الموقف الأوروبي من انقلاب 03 يوليو .. رصد وتحليل
انقلاب 03 يوليو كشف عن ثلاثة كتل إقليمية ودولية تتباين رؤيتها عن الوضع في مصر: الكتلة الأولى، هي تحالف الثورات المضادة الذي يدعم تحرك الجيش وانقلابه بكل الطرق والوسائل من أجل إجهاض الثورة والمسار الديمقراطي، وهذا التحالف أعلن بشكل واضح دعمه ومساندته للانقلاب، بل كان له دور مركزي في مؤامرة الانقلاب، وأبرز الدول التي تنضوي تحت هذا التحالف هي (إسرائيل ــ الإمارات ــ السعودية ــ الكويت ـ الأردن). وقد أمدت عواصم الخليج السيسي بنحو 12 مليار دولار بشكل عاجل من أجل دعمه وتثبت أركان انقلابه، بخلاف الأموال التي تدفقت بشكل غير علني وهذه تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. الكتلة الثانية، هي الكتلة التي رأت في 03 يوليو انقلابا عسكريا، يعصف بثورة يناير والمسار الديمقراطي وإرادة الشعب الحرة، وأن هذه الخطوة تمثل سحقا للثورة والديمقراطية وتستهدف إعادة مصر إلى حظيرة (تحالف الاعتدال العربي)، وهو المصطلح الذي يراد به التحالف العربي الموالي لإسرائيل والداعم لدمجها في المنطقة في سياق تحالف واسع ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وأبرز الدول التي عارضت هذه الخطوة هي تركيا وقطر. الكتلة الثالثة، هي الدول الغربية التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقد تبين بالدليل من خلال ورقتنا البحثية (الدور الأمريكي في انقلاب 03 يوليو)، أن واشنطن كانت ضالعة في مخططات إسقاط الانقلاب من خلال الإمساك بك خيوط اللعبة؛ حيث وظفت نفوذها الواسع داخل الجيش والذي شيدته منذ اتفاق كامب ديفيد سنة 1978م، وحرضت المؤسسة العسكرية على الانقلاب وشجعتها على الإطاحة بالرئيس المنتخب وحكومته، وجاءت تصريحات المسئولين الأمريكيين مؤيدة ذلك حيث تجنبت واشنطن وصف ما جرى بأنه “انقلاب”، بينما اعتبر وزير الخارجية جون كيرى انقلاب الجيش خطوة على مسار البناء الديمقراطي! أما الاتحاد الأوروبي فكان غير مرحب بالمرة لصعود الإسلاميين على هرم السلطة في أكبر دولة عربية، لكنهم كانوا مجبرين على القبول بهذا الوضع (غير المريح)؛ لأنهم جاءوا بطريقة ديمقراطية نزيهة. وبالتالي كان الموقف الأوروبي في جوهره قريبا من الموقف الأمريكي؛ إذ لا يتخيل أن تحركات واشنطن لإسقاط حكم مرسي كانت غير معروفة للأوروبيين، كما لا يتخيل أيضا أنه لم يكن هناك تنسيق مشترك وتوزيع أدوار من أجل إنجاح مخططات الانقلاب على النحو الذي جرى. وكانت المشكلة هي عملية القبول الأمريكي الأوروبي بالنظام الانقلابي وهو ما يناقض فعليا كل الشعارات والمبادئ التي ترفعها أوروبا وتتباهى بها أمام العالم. ولذلك حرص الإتحاد الأوروبي أيضا على عدم وصف ما جرى بأنه انقلاب، وعملت كاثرين آشتون، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على الضغط على الإسلاميين من أجل القبول بالانقلاب والتسليم بنتائجه، من إجل تمكين الانقلاب ومنحه الشرعية المفقودة بما يسهل الموقف الأوروبي واعترافه بنظام السيسي. إزاء ذلك، ما حدود وأبعاد الدور الأوروبي في مؤامرة الانقلاب على الثورة والديمقراطية في مصر؟ وهل تورطت أوروبا في هذه المؤامرة؟ وما الدليل على ذلك؟ وكيف استقبلت أوروبا انقلاب السيسي؟ ولماذا ضغت كاثرين آشتون على الرئيس مرسي وتحالف دعم الشرعية من أجل التسليم بالانقلاب والقبول بنتائجه؟ وكيف اعترفت أوروبا بشرعية الانقلاب لاحقا وتجاهلت كل ما تدعو إليه من مبادئ وقيم ديمقراطية؟ وما دلالات ذلك ونتائجه على أوروبا؟ أدلة التورط الأوروبي أولا، تفاوتت ردود الفعل الأوروبية على الانقلاب، لكنها لم تصل إلى مستوى الإدانة، فـبعد إعلان الانقلاب على الرئيس مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 أعلنت بريطانيا أنها “لا تدعم تدخل الجيش لحل النزاعات في الأنظمة الديمقراطية” ودعت إلى للتهدئة. واعتبرت ألمانيا الانقلاب “فشلا كبيرا للديمقراطية”، ودعت إلى “عودة مصر في أسرع وقت ممكن إلى النظام الدستوري”.أما فرنسا فقالت إنها تأمل أن يتم الإعداد للانتخابات في ظل احترام السلم الأهلي والتعددية والحريات الفردية والمكتسبات في العملية الانتقالية كي يتمكن الشعب المصري من اختيار قادته ومستقبله. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن “التدخل العسكري في شؤون أي دولة هو مبعث قلق”، ودعا إلى “المسارعة إلى تعزيز الحكم المدني وفقا لمبادئ الديمقراطية”.ودعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى “العودة سريعا إلى العملية الديمقراطية بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة”.[[1]] وكلها ردود فعل لم تصف ما جرى على أنه انقلاب، وتقبل ضمنا بالإطاحة بالرئيس المنتخب وحكومته مع الدعوة إلى البدء من جديد وطي صفحة مرسي. ثانيا، تحركات خفية لمسئولين أوروبيين بالتوازي مع تحركات كاثرين آشتون العلنية، بهدف تنسيق جهود العلمانيين وحشدهم ضد الرئس مرسي لإسقاط نظامه؛ والربط بينهم وبين المؤسسة العسكرية؛ وقد اعترف الدكتور محمد البرادعي، مؤسس ومنسق جبهة الإنقاذ ونائب المؤقت عدلي منصور، أن مخطط الانقلاب العسكري وضعه (برناردينو ليون، الدبلوماسي الإسباني)، يقول البرادعي خلال ندوة سياسية في يوليو 2015م: « لقد وقعت على انتخابات رئاسية مبكرة وخروج مشرف للسيد مرسي، والوصول إلى نهج شامل يكون الإخوان المسلمون والإسلاميون جزءا منه، لقد وقعت على الخطة التي وضعها برناردينو ليون)، ووفقا لقناة الجزيرة فإن ليون لم يكن في هذا التوقيت مبعوثا لأحد، ولم يكن في مصر مبادرة دولية في الأصل، لحساب من إذا وضع خط سرية لإزاحة رئيس منتخب وجمع لها التوقيعات وانتهى الأمر بإعادة مصر إلى ما قبل قبل يناير؟[[2]] بعد نجاح “ليون” في مهمته القذرة بالقاهرة، تم تعيينه منسقا أمميا في ليبيا، لكن انفضح أمره بعدما قررت الإمارات تعيينه في وظيفة لديها بمرتب يصل إلى 30 ألف جنيه استرليني شهريا في نوفمبر 2015م.[[3]] ثالثا، تعزيز مكانة العلمانيين في النظام السياسي قبل الانقلاب رغم خسارتهم الانتخابات وعدم اقتناع الشعب بهم، والحد من الإسلاميين وتسيدهم للمشهد حتى لو كانوا مفوضين من الشعب؛ وقد أكد الدكتور عمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي بحكومة الدكتور هشام قنديل، في تصريحات متلفزة في ديسمبر 2014م، أن آشتون طالب الرئس مرسي قبل الانقلاب بشهور بتعيين البرادعي رئيسا للوزراء لاحتواء الأزمة السياسية، لكن تصريح البرادعى وقتها بأنه تواصل مع مسئولين بالخارج لإقناعهم بأن نظام مرسى لا يصلح لإدارة مصر، أفشل الأمر.[[4]] معنى ذلك أن الأوروبيين كانوا حريصيين على صدارة العلمانيين للمشهد حتى دون تفويض شعبي عبر أدوات الديمقراطية النزيهة. رابعا، تبني لرؤية الجيش وفريق من العلمانيين في مصر، والذين كانوا يريدون إسقاط حكم الرئيس مرسي بأداة غير ديمقراطية، وإقامة انتخابات رئاسية مبكرة ودستور جديد وبرلمان جديد لا وجود فيه لأكثرية إسلامية. وقد نشرت آشتون مقالا في أواخر يوليو 2013م، نشرته عدة مواقع غربية ومصرية تبنت فيه هذه التصورات وإن كان الموقف الأوروبي متسقا مع الموقف الأمريكي في بعض الأبعاد إلا أنه تباين معه في نقاط أخرى؛ فالأمريكان كانوا متفقين مع الرؤية الإسرائيلية الخليجية والتي تستهدف إقصاء كاملا للإسلاميين من المشهد السياسي مع سحقهم سحقا حتى لا يكون لهم دور في مستقبل البلاد. بينما كان الأوربيون يدعون إلى ضرورة تصميم نظام سياسي يشمل جميع الأطراف بما فيهم الإسلاميون أو هكذا أرادوا لخطابهم أن يبدو،…