قراءة في مضامين خطابي السيسي بمناسبتي اكتوبر والمولد النبوي

قراءة في مضامين خطابي السيسي بمناسبتي اكتوبر والمولد النبوي

خلال الأيام الأخيرة ألقى الجنرال عبدالفتاح السيسي خطابين في احتفالين مختلفين: الأول، خطابه يوم الثلاثاء 04 أكتوبر 2022م، خلال الندوة التثقيفية الـ36 للقوات المسلحة بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر الـ49، التى عقدت بمركز المنارة الدولى بالتجمع الخامس تحت عنوان «أكتوبر.. إرادة وطن». والثاني، يوم الأربعاء 05 أكتوبر 2022م، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف بمركز المنارة الدولي للمؤتمرات أيضا. أولا المضامين المشتركة أولا، استخدام الشكل البلاغي في العبارات والألفاظ وانتقاء الكلمات وصياغتها على نحو أدبي لإقناع المواطنين بصحة المسار الذي اختطه النظام منذ انقلاب 03 يوليو 2013م. وأمام تآكل الأحلام والطموحات والفجوة الواسعة بين الوعود التي تبخرت والواقع الأليم حاول السيسي ردم هذه الفجوة الكبيرة بخطابات بلاغية تستخدم الألفاظ والعبارات التي تنشر التفاؤل وسط أكوام اليأس والإحباط التي استحوذت على المصريين مثل: (جوهر حرب أكتوبر المجيدة هو الكفاح من أجل تغيير الواقع من الهزيمة إلى النصر ومن الظلام إلى النور ومن الانكسار والمرارة والألم إلى الكبرياء والعزة والفخر ــ  العبور إلى الجمهورية الجديدة التى نتطلع إليها والتى تلبى طموحات طال انتظارها جيلًا بعد جيل فى مستقبل أفضل لهذا الوطن يكون بقدر عراقة حضارته، وعظمة تاريخه ــ سنحقق معجزة العبور الآمن والثابت إلى الجمهورية الجديدة التى أراها عين اليقين ــ الجمهورية التى تهدف إلى تحقيق تطلعات هذا الجيل، والأجيال القادمة  ــ  تصبح مصر دولة حديثة متطورة ينعم فيها المصريون، بمستويات معيشية كريمة ـ تغيير الواقع لم يكن ولن يكون بالكلمات والشعارات والأمانى، إنما بالرؤية المتكاملة بعيدة المدى والتخطيط العلمى، وتوفير آليات وعوامل النجاح ثـم العمـل الدؤوب). ثانيا، امتلاء الخطابين بالأسلوب الإنشائي البلاغي يعكس حالة الإفلاس التي يعاني منها السيسي؛ فهو لا يجد شيئا له قيمة يمكن أن يقدمه للجماهير اليائسة المحبطة؛ كما أن الهدف من هذه النزعة الإنشائية البلاغية في الخطابين قد يكون بهدف التغطية على خلو الخطابين من أي مضامين ودلالات ذات قوية  ترتبط بالسياسات العامة للدولة وترتبط بالناس ارتباطا وثيقا، فقد خلا الخطابان من أي أرقام باستثناء رقمين، الأول هو (15) الذي استخدمه السيسي خلال تشبيه الوضع الراهن في مصر تحت حكمه بالحالة التي كانت عليها مصر في أعقاب هزيمة 05 يونيو 1967م، مطالبا الناس بالتحمل كما تحملوا من قبل خلال فترة الحرب. مدعيا أن مظاهر الحياة توقفت في مصر خلال الفترة من 1967 حتى 1982م (15 سنة)  يقول السيسي: «الشعب المصري تحمل في الفترة من 1967 لـ 1982 الكلفة والتضحيات اللي قدمتها الدولة علشان تتجاوز أزمتها.. هل الشعب مستعد يتحمل دلوقتي ولا هنيجي دلوقتي وراء الشائعات والأكاذيب اللي بتتقال كل يوم».[[1]] و الرسالة المباشرة من هذه المقارنة وهذه المزاعم حول توقف الحياة والإنتاج في مصر خلال هذه الفترة هو إقناع المصريين بالمزيد من الصبر على النظام بعدما أخلف كل وعوده بشأن تحسن مستويات المعيشة وثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تبخرت تماما في ظل تدهور الأوضاع على نحو لافت. أما الرقم الثاني هو (25) في إشارة إلى زيادة حجم السكان في مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2022  بنسبة 25 مليو نسمة. في إشارة إلى شماعة الزيادة السكانية التي دائما ما يستخدمها لتعليق فشله عليها. ثالثا، توظيف شماعة الإرهاب وتحميلها بعض الفشل الذي أحرزه النظام خلال السنوات الماضية، يقول السيسي: « كان من الممكن أن نقول إننا فى حالة حرب على الإرهاب ولم ننته بعد ولا نفعل شيئا ونقوم بحشد للإعلام ونتحدث عن هذه القضية بأحداثها كل يوم». وهنا نجد السيسي يريد أن يساوي بين المعركة الحقيقية بين مصر والكيان الصهيوني وحربه المفتعلة على الإرهاب؛ دون إدراك من جانبه للفوارق الضخمة بين حرب حقيقية وأخرى وهمية. ويضيف «وقت حرب أكتوبر كان كل قرش موجها لصالح «اقتصاد الحرب» من أجل استرداد الكرامة والكبرياء وتحقيق النصر الذى نحتفل به اليوم، متابعا «أنه كان من الممكن أن نفعل ذلك أيضا وسيكون مُبررًا.. لكننا حاربنا الإرهاب الذى كان يستهدف تعجيز البلاد وإفقارها وتخلفها ونحن لم ولن نمكنه من ذلك، وسوف نواصل البناء!.. رابعا، الهجوم على ثورة يناير والمعارضة واستخدام مصطلح أهل الشر من جديد والتحذير من خطورة الشائعات، وهذه الرسالة تحديدا اختصها مقال “راي الأهرام” في اليوم التالي بالاهتمام، وأن ما يجري حاليا هو عبور ثان إلى الجمهورية الجديدة شبيه بالعبور الذي تلى هزيمة يونيو 1967م.[[2]] يقول السيسي في خطاب أكتوبر: «في ظل هذه الأحداث وتلك الظروف مازالت هناك قوى شر تضمر بـداخلها كـل معانـى الحقد والكراهـيـة، فراحت تبث سمومها فى شرايين الوطن من خلال نشر الأكاذيب والافتراءات والضلالات بهدف إفقاد المواطن الثقة واغتيال معنوياته». ويتساءل: «هل الشعب مستعد يتحمل دلوقتي ولا هنيجي دلوقتي وراء الشائعات والأكاذيب اللي بتتقال كل يوم؟”. ويضيف : “والله الشائعات دي ولا بتخوفني ولا بتقلقني». وفي موضع آخر يقول: « الجيش والشرطة فى سيناء ظلا يقاتلان أهل الشر والتطرف منذ عام 2011 ولمدة ثمانى سنوات تالية، لافتا إلى أن الثمن كان باهظا لحماية سيناء». وقال إنه كان يتمنى من الشئون المعنوية تقديم أحد المواقف التى ضحى فيها أبناؤنا واستشهدوا من أجل حماية البلاد من قوى الشر التى كانت تتمنى «كسر المصريين». وفي خطاب المولد يقول: «كما يتعين علينا أن ننتبه في ذات السياق، إلى خطورة بث الشائعات فلقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فالشائعات جريمة ضد أمن المجتمع وصاحبها أثم في حق نفسه ودينه ومجتمعه ساعيًا إلى الاضطراب والفوضى؛ ولهذا يتعين علينا جميعًا الانتباه إلى ضعاف النفوس الذين لا يسعون إلى النقد البناء، بهدف التعمير والإصلاح، وإنما إلى إثارة الفتن والأكاذيب، بهدف الهدم والإفساد».[[3]] ينطوي تحت هذه النقطة أيضا الهجوم على ثورة 25 يناير، حيث يزعم السيسي أنه لا يعادي أحدا، لأن العدو الحقيقي في تقديره هو الفقر والجهل والتخلف، مشيرا إلى أن الفقر يعنى الضعف والعجز، مستشهدا بالقول المأثور «لو كان الفقر رجلا لقتلته»؛ لافتا إلى مخاطر الجهل التي تجعلك تخطئ وتؤذى كل من حولك، واستدل على ذلك بما حدث في عامي 2011 و2013، مشيرا إلى أنه تحدث في هذا الموضوع كثيرا وتأثيره على البلاد. خامسا، تقمص دور الواعظ الديني، حيث امتلأ خطابا السيسي بذكرى أكتوبر والمولد النبوي بكثير من العبارات والألفاظ الدينية مثل:[[4]] بقول دايما إن الله بالغ أمره.. مفيش حاجة هتتعمل غير بإرادة ربنا.. إحنا مؤمنين بالله وراضيين بقدره.. ونسعى للبناء والتنمية والتعمير وتغيير حياة الناس للأفضل بأمانة وشرف بعيدا عن ألاعيب السياسة! «لقد تعلمنا من ذي الخلق العظيم، في سيرته العطرة أن مجمل حياته وأخلاقه، كانت ترجمة حقيقية وتطبيقية، لأخلاق وقيم القرآن الكريم احتفالنا اليوم بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين يمثل مناسبة طيبة للتأمل في جوهر ومقاصد رسالته السمحة واتخاذه قدوة في الأخلاق الكريمة وأن نكون جميعًا على دربه القويم حيث كان«صلى الله عليه وسلم» أحسن…

تابع القراءة
لماذا فقد المصريون الثقة في الجيش؟

لماذا فقد المصريون الثقة في الجيش؟

البرهان على تراجع شعبية المؤسسة العسكرية المصرية خلال العقد الأخير (2011 ــ 2020)هو نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز “بيو” الأمريكي في الفترة بين 10 إلى 29 أبريل 2014م. وصدرت نتائجه في 22 مايو في ذات العام، وبعد أقل من سنة على مرور انقلاب 03 يوليو 2013م، حيث كشفت نتائجه عن تراجع حاد في شعبية المؤسسة العسكرية؛ فــ 56%  فقط رأوا أن للجيش تأثيرا جيدا في البلاد بينما اعتبر 45% تأثيره سلبيا. وحتى ندرك حجم التراجع في شعبية المؤسسة العسكرية فإن استطلاع المركز في 2013م، قبيل الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبدالفتاح السسي في يوليو 2013م بأسابيع، كشف عن رضا 72% عن تأثير الجيش، بينما رآه 24% سلبيا، وكان استطلاع المركز عقب ثورة 25 يناير قد كشف أن 88% من المصريين عبروا عن رضاهم عن التأثير الإيجابي للجيش مقابل 11% رأوه سلبيا ما يعني أن المؤسسة العسكرية تراجعت شعبيتها من 88% في 2011 إلى 56% فقط في 2014؛ ما يؤكد التراجع الحاد في شعبيتها.[[1]] وإذا أضفنا عوامل الأجواء القمعية وسيطرة خطاب الكراهية والعنصرية ضد المعارضين في هذه الفترة، ولا سيما الإسلاميين منهم وتأثير ذلك على نتائج الاستطلاع؛ فإن شعبية الجيش قد تكون أقل من النسبة المعلنة بنحو 5 إلى 10 نقاط؛ لأن بعض المشاركين في الاستطلاع، أو كثيرا منهم و أو ربما لم يعبروا عن آرائهم بحرية خوفا من أن يكون الاستطلاع فخا من أجهزة الدكتاتور السيسي للكشف عن المعارضين للانقلاب والتنكيل بهم. لهذه الأسباب ومنذ 2014 لم يعد مركز بيو  أو غيره من مراكز البحث المهنية يقوم باستطلاعات جديدة في مصر؛ لأن نتائجه في ظل نظام عسكري قمعي سيكون مشكوكا فيها على كل حال؛ لأن الناس لم تعد تتمتع بالحرية في التعبير عن الرأي؛ ما يفقد أي استطلاع قيمته العلمية لغياب الأجواء الملائمة والمعايير الصحيحة لإجرائه؛ لتبقى الساحة أمام مراكز البحث الحكومية تمارس التدليس والبهتان لتجميل وجه النظام، والاسترزاق بالدعاية الموجهة له والممولة منه.   أسباب انهيار شعبية الجيش أولا، على المستوى السياسي تفرض المؤسسة العسكرية نمطا معينا من الحكم (نظام جمهوري دكتاتوري) شرط أن يكون على رأس هذا النظام جنرال برتبة رئيس الدولة. ولا ضير من إجراء استفتاءات وانتخابات للرئاسة والبرلمان والمحليات، لكنها إجراءات صورية يتم طبخها في غرف الأجهزة، فالمؤسسة العسكرية تحرص على استكمال الشكل الديمقراطي، حتى وإن كانت هذه الديمقراطية مزيفة أو ميتة والمؤسسات الناتجة عنها لا تمت للشعب وإرادته بصلة. وكشكل من أشكال التشبث بهذا النمط من الحكم وهذه الوصاية المطلقة تتبنى المؤسسة العسكرية «المعادلة الصفرية» في صراعها مع المجتمع، والتي تقوم على مبدأ “إما نحن وإما هم”، وهي معادلة وإن ظهرت تمثلاتها العارية المتوحشة منذ انقلاب 3 يوليو ٢٠١٣ إلا أنها تعود بجذورها إلى بدايات الحكم العسكري لمصر منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وبل ولربما أكثر قبل ذلك بحوالي 150 عاما، وتحديدا منذ تولي محمد علي السلطة في مصر، ذلك أن منطق الدولة المصرية “الحديثة” بالطريقة التي أنشأها بها محمد علي هو في تضاد بنيوي مع المجتمع وقواه وممثليه.[[2]] وهو منطق يقوم على رفض أي شكل من أشكال التمثيل الشعبي، سواء أكان سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا انطلاقا من كونه يمثل خطرا على الدولة ذاتها، أو بالأحرى على مصالح من يحكمونها ويسيطرون عليها. معنى هذا وفقا لهذا التفسير، فإن إحدى المهام الأساسية لهذه الدولة “العسكرية” هي تفكيك أي تكوينات أو تنظيمات أو حركات قد تمثل قطاعات شعبية معينة، ويتحول الأمر إلى حرب شاملة أمنية واقتصادية واجتماعية إذا تجرأت أي من هذه القوى ودخلت المجال السياسي منافسا للجيش الذي تحول إلى حزب سياسي يحتكر كل شيء في البلاد. فالدولة المصرية على النحو الذي كرسه محمد علي في بدايات القرن التاسع عشر، تكره التمثيل الشعبي، وتعتبره خطرا وجوديا عليها وعلى مصالح حكامها ومن يدور في فلكهم من الحاشية وحواشيهم، وأنها إذا سمحت به يجب أن يكون ذلك ضمن شروط معينة وتحت سقف محدد بحيث يصبح تجاوزه ولو دون قصد، كأنه إعلان حرب على الدولة يحتم عليها خوضها وكسبها وكسر عظام من تجرأ على كسر هذه المعادلة، ليس انتقاما منه فحسب، وإنما ردع لكل من يفكر في تقليده. لهذه الأسباب لا يتوقف إعلام السيسي ونظامه عن تشويه الثورة وشيطنة من قاموا بها، والتخويف من تكرارها، فثورة يناير كانت محاولة جريئة لكسر المعادلة الصفرية بين الدولة والمجتمع الذي حاول من خلال قواه الحية وشرائحه الفاعلة انتزاع حق الوجود والتمثيل من الدولة المصرية. كذلك، لا يمكن فهم منطق التنكيل والإذلال المتعمد الذي تمارسه الدولة بكافة أجهزتها ومؤسساتها وشخوصها ضد آلاف المعتقلين السياسيين -خاصة الشباب- إلا ضمن هذا السياق، فالدولة تحاول قتل ووأد أي تفكير جريء في تكرار الخروج عليها مرة أخرى، خاصة من جيل الشباب.[[3]] ثانيا، تفرض المؤسسة العسكرية نمطا علمانيا على الشعب ومؤسسات الدولة في الوقت الذي تعمل فيه على تهميش الهوية الإسلامية والحد من انتشارها من خلال التضييق المستمر والمتواصل على الحركات والشخصيات التي تدعو إلى الإسلام إلا إذا كانت جزءا من الشبكة التي ترعاها المؤسسة العسكرية من خلال تفصيل إسلام على مقاس السلطة يخدم أجندتها ولا يعارضها في شيء تتولى المؤسسة الدينية الرسمية تسويق هذا الإسلام التفصيل؛ فتم ابتداع نظام كهنوتي في الإسلام على غرار الكنيسة في المسيحية لحماية وحراسة هذا الإسلام الرسمي الذي تباركه النظم وتعمل على نشره والترويج له. ودوره هو الخضوع لإرادة السلطة عبر المؤسسة الدينية الرسمية التي يقف دورها عند حدود إضفاء البركة والشرعية على سياسات ومواقف النظم حتى لو خالفت مبادئ الإسلام وأحكامه. وقد عبر السيسي عن ذلك صراحة في أول حوار بعد الانقلاب في يوليو 2013م مع صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية  موضحا أن الإطاحة بمرسي تمت لأنه يتبنى إيديولوجيا عابرة للقارات تعتمد على استعادة الإمبراطورية الإسلامية. وهو مالم يجعله رئيسا لكل المصريين. وأن ولاء الإخوان للإسلام أكثر من ولائهم لمصر![[4]] وهي التصريحات التي تحمل كثيرا من المغالطات؛ فهل الولاء للإسلام يتناقض مع الولاء للوطن؟ وإذا تم انتخاب رئيس بمرجعية علمانية فهل سيكون رئيسا لكل المصريين في هذه الحالة أم ممثلا لأصحاب المرجعية العلمانية فقط؟ لكن المؤكد أن الرئيس صاحب المرجعية العلمانية سيحظى برضا المؤسسة العسكرية التي تتبنى العلمانية وتفرضها بالإكراه على المصريين جميعا. فهذه هي الرسالة المباشرة والمفهومة من تصريحات السيسي. ثالثا، كذلك تفرض المؤسسة العسكرية معادلة للعلاقات الدولية والإقليمية تجعل من مصر على الدوام تدور في فلك السياسة الأمريكية الغربية، حتى تحولت المؤسسة العسكرية المصرية فعليا إلى حارس لهذه المصالح وحام لها؛ ولعل أبرز مثال على ذلك هو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والعمل على دمجه في المنطقة ضمن مخططات الشرق الأوسط الكبير. فالجيش يعطي لديمومة علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي أولوية مطلقة على تأسيس علاقة…

تابع القراءة
قُبيل زيارة السيسي لقطر.. مصر تُفرج عن متمرد تشادي

قُبيل زيارة السيسي لقطر.. مصر تُفرج عن متمرد تشادي

قبل زيارة السيسي لقطر؛ تداولت أخبار عن صدور عفو رئاسي عن متمرد تشادي يُدعى توم أرديمي كان مُعتقلًا في مصر بتهمة التعاون مع متطرفين مسلحين في ليبيا لزعزعة الاستقرار في مصر. فمن هو توم أرديمي؟ ولماذا تم اعتقاله في مصر؟ ولم تم الإفراج عنه؟ وما علاقة ذلك بالمصالحة التشادية والعلاقات المصرية القطرية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. من هو توم أرديمي؟ توم أرديمي، هو أكاديمي وسياسي تشادي، وهو شقيق توأم لمؤسس اتحاد قوى المقاومة التشادي تيمان أرديمي. والأخوان أرديمي اللذان تربطهما صلة قرابة بالرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إيتنو، كانا في تسعينات القرن الماضي شخصيتين رئيسيتين في نظام ديبي الذي حكم البلاد ثلاثين عامًا. وكان توم أرديمي مدير مكتبه في 1991 ثم كُلِّف ببعض الأنشطة النفطية للدولة. لكن تيمان وتوم أرديمي تمردا على الرئيس في 2005، وقادا هجمات تهدف إلى الإطاحة بالسلطة في 2008 و2019، مما أدى إلى الحكم عليهما غيابيًا بالإعدام بينما كانا خارج البلاد.[1] وتتهم السلطات التشادية أرديمي بتنظيم هجوم مسلح عليها بدعم من قطر، وعلى إثر ذلك، ترك أرديمي تشاد في 2005 بعد خلافاته مع الحكومة، وتوجَّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية طالبًا اللجوء، إلا أن طلبه رُفض بسبب انضمام شقيقه للمعارضة المسلحة، فسافر إلى مصر في نوفمبر 2014 وسجَّل نفسه في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في إبريل 2015، وحصل على بطاقة طالب لجوء في ديسمبر 2019.[2]   اعتقال أرديمي في مصر: في أكتوبر 2020؛ كشفت لطيفة أرديمي، ابنة المعارض التشادي توم أرديمي أن والدها اختفى بعدما ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض عليه، وأوضحت الابنة أن آخر رسالة تلقَّتها من والدها قبل اختفائه في مصر، كانت في 25 سبتمبر. في لقاء مُسجَّل مع الأسرة عبر راديو فرنسا الدولي في يوليو 2021، قالت الإذاعة إنها تواصلت مع السلطات المصرية، دون تحديد الجهة المقصودة، وجاءها الرد أن توم “إرهابي خطير زعزع استقرار ليبيا لصالح قطر” دون نفي أو تأكيد القبض عليه. ونظَّمت الأسرة احتجاجات أمام السفارة المصرية في العاصمة التشادية نجامينا، والعاصمة الكندية أوتاوا، والعاصمة الفرنسية باريس، تسعى حاليًا للتوجُّه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بحسب لطيفة، التي قالت إن الاحتجاجات في تشاد تم فضها بالقوة، لكن أفراد الأسرة هناك استمروا في التظاهر أمام منشآت مصرية في العاصمة، مثل شركة مصر للطيران وشركة المقاولون العرب، بهدف الضغط على الحكومة المصرية للإفصاح عن مكان توم أو إطلاق سراحه. الابنة المُقيمة في فرنسا، أوضحت بأن شقيق والدها تيمان أرديمي سعى بالتعاون مع بعض الأشخاص من الحكومة التشادية، للتفاوض من أجل إطلاق سراح والدها، دون أي نتيجة.[3] حيث تتهمه السلطات المصرية بالتعاون مع جماعات إرهابية ومتطرفين ينشطون في جنوب ليبيا ويدعمون نظراء لهم في مصر.   سياقات الإفراج عن أرديمي: نال توم أرديمي بيتشي، عفوًا رئاسيًا، وفق ما نشرته الجريدة الرسمية المصرية الثلاثاء 13 سبتمبر. وبحسب القرار، فإن السيسي، قرر العفو عن 3 أشخاص محكوم عليهم في قضايا مختلفة، بينهم توم أرديمي المحكوم عليه في القضية (رقم 1004 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا). وقال إعلامي تشادي مقيم في القاهرة أن “الإفراج عن أرديمي يأتي متناغمًا مع مطالب المعارضة بالإفراج عن منتسبيها سواء في السجون التشادية أو في الخارج لدى الدول الحليفة، كشرط لقبول المشاركة بالحوار الوطني الشامل، الذي أطلقه المجلس العسكري الحاكم الشهر الماضي”. وتابع “ما زال الحوار يواجه عقبات كبيرة ودعوات للمقاطعة”. وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد إدريس ديبي، الذي تولى السلطة في إبريل 2021 بعد وفاة والده إدريس ديبي، افتتح منتدى للحوار الوطني في 20 أغسطس الماضي، بهدف تسليم السلطة إلى المدنيين خلال مهلة 18 شهر قابلة للتجديد مرة واحدة. لكن الحوار ما زال منقوصًا بمقاطعة كبرى الحركات المسلحة وأعضاء في المجتمع المدني. كما أرجئت أعماله أكثر من مرة. ويرفض التجمع الرئيسي في المعارضة “واكيت تاما” إلى جانب إحدى المجموعتين الرئيسيتين من المتمردين المسلحين جبهة التناوب والتوافق (فاكت)، المشاركة في الحوار الوطني إلى حين تلبية مطالبها، ومن بينها إطلاق سراح سجناء تم أسرهم خلال القتال.[4]   الإفراج عن أرديمي والحوار الوطني في تشاد: بعدما عاد تيمان أرديمي إلى بلاده في منتصف أغسطس الماضي بعد 17 عامًا قضاها في المنفى، للمشاركة في المحادثات الوطنية؛ كان الإفراج عن توم أرديمي أحد شروط انضمام “اتحاد قوى المقاومة” إلى الحوار الوطني الشامل الذي يُعقد حاليًا في نجامينا بين ممثلي المجتمع التشادي بناءً على وعد من الرئيس الانتقالي الحالي محمد إدريس ديبي إيتنو. وأكد المتحدث باسم الحكومة التشادية عبد الرحمن كلام الله أن توم أرديمي “أطلق سراحه ومُحاط حاليًا بأبنائه”، مؤكدًا أن محمد إدريس ديبي “سهّل إطلاق سراحه”. ويأتي ذلك ضمن بادرة تهدئة في نوفمبر 2021، حيث أصدر المجلس العسكري الحاكم “عفوًا عامًا” عن المتمردين، مؤكدًا أنه يريد “إزالة الآثار الموروثة من الفترات المظلمة لبلدنا”. وكان قد وقع أكثر من 30 فصيل من فصائل التمرد والمعارضة اتفاق سلام مع السلطات الانتقالية التشادية وذلك بالعاصمة القطرية الدوحة في 8 أغسطس الماضي، ووافقوا على الانضمام إلى محادثات أوسع في بلادهم بينما رفضت “جبهة التحرير والوفاق” المجموعة المسلحة الأبرز المشاركة في المحادثات.[5]   الإفراج عن أرديمي والعلاقات المصرية القطرية: في الوقت الذي قرأ فيه مراقبون إشارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تنصّل بلاده من العلاقة مع جماعة الإخوان على أنها إشارة إيجابية تجاه القاهرة، قرأ هؤلاء قرار عبد الفتاح السيسي بالإفراج عن أحد قيادات المعارضة في تشاد على أنه عربون صداقة جديدة للدوحة لتعزيز وساطتها لحل الأزمة بين السلطة التشادية وقوى المعارضة. وكانت السلطات التشادية قد اتهمت تيمان أرديمي بتنظيم هجوم مسلح عليها بدعم من قطر ما أدى إلى قطع العلاقات بين نجامينا والدوحة قبل أن تستأنف وتعيد قطر تفعيل وساطتها للتوصل إلى تسوية سياسية. في ذلك الوقت كانت العلاقات بين القاهرة والدوحة تشهد توترًا حادًا جراء اتهام الأولى للثانية بدعم جماعات مسلحة ومتشددين للنيل من أمن البلاد واستقرارها عبر أذرع قطر الموجودة في أجزاء متفرقة من الأراضي الليبية، ما أدى إلى القبض على توم بشبهة التورط في التخطيط لأعمال مسلحة تصب في صالح إرهابيين مصريين. ومع استئناف الدوحة وساطتها بين الحكومة والمعارضة في تشاد واشتراط تيمان الإفراج عن شقيقه المحبوس بالقاهرة لتهيئة الأجواء لمصالحة منتجة مع نجامينا؛ زادت أهمية هذه الورقة. ومع أن قطر لم تكشف عن أي دور لها، إلا أن السلطات التشادية ألمحت إلى دورها في تسهيل إطلاق سراح توم من خلال اتصالات أجرتها مع الحكومة المصرية. لكن تزامن الإفراج عنه مع زيارة السيسي إلى الدوحة جعله يصب في كونها تحمل رسالة مزدوجة؛ الأولى رسالة دعم للقيادة القطرية في وساطتها، والثانية إشارة إلى دعم للسلطات التشادية لطي الصفحة القاتمة مع المتمردين، حيث أسهموا بدور كبير في…

تابع القراءة
خصخصة مستشفيات المؤسسة العلاجية بمصر.. التداعيات المحتملة

خصخصة مستشفيات المؤسسة العلاجية بمصر.. التداعيات المحتملة

جاء إعلان وزارة الصحة بحكومة الانقلاب يوم الخميس 15 سبتمبر 2022م، عن طرح خمسة من أكبر مستشفياتها العامة للبيع أمام القطاع الخاص رسمياً، ليمثل خبرا صاعقا وصادما في ذات الوقت لملايين المصريين؛ لأن هذا الطرح على النحو الذى جرى، وفي هذا التوقيت يعني أن نظام السيسي يعاني من مشكلة وليس ورطة؛ وبالتالي فهو يسرع  في بيع هذه الصروح الصحية العملاقة من أجل توفير شيء من السيولة يمكنه من سداد ما عليه من التزامات وأقساط ديون وفوائد تصل إلى نحو (1,655 تريليون جنيه) وفقا لأرقام الموازنة الحالية (2022/2023)، بينما لا تصل كل موارد الدولة بحسب أرقام الموازنة إلا إلى (1.517) تريليون جنيه  فقط! ويزداد الوضع بؤسا وصعوبة إذا علمنا أن النظام مطالب بسداد أكثر من ثلاثين مليار دولار في الفترة بين مارس 2022 حتى مارس 2023م. فمن أين يأتي بكل هذه الأموال في هذا الوقت القصير؟ إزاء ذلك، ما تفاصيل هذه الخطوة في سياق توجه النظام نحو الخصخصة إذعانا لإملاءات صندوق النقد الدولي؟ وما دلالات ومخاطر هذه الخطوة  على مستوى الرعاية الصحية وتخلي الدولة عن منظومة الدعم الصحي بالتدريج لحساب الخصخصة وحيتان القطاع الخاص؟ وما تداعيات هذه الخطوة على مستقبل الخدمة الصحية في مصر في ظل سقوط عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر وعدم قدرتهم على توفير نفقات العلاج من جهة وفشل الحكومة في إدارة المستشفيات العامة من جهة أخرى؟   المستشفيات المستهدفة بالخصخصة الملاحظة الأولى أن المستشفيات المستهدفة بالخصخصة في المرحلة الأولى ــ بحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الصحة، حسام عبد الغفار ــ هي: المستشفى القبطي في شارع رمسيس التي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1926، ومستشفى العجوزة في محافظة الجيزة (1936)، ومستشفى هليوبوليس (1950)، بالإضافة إلى مستشفى شيراتون في حيّ مصر الجديدة، ومستشفى الجلالة في محافظة السويس.[[1]] المستشفيات الخمسة ـ بحسب المتحدث باسم الوزارة ــ  ستُطرح أمام القطاع الخاص كمرحلة أولى، على أن تتبعها مستشفيات أخرى تابعة للمؤسسة العلاجية مثل دار الشفاء والجمهورية ومبرة مصر القديمة ومبرة المعادي”، لافتا إلى أن “الاستثمار في هذه المستشفيات قد يكون من خلال الإدارة، أو بنظام حق الانتفاع لمدة زمنية محددة، وذلك دعماً للاستثمار في المجال الصحي في مصر.[[2]] ويلفت المتحدث باسم الوزارة أن الخطوة الأولى للطرح  ستبدأ بمستشفى هليوبوليس التي يمكن طرحها للمستثمرين بهدف إدارة بعض الخدمات بالمستشفى أو تقديم خدمات جديدة أو تطوير العمل الطبي والخدمات بشكل عام على حد زعمه.[[3]] الملاحظة الثانية، هذه المستشفيات  تتبع المؤسسة العلاجية، وهي هيئة اقتصادية تشرف عليها الوزارة وتقدم الخدمة بالأجر للطبقة المتوسطة، وفقاً لقرار إنشائها سنة 1964م في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر”. ويدعي المتحدث باسم الوزارة أن “الهدف من بيعها هو تعظيم الاستثمارات في المجال الصحي أمام القطاع الخاص، في إطار توجه الدولة نحو رفع مستوى الخدمة الصحية”، لافتا إلى أن الهيئة لا تتلقى دعما من الدولة وتتكفل بتوفير احتياجاتها ذاتيا. بمعنى أن هذه الصروح الطبية ناجحة تماما لدرجة أن تتكفل بتحقيق الاكتفاء الذاتي لجميع احتياجاتها من مواردها الذاتية، لأنها لا تتلقى دعما من الدولة. فلماذا يتجه النظام إلى  بيع هذه الصروح الطبية العملاقة الناجحة؟! الملاحظة الثالثة، في تبرير هذه الخطوة من جانب حكومة السيسي، يستشهد المتحدث باسم وزارة الصحة في تصريحات لصحيفة الشروق السبت 17 سبتمبر 2022 بقانون إنشاء مستشفيات المؤسسة العلاجية؛ حيث ينص على أن تنشأ بالمحافظات التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية هيئات عامة تسمى “مؤسسات علاجية” تكون لها الشخصية الاعتبارية ويكون مركزها عاصمة المحافظة، وتقدم الخدمات العلاجية مقابل أسعار اقتصادية. وأن الغرض من إنشاء المؤسسات العلاجية هو تنفيذ السياسة العامة للخدمات العلاجية بالمستشفيات والوحدات الطبية التابعة لها والعمل علي تطويرها وتنظيمها ورفع مستواها، وتيسير حصول المواطنين عليها وتختص المؤسسات العلاجية بتخطيط الخدمات العلاجية التي تقوم بها هذه المستشفيات والوحدات وبالإشراف والرقابة عليها، وبمتابعتها وتقييمها والتنسيق بينها. ويضيف المتحدث باسم الوزارة أنه وفقا لنص القانون فإن لكل مؤسسة علاجية في سبيل تحقيق أغراضها يمكنها القيام بتوفير المستشفيات والوحدات الطبية الأخرى سواء بالإنشاء أو بالشراء أو بالتأجير أو بغير ذلك من التصرفات القانونية، ووضع السياسة العامة للخدمات العلاجية التي تقدمها المستشفيات والوحدات الطبية لها في إطار السياسة العامة. كما أن كل مؤسسة يمكنها وضع القواعد العامة لأجور الخدمات العلاجية التي تقدمها المستشفيات والوحدات، ووضع القواعد العامة لتعاقد المستشفيات والوحدات الطبية التابعة لها مع الهيئات والمؤسسات والشركات وغيرها من الجهات لتقديم الخدمات العلاجية للعاملين بها، بجانب معاونة المستشفيات والوحدات الطبية التابعة لها في توفير الأفراد والأجهزة والمعدات، مما يلزم لتقديم خدمات علاجية في أعلي المستويات العلمية والفنية، والمشاركة مع الجهات المختصة الأخرى في وضع نظام الإسعاف الطبي وخدمات الطوارئ. ونص القرار على أنه لوزير الصحة سلطة الإشراف والرقابة والتوجيه علي هذه المؤسسات، ويتولى إدارة كل مؤسسة علاجية، مجلس إدارة، ورئيس للمجلس. الملاحظة الرابعة، بتحليل مضامين ومفردات تصريحات المتحدث باسم الوزارة نجد أنه يناقض نفسه؛ لأن نص القانون يتحدث عن توفير الخدمة العلاجية بأسعار اقتصادية، لكن ما تقوم به الحكومة هو نزع ملكية الشعب لهذه الصروح الطبية ومنحها لأحد حيتان القطاع الخاص، وبالتالي فإن أسعار الخدمة العلاجية سترتفع إلى مستويات جنونية تفوق قدرة غالبية المصريين. كما أن القانون يتحدث عن تعزيز قدرة هذه المؤسسات العلاجية  بتوفير مستشفيات إضافية ووحدات طبية بالإنشاء أو الشراء والتأجير، لكن ما تقوم به الحكومة عكس ذلك تماما؛ فهي تقوم ببيع الأصل ذاته ونزع ملكية الشعب له لمنحه لأحد رجال الأعمال وهو ما ينسف القانون الذي قامت عليه المؤسسات العلاجية نسفا تاما، ويناقض الفلسفة التي قامت على أساسها المؤسسات العلاجية. الملاحظة الخامسة، يدعي المتحدث باسم الوزارة أن هذه الشراكة (خصخصة المستشفيات) ستحقق فوائد عديدة سواء للدولة أو القطاع الخاص، لأن القطاع الخاص سيستغل المستشفى الموجود بالفعل ولن يتكلف مبالغ إضافية لإنشاء المستشفى أو استحداث الخدمات، كما أن خدمات هذه المستشفيات ستكون مفيدة للمواطنين الذين يرغبون في الاستفادة بخدمة علاجية اقتصادية مرتفعة نسبيا ولا يستطيعون تحمل تكاليف مستشفيات القطاع الخاص. لكن  هذه التصريحات متناقضة؛ لأن هذه الصروح الطبية تقدم بالفعل خدمة طبية متميزة تضاهي ما تقدمه كبرى مستشفيات القطاع الخاص والاستثماري، ولم يشك أحد من تدني الخدمة الطبية بها، بخلاف أنها  تؤدي هذه الرسالة من خلال مواردها الذاتية؛ لأنها حسب المتحدث باسم الوزارة ـ لا تتلقى أي دعم من الدولة؛ فلماذا يريد السيسي بيعها؟! ومع إحساس المتحدث باسم الوزارة بتناقض تصريحاته أمعن في هذا التناقض مدعيا أن هذه الخطة (الخصخصة) لا تعني بيع المستشفيات إلى القطاع الخاص، بل ستظل تابعة للدولة المصرية وتقدم خدماتها العلاجية للفئات المستهدفة من المواطنين بصورة طبيعية! الملاحظة السادسة، أن الوزارة التزمت الصمت حيال الانتقادات الموجهة لها وللحكومة كلها،  لكن إحدى الفضائيات التابعة للسلطة وصفت ذلك بالشائعة أطلقها  ما وصفته بــ«الإعلام المعادي»…

تابع القراءة
تصفية شركة "النصر لفحم  الكوك" .. دلالات وتداعيات على اقتصاد مصر

تصفية شركة “النصر لفحم الكوك” .. دلالات وتداعيات على اقتصاد مصر

في ظل انكسارات مصرية متتالية، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، قررت الجمعية العمومية لشركة  النصر لفحم الكوك، يوم 5 سبتمبر الجاري، تصفية الشركة وبيع نصيبها في شركة حلوان للأسمدة. وأنشئت “شركة الكوك” عام 1960، وبدأت إنتاجها عام 1964 ببطارية واحدة بعدد 50 فرناً، وبطاقة إنتاجية سنوية 328 ألف طن كوك تعديني، ثم أنشئت البطارية الثانية في عام 1974 بعدد 50 فرناً، بطاقة إنتاجية 328 ألف طن، والبطارية الثالثة عام 1979 بعدد 65 فرناً، بطاقة إنتاجية 560 ألف طن كوك، والبطارية الرابعة عام 1993 بعدد 65 فرناً بطاقة إنتاجية 560 ألف طن، لتصل الطاقة الإنتاجية للبطاريات الأربع إلى 1.6 مليون طن سنوياً. وتمتلك الشركة ثلاثة أرصفة: رصيفاً بميناء الإسكندرية خاصا بتصدير فحم الكوك إلى الخارج، وتفريغ الفحم الحجري، المادة الخام لفحم الكوك، بمعدل يومي حوالي 4000 طن، وبسعة 45 ألف طن. ورصيفا بميناء الدخيلة بالإسكندرية لتفريغ الفحم الحجري بمعدل يومي حوالي 3000 طن، بسعة 100 ألف طن. ورصيفا على النيل لاستقبال الصنادل (قوارب النقل النهري) لنقل الكوك والفحم الحجري، بمعدل شحن وتفريغ حوالي 4000 طن في اليوم. أولا: دلالات قرار التصفية: تواطؤ كامل لنظام السياسي: حيث مهد للتصفية رفض وزارة البيئة خلال الشهر الماضي منح الشركة قرار بالتوافق البيئي، بسبب زيادة الانبعاثات عن الحد المسموح به، وهو الأمر الناجم عن توقف مشروعات التطوير في الشركة منذ أكثر من عشر سنوات. وكانت وزارة البيئة خلالها تمنح الشركة قرارات مؤقتة بالتوافق البيئي، بدأت في تقصير مددها، حتى قررت منعها من استيراد الفحم، والسماح فقط باستمرارها في الإنتاج حتى نهاية مخزونها من الفحم، وهو ما حدث بالفعل في الرابع من أغسطس من العام الماضي، ومن حينها، يقوم العمل على بيع مخزون الشركة من الإنتاج فقط. وهو ما ححقق خسائر بالغة للشركة، يبدو أنها كانت مستهدفة من مستويات عليا بالدولة.. ويضاف لدور وزارة البيئة، تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات في 30-6-2022 حول وجود شك جوهري في مدى استمرارية شركة النصر لصناعة الكوك. وفي إطار المخطط الحكومي للتخلص من الشركة وعدم حل مشاكلها، ودعمها لتطوير أداءها الاقتصادي، جاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1308 لسنة 2020 بتشكيل لجنة لدراسة أسباب تعثر شركة النصر لصناعة الكوك والتي أوصت بالاستعانة باستشارى عالمي لإبداء الرأي في مدى جدوى استمرارية الشركة والاستثمار فيها، حيث استعانت الشركة القابضة بالاستشاري العالميDMT وانتهت دراسته بالتأكيد على إن التكاليف الاستثمارية لإنشاء عدد 2 بطارية لإنتاج 1.3 مليون طن من فحم الكوك تبلغ 644 مليون يورو، بخلاف الاستثمارات المطلوبة لتجديد معدات المناولة والغربلة والتي تقدر بمبلغ 100 مليون يورو أي بما يعادل إجمالي تكلفة استثمارية حوالى 15 مليار جنيه. وأشارت الدراسة إلى أن الاستثمار في إنشاء بطاريات تكويك الفحم الحجري لإنتاج فحم الكوك يرتبط بتواجد خطوط الإنتاج المتكاملة لإنتاج الصلب باستخدام تكنولوجيا الأفران العالية، حيث يمثل فحم الكوك ما يقرب من 47% من هيكل تكلفة انتاج الحديد. وكانت “الكوك” تعتمد في تصدير منتجاتها بشكل رئيسي، على جارتها شركة الحديد والصلب، التي تعتمد بشكل أساسي على منتجات الشركة، وخاصة: “فحم الكوك، في تشغيل وتدوير أفرانها، وهي الشركة التي قررت الحكومة تصفيتها في النصف الأول من 2021، وأصبحت شركة الكوك تواجه ذات المصير. -تخسير متعمد للشركة: ووفق شهادات عمالية عدة، فقد جرت خطة لتخسير للشركة، طوال السنوات الماضية، حيث جرى وقف كل مشروعات التطوير من قبل الشركة القابضة للصناعات المعدنية، حتى أن قرارًا بالتراجع عن أحد مشروعات التطوير أدى إلى غرامة على الشركة تقدر بـ50 مليون دولار.. وقبل شهور اطلع موظفو الشركة  على تقرير من رئيس مجلس إدارة الشركة يصر فيه على أنها لن تتمكن من العمل نهائيًا، والذي استندت إليه الشركة القابضة للصناعات المعدنية في الترويج لضرورة تصفية الشركة، الرأي الذي تبنته وزارة قطاع الأعمال، رغم محاولات المنع من قبل عمال الشركة.. إلى أن جاء قرار وزارة البيئة، ليتم وقف الترخيص بعمل المصنع.. -رابع شركة قومية تصفى منذ 2018: وتعد النصر للكوك، التي أسست في 1964، هي الشركة الحكومية الرابعة التي يتخذ قرارًا بتصفيتها منذ 2018، بعد شركات: القومية للأسمنت، والمصرية للملاحة، والحديد والصلب. وتعمل شركة النصر للكوك على تحويل الفحم الناعم لفحم الكوك، الذي يستخدم كأحد مدخلات الإنتاج في عدد من الصناعات، من ضمنها السكر والمنجنيز والمسبوكات المعدنية والصلب، وفضلًا عن ذلك، كان جانب من الإنتاج يوجه للتصدير، والذي أوقف قبل عدة أشهر بناءً على زيادة طلب الشركات المحلية التي أصبحت في حاجة ماسة لمنتجات الشركة بسبب نقص الفحم في الأسواق العالمية تأثرًا بالحرب الروسية. والغريب أن قرار التصفية، جاء بعد نحو 62 عاماً من تأسيسها، على الرغم من تحقيقها أرباحاً بقيمة 114 مليون جنيه من حجم مبيعات بلغ 613 مليون جنيه، وذلك خلال المدة من 1 يوليو 2021 وحتى 30 إبريل 2022. -قرار مشبوه يحمل خفايا بعد تحقيق الشركة أرباحا مالية: وقد جاء قرار وزير الاستثمار الجديد محمود عصمت -الذي وعد بالنظر في أمر الشركة- بالاغلاق، على الرغم من أنها حققت أرباحاً بلغت 114 مليون جنيه (نحو 6 ملايين دولار)، وفقاً للتقرير المالي للشركة خلال المدة من 1/7/2021 حتى 30/4/2022 في ظل الصعوبات التي تواجهها. بجانب، تسديد الشركة أكثر من 100 مليون جنيه مؤخراً لمصلحة الضرائب، مقابل ضريبة القيمة المضافة على منتجاتها المُباعة، ومما يفاقم أزمات الاقتصاد المصري، هو إصرار الحكومة على قرارات تصفية الشركات الإستراتيجية المهمة، باعتبارها أضرت بالاقتصاد المصري بالتزامن مع ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة. ولعل ما يؤكد شبهات كثيرة أثيرت بالفترة الأخيرة، حول قرار التصفية، علم الحكومة بمدى التأثير السلبي للاغلاق على العديد من الصناعات الاستراتيجية، إذ أن تصفية “شركة النصر لصناعة الكوك” سيؤثر سلباً على أكثر من صناعة تقوم على منتجاتها.. فقطاع النترات في الشركة كان ينتج (نترات 33) المستخدمة في “مصنع 18” للإنتاج الحربي، بحسب العقد المبرم بينهما بقيمة 100 مليون جنيه. كما تنتج الشركة ما بين 5 و 6 آلاف طن شهرياً من حامض النيتريك المخفف، الذي يستخدم في صناعات مختلفة، ويوزع على أكثر من 100 عميل، بالإضافة إلى إنتاجها محلول الأمونيا، الذي يدخل في العشرات من الصناعات القائمة. -صدمة مؤيدي السيسي من تصفية “الكوك: ولعل ما يؤكد الاستهجان العام على كافة الأصعدة من قرار تصفية الشرطة، هو إصابة المؤيدين للنظام بالصدمة، كما المعارضين. ورغم أن الشخصيات المحسوبة على نظام السيسي عُرفت بمساندتها الدائمة لقرارات النظام ومحاولة التبرير الدائم له، إلا أن قرار تصفية شركة الكوك مثل صدمة للجميع خصوصاً وأنها شركة رابحة. ومن هؤلاء، مصطفى بكري النائب والاعلامي المعروف بالتأييد المطلق للسيسي، إذ أعرب عن صدمته من قرار التصفية ونشر على صفحته في تويتر ” بعد ٦٢ عاما علي إنشائها قررت الجمعيه العموميه للشركه القابضه لصناعة الكوك تصفية شركة الكوك، لا أعرف علي أي أساس اتخذ قرار التصفيه،…

تابع القراءة
قناة السويس بين اختلاس الإيرادات ومخاطر الخصخصة

قناة السويس بين اختلاس الإيرادات ومخاطر الخصخصة

خلال احتفالية افتتاح القرية الأولمبية وتدشين وحدات بحرية جديدة لهيئة قناة السويس يوم الخميس 08 سبتمبر 2022م، أدلى الجنرال عبدالفتاح السيسي، بتصريحات حول قناة السويس (193 كم) اشتملت على المضامين الآتية: أولا، قناة السويس حققت إيرادات كبيرة رغم الركود الذي يشهده العالم وجائحة كورونا. وأن قناة السويس الجديدة ساهمت في زيادة دخل القناة وأعداد السفن العابرة للمجرى الملاحي للقناة، حيث قال نصا: «دخلنا من القناة كان 4.8 مليار أو 5 بالكتير قبل القناة الجديدة، النهاردة إحنا بنتكلم في 5.5 و6 و7 مليارات، ولسه». مدعيا أن هذا الدخل يتم استخدامه في تطوير قناة السويس. مضيفا أن إيرادات القناة فاقت تكلفة حفر قناة السويس الجديدة، لافتا إلى أن جدلا أثير حول جدوى المشروع وهل نحن بحاجة إلى ازدواج المجرى الملاحي للقناة، وتم تداول الكثير من الأحاديث للتشكيك في خطوات الدولة عندما تم إطلاق حفر قناة السويس الجديدة عام 2014 والتي افتتحت في أغسطس عام 2015 وتكلفة 68 مليار جنيه تم جمعها من اكتتابات المصريين. وأعلن أنه سيتم إنشاء ثلاثة موانئ لليخوت من إيرادات قناة السويس دون المساس بمخصصات الموازنة العامة للدولة. ثانيا، الشكوى من وجود حملات وصفها بالمغرضة تستهدف التشكيك في الإنجازات التي تم تحقيقها، منبها إلى أن المشككين يستهدفون إشاعة أجواء اليأس عند المصريين وتخويفهم وإضعافهم. ودعا السيسي جميع أجهزة الدولة إلى توضيح من وصفها بالحقائق لمواجهة حملات التشكيك المغرضة التي تستهدف جذب أنظار المصريين بعيدا عن الإنجازات والتشكيك في قدرات الدولة، قائلا: “يجب دحض أكاذيب المشككين بشأن الدولة والإنجازات والرد عليها بالحقائق”. ثالثا، التراجع عن تصريحات سابقة للسيسي كان قد كشف فيها أنه رفض دراسات الجدوى للمشروعات من أجل تنفيذ هذه المشروعات بأقصى سرعة وفي وقت قياسي؛ حيث  قال السيسي: “نحرص على أن نصارح المصريين بكل أمانة حيث يتم تنفيذ كافة المشروعات بناء على دراسات علمية دقيقة”، وقال نصا: «مصر ربحت في 4 أو 5 سنوات، أموالا أكبر بكثير مما أنفقته في توسعة قناة السويس، بقول الكلام ده لينا وللإعلاميين، في حد ممكن يعمل موضوع يشككم في إجراء، وكأن الدولة دي مبتفكرش ومبتدرسش وبتشتغل بشكل عشوائي، لأ طبعا».[[1]] فما حقيقة هذه الأرقام؟ وما حجم إيرادات القناة؟ وهل زادت إيراداتها بعد التفريعة؟ وأين تذهب هذه الإيرادات؟ وما حجم الفساد المنتشر داخل هيئة قناة السويس؟ ولماذا أنشأ النظام صندوقا فرعيا لإدارة ؟وهل يتجه السيسي نحو خصخصة القناة؟ ولماذا يشرع النظام في تداول شركات تابعة لهيئة قناة السويس في البورصة؟ وما مخاطر هذه الخطوة في سياق توسع النظام في سياسات الخصخصة وبيع أصول الدولة في ظل أزمته الاقتصادية والمالية الطاغية؟   إيرادات القناة قبل حفر التفريعة (35 كم) التي أطلق عليها النظام مجازا (قناة السويس الجديدة) بالغ الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس السابق، في تقدير المكاسب المتوقعة من القناة الجديدة، ووعد المصريين بالرفاهية والرخاء حتى وصل بالإيرادات المتوقعة  إلى 200 مليار دولار ثم تراجع إلى 100 مليار دولار، اتضح أن هذه التقديرات جزافية وكانت للاستهلاك الإعلامي والدعاية للمشروع الجديد بوصفه إنجازا عظيما للنظام العسكري بعد انقلاب يوليو 2013م، لاحقا وفي 2015م تحدث مميش عن تقديرات قال إنها بعد دراسات توقع خلالها أن يرتفع إيراد قناة السويس بعد القناة الجديدة إلى 8 مليارات دولار بعد سنتين فقط (2017)، ثم ترتفع الإيرادات إلى 13.4 مليار دولار  بحلول سنة 2023م.[[2]] لكن الأرقام الرسمية تكشف أن إيرادات القناة تراجعت بعد افتتاح التفريعة قبل أن ترتفع بشكل طفيف بداية من 2019م؛ فقد سجلت القناة إيرادات تصل  إلى 5.5 مليارات دولار في 2014 وهي السنة التي سبقت التفريعة وشهدت البدء في حفرها. وتراجعت الإيرادات في 2015 إلى 5.1 مليارات دولار، ثم تراجعت أيضا في 2016 لتصل إلى 5 مليارات دولار فقط. قبل أن تعاود الارتفاع الطفيف في 2017 لتصل إلى 5.2 مليارات دولار. وفي 2018 حققت 5.7 مليارات دولار. الانتقادات والضغوط التي تعرض لها النظام بإهدار 8 مليارات دولار على حفر التفريعة دون جدوى اقتصادي أو كما قالت وكالة “بلومبيرج” في تقرير لها (أغسطس 2015) إن مصر أهدرت 8 مليارات دولار على تفريعة لا يحتاج إليها العالم.[[3]] هذه الانتقادات دفعت السيسي في يونيو 2016 إلى الاعتراف بأن الهدف من التفريعة كان رفع الروح المعنوية للمصريين.[[4]] ومنذ 2019 بدأت ترتفع إيرادات القناة؛ حيث وصلت إلى 5.8 مليارات دولار، وفي 2020 حققت 5.6 مليارات دولار، وحققت في 2021  أعلى إيراد لها لتصل إلى 6.3 مليارات دولار.[[5]] (الجدول التالي يوضح إيرادات القناة خلال السنوات العشر الماضية وفقا للأرقام الرسمية) السنة الإيراد بالمليار دولار السنة الإيراد بالمليار دولار 2010 5.5 2017 5.2 2012 5.2 2018 5.7 2014 5.5 2019 5.9 2015 5.1 2020 5.6 2016 5 2021 6.3   ديون القناة الملاحظة الأولى أن الأرقام الرسمية تكشف أن الوعود التي قطعها النظام على نفسه والدراسات التي وعدت المصريين بالرخاء وارتفاع إيرادات القناة إلى 13.2 مليار دولار تبخرت، وباتت نسيا منسيا، وحتى الزيادات الطفيفة على الإيرادات تحققت بفعل ارتفاع أسعار النفط وزيادة معدلات التجارة العالمية عبر القناة، وهي الإيرادات ذاتها التي كان يمكن أن تتحقق بدون التفريعة الجديدة التي أهدر النظام عليها نحو  مليارات دولار بخلاف نحو 7.6 مليار جنيه سنويا لمدة خمس سنوات، دفعتها خزانة الدولة كفوائد على شهادات الـ64 مليار جنيه التي جمعها السيسي لحفر التفريعة، بما يعني نحو 40 مليار جنيه  أخرى. بل على العكس من ذلك تماما، فقد اضطر النظام بعد إهدار السيولة الدولارية على حفر التفريعة إلى اقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بعد 14 شهرا فقط من افتتاح التفريعة الجديدة، وتوسع السيسي في الاستدانة حتى وصلت الديون الخارجية إلى 158 مليار دولار في مارس 2022م وفقا لبيانات البنك المركزي المصري. الملاحظة الثانية، وهي الأكثر خطورة،  أن هيئة قناة السويس اقترضت هي الأخرى بدلا من تحقيق الرخاء المزعوم؛ وباتت القناة لأول مرة في التاريخ منذ افتتاحها سنة 1869م، عليها ديون لدرجة أنها عجزت عن السداد في بعض الأحيان واقترضت من البنوك وحتى من خزانة الدولة لسداد بعض اقساطها. وهذه المحطات تكشف عن هذه الحقائق المؤلمة بعيدا عن تصريحات وأرقام السيسي المفبركة والملعوب فيها.[[6]] في 2015م اقترضت الهيئة من 8 بنوك محلية مليار دولار لحفر مشروع التفريعة، ونحو 400 مليون دولار في 2017، بعضها لسداد حقوق الشركات الأجنبية والمحلية. في مايو 2016، طلبت القناة من بنوك محلية قرضا بقيمة 600 مليون يورو. وفي مايو/أيار 2018، طلبت الهيئة قرضا بـ400 مليون دولار من البنوك المحلية، لكنها في يونيو/حزيران 2018، طلبت 300 مليون يورو من بنوك خليجية لشراء حفارين من شركة هولندية، بعد تعثر طلبها لنفس الغرض من بنوك محلية في 2017. وزارة المالية المصرية، وإثر تعثر قناة السويس ثلاث مرات في تسديد قروض الحفر دفعت في…

تابع القراءة
تطبيع العلاقات المصرية القطرية.. قراءة في زيارة السيسي للدوحة

تطبيع العلاقات المصرية القطرية.. قراءة في زيارة السيسي للدوحة

تعتبر الزيارة التي قام بها الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى قطر واستغرقت يومين (الثلاثاء والأربعاء/ 13 و 14 سبتمبر 2022) هي الأولى من نوعها منذ انقلاب 03 يوليو 2013م، والذي أعقبه توتر العلاقات بين الدولتين؛ لأسباب عديدة أبرزها رفض قطر للانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي. وتأتي زيارة السيسي لقطر في ظل ظروف بالغة الصعوبة للنظام العسكري في مصر؛ حيث يعاني من أزمة مالية واقتصادية هائلة في أعقاب تفشي جائحة كورونا في 2020 ثم تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022م، وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وارتفاع معدلات التضخم؛ وهو ما أدى إلى رفع البنك المركزي الأمريكي الفائدة على الدولار؛ وهو القرار الذي أدى إلى مزيد من إضعاف العملة المصرية “الجنيه” أمام الدولار فارتفع سعر الدولار من 15.7 جنيها في مارس 2022 إلى 19.30 جنيها حاليا (سبتمبر 2022). الزيارة كذلك تأتي ردا على الزيارة التي قام بها  أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، للقاهرة في يونيو 2022 والتي استغرقت يومين جرى خلالها بحث تعزيز العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين، وتعهد قطر باستثمار  ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار في السوق المصري خلال المرحلة المقبلة. إزاء ذلك، كيف مرت العلاقات بين القاهرة والدوحة من التوتر في 2013 إلى التطبيع في 2022م ؟ و ما مغزى توقيت الزيارة؟  وما أهم الرسائل والدلالات منها؟  وما أهدافها؟ وما النتائج المتوقعة لها على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية؟ وهل يمكن أن يكون لهذه الزيارة تأثير فيما يتعلق بملف جماعة الإخوان المسلمين في ظل ما تردد خلال الفترة التي أعقبت دعوة السيسي إلى الحوار في 25 إبريل  2022  بشأن تواصل النظام بطرق غير مباشرة مع الجماعة للمشاركة في هذا الحوار؟     من التوتر إلى تطبيع العلاقات توترت العلاقات بين القاهرة والدوحة لعدة أسباب، أهمها التناول الإعلامي المهني والحيادي لقناة الجزيرة منذ إنشائها في غرة نوفمبر 1996م للشأن العربي، وهو التناول الذي كسر هيمنة النظم على تدفق المعلومات والأخبار؛ فلأول مرة يشاهد المواطن العربي تناولا إعلاميا مختلفا ومتنوعا يقدم الرأي والرأي الآخر؛ وهو ما أزعج الحكومات العربية بلا شك. تضاعف التوتر خلال مرحلة الربيع العربي والتناول الإعلامي لشبكة الجزيرة في تسليط الضوء على فعاليات هذه الثورات في الوقت الذي كان تسعى فيه النظم إلى التعتيم على فعاليات هذه الثورات؛ وهو ما أكسب الثورات تعاطفا شعبيا كاسحا. لكن السبب الأهم لتوتر العلاقات هو رفض الحكومة القطرية للانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو 2013م،  ورفض المحاكمات الصورية المسيسة لمرسي وأنصاره من جماعة الإخوان والحركات الإسلامية والثورية والزج بقطر في هذه المحاكمات (قضية التخابر مع قطر) ما يعني أن نظام 03 يوليو كان ينظر إلى الدوحة بوصفها تهديدا له. هذه المواقف في ملف السياسة الخارجية أدى إلى تصادم الدوحة مع نظم الاستبداد العربي (الإمارات ــ السعودية ــ مصر ــ سوريا ــ وغيرها)؛ نتيجة لذلك دوارها سحبت القاهرة سفيرها لدى الدوحة في مارس/آذار من عام 2014؛ للضغط على الدوحة من أجل الكف عن دعم الإخوان والحركات الإسلامية، والتوقف عن استضافة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على شبكة الجزيرة. بخلاف استضافة الدوحة لعدد من قيادات الجماعة وقيادة ثورة يناير. وسحبت قطر سفيرها لدى القاهرة للتشاور في 2015 بعدما اتهم مندوب مصر لدى الجامعة العربية دولة قطر بدعم الإرهاب. وصلت قمة الخلاف بين قطر ونظام السيسي حين قطع الأخير العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل منتصف عام 2017، وهو الإجراء نفسه الذي اتخذته الإمارات والسعودية والبحرين، كما أغلقت الأجواء البرية والبحرية والجوية أمام قطر. وقدمت الدول الأربع إلى قطر 13 مطلبا كشرط لإنهاء الحصار، وشملت المطالب إغلاق قناة الجزيرة وغيرها من المنافذ الإخبارية التي تمولها قطر، وخفض العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر، وإنهاء “التدخل” في شؤون الدول الأخرى. ورفضت قطر الانصياع لتلك المطالب، قائلة إنها لن توافق على “التنازل” عن سيادتها وأن “الحصار” من قبل جيرانها ينتهك القانون الدولي. وفي ذات السنة (سبتمبر 2017م)، قضت محكمة النقض بتأييد أحكام بإعدام ثلاثة متهمين في قضية «التخابر مع قطر»، وأيدت «النقض» حكمًا سابقًا بحبس الرئيس محمد مرسي بالسجن المؤبد (25 عامًا) في «التخابر مع قطر»، وقامت بإلغاء حكم آخر بحبسه لمدة 15 عامًا بتهمة اختلاس أوراق رسمية كانت موجهة للرئاسة من جانب أجهزة الدولة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق للبلاد. وطالبت المحكمة، التي تصدر أحكامًا نهائية، باتة النائب العام باتخاذ الخطوات القانونية بالتحقيق والتصرف في الأفعال المنسوبة لرئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم، وتغطية قناة الجزيرة التابعة لحكومته للشأن المصري؛ فضلًا عن «التصرف في وثائق دولة أجنبية، والمساس بالأمن القومي المصري، والإضرار بمصلحة البلاد القومية، وبمركزها الحربي، والسياسي، والدبلوماسي، والاقتصادي، وإعطاء مبالغ مالية كرشوة بقصد ارتكاب عمل ضار بالمصلحة القومية للبلاد».[[1]] وبقيت العلاقات أثناء فترة الحصار متوترة (2017 ــ يناير 2021)، حيث انعقدت في محافظة العلا بالسعودية، أعمال القمة الخليجية الحادية والأربعين بحضور أمير قطر بعد وساطة كويتية ناجحة، حيث استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان  الأمير تميم بعناق حار، وشارك عن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري. وهي القمة التي أنهت فعليا الحصار والمقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر. واللافت أنها تزامنت مع هزيمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف والذي كانت تراهن عليه دول الحصار، وفوز المرشح الديمقراطي جوبايدن، الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية. وفي اليوم ذاته من توقيع اتفاق العلا، طار وزير المالية القطري، علي العمادي، إلى القاهرة عبر الأجواء السعودية في طائرة خاصة ليشارك في افتتاح أحد الفنادق القطرية المطلة على النيل.  وتصافح السيسي وتميم بحرارة خلال قمة المناخ التي جرت في جلاسكو في نوفمبر 2021م. وكانت لجنة المتابعة القطرية المصرية قد عقدت اجتماعها السابع بالدوحة في سبتمبر/ أيلول 2021، كما عقدت اللجنة القانونية القطرية المصرية اجتماعها السادس يومي 13 و14 سبتمبر من العام ذاته بالدوحة، ونتج عن هذه الاجتماعات التوصل إلى اتفاق بشأن العديد من المسائل المعروضة على جداول أعمال اللجان، والتوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية لتعزيز التعاون والتنسيق بين الجهات المختصة. وفي 29 مارس 2022، التقى في القاهرة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بدولة قطر، إذ تباحثا في مجموعة من الاستثمارات القطرية والشراكات التي ستضخها الدوحة في الاقتصاد المصري بإجمالي يصل إلى خمسة مليارات دولار.  وبمناسبة حلول شهر رمضان وجه السيسي، التهنئة لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وفي 24 يونيو 2022، زار الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني القاهرة ، وهي الزيارة التي استغرقت يومين عقد خلالها مباحثات مع السيسي تناولت الملفات السياسية والاقتصادية.[[2]] وبعد زيارة الأمير القطري للقاهرة بيومين أعن وزير المالية محمد معيط أن الاستثمارات القطرية…

تابع القراءة
القمة الـ22 لمنظمة شنغهاي .. صعوبات أمام "التعددية القطبية"

القمة الـ 22 لمنظمة شنغهاي .. صعوبات أمام “التعددية القطبية”

منذ انطلاقتها, يومي الخميس والجمعة 15-16سبتمبر الجاري، سعت قمة منظمة شنغهاي للتعاون الدولي، في دورتها الـ22، للتأكيد على خلق مراكز قوى ونقوذ وتأثير دولي، بعيدا عن الغرب والاحادية القطبية التي تقودها أمريكا في العلاقات الدولية،  كما سعت القمة لتطوير علاقاتها التجارية بين دولها كسبيل للدفع نحو استقلالية سياسية واقتصادية، بمواجهة الضغوطات الدولية، وبما يحقق مصالح تلك الدول، التي يجمع بين أغلبها مواقف سلبية مع الغرب وأمريكا، سواء أكانت الصين التي تتعاظم أزماتها مع واشنطن على الصعيد التجاري الدولي، وأيضا على صعيد تايوان، وكذا روسيا التي تتحارب مع واشنطن والغرب بشكل غير مباشر في أوكرانيا، وأيضا ايران التي تناور الغرب وواشنطن للعودة للاتفاق النووي  الموقع في 2015، وايضا تركيا التي تسعى لتنويع علاقاتها في ظل التعنت الغربي والأمريكي في العديد من القضايا والأزمات ، سواء مع اليونان أو سوريا وغيرها  من الملفات في اسيا الوسطى.. أولا: فعاليات ومؤشرات القمة: -مشاركة متنوعة ومزازييك سياسي: وحظيت قمة سمرقند بحضور واسع، من قادة الدول في ظل توقيت دولي صعب..وشارك في قمة  سمرقند، الرئيس الصيني شي جين بينغ -وهي أول رحلة خارجية له منذ يناير 2020 مع بداية جائحة كورونا- إضافة إلى الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي، إلى جانب رئيسي الوزراء الباكستاني شهباز شريف والهندي ناريندرا مودي. كما شارك قادة دول كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.. وتضم المنظمة -التي تأسست في يونيو 2001- 8 دول، هي: روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وباكستان والهند وأوزبكستان، بينما نالت تركيا صفة “شريك محاور” ضمن المنظمة عام 2012. وتأسست المنظمة في يونيو 2001 على أساس “خماسي شنغهاي”، الذي تشكّل في عام 1996، وكان معنياً بحلّ الخلافات الحدودية بين الصين ودول الاتحاد السوفييتي السابق. والأعضاء المؤسسون للمنظمة هم الصين وروسيا وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان وأوزبكستان، التي كانت أحدث المنضمين لـ”الخماسي”. وفي عام 2017 انضمت الهند وباكستان رسمياً لتصبحا عضوين دائمين، وفي القمة الأخيرة في سبتمبر 2021 تم الإعلان عن بدء إجراءات منح إيران العضوية الدائمة، بعد 16 عاماً من طلبها الرسمي الانضمام ويفترض أن تنتهي خلال القمة وهناك ثلاثة أعضاء مراقبين، وهم أفغانستان ومنغوليا وبيلاروسيا، التي تقدمت في منتصف يوليوالماضي بطلب نيل العضوية الكاملة. وتم ضم قطر والسعودية ومصر بصفة “شريك حوار” في قمة 2021، ليرتفع عدد الدول بهذه الصفة إلى تسع دول هي أرمينيا وأذربيجان وتركيا وسريلانكا وكمبوديا ونيبال، إضافة إلى الدول الثلاث المذكورة سابقاً. ويتجاوز عدد سكان بلدان المنظمة 60% من سكان العالم، وتستحوذ على أكثر من 30 % من الاقتصاد العالمي، ومساحتها نحو 60 % من مساحة أوراسيا (آسيا وأوروبا)، وتضمّ أربع دول ضمن النادي النووي، وهي روسيا والصين والهند وباكستان. -بيان سمرقند: واختتم قادة منظمة شنغهاي للتعاون الجمعة 16 سبتمبر الجاري، أعمال قمتهم المنعقدة في مدينة سمرقند في أوزبكستان، والتي دعت لمواصلة العمل لمكافحة الإرهاب، مؤكدين رفضهم القيود التي تهدد الاقتصاد الدولي. ودان “بيان سمرقند” ما سموه الأعمال الإرهابية في جميع أنحاء العالم..الا ان القمة ساوت بين الأعمال الاتفصالية والحركات العرقية بالارهاب، وهو ما يمثل خطورة حاسمة على الأقليات الاسلامية في تلك المنطقة، خاصة في ضوء ما يعانيه  مسلمو الايجور في الصين من اضطهاد واقصاء، وهو الأمر الذي يتكرر مع مسلمي مانيمار وفي كشمير والهند وغيرها.. وشدد البيان على أن دول المنظمة تعارض الإجراءات والقيود التي تهدد الاقتصاد العالمي، وتعمل على تعزيز نظام تجاري متعدد الأطراف قائم على مبادئ وقواعد منظمة التجارة العالمية. داعيا إلى تسوية في أفغانستان من شأنها أن تسهم في تعزيز الأمن في منطقة منظمة شنغهاي للتعاون. وتم الاتفاق في نهاية القمة على أن ‎الهند ستتولى الرئاسة الدورية لمنظمة شنغهاي للتعاون في دورتها 2022-2023. وأعلن قادة المنظمة عام 2023 عامًا للسياحة، واتفقوا على تشكيل مجموعات عمل حول الشركات الناشئة والابتكارات، ومكافحة الفقر والطب التقليدى، ووافقوا على بند اللقب الفخرى لسفير منظمة شنغهاى للتعاون للنوايا الحسنة. ودعت القمة إلى الامتثال لاتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها. وأكدت الدول الأعضاء أهمية تنفيذ خطة العمل الخاصة ببرنامج إيران النووى، كما عارضت استخدام قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى الأعمال العسكرية، ودعمت إطلاق اتفاقية دولية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية. كما ناقشت القمة اعتماد أكثر من 20 وثيقة، من ضمنها الخطة الخمسية الشاملة المقبلة لتنفيذ أحكام معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون على المدى الطويل لفترة (2023 ـ 2027)، بالإضافة إلى وضع “خريطة طريق لزيادة تدريجية في حصة العملات الوطنية في التسويات المتبادلة. -تصريحات كاشفة: وقد شهدت القمة العديد من التصريحات السيسية المهمة والمعبرة عن طبيعة المخاوف والطموحات والتخديات التي تواجه المنظمة. ولمغازلة دول العالم النامي، وتحميل الغرب مسئولية الأزمة الغذائية العالمية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده على استعداد للعمل من أجل حل كثير من المشاكل في العالم؛ وأهمها الطاقة والغذاء، وأنها على استعداد لتقديم مئات آلاف الأطنان من الأسمدة الروسية للدول النامية. إذ تتكدس في عدد من الموانئ الأوربية أكثر من 300 ألف طن من الاسمدة، اثر الحظر الأوربي والأمريكي المفروض على موسكو. مشيرا إلى أن أوروبا رفعت “جزئيا” فقط العقوبات التي تقول بلاده إنها تعوق قدرتها على بيع الأسمدة وإرسالها للعالم، مرحبا بقرار الاتحاد الأوروبي تخفيف بعض العقوبات اللوجستية على الصادرات الروسية، لكنه اتهم التكتل بالتصرف “بأنانية” حين رفع العقوبات من أجل دوله الأعضاء فقط. وذكر بوتين في القمة “يمكنهم وحدهم شراء أسمدتنا، لكن ماذا عن العالم النامي والدول الأشد فقرا في العالم”. وتم السماح بوصول الأسمدة الروسية للأسواق العالمية بموجب اتفاق أُبرم مع أوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، في يوليو ، لشحن الحبوب عبر البحر الأسود. وخلال اجتماعه مع الرئيس التركي رردوغان، قال بوتين إنه سيتم دفع مقابل 25% من إمدادات الغاز الروسي إلى تركيا بالروبل، وإن اتفاقا بهذا الشأن سيدخل حيز التنفيذ قريبا. وأيضا ، ثمن بوتين  “الدور المتعاظم لمراكز النفوذ الجديدة الذي يتضح بشكل متزايد، مشددا على أن التعاون بين بلدان منظمة شنغهاي خلافا للدول الغربية يستند إلى مبادئ “مجردة من أي أنانية”. “سياستنا مجردة من أي أنانية.. نأمل أن يدير الآخرون سياستهم استنادا إلى المبادئ نفسها” في إشارة واضحة إلى الدول الغربية. بدوره، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال لقائه بنظيره الروسي -على هامش القمة – للتذكير بتحدي العقوبات الأميركية المفروضة على بلاده. مؤكدا إن إبطال العقوبات الأميركية يتطلب حلولا جديدة، وإن منظمة شنغهاي يمكن أن تتحدى النزعة الأحادية لواشنطن، مطالبا بالتوسع في التجارة الحرة بين الدول الأعضاء بالمنظمة، إلى جانب التعاون المالي والمصرفي. وعقد الرئيسان الروسي والصيني بوتين وشي، الخميس 15 سبتمبر، أول محادثات مباشرة بينهما منذ أرسلت روسيا قواتها إلى أوكرانيا في فبراير الماضي. ورأى الكرملين أن القمة بديل عن “المنظمات المتمركزة حول الغرب”، في…

تابع القراءة
الصراع على الأرض بين الدولة والمجتمع .. جزيرة الوراق نموذج

الصراع على الأرض بين الدولة والمجتمع .. جزيرة الوراق نموذج

يبدو في كثير من الأحيان، أن النظام القائم في مصر منذ الثالث من يوليو 2013، جعل من “الحيلولة دون تكرار مشهد الثورة” هدف أساسي ورئيسي لسياساته، وأن الهاجس الذي يحكم ممارساته، هو كيف يجعل مما حدث في الخامس والعشرين من يناير 2011 ماضي بعيد احتمال تكراره تكاد تكون مستحيلة؛ وقد عمل النظام على تحقيق ذلك عبر أربعة مسارات؛ الأول: تعزيز حضور المؤسسة العسكرية في سائر التفاعلات العامة، اقتصادية، سياسية، أمنية، صحفية وإعلامية، تعليمية، صحية؛ في هذا السياق نستطيع أن نفهم سر تمدد العسكريين غير المسبوق في كل المساحات، حتى في الشوارع، سواء تواجدهم لحفظ الأمن، أو تواجدهم لممارسة النشاط التجاري من خلال منافذ البيع التابعة للقوات المسلحة. ولعل أحدى دوافع هذا الحضور هو الحيلولة دون ترك الأمن للمؤسسة الشرطية بعد إخفاقها في يناير 2011. المسار الثاني: إنهاك المجتمع بصورة تحول دون مراكمة القوى الاجتماعية أو السياسية المعارضة لأية رساميل مادية أو رمزية قد تدفعهم تالياً للعمل على تغيير الوضع القائم أو الخروج على السلطة. إنهاك اقتصادي عبر سياسات الجباية والابتزاز والتقشف، وإنهاك سياسي عبر سياسات العسكرة والتأميم والاقصاء والتصفية الكاملة، وإنهاك عقلي ونفسي عبر إلهائهم بالصراعات الهامشية وبالاستقطاب بين قوى المجتمع نفسه، ومع فشل السلطة الحقيقي في المجال الاقتصادي تزداد مستويات الانهاك بشكل غير محتمل. المسار الثالث: إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية للقاهرة؛ من خلال تهجير المجموعات السكانية المقيمة بالمناطق الشعبية والعشوائية المكتظة في قلب العاصمة، والتي تعمل عادة كمخزون بشري يمد الشارع الثوري بالكوادر الثورية اللازمة لاستمرار عمليات الاحتجاج، وإعادة تسكينهم في هوامش القاهرة وضواحيها. المسار الرابع: إنشاء عاصمة إدارية بعيداً عن القاهرة كلها، ومحمية بأسوار ونظم رقابة صارمة، ويقع فيها المقر الرئيسي للمؤسسة العسكرية “الأوكتاغون”، وتم اصطفاء سكانها من بين المجموعات الأعلى ثروة في المجتمع، لضمان ولائها الدائم والمستمر للنظام القائم. في هذا السياق يمكن تسكين سياسات النظام المتعلقة: (1) توسيع الطرق القائمة وشق طرق جديدة على حساب المواطنين ومساكنهم دون أي تعويض حقيقي، ودون تفكير في بدائل تحفظ للمواطنين حقوقهم واستقرارهم. (2) قوانين مخالفات البناء والتعدي على أملاك الدولة، وما أسفر عنه من هدم منازل المواطنين المخالفة –من وجهة نظر السلطة- التي بنيت بعد 2017 أياً كان وضعها، أو التصالح في المباني المخالفة بأثر رجعي من 2017 وحتى 2008؛ وهو العام الذي صدر فيه قانون البناء الموحد رقم 119، مقابل مبالغ ليس في وسعهم سدادها. (3) هدم المنازل وتهجير أصحابها لأغراض أمنية، كما يحدث في سيناء جراء محاولات الحكومة القضاء على التنظيمات المسلحة هناك. (4) تهجير المواطنين وهدم منازلهم بغرض خصخصتها لصالح مشروعات استثمارية، كما يحدث مع سكان مناطق شعبية والعشوائيات في القاهرة. تفترض الورقة أن النظام يستهدف تبديد أية رساميل يملكها المجتمع، والاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه منها؛ وذلك بهدف إخضاعهم وكسر روح المقاومة فيهم، وإعادة توزيع الثروة في مصر، بصورة تحرم الفئات المناهضة والمهمشة –باعتبار هذه الفئات المهمشة خارج التاريخ-، وتحابي المقربين وشبكات الزبونية المتحلقة حول السلطة. وأن التوسع في الاقتراض، وما فرضه مقرضي صندوق النقد من شروط متعلقة بالخصخصة والتقشف، سرع فقط من عملية تبديد رساميل المجتمع وافقار المواطنين. في هذا السياق نستطيع فهم وتفسير ما يحدث في جزيرة الوراق.   تاريخ محاولات الدولة الاستيلاء على ملكيات السكان في الوراق: كانت البداية مع رغبة نظام مبارك في بيع الجزيرة لرجال أعمال لتحويلها إلى منتجعات، في هذا السياق صدر قرار رئيس مجلس الوزراء حينها، عاطف عبيد، في 2002، باعتبار جزيرة الوراق أرض منافع عامة، ومع لجوء أهالي الجزيرة للقضاء، حصل الأهالي على حكم قضائي من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء قرار الحكومة وتأكيد أحقيتهم في أراضيهم. إلا أن الحكومة أعادت محاولة الاستيلاء على الجزيرة في 2010، في عهد حكومة نظيف، والتي قررت وضع خطة لتطوير الجزيرة، ما أسفر عن تجدد الصراع بين الحكومة وأهالي الجزيرة، ومع اندلاع أحداث ثورة يناير أجهضت محاولات الحكومة تلك[1]. بعد 2013، وفي ضوء ما تم ذكره في المقدمة، تجددت رغبة الحكومة في الاستيلاء على الجزيرة، وفي 2017، خلال مؤتمر بعنوان “إزالة التعديات على أملاك الدولة”، صرح السيسي قائلا “هناك جزر موجودة في النيل هذه الجزر طبقا للقانون المفروض مكنش يبقى حد موجود عليها، وبعدين ألاقي مثلا جزيرة موجودة في وسط النيل مساحتها أكتر من 1250 فدانا ومش هذكر اسمها، وابتدت العشوائيات تظهر جواها والناس تبني وضع يد”، ليأمر المسؤولين: “لو سمحتم، الجزر اللي موجودة دي تاخد أولوية في التعامل معها”[2]، بعدها بقليل، وفي تصريح للسيسي خلال مؤتمر «اِسأل الرئيس»، في محافظة الإسكندرية، في يوليو 2017، جاء فيه «إحنا بنتكلم عن 1400 فدان لو اتبنوا بشكل عشوائي.. قولوا ليَّ الصرف بتاعهم حيبقى فين؟ صرفهم فين؟ في النيل. وبعد كده تقولي تعال شوف ولادنا بيجلهم أمراض في الكلى والكبد نتيجة التلوث العالي في الميّه.. ولازم نعمل محطات معالجة، ومحطات صرف عشان نحل المسألة. بالمناسبة الوراق كجزيرة أكبر من الزمالك في أرضها.. شوفوا لمّا اتخططت الأرض دي واتعملت بقت الزمالك، ولمّا مَتتخطتش»[3]. لتعود عجلة الدولة للدوران في محاولة جديدة للاستيلاء على الجزيرة وتهجير أهلها، (1) بعد شهر واحد من كلمة تصريحات الرئيس عن ضرورة “إزالة التعديات على أملاك الدولة”، داهمت قوات من «الداخلية» مع مسؤولين من وزارات الأوقاف والري والزراعة، الجزيرة لتنفيذ قرارات إزالة لنحو 700 منزل في الجزيرة، وهو ما تطور إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل أحد مواطني الوراق، وإصابة العشرات من أفراد الشرطة[4]. (2) كما صدر قرار رئيس الوزراء  باستبعاد 17 جزيرة من قرار المحميات الطبيعية[5]، جميعها جزر معمورة في نيل القاهرة الكبرى، وتحديداً في القاهرة والجيزة، منها جزر: القرصاية والوراق والدهب، وتحويل الوراق إلى منطقة استثمارية[6]. (3) بعدها بعام واحد، في أبريل 2018، قرر مجلس الوزراء المصري نقل تبعية الجزيرة إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (الحكومية) تمهيدًا للبدء في تنفيذ مخطط لتنميتها وتطويرها بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة[7]، وتضمن إنشاء مجتمع عمراني جديد عليها[8]. خلال هذه الفترة وما بعدها، أي منذ كلمة السيسي في 2017، شهدت جزيرة الوراق صدامات عنيفة ومستمرة بين أهالي جزيرة الوراق –وسط القاهرة- وقوات الشرطة كان آخرها في أغسطس الماضي[9]؛ على خلفية تَواصل محاولات الإخلاء القسري لسكان الجزيرة، تمهيداً لتحويلها إلى منطقة سياحية تضمّ أبراجاً حديثة وتقدّم خدمات ترفيهية، ولتصبح مدينة حورس بدلاً من الوراق[10]. لم يتوقف الأمر عند حدود الصدام بين قوات الأمن وأهالي الجزيرة، وإنما لجأت الحكومة في سبيل ابتزازها للسكان إلى: (1) إغلاق المعديات الرئيسية التي تربط الجزيرة بما حولها؛ فأصبح الدخول والخروج من الجزيرة أمراً صعباً للغاية، إذ أغلقت قوات الأمن معدية السني، ومعدية شبرا الخيمة، بعد أيام من إغلاق معدية الجزارين. (2) في وقت سابق هدمت قوات الأمن الوحدة الصحية المقامة بالجزيرة، ومكتب البريد، والجمعية الزراعية، والوحدة البيطرية، ومركز الشباب…

تابع القراءة
الصراع على الشارع والتصالح مع الإخوان .. قراءة في تصريحات السيسي

الصراع على الشارع والتصالح مع الإخوان .. قراءة في تصريحات السيسي

تبقى تصريحات السيسي، وخطاباته، وبياناته، مصدر هام للتعرف على رؤية القائمين على الحكم لما يجري، وموقفهم من الوقائع والفاعلين في مصر، وفي بعض الأحيان في الإقليم والعالم. فالتوجهات السياسية للفاعلين السياسيين ليست مجرد ردود فعل شرطية على تطورات الأوضاع، إنما خلفيات الفاعلين، وطبيعة شخصياتهم، تعد محددات هامة لسلوكياتهم وممارساتهم؛ فالسلوك الإنساني ليس مجرد انكاس للبيئة المحيطة، والفعل الإنساني ليس نتاج تفكير عقلاني فقط؛ فالإنسان ليس عقلا، بالتالي فالتعرف على الأوضاع القائمة في مصر ليس كافياً لنعرف كيف سيتعامل القائمون على الحكم مع هذه الأوضاع، إنما يجب أن نعرف طريقة نظرهم للأمور؛ وتحقيق ذلك يكون من خلال مراقبة سياساتهم وخطاباتهم أيضاُ؛ من هنا يكتسب تحليل خطابات السيسي وتصريحاته أهميته. ومما يضاعف من أهمية هذا التحليل؛ أن خطابات السيسي في العادة تأتي عفوية بدون أعداد مسبق؛ ما يجعلها كاشفة عما يضمر بدون تجميل أو رتوش، ويجعلها كذلك محملة بهموم اللحظة التي جاء خلالها التصريح أو الكلمة. في ضوء هذه المقدمات سنحاول الوقوف على الأفكار الرئيسية التي تضمنتها كلمة السيسي خلال حفل افتتاح القرية الأولمبية لهيئة قناة السويس، في الثامن من سبتمبر الجاري.   الفكرة الأولى: التشكيك في سياسات الحكومة وعقل الدولة خطاب متحيز: بدأ السيسي كلمته بالحديث عن حالة التشكيك المستمرة في جدوى المشروعات التي تدشنها الحكومة، مذكراً في هذا الإطار بحملات التشكيك الذي أثيرت حول مشروع حفر قناة جديدة –تفريعة- في السويس، والتي افتتحت في 6 أغسطس 2015، واعتمدت الحكومة في تمويلها على الاقتراض وعبر طرح شهادات استثمار على المصريين، وكأنه يؤرخ لعمليات التشكيك في سياسات الحكومة، وفي نفس الوقت يذكر مؤيديه بأن هذه الحملات قديمة قدم وجوده في السلطة[1]. ويبدو أن استحضار السيسي لخطاب التشكيك في جدوى حفر تفريعة جديدة لقناة السويس، لم يكن فقط بغرض التذكير، إنما للرد على هذا الخطاب، فيؤكد أن إيرادات القناة قد ارتفعت بعد هذا المشروع، وأن التكلفة التي أنفقت في حفر القناة الجديدة عوضتها إيرادات القناة خلال السنوات الماضية. يثير السيسي في كلمته مسألة أخرى، وهي التشكيك في عقل الدولة، فيقول “حد يروح يطلق موضوع يشككم في إجراء وكأن الدولة دي، الدولة دي ما بتفكرش وما بتدرسش وبتشتغل بشكل عشوائي، وأكنها مش عارفة حاجة في الدنيا، وهم اللي عارفين.. لا طبعًا!”، ثم يعود السيسي للتأكيد على العقل الرشيد للدولة، وأن هناك دراسات جادة وتفكير عميق يسبق أي مشروع، فيقول “أي حاجة بتتعمل، بتتعمل بدراسات، بتتعمل، هه، مش.. مش إحنا قاعدين ناس قاعدة مع بعضها كدا في.. لا، دي مكاتب عالمية و.. ولا أنا بقول كلام..؟”، ثم يعود للمسألة نفسها فيضيف “كل شيء بيتدرس علشان ناخد قرار نصرف على مقتضاه مليارات الجنيهات والدولارات عشان حاجة زي كدا”. لكن ما تغافل عنه السيسي أن السيسي نفسه هو الذي فتح المجال للتشكيك في عقل الدولة عندما صرح قائلاً “وفق تقديري إن في مصر لو مشيت بدراسات الجدوى وجعلتها العامل الحاسم في حل المسائل كنا هنحقق 20-25% فقط مما حققناه، وده مش معناه إن المسار العلمي يتم إغفاله[2]“. فالسيسي خلال هذه التصريحات يعرب عن قناعتين لديه؛ الأولى: أن هذا الخطاب المشكك في جدوى سياسات الحكومة، والمستريب في عقل الدولة، هو خطاب قديم قدم وجوده في السلطة، كأنه يشير إلى أن هذا الخطاب التشكيكي يستهدفه هو في المقام الأول. الثانية: أن هذا الخطاب متحيز بالضرورة وغير منصف، فظهور هذا الخطاب المتشكك واكب وصوله للسلطة، وظل مستمر طوال هذه السنوات؛ فهو خطاب يعارض النظام القائم تحت حكمه من حيث المبدأ. والنتيجة النهائية أن هناك عداء من حيث المبدأ بين نظام السيسي وبين الخطاب المتشكك في عقل هذا النظام وسياساته.   الثانية: أن حملات التشكيك هي معركة على الشارع بين النظام والخارجين عليه: هذه الفكرة لدى السيسي مؤسسة على الفكرة السابقة؛ فبما أن الخطاب المشكك في سياسات الحكومة وجدواها وفي عقل الدولة ككل هو خطاب قديم قدم وصول السيسي للسلطة، ما يعني أنه خطاب خارج على النظام الحالي من حيث المبدأ، ولم يؤسس مواقفه من النظام وسياساته على أسس محايدة وموضوعية، بالتالي فإن مواجهة هذا الخطاب لا يكون بمراجعة السياسات أو بنقد عقل الدولة، إنما من خلال خطاب مضاد يواجه الخطاب المشكك ويكشف تحيزاته وعدائه المبدئي للنظام القائم. وفي هذا السياق يقول “لكن اللي إحنا يهمنا وإحنا بنشرح الموضوع، نتكلم على الحالة اللي بتتعمل معاكو يا مصريين. هم دايمًا واخدينكو في حتة، وإحنا باين علينا مش عارفين ندافع عن نفسينا كويس”، فهو هنا يشكك في قدرة الإعلام المؤيد على الدفاع عن الحكومة وسياساتها، ولاحقاً ينتقد طريقة الإعلام المؤيد في الرد على الانتقادات المثارة حول سياسات الحكومة وجدواها، ويدعوا هذا الإعلام إلى استعراض “الشبهات” والانتقادات المثارة حول سياسات الحكومة وتوجهاتها، ثم الرد التفصيلي الواضح عليها. فهو هنا يعيد تعريف العلاقة التي تربطه بالخطاب الناقد لسياسات الحكومة والمشكك في عقل الدولة؛ فهي ليست علاقة بين حكومة  تتبنى سياسات متحيزة ضد المواطن، ومواطن يشعر بالسخط على الحكومة وسياساتها، ويعبر عن سخطه من خلال هذا الخطاب الناقد والمشكك، إنما هي علاقة بين حكومة رشيدة لا تدخر جهداً في خدمة مواطنيها، وبين خطاب مجموعات خارجة على النظام منذ البداية وتجعل من التشكيك سلاح في معركتها المصيرية ضد هذا النظام. بعدها يشير السيسي في كلمته، إلى أن المستهدف من هذا التشكيك والنقد لسياسات الحكومة، هو المواطن البسيط، والغرض “إن هو يأسوه، يخوفوه، يضعفوه”. كأن السيسي يقول أن هذا الخطاب الناقد والمشكك لا يستهدف ترشيد سياسات الحكومة أو لا يرغب في تطوير وتحسين أدائها، إنما الهدف الحقيقي للخطاب المشكك والنقدي هو استدراج واستقطاب المواطن العادي، وخلق عداء بين المواطن وحكومته، فالخلاف بين النظام والخطاب والناقد والمشكك ليس خلافاً على السياسات وإنما هو تنافس على المواطنين وعلى الرأي العام.   الثالثة: استراتيجية الحكومة في الرد على الخطاب المشكك الذي يقوده الإخوان: بعد كلام كثير عن إنجازات الدولة في الاقتصاد وفي مشروعات البنية التحتية، وعن حرص الحكومة على توفير السلع والخدمات للمواطنين بأسعار في متناول اليد، وأرخص من الأسعار العالمية، وعلى وجود احتياطي من السلع الأساسية يغطي 6 أشهر؛ لطمأنة المواطن، ولتخفيف الضغط على الأسواق والأسعار، وحتى لا تنعكس الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الخارج على مواطنينا، وعن اجراءات الحماية الاجتماعية التي اتخذتها الحكومة، والمبادرات المتعلقة بتوفير السلع للمواطنين بأسعار في متناول اليد، وبعد تشديد على أن ارتفاع أسعار السلع وعدم توافرها هي أزمة عالمية، وتأثيراتها تطال كل دول العالم. يعود السيسي مجدداً للحديث عن التشكيك، ليذكر هذه المرة أن هناك علاقة طردية بين حدة النقد لسياسات الحكومة وبين إنجازاتها؛ فكلما أرتفع منسوب الإنجاز زادت معدلات النقد والتشكيك!! وفي الحقيقة قد يبدو هذا الموقف غريب في ظاهره؛ فمن المفترض أن مستوى الرضا الشعبي ومدى تأييد الرأي العام للحكومة وسياساتها هو…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022