حرية الصحافة والإعلام بين الرئيس مرسي والسيسي
بعد مرور نحو 10 سنوات على صعود الرئيس محمد مرسي لحكم مصر، ثم انقلاب السيسي الدموي عليه عسكريا، توارت الحجب لتكشف عن كثير من الفروقات والتباينات الجذرية بين النظامين، حتى تكاد ألسنة الندم تبكي دما على عهد لم يصنه المصريون، وتواطأ بعضهم في إهداره وإزاحته قسرا، ومن أبرز تلك المجالات التي تبرز الفروقات الشاسعة بين العهدين، هو حرية الصحافة والإعلام، التي راعها مرسي ودعمها، فيما تفنن السيسي في وأدها والتنكيل بأصحابها، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين له. وأد الصحافة وقضم الحريات الإعلامية بعهد السيسي في عهد السيسي، وعلى عكس كل دول العالم التي تزداد حرية وانفتاحا وتفتح مجالات التعبير والحرية ونشر الحقائق وزيادة الوعي، تسير مصر على عكس خط السير العالمي، لتضع شعبها بعيدا عن الحياة وتحجبهم عن العالم والواقع، في أكبر جريمة إنسانية وكونية، بعزل أكثر من 100 مليون إنسان عن شمس الحرية، وهو طريق نهايته الانفجار وتهديد الداخل والإقليم بل والعالم أجمع وإزاء الحريات الإعلامية والصحافة، لجأ السيسي لسلاح القمع الأمني والسلطوي بالحجب واغلاق الصحف والمواقع الصحفية، فأصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة كرم جبر، مؤخرا، 12 قرارا بغلق وحجب مواقع إلكترونية، وحسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقنوات على موقع يوتيوب، بزعم “مخالفتها الأكواد والمعايير الإعلامية ومواثيق الشرف الصحفي أو الإعلامي” أو “عدم حصولها على ترخيص” وفقا لأحكام قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وبات “نشر أو بث أخبار كاذبة”، التهمة الأوسع الصاقا للصحفيين والناشطين على فضاء الانترنت. وأتى ذلك بالمخالفة لنص المادة (71) من الدستور المصري التي “حظرت بأي وجه فرض رقابة على الصحف، ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها” وتأتي قرارات الحجب الأخيرة، كسلسلة متواصلة من قبل السلطة الحاكمة، والتي سبقت وأن حجبت 682 رابطا على الأقل، منها 596 موقعا و32 رابطا بديلا استخدمته المواقع المحجوبة للوصول إلى جمهورها، عوضا عن الروابط التي حُجبت وشملت المواقع المحجوبة 116 موقعا صحفيا وإعلاميا، و349 موقعا يقدم خدمات تجاوز حجب المواقع Proxy وVPN، و15 موقعا يتناول قضايا حقوق الإنسان، و11 موقعا ثقافيا و17 موقعا يقدم أدوات للتواصل والدردشة و27 موقع نقد سياسي و8 مدونات ومواقع استضافة مدونات و12 موقعا لمشاركة الوسائط المتعددة، بالإضافة إلى عدد آخر من المواقع المتنوعة، ، وذلك بحسب تقارير حقوقية رصدتها منظمات محلية وإقليمية ودولية. وكانت سلطات السيسي قد بدأت موجة موسعة من حجب المواقع الإلكترونية التي تصنفها على أنها معارضة، من دون سند قانوني، في مايو 2017 وبدأت الحملة بحجب 21 موقعا صحفيا وإخباريا، بينها موقع مدى مصر، ومواقع تابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية وأخرى قطرية أو تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، غير أن البداية الحقيقية كانت مع حجب موقع العربي الجديد في مصر، في ديسمبر 2015، وبطريقة أكثر خشونة تتجاوز القمع الأمني والاستبداد السلطوي، بحجب المواقع الصحفية وحسابات السوشيال والقنوات، بقتل ناشري الحقيقة والعاملين بالمجال الإعلامي والصحفي، الذين يضطلعون بمتابعة الشأن العام وتنوير الجماهير، عبر الاعتقال وإيداعهم في ظروف قاسية بمعتقلات غير إنسانية. حبس الصحفيين إدمان عسكري ويعاني مئات الإعلاميين والصحفيين من أوضاعا مزرية في سجون السيسي، والكثيرون منهم يتعرضون لإهمال طبي متعمد يمثل خطورة شديدة على حياتهم. منهم، حمدي الزعيم الذي يعاني مرض السكري والضغط وضعف النظر، والكاتب الصحفي عامر عبد المنعم 59 عاما يعاني من مرض السكري منذ 15 عاما، ويحتاج إلى جرعات الإنسولين دوريا، لكن إدارة سجن المزرعة في مجمع طرة، تمنعه من الحصول على قائمة من الأدوية التي يحتاجها، وقد خضع لعمليتين جراحيتن في عينيه قبل اعتقاله، وبسبب ظروف حبسه وعدم حصوله على الرعاية الصحية اللازمة أصيب في شهر رمضان الماضي بالتهاب فيروسي شديد، وعرض حينها على طبيب السجن من دون أن تتحسن حالته، وهو محبوس احتياطيا منذ ما يقارب عاما ونصف عام بتهمة نشر أخبار كاذبة، الى أن أفرج عنه مؤخرا في يونيو 2022 ووفق التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، يعاني الباحث والصحفي أحمد أبو زيد الطنوبي، المحكوم عليه بالسجن عشرة أعوام أمام محكمة عسكرية بتهمة نشر أخبار وأسرار عسكرية، إهمالا طبيا جسيما، وهو مهدد بفقد بصره في محبسه، إذ يحتاج بشدة إلى إجراء عملية المياه الزرقاء ولا تختلف حال الصحفي في قناة الجزيرة هشام عبد العزيز الذي يعاني من ارتفاع شديد في ضغط العين ومن تكلس شديد في عظمة الركاب في الأذن الوسطى، وهو مهدد بفقد السمع والبصر في حال استمرار احتجازه في هذه الظروف، وفق ما حذرت أسرته ومحاميه كما يعاني الصحفي أحمد سبيع من مشاكل في العمود الفقري والتهاب حاد في الأعصاب والرقبة، وتزداد حالته سوءا جراء عدم تعرضه لأشعة الشمس وحرمانه من التريض. وأيضا الكاتب الصحفي توفيق غانم يعاني من مرض السكري والتهاب الأعصاب في ساقيه وركبته ومشاكل أسفل ظهره وتضخم في البروستاتا الذي يتطلب علاجا متخصصا مستمرا في منشأة طبية مجهزة. وهؤلاء وغيرهم يعانون إهمالا طبيا في السجون يشكل خطرا شديدا على حياتهم، وقد يعيد سيناريو ما حدث مع الكاتب الصحفي محمد منير الذي توفي في يوليو 2020، نتيجة الإهمال الطبي الجسيم ف السجن، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا، بعد أيام من إطلاق سراحه ووفقا لتقرير صادر عن “المرصد العربي لحرية الإعلام” هناك 66 صحفيا نقابيا وغير نقابي في السجون المصرية، ويقضي بعضهم أحكاما بالسجن تصل إلى المؤبد، بينما غالبيتهم في حبس احتياطي على ذمة اتهامات ولم يحالوا إلى المحاكم، وقضى غالبية هؤلاء الفترات القصوى للحبس الاحتياطي التي ينص عليها القانون من دون إخلاء سبيلهم، بل أعيد حبسهم باتهامات جديدة؛ ليصبح الحبس الاحتياطي، وهو مجرد إجراء احترازي، عقوبة سالبة للحرية طويلة المدى من دون حكم قضائي ترتيب متدني عالميا بحرية الصحافة والإعلام وبسبب الانتهاكات اللاإنسانية التي يتعرض لها الصحفيون، بعهد السيسي، تحتل مصر المرتبة 166 من 180 دولة، في نسخة عامي 2020 و2021 من تقرير حرية الصحافة الذي تعده منظمة “مراسلون بلا حدود” التي أكدت أنه بين النطاقات الخمسة في المؤشر تستمر مصر في المساحة السوداء، حيث حالة الإعلام تنتقل من سيئ إلى أسوأ وعلى مدار سنوات، تتردد مصر منذ الانقلاب العسكري بين المرتبة 158 و166 في هذا التصنيف كذلك احتلت مصر المرتبة الثالثة في قائمة الدول التي تحتجز أكبر عدد من الصحفيين، إذ بلغ عددهم 25 صحفيا عام 2021، وفقا للجنة حماية الصحفيين غير حكومية. وقالت اللجنة في أحدث تقاريرها، في ديسمبر الماضي، إنّه “على الرغم من أن هذا العدد أقل من العام الماضي، فإن الاحتجاز المستمر للصحفيين يشكل نموذجا لاستهتار حكومة عبد الفتاح السيسي بقوانين البلد، إذ تعمد السلطات بصفة مستمرة إلى الالتفاف على القوانين التي تحدد مدة الحبس الاحتياطي بسنتين، وذلك من خلال توجيه اتهامات إضافية لتمديد تلك الفترة، وفي حالات أخرى تفرض السلطات شروطا على الإفراج عن الأشخاص الذين يكملون مدة محكوميتهم، وبتلك الإجراءات وغيرها تقتل حكومة السيسي الحرية وتهدر الصحافة وحق المجتمع في إعلام حر يدافع عنه ، ويكشف حقائق الواقع المعاش، وينير طريق المجتمع. وقد تسببت كل تلك السياسات في تقليص توزيع الصحف المطبوعة التي باتت كلها مجرد ناقل للبيانات الحكومية والبيانات العسكرية، في ظل توسع دور الرقابة ، بحذذف الموضوعات ومنع نشر المقالات، وتغيير المواد المطبوعة، وهو ما أفقد…