شيخ محمود وجولاته الخارجية

شيخ محمود وجولاته الخارجية

شيخ محمود وجولاته الخارجية يعيش الشارع الصومالي مجموعة من الأزمات الطبيعية والأمنية التي تعرقل الجهود الداخلية والخارجية لانتشال البلد من الأزمات التي لطالما رافقته طيلة ثلاثة عقود. الأمر الذي يضع الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود أمام تحدٍّ كبير لمواجهة تلك الأزمات. وهو الرجل الذي أعلن انفتاحه على الجميع منذ توليه المنصب في 15 مايو الماضي. وفي هذا الإطار جاءت تحركات شيخ محمود الأخيرة في النطاق الإقليمي لمحاولة حل أزماته الداخلية، فكانت زياراته لكلٍّ من الإمارات ثم تركيا، وبعدها جاءت زياراته الإفريقية والتي تصب أيضًا في إيجاد حلول لمشكلاته الداخلية. فما هو وضع العلاقات بين الصومال وكلٍّ من تركيا والإمارات؟ وما هي أهداف ونتائج تلك الزيارتين؟ وكيف يُمكن قراءة زياراته الإفريقية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..   أولًا: زيارات شيخ محمود الإقليمية: بدأ شيخ محمود زياراته الخارجية خارج الصومال بقطبين إقليميين في المنطقة هما الإمارات وتركيا، وجاءت أهداف ونتائج الزيارتين كالتالي..   الصومال والإمارات: تُعد الصومال أحد دول منطقة القرن الإفريقي المهمة التي تحظى باهتمام الإمارات نظرًا لموقعها الاستراتيجي الذي يجذب دولا عديدة منافسة، حيث تحرص على التواجد في المنطقة من خلال دعم استثماراتها فيها بما يضمن لها موضع قدم في المنطقة الحيوية عند مدخل البحر الأحمر.   العلاقات الصومالية الإماراتية بين فرماجو وشيخ محمود: خاصةً بعد أزمة احتجاز لأموال إماراتية عندما احتجز نظام فرماجو عام 2018 دعمًا ماليًا قدَّمته الإمارات للجيش الصومالي. كما تسبَّب النظام السابق في تعكير صفو العلاقة بين الصومال والإمارات حينما تم رفض اتفاق شركة موانئ دبي العالمية مع أرض الصومال لتطوير واستثمار ميناء بربرة، زاد من التوتر أن تزامن ذلك مع أزمة فرماجو ورئيس البرلمان وقتها محمد شيخ عثمان جواري الذي استقال على إثرها وتولى محله محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، المعروف بولائه لفرماجو. وفي إطار سعيه لحل تلك المشكلات العالقة؛ عمل شيخ محمود على إعادة الصومال المبلغ المُصادر وقيمته 9.6 مليون دولار إلى دولة الإمارات، في أعقاب تقديم رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي لاعتذار رسمي وعلني للإمارات، التي رحبت بالموقف الصومالي الرسمي. وتقديرًا للموقف الصومالي، قدَّم وزير الخارجية الإماراتي الشكر إلى رئيس الوزراء الصومالي لمساهمته في إذابة جليد التوتر وإعادة الدفء من جديد للعلاقة بين البلدين. كما أعرب أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، عن تثمينه لهذه الخطوة وقال إن الاعتذار الصومالي يفتح صفحة جديدة لتواصل الإمارات خطواتها لترميم الجسور بما يعزز الاستقرار والسلام. وكانت هناك لقاءات متكررة جمعت بين مسؤولين من الجانب الصومالي والإماراتي سبقت زيارة الرئيس شيخ محمود للإمارات، منها لقاء حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين رئيس مجلس الشعب في البرلمان الاتحادي الصومالي، الشيخ آدم محمد نور “مدوبي”، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الصومال السفير محمد أحمد العثمان، والذي كان قد استقبله أيضًا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مكتبه بالقصر الرئاسي. وكشف السفير الإماراتي بمقديشو عن استعداد بلاده للعمل مع مجلس الشعب الصومالي لتطوير موظفي المجلس، الأمر الذي يعكس تنوع مجالات العمل المشترك والتعاون المتواصل بين الصومال والامارات. وتأتي أهمية هذه اللقاءات على تلك المستويات الرفيعة في إزالة آثار التوتر الذي شهدته العلاقة خلال فترة حكم فرماجو.[1]   نتائج الزيارة: أعلنت رئاسة الصومال عن تفاصيل زيارة الرئيس حسن شيخ محمود لدولة الإمارات، حيث بحث اللقاء تعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية وتطوير آفاق التعاون في مجالات الأمن والتجارة والتنمية، وتم الإعلان عن الاتفاق على مجموعة نقاط خلال اللقاء، هي: منح دولة الإمارات الصومال 20 مليون دولار -وفي مصادر أخرى درهم- كمساعدات لمواجهة الجفاف، وتسهيل إجراءات حصول المواطنين الصوماليين على تأشيرات الدخول إلى دولة الإمارات، وبدء رحلات الطيران المباشرة من دولة الإمارات إلى مقديشو، وإعادة افتتاح مستشفى الشيخ زايد في مقديشو الذي تم إغلاقه 2018، وكان يقدم خدمات صحية مجانًا، كما تم الاتفاق على قيام وفد إماراتي رفيع المستوى بزيارة رسمية إلى مقديشو، وتشكيل لجان تنسيق مشتركة لإنجاز تلك المهام.[2] ومن المُنتظر أن يكون لرجال الأعمال الصوماليين والإماراتيين دور مهم في توطيد العلاقات الصومالية الإماراتية خلال الفترة المُقبلة، وهو ما كان دافعًا للرئيس الصومالي للالتقاء بأفراد من الجالية ورجال الأعمال الصوماليين في دولة الإمارات خلال زيارته لأبي ظبي حيث أطلعهم على الوضع العام في بلاده وترحيبه بالاستثمارات التي تنعش الاقتصاد خاصةً في المجال الزراعي والثروة الحيوانية والثروات الطبيعية بجانب مجالات تنمية البنوك.[3]   الصومال وتركيا: تعتبر تركيا منذ مطلع العام 2002 إحدى الدول التي تجمعها علاقة استراتيجية مع الصومال، فبحلول عام 2016 وقَّعت تركيا مع الصومال اتفاقيات تجارية واقتصادية شملت قطاعات عدة. بينها اتفاقيات في نمو التجارة الثنائية بين البلدين من 6 ملايين دولار عام 2010 إلى 80 مليون دولار عام 2017. وبهدف تعزيز النمو الاقتصادي الصومالي في ظل الحروب والمشاكل السياسية، سدَّدت تركيا في نوفمبر 2020 ديون الصومال المتأخرة لصندوق النقد الدولي والمقدرة 2.4 مليون دولار لتخفض أعباء الديون المفروضة على الصومال من 5.2 مليارات إلى 3.7 مليارات دولار حاليًا. كذلك تظل تركيا تقدم سنويًا منحة مالية لدعم ميزانية الصومال قدرها 2.5 مليون دولار شهريًا من أجل تعزيز المؤسسات الصومالية. هذا فيما تضاعفت فرص التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات بين تركيا والصومال في ظل اهتمام القطاع الخاص التركي بالاستثمار في الصومال، بالإضافة إلى إنشاء القاعدة التركية في العام 2017 التي تطل على البحر الأحمر بغرض تدريب الجيش الوطني الصومالي لمكافحة العمليات الإرهابية لحركة الشباب. كما شرعت تركيا بمطلع العام 2022 في عملية التنقيب عن النفط والغاز في الصومال.[4] ومنذ عام 2011، قدمت تركيا مساعدات إنسانية وتنموية تتجاوز قيمتها مليار دولار للشعب الصومالي. كما تواصل تركيا الإسهام في إعادة إعمار الصومال وتطوير بنيتها التحتية ومؤسساتها الصحية والتعليمية والأمنية والمواصلات.[5]   زيارة الرئيس الصومالي لتركيا: تحمل زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى تركيا أبعادًا كثيرة في ظل التحديات الأمنية التي تمر بها الصومال منذ سنوات طويلة. ويحاول شيخ محمود من خلال الزيارة البحث عن دعم إنساني تركي لتجاوز الأزمة الإنسانية الراهنة هناك، في ظل تراجع الدعم والمساندة الدولية، فيما تريد أنقرة الحصول على مكاسب من البوابة الأمنية. وتشير السياسة الخارجية المُنتهجة من قِبل تركيا في ظل قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تجاه الصومال، إلى مدى إدراك أنقرة لأهمية هذا البلد لمصالحها الاستراتيجية. وقد عملت تركيا في سياق ترسيخ نفوذها في القرن الإفريقي وضمان منفذ على البحر الأحمر على زيادة الاهتمام بالملف العسكري بالصومال، من خلال إقامة قاعدة دائمة، فضلًا عن مراكز للتدريب. وفي خضم ذلك، تسعى أنقرة إلى ترسيخ نفوذها من باب الاقتصاد، حيث ينتظر تحريك المشاريع والعشرات من الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، ناهيك عن ملف المفاوضات المُتوقفة بين مقديشو وإقليم صومالي لاند ذاتي الحكم شمال البلاد. ومن الواضح أن شيخ محمود بحاجة إلى…

تابع القراءة
تعيين اللواء الرويني في المحكمة الدستورية العليا وجدل عسكرة الدولة .. قراءة في مضامين القرار ودلالاته

تعيين اللواء الرويني في المحكمة الدستورية العليا وجدل عسكرة الدولة .. قراءة في مضامين القرار ودلالاته

  في السابع من يوليو 2022، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قراراً برقم 304 لسنة 2022، بتعيين القاضي صلاح عبدالمجيد يوسف والقاضي محمد ايمن عباس نائبين لرئيس المحكمة الدستورية العليا[1]. والقاضي صلاح عبدالمجيد يوسف هو اللواء صلاح الرويني ، رئيس هيئة القضاء العسكري، وقد أدى اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، يوم 17 يوليو 2022، في سابقة هي الأولى من نوعها بتاريخ القضاء، أن ينضم عضو بالقوات المسلحة إلى تشكيل المحكمة الدستورية، ويُعين نائبًا لرئيسها منذ إنشائها عام 1979. فيما لم يشير القرار الجمهوري الذي نص على تعيين “الرويني” في الدستورية إلى اسم العائلة أو إلى منصبه السابق كرئيس لهيئة القضاء العسكري، ولم يشير إلى ذلك أيضاً بيان المحكمة الدستورية بخصوص التعيينات الجديدة، وقال فقط “أنه بموجب قرار رئيس الجمهورية الأخير، أصبح تشكيلها متضمنًا جميع الجهات والهيئات القضائية”[2]. سنحاول في هذه السطور الوقوف على القرار، من حيث الجدل الذي أثاره حول مسألة عسكرة الدولة ومؤسساتها، بما فيها السلطة القضائية، كذلك سنسعى للوقوف على تداعيات القرار وانعكاساته.   قرار تعيين الرويني وجدل العسكرة: لم يثار الكثير من الجدل حول القرار، بل يمكن القول أن ثمة إجماع لدى الرأي العام، والمراقبين المهتمين بالشأن المصري، أن قرار تعيين الرويني في أعلى هيئة قضائية في البلاد، هو جزء من سياسات هيمنة المكون العسكري على كل مؤسسات وسلطات الدولة، وأن القرار سيكون له تداعياته السلبية حتى وإن كانت دستورياً. لكن نشير مع ذلك إلى وجهة نظر أخرى دافعت عن القرار، وحاولت تفنيد الانتقادات التي أثارها، هذه الجهة مثلتها المحكمة الدستورية العليا نفسها، وذلك على لسان المتحدث باسم المحكمة المستشار محمود غنيم. سنستعرض في هذه السطور وجهتي النظر، والحجج التي طرحها كل فريق. وجهة النظر الأولى: تعيين الرويني جزء من سياسات عسكرة الدولة: يرى غالبية المراقبين أن قرار تعيين اللواء الرويني نائباً لرئيس المحكمة الدستورية العليا، هو جزء من سياسات العسكرة، ولا يمكن اعتباره قرار بدون سياق كلي حاكم، فهو قرار أنبنى على قرارات سابقة، كما سيكون له ما بعده، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط، وهي: أما ما قبل القرار؛ (1) فإن قرار تعيين الرويني، هو قرار متعمد، كجزء من سياسة عسكرة القضاء، فتعيين الرويني في منصبه الجديد كنائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، ما كان ليتم بدون التعديلات الدستورية التي تمت في 2018، والتي “جعلت القضاء العسكري جزءًا من السلطة القضائية بضمه إلى المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية، وأعضائه شأنهم شأن باقي أعضاء مجلس الدولة أو محكمة النقض أو هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة، ومن ثم لهم الحق في التعيين بالمحكمة الدستورية وهيئة المفوضين، بل ورئاستها أيضًا”[3]، في الوقت ذاته جعلت التعديلات الدستورية القضاء العسكري هيئة قضائية تابعة لوزارة الدفاع، حيث يعين وزير الدفاع رئيس هيئة القضاء العسكري وأعضائها[4]. من ثم يعين وزير الدفاع هيئة القضاء العسكري وأعضائها، ويمكن عندها أن ينقل رئيس الجمهورية هؤلاء القضاة العسكريين المعينين إلى الهيئات القضائية العليا في البلاد، وهو ما ينسف دعاوي استقلال القضاء، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الصلاحيات الواسعة التي منحتها التعديلات الدستورية المشار إليها لرئيس الجمهورية فيما يخص شؤون القضاة من تعيينات وترقية وندب وخلافه. (2) أن قرار تعيين اللواء الرويني نائباً لرئيس المحكمة الدستورية العليا، كان على حساب الرئيس السابق لهيئة المفوضين بـ«الدستورية» نفسها، المستشار عماد البشري، نجل المستشار طارق البشري، حيث يعطي قانون المحكمة الدستورية العليا الأولوية في التعيين فيها لرئيس هيئة المفوضين بها. وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أعلنت، في فبراير الماضي، تصعيد المستشار عوض عبد الحميد بدلًا من المستشار عماد البشري في رئاسة هيئة المفوضين، قائلة وقتها إن البشري قد غادر البلاد دون توضيح تفاصيل[5]. أما ما بعد القرار وتداعياته؛ (1) فإن بحسب التعديلات الدستورية الأخيرة، يمكن لرئيس المحكمة الدستورية العليا الاستمرار في منصبه حتى بلوغه سن التقاعد في القضاء (70 عامًا)، وكون رئيس الجمهورية له سلطة الاختيار بين أقدم خمسة مستشارين بالمحكمة عند تعيين رئيسها، ما يعني أن حظ اللواء الرويني في تولي منصب رئيس المحكمة الدستورية كبيراً للغاية؛ فالرئيس الحالي للمحكمة الدستورية العليا المستشار بولس فهمي يبلغ من العمر 65 عام، فإذا أكمل مدته حتى عام 2027، عندها سيكون كثير من أعضاء المحكمة العليا قد بلغ سن المعاش (70 عام) وسيكون الطريق مفتوح أمام الرويني لتولي المنصب[6]. وجهة النظر الثاني: نفي احتمالية العسكرة: بحسب هذه الرؤية التي عبر عنها المتحدث الرسمي باسم المحكمة الدستورية العليا، اللواء محمود غنيم، فإن القرار صحيح من الناحية الدستورية، ولا يحمل أية دلالات سلبية، ويمكن تأكيد ذلك بالإشارة إلى هذه النقاط: (1) بحسب المتحدث باسم المحكمة الدستورية العليا، المستشار محمود غنيم، فإن رئيس المحكمة المستشار بولس فهمي، هو من رشح الرويني لهذا المنصب، وأن فهمي هو من عرض على الرويني أن  يترك وظيفته كرئيس للقضاء العسكري وينتقل للعمل عضوًا بالدستورية، ليكون أحدث أعضائها في ترتيب الأقدمية، وبعد موافقته، عرض رئيس المحكمة الأمر على الجمعية العامة للمحكمة، التي وافقت بالإجماع بعد أن اطلع قضاتها على «ملفه ورأي الجهات الأمنية فيه». بالتالي فإن المحكمة هي من رشحت الرويني لعضويتها، وأن قرار السيسي بتعيين الرويني هو استجابة لرغبة المحكمة الدستورية ولقرار الجمعية العامة للمحكمة التي اختارت الرويني بالإجماع[7]. (2) أن تعيين الرويني كنائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا ليس دليلاً على العسكرة، بل دليل على مكانة المحكمة الدستورية العليا، فاللواء الرويني قبل توليه منصبه الجديد في المحكمة الدستورية كان رئيساً لهيئة القضاء العسكري، وهي جهة قضائية تماثل القضاء المدني، بالتالي انتقاله من القضاء العسكري للقضاء المدني لم يضف إليه الكثير. كما أن الكفاءة واستقامة السلوك هي المعيار، وعندما يخلع العسكري بدلته العسكرية يصبح مدنيا[8].   دلالات القرار وتداعياته: بعيداً عن الجدل بشأن كون القرار جزء من سياسات العسكرة بالتالي هو قرار متعمد الغرض منه بسط هيمنة العسكريين على السلطة القضائية، أو كون القرار استجابة لرغبة المحكمة الدستورية وليس الغرض منه ضمان دخول العسكريين للمحكمة الدستورية، في كلا الحالتين سواء كان القرار مغرض أو غير مغرض، فإن القرار سيكون له تداعيات سلبية على السلطة القضائية، كما أن القرار محمل بالدلالات والتي أكثرها ذات طابع سلبي، نذكر من هذه الدلالات: أن دفاع المحكمة الدستورية عن القرار، رغم أن القرار جاء مخالفاً لقانون المحكمة، الذي يعطي الأولوية في التعيين لهذا المنصب للمستشار عماد البشري، فيه خروج على المعايير والتقاليد القضائية المتعارف عليها والمعمول بها[9]، هذا الانتهاك ارتكبته الهيئة المخولة بالحفاظ على الدستور وحراسته، وهو بدوره يثير الشكوك حول استقلالية المحكمة ونزاهتها. أن قرار تعيين عسكري في أعلى هيئة قضائية في البلاد، تأسس على التعديلات الدستورية التي جعلت القضاء العسكري جزء من القضاء المدني[10]، بالتالي من غير المستبعد أن يكون هذا القرار بداية سلسلة قرارات شبيهة بموجبها…

تابع القراءة
مثقفون في قطار التغيير.. في عهد عبد الناصر

مثقفون في قطار التغيير.. في عهد عبد الناصر

  المثقفون هم من يخاطبون العقل ويحركون الوجدان وينتجون الأفكار، وهم يقفون دوما تحت راية التغيير، ينحازون الى الشعوب، لحقها في الحياة، وحقها في المعرفة، وحقها في الحلم. فالمثقف كما وصفه زكي نجيب محمود، هو (رجل بضاعته أفكار يريد أن يغير بها وجه العالم)، فهو منشغل دوماً بالسعي لتغيير المجتمع نحو الأفضل، بعكس السياسي المنشغل بتبرير وتكريس ما هو كائن. وهذا يعني أن المثقف ليس من يقرأ الكتب ويجمع المعلومات، لكن من يعيش هموم وقضايا مجتمعه. (1) فكأن المثقفون دوما – وهذه رسالتهم –سببا في انعتاق الشعوب من أسر الجهل والخوف والقهر، من التخلف والتبعية والمرض، فكانوا عونا للشعوب على حكامهم ان ظلموا وتعسفوا. يفعل المثقف ذلك دون تعالٍ او فرض وصاية او قبض ثمن. بمعنى أن القيم تكون حاضرة عند المثقف، حتى يستطيع ممارسة دروه في الحياة. فهذه ثلاثية تلازم المثقف الحق، (اقتراب من الناس وابتعاد عن السلطان وحضور في القيم). والمثقف دوما على تماس مع السلطة، اما على سبيل المواجهة، او على سبيل التعايش الحركة في منطقة آمنة، او خادما في بلاط السلطة. على خط التماس هذا، نرصد “ثلاثة” تباينت مواقفهم من السلطة ومن رسالة المثقف كذلك.. فنتحدث عن مثقف في بلاط السلطة (محمد حسنين هيكل)، ونتحدث عن مثقف تعايش مع السلطة دون اصطدام معها (نجيب محفوظ)، وعن آخر كان هو المثقف الثائر صاحب الرسالة، (سيد قطب).. الثقافة عند ضباط يوليو كان نظام ضباط يوليو يقوم بالأساس على حشد الجماهير وتوجيههم، أكثر من مخاطبتهم بلغة المصلحة، فأدركوا حينذاك أهمية قلم الكاتب ولسان المثقف وآداء الممثل وكلمات المطرب. لذا كان ضباط يوليو حريصين على السيطرة على هذا القطاع وعلى أفراده، وكان المثقفون بالتبعية – الا قليل – حريصين كذلك على التقارب مع رجال السلطة الجدد، لغير واحد من الأسباب.. تلك كانت فلسفة الحكم التي تبناها عبد الناصر طوال فترة حكمه، كما عبر عن ذلك في “فلسفة الثورة“حيث كان يرى ان الجيش هو الجزء الوحيد المنظم في المجتمع، وهو الذي يمكنه بل يجب عليه قيادة مصر لإخراجها من محنتها. وقدم ناصر هذا الدور القيادي للجيش باعتباره آمرا مؤقتا، حتى يكتسب المصريون الصفات التي تسمح لهم بالتصرف بشكل ناضج! (2) السيطرة على الثقافة والتوجيه فى مصر فلأول مرة في تاريخ مصر يتقلد منصب رئيس تحرير مجلة التحرير عقب انقلاب يوليو 1952م مباشرة ثم وزارة الثقافة لأربع سنوات متوالية ضابط عسكري ممن اشتركوا في انقلاب يوليو وهو ثروت عكاشة، وقد استمر توزيع المناصب المفصلية بما فيها وزارة الثقافة على الموالين للحكم العسكري في مصر آنذاك وحتى اليوم، وكان على رأس هؤلاء المنظرين للناصرية عرابها الأول محمد حسنين هيكل الذي تشير بعض الروايات إلى أنه المؤلف الحقيقي لكتاب “فلسفة الثورة” المنسوب لعبد الناصر المثقفون والسلطة تباينت مواقف المثقفين ازاء ممارسات نظام عبد الناصر بحق الوطن والانسان، فمنهم من رفض تلك الممارسات ولم يتكلم، ومنها من رفضها وناضل من اجل تغييرها فدفع الثمن، ومنهم من تعايش معها، ومنهم من قبل أن يكون أداة من أدواتها. مثقفون.. في بلاط السلطة وهؤلاء كانوا على تفاوت بينهم حسب اقترابهم من السلطة وخدمتهم له، ويأتى على رأسهم الكاتب محمد حسنين هيكل، والكاتب توفيق الحكيم وآخريين.. لا نستطيع ان نصف العلاقة بين هيكل وبين عبد الناصر، بأنها كانت علاقة بين تابع ومتبوع. فقد كان هيكل يتمتع بمواهب فطرية ودأب ونشاط واضحين بالإضافة لمواهب الكتابة ومهارات الصحفي، ولا شك أن عمله مع أحد عمالقة الصحافة في ذلك الوقت محمد التابعى، اكسبته الكثير من تلك المهارات. وربما لم يكن العيب في إلتقاء الصحفى النابه برجل السلطة، لكن المشكلة تبدأ عندما تأتى لحظة تتعارض فيها موقفه لدى السلطة مع دوره ووظيفته تجاه قارئيه ومتابعيه، هيكل لم يكن ينافق عبد الناصر، لكن كان يبرر ويجمل جرائمه دائما، كانت عنده القدرة على أن يقول الشئ ونقيضه دوما. يحكى هيكل في كتاباته عن علاقته بعبد الناصر كيف بدأت فيقول في كتابه “بين الصحافة والسياسة”: “كان عبد الناصر قد زارني فى مكتبى أكثر من مرة فى أيام تصادف وجودى فيها بالقاهرة.. مرة جاء يسألنى عن الانقلابات السورية وما الذي يجرى فيها، ومرة ليسألنى نسخة من كتاب صدر لى وقتها عن أزمة تأميم البترول فى إيران بعنوان إيران فوق بركان.. ويوم حريق القاهرة كان قد نزل مع غيره من الضباط إلى شوارع العاصمة المشتعلة بالنار بعد أن عجز البوليس عن السيطرة على الموقف، ومن ثم اقتضت الأمور نزول الجيش”. (3) ويتذكر هيكل الأيام التي سبقت ليلة 23 يوليو باعتبارها أياما لا تنسى فيقول: (يوم 18 يوليو كنت فى زيارة اللواء محمد نجيب ببيته، وفجأة دخل عبد الناصر ومعه عبد الحكيم عامر، فاجتمعا به وحدهما ثم خرجا وبقيت بعدهما بضع دقائق.. وعند خروجي وجدت الاثنين مرة أخرى وتواصل الحديث.. تحمست أثناء المناقشة وقلت لعبد الناصر ما معناه إن الجيش عاجز عن رد كرامته إزاء عدوان الملك عليه، ورد عبد الناصر بالتساؤل عما يمكن أن يفعله الجيش: أو ليست أي حركة من جانبه يمكن أن تؤدي إلى تدخل بريطاني يعيد فيه الملك فاروق تمثيل دور الخديوي توفيق ويعود فيه الجيش إلى مأساة عرابى؟ وتطوعت فقلت: إن الإنجليز لن يتدخلوا لأنهم لا يملكون وسائل التدخل. وأحسست أن عبارتى رنَّت جرساً في رأس عبد الناصر لأنه التفت إلىَّ وسألني عن الأسباب التي تدعوني إلى القول بذلك.. كيف أستطيع أن أقطع على هذا النحو بأن الإنجليز لن يتدخلوا، ورحت أشرح وجهة نظرى). فهيكل هنا كان مصدر معلومات ثرى بالنسبة لعبد الناصر، بدأ الامر بينهما حوارا بين مثقف موسوعى وبين ضابط طامح.. لكن عندما ترسخت سلطة عبد الناصر، وعاين هيكل مقدار السخط الشعبى جراء سياساته الفاشلة، أخذ ينتقد الأدوات دون أن ينتقد من يمسك بها ويحركها، اى عبد الناصر نفسه. يقول هيكل: (كتبت مثلا عن ضرورة اندماج المثقفين فى الثورة وفى النظام لينتهى دور (أهل الثقة)، وطالبت بأن يكون (أهل الخبرة) هم أهل الثقة.. وكتبت أنه لابد أن يقوم أهل الثقة وأهل الخبرة بتوسيع دائرة معارف عبد الناصر، وناديت بالمجتمع المفتوح وبالديمقراطية.. وكتبت ضد تجاوزات بعض أجهزة السلطة وفى مقدمتها المخابرات.. وكتبت فى موضوع الحراسات وضرورة أن يظل الهدف هو تصفية امتيازات الطبقة، وليس تصفية أفراد الطبقة.. كتبت عن عدوان البيروقراطية فى الجهاز الحكومى والبيروقراطية الجديدة فى القطاع العام.. وكتبت عن ضرورة أن يلعب التكنوقراط دورهم فى التطوير.. وكنت قلقا وأنا أكتب عن خشيتى من أن يطوى أهل البيروقراطية القديمة أهل البيروقراطية الجديدة بدلا من أن يطوى الجدد القدامى، وهذا ما حدث فعلا حيث ابتلع القدامى الجدد.. ومثل هذه الكتابات كانت تسبب لى بعض المشكلات لكن جمال عبد الناصر لم يضق بها) (4) كاتب خطب ناصر ومع مرور الوقت، أصبح حسنين هيكل…

تابع القراءة
أسباب المشاركة الكثيفة للكنيسة في انقلاب 03 يوليو

أسباب المشاركة الكثيفة للكنيسة في انقلاب 03 يوليو

      أولا، الباعث الرئيس في موقف الكنيسة من الانقلاب هو كراهية الإسلام والمسلمين الداعين إلى تحكيم الشريعة وفهم الإسلام على أنه منهج حياة شامل لتوجيه المجتمع وقيادته في كافة مناحي الحياة. فالكنيسة ترى أن الإسلام هم أكبر خطر عليها منذ تأسيسها قبل نحو 1800 سنة، ويعاني كهنة الكنيسة كثيرا في إقناع الأقباط بعقيدة التثليث (الآب والابن والروح القدس) أمام عقيدة التوحيد الخالص النقي التي جاء بها الإسلام، ومواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب تمتلئ بآلاف المقاطع  لكثير من الأقباط الذين أسلموا وكثير منهم كانوا كهنة سابقين، والذين كشفوا حجم الرعب والهوس الذي تعيش فيه الكنيسة وخوفها المستمر من انتقال العديد من الأقباط إلى الإسلام. هذا الخوف بهذا الحجم وتلك الدرجة في ظل نظام عسكري دكتاتوري قمعي يتبنى حكما علمانيا تحظى فيه الكنيسة بامتيازات كبيرة؛ فماذا إذا حكم الإسلام مصر؟ وجاءت حكومة إسلامية تتبنى مبادئ وأحكام الشريعة وأقامت العدل في الأرض؟ فهذا تراه الكنيسة زلزالا قد يقوض وجودها؛ لذلك تحمل الكنيسة كراهية وبغضا لا حدود له للإسلام والمسلمين الداعين إلى حكم الشريعة وتبارك ذبحهم والقضاء عليهم. وقد أبدى البابا كثيرا من البغضاء للإسلام والمسلمين عندما سُئل عن مقاله (نعم تزيد النعم) كدعاية للدستور بوصفه دورا سياسيا للكنيسة، أجاب بأن «المشاركة في الاستفتاء، تعبر عن الحياة التي عاشتها مصر كطبيعتها قبل الميلاد وبعد الميلاد، دون وجود أي جسم غريب فيها». يشير البابا بهذه التصريحات إلى العودة إلى جذور مصر القديمة الفرعونية (قبل الميلاد)، والقبطية (بعد الميلاد)، أما الجسم الغريب عليها فهو (الإسلام والمسلمون)، هذا الخطاب الطائفي من البابا تواضروس هو امتداد لمدرسة البابا شنودة الثالث الذي تولى الكنيسة 41 سنة (1971 ــ2012)، وبحسب الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة، المعتقل حاليا في سجون السيسي، في مقاله “أقباط 2010” المنشور بالأهرام عدد 05 ديسمبر 2010م فإن مصطلحات مثل “الفتنة الطائفية”، لم تظهر في مصر إلا منذ اعتلاء البابا شنودة الثالث عرش الكنيسة المرقسية عام 1971، واستشهد بخطاب ألقاه شنودة بالإسكندرية عام 1973 دعا فيه إلى “طرد” من أسماهم “الغزاة المسلمين من مصر”. كما تحدث مقال سلامة ــ تم حذفه من الأهرام ترضية للكنيسة ــ عن وجود أسلحة وذخائر في الكنائس المصرية، متهما الكنيسة بالإعداد المسبق لأحداث العنف وقتها في منطقة العمرانية.[[1]] ثانيا، موقف الكنيسة من الانقلاب والتحريض على الإسلاميين ومباركة ذبحهم  منسجم تماما مع مقررات مجمع الآباء الكهنة والمجلس الملي وممثلي الشعب القبطي في المؤتمر المنعقد في البطريركية بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 1977م، حيث جاءت قرارات المجمع في صورة مطالب تتعلق بحرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وعدم تطبيق الشرع الإسلامي وحماية الأسرة والزواج المسيحي، والمساواة وتكافؤ الفرص وتمثيل المسيحيين في الهيئات النيابية والوزارة والوظائف العليا وغيرها، والدعوة إلى ضرب الاتجاهات الدينية الإسلامية المتطرفة، وهي كلها مطالب تتهم النظام المصري في ذلك الوقت (نظام السادات) بالتمييز ضد الأقباط.[[2]] وكلها تقريبا تتحققت في عهد السيسي. ثالثا، موقف الكنيسة من الانقلاب هو امتداد لموقفها الرافض لثورة يناير؛ فقد رفض البابا شنودة مشاركة الأقباط في الثورة على نظام مبارك وقد أكد في تصريحات إعلامية أن «الأقباط شعب لا يثور ولا يعصى السلطة».[[3]] وقال أيضا: «نحن بطبيعتنا نود أن نعيش في هدوء ولا نحب أن نشترك في مظاهرات أو في أعمال من هذا النوع، طبيعتنا كده»[[4]] هذا الموقف الداعم لمبارك سرعان ما تغير في أعقاب تنحي مبارك حيث أصدرت الكنيسة بيانا يحيي الثوّرة الوليدة تقول فيه “تحيي شباب مصر النزيه الذي قاد مصر في ثورة قوية بيضاء وبذل في سبيل ذلك دماء غالية؛ دماء شهداء الوطن الذين مجّدتهم مصر قيادة وجيشًا بل مجدهم الشعب كله».[[5]] سبب الرفض أن احتكار الكنيسة لتمثيل الأقباط تراجع خلال سنوات ما قبل الثورة من خلال مشاركة رموز قبطية في حركات سياسية معارضة مثل كفاية وغيرها، حيث شارك أمين إسكندر وجورج إسحاق وغيرهم، ما أسهم في ظهور تيار قبطي علماني ولو كان محدود الانتشار والتأثير، لكن  تعنت الكنيسة في مسألة الزواج الثاني للمطلق أو المطلقة منح زخما لهذه التيارات الوليدة بين آلاف الغاضبين من الأقباط على موقف الكنيسة بشأن الزواج الثاني الذي كان معمولا به في لائحة ٣٨ والتي تم إلغاؤه في عهد البابا شنودة.[[6]] ويمكن تقسيم التيار العلماني القبطي الرافض لاحتكار الكنيسة لتمثيل الأقباط إلى ثلاث فئات كما يسميهم الباحث القبطي إسحاق إبراهيم بتصرف بسيط:[[7]] “النوع اﻷول: حركات دينية مسيحية تعبر عن موقف ديني، مثل ” حماة اﻹيمان”، وهذه الحركات تعبر عن مواقف بعض رجال الدين سواء كان متشدداً أو منفتحا بعض الشيء. النوع الثاني: حركات تعبر عن مطلب يشتبك مع حق من حقوق الأقباط، وهذا الحق تنظمه الكنيسة أو تعترض طريقه، وأشهر اﻷمثلة لهذه الحركات، الحركات الخاصة بالمطالب التي تتعلق باﻷحوال الشخصية، مثل مجموعات “الحق في الحياة”، “منكوبي اﻷحوال الشخصية”، “الانسلاخ من الملة”، “أقباط ٣٨” وغيرها من الحركات، أو حتى أشخاص يعبرون عن مطالبهم. النوع الثالث: حركات نشأت في ظروف لها علاقة بمطالب اﻷقباط، ولكنها اشتبكت مع قضايا تخص الشأن المصري العام، وكان لها وجود في التظاهر على قضايا عامة، أو اشتبكت مع موضوعات لها طبيعة سياسية سواء كانت انتخابات أو استفتاءات، أمثلة على ذلك “اتحاد شباب ماسبيرو”. بطبيعة الحال قاومت الكنيسة بشدة هذا التوجه لدى الحركات القبطية العلمانية فقد أرادت أن تظل محتكرة لتمثيل الأقباط في علاقتهم بالدولة المصرية، خصوصا بعد أن وصل عدد هذه الحركات إلى ٣٦ حركة في منتصف٢٠١٢م بحسب تصريح لفادي يوسف مؤسس ائتلاف أقباط مصر وهو الرقم الذي ذكر أيضا من قبل المجلس الاستشاري القبطي. [[8]] وبالتالي فقد جاءت مشاركة البابا تواضروس الثاني في مشهد الانقلاب اختيارا حرا من  الكنيسة وترجمة للرغبة العارمة من أجل التخلص من الإسلاميين والعودة إلى المعادلة التي كانت قائمة في عهد مبارك واسترداد نفوذها ووصايتها على الأقباط باعتبارها الممثل الوحيد عنهم أمام الدولة وهو الدور الذي كان مهددا بفعل الثورة وما ترتب عليها من حريات زعزعت مكانة الكنيسة. وبالتالي توافقت مصالح الكنيسة مع مصالح الدولة العميقة في ضرورة وأد الثورة والقضاء عليها والعودة إلى المعادلة القديمة التي تقوم على دعم الكنيسة للنظام العسكري سياسيا في مقابل حصر تمثيل الأقباط في الكنيسة دون غيرها  بشأن مشاكل الأقباط ومطالبهم وحقوقهم، “فقد تنازل النظام عن جزء من سلطة الدولة على بعض مواطنيها للكنيسة في مقابل منح ولائها للنظام السياسي”[[9]]. ولعل هذا الوضع هو ما يفسر اقتراب الكنيسة وتأييدها لنظام مبارك حتى آخر لحظة قبل سقوطه لأنها كانت ترى فيه الضمانة والحماية لحقوق الأقباط. وهي المعادلة التي كانت مهددة بفعل الثورة وصعود الإسلاميين. رابعا، كوفئت الكنيسة على موقفها من الانقلاب بحذف المواد التي تتعلق بمرجعية الشريعة الإسلامية من دستور 2014، كما كوفئت بالنص على كوتة في البرلمان للأقباط، وزيادة نسبة الأقباط في أجهزة الدولة، كما كوفئت…

تابع القراءة

وساطة «بايدن» لإتمام صفقة «تيران وصنافير».. قراءة في التحركات الأمريكية

  تقوم إدارة الرئيس الأمريكي جوبايدن، حاليا، بدور الوساطة بين مصر والمملكة العربية السعودية وحكومة الاحتلال في إسرائيل بشأن مفاوضات نقل ملكية جزيرتي “تيران وصنافير” في البحر الأحمر من السيادة المصرية إلى السعودية. تفاصيل الوساطة الأمريكية كشفها موقع «أكسيوس» الأمريكي نقلا عن خمسة مصادر مطلعة بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.[[1]] فماذا تبقى من الصفقة لتكتمل؟ وما كواليس وتفاصيل هذه الوساطة؟ وما مغزى التوقيت؟ وما الأهداف المحتملة من هذه الوساطة الأمريكية وعلاقتها بالتدخلات الأمريكية الجراحية على خريطة المنطقة؟ وما علاقة ذلك بصفقة القرن ومشروع الشرق الأوسط الكبير الهادف إلى تمكين الوجود الإسرائيلي وضمان بقاء الاحتلال واستمراره تحت حماية النظم العربية؟ ماذا تبقى من الصفقة؟ كانت “تيران وصنافير” جزيرتين مصريتين على مدخل خليج العقبة منزوعتي السلاح تحت السيادة المصرية، بموجب معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية عام 1979. وفي يونيو 2017، ووافق البرلمان المصري، وكذلك المحكمة الدستورية العليا في 2018، على اتفاقية أبرمها السسي مع السعوديين في إبريل 2016م، لنقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية وفقا لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ورغم الرفض الشعبي العارم والأحكام القضائية الباتة والقاطعة والنهائية من القضاء الإداري (مجلس الدولة والإدارية العليا) ببطلان الاتفاقية و مصرية الجزيرتين إلا أن السيسي دهس كل ذلك وأصر على التنازل عن الجزيرتين مقابل مساعدات سعودية تصل إلى نحو 25 مليار دولار. وفقا لموقع “أكسيوس”، فإن اتفاق نقل الملكية من مصر على الجزيرتين إلى السيادة السعودية لم يكتمل بعد، وأن المفاوضات لا تزال جارية بشكل سري، وأن الوساطة الأمريكية تستهدف إتمام الاتفاق؛  حيث تعتقد إدارة بايدن أن  توسطها بين الدول الثلاثة لإنهاء نقل ملكية الجزيرتين يمكن أن يبني الثقة بين الطرفين ويخلق انفتاحا على العلاقات الدافئة بين إسرائيل والسعودية، اللتين لا تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية حتى الآن، وهو ما سيكون الإنجاز الأهم للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ اتفاقات أبراهام، التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وأدت إلى اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، وحظيت بدعم السعودية، التي أوضحت وقتها أنها لن تطبع العلاقات مع إسرائيل ما لم يكن هناك تقدم جدي في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ووفقاً للموقع، فإن “من يقف خلف الكواليس في هذه المفاوضات هو منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك، وهو الشخص الرئيس لإدارة بايدن في جهود الوساطة الحالية”. وقال الموقع إن بايدن “يخطط للذهاب إلى السعودية كجزء من زيارة ثلاثية للشرق الأوسط، وأنه إذا تمت الزيارة، فستكون اللقاء الأول لبايدن مع بن سلمان”. تحتاج الصفقة حتى تكتمل إلى موافقة إسرائيلية، وهي ما تحاول إدارة بايدن تحقيقه، إذ كانت إسرائيل قد وافقت فقط على الاتفاقية من حيث المبدأ، ريثما يتم التوصل إلى اتفاق بين مصر والسعودية بشأن مواصلة عمل قوة المراقبين متعددة الجنسيات، المسؤولة عن تسيير دوريات في الجزر وضمان بقاء حرية الملاحة في المضيق دون عوائق. الوساطة الأمريكية تدور حول عدة بنود: أولا، القضية الرئيسية في المفاوضات التي تجريها واشنطن مع القاهرة والرياض، هي القوة متعددة الجنسيات للمراقبين، وأن السعودية وافقت على إبقاء الجزر منزوعة السلاح والالتزام بالحفاظ على حرية الملاحة الكاملة لجميع السفن، لكنها أرادت إنهاء وجود المراقبين متعددي الجنسيات في الجزر”. لكن المسئولين في حكومة الاحتلال اشترطوا وضع ترتيبات أمنية بديلة تحقق نفس النتائج. ثانيا، تشترط تل أبيب أن تبادر الرياض بخطوات معينة كجزء من جهود أوسع للتوصل إلى اتفاق بشأن عدة قضايا، مثل السماح لشركات الطيران الإسرائيلية بعبور المزيد من الأجواء السعودية، الأمر الذي سيختصر الرحلات الجوية إلى الهند وتايلاند والصين بشكل كبير”. ثالثا، تشترط حكومة الاحتلال أيضا على السعوديين “السماح برحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى السعودية، للمسلمين في إسرائيل الذين يريدون الذهاب لأداء فريضة الحج إلى مدينتي مكة والمدينة المنورة”. العجيب في مسار ومضمون هذه المفاوضات هو اشتراط الإسرائيليين رغم أن السعوديين وافقوا على أن تبقى الجزيرتان منزوعتي السلاح، إضافة إلى أن معاهدة التطبيع المصرية الإسرائيلية سنة 1979م، أكدت على دولية الممرات والمضايق وهو الوضع القائم الذي لم يتغير وبالتالي فحرية الملاحة قائمة ولم تتهدد بالصفقة التي ربما يكون الهدف منها هو استدامة دولية الممرات ونسف الهيمنة المصرية عليها،  وعدم ارتباطها باتفاقية التطبيع المصرية الإسرائيلية. علاوة على ذلك فإن الجزيرتين هما من الجزر الصغيرة القاحلة الرملية الصخرية المهجورة، وذلك بحسب تكييف الجزر في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، وبالتالي فإن الحديث عن تأثيرهما على حرية الملاحة، حديث غير دقيق”. معنى ذلك ما تطرحه تل أبيب مجرد “ذرائع” لتبرير جلوس المسئولين السعوديين والصهاينة على مائدة المفاوضات تمهيدا لاتفاق تطبيع سعودي مرتقب. خلاصة الموقف الإسرائيلي لخصه تقرير لموقع “واللاه”العبري بأن “إسرائيل” تشترط أن يكون نقل جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، بترتيبات أمنية كبيرة وتوسيع دائرة التطبيع معها، وأن إدارة بايدن تتوسط بينهما لإنجاز اتفاق بهذا الخصوص”. فالهدف من هذه المفاوضات والتحركات هو إدخال بلاد الحرمين الشريفين إلى حظيرة التطبيع بشكل رسمي، والاعتراف للصهاينة بما اغتصبوه واحتلوه من أرض فلسطين. مغزى التوقيت الوساطة الأمريكية لإتمام صفقة “تيران وصنافير”،  تأتي في سياق تحركين متوازيين للإدارة الأمريكية: الأول، هو الاجتماع الإقليمي المرتقب الذي تشارك فيه الولايات المتحدة الأمريكية خلال جولة بايدن في المنطقة نهاية يونيو 2022م، والمرجح انعقاده في “إسرائيل” بحضور زعماء المنطقة، حسب تصريحات مسؤولين إسرائيليين لموقع «أكسيوس» الأمريكي، وستكون هذه أول رحلة يقوم بها بايدن إلى الشرق الأوسط منذ توليه منصبه. وكان رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت قد دعا بايدن لزيارة إسرائيل في مكالمة هاتفية نهاية أبريل2022، وهي الدعوة التي قبلها البيت الأبيض.[[2]] اللقاء الإقليمي المرتقب في “إسرائيل” يأتي استكمالا للزخم الذي أحدثته قمة النقب التي عقدت في إسرائيل في أواخر مارس الماضي 2022، وحضرها وزراء خارجية الإمارات والبحرين والمغرب، وهي الدول الثلاث التي عقدت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل مؤخرًا، بالإضافة إلى وزيري خارجية مصر والولايات المتحدة الأمريكية. ومن المحتمل أن تشهد هذه القمة الإقليمية أول لقاء مباشر بين بايدن والسيسي، بعد الجهود الإسرائيلية الحثيثة لترطيب الأجواء بين الطرفين، وحث الإدارة الأمريكية على تخفيف انتقاداتها لنظام السيسي في ملف حقوق الإنسان. وكان سامح شكري قد قام بزيارة إلى واشنطن خلال شهر إبريل لترميم العلاقات الثنائية المضطربة بسبب موقف القاهرة من الغزو الروسي لأوكرانيا. لذلك من المتوقع أن تواصل “تل أبيب” دورها في إصلاح العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة بعد تدخلها في مارس الماضي “2022” بالضغط على لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ للموافقة على بيع طائرات «F-15» لمصر، فيما قد تستفيد إسرائيل من الدعم المصري لها في ضوء التوتر المتزايد في العديد من عواصم الخليج بشأن اتفاق نووي جديد مُحتمل بين إيران والغرب. الثاني، هو مساعي واشنطن نحو ترميم علاقتها المتوترة مع حلفائها في الخليج في أعقاب فوز بايدن بالرئاسة، وغضبه من الدعم الخليجي السخي لمنافسه الرئيس السابق…

تابع القراءة
الغطاء الديني لجريمة الانقلاب.. دور مشيخة الأزهر

الغطاء الديني لجريمة الانقلاب.. دور مشيخة الأزهر

    لا أحد ينكر أن للدكتور أحمد  الطيب شيخ الأزهر، مواقف مشرفة في مواجهة جهل الجنرال عبدالفتاح السيسي والتصدي له في عدد من القضايا التي أراد السيسي انتهاك نصوص  الشرع فيها وأبرزها الموقف من أموال الوقف الخيري والطلاق الشفهي ومكانة السنة النبوية والتراث الإسلامي بخلاف الموقف من الإرهاب حيث يتبنى الأزهر موقفا متباينا عن السلطة في هذا الشأن ويؤكد أن الإرهاب صنيعة نظم غربية توظفها سياسيا من أجل تحقيق أجندة أهداف تعادي الإسلام والمسلمين بل وتعادي العالم كله. هذه المواقف المحمودة من شيخ الأزهر يجب دعمه فيها وتعزيز مكانة الأزهر من أجل القيام بشيء من دوره المنشود في عدد من الملفات والقضايا المهمة لا سيما في ظل الحرب الضروس التي تشنها نظم الطغيان العربي ضد الإسلاميين وأبرزهم جماعة الإخوان المسلمين، منذ عقود طويلة وهي الحرب التي تصاعدت حدتها في مرحلة الانقلاب العسكري في 03 يوليو 2013م، حتى اليوم، وكان من دواعي الأسف أن هذه الحرب تورطت فيها مشيخة الأزهر بدور لا يستهان به، وكانت مشاركة شيخ الأزهر ــ بقيمته ورمزيته ــ في مشهد الانقلاب تعني مباركة الجريمة التي دبرتها قوى إقليمية بأيدي الدولة العميقة في مصر، وفي أبسط قراءة لهذا الدور أنه مثل غطاء دينيا للجريمة ومنحها شيئا من الشرعية الزائفة، واعتبرها البعض برهانا على أن (الإسلام ممثلا في الأزهر ) يقر الانقلابات العسكرية على أولى الأمر الشرعيين؛ وهو ما يتصادم مع نصوص الشرع وأحكامه في كل تفصيلة من تفصيلات الانقلاب، كما يتصادم مع جوهر ومبادئ الديمقراطية التي تعتبر أعلى ما توصل إليه العقل البشري في ترجمة معنى الشوري في الإسلام. بمشاركة شيخ الأزهر فإن البعض (علمانيين ومفكرين غربيين) يبرهنون بمشاركته تلك على أن الإسلام ـ ممثلا في الأزهر ــ لا يحترم الديمقراطية ولا يضع اعتبارا لإرادة اللشعب الحرة التي لا تقاس بالمظاهرات بل تقاس بأدوات الديمقراطية المعروفة والمقررة وفق الآليات الدستورية المتفق عليها، كما برهنت مشاركة شيخ الأزهر على أن الأزهر يتبنى مقولات الإمام المتغلب والذي يغتصب السلطة قهرا بأدوات القوة وقهر خصومه حتى لو كان الحاكم المنقلب عليه تولى الإمامة ببيعة صحيحة وإرادة الشعب الحرة، وهو ما يتصادم صراحة مع الإسلام وشريعته ونصوصه وأحكامه حتى لو جرى إلباس “الانقلاب” لباسا زائفا وتكييفه تكييفا خاطئا متعسفا لتببرير الجريمة وإلباسها زورا لباس الشرع بوصف المشاركة في الانقلاب فرضا على كل مسلم بوصفه أخف الضررين ،بحسب توصيف شيخ الأزهر نفسه![[1]] فهل كان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على دراية مسبقة بالانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي والمسار الديمقراطي؟ وهل كان مجرد مشارك جرى استدعاؤه فجأة بطائرة عسكرية خاصة أم كان متورطا في الانقلاب كأحد أركان الدولة العميقة التي تآمرت على الرئيس والمسار الديمقراطية وخلقت المسوغات والذرائع من أجل تبرير جريمة الانقلاب؟ ولماذا لم يعلن شيخ الأزهر توبته من هذه الكبيرة حتى اليوم؟ ولماذا كان منطلقه في الانحياز للانقلاب سياسيا لا شرعيا؟ ولماذا حاول إلباس موقفه السياسي لباسا شرعيا برهنت السنوات أنه لم يكن دقيقا في تكييفه الفقهي ولا في المآلات التي ترتبت عليه؟ تورط أم مشاركة فجائية؟ دور مشيخة الأزهر في الانقلاب تتجاوز حدود المشاركة الفجائية كما يروج الطيب ومقربوه لتصل إلى حد التورط في الجريمة. هذه الافتراضية تسعى  هذه الورقة البحثية إلى الإجابة عليها من خلال رصد مواقف الطيب خلال فترة حكم الرئيس مرسي وربطها بالخلفيات المعروفة عن الطيب كونه كان عضوا بلجنة السياسات التابعة للحزب الوطني وهو رجل عاش معظم حياته في كنف السلطة حيث تولى العديد من المناصب الحساسة التي لا يصل إليها إلا شخص يحظى بقبول وافر من جانب الأجهزة الأمنية وعلى رأسها أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا). لم يكن الطيب مجرد مشارك في مشاهد الانقلاب جرى  استدعاؤه فجأة من جانب الجيش كما يحب هو أن يروج لذلك لكي يغسل يده من الجريمة؛ لكن كل الأدلة والشواهد تؤكد أنه كان جزءا من المؤامرة للأسباب الآتية: أولا، ما يتعلق بشخص الطيب وتكوينه الصوفي فالدكتور أحمد الطيب، ينتمي إلى أسرة صوفية مرموقة، ولم يكن الطيب معروفا بنبوغه العلمي والدعوي، ولم يظهر على مسرح الأحداث إلا عندما عينه الرئيس الأسبق حسني مبارك مفتيا للديار المصرية في 10 مارس 2002م، وهو المنصب الذي يؤهله للمشيخة، بحسب العرف السائد، ولم يدم الشيخ الطيب في المنصب طويلا، إلا أن دار الإفتاء سجلت في عهده حوالي 2835 فتوى في سجلاتها، لتنتهي رئاسته الدار في 27 سبتمبر/ أيلول 2003 وتعيينه رئيسا لجامعة الأزهر، وهي الفترة التي شهدت بداية توتر علاقته بالإخوان،  حين أثيرت مسألة ما سمى بميليشيات طلاب الأزهر الإخوانية (عام 2006)، التى تعامل معها الدكتور أحمد الطيب ــ وفقا للتحليل الكاتب الكبير فهمي هويدي ــ بشدة لم يكن الموقف يقتضيها  وسواء تم ذلك استجابة للضغوط الأمنية أو تأثرا بخلفيته الصوفية كواحد من أقطاب الطريقة «الخلوتية» التى تقودها أسرته فى صعيد مصر، فالشاهد أن ذلك أسهم فى توسيع الفجوة بينه وبين الإخوان.[[2]] رئاسة الطيب لجامعة الأزهر أوجب عليه أن يكون على تواصل دائم  مع جهاز “أمن الدولة” وأن يلتزم حرفيا بالتعليمات والتوجيهات الصادرة من الجهاز؛ فمصر منذ عقود طويلة دولة بوليسية تديرها أجهزة  الأمن. ويبدو أن التزام الطيب بالتعليمات الأمنية أهلته للترقي؛ حيث ظل رئيسا للجامعة حتى وفاة سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، حيث تم تعيين الطيب شيخا للأزهر في 19 مارس 2010م ليكون بذلك هو الشيخ رقم 43 بين شيوخ الأزهر الشريف. وكان اختيار الطيب لافتا لأنه أستاذ في العقيدة والفلسفة بينما في الغالب يتم اختيار شيخ الأزهر من المتخصصين في علوم الشريعة العالمين بالفقه وأصوله. كما لم يعرف عن الطيب نبوغه وتميزه في علوم الشريعة ولم يعرف له مؤلف واحد يعتبر مرجعا لطلاب العلم في علوم الشريعة. بناء على ذلك، فإن معايير اختيار الطيب كشيخ للأزهر يبدو أنها اعتمدت على التقييم الأمني على نحو كبير. وقد برهن الطيب على ذلك بشكل عاجل؛ إذا تطلب تعيينه في هذا المنصب الحساس أن يتقدم باستقالته من لجنة السياسات بالحزب الوطني التي كان يرأسها جمال مبارك، لكن الطيب أرجأ الخطوة لحين عودة مبارك والذي كان وقتها في جولة علاجية بالمانيا، ليستأذن منه؛  في تأكيد على التزامه حرفيا بتوجيهات السلطة وتعليمات الأمن وهي الشروط التي أهلته لشياخة الأزهر مع قصور الجوانب العلمية لديه. هذه الفترة الطويلة تؤكد أن الطيب هو رجل السلطة داخل الأزهر الشريف. وهو ما أهله ليتبوأ هذه المناصب الحساسة منذ ظهوره على مسرح الأحداث قبل عشرين سنة حيث تولى منصب المفتي ثم رئيس لجامعة الأزهر فشيخا للأزهر. هذا التكوين الصوفي من جهة، وتواصله المستمر مع جهاز أمن الدولة من جهة أخرى كضرورة من ضروات عمله ومناصبه الحساسة، ثم قربه من السلطة كعضو في لجنة السياسات كلها عوامل تضافرت في تكوين شخصية الطيب، ودفعته…

تابع القراءة
شيخ محمود من الإمارات إلى تركيا

شيخ محمود من الإمارات إلى تركيا

  يعيش الشارع الصومالي مجموعة من الأزمات الطبيعية والأمنية التي تعرقل الجهود الداخلية والخارجية لانتشال البلد من الأزمات التي لطالما رافقته طيلة ثلاثة عقود. الأمر الذي يضع الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود أمام تحدٍّ كبير لمواجهة تلك الأزمات. وهو الرجل الذي أعلن انفتاحه على الجميع منذ توليه المنصب في 15 مايو الماضي. وفي هذا الإطار جاءت تحركات شيخ محمود الأخيرة في النطاق الإقليمي لمحاولة حل أزماته الداخلية، فكانت زياراته لكلٍّ من الإمارات ثم تركيا. فما هو وضع العلاقات بين الصومال وكلٍّ من تركيا والإمارات؟ وما هي أهداف ونتائج تلك الزيارتين؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..   أولًا: الصومال وتركيا: تعتبر تركيا منذ مطلع العام 2002 إحدى الدول التي تجمعها علاقة استراتيجية مع الصومال، فبحلول عام 2016 وقَّعت تركيا مع الصومال اتفاقيات تجارية واقتصادية شملت قطاعات عدة. بينها اتفاقيات في نمو التجارة الثنائية بين البلدين من 6 ملايين دولار عام 2010 إلى 80 مليون دولار عام 2017. وبهدف تعزيز النمو الاقتصادي الصومالي في ظل الحروب والمشاكل السياسية، سدَّدت تركيا في نوفمبر 2020 ديون الصومال المتأخرة لصندوق النقد الدولي والمقدرة 2.4 مليون دولار لتخفض أعباء الديون المفروضة على الصومال من 5.2 مليارات إلى 3.7 مليارات دولار حاليًا. كذلك تظل تركيا تقدم سنويًا منحة مالية لدعم ميزانية الصومال قدرها 2.5 مليون دولار شهريًا من أجل تعزيز المؤسسات الصومالية. هذا فيما تضاعفت فرص التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات بين تركيا والصومال في ظل اهتمام القطاع الخاص التركي بالاستثمار في الصومال، بالإضافة إلى إنشاء القاعدة التركية في العام 2017 التي تطل على البحر الأحمر بغرض تدريب الجيش الوطني الصومالي لمكافحة العمليات الإرهابية لحركة الشباب. كما شرعت تركيا بمطلع العام 2022 في عملية التنقيب عن النفط والغاز في الصومال.[1] ومنذ عام 2011، قدمت تركيا مساعدات إنسانية وتنموية تتجاوز قيمتها مليار دولار للشعب الصومالي. كما تواصل تركيا الإسهام في إعادة إعمار الصومال وتطوير بنيتها التحتية ومؤسساتها الصحية والتعليمية والأمنية والمواصلات.[2] زيارة الرئيس الصومالي لتركيا: تحمل زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى تركيا أبعادًا كثيرة في ظل التحديات الأمنية التي تمر بها الصومال منذ سنوات طويلة. ويحاول شيخ محمود من خلال الزيارة البحث عن دعم إنساني تركي لتجاوز الأزمة الإنسانية الراهنة هناك، في ظل تراجع الدعم والمساندة الدولية، فيما تريد أنقرة الحصول على مكاسب من البوابة الأمنية. وتشير السياسة الخارجية المُنتهجة من قِبل تركيا في ظل قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تجاه الصومال، إلى مدى إدراك أنقرة لأهمية هذا البلد لمصالحها الاستراتيجية. وقد عملت تركيا في سياق ترسيخ نفوذها في القرن الإفريقي وضمان منفذ على البحر الأحمر على زيادة الاهتمام بالملف العسكري بالصومال، من خلال إقامة قاعدة دائمة، فضلًا عن مراكز للتدريب. وفي خضم ذلك، تسعى أنقرة إلى ترسيخ نفوذها من باب الاقتصاد، حيث ينتظر تحريك المشاريع والعشرات من الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، ناهيك عن ملف المفاوضات المُتوقفة بين مقديشو وإقليم صومالي لاند ذاتي الحكم شمال البلاد. ومن الواضح أن شيخ محمود بحاجة إلى تعاون عسكري لدحر مقاتلي حركة الشباب المتشددة، التي استعادت نفوذها بعد تراجع العمليات العسكرية ضدها في السنوات الماضية. وتروج تركيا لنفسها بأنها من بين الدول الرائدة في صناعة الأسلحة الحديثة، وبإمكانها تعزيز دعم مقديشو العسكري بما يُرجح كفة الجيش الصومالي ضد المتطرفين. ويرى محللون أن الزيارة ستحرك المشاريع والعشرات من الاتفاقيات المُوقعة سابقًا بين البلدين ولم تر النور، وذلك لتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل بالصومال، حيث يتجاوز معدل البطالة 75%.[3] الأهداف الصومالية من الزيارة: أجرى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مباحثات مشتركة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال الزيارة، بحث خلالها ملفات عديدة تجمع البلدين في الاقتصاد، والعلاقات الدولية، والأمن ومكافحة الإرهاب. ويسعي الرئيس شيخ محمود من خلال الزيارة إلى مساهمة تركيا في حل الملفات الثلاث التي تحتل الصدارة في قائمة أولوياته، أولها؛ أزمة الجفاف: للعام الثالث على التوالي يشهد الصومال أزمة جفاف ضربت جميع الأقاليم نتيجة تذبذب الأمطار، ما يفاقم الأوضاع المعيشية للملايين من السكان في ظل نقص المساعدات الإنسانية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بحسب الهيئات الأممية. وبحسب آخر التقديرات الأممية فإن نحو 7 ملايين صومالي تضرروا جراء الجفاف، فيما تشرَّد أكثر من 805 ألف شخص من مساكنهم، إلى جانب نفوق 3 ملايين رأس من الماشية منذ منتصف 2021. وثانيها؛ الأمن والاستقرار: رغم الهدوء النسبي الذي يشهده الصومال على مدى السنوات الأخيرة، إلا أن التهديدات الأمنية لا زالت تراوح مكانها، فالهجمات الإرهابية تضرب العاصمة مقديشو والمدن الكبرى من حين لآخر، لكن بعد عودة انتحاب حسن شيخ محمود لرئاسة البلاد يتطلع الصوماليون للحد من هذه الفوضى. وثالثها؛ الوضع الاقتصادي: بفعل التجاذبات السياسية التي صاحبت الانتخابات التي شهدتها البلاد مؤخرًا إلى جانب تعليق المجتمع الدولي المساعدات المالية لدعم الميزانية الحكومية تدهور الوضع الاقتصادي الصومالي الذي أثَّر سلبًا على الوضع المعيشي في البلاد.[4] هذا ولم يتم الإعلان بعد عن النتائج الفعلية للزيارة. ثانيًا: الصومال والإمارات: تُعد الصومال أحد دول منطقة القرن الإفريقي المهمة التي تحظى باهتمام الإمارات نظرًا لموقعها الاستراتيجي الذي يجذب دولا عديدة منافسة، حيث تحرص على التواجد في المنطقة من خلال دعم استثماراتها فيها بما يضمن لها موضع قدم في المنطقة الحيوية عند مدخل البحر الأحمر. العلاقات الصومالية الإماراتية بين فرماجو وشيخ محمود: خاصةً بعد أزمة احتجاز لأموال إماراتية عندما احتجز نظام فرماجو عام 2018 دعمًا ماليًا قدَّمته الإمارات للجيش الصومالي. كما تسبَّب النظام السابق في تعكير صفو العلاقة بين الصومال والإمارات حينما تم رفض اتفاق شركة موانئ دبي العالمية مع أرض الصومال لتطوير واستثمار ميناء بربرة، زاد من التوتر أن تزامن ذلك مع أزمة فرماجو ورئيس البرلمان وقتها محمد شيخ عثمان جواري الذي استقال على إثرها وتولى محله محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، المعروف بولائه لفرماجو. وفي إطار سعيه لحل تلك المشكلات العالقة؛ عمل شيخ محمود على إعادة الصومال المبلغ المُصادر وقيمته 9.6 مليون دولار إلى دولة الإمارات، في أعقاب تقديم رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي لاعتذار رسمي وعلني للإمارات، التي رحبت بالموقف الصومالي الرسمي. وتقديرًا للموقف الصومالي، قدَّم وزير الخارجية الإماراتي الشكر إلى رئيس الوزراء الصومالي لمساهمته في إذابة جليد التوتر وإعادة الدفء من جديد للعلاقة بين البلدين. كما أعرب أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، عن تثمينه لهذه الخطوة وقال إن الاعتذار الصومالي يفتح صفحة جديدة لتواصل الإمارات خطواتها لترميم الجسور بما يعزز الاستقرار والسلام. وكانت هناك لقاءات متكررة جمعت بين مسؤولين من الجانب الصومالي والإماراتي سبقت زيارة الرئيس شيخ محمود للإمارات، منها لقاء حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين رئيس مجلس الشعب في البرلمان الاتحادي الصومالي، الشيخ آدم محمد نور “مدوبي”، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الصومال…

تابع القراءة
تجدُّد النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا

تجدُّد النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا

  أعلنت القوات المسلحة السودانية، يوم الأحد 26 يونيو، أن الجيش الإثيوبي أعدم 7 جنود سودانيين ومواطن كانوا أسرى لديه، موكدةً أن الموقف الغادر لن يمر بلا رد، وسيرد السودان على هذا التصرف بما يناسبه، ووصف البيان التصرف الإثيوبي بأنه يتنافى مع كل قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي الإنساني. فماذا كانت خلفيات الواقعة وتفاصيلها؟ وكيف كانت ردود الفعل حولها؟ وما هي دلالاتها وإمكانيات تطورها لحرب بين البلدين؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. خلفيات وتفاصيل الواقعة: نقلت صحيفة “سودان تربيون” قبل أيام من الواقعة، عن مصادر عسكرية وصفتها بالموثوقة، خبرًا مفاده أن إثيوبيا نشرت تعزيزات عسكرية في منطقة الفشقة المتنازع عليها بين البلدين من عناصر من جيشها وميليشيات من ولاية أمهرا المجاورة. ولم يُحدِّد التقرير موعد نشر تلك التعزيزات. وقال التقرير إن عملية الانتشار استهدفت توفير الحماية لمزارعي ولاية أمهرا في منطقة الفشقة، وإن “السلطات الإثيوبية أقامت مستوطنتين للجيش وواحدة أخرى للميليشيات في الأجزاء الشرقية من المنطقة الخصبة”. وأضافت الصحيفة أن السلطات في ولاية أمهرا الإثيوبية طلبت من الجيش الإثيوبي والميليشيات -في اجتماع ضم 700 مسؤول ومزارع- حماية المزارعين. وقبل أيام قليلة، دعا مزارعون سودانيون حكومة بلادهم إلى تسليحهم لكي يتمكنوا من حماية أنفسهم في مواجهة ما قالوا إنها “تحركات من جانب الميليشيات الإثيوبية”. وطالبوا الحكومة أيضًا بنشر المزيد من القوات في المنطقة. ثم تطور الأمر باختطاف 7 جنود ومدني واحد من الأراضي السودانية واقتيادهم إلى الأراضي الإثيوبية، في 22 يونيو الماضي، ومن ثمَّ قتلهم، و”التمثيل بجثثهم على الملأ”، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية. وأدانت الخارجية السودانية بأشد العبارات ما أقدم عليه الجيش الإثيوبي من جريمة تجافي مبادئ القانون الإنساني الدولي. وأضاف البيان أن الوزارة بينما تشجب “هذا السلوك غير الإنساني” تذكَّر بأن السودان يستضيف أكثر من مليوني مواطن إثيوبي “ينعمون بمعاملة كريمة ويتقاسمون مع الشعب السوداني موارده ولقمة عيشه في كرم وتسامح”.[1] ردود الفعل السودانية والإثيوبية: وفي أول رد فعل على الواقعة، أعلنت الخارجية السودانية بأنها شرعت في التقدم بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، كما أعلنت عن استدعاء السفير السوداني لدى إثيوبيا فورًا للتشاور، وأيضًا استدعاء السفير الإثيوبي بالخرطوم لإبلاغه بشجب وإدانة السودان لهذا السلوك غير الإنساني. ومن جانبه، تفقَّد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القوات السودانية في موقعين قُرب الحدود مع إثيوبيا، وشدَّد على أن دماء الشهداء لن تضيع سدى، مؤكدًا أن الرد سيكون واقعًا ملموسًا على الأرض، وأن ما جرى لن يتكرر مرة أخرى. ووجَّه رئيس مجلس السيادة الانتقالي بـ “عدم السماح بأي تحركات أو تعديات جديدة على الأراضي السودانية والمواطنين حتى خط الحدود الدولية”. وفي المُقابل؛ أصدرت الحكومة الإثيوبية بيانًا صحفيًا وصفت فيه الحادث بأنه “مأسوي”، مُعربةً عن أسفها لـ “الخسائر في الأرواح نتيجة المناوشات بين الجيش السوداني ومليشيا محلية، والتي سيُجرى تحقيق بشأنها قريبًا”. وأعلنت، وفق البيان الذي أوردته وكالة فانا المحلية، أنها “ترفض رفضًا قاطعًا تحريف هذه الحقائق من قِبل قوات الدفاع السودانية التي ألقت اللوم ظلمًا على إثيوبيا، بينما كانت وحدة الجيش السوداني، هي التي عبرت الحدود الإثيوبية بطريقة استفزازية”. وأعربت عن أملها في أن “تمنع الحكومة السودانية نفسها من أي تصعيد للحادث وتتخذ تدابير من شأنها أن تهدئ من تصعيد الموقف”. وذكرت أن الحادث مُختلق عمدًا “لتقويض العلاقات العميقة الجذور بين شعبي إثيوبيا والسودان علاوةً على ذلك، كان الهدف من الحادث هو تدمير وعرقلة إثيوبيا من طريق السلام والتنمية”، مؤكدةً أنها ستظل ملتزمة بـ “مبادئ الحل الودي للخلافات بين الدول”.[2] ومن جانبه، قال المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان روبرت فيروز إنه ليس من مصلحة السودان وإثيوبيا تصعيد الأحداث بينهما. وجاء ذلك خلال لقاء المبعوث البريطاني مع وكيل الخارجية السودانية دفع الله الحاج، الذي قدم بدوره شرحًا للأحداث في الفشقة، قائلًا إن ما قامت به إثيوبيا هناك لا يتوافق مع المواثيق والأعراف الدولية. وأوضح الحاج أن من واجب الحكومة السودانية الدفاع عن أراضيها ومواطنيها، وأن بلاده تمارس سياسة ضبط النفس، لمنع التصعيد بين البلدين جراء الحادث.[3] دلالات التصعيد: إحدى الدلالات المهمة في تعاظم دور إثنية الأمهرا هو سيطرتها على أجهزة الدولة الإثيوبية، ويرجح ممارستها ضغوطًا على آبي أحمد من أجل استمرارها بالوقوف معه، خصوصًا في ظل نشوء عزلة وانتقادات داخلية بدأت تتشكَّل حول سياساته. وبما أنها صاحبة المصلحة الأولى في أراضي الفشقة الصالحة للزراعة والتي تبلغ نحو مليوني فدان، فمن المُرجَّح أنها ستفعل ما بوسعها لخدمة نزعتها المُتمثِّلة في الاستحواذ على المنطقة، وتقييد إمكانية وصول المزارعين السودانيين إليها. وللتوقيت الزماني دلالة أخرى؛ إذ إن هذه الهجمات تتجدَّد في مواسم الأمطار والاستعداد لزراعة المحاصيل في هذه المنطقة المشهورة بخصوبتها. كما أن البلدين يشهدان في هذه المرحلة تحديات أمنية وعسكرية؛ ففي السودان لم تهدأ الحرب في دارفور، كما أن القوات الإثيوبية تواصل حربها مع جبهة تحرير تيجراي، ومن المُتوقع تمدُّدها إلى مساحات أكبر خارج إقليم تيجراي. وكلما اشتد الصراع بين التيجراي والأمهرا، تُصعِّد إثيوبيا باتجاه السودان، كمحاولة لإدارة أزمتها الداخلية وتوزيع الضغط الواقع عليها خارجيًا. وبما أنه لا يمكنها الاتجاه إلى أي دولة جوار أخرى، فإنها تستفيد من بذور الخلافات الموجودة حاليًا مع السودان، فضلًا عن أن التصعيد مهما ارتفع، فإن مداه لن يصل إلى احتمال الحرب لاعتبارات عدة لا تحكم تحركات إثيوبيا وحدها، وإنما السودان أيضًا وتحد من احتمالات التصعيد القصوى.[4] هل يُمكن أن يتطور النزاع إلى حرب؟ تُشير توقعات المراقبين إلى أنه من المُستبعد في الوقت الراهن أن يتطور النزاع الحدودي على المنطقة إلى حرب بين البلدين، فالبلدان مشغولان بصراعات داخلية. وتخوض القوات الإثيوبية في إقليم تيجراي حربًا لم تنته بعد ضد مقاتلي جبهة تحرير شعب تيجراي. كما أن إثيوبيا تخشى من أن حربًا كهذه إذا ما اندلعت فإنها ستدفع الخرطوم إلى إيواء ودعم وتسليح مقاتلي جبهة تحرير شعب تيجراي، فالسودان يأوي أكثر من 67 ألف لاجئ إثيوبي فروا من تيجراي. كذلك فإن السودان ليس في وضع يسمح له بخوض حرب مفتوحة في الوقت الراهن، بسبب الوضع السياسي الهش، كما أن البلاد لا تزال تواجه أزمة اقتصادية طاحنة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتبعات انتشار جائحة كورونا إضافةً إلى الاضطرابات القبلية في إقليم دارفور وغيره من المناطق، بجانب تبعات الانقلاب العسكري الأخير. وقد استبعد قادة البلدين في السابق تطور الأمور إلى حرب شاملة بسبب الخلاف على المنطقة الحدودية في الفشقة. فقد قال رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان إن بلاده ليست لديها نية لخوض حرب مع إثيوبيا، ولكنه تعهد خلال زيارة إلى المنطقة في نوفمبر 2021 بأن السودان لن يتنازل عن “شبر واحد” من أراضيه. كما استبعد رئيس الوزراء…

تابع القراءة
الانتخابات التشريعية الفرنسية: السيناريوهات والدلالات

الانتخابات التشريعية الفرنسية: السيناريوهات والدلالات

  بالرغم من إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، لم يتمكَّن إيمانويل ماكرون من الفوز بالأغلبية المُطلقة في البرلمان بعد الانتخابات التشريعية الفرنسية التي نُظِّمت في 12 و19 يونيو. حيث حصل الائتلاف الرئاسي “معًا” على 245 مقعد لن تسمح له بالحكم وحده. فماذا كانت نتائج الانتخابات؟ وما هي السيناريوهات المُتوقعة أمام ماكرون؟ وماهي هي دلالة النتائج في ظل هذه السيناريوهات؟ وما هو موقف المهاجرين من النتائج؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية: أحدثت نتيجة الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية تحولات كبرى غيرت من الخريطة السياسية والثقافية في البلاد، وستؤثر حتمًا على قدرة الرئيس الفرنسي على الحكم واختيار الحكومة. فلم يحصل تحالفه الانتخابي (النهضة) على أغلبية مطلقة كما جرى في انتخابات 2017، حيث حصل على أغلبية نسبية (245 مقعد من 577) والتي ستضطره إلى عمل تحالفات مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة جديدة. وقد جاء في المرتبة الثانية تحالف أحزاب اليسار بزعامة جان لوك ميلنشون، والذي يحمل مشروعًا سياسيًا واجتماعيًا مناقضًا لتوجهات الرئيس ماكرون، أما المرتبة الثالثة، فقد احتلها حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان وحصل على 89 مقعد، ثم جاء في المرتبة الرابعة الحزب الذي كان شريك الحكم الرئيسي في فرنسا منذ تأسيس ديجول الجمهورية الخامسة عام 1958 وتغير اسمه من الاتحاد من أجل الجمهورية إلى الجمهوريين، وحصل على 64 مقعد فقط، وأخيرًا حصلت أحزاب وشخصيات مستقلة من اليسار واليمين على 48 مقعد. وقد بلغت نسبة المقاطعة في هذه الانتخابات حوالي 54% وهي نسبة مرتفعة خاصةً أن نسب المقاطعة في انتخابات 2002 كانت 39% وفي 2007 كانت 40% ثم ارتفعت مرة أخرى في 2012 حتى وصلت إلى 44%. ولازالت النسبة الأكبر من المقاطعين من الشباب (من 18 إلى 30 سنة).[1] السيناريوهات المُحتملة وفقًا للنتائج: يُمكن توقُّع مجموعة من السيناريوهات وفقًا لنتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة: أولها؛ حكومة وحدة وطنية: تجمع بين أكبر عدد من الأحزاب السياسية، وتنال ثقة معظم الكتل البرلمانية، وتكون امتدادً للجبهة الجمهورية التي تكوَّنت في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية وصوَّتت لصالح ماكرون، ونسبة هذا السيناريو في التحقُّق ضئيلة نظرًا للاختلافات الكبيرة في البرامج. وثانيها؛ حكومة التحالفات المؤقتة: وهي إمكانية واردة وقد تكون مريحة للأكثرية الرئاسية، وتتمثَّل في صفقات سياسية لكل موضع تصويت لتشريعات أو قوانين، وهو خيار ذكره ماكرون في خطابه للتعليق على نتائج الانتخابات يوم 22 يونيو. وثالثها؛ تشكيل حكومة يشترك فيها تحالف “معًا” مع أقصى اليمين: وتنال ثقة نواب الجبهة الوطنية (89 مقعد) والتحالف الرئاسي (245 مقعد)، مما يعطي أغلبية مريحة لكنها محرجة سياسيًا للرئيس وأتباعه، رغم عدم استبعادها من قِبل الطرف الآخر. ورابعها؛ حكومة تحالف مُوسَّع: وهو الأقرب للواقع، حيث تشكيل حكومة يمين معتدل أو يمين وسط تجمع بين التحالف الرئاسي والجمهوريين على أساس برنامج محدد يتم التفاوض حوله مُسبقًا باعتبار أن أي صيغة تعاون بين الطرفين يُمكن أن توفر أغلبية مريحة في حدود 309 مقعد، لكن يظل هذا الأمر محل خلاف بين الجمهوريين. وخامسها؛ اللجوء إلى انتخابات مبكرة: حيث قد يضطر ماكرون -للخروج من الأزمة- إلى حل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات جديدة في حدود سنة واحدة من الآن -وفقًا للدستور-.[2] دلالات النتائج في ضوء السيناريوهات المُحتملة: يجعل انقسام البرلمان الفرنسي وعدم وجود حزب أو تحالف يمتلك أغلبية مطلقة المشهد يتسم بعدم القدرة على تشكيل حكومة قادرة على العمل لفترة طويلة، حيث تفرَّق البرلمان بين أربع كتل رئيسية لم تُشكِّل أي منها أغلبية مطلقة. وهذا يُقيِّد الرئيس الفرنسي في سلطاته الداخلية، بسبب إجباره على تشكيل حكومة يرأسها وزيرًا أول خارج سلطته. حيث فشل على الأقل ثلاثة من وزراء حكومته الحالية في الفوز داخل دوائرهم الانتخابية، وبالتالي سيكونون خارج أي تشكيلة حكومية قادمة. وهكذا فإن الوضع السياسي في فرنسا أصبح غير مريح بالنسبة لماكرون، الذي سيكون عليه السعي لتشكيل حكومة بتحالفات ضيقة، نظرًا لأن خصومه في اليمين واليسار بإمكانهم أيضًا إما السعي إلى تحالف مع المحافظين أو إدارة حكومة أقلية سيتعين عليها التفاوض على القوانين على أساس كل حالة على حدة مع الأحزاب الأخرى. ويُمكن لماكرون أيضًا أن يضطر لرهن نفسه لرئيس وزرائه السابق إدوارد فيليب، الذي سيطالب بأن يكون له رأي أكبر فيما يتعلَّق بقرارات الحكومة، وهو ما يجعل الرئيس الفرنسي في حالة مزعجة تُحتِّم عليه تقديم المزيد من التنازلات. وسواء شكَّل ماكرون حكومة بأغلبية نسبية، وأبقى على رئيسة الحكومة الحالية إليزابيث بورن، أو أبعدته الأحزاب المعارضة وشكَّلت حكومة أقلية، فسيكون الوضع بالنسبة للرئيس الفرنسي مُزعجًا أيضًا في كلتا الحالتين، إذ ستكون الحالة السياسية غير مستقرة، وستصطدم سياسات تحالف “معًا” في كل مرة بعقبات ومضايقات من باقي أعضاء البرلمان، الذين يُشكِّلون مجتمعين الأغلبية.[3] موقف المهاجرين من نتائج الانتخابات: أثارت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، انقسامًا في آراء المهاجرين، بين مطمئن ومتخوف من المستقبل. فبينما يرى البعض أن السنوات الخمس المقبلة بالنسبة لماكرون ستكون مليئة بالتسويات البرلمانية التي قد لا تكون لصالح المهاجرين والعرب المقيمين في فرنسا. حيث كانت مارين لوبان ضد العديد من سياسات الهجرة وتسعى إلى تقنينها أكثر وتوعدت بالطرد وتمرير قوانين قد تمس أيضًا المهاجرين الحاصلين على الجنسية الفرنسية. فقد كانت مرشحة حزب الجبهة الوطنية، خصصت في برنامجها الانتخابي للرئاسيات لموضوع الهجرة ملفًا مؤلفًا من حوالي 40 صفحة يحمل عنوان “السيطرة على الهجرة”، وضعت فيه مقترحات للدفاع عن هوية وتراث فرنسا. ودعت من خلاله لوبان إلى إجراء تعديل دستوري، عبر تنظيم استفتاء حول المسائل الأساسية “للسيطرة على الهجرة وحماية الجنسية والهوية الفرنسية، وذلك بهدف تبنِّي مشروع قانون يُجرِّم دخول المهاجرين إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية. كما تسعى إلى جعل طلب اللجوء مُقتصرًا على السفارات والقنصليات خارج التراب الفرنسي، والحد من إجراءات لم الشمل وتشديد شروط منح الجنسية ووضع شروط تقيّد وصول المهاجرين إلى المساعدات المادية الشهرية، كما ستعطي الأولوية للفرنسيين في سوق العمل والحصول على سكن اجتماعي. إلا أن البعض الآخر من المهاجرين يرى أن هناك توازنًا بين القوى في مجلس النواب الفرنسي. ويرى هؤلاء أن ميلانشون الذي ترافع عن المهاجرين والمسلمين في الإعلام الفرنسي طيلة حملة الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية دخل البرلمان بقوة وأفقد ماكرون الغالبية المطلقة، سيكون في المعارضة ولن يسمح بتمرير قوانين ضد المهاجرين الذين ساندوه بكل قوة. فعكس مارين لوبان، دعا متزعم اليسار إلى الترحيب بالمهاجرين وتمتيعهم بكافة الحقوق ومعاملة المهاجرين غير الشرعيين بإنسانية.[4] الخُلاصة؛ وهكذا؛ فقد أحدثت الانتخابات البرلمانية الفرنسية تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي الفرنسي الذي لم يعد يسيطر علية نظام ثنائي القطبية (اليمين واليسار) إنما مشهد مُفتَّت، وقد يكون مؤقتًا وارد أن يتغير قريبًا مع صعود انقسام جديد قائم أساسًا على الفارق بين توجه يساري يحمل جوانب شعبوية (تيار ميلنشون)…

تابع القراءة
الدور الخليجي في انقلاب 03 يوليو

الدور الخليجي في انقلاب 03 يوليو

    لم تُخفِ دولة الإمارات شعورها بالغبطة من إزاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 03 يوليو 2013م، وقال وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان: “إن جيش مصر العظيم يثبت من جديد أنه بالفعل سياج مصر وحاميها ودرعها القوي الذي يضمن لها أن تظل دولة المؤسسات والقانون التي تحتضن كل مكونات الشعب المصري الشقيق” [[1]]. وبدت وسائل الإعلام في الإمارات المملوكة للدولة بشكل أو بآخر، في أعلى درجات الارتياح لإطاحة الجيش المصري بمرسي وإمساك القيادة العسكرية بمقاليد الأمور.[[2]] وقد جاء الموقفان السعودي والكويتي قريبين من موقف الإمارات. وكان لافتًا أن أول تهنئة للمؤقت عدلي منصور أتت من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الذي أدلى ببيان يهنئ فيه الحكومة الجديدة؛ ما شكّل رسالة دعْم واضحة لانقلاب الجيش على مرسي. أما الكويت، التي لا يوجد فيها توجس من الإخوان كما هي الحال في بقية دول الخليج، فقد جاء موقفها أقل اندفاعًا من الموقفيْن السعودي والإماراتي، لكنه لم يختلف عنهما في جوهره؛ ونُقل عن الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمير الكويت، إشادته بالقوات المسلحة المصرية على “الدور الإيجابي والتاريخي” الذي قامت به في الحفاظ على الاستقرار. وأعلنت الكويت أيضًا عزمها تقديم أربعة مليارات دولار لمصر من المساعدات العاجلة. وأتى الموقفان: البحريني والعُماني أقرب إلى التزكية الصامتة للإطاحة بمرسي، بدافع الصراع الداخلي في البلديْن مع القوى الإسلامية المحلية، فيما بقت قطر هي الدولة الوحيدة في الخليج التي تحفظت على الانقلاب ودعت إلى ضرورة حقن الدماء والبدء في مصالحة شاملة. إزاء ذلك، كيف كان الدور الخليجي محوريا في انقلاب الجيش على الرئيس مرسي؟ وكيف تورطت حكومات خليجية في التحريض وإثارة الفوضى والفلتان الأمني كما أثبتت ذلك تقارير أمنية بالغة  السرية؟ وكيف تمكنت الإمارات والسعودية من شراء ذمم قيادات الجيش وتقدم ملايين الدولارت كرشاوي لإعلاميين ومسئولين وسياسيين من أجل إنجاح الانقلاب؟ وما تفسير ذلك؟ وما النتائج التي ترتبت عليه لاحقا في تصميم المشهد الإقليمي؟ أولا،  يعتبر محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، والأمير السعودي بندر بن سلطان، رئيس المخابرت السعودية وقتها، هما مهندسا الانقلاب ومخططاه منذ أواخر 2012، بالتشارك مع جهاز الموساد الإسرائيلي وأجنحة داخل مؤسسات الحكم الأميركية مثل البنتاجون والخارجية والسي آي إيه. وقد عقدت مئات الاجتماعات في أبو ظبي والرياض وواشنطن وتل أبيب وحتى عواصم أوروبية من أجل الترتيب للخطة وتوفير سبل النجاح لها. وتولت السفيرة الأمريكية “آن باترسون” مهمة تعقيد الأوضاع أمام الرئيس مرسي وربط خيوط الانقلاب ببعضه،  تولت الامارات والسعودية عملية التمويل،  وتولت الدولة العميقة (قيادات الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء والإعلام) مهمة التنفيذ على الأرض. وينقل عن  بن زايد قوله في جلسات خاصة «سنتكفل بإسقاط مرسي حتى لو كلفنا الأمر أكثر من موازنة أبو ظبي».[[3]] ولعل هذا ما يفسر تدفق ملايين الدولارات من الإمارات على مصر في صورة رشاوي لقنوات فضائية وصحفيين ومعارضين علمانيين كانوا رموزا في “جبهة الإنقاذ”، إضافة إلى حركة “تمرد” التي ولدت في دهاليز المخابرات المصرية بتمويل إماراتي كامل، حسبما كشفت تسريبات “مكملين” لعباس كامل مع اللواء صدقي صبحي،  رئيس هيئة الأركان وقتها، والتي تم بثها في فبراير 2015. هذا يعني أن الدور الأمريكي الإسرائيلي الخليجي قد وفر للسيسي والدولة العميقة كل شروط النجاح للانقلاب (أموال طائلة ــ غطاء دولي ــ إعلام تحريضي ــ كنيسة متحفزة معادية للإسلام والمسلمين ــ سلفيين مملون من السعودية ــ علمانيون متطرفون) وهؤلاء كانوا الغطاء المدني للانقلاب العسكري، كان الهدف هو 03 يوليو والإعلان السافر عن الانقلاب العسكري؛ لكن ذلك يحتاج إلى الغطاء المدني (30 يونيو)، من أجل تبييض صورة الانقلاب مقدما وصبغه  بصبغة مدنية ولو مزيفة ومدفعوعة الأجر أو بدافع الكراهية،  حتى يسمح ذلك للولايات المتحدة والغرب بمباركة الانقلاب ولو على محطات تدريجية وصولا إلى مباركته عمليا وتكريس وجوده والاعتراف به كما جرى لاحقا. ثانيا، عملت عواصم الخليج على تحريض الأمريكان من أجل إسقاط  النظام الديمقراطي المنتخب بدعوى أنه نظام “الإخوان”، وبحسب الكاتب، دافيد دي كيركباتريك، المدير السابق لمكتب “نيويورك تايمز” الأمريكية في القاهرة، في كتابه “بين أيدي العسكر”، يؤكد أن السعودية والإمارات مارستا ضغوطا شديدة لإقناع واشنطن بأن الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يشكلون خطراً على المصالح الأمريكية. كما وجد المسؤولون الأمريكيون فيما بعد بأن الإمارات العربية المتحدة كانت توفر دعماً مالياً سرياً لتنظيم الاحتجاجات ضد الرئيس مرسي. ويفسر كيباتريك ذلك بأن حكام الخليج يخافون من فكرة الانتخابات ذاتها وينتابهم الذعر من فكرة وصول الإسلاميين إلى السلطة في دولة عربية كبرى كمصر عبر الديمقراطية.  يقول “كيباتريك”: «في مقابلة جرت في وقت مبكر من عام 2016، أخبرني السيد تشاك هيجل، وزير الدفاع الأمريكي، بأنه كان محاصراً بالشكاوى الموجهة ضد الرئيس مرسي من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقال السيد هيجل إن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي للإمارات ورئيس قواتها المسلحة، وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها “باتت اليوم العنصر الأخطر على الأرض في الشرق الأوسط”. وفي لقاء السيسي وهيجل بالقاهرة، قال السيسي: «توجد بعض القوى الشريرة جداً على الأرض – أنتم لا تستطيعون فهمها كما نفهمها نحن هنا». في تأكيد على عداء السيسي للإخوان وتربصه بهم رغم أنه في ذات الوقت كان يبدي  أعلى صور الطاعة والإذعان للرئيس. ويبدو أن الضغوط الخليجية على واشنطن وجدت آذانا صاغية من قيادات رفيعة كوزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس السي آي إيه وغيرهم؛ وقد أخبر هيجل “كيباترك” أنه اتفق مع مخاوف الإماراتيين قائلا لهم: «إن الإخوان المسلمين خطرون – ونحن ندرك ذلك.” بينما خاطب السيسي قائلاً: “أنا لا أعيش في القاهرة، أنت تعيش فيها. عليك أن تصون أمنك وأن تصون بلادك.” في تحريض سافر على الانقلاب. وحتى وزير الخارجية الأمريكي وقتها “جون كيري” والذي دافع عن انقلاب السيسي بشدة، واعتبره خطوة على طريق الديمقراطية، يؤكد كيباتريك أن  “كيري” ومنذ كان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي يرتبط بعلاقات وطيدة ببعض أشد الناس عداوة للإسلاميين داخل العائلات الحاكمة في الخليج على مدى عقود قضاها داخل مجلس الشيوخ، حتى أنه كان في بعض الأوقات يرافقهم في رحلاتهم البحرية. كان باستمرار يرتاب من الإخوان المسلمين ويقول إنه لا يثق بهم كما أخبرني فيما بعد. وعندما زار القاهرة لأول مرة كوزير للخارجية في مارس من عام 2013، لم يعجبه الرئيس مرسي وشكل عنه انطباعاً سلبياً.[[4]] بل إن كيري أخبر كيباترك أن واشنطن لم تدفع نحو 80 مليار دولار كمساعدات  لمصر على مدار العقود الماضية من أجل أن يأتي نظام ديمقراطي يخالف ديمقراطية جيفرسون الأمريكية. في إشارة إلى أن النظام الديمقراطي في مصر يهدد المصالح الأمريكية والنفوذ الأمريكي في مصر الذي جرى تشييده على مدار عقود منذ اتفاقية “كامب ديفيد” في مارس 1979م. يقول كيري: «في مصر، ما…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022