توتر العلاقات المصرية – الإسرائيلية: خلفياتها ومداها
أقر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في 22 أغسطس الحالي، بوجود أزمة في العلاقة مع مصر على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. وفي محاولة لتدارك هذه الأزمة، فقد قام رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار بزيارة للقاهرة واجتمع برئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل، وسبق ذلك زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حالوتا، وذلك بعد إلغاء زيارة رئيس المخابرات المصرية كامل لتل أبيب[1]. وعليه تسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي أسباب التوتر في العلاقات بين الدولتين، وما إذا كان هذا التوتر يمثل أزمة عابرة أم ممتدة. أولًا: خلفيات وأسباب التوتر في العلاقات بين الدولتين: تركزت أبرز أسباب التوتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل في: 1- سلسلة الاستفزازات الإسرائيلية لمصر في أعقاب جولة القتال الأخيرة في غزة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامية في الفترة من 5 إلي 7 أغسطس الجاري؛ أبرزها تجاهل جهود الوساطة المصرية والتقدم الحاصل فيها قبل ساعات من اغتيال القيادي في حركة الجهاد تيسير الجعبري، ثم أتبعته باغتيال قائد المنطقة الجنوبية في الجهاد خالد منصور بعد أنباء عن اقتراب التوقيع على هدنة توقف القتال. كما سارع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الجيش والشاباك إلى نفي وجود تعهدات للوسيط المصري بإطلاق سراح الأسير الإداري المضرب عن الطعام خليل العواودة، أو السماح لمصر بلعب دور في جهود إطلاق سراح بسام السعدي وتفقد ظروف اعتقاله؛ إذ كان من المفترض أن يتابع وفد مصري الملف بزيارة تشمل تفقد السعدي في معتقله، باعتباره جزء من اتفاق وقف إطلاق النار[2]. أكثر من ذلك، فقد كان واضحًا من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حجم الاستخفاف الكبير بالوساطة المصرية، ففي تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، ردًا على عدم الالتِزام بالتعهّدات قال فيه: “نحن نقدر مشاعر مصر والمسؤولين فيها، ولكن الأولوية المطلقة لنا هو الأمن الإسرائيلي الذي يتقدم على جميع الاعتِبارات الأخرى”، مُؤكدًا “نحن لم نتعهد بالإفراج عن أي معتقلين في المفاوضات التي تمخض عنها اتفاق وقف إطلاق النار، فإذا تعهدت مصر بذلك لحركة الجهاد فعليها أن تفي بتعهداتها”[3]. 2- عدم التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد بطلب السيسي بلجم العمليات العسكرية في الضفة الغربية؛ وذلك لتجنب تجدد الصدام على جبهة غزة[4]، وبدلًا من ذلك، فقد قام لابيد بزيادة الاعتقالات لعناصر الجهاد بالضفة الغربية برغم أن الحرب كان سببها اعتقال قائد الحركة في الضفة الغربية بسام السعدي. والأدهى من ذلك مصادقته على اغتيال الشهيد إبراهيم النابلسي قائد كتائب الأقصى الفتحاوية في المدينة، بعد المكالمة الهاتفية مع الرئيس المصري مباشرة في استفزاز متعمد[5]، وأثناء توجه الوفد المصري للأراضي المحتلة[6] (وهو يشبه ما حصل في عملية اغتيال خالد منصور، التي حصلت فيما كان المصريون يحثون حركة الجهاد على التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار)، وقد فسرت بعض الأوساط الإسرائيلية ذلك بأنه “مثل غرس أصبع في عين السيسي”[7]. وقد تسبب كل ذلك في إحراج شديد للوسيط المصري أمام الرأي العام المحلي في مصر، وأمام الفصائل العسكرية في قطاع غزة، خاصة مع الأخذ في الاعتبار ما يتردد كثيرًا عن أن الجانب الإسرائيلي يستخدم ثقل الوسيط المصري لدى الجانب الفلسطيني لإنجاز أهدافه السياسية والعسكرية بشكل حصري[8]. 3- سماح الرقابة العسكرية لدى الجيش الإسرائيلي بنشر خبر إسقاط طائرة مسيرة مصرية ضلت طريقها إلى إسرائيل عبر الحدود، في يونيو الماضي. وقد جاء في الخبر، الذي ترددت الأوساط العبرية الرسمية في نشره حينها ولم تنشره إلا بعد يومين من الواقعة، أن طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي أقلعت من قاعدة رامون الجوية القريبة من الحدود المصرية، وأطلقت صاروخ جو-جو اتجاه مسيرة مصرية غير مسلحة فقدت الاتصال مع مصدرها، خلال عمليات استطلاع للحركات المسلحة في شمال سيناء، وذلك بعد أن تعقبت وسائل الدفاع الجوي العبرية الطائرة بدءًا من اقترابها من خط الحدود وحتى وصولها إلى جبل ساغي في النقب، بالتنسيق مع الجانب المصري. ليس معلومًا إلى الآن ما الذي أغضب الجانب المصري تحديدًا، في ظل تحري الإعلام الرسمي التابع للجيش الإسرائيلي صياغة الخبر على نحو مرضٍ لجميع الأطراف، حيث ركزت الصيغة على الإشارة إلى أنها: غير مسلحة، وضلت طريقها إلى المجال الجوي للنقب، وأن إسقاطها تم بالتنسيق مع الجانب المصري. فهل تحفظت الأجهزة المصرية على نشر الخبر نفسه، أم أنها رأت في ذكر فقدان السيطرة على الطائرة إساءة من نوع ما؟[9]. 4- كشف النقاب عن قبر جماعي لنحو 80 جنديًا مصريًا في منطقة اللطرون قرب القدس، قتلوا خلال معارك حرب يونيو العام 1967، وأكثر من عشرين منهم أُحرقوا أحياء، ودفنهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة واحدة، لم يتم وضع علامات عليها، ودون تحديد هويتها، مخالفا لقوانين أسرى الحرب[10]. وقد كلفت مصر سفارتها في تل أبيب بالتواصل مع السلطات الإسرائيلية للمطالبة بتحقيق لاستيضاح مدى مصداقية المعلومات، وإفادة السلطات المصرية بشكل عاجل بالتفاصيل ذات الصلة، مع العلم أن الاهتمام في مصر بالكشف الإسرائيلي لم يقتصر على الجانب الرسمي فقط، حيث طالبت مؤسسة “مجموعة 73 مؤرخين” الجهات المعنية في مصر بالعمل على استعادة رفات الجنود الذين تقول الوثائق الإسرائيلية أنهم دفنوا في المقبرة الجماعية، وطالبت باعتذار رسمي إسرائيلي للشعب المصري عما وصفتها بعمليات القتل الممنهج للأسرى المصريين في حروب 56 و67و73[11]. 5- رغم أن قطاع غزة يعتبر الملف الأبرز والعنوان الأكثر وضوحًا للتوتر في العلاقات الإسرائيلية المصرية، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا توجد ملفات أخرى على رأسها ملف غاز شرق المتوسط، وجهود الكيان الصهيوني للاقتراب من قبرص والتعاون معها لإيجاد ممرات لنقل الغاز المستخرج من الحقول المستكشفة إسرائيلياً نحو القارة الاوروبية بعيداً عن مصر وموانئها. وسواء كان ذلك عبر خطوط شحن بحري تمر بالمياه القبرصية واليونانية وموانئها، أم عبر إنبوب “ميد إيست” المار بالمياه الإقليمية القبرصية والموانئ اليونانية، متجاوزًا الإسكندرية؛ الأمر الذي سيكون ممكناً في حال نجاح الوساطة الأمريكية مع بيروت لترسيم الحدود البحرية مع الكيان، لتزيل بذلك عائقاً قانونيًا وجيواستراتيجيًا لبناء إنبوب “ميد إيست” للغاز من المنطقة المتنازع عليها نحو قبرص؛ فالموقف اللبناني ومن قبله التركي كان وما زال أحد أبرز العوائق أمام إنشاء إنبوب النفط (ميد إيست)، إلى جانب عوائق تقنية يمكن التغلب عليها فنيًا وهندسيًا[12]. ثانيًا: هل هي أزمة عابرة أم ممتدة؟: يمكن التأكيد علي أن تلك الأزمة لن تمس بالعلاقات القوية بين مصر وإسرائيل، خاصة بعد أن اتخذت تلك العلاقات خلال الأعوام الثمانية الأخيرة نمطًا من “التقنين”، سواء علي المستوي السياسي، والتي وصلت إلي زيارة رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت إلى مصر، وهي الزيارة الأولى له إلى دولة عربية، وجاءت الدعوة منها، مع أن آخر مرة زار فيها رئيس وزراء إسرائيلي مصر تمت قبل 12 عامًا[13]. أو علي المستوي الأمني والعسكري، حيث لا يخفي حقيقة تعزيز التنسيق الأمني بين الجانبين خلال السنوات القليلة الماضية بصورة غير مسبوقة؛ ليس فقط فيما يتعلق ببقاء الأوضاع الأمنية في غزة هادئة كمصلحة أمنية مشتركة للجانبين، لكن أيضًا على…