قراءة في مضامين خطابي السيسي بمناسبتي اكتوبر والمولد النبوي
خلال الأيام الأخيرة ألقى الجنرال عبدالفتاح السيسي خطابين في احتفالين مختلفين: الأول، خطابه يوم الثلاثاء 04 أكتوبر 2022م، خلال الندوة التثقيفية الـ36 للقوات المسلحة بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر الـ49، التى عقدت بمركز المنارة الدولى بالتجمع الخامس تحت عنوان «أكتوبر.. إرادة وطن». والثاني، يوم الأربعاء 05 أكتوبر 2022م، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف بمركز المنارة الدولي للمؤتمرات أيضا. أولا المضامين المشتركة أولا، استخدام الشكل البلاغي في العبارات والألفاظ وانتقاء الكلمات وصياغتها على نحو أدبي لإقناع المواطنين بصحة المسار الذي اختطه النظام منذ انقلاب 03 يوليو 2013م. وأمام تآكل الأحلام والطموحات والفجوة الواسعة بين الوعود التي تبخرت والواقع الأليم حاول السيسي ردم هذه الفجوة الكبيرة بخطابات بلاغية تستخدم الألفاظ والعبارات التي تنشر التفاؤل وسط أكوام اليأس والإحباط التي استحوذت على المصريين مثل: (جوهر حرب أكتوبر المجيدة هو الكفاح من أجل تغيير الواقع من الهزيمة إلى النصر ومن الظلام إلى النور ومن الانكسار والمرارة والألم إلى الكبرياء والعزة والفخر ــ العبور إلى الجمهورية الجديدة التى نتطلع إليها والتى تلبى طموحات طال انتظارها جيلًا بعد جيل فى مستقبل أفضل لهذا الوطن يكون بقدر عراقة حضارته، وعظمة تاريخه ــ سنحقق معجزة العبور الآمن والثابت إلى الجمهورية الجديدة التى أراها عين اليقين ــ الجمهورية التى تهدف إلى تحقيق تطلعات هذا الجيل، والأجيال القادمة ــ تصبح مصر دولة حديثة متطورة ينعم فيها المصريون، بمستويات معيشية كريمة ـ تغيير الواقع لم يكن ولن يكون بالكلمات والشعارات والأمانى، إنما بالرؤية المتكاملة بعيدة المدى والتخطيط العلمى، وتوفير آليات وعوامل النجاح ثـم العمـل الدؤوب). ثانيا، امتلاء الخطابين بالأسلوب الإنشائي البلاغي يعكس حالة الإفلاس التي يعاني منها السيسي؛ فهو لا يجد شيئا له قيمة يمكن أن يقدمه للجماهير اليائسة المحبطة؛ كما أن الهدف من هذه النزعة الإنشائية البلاغية في الخطابين قد يكون بهدف التغطية على خلو الخطابين من أي مضامين ودلالات ذات قوية ترتبط بالسياسات العامة للدولة وترتبط بالناس ارتباطا وثيقا، فقد خلا الخطابان من أي أرقام باستثناء رقمين، الأول هو (15) الذي استخدمه السيسي خلال تشبيه الوضع الراهن في مصر تحت حكمه بالحالة التي كانت عليها مصر في أعقاب هزيمة 05 يونيو 1967م، مطالبا الناس بالتحمل كما تحملوا من قبل خلال فترة الحرب. مدعيا أن مظاهر الحياة توقفت في مصر خلال الفترة من 1967 حتى 1982م (15 سنة) يقول السيسي: «الشعب المصري تحمل في الفترة من 1967 لـ 1982 الكلفة والتضحيات اللي قدمتها الدولة علشان تتجاوز أزمتها.. هل الشعب مستعد يتحمل دلوقتي ولا هنيجي دلوقتي وراء الشائعات والأكاذيب اللي بتتقال كل يوم».[[1]] و الرسالة المباشرة من هذه المقارنة وهذه المزاعم حول توقف الحياة والإنتاج في مصر خلال هذه الفترة هو إقناع المصريين بالمزيد من الصبر على النظام بعدما أخلف كل وعوده بشأن تحسن مستويات المعيشة وثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تبخرت تماما في ظل تدهور الأوضاع على نحو لافت. أما الرقم الثاني هو (25) في إشارة إلى زيادة حجم السكان في مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2022 بنسبة 25 مليو نسمة. في إشارة إلى شماعة الزيادة السكانية التي دائما ما يستخدمها لتعليق فشله عليها. ثالثا، توظيف شماعة الإرهاب وتحميلها بعض الفشل الذي أحرزه النظام خلال السنوات الماضية، يقول السيسي: « كان من الممكن أن نقول إننا فى حالة حرب على الإرهاب ولم ننته بعد ولا نفعل شيئا ونقوم بحشد للإعلام ونتحدث عن هذه القضية بأحداثها كل يوم». وهنا نجد السيسي يريد أن يساوي بين المعركة الحقيقية بين مصر والكيان الصهيوني وحربه المفتعلة على الإرهاب؛ دون إدراك من جانبه للفوارق الضخمة بين حرب حقيقية وأخرى وهمية. ويضيف «وقت حرب أكتوبر كان كل قرش موجها لصالح «اقتصاد الحرب» من أجل استرداد الكرامة والكبرياء وتحقيق النصر الذى نحتفل به اليوم، متابعا «أنه كان من الممكن أن نفعل ذلك أيضا وسيكون مُبررًا.. لكننا حاربنا الإرهاب الذى كان يستهدف تعجيز البلاد وإفقارها وتخلفها ونحن لم ولن نمكنه من ذلك، وسوف نواصل البناء!.. رابعا، الهجوم على ثورة يناير والمعارضة واستخدام مصطلح أهل الشر من جديد والتحذير من خطورة الشائعات، وهذه الرسالة تحديدا اختصها مقال “راي الأهرام” في اليوم التالي بالاهتمام، وأن ما يجري حاليا هو عبور ثان إلى الجمهورية الجديدة شبيه بالعبور الذي تلى هزيمة يونيو 1967م.[[2]] يقول السيسي في خطاب أكتوبر: «في ظل هذه الأحداث وتلك الظروف مازالت هناك قوى شر تضمر بـداخلها كـل معانـى الحقد والكراهـيـة، فراحت تبث سمومها فى شرايين الوطن من خلال نشر الأكاذيب والافتراءات والضلالات بهدف إفقاد المواطن الثقة واغتيال معنوياته». ويتساءل: «هل الشعب مستعد يتحمل دلوقتي ولا هنيجي دلوقتي وراء الشائعات والأكاذيب اللي بتتقال كل يوم؟”. ويضيف : “والله الشائعات دي ولا بتخوفني ولا بتقلقني». وفي موضع آخر يقول: « الجيش والشرطة فى سيناء ظلا يقاتلان أهل الشر والتطرف منذ عام 2011 ولمدة ثمانى سنوات تالية، لافتا إلى أن الثمن كان باهظا لحماية سيناء». وقال إنه كان يتمنى من الشئون المعنوية تقديم أحد المواقف التى ضحى فيها أبناؤنا واستشهدوا من أجل حماية البلاد من قوى الشر التى كانت تتمنى «كسر المصريين». وفي خطاب المولد يقول: «كما يتعين علينا أن ننتبه في ذات السياق، إلى خطورة بث الشائعات فلقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فالشائعات جريمة ضد أمن المجتمع وصاحبها أثم في حق نفسه ودينه ومجتمعه ساعيًا إلى الاضطراب والفوضى؛ ولهذا يتعين علينا جميعًا الانتباه إلى ضعاف النفوس الذين لا يسعون إلى النقد البناء، بهدف التعمير والإصلاح، وإنما إلى إثارة الفتن والأكاذيب، بهدف الهدم والإفساد».[[3]] ينطوي تحت هذه النقطة أيضا الهجوم على ثورة 25 يناير، حيث يزعم السيسي أنه لا يعادي أحدا، لأن العدو الحقيقي في تقديره هو الفقر والجهل والتخلف، مشيرا إلى أن الفقر يعنى الضعف والعجز، مستشهدا بالقول المأثور «لو كان الفقر رجلا لقتلته»؛ لافتا إلى مخاطر الجهل التي تجعلك تخطئ وتؤذى كل من حولك، واستدل على ذلك بما حدث في عامي 2011 و2013، مشيرا إلى أنه تحدث في هذا الموضوع كثيرا وتأثيره على البلاد. خامسا، تقمص دور الواعظ الديني، حيث امتلأ خطابا السيسي بذكرى أكتوبر والمولد النبوي بكثير من العبارات والألفاظ الدينية مثل:[[4]] بقول دايما إن الله بالغ أمره.. مفيش حاجة هتتعمل غير بإرادة ربنا.. إحنا مؤمنين بالله وراضيين بقدره.. ونسعى للبناء والتنمية والتعمير وتغيير حياة الناس للأفضل بأمانة وشرف بعيدا عن ألاعيب السياسة! «لقد تعلمنا من ذي الخلق العظيم، في سيرته العطرة أن مجمل حياته وأخلاقه، كانت ترجمة حقيقية وتطبيقية، لأخلاق وقيم القرآن الكريم احتفالنا اليوم بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين يمثل مناسبة طيبة للتأمل في جوهر ومقاصد رسالته السمحة واتخاذه قدوة في الأخلاق الكريمة وأن نكون جميعًا على دربه القويم حيث كان«صلى الله عليه وسلم» أحسن…