضاً لارتفاع أسعار البنزين، تم قمعها بشدة. من جهته، قال محامي عائلة أميني، صالح نيكبخت، لصحيفة “اعتماد” الإصلاحية، إن خلاصة آراء أطباء موثوقين وأشخاص شاورهم، تؤكد أن مهسا “تعرضت لضرب من ناحية الرأس”، وذلك قبل نقلها إلى مقر الشرطة. وتحدث المحامي نيكبخت عن “وجود آثار للدم خلف الرقبة وأسفل الجمجمة” على جثمان أميني، مضيفاً أن المحامين وعائلتها طلبوا من السلطة القضائية تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، مكونة من ثلاثة إلى خمسة أطباء متخصصين في جراحة الدماغ والقلب، ووافق المدعي العام في طهران على هذا الطلب لكنه لم ينفذ. ثانيا:: تعامل السلطات مع الاحتجاجات: 1-هجوم سياسي وأمني من قبل السلطات: ومع التعاطي الخشن للسلطات الايرانية، خرج المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي ، لأول مرة، يوم الاثنين 3 أكتوبر، معلقا على الأحداث، معلنا دعمه لقوات الأمن الإيراني التي تواجه احتجاجات مستمرة، واصفاً حادثة وفاة الشابة مهسا أميني بعد اعتقالها من قبل الشرطة بأنه “مريرة”.، لكنه عاد واتهم أمريكا واسرائيل بالوقوف وراء تلك الاحتجاجات.. وكان خامنئي قد التزم الصمت على الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها إيران، والتي رفع فيها المحتجون شعارات ضد الزعيم الإيراني، كما مزقوا صوره وصور المرشد السابق روح الله الخميني. 2- الرد العسكري الإيراني في كردستان: وإلى جانب العنف الأمني والسياسي، ضد المحتجين والاعتقالات الواسعة في صفوف المحتجين وخاصة الأكراد، وسعت ايران من ردودها، بقصف عسكري ، استهدف إقليم كردستان العراق، يوم الأربعاء 28 سبتمبر الماضي، ضد مواقع لجماعات كردية إيرانية معارضة في شمال أربيل وشرق السليمانية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. ووفق مصادر أمنية في إقليم كردستان العراق ، فإن القصف الإيراني نُفذ بشكل متزامن بواسطة المدفعية والصواريخ، إلى جانب طائرات مسيّرة مفخخة كانت موجهة نحو مواقع ومقرات لجماعات وأحزاب كردية إيرانية معارضة تتخذ من الأراضي العراقية مقرا لها. من جهته، أعلن حزب “حرية كردستان”، الإيراني المعارض، تكبّد الحزب خسائر بشرية جراء القصف الإيراني على مقراتهم من دون أن يحدد العدد. في المقابل، قال “الحرس الثوري” الإيراني إن هذه الهجمات تأتي بسبب “عدم اهتمام سلطات إقليم شمال العراق بالتحذيرات والمطالب المشروعة والقانونية لإيران لإنهاء أنشطة المجموعات الإرهابية المعادية” في الإقليم. وتتهم السلطات الإيرانية الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة بالوقوف وراء الاحتجاجات في المنطقة الكردية الإيرانية على وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني، بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب في طهران، معلنة عن اعتقال عناصر بهذه الأحزاب ومتهمة إياها بـ”إثارة الشغب” في إيران وتوزيع السلاح. ثالثا: التعاطي الغربي مع الاحتجاجات: -استغلال الإعلام الغربي للاحتجاجات لتأجيج الإسلاموفوبيا: وجاءت الاحتجاجات كفرصة، على طبق من ذهب، للغرب وأمريكا، الذين تتسم علاقاتهم المتبادلة التأزيم، على خلفية تعثر الاتفاق النووي والعديد من الملفات في العراق وسوريا ولبنان.. ووجهت الدوائر الإعلامية والسياسية الغربية، سهام الانتقادات ايران ونظامها السياسي، والشريعة الإسلامية التي يرفع النظام الإيراني شعاراتها، وتحدثت وسائل الإعلام الدولية عن شجاعة المتظاهرين والعواقب الوخيمة التي تسببت بها الحكومة الإيرانية، وبينما نشأ عن ذلك دعم عالمي للمتظاهرين.. إلا أنه خلّد في سرده على خلفية واسعة من النفاق، المعروفة من الغرب، الذي يدّعي دعمه للنساء والأشخاص نفسهم الذين تسببت سياساته وتدخلاته الوحشية في ضرر كبير لهم. ورغم أنه لم يفصل الأمر، كان واضحًا أنه يحدث قادة الغرب الذين لهم تاريخ مدمر يخدم أهدافهم الخاصة بغزو الدول المسلمة مثل العراق وأفغانستان بدعوى تعزيز حقوق النساء، بينما في الوقت نفسه يقيدون حقوق النساء المسلمات والأقليات في الغرب. واتجهت وسائل الإعلام التركيز بشدة على قضية الحجاب، خاصة رفض النساء له، بنشر صور ومقاطع فيديو لنساء يقصصن شعرهن ويحرقن حجابهن احتجاجًا على الوضع، لم يُذكر ذلك فعليًا بما يعنيه في سياق الاحتجاج ضد النظام الذي يُعرّف نفسه أساسًا بأنه يقوم على الشريعة الإسلامية. فبعيدًا عن سياقها، صُورت هذه الأفعال الرمزية على أنها احتجاج على الإسلام والقيود الدينية…