الاحتجاجات في إيران .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

الاحتجاجات في إيران .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

كشفت الاحتجاجات الغاضبة في الشارع الإيراني والمتفجرة منذ 17 سبتمبر الماضي، عن الكثير من التناقضات والمؤشرات، ما بين ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تجاهلت أمريكا والكثير من الأطراف الغربية إدانة اسرائيل أو عقابه على القتل بدم بارد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، على يد جنود الاحتلال الاسرائيلي، تكاثرت بيانات الادانة لإيران وفرض عقوبات وضغوطات دولية. كما تؤشر الاحتجاجات الضخمة عن تململ الشارع الايراني من حكم رجال الدين، وتصاعد الاستبداد والقمع السلطوي للشعب باسم الدين، وانغلاق الأفق السياسي في إيران، وتفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد، وهو ما تفاقمه التغطيات الإعلامية والحملات الموجهة من الغرب وإسرائيل تجاه الشارع الايراني، المشوب بكثير من الانقسامات والتباينات العرقية والجهوية والسياسية.. وتوفيت مهسا أميني – 22 عامًا – في ظروف غامضة بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق الإيرانية لارتدائها الحجاب – الذي أصبح مفروضًا على النساء في إيران منذ ثورة 1979 – بشكل غير مناسب. تلك الاحتجاجات أيضا مثلت مدخلا وفرصة لامريكا والغرب لتصويب سهام النقد و الضغوط على إيران، للدفع نحو اصغاء ايران للشروط الأمريكية والغربية، فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق نووي، ملزم لإيران، متعطل منذ شهور…   أولا: انطلاق الاحتجاجات على خلفية مقتل أميني: واندلعت الاحتجاجات على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً، في 17 سبتمبر 2022 ببلدة سقز في كردستان الإيرانية، وتحولت الاحتجاجات إلى أكبر استعراض لمعارضة السلطات الإيرانية منذ سنوات، إذ دعا كثيرون إلى إنهاء حكم رجال الدين المستمر منذ أكثر من أربعة عقود. ولا تزال الاحتجاجات تتواصل بمناطق مختلفة في إيران، واشتبكت قوات الأمن الإيرانية، الأحد 2 أكتوبر الجاري مع طلاب في جامعة شريف الكبيرة في طهران. وفي جامعة شريف، المعروف أنها بؤرة للمعارضة، تحاط  بالعشرات من أفراد شرطة مكافحة الشغب، في مواجهة مظاهرات للطلبة في العديد من الجامعات الأحد 2 أكتوبر 2022، فضلاً عن خروج مظاهرات في عدة مدن مثل: طهران ويزد و كرمانشاه و سنندج وشيراز ومشهد، وهتف المشاركون فيها “الاستقلال.. الحرية.. الموت لخامنئي”. ولم تهدأ الاحتجاجات على الرغم من العدد المتزايد للقتلى والقمع من جانب قوات الأمن التي تستخدم الغاز المسيل للدموع والهراوات، وفي بعض الحالات الذخيرة الحية، وذلك على مدار أكثر من ثلاثة أسابيع، وفقاً لمقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي وجماعات حقوقية. ووثقت منظمة “إيران لحقوق الإنسان”، ومقرها النرويج، مُتل 133 شخصاً في أنحاء إيران، من بينهم أكثر من 40 قالت إنهم قتلوا في اشتباكات الأسبوع الماضي في زاهدان، عاصمة إقليم سيستان وبلوخستان. لكن السلطات الإيرانية لم تعلن عدد القتلى، فيما قالت إن العديد من أفراد قوات الأمن قُتلوا على أيدي “مثيري شغب وبلطجية مدعومين من أعداء أجانب”، وذكر التلفزيون الرسمي الأسبوع الماضي أن 41 قتلوا بينهم أفراد من قوات الأمن. يُشار إلى أن هذه التظاهرات التي تشهدها إيران هي الأكبر منذ نوفمبر 2019، حين اندلعت احتجاجات رفضاً لارتفاع أسعار البنزين، تم قمعها بشدة. من جهته، قال محامي عائلة أميني، صالح نيكبخت، لصحيفة “اعتماد” الإصلاحية، إن خلاصة آراء أطباء موثوقين وأشخاص شاورهم، تؤكد أن مهسا “تعرضت لضرب من ناحية الرأس”، وذلك قبل نقلها إلى مقر الشرطة. وتحدث المحامي نيكبخت عن “وجود آثار للدم خلف الرقبة وأسفل الجمجمة” على جثمان أميني، مضيفاً أن المحامين وعائلتها طلبوا من السلطة القضائية تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، مكونة من ثلاثة إلى خمسة أطباء متخصصين في جراحة الدماغ والقلب، ووافق المدعي العام في طهران على هذا الطلب لكنه لم ينفذ.   ثانيا:: تعامل السلطات مع الاحتجاجات: 1-هجوم سياسي وأمني من قبل السلطات: ومع التعاطي الخشن للسلطات الايرانية، خرج المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي ، لأول مرة، يوم الاثنين 3 أكتوبر، معلقا على الأحداث، معلنا دعمه لقوات الأمن الإيراني التي تواجه احتجاجات مستمرة، واصفاً حادثة وفاة الشابة مهسا أميني بعد اعتقالها من قبل الشرطة بأنه “مريرة”.، لكنه عاد واتهم أمريكا واسرائيل بالوقوف وراء تلك الاحتجاجات.. وكان خامنئي قد التزم الصمت على الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها إيران، والتي رفع فيها المحتجون شعارات ضد الزعيم الإيراني، كما مزقوا صوره وصور المرشد السابق روح الله الخميني. 2- الرد العسكري الإيراني في كردستان: وإلى جانب العنف الأمني  والسياسي، ضد المحتجين والاعتقالات الواسعة في صفوف المحتجين وخاصة الأكراد، وسعت ايران من ردودها، بقصف عسكري ، استهدف إقليم كردستان العراق، يوم الأربعاء 28 سبتمبر الماضي، ضد مواقع لجماعات كردية إيرانية معارضة في شمال أربيل وشرق السليمانية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. ووفق  مصادر أمنية في إقليم كردستان العراق ، فإن القصف الإيراني نُفذ بشكل متزامن بواسطة المدفعية والصواريخ، إلى جانب طائرات مسيّرة مفخخة كانت موجهة نحو مواقع ومقرات لجماعات وأحزاب كردية إيرانية معارضة تتخذ من الأراضي العراقية مقرا لها. من جهته، أعلن حزب “حرية كردستان”، الإيراني المعارض، تكبّد الحزب خسائر بشرية جراء القصف الإيراني على مقراتهم من دون أن يحدد العدد. في المقابل، قال “الحرس الثوري” الإيراني إن هذه الهجمات تأتي بسبب “عدم اهتمام سلطات إقليم شمال العراق بالتحذيرات والمطالب المشروعة والقانونية لإيران لإنهاء أنشطة المجموعات الإرهابية المعادية” في الإقليم. وتتهم السلطات الإيرانية الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة بالوقوف وراء الاحتجاجات في المنطقة الكردية الإيرانية على وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني، بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب في طهران، معلنة عن اعتقال عناصر بهذه الأحزاب ومتهمة إياها بـ”إثارة الشغب” في إيران وتوزيع السلاح.   ثالثا: التعاطي الغربي مع الاحتجاجات: -استغلال الإعلام الغربي للاحتجاجات لتأجيج الإسلاموفوبيا: وجاءت الاحتجاجات كفرصة، على طبق من ذهب،  للغرب وأمريكا، الذين تتسم علاقاتهم المتبادلة التأزيم، على خلفية تعثر الاتفاق النووي والعديد من الملفات في العراق وسوريا ولبنان.. ووجهت الدوائر الإعلامية والسياسية الغربية، سهام الانتقادات ايران ونظامها السياسي، والشريعة الإسلامية التي يرفع النظام الإيراني شعاراتها، وتحدثت وسائل الإعلام الدولية عن شجاعة المتظاهرين والعواقب الوخيمة التي تسببت بها الحكومة الإيرانية، وبينما نشأ عن ذلك دعم عالمي للمتظاهرين.. إلا أنه خلّد في سرده على خلفية واسعة من النفاق، المعروفة من الغرب، الذي يدّعي دعمه للنساء والأشخاص نفسهم الذين تسببت سياساته وتدخلاته الوحشية في ضرر كبير لهم. ورغم أنه لم يفصل الأمر، كان واضحًا أنه يحدث قادة الغرب الذين لهم تاريخ مدمر يخدم أهدافهم الخاصة بغزو الدول المسلمة مثل العراق وأفغانستان بدعوى تعزيز حقوق النساء، بينما في الوقت نفسه يقيدون حقوق النساء المسلمات والأقليات في الغرب. واتجهت وسائل الإعلام التركيز بشدة على قضية الحجاب، خاصة رفض النساء له، بنشر صور ومقاطع فيديو لنساء يقصصن شعرهن ويحرقن حجابهن احتجاجًا على الوضع، لم يُذكر ذلك فعليًا بما يعنيه في سياق الاحتجاج ضد النظام الذي يُعرّف نفسه أساسًا بأنه يقوم على الشريعة الإسلامية. فبعيدًا عن سياقها، صُورت هذه الأفعال الرمزية على أنها احتجاج على الإسلام والقيود الدينية…

تابع القراءة
«خصخصة شركات الجيش» .. «3» سينايوهات محتملة

«خصخصة شركات الجيش» .. «3» سينايوهات محتملة

يجد الجنرال عبدالفتاح السيسي نفسه في ورطة كبرى، أو بالمعنى العسكري «بين فكي كماشة»، فهو محاصر من كل الجوانب بضغوط متضادة في الاتجاهات والمصالح؛ فالرئيس الإماراتي محمد بن زايد يستغل أزمة مصر الاقتصادي والمالية، ويضغط من أجل التعجيل في إنهاء عمليات الخصخصة التي ستفضي إلى أيلولة عدد من الشركات والأصول المصرية المهمة والحساسة إلى أبو ظبي، ومن هذه المواقع أصول وشركات تابعة للجيش تكاد تصل إلى 30% من جملة قائمة الأطماع الإماراتية. وصندوق النقد الدولي اشترط أيضا خصخصة الشركات الحكومية وأبرزها شركات تابعة للجيش، وتخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد بما يضر بمبدأ تكافؤ الفرص مع القطاع الخاص قبل الموافقة على القرض الرابع الذي تم الاتفاق عليه الخميس 27 أكتوبر2022م. في المقابل تماطل المؤسسة العسكرية في القبول بسياسة خصخصة بعض شركات الجيش، وتصر على عدم التفريط فيما تراه امتيازات حصرية لها اكتسبتها على مدار العقود  الماضية، وأن هذا العرق «عرق الجيش بحسب توصيف اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، في 27 مارس 2012م»، ليس من السهولة بمكان التفريط فيه لأي جهة حتى لو كانت وطنية أو عربية تحت لافتة الخصخصة لمساعدة الجنرال السيسي في أزمته المالية التي تعصف به وتهدد استقرار النظام الذي تعتبر المؤسسة العسكرية هي محوره وأساسه وركيزته الأساسية. وحتى يتجنب السيسي الوقوع تحت الضغوط المتضادة والمتعددة في ظل الحاجة الماسة للسيولة الدولارية للتعامل مع الاحتياجات الملحة التي تفرض نفسها في الوقت الراهن، وفي مقدمتها تراجع المخزون السلعي لعدد من المحاصيل الاستراتيجية نتيجة تراجع السيولة الدولارية؛ فتح السيسي خطوط اتصال مع 4 أطراف خليجية، من أجل وضع كل طرف وديعة دولارية تقدر بنحو “2.5” مليار دولار، بخلاف مسار المفاوضات الجارية بشأن الاستحواذات الاستثمارية من جانب الصناديق الخليجية على عدد من الشركات المصرية”. لكن القاهرة تلقت ردوداً سلبية من كل من السعودية والإمارات بشأن المطلب الخاص بتقديم ودائع، مؤكدتين استعدادهما للانخراط الجاد في أي مفاوضات بشأن استحواذات جديدة تطرحها القاهرة. وقدمت الإمارات تصورا بعيداً عن الفرص المطروحة من الجانب المصري، مثلت فيه استثمارات تابعة للقوات المسلحة بشكل مباشر، 30 في المائة”.[[1]] ولعل هذا ما يفسر هجوم عمرو أديب على الجيش وسيطرته على الاقتصاد المصري في برنامجه على قناة “أم بي سي مصر” المملوكة للمخابرات السعودية في “24” أكتوبر 2022مك أكت.[[2]] لكن مساعي الجنرال باءت بالفشل وبات مجبورا  على  الإذعان الكامل لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي حتى لو كانت على حساب «عرق الجيش» وشركاته وإمبراطوريته الاقتصادية المترامية الأطراف. فقد تفاوضت حكومة السيسي على قرض بقيمة 12 مليار دولار، لكن الصندوق رفض منح القاهرة أكثر من 3 مليارات دولار فقط، إلى جانب تسهيل التفاوض حول مليار رابع بخلاف تسهيلات باقتراض خمسة مليارات أخرى من مؤسسات تمويل دولية أخرى، بما يعني أن حزمة التمويل سوف تصل إلى 9 مليارات دولار لمدة أربع سنوات. ورغم ضآلة القرض إلا أن الصندوق وضع شروطه الخاصة:[[3]] أولها، تحرير سعر صرف الجنيه بشكل كامل، وقد أذعن النظام للشرط الأول وقام بتحرير سعر الصرف فعليا  مرتين في سنة 2022م؛ الأولى كانت في مارس والثانية في أكتوبر، بخلاف (التعويم بالتنقيط) الذي استمر عدة شهور بين التعويمين حتى انخفض الجنيه من 15.7 في مارس إلى 23.2 في نهاية أكتوبر 2022م، بنسبة تراجع تصل إلى 48%! ثاني الشروط، (الخصخصة)، وتخارج الدولة من إدارة عدة قطاعات اقتصادية حيوية وحساسة؛ وأبرزها خصخصة بعض شركات الجيش. وقد أذعن السيسي لهذا الشرط أيضا، فقد أعلن في حفل إفطار الأسرة المصرية في 26 إبريل 2022م، عن تكليف الحكومة بالبدء في طرح حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة وطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة في البورصة قبل نهاية العام الحالي، والإعلان عن برنامج بمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة، بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات، بمعنى أن برنامج الخصخصة الجديد الهدف منه در نحو 40 مليار دولار على مدار أربع سنوات. [[4]] في مؤتمر صحافي الأحد 15 مايو 2022م، للكشف عن رؤية الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن طرح مجموعة من الشركات التابعة للقطاع العام (الحكومي) في البورصة المصرية، من بينها 10 شركات لقطاع الأعمال العام، وشركتان تابعتان للقوات المسلحة (الجيش)، مدعياً أن 91% من الدين الخارجي لمصر هي ديون متوسطة وطويلة الأجل، ولا تمثل ضغطاً على الموازنة العامة للدولة. وتحدث مدبولي عن دمج أكبر سبعة موانئ في شركة واحدة وطرحها في البورصة، وكذلك الحال مع عدد من الفنادق المملوكة للدولة، بالإضافة إلى طرح مشروعات النقل الحديث، وعلى رأسها مشروعا المونوريل والقطار السريع، في البورصة. جاء ذلك في سياق أكبر من إطلاق ما يشبه مرحلة جديدة من الخصخصة، ستتضح ملامحها في خطة قال مدبولي إنها ستُعلن قريبًا لتمثل «وثيقة ملكية الدولة» التي ستحدد قطاعات اقتصادية كاملة تنوي الدولة التخارج منها لصالح القطاع الخاص، بالإضافة إلى قطاعات أخرى تنوي تقليص ملكيتها فيها، ومجموعة ثالثة من القطاعات التي تنوي الاستمرار فيها، خلال ثلاث سنوات.[[5]] وكشف مدبولي أن حكومته انتهت من تقييم ما يمثل 9.1 مليار دولار من أصل عشرة مليارات دولار، تمثل قيمة الأًصول المملوكة للدولة التي تنوي طرحها في أول سنة ، وأن حكومته تعمل الآن على تقييم أصول جديدة تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار. ثالثا الشروط، تقليص الدعم، وهو ما عارضه النظام استنادا إلى تقديرات موقف أجهزته الأمنية التي تخشى من أن يفضي تقليص الدعم في ظل هذه الأوضاع إلى فوضى واحتجاجات قد تخرج عن السيطرة. لكن النظام في  النهاية أذعن لهذا الشرط على أساس أن تحرير سعر الصرف سوف يفضي تلقائيا إلى تآكل مخصصات الدعم مقارنة بحجم مصروفات الموازنة أو إيرادتها. ولاننسى أن الحكومة كانت قد رفعت أسعار سلع التموين على البطاقات المدعمة أربع مرات في سنة 2022م (يناير ـ مارس ـ إبريل ـ سبتمبر)؛ بمعنى أن سلع التموين المدعم ارتفعت بنسبة 50% عما كانت عليه السنة الماضية “2021” مع ثبات قيمة الدعم عند 50 جنيهاً لأول 4 أفراد مقيدين على البطاقة، و25 جنيهاً للفرد الخامس. علاوة على ذلك فإن الرسمية الأرقام تؤكد أن حجم الدعم (90 مليارا لدعم الخبز والغذاء) يمثل 2.9% فقط من حجم إنفاق الموازنة المصرية والبالغ ثلاثة تريليونات و66 مليار جنيه؛ فقد جاءت مخصصات الدعم التمويني بالموازنة الحالية (2022/2023) مماثلة إلى حد كبير لما كانت عليه في العام الماضي بزيادة 2.8 مليار جنيه، والتي تتضمن دعم الخبز، والسلع الغذائية التي يتم توزيعها على البطاقات التموينية والتي يستفيد منها 63.3 مليون مواطن، مقابل 103 ملايين هم مجمل السكان. وهكذا بلغت مخصصات الدعم التمويني شاملا الخبز وسلع البطاقات في الموازنة 90 مليار جنيه فقط، وهو ما يمثل نسبة 25 في المائة من مجمل مخصصات الدعم في الموازنة الجديدة والبالغ 356 مليار جنيه،…

تابع القراءة
"إعلان الجزائر" للمصالحة الفلسطينية 

“إعلان الجزائر” للمصالحة الفلسطينية 

بعد نحو عام من اللقاءات المتوالية، وقّعت الفصائل الفلسطينية في العاصمة الجزائرية، الخميس 13 أكتوبر الجاري، اتفاقا لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، برعاية جزائرية، خلال فعاليات مؤتمر “لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”، بمشاركة نحو 14 فصيلا، وحضور  الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة وقيادات النظام الجزائري، وممثلين عن قطر وعمان. جرى التوقيع بقصر الأمم بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، وهو المكان الذي شهد إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات يوم 15 نوفمبر 1988، قيام دولة فلسطين. وقد جرت تعديلات على المسودة الجزائرية بعد مشاورات مكثفة، أبرزها حذف البند المخصص بشأن تشكيل حكومة الوحدة. وفي 6 ديسمبر 2021، أعلن الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبّون” اعتزام بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، ولاحقا استقبلت الجزائر وفودا تمثل الفصائل واستمعت منها إلى رؤيتها حول إنهاء الانقسام. وتعاني الساحة الفلسطينية انقساما سياسيا وجغرافيا، منذ صيف 2007، حيث تسيطر “حماس” على قطاع غزة، في حين تدار الضفة الغربية من طرف الحكومة الفلسطينية التي شكلتها “فتح”.   أولاً: بنود الاتفاق: وتضمن الإعلان 9 بنود، هي: 1- التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية، بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. 2- تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك عن طريق الانتخابات، وبما يسمح بمشاركة واسعة في الاستحقاقات الوطنية القادمة في الوطن والشتات. 3- اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام. 4- تعزيز وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بجميع مكوناته ولا بديل عنه. 5- يتم انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج حيث ما أمكن، بنظام التمثيل النسبي الكامل وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى الفلسطينية خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان. وتعرب الجزائر عن استعدادها لاحتضان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الجديد، والذي لقي شكر وتقدير جميع الفصائل المشاركة في المؤتمر. 6- الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام من تاريخ التوقيع. 7- توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. 8- تفعيل آلية للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ومتابعة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية. 9- يتولى فريق عمل جزائري عربي الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود هذا الاتفاق بالتعاون مع الجانب الفلسطيني وتدير الجزائر عمل الفريق. ومنذ صيف 2007، ، تعاني الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي، حيث تسيطر حركة “حماس” على قطاع غزة، في حين تدار الضفة الغربية من جانب حكومة شكلتها حركة “فتح” بزعامة الرئيس محمود عباس.​​​​​​​​​​​​   ثانياً: أهمية المبادرة وفرصها  المستقبلية وعلى الرغم من عدم تضمن المبادرة ، أية بنود جديدة عن مبادرات عربية سابقة، إلا أنها تعزز  لغة الحوار بين الفصائل وتُمهّد لإمكانية استكمال هذا المسار، بعد سنوات من التعثر والخلافات. كما أن البنود شاملة كافة القضايا والمحاور الرئيسية، ويمكن أن تكون أرضية أساسية يُبنى عليها للوصول إلى الوحدة والذهاب نحو شراكة سياسية.. ووفق تقديرات استراتيجية، فإن المسودة تُلبي تطلعات الجميع، وتجمع طرح فصائل منظمة التحرير، والفصائل خارج المنظمة وتُلبي رغباتهم وتطلعاتهم وخاصة تفعيل المنظمة والانتخابات العامة.. ووفق محمد عثمان، ممثل حماس بالجزائر، فإن اضطلاع الجزائر بمهمة التوافق السياسي بين الفصائل الفلسطينية، يتسم بكثير من المصداقية والموثوقية، بقوله “خلوّ الأجندة السياسية للجزائر من أي دوافع، سوى صون الحقوق الفلسطينية والاضطلاع بدور حقيقي لاستعادة الصدارة للقضية الفلسطينية في الأروقة الإقليمية والدولية”. ولعل الأهم، في “إعلان الجزائر”، هو تمكن الرئيس الجزائري من نقل ملف المصالحة الفلسطينية من أروقة اجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية إلى الأروقة السياسية الواسعة؛ اذ تميز المؤتمر بالحضور الواثق والواضح للرئيس الجزائري في اروقة المؤتمر وقاعاته مساء الأربعاء 12 أكتوبر بعد تسرب الأنباء عن إمكانية تعطل مسار المصالحة؛ نتيجة الخلاف على مرجعية الاتفاق، وموضع الاتفاقات الدولية وقراراتها التي في مجملها لم تعطِ الفلسطينيين حقوقهم، وجميعها لم تنفذ بسبب التعنت الاسرائيلي والفيتو الأمريكي وازدواجية المعايير الاوروبية. وقد انخرطت الرئاسة الجزائرية على اعلى المستويات في إنجاح المؤتمر، وربط مخرجات القمة العربية المرتقبة التي تدعم الاتفاق، لتضفي مزيدًا من الزخم على الجهد والدور الجزائري المرتقب لمتابعة ملف المصالحة، وتنفيذ بنود الاتفاق، ومتابعة جدوله الزمني. وخلافا للتجارب السابقة في مصر أو غيرها من الدول العربية؛ إذ لم يسجل للرئاسة المصرية الانخراط المباشر في ملف المصالحة، وبذات الزخم الذي قدمه الرئيس تبون، ذلك رغم انخراط القاهرة بتفاصيل الملف الفلسطيني تاريخيًا، وتماسكها الجغرافي المباشر بفلسطين وشعبها. ولعل تمكن الجزائر من نقل ملف المصالحة الفلسطينية وملف العلاقة بقضية فلسطين وقواها الحية الى مستوى جديد يتجاوز حدود التعامل الأمني الضيق، ووضعتها على طاولة البحث لدى قادة القمة العربية في الجزائر؛ ما أثار ارتياب وقلق قادة الكيان الصهيوني؛ فإسرائيل تفضل أن تكرس الملف الفلسطيني كملف أمني ثنائي تناقشه مع دول الجوار العربي والبعيد. وقد رصد محللون الانزعاج الاسرائيلي من إعادة الزخم السياسي وليس الامني للقضية الفلسطينية بعد مبادرة المصالحة بالجزائر، عبر مقال للصحفي الإسرائيلي يعقوب بيري على صفحات مجلة ناشيونال إنتريست The national interest بعنوان “كيف عززت الدبلوماسية الاستخباراتية العلاقات بين إسرائيل ومصر”، إذ أشاد بدور الاجهزة الامنية في ادارة الملف الفلسطيني، وفي خفض التوتر بين الكيان الصهيوني ومصر بعد المواجهة الاخيرة في اغسطس الماضي بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة. وبالفعل نجحت الجزائر في تخطي التجارب التي حولت الملف الفلسطيني من ملف قومي وسياسي الى ملف أمني يتم التعاطي معه عبر الدوائر الأمنية الضيقة في الولايات المتحدة، أو بالتعاون المباشر مع جهاز الشاباك الاسرائيلي والأجهزة الأمنية العربية، وهو ما عملت عكسه الجزائر في مبادرة المصالحة الحالية.   ثالثاً: ضمانات نجاح المبادرة وتحظى المبادرة الجزائرية بالعديد من الضمانات، الإقليمية والسياسية لإنجاحها، وفي مقدمتها، أن الاتفاق منوط بالمنظومة العربية المجتمعة قريبا في القمة العربية بالجزائر، والتي نجحت من خلال الجهد الإعلامي والدبلوماسي في جعلها مكرسة لإنقاذ القضية الفلسطينية من التراجع والتهميش.. فنقل القضايا الفلسطينية الرئيسية إلى القمة العربية، لاستعادة التضامن القومي لدعم القضية وحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تنفيذ القرارات السابقة التي لم تنفذ، إلى جانب ما نصت عليه مبادرة السلام العربية، يبقى الإنجاز المنتظر تحققه.. وفي هذا السياق تبرز أهمية الإشراف والمتابعة الجزائرية العربية بالتنسيق مع الفلسطينيين، حيث تبرز الرهانات بإمكانية توفيرها خلال القمة العربية المرتقبة، إذ إن الجزائر سترفع مضمون الاتفاق ليكون جزءاً من القرارات…

تابع القراءة
مصر في القرن الإفريقي وتطورات ملف سد النهضة

مصر في القرن الإفريقي وتطورات ملف سد النهضة

تتمتَّع دول القرن الإفريقي بأهمية استراتيجية كبيرة نظرًا لموقعها الاستراتيجي، وما تتمتَّع به من موارد وإمكانات. وبالنسبة لمصر؛ تُعد تلك المنطقة إحدى أهم الدوائر المُستهدفة بسياستها الخارجية خلال تلك الفترة، ليس فقط لموقعها الاستراتيجي؛ وإنما لارتباطها الوثيق بملف سد النهضة، وما تُمثِّله تلك المنطقة من عنصر رئيسي في التأثير على سير المفاوضات بين مصر وإثيوبيا في هذا الملف. سواء بعلاقات دول المنطقة المباشرة مع طرفي الأزمة المصري والإثيوبي، أو بعلاقاتهم مع الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة على المفاوضات. وقد شهد ملف سد النهضة مجموعة من التحركات من الجانب المصري على عدة مستويات خلال الفترة الأخيرة. ومن ثمَّ نسعى خلال هذا التقرير لإلقاء الضوء على العلاقات المصرية بدول منطقة القون الإفريقي، ومدى تأثيرها على أزمة سد النهضة، مع رصد التحركات المصرية الأخيرة بشأن هذا الملف..   أولًا: مصر ودول القرن الإفريقي.. تُعد دول القرن الإفريقي وما تتمتَّع به من موقع جغرافي وخصوصية ثقافية؛ إحدى دوائر الاهتمام لدى السياسة الخارجية لمصر، وذلك لكونها تحمل جانبين؛ الأول إفريقي والثاني عربي، وما يربط الموقع الجغرافي المُطل على باب المندب واتصاله المباشر بحركة السفن المؤدية لقناة السويس، وهو ما يدفع القاهرة للتحرك نحو تعزيز التعاون مع دول المنطقة.   أهداف مصر في القرن الإفريقي: تتمثَّل أهداف مصر من ضرورة تطوير العلاقات مع دول القرن في مجموعة من الأهداف: أولها؛ تحقيق توازن في ضوء معادلة البحر الأحمر: وبالأخص في ظل التزاحم الخليجي وكذلك تركيا إلى جانب تشابك الكيان الصهيوني بمصالحه العسكرية والأمنية في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي في هذا النطاق، في ظل موازين القوى المتغيرة في هذا النطاق الحيوي. وثانيها؛ موازنة وجود القوى الإقليمية: لاسيما القوى ذات الطبيعة التنافسية مع القاهرة وعلى رأسها تركيا خاصة في ظل مساعيها لتحقيق مبارزة استراتيجية تستهدف من خلالها كسب نفوذ أوسع في الشرق الأوسط والبحر الأحمر، علاوةً على المساعي الإيرانية المختلفة بالأدوات العسكرية أو الناعمة في التغلغل داخل منطقة القرن الإفريقي وما تبعه من تداعيات مختلفة على المضائق البحرية الدولية. وثالثها؛ الردع الطاقوي وكسر دائرة السيطرة: حيث تستهدف القاهرة كسر حالة السيطرة التي تمارسها إثيوبيا على دول القرن الإفريقي في مجال الطاقة وبصورة خاصة مع كلٍّ من جيبوتي والصومال، في ظل إقحام أديس أبابا ملف أرض الصومال والتعاون الإيجابي بين القاهرة والصومال في المجالات المختلفة وفي ملف سد النهضة، علاوةً على انتهاجها سياسة خلط الأوراق، بجانب المساعي التركية لاختراق المجال الحيوي لمنطقة القرن الإفريقي وبصورة خاصة الصومال، لاسيما بعد الاتفاقية المُوقعة بين تركيا والصومال مطلع يناير عام 2020، وكذلك مع الجانب الإثيوبي الذي وقَّع مع أنقرة في فبراير 2020 اتفاقًا للتعاون في قطاع البترول وتعزيز الاكتشافات المختلفة للغاز والنفط. ورابعها؛ تحييد دول القرن في معادلة سد النهضة: حيث جعل الغياب المصري خلال الآونة الماضية عن القارة الإفريقية الصومال ترتبط بصورة كبيرة مع السياسية الإثيوبية الإقليمية.[1]   أزمة مصر في القرن الإفريقي: تعيش مصر أزمة في منطقة القرن الإفريقي حيث لا يوجد للقاهرة بها سوى نفوذ ضئيل، الأمر الذي دفعها لمحاولة تشكيل سلسلة تحالفات في المنطقة، إضافةً إلى محاولة كسب القوى الدولية والإقليمية لصفها في نزاعها والسودان مع إثيوبيا حول مياه النيل.   أ. إريتريا: في فترة من الفترات بدا أن مصر تراهن على خصم أديس أبابا اللدود والصلب في سياستها في القرن الإفريقي، الأمر الذي بدأ على استحياء في عهد مبارك، ثم تبلور أكثر في عهد السيسي في ظل نفوذ حليفته الإمارات في أسمرا الذي وصل لتأسيس قاعدة عسكرية إماراتية هناك. ولكن هذا الرهان سرعان ما فشل إثر تحالف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في مواجهة عدوهم المشترك جبهة تحرير تيجراي.[2]   ب. جيبوتي: على الرغم من المحاولات المبذولة من مصر للتودُّد لها؛ حيث زارها السيسي في يونيو 2021، واستقبل رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، في القاهرة يوم 7 فبراير 2022. والعلاقة بين القاهرة وجيبوتي تدعمها حقيقة أن وزير خارجية جيبوتي المخضرم محمود علي يوسف كان سفيرًا سابقًا في مصر. والسفير الحالي في سفارة جيبوتي في القاهرة، أحمد علي بري، هو مدير الحملة السابق للرئيس الجيبوتي. إلا أنه رغم ذلك؛ اقتصرت علاقات الرئيس الجيبوتي مع القاهرة على عدد محدود من المبادرات الدبلوماسية، حيث يدرك أن التحول نحو التحالف مع مصر ستكون له عواقب وخيمة على العلاقات مع إثيوبيا، العميل الرئيسي لموانئ جيبوتي.[3]   ج. الصومال: النفوذ المصري هناك محدود أو غير موجود، مقابل نفوذ إثيوبي سابق ما زال قائمًا ونفوذ متصاعد لقطر وتركيا. وبرز التقارب الصومالي مع أديس أبابا بصورة كبيرة في ملف سد النهضة، والذي تجلَّى في إعلان الصومال تحفظها على مشروع قرار الجامعة الدول العربية بتضامن الجامعة مع دولتي المصب والتأكيد على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل ورفض أي إجراءات أحادية من الجانب الإثيوبي.[4] وكذلك منح فرماجو إثيوبيا متنفسًا على البحر الأحمر حين سمح لها باستخدام ميناء بربرة الصومالي للمرة الأولى منذ 20 عام من انقطاع الخدمة، في وقت تصاعدت فيه نبرة الإعلام المصري تجاه إثيوبيا بسبب تأزم مفاوضات سد النهضة. وعام 2020، ألغت حكومة فرماجو بروتوكول التعاون التعليمي مع القاهرة، وطالبت بعثتها التعليمية بمغادرة البلاد، من دون إبداء أسباب.[5] وبالرغم من تطلُّع مصر إلى إنهاء مسار الدبلوماسية غير الودية مع فرماجو، بعد صعود الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود، ودعم مصالحها في القرن الإفريقي. إلا أنه خلال زيارة شيخ محمود القاهرة يوليو الماضي، لم يُبد موقفًا واضحًا من دعمه لمصر في موقفها من أزمة سد النهضة. فوفقًا للسيسي؛ تطرَّقت المباحثات خلال الزيارة إلى تطورات ملف سد النهضة، وتوافق الجانبان حول “خطورة السياسات الأحادية عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية وحتمية الالتزام بمبدأ التعاون والتشاور المسبق بين الدول المشاطئة، لضمان عدم التسبب في ضرر لأي منها”.[6] لكن متحدث الرئاسة الصومالية، عبد الكريم علي، نفى تطرُّق رئيس البلاد حسن شيخ محمود لملف مياه النيل خلال لقائه مع عبد الفتاح السيسي. وقال المتحدث الصومالي -في تصريحات متلفزة– بعد أن نفا التطرُّق لهذا الملف خلال المباحثات؛ أن “موقف الصومال صريح وواضح تجاه ملف مياه النيل، وهو أن تستغل دول حوض النيل مياهه بطريقة منصفة وسلمية”. إلا أنه رغم ذلك؛ فقد أثارت الزيارة التي جاءت بعد سنوات من فتور العلاقات خلال ولاية فرماجو -في ظل دلالاتها وأبعادها الإقليمية السياسية والأمنية وتوقيتها- تساؤلات تتعلَّق بفرص مصر في استعادة الصومال كورقة ضغط تدعم مصالحها في ملفات سد النهضة الإثيوبي، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر ومنه إلى قناة السويس، ومكافحة الإرهاب.[7] 3. السياسة الخارجية المصرية تجاه القوى الإقليمية والدولية وتأثيرها على الأزمة: رغم أن مصر بدأت تولي دول القرن الإفريقي وحوض النيل، وشرق إفريقيا اهتمامًا كبيرًا؛ إلا أن السياسة المصرية تجاه القرن الإفريقي تظل تقوم بشكل أساسي على…

تابع القراءة
قراءة تحليلية في المواقف اللبنانية والإسرائيلية من مقترح المبعوث الأمريكي هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية بينهما

قراءة تحليلية في المواقف اللبنانية والإسرائيلية من مقترح المبعوث الأمريكي هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية بينهما

تتزايد احتمالات الوصول إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، بعد عامين تقريباً من انطلاق الوساطة الأمريكية الجارية حالياً. إذ أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، في 11 أكتوبر الجاري (2022)، أن “مسودة الاتفاق النهائي تلبي مطالب بيروت”، وهى المسودة التي تولت واشنطن عبر مبعوثها آموس هوكشتاين صياغتها وتبادلها بين البلدين، حول خط الحدود البحرية الذي يسمح بالاستخراج الآمن للغاز من الحقول المتنازع عليها في المنطقة الحدودية وأبرزها حقلي قانا وكاريش. كما رأى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري -والمقرب للغاية من حزب الله- أن التقدم في المفاوضات يسير بشكل إيجابي وأن الوصول لاتفاق بات وشيكاً. بينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن إسرائيل توصلت إلى “اتفاق تاريخي” مع لبنان، واعتبر المقترح المقدم من الوسيط الأمريكي لائق ويحافظ على أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية في المنطقة المتنازع عليها. تعتبر هذه التصريحات مؤشراً حقيقياً لتقدم المفاوضات بين البلدين، خاصة بعد التوتر الذي تصاعد خلال شهور الصيف مع توالي التهديدات بإشعال حرب على خلفية التنازع على حقول الغاز. إذ كانت إسرائيل قد أعلنت سابقاً عن الاتفاق مع شركة بريطانية للبدء في التنقيب واستخراج الغاز من حقل كاريش – المتنازع عليه- ومع وصول بواخر التنقيب بالقرب من الحقل المذكور بدأت طائرات حزب الله المسيرة تحوم فوقه لتقوم إسرائيل بإسقاطها الواحدة تلو الأخرى في يوليو الماضي. وفي أغسطس الماضي، قام الإعلام العسكري التابع لحزب الله بإصدار شريط فيديو يظهر تفاصيل إحداثيات ومواصفات منصات الغاز الإسرائيلي مع لقطات مصورة لتجهيز منصات إطلاق الصواريخ في إشارة إلى أن عملية استخراج الغاز ستكون مهددة بالقصف ما لم يتم التوصل لاتفاق مع لبنان بشأنها. ثم أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله هذه التهديدات في تصريحات مباشرة ومتتالية منذ أغسطس الماضي، مما دفع إسرائيل للأخذ بهذه التهديدات بجدية وأعلنت حالة تأهب قصوى على حدودها الشمالية، وقامت بتأجيل البدء في استخراج الغاز من حقل كاريش والذي كان مقرراً في بداية شهر سبتمبر 2022.[1]   أولًا: نقاط الخلاف بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية: تشير الوقائع إلى أن طاولة المفاوضات غير المباشرة بين لبنان و”إسرائيل” حول ترسيم الحدود البحرية بينهما، والتي بدأت منذ عام 2010، قد شهدت حديثاً حول ثلاثة خطوط متباينة لهذه الحدود: الأول: خط 23، الذي تبنته الحكومة اللبنانية رسمياً منذ عام 2011، وقامت بإيداع كل الخرائط المتعلقة بترسيمه لدى الأمم المتحدة، وهو خط يتيح للبنان إمكانية استخراج الغاز المتوفر بالفعل داخل البلوكات 8 و9 و10، ووفقًا لهذا الخط، فإن المنطقة المتنازع عليها تبلغ مساحتها 860 كم مربع. الثاني: خط 1 الذي يطلق عليه أحياناً خط فريدريك هوف، نسبة إلى أحد المبعوثين الأميركيين، وهو خط يقتطع من المساحة المحددة بالخط 23 منطقة بحرية تبلغ مساحتها 400 كم مربع، وبالتالي يخرج البلوكات 8 و9 و10 الغنية بالغاز من نطاق السيطرة اللبنانية. الثالث: خط 29 الَّذي تم ترسيمه استناداً إلى أبحاث ودراسات قامت بها قيادة الجيش اللبناني عقب انطلاق مفاوضات الناقورة، بعدما تبين لها أن الترسيم المستند إلى خط 23 يحتوي أخطاء فنية واجبة التعديل، وهو خط يضيف إلى سيطرة الحكومة اللبنانية مساحة جديدة تصل إلى نحو 1430 كم مربعاً، ويضع حقل كاريش الإسرائيلي ضمن المناطق المتنازع عليها، في حين تؤكد تل أبيب أن الحقل بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة[2].   ثانيًا: مقترح المبعوث الأمريكي هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل: انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما في قاعدة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في الناقورة بلبنان، في أكتوبر 2020، برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، واستمرت 5 جولات حتى مايو 2021، ولكن دون التوصل لاتفاق[3]. وأرسلت الولايات المتحدة عدة وسطاء في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، لعل أبرزهم هو المبعوث الأول فريدريك هوف، وفى البداية تم إعلان اتفاق الإطار وتم تبنيه رسميًا من إسرائيل وواشنطن والأمم المتحدة، ولكنه فشل نتيجة تمسك لبنان بالخط 29 وبأحقية حقل غاز كاريش[4] . ومؤخرًا، عندما تولى بايدن منصبه، عين آموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي لشؤون الطاقة في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بما يضمن الاتفاق حول مستقبل التنقيب عن الغاز واستثماره في حقلي قانا وكاريش المتنازع عليهما. وعلى الرغم من فشل هوكشتاين في محاولاته الأولية للتوصل إلى حل وسط، لكن عرضه الأخير حقق ما لم يستطعه الآخرون، حيث حصل على استجابة إيجابية من كل من لبنان وإسرائيل، وتأكيد الطرفين أن المقترح قد أخذ بملاحظاتهما[5]. وبينما لم يتم الإفصاح رسميًا عن مضمون العرض الأميركي المؤلف من 10 صفحات، لكن بحسب ما سرب منه، وفقًا لتقارير إعلامية[6]، يمكن تلخيص أبرز بنوده في 6 نقاط: الاعتراف بحدود لبنان البحرية على أساس الخط 23 وملكية لبنان لحقل قانا الجنوبي. عدم توسيع الترسيم البحري إلى بري كما سعت إسرائيل. وتاليا تكريس ملكية لبنان للنقطة “بي-1” (B-1) الواقعة في خليج رأس الناقورة، وعدها جزءا من حدوده البحرية. ترتيبات أمنية تبدأ من نقطة بحرية تبعد نحو 5 كيلومترات عن البر تتولاها من الجانب اللبناني قوات “اليونيفيل”. حصول إسرائيل على نسبة من الأرباح من شركة “توتال” الفرنسية من حقل قانا إذا تحقق اكتشاف تجاري مشترك فيه، وليس عبر دفع لبنان ما سُميت “بتعويضات” لإسرائيل، ووفق ترتيبات فرنسية أميركية مع الشركة التي وقع معها لبنان للتنقيب بقانا. التزام “توتال” ببدء الحفر الاستكشافي في بلوك 9 لصالح لبنان. تأجيل الاستخراج والنقل من حقل كاريش نحو 15 يوما بطلب من شركة “إنرجيان”، لحين إنجاز الترسيم لضمان عملها بمنطقة آمنة[7]. وعليه؛ فإن الاقتراح الأميركي يقسم الحدود البحرية إلى قسمين: حيث سيتم تعيين أول خمسة كيلومترات من الشاطئ على طول الخط الذي حددته إسرائيل كحدود لها منذ سنوات وحددته بالفعل بصف من العوامات. وفيما وراء ذلك، ستتبع الحدود الخط الذي اقترحه اللبنانيون في البداية والمشار إليه بالخط 23. وعلى هذا الأساس يتم ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل بلد. وتبعًا للمقترح الأمريكي ستحتفظ إسرائيل بجميع الحقوق الحصرية لحقل غاز “كاريش”، في حين سيحصل لبنان على حقل “قانا” بأكمله[8]. ووفقًا للعرض الأمريكي سيتم إعلان المنطقة الواقعة بين “خط العوامات” والخط 23 منطقة آمنة، ولكن تحت السيادة اللبنانية، لأنها تابعة للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، على أن تكون هذه المنطقة تحت إشراف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان[9]. جدير بالذكر هنا، أن هناك إصرار كبير من قبل إدارة بايدن علي ضروة إنجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، ويمكن إرجاع هذا الإصرار الأمريكي لمجموعة من الأسباب، تتمثل أبرزها في: – إذا نجحت الاتفاقية، فستكون أول انتصار كبير لسياسة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط. ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل، فلا يمكن أن تأتي تلك الاتفاقية في وقت أفضل من ذلك. ويمكن تلمس ذلك في سعي…

تابع القراءة

لماذا تتراجع أسعار الغذاء عالميا وترتفع في مصر؟

تواجه مصر حاليا مشكلة في أمنها الغذائي على نحو خطير وغير مسبوق، لا سيما في ظل شح الدولار وانخفاض قيمة الجنيه، وتزايد معدلات التضخم، فمصر تستورد نحو 65% من غذائها، وتصل بوابة الأهرام الحكومية بالنسبة إلى نحو 80%. ووفقا للخبير الزراعي الدكتور نادر نور الدين فإن مصر تتربع على قمة الدول المستوردة للقمح بحجم 13.5 مليون طن سنويًا، ونُعتبر رابع أكبر مستورد للذرة الصفراء بنحو 10 ملايين طن سنويًا، وخامس أكبر مستورد لزيوت الطعام بنحو 3 ملايين طن سنويًا، ومعها 1.25 طن من السكر ونحو 50% من احتياجاتنا من اللحوم الحمراء والألبان المجففة، و100% من احتياجاتنا من العدس ونحو 80% من الفول. مشيرا إلى أن ارتباط إنتاج الغذاء بالمياه هو ارتباط أكيد، وانضم إليهما فى المنظومة إنتاج الطاقة، التى تمثل نحو 33% من الإنتاج الزراعى، وبالتالى أصبحت منظومة «المياه والطاقة والغذاء» منظومة واحدة، ولا يصح علميًا أن نتحدث عن مستقبل إنتاج أى منها دون الاثنين الآخرين، بل انضم إليها أيضًا عدد السكان وتغيرات المناخ. أمام هذه الحقائق؛ لماذا تتراجع أسعار  الغذاء عالميا وترتفع في مصر؟ وما أسباب ذلك؟ وما أبرز أبعاد مشكلة الأمن الغذائي المصري ومخاطره؟ وهل تؤثر هذه المخاطر على وفرة الغذاء وأسعاره؟ ولماذا  ارتفعت أسعار القمح في مصر إلى ضعف السعر العالمي في الأسابيع الأخيرة (سبتمبر وأكتوبر  2022)؟! وهل يمكن أن تؤثر هذه التطورات على منظومة الدعم التي يستفيد منها نحو 65 مليون مواطن؟   غذاؤنا أعلى من السعر العالمي! أولا، رغم تراجع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم إلا أنها على العكس ترتفع في مصر؛ فحسب التقرير الشهري عن الأسعار العالمية الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» عن شهر يوليو 2022م، فإن هناك تراجعات كثيرة فى أسعار العديد من السلع بعدما ارتفعت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022. حيث انخفض متوسط أسعار الحبوب عموما بنسبة ٤٫١٪ عن مستويات شهر مايو (تراجعت لاحقا خلال الشهور التالية)، لكنه ما يزال أعلى بمقدار ٢٧٪ عن مستويات يونيو ٢٠٢١. كما تراجع سعر زيت الصويا بنسبة ٢٣٪ فى يوليو  مقارنة بشهر مارس الماضى، وهبط سعر زيت الأولين المستخدم فى صناعة زيت الخليط «المستخدم فى القلى» بنسبة ٤٦٪ ليسجل سعر الطن ٩٧٥ دولارا مقارنة بـ١٧٩٤ دولارا فى مارس الماضى، وهبط سعر زيت عباد الشمس إلى ١٨٨٤ دولارا مقابل ٢٠٧٩ دولارا فى مايو، وتراجع سعر البن عالميا ليصل إلى ٥٫٧ دولار للكيلو مقابل ٦٫٤ دولار فى يونيو الماضى، والمتوقع تراجع سعر الكاكاو وكذلك الشاى. فإذا كانت الأسعار تتراجع عالميا فلم لا تتراجع محليا؟! هذا الوضع المقلوب دفع كاتبا سلطويا[[1]] إلى البحث عن أسباب هذا الوضع المقلوب؛ فينقل عن مصدر بالغرفة التجارية عزوه للأزمة إلى ممارسات احتكارية، مستدلا على ذلك بسعر الأرز؛ إذ كيف يرتفع الأرز وهو منتج محلى بالكامل ولا علاقة له بالأسعار العالمية؟!! فقد وصل سعره في يوليو الماضي إلى 15 جنيها للكيلو، ووصل حاليا (أكتوبر 2022) إلى نحو 18 جنيها في  بعض المناطق. علما أنه كان يباع قبل الأزمة الأوكرانية بما يتراوح بين ٥ ــ ٨ جنيهات فقط، وهو نفس المحصول الذى تم حصاده فى أغسطس من العام الماضى “2021”، وتم شراؤه من الفلاحين بأسعار زهيدة، وتم تخزينه بطريقة معينة ليتم التحكم بالأسعار حتى جاء موسم الحصاد التالي “أغسطس 2022). أيضا زجاجة الزيت التى كانت تباع بـ٢٨ جنيها قبل الحرب ارتفعت إلى ٤٠ جنيها بعدها، والشركات والمصانع كان لديها مخزون لأربعة أشهر، لكن ورغم تراجع الأسعار عالميا، فإن السعر المحلى المرتفع ما يزال كما هو، والطبيعي أن تنخفض الأسعار بنحو عشرة جنيهات للعبوة اللتر.   لغز أسعار القمح والدقيق ثانيا: لغز أسعار الدقيق؛ فقد ارتفع سعر الدقيق إلى مستويات جنونية ما أفضى إلى زيادة أسعار المخبوزات بكل أنواعها رغم تراجع الأسعار عالميا؛ ما يؤكد أن الارتفاعات الجنوبية لأسعار السلع الأساسية لدينا ليست نتيجة الظروف الخارجية والكوارث الطبيعية بدءا من الحرب الروسية فى أوكرانيا والحرب الأهلية فى اليمن وحتى جائحة كورونا، بل ناتجة عن أسباب محلية صرفة هذه المرة. وينقل موقع “مدى مصر” عن مصادر مختلفة قولها إن استمرار أزمة شح الدولار رفعت أسعار القمح محليًا عن اﻷسعار العالمية بشكل ملحوظ، وهو ما ينذر بتأثر كافة الصناعات التي تعتمد على القمح ومشتقاته، مثل المخابز، واﻷعلاف، والمكرونة. ومن المفارقات العجيبية جدا والتي تحدث لأول مرة في تاريخ مصر، أن الأسبوعين الماضيين شهدا ارتفاع أسعار بيع القمح «محليًا» قرابة 2500 جنيه للطن عن اﻷسعار العالمية. ويبلغ السعر العالمي حاليًا نحو 356 دولارًا للطن، ما يساوي نحو 7120 جنيهًا بحساب سعر صرف 20 جنيهًا للدولار، في حين يتجاوز متوسط سعر الطن محليًا 9500 جنيه.[[2]] لكن الكاتب الصحفي أشرف البرير بالشروق يؤكد أن سعر طن الدقيق المسلم للأفران الخاصة بلغ نحو 15 ألف جنيه وفى السوبر ماركت تراوح سعر الدقيق بين 16 و19.9 جنيها بما يعادل ما بين 16 ألفا و19.9 ألف جنيه للطن، بينما السعر العالمي يبلغ 374 دولارا بما يعادل 7480 جنيها أى ما يعادل 7.48 جنيه لكل كيلوجرام بافتراض أن سعر صرف الدولار يعادل 20 جنيها وهو أعلى من السعر الرسمى المعلن. فإذا كانت هذه الأسعار العالمية بعد إضافة تكاليف الشحن والطحن لا يجب أن تزيد على 9 آلاف جنيه للطن، فكيف تصل إلى 19 ألف جنيه في مصر؟![[3]] يعزو الكثير من الخبراء أسباب ذلك إلى تضخم الممارسات الاحتكارية في مصر. لكنه بالطبع يتجاهل تواطؤ الجهات الحكومية وجهاز حماية المستهلك لأن شركات تابعة لجهات سيادية في الأغلب هي من تقوم بهذه الممارسات الاحتكارية أو لحساب شخصيات لها وزن داخل النظام ومؤسساته العسكرية والأمنية. ولذلك ارتفع سعر طن الدقيق إلى ضعف السعر العالمي دون أي تحرك من جانب الدولة والحكومة!   المطاحن والمخابز الخاصة مهددة بالتوقف ثالثا: باتت آلاف المصانع والمخابز المصرية مهددة بالتوقف بسبب تكدس شحنات القمح في الموانئ المصرية؛ نتيجة قيود الاستيراد التي وضعها البنك المركزي في مارس 2022م. تجاوزت هذه الكميات حاليًا 800 ألف طن على أقل تقدير، مع استمرار وصول شحنات متفق عليها مسبقًا، والوضع يزداد سوءًا كل يوم مع استمرار أزمة شُح الدولار المتهم الرئيس في رفع أسعار القمح محليا عن السعر العالمي بشكل ملحوظ. وكانت غرفة صناعة الحبوب خاطبت وزارتي التموين والصناعة بحكومة الانقلاب، والبنك المركزي، لإعلامهم بتوقف عمل 80% من مطاحن القطاع الخاص، إثر عدم دخول أي كميات قمح في السوق منذ مطلع سبتمبر الماضي “2022”، باستثناء كميات بسيطة. كان لذلك أثر واضح على قطاع المخابز الحرة والسياحية، التي لجأ بعضها إلى تقليل وزن الرغيف، والبعض إلى زيادة السعر، بصورة أثرت نسبيًا على المبيعات خلال الأيام الماضية، وفقًا لعضو شعبة مخابز المنوفية، كريم حسين، الذي أكد أن ارتفاع الأسعار وتخبط السوق دائمًا ما يضر…

تابع القراءة
الامتيازات التي تحظى بها تنظيمات السيسي الشبابية

الامتيازات التي تحظى بها تنظيمات السيسي الشبابية

مع بداية الانعقاد للدورة السنوية الثالثة للبرلمان المصري مطلع أكتوبر 2022م، توافقت قيادات في جهاز المخابرات العامة مع رئيس مجلس النواب المستشار حنفي الجبالي، بشأن إعطاء مساحة أكبر من العمل تحت قبة البرلمان لأعضاء البرلمان  المنتمين إلى «تنسيقية شباب الأحزاب»، على صعيد المناقشات المرتقبة حول مشاريع القوانين سواء في أروقة اللجان النوعية أو فعاليات الجلسات العامة، لا سيما وأن جهاز المخابرات العامة هو الذي يرعى هذا الكيان منذ إنشائه في يونيو 2018م. وجاءت تزكية  “11” نائباً من التنسيقية في هيئات مكاتب اللجان النوعية للمجلس، بالتنسيق مع الهيئة البرلمانية لحزب “مستقبل وطن” الحائز على الأغلبية، ليعطي دلالات واضحة حول الدور المنتظر لها، لا سيما مع توزيع هؤلاء النواب على أهم اللجان النيابية. وأسفرت نتائج انتخابات اللجان النوعية لمجلس النواب، في بداية دورة الانعقاد السنوي (تتم في أكتوبر من كل عام)، عن تزكية رؤساء جميع اللجان البالغ عددها 25، للعام الثالث على التوالي، والإبقاء على 93 نائباً من أصل 100 في مناصبهم كرؤساء ووكلاء وأمناء سر اللجان من دون أي تغيير. معنى ذلك أن الاتفاق بين المخابرات ورئيس البرلمان يضمن دورا أكبر لنواب التنسيقية بالبرلمان (32 نائبا) من أصل 596 عضوا. وسوف يكون لهم دور أكثر أهمية خلال دورة الانعقاد الحالية في مناقشات التشريعات المقدمة من الحكومة والنواب، وستلقى اقتراحاتهم عليها دعماً ملحوظاً من جانب حزب الأغلبية (مستقبل وطن)، بما في ذلك بعض المواقف المعارضة لقرارات السلطة التنفيذية، وذلك للإيحاء بأن هناك تياراً شاباً مناوئاً للحكومة داخل البرلمان، بعد تغييب المعارضة عن تشكيل المجلس الحالي، والتي يقتصر وجودها فعلياً على 3 نواب فقط.[[1]] معنى ذلك أن التنظيمات الشبابية الموالية لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي تحظى بامتيازات واسعة تحت إشراف النظام نفسه وأجهزته الأمنية؛ من أجل أن يكونوا  نخبة النظام السياسية وقاعدته الشعبية؛ يؤهلهم ويربيهم على عينه ويمنحهم الامتيازات ويفتح لهم أبواب الصعود إلى أعلى مناصب الدولة الحساسة؛ فمنهم نواب بالبرلمان ومحافظين ونواب محافظين ومساعدي وزراء؛ لكي يدافعوا عن النظام وينافحوا عن سياساته ومواقفه[[2]]؛ فما هي هذه التنظيمات؟ وكيف تأسست؟ وما الامتيازات التي تحظى بها  دون غيرها من شباب مصر؟ ولماذا تختصهم السلطة بهذه الامتيازات دون غيرهم من شباب مصر؟   تنظيمات السيسي الشبابية هناك ثلاثة تنظيمات شبابية أسسها نظام ” 3 يوليو” ليكونوا قاعدته الشبابية التي يربيها على عينه وينشئها التنشئة الفرعونية التي يتبناها النظام العسكري ويسوقها ويريد أن يفرضها على المصريين فرضا بأدوات الدعاية والتضليل حينا والتدليس والغواية حينا آخر والبطش والإكراه  إذا فشلت الأداتان السابقتان. فهم نخبته المستقبلية وقاعدته التي تحظى بكل الامتيازات من أجل أن يكونوا حكام مصر القادمين الذين يمضون على ذات الطريق الذي رسمه الآباء المؤسسون للدولة العسكرية في مصر منذ انقلاب “23” يوليو 1952م. التنظيم الأول، هو شباب البرنامج الرئاسي، وهو التنظيم الأكثر أهمية وخطورة، وقد أطلق الجنرال عبدالفتاح السيسي تأسيس هذا التنظيم في سبتمبر 2015م بدعوى «تخريج قيادات شابة قادرة على الإدارة وتولي المسؤولية والمناصب القيادية وفقا لأساليب الإدارة الحديثة». ويحصل المنخرط في البرنامج – حسب القائمين عليه – على 11 دورة خلال ثمانية أشهر، تشمل التثقيف السياسي والاقتصادي والإعلامي. وحتى ندرك أهمية وخطورة هذا التنظيم فإن المخابرات العامة هي التي تشرف على شباب هذا البرنامج من الألف إلى الياء، وكان الضابط أحمد شعبان الذراع اليمنى للواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات هو من يشرف بشكل مباشر على شباب البرنامج الرئاسي في بداية المشروع. وكان يعاونه فريق مدني من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الأمريكية والفرنسية، وعلى رأسهم وزير التعليم السابق الدكتور طارق شوقي، والذي تولى قبل الوزارة الأمين العام للمجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية، وعميد كلية العلوم والهندسة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، والدكتورة دينا برعي مستشارة التقييم وعميدة كلية التعليم المستمر بالجامعة الأميركية في القاهرة، وفي الواجهة يأتي الدكتور خالد حبيب أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الفرنسية ESLSCA ومستشار التطوير المؤسسي والتنمية البشرية للمشروع، والذي يعرفه الإعلام الموالي للنظام على أنه مصمم البرنامج، والمهندسة سارة البطوطي ممثلة الشباب في البرنامج كما يعرفها الموقع الرسمي للبرنامج على الإنترنت.[[3]] وحتى مايو 2017، كان قد تم تخريج “5600” شابا وفتاة، ويتضمن البرنامج ثلاثة أقسام هي العلوم الاجتماعية والإدارة المحلية والعلوم الإدارية والقيادية والعلوم السياسية والأمنية، وهو ما يقتضي منهم “رفع درجة الانتماء الوطني بين الشباب وفقا لرؤية النظام، وتعريفهم على حجم (الإنجازات) التي حققتها الدولة في ولاية السيسي”.[[4]] ويتلقى شباب التنظيم محاضرات في “العلوم السياسية والأمنية”، كان يقدمها في بداية المشروع اللواء أركان حرب محمد صلاح الدين حسن، مدير كلية الدفاع الوطني، وتتناول حروب الجيل الخامس التي تُشكل تحدياً للدولة بحسب السلطة، وعن حتمية دعم المؤسسة العسكرية في حروبها الدائمة تجاه المؤامرات التي ينفذها ممولون داخل وخارج البلاد، بينما تضمّنت محاضرات العلوم الإدارية مُشاركة للواء مختار محمد علي، مدير الكلية العسكرية لعلوم الإدارة لضباط القوات المسلحة، والذي يتحدث في محاضرته عن أهمية الانضباط والالتزام داخل المؤسسة العسكرية، والذي ينبغي الاستفادة منه في كافة مناحي الحياة العلمية. كما يحصل أعضاء التنظيم على دورة الدراسات الاستراتيجية والأمن القومي بكلية الدفاع الوطني في أكاديمية ناصر العسكرية العليا. وعلى الموقع الإلكتروني للبرنامج، وتحت عنوان «ماذا بعد التخرج»، قُسّم الخريجون لثلاث مجموعات، هي «المواهب المتميزة»، و «المواهب الواعدة»، و«المساهمون والسفراء». حيث يحصل أصحاب المواهب المتميزة على وظائف قيادية، في مسار تصاعدي سريع مع كبار المسؤولين، بحد وصف الموقع، مع دراسات أعلى في مؤسسات أكاديمية عالمية. أما فيما يخص المواهب الواعدة، فسيجري توظيفهم في قطاعات الوزارات والمحافظات، بالإضافة إلى فرص عمل في الشركات الراعية، أما المساهمون والسفراء، فلهم الفرصة الأولى في معارض التوظيف والتأهيل المستمر، مع استمرارهم في الحصول على المنح والمزايا.[[5]] وحتى يناير 2021 كان قد تم تخريج نحو “1500” من شباب البرنامج الرئاسي بالمحافظات المختلفة.[[6]] التنظيم الثاني، هو اللجنة التنسيقية لشباب الأحزاب،[[7]] وهو تنظيم عابر للأحزاب ويضم مجموعات من شباب الأحزاب الموالية للسلطة وهو تنظيم تأسس بعد اجتماعات سرية في دهاليز المخابرات في الشهور الأولى من سنة 2018م، والهدف منه هو تكوين ظهير سياسي للنظام، وتولى الإشراف على تأسيس هذا الكيان الضابط أحمد شعبان الذارع اليمنى للواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، والذي اجتمع بشكل علني لأول مرة في 26 إبريل 2018، بعدد من ممثلي الأحزاب الموالية للسلطة في مقر جهاز المخابرات العامة  والتي فسرت حينها بأنها “محاولة من النظام لفتح صفحة جديدة مع شباب الأحزاب” بحسب ما نقله مشاركون في الاجتماع.[[8]] حيث تحدث شعبان عن  العمل على دمج النشطاء في الأحزاب، وطالبهم بالعمل على تقديم ورقة عن كيفية تطوير العمل الحزبي، وتصور عن شكل الحياة السياسية في مصر وما يجب أن تكون عليه، وأفضت هذه الاجتماعات في دهاليز المخابرات الحربية إلى صدور  البيان التأسيسي لهذا التنظيم الجديد في 12 يونيو  2018م….

تابع القراءة
طرق الحكومة المصرية لحل أزمتها الاقتصادية.. النجاحات والاخفاقات

طرق الحكومة المصرية لحل أزمتها الاقتصادية.. النجاحات والاخفاقات

تمر مصر بأزمة اقتصادية كبيرة إثر صدمات متتالية، من انتشار جائحة كورونا إلى غزو روسيا لأوكرانيا، ودفع الأخير مستثمري سوق السندات في مصر إلى الهرب إلى أماكن أكثر أمانًا، مما أدى إلى فرض ضغط كبير على وضع مصر المالي، والتي تواجه التزامًا بدفع 18 مليار دولار أمريكي للديون في الربعين الأخيرين من 2022. وفي الوقت ذاته، تضاعفت تكلفة الواردات المصرية بجنون إثر موجة التضخم العالمية، ودفعت كل تلك العوامل مصر نحو أزمة حادة في أرصدتها من العملة الأجنبية[1]. وكذلك عزفت الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن القدوم انتظارًا لما سيفسر عنه الخفض المرتقب للجنيه المصري أمام الدولار. وما زالت السياحة الأوكرانية لمصر والتي تشكل نسبة معتبرة من مجمل السياحة الواردة، متوقفة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. حتى تحويلات المصريين العاملين بالخارج تراجعت قيمتها خلال شهر يونيو الماضي عما كانت عليه بنفس الشهر من العام الماضي؛ نظرًا لتحول جانب منها للتعامل مع السوق السوداء الأكثر سعرًا[2]. وبجانب كل ذلك، فإن ضغوطًا دولية جديدة تتصاعد ضد انتهاكات حقوق الإنسان، وكان أحدث تعبير عن ذلك قرار الإدارة الأمريكية باستقطاع 130 مليون دولار من المعونة العسكرية السنوية لمصر، وهو القرار الذي يمثل رسالة للحكومات الغربية الأخرى في تعاملها مع النظام المصري[3]. ولمواجهة تلك الأزمة الاقتصادية وتداعياتها السياسية، فقد لجأت القاهرة إلى عدة قنوات لمحاولة إيجاد مخرج من تلك الأزمة الاقتصادية، تتمثل أبرزها في: 1- قرض صندوق النقد الدولي: فقد انخرطت مصر في مفاوضات ممتدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض تسهيل الصندوق الممدد، وهو برنامج التمويل الذي يقدمه صندوق النقد الدولي للبلدان التي تواجه مشاكل قوية في ميزان المدفوعات، يماثل ما وافقت عليه مصر في 2016، وعجل بمجموعة من التدابير التقشفية. ومع ذلك، طال أمد المفاوضات بينما يساوم الطرفان على عدة شروط، من ضمنها حجم الدين الخارجي لمصر، وإدارة قيمة الجنيه، ووقف دعم السلع الرئيسية، وتخفيف القبضة العسكرية على الاقتصاد، ووعود بعدم استخدام التمويل في الأعمال الإنشائية. وسيحدد مدى استعداد مصر لقبول شروط صندوق النقد الدولي حجم وتوقيت القرض. ويشترط «صندوق النقد» في المعتاد وجود طرف ثالث غير رسمي في اتفاقيات القروض مع «القاهرة»، كضامن يحول نسبة من القيمة الكلية للقرض لمصر. ولعبت الإمارات دور الضامن في قروض عامي 2016 و2020، إلا أنها رفضت القيام بهذا الدور في مشاورات القرض الحالي، ما دفع مصر إلى التماس ذلك من المملكة السعودية والكويت، واللذان رفضا أيضًا. والأسوأ من ذلك، أن الإمارات ضغطت على صندوق النقد الدولي لاتخاذ موقف حازم في المشاورات حيال انخراط الجيش في الاقتصاد، والإصرار على تحرير سعر صرف قيمة الجنيه المصري كليًا؛ لأن انخفاض سعر الجنيه يعني انخفاض تكلفة الاستحواذ علي الأصول المصرية. في حين أن الجانب المصري سعي إلى إقناع الصندوق تأجيل خفض قيمة العملة إلى حين تلقيها الدفعة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي لمحاولة تجنب حدة الهبوط تلك. ولكن هذا لم يعد ممكنًا الآن[4]. وعلي العموم؛ يبدو أن المفاوضات بين الطرفين قد وصلت إلي نقطة تفاهم، فقد قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في مقابلة مع “رويترز” خلال زيارة للسعودية، 3 أكتوبر 2022، أن: “هناك مناقشات في مرحلة متقدمة جداً مع مصر وتونس لإبرام اتفاقات على مستوى الخبراء، من الصعب التنبؤ إن كان ذلك سيستغرق أياماً أم أسابيع، لكنه سيكون قريباً جدًا”. في حين تابعت قائلة ” يتم اتخاذ قرار بشأن الحجم عادة عبر المفاوضات، ويتم التوصل لاتفاق نهائي بشأنه مع السلطات”[5]. ويمكن الاستخلاص من كلام مديرة الصندوق أنه تم الاتفاق علي منح مصر قرض جديد ولكن لم يتم التوصل بعد إلي حجم هذا القرض، وهو ما يمكن تلمسه أيضًا في حديث وزير المالية المصري، محمد معيط، في مقابلة، في 21 سبتمبر الماضي، إن حجم برنامج تمويل صندوق النقد الدولي الجديد لم يتقرر بعد، إذ «عادة ما يتم تحديده في المرحلة النهائية من المفاوضات». وقد قدرت مجموعة «غولدمان ساكس» و«بنك أوف أميركا» أن تكون مصر بحاجة إلى تأمين 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، على الرغم من أَن معيط قال سابقاً إِن القاهرة تسعى للحصول على مبلغ أقل. وتوقع محللون أن يتراوح الدعم بين ثلاثة مليارات وخمسة مليارات دولار[6]. ولكن، علي رغم اصرار مصر علي قرض الصندوق إلا أنه من غير المتوقع أن يسهم بصورة كبيرة في حل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القاهرة؛ لأن وصفة الصندوق عادة ما تركز على الإصلاح المالي والنقدي، من خلال خفض الإنفاق بواسطة تقليل الدعم وتقليل عدد الموظفين بالحكومة وتقليل الاستثمارات العامة، وزيادة الإيرادات من خلال فرض المزيد من الضرائب والرسوم وتقليل الواردات، ومرونة سعر الصرف ورفع معدلات الفائدة، وتحرير المعاملات المالية مع الخارج. وهكذا فإن رزم حلول الصندوق تساعد فقط على حل المشكلات المالية والنقدية، لكنها لا تعالج الأسباب الجذرية ولا تمثل إصلاحًا اقتصاديًا بالمعنى الشامل، ولهذا تتكرر الأزمات المالية والنقدية، التي تعود أساسا إلى العجز المزمن في الميزان التجاري نتيجة زيادة الواردات على الصادرات. كما أن الصندوق حين يدفع نحو تقليل الواردات فإنه بذلك يضر الصادرات المصرية التي تعتمد بنسبة 60 في المائة على مكونات مستوردة. وحتى السلع الاستهلاكية التي يبلغ نصيبها حوالي 28 في المائة من الواردات، فكثير منها ليس لها بديل محلي كاف للاستهلاك، مثل الفول الوجبة الشعبية الأولى بالبلاد، والشاي الذي لا تتم زراعته محليًا، وغير ذلك مثل أعلاف الحيوانات واللحوم والأسماك والأدوية. وهكذا فإن القطاعات الإنتاجية الضرورية لخلق الوظائف وتوليد النمو الحقيقي، لا تستطيع النمو بدون زيادة الواردات، ولكسر تلك الحلقة لا بد من تطوير قطاع صناعي أقل اعتمادا على الواردات. كما أن قروض الصندوق عادة ما تتجه لتمويل عجز الموازنة المزمن، ولأن غالب تلك المصروفات جارية وليست استثمارية، فإنها لا تولد عوائد مستقبلية تساهم في خدمة الديون عند استحقاقها، أي أنه كان اقتراضًا لتمويل الاستهلاك[7]. 2- الودائع والاستثمارات الخليجية: ساهمت الودائع الخليجية في البنك المركزي المصري بدور محوري في دعم مخزون العملة الأجنبية واستقرار قيمة العملة المحلية بين 2013 و 2014. خلال هذه المدة، تلقت الحكومة المصرية تدفقات نقدية هائلة من الخليج، حيث قدمت المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت ودائع بقيمة 24 مليار دولار لمصر، بالإضافة إلى منح نقدية وعينية وأموال دعم للمشاريع. وخلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مارس 2015، قدم مجلس التعاون لدول الخليج 12.5 مليار دولار أمريكي إضافية. وبحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي في نهاية أغسطس الماضي، حصلت مصر على ثلاثة مليارات دولار من قطر في صورة ودائع قصيرة المدى، بالإضافة إلى أخرى بقيمة عشرة مليارات دولار من المملكة العربية السعودية والإمارات خلال الربع الأول من 2022، دون تحديد مواعيد سدادها. ولكن على مر الأعوام، تراجعت الودائع الخليجية تدريجيًا، حتى وصلت الودائع المتبقية في البنك المركزي إلى 15 مليار دولار فقط…

تابع القراءة
أبعاد التآمر  الإسرائيلي على مصر في ملف سد النهضة

أبعاد التآمر  الإسرائيلي على مصر في ملف سد النهضة

تعود الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل إلى عقود، وهو ما أعلنته رئيسة الوزراء السابقة، جولدا مائير، في خطاب لها: “التحالف مع تركيا وأثيوبيا يعني أن أكبر نهرين في المنطقة (النيل والفرات) سيكونان في قبضتنا”. وقد لخص الصحفي الإسرائيلي شلومو نكديمون الذي عمل مستشاراً إعلامياً لرئيسي وزراء إسرائيل الأسبقين، مناحيم بيجن وإسحاق شامير، الموقف الصهيوني من مياه النيل، بقوله: “إن الحكومات الإسرائيلية أدركت أنه بواسطة العلاقة مع إثيوبيا وإريتريا يمكن تهديد مصالح مصر الاستراتيجية في منابع نهر النيل”.[[1]] ومما يؤكد جدية المواقف الإسرائيلية بشأن المياه، ما صرّح به إسحاق شامير في مارس (آذار) 1991 بأنه على استعداد لتوقيع معاهدة حظر أسلحة الدمار الشامل وقبول التفتيش على المنشآت النووية الإسرائيلية مقابل اشتراك إسرائيل في اتفاقيات لإعادة توزيع المياه في المنطقة، ورصدت مجلة “أكتوبر” المصرية هذه التصريحات في حينه. وفي سياق هذه الأهمية المركزية للمياه، كان الملف المائي حاضراً في كل ترتيبات التطبيع تحت لافتة السلام بين العرب وإسرائيل، كان أحد بنود المناقشات المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد (1978 ـ 1979)، كما أُعلن في إطار مفاوضات مدريد أن إسرائيل تطالب بالمياه والأمن في مقابل الانسحاب من الأراضي العربية، كما أن اتفاقاً للسلام بين سوريا وإسرائيل عام 1996 واجه معضلتي المياه والترتيبات الأمنية. وتفاقم مشكلة تراجع الموارد المائية لإسرائيل من ورطة صناع القرار في تل أبيب؛ فمشكلة تزايد السكان يمثل هاجسا مزعجا لإسرائيل الأمر الذي يشكل تهديداً كبيراً على الموارد عموما, وعلى المياه بشكل خاص, وهذا ما أكدهُ تقرير “إسرائيل 2020 ”, إذ تسببت الزيادة السكانية في (إسرائيل)  في تناقص المعدل الذي يحصل عليه الفرد من المياه العذبة المتجددة سنويا من 1229 م3 للفرد عام 1955 م, إلى(461 م3) للفرد/ عام 1991 م, ومن المتوقع أن يقل هذا المعدل إلى ( 264 م3) للفرد/ عام 2025 م.[[2]] ويزيد الأمر سوءا بسبب هبوط منسوب بحيرة طبرية إلى مستويات قد تصبح دون مستوى أنابيب السحب الإسرائيلية بما يعني خروجها من الموارد المائية تماما؛ فصناع القرار في تل أبيب يعلمون أن مسألة المياه تحتل مكانة محورية في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، ليس فقط بسبب وقوع الأراضي الفلسطينية التي تحتلها تل أبيب في إقليم صحراوي وشبه جاف في الجنوب، وصحراوي وشبه ممطر في الشمال، لكن أيضاً لطبيعة المشروع الإسرائيلي التاريخي القائم على ركيزتين أساسيتين هما الهجرة والاستيطان. لذلك فإن اهتمام إسرائيل بملف المياه لا يقتصر على سد النهضة أو إثيوبيا فقط بل إن تل أبيب عبر مراكز أبحاثها أعدت خطة شاملة لمنظومة المياه والسدود في أفريقيا بشكل يجعلها صاحبة الكلمة العليا ويمكنها من الاستفادة القصوى من المياه الأفريقية. إزاء ذلك، هل لإسرائيل أطماع في مياه النيل؟ وما الدليل على ذلك؟ وما الأبعاد الخفية للدور الإسرائيلي في أزمة سد النهضة مع إثيوبيا؟ وهل فعلا تمد تل أبيب أديس أبابا بالتقنيات الفنية والأسلحة التي تمكن إثيوبيا من استكمال بناء السد وحمايته ضد أي هجوم مصري محتمل؟ وماذا تريد إسرائيل من وراء ذلك؟ وهل يمكن أن يكون السيناريو مرسوما بعناية ليكون توصيل مياه النيل إلى “إسرائيل” هو الحل الأخير أمام النظام المصري لحل أزمة سد النهضة؟ وهل يمكن اعتبار التعامل السطحي والاستخفاف وعدم الاحترافية من جانب السيسي وأجهزته جزءا من المؤامرة على مصر أم هو انعكاس لانعدام الانتماء والكفاءة؟!    أولا: الأطماع الإسرائيلية في النيل تقوم السياسة الإسرائيلية منذ إنشاء «الكيان الصهيوني» في مايو 1948م، على استثمار العلاقات مع القوى العظمى من أجل تحقيق أطماعها؛ فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالقوى الدولية صاحبة النفوذ العالمي، فعلاقة الحركة الصهيونية ببريطانيا العظمى مكنها  من الحصول على وعد بلفور سنة 1917م والحصول كذلك امتيازات واسعة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وعلاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي لضمان حمايتها ومساندتها على الدوام سياسيا ودعائيا واقتصاديا. بالتوازي تعمل تل أبيب على التحالف مع القوى المحيطة بالعالم العربي، كان على رأسها إيراه الشاه قبل سقوطه، وتركيا ما قبل أردوغان، والأكراد وإثيوبيا. بجانب التحالف مع الأقليات داخل العالم العربي للضغط على القلب الجغرافي للعالم العربي، واصطلح على هذه الإستراتيجية بسياسة شد الأطراف. وعملت تل أبيب بجد من أجل بسط نفوذها في إفريقيا خصوصا في القرن الإفريقي لتحقيق هدفين: التأثير المباشر في صناعة القرار في إثيوبيا  باعتبارها تضم منابع النيل من أجل التحكم في مسار المياه والضغط من أجل مد مياه النيل إلى “إسرائيل”. والثاني، تعزيز العلاقات مع الدول المطلة على البحر الأحمر (إريتريا ــ جيبوبي ـ السودان)؛ للحد من قوة الدول العربية الإسلامية وعدم تكرار ما حدث في حرب 1973 عندما أغلق العرب مضيق باب المندب ومنعوا مد الولايات المتحدة وأوروبا بالبترول بوصفها دول داعمة لإسرائيل. المحطة الأولى، في ثمانينات القرن الماضي، أصدر نقيب الصحفيين ورئيس اتحاد الصحفيين العرب الأسبق كامل زهيري، كتابا تحت عنوان «النيل في خطر: مشروعات تحويل مياه النيل، من هرتزل إلى بيجن (1903-1980)» يتناول قضية التطلعات الإسرائيلية إلى الحصول على حصة في مياه نهر النيل. وكشف أن أطماع الصهيونية العالمية في مياه النيل تعود إلى ما قبل نشأة الكيان الصهيوني نفسه سنة 1948م؛ إنما تعود إلى نشأة المنظمة الصهيونية نفسها على يد تيودور هرتزل، الذي اهتم  بالقضية وأولاها اهتماما كبيرا. وقد استعان زهيري في كتابه بمصدرين مهمين للغاية: الأول، يوميات هرتزل المنشورة في نيويورك سنة 1960م بعد 50سنة من وفاته. والثاني، نص مشروع امتياز توطين اليهود في سيناء الذي عرض على اللورد كرومر وبطرس غالي رئيس النظار المصري، ونص تقرير البعثة الفنية التي أرسلتها الحكومة البريطانية إلى سيناء، بالاتفاق بين هرتزل والزعيم السياسي البريطاني جوزيف تشمبرلين.[[3]] وبحسب مذكرات هرتزل، فقد بدأ اهتمام الصهيونية العالمية بالنيل سنة 1903م؛ حين بحثت عن خيارات بديلة لإقامة وطن قومي لليهود في أوغندا أو الأرجنتين بشكل مؤقت، لكن أحد الخيارات كان توطين اليهود في العريش المصرية كنقطة متقدمة للوثوب إلى فلسطين، وسعت للحصول على امتيازات من الاحتلال البريطاني والحكومة المصرية لهذا التوطين، بجانب إنشاء موانئ وفنارات في منطقة شرق قناة وخليج السويس. ولمواجهة مشكلة ندرة المياه في تلك المنطقة، اقترح هرتزل على لانسدون وزير خارجية بريطانيا، مد أنبوب على عمق كبير تحت قناة السويس لضخ مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء. يقول هرتزل في مذكراته بتاريخ 20 يناير/ كانون الثاني 1903، «في سرية أتمت بعثة فنية أعمالها، وأعدت تقريراً من 8 صفحات مؤرخ بـ26 مارس/آذار 1903، عن السكان والحياة الحيوانية والزراعية في تلك المنطقة من سيناء، بالإضافة إلى مقترحات عن بناء خزانات مياه واستغلال المياه الجوفية، ومقترحات عن أنواع المحاصيل والأشجار التي يمكن زراعتها هناك، والصناعات الممكن تدشينها، المرتبطة بتلك الزراعات. في تلك الأثناء، كان هرتزل قد وصل إلى مصر، وتحديدًا في 23 مارس/آذار 1903، والتقى في القاهرة باللورد كرومر، وشرح له حاجة مشروعه إلى المياه من النيل،…

تابع القراءة
اتفاقية التنقيب عن الطاقة بين تركيا وليبيا.. بين الدوافع التركية والاعتراضات المصرية

اتفاقية التنقيب عن الطاقة بين تركيا وليبيا.. بين الدوافع التركية والاعتراضات المصرية

أبرمت الحكومة التركية وحكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة عددًا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجال التنقيب عن النفط والغاز، على هامش الزيارة التي قام بها وفد تركي، في 3 أكتوبر 2022، إلى طرابلس، ضم وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو ووزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز ووزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس الأركان العامّة ياشار غولر ووزير التجارة محمد موش ورئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية فخر الدين ألطون ومتحدث الرئاسة السفير إبراهيم قالن، وسط تأكيد ممثلي الحكومتين على المضي قدمًا في ترجمتها إلى إجراءات وممارسات من شأنها تعزيز التعاون بين البلدين في شتى المجالات[1]. وفي حين أنه لم يتم الإعلان عن بنود تلك الاتفاقية، فقد تسربت بعض المواد التي تحمل في طياتها التزامًا دائمًا بين ليبيا وتركيا فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز والنفط؛ إذ تتضمن هذه المواد شمول الأنشطة المتفق عليها الاستكشاف والإنتاج والنقل والتكرير وتوزيع وتجارة النفط والغاز والبتروكيماويات، بجانب تعهد ليبيا بضمان دعوة مؤسستها الوطنية للنفط نظيرتها التركية وشركائها للمشاركة في المشاريع البرية والبحرية المتعلقة بالتنقيب عن النفط[2].   أولًا: أهداف تركيا من خلف هذه الاتفاقية: تعد مذكرة التنقيب تلك هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في البحر المتوسط والمبرمة بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج، في 27 نوفمبر 2019. وقد هدفت تركيا من خلف هذه الاتفاقيات إلي تحقيق عدة أهداف يمكن الإشارة إلي أبرزها كما يلي: 1- حل الكثــير مــن المشــكلات الاقتصاديــة الداخليــة في تركيــا، حيــث تــأتي ليبيــا في المرتبــة الخامســة عالميًا من حيث حجــم الاحتيــاطي النفطــي، وهــو مــا يقــدره الخــبراء بنحــو 74 مليار برميل خام عالي الجودة. كما كانت ليبيا هي المنتج الثاني للنفط في القارة الأفريقية، وصاحبة أكبر احتياطي نفط في القارة قاطبة ( 34 مليار برميل)، فيما بلغ احتياطيها من الغاز ما يقارب 54.6 ترليون قدم مكعبة، يضعها في المرتبة الـ21 عالميًا من احتياطيات الغاز. في المقابل تعتمد تركيا على الاستيراد بنسبة 95% لسد احتياجاتها من الطاقة، ومن خلال الاتفاقيات مع الحكومة الليبية في مجال النفط والغاز تكون تركيا قد حصلت علي مورد دائم ومتجدد لسد احتياجاتها من الطاقة[3]. جدير بالذكر هنا، أن قرابة 40% من المواقع المحتمل ظهور النفط بها في ليبيا توجد في المنطقة التي سيتم تفعيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بها كما أشار وزير النفط والغاز الليبي محمد عون، في تصريحات صحفية له. وربما يرجع تحرك أنقرة لتوقيع الاتفاقية الأخيرة مع حكومة الدبيبة إلي محاولتها ضمان حصتها في سوق الطاقة الليبية خاصة بعد الاتفاقات التي أبرمتها وما زالت تبرمها شركات النفط الأوروبية خاصة شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية ومعهما عدد من الشركات الأخرى للتنقيب عن الغاز والنفط داخل ليبيا، فقد كشفت الآونة الأخيرة عن تفاهمات بين حكومات تلك الشركات بشأن الحصول على النصيب الأكبر من كعكة النفط الليبي، وهو ما أقلق الجانب التركي بشكل كبير ودفعه للتحرك في هذا المسار[4]. 2- تسعي تركيا من خلف تلك الاتفاقيات إلي إحباط المحاولات الدولية لمحاولة عزلها في منطقة شرق المتوسط التـي تشـمل لبنـان، إسـرائيل، واليونـان، وقبـرص، وتركيـا، وسـوريا، ومصـر، ومنعها من الاستفادة من ثروات الغاز المكتشفة في تلك المنطقة التي تسـبح فـوق خـزان مـن الغـاز يصـل إلـى 122 تريليـون قدم مكعب، وفقًا لتقديرات هيئـة المسـح الجيولوجـي الأمريكيـة في عام 2010 [5]. وتعمل تركيا علي إحباط تلك المحاولات مــن خــلال الضغــط على تجمعــين مــن الدول بهــا؛ أولاهمــا: تجمــع مــصري، وهــو منتــدى غــاز شرق المتوسط، وثانيهمــا: التعــاون الإسرائيــلي القــبرصي اليونــاني. وتحــاول تركيــا حاليًا الضغط علي هذيــن التجمعــين لإدخــالها في معادلة غاز شرق المتوسط. وبذلــك، مــن وجهــة نظــر تركيــا، ســيكون لديهــا أوراق ضغــط اقتصاديــة على أوروبــا مــن خــلال توريــد الغــاز والبــترول[6]. 3- يبدو أن أنقرة لا تسعي فقط إلي حل مشكلة الطاقة التي تعاني منها عبر استيراد الغاز الليبي، ولكنها تسعي أيضًا إلي أن تكون جزء من مشاريع نقل الغاز الأفريقي إلي أوروبا. وفي هذا السياق، فهناك مشروع لنقل غاز نيجيريا إلي أوروبا عبر الأراضي الليبية، وهو المشروع الذي تم الإعلان عنه في 16 يونيو الماضي، عندما كشف المتحدث باسم حكومة الوحدة الليبية محمد حمودة، في مؤتمر صحفي، أن الحكومة “منحت الإذن لوزارة النفط والغاز، لإجراء الدراسات الفنية والاقتصادية لجدوى إنشاء مشروع أنبوب غاز من نيجيريا عبر النيجر أو تشاد إلى أوروبا عبر ليبيا”. وقد أعلن وزير النفط والغاز محمد عون، في 25 سبتمبر الماضي في مؤتمر صحفي بطرابلس، عن أن وزارته قدمت دراسة لحكومة الوحدة الليبية بشأن خط الغاز النيجيري المقترح إلى أوروبا. وحسمت الدراسة الأولية لصالح عبور الأنبوب من النيجر بدل تشاد، وأوضح الوزير الليبي في تصريح صحفي أنه ستجرى دراسة معمقة في غضون ستة أشهر. وبدأت بين مسؤولين ليبيين ونيجيريين مباحثات استكشافية حول جدوى هذا المشروع، على هامش اجتماع “منظمة منتجي البترول الأفارقة” (APPO) في سبتمبر، والتي تضم 16 دولة، من إجمالي 55 عضو في الاتحاد الإفريقي. ورغم الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تعاني منها ليبيا، إلا أنها تراهن على ميزة أفضلية مرور أنبوب نقل غاز نيجيريا عبرها نحو أوروبا. وهذه الأفضلية تتمثل في أن المسافة بين آبار الغاز في نيجيريا نحو الأسواق الأوروبية تقل بألف كلم على الأقل، بحسب وزير النفط الليبي محمد عون، مقارنة بمشروعي أنبوبي الغاز المارين عبر الأراضي الجزائرية أو المغربية. وقِصر المسافة بألف كلم على الأقل، تقلل تكلفة المشروع، ومدة الإنجاز، وسعر الغاز النهائي؛ وتجعله أكثر جدوى[7].   ثانيًا: أسباب اعتراض القاهرة علي هذه الاتفاقية: قبل التطرق إلي الأسباب التي تقف خلف اعتراض القاهرة علي هذه الاتفاقية، من المهم الإشارة إلي أن تركيا لا تستهدف مصر من خلال اتفاقياتها مع ليبيا فيما يتعلق بالطاقة، وهو ما يمكن تلمسه في: أولًا؛ أن تلك الاتفاقيات تستهدف اليونان بصورة رئيسية، خاصة وأنها تتفق مع الرؤية التركية التى ترفض أن يتم ترسيم الحدود البحرية أو تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة من خلال تطبيق معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار. حيث ترى أنقرة أنه من غير المنطقي أن تحصل بعض الجزر اليونانية على مساحة جرف قاري ومنطقة اقتصادية تعادل أضعاف مساحتها، فى حين يتم حصر تركيا بمساحتها البالغة أكثر من 800 ألف كيلومتر وشواطئها الطويلة على البحر المتوسط في مساحة اقتصادية بَحرية محدودة كما تريد اليونان وكما ينص قانون البحار. وعليه تنادى تركيا بالاستناد إلى التوجهات الأخرى في القانون الدولي التى تحدد حدود المناطق الاقتصادية بناء على المسافة من البر الرئيسي وليس الجزر، وهو ما تستند إليه في اتفاقياتها مع ليبيا[8]. جدير بالذكر هنا، أن الاتفاقية التركية الأخيرة مع حكومة الدبيبة تأتي في الوقت التي عادت فيها التوترات بين أنقرة وأثينا بسبب الخلاف حول وضع جزر بحر إيجة علي خلفية نقل اليونان مدرعات منحتها لها الولايات المتحدة…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022