قراءة في حوار «ابن سلمان» مع صحيفة «ذا أتلانتيك» الأمريكية

قراءة في حوار «ابن سلمان» مع صحيفة «ذا أتلانتيك» الأمريكية

  الحوار الذي أجرته مجلة «ذي أتلانتيك» الشهرية الأمريكية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس” يوم الخميس 03 مارس 2022م، ثم نشرته صحف سعودية أخرى في اليوم التالي، تضمن كثيرا من المواقف والآراء المثيرة للجدل سواء على المستوى الداخلي للمملكة أو على مستوى علاقتها الخارجية فيما يتعلق بالعلاقات مع الكيان الصهيوني وإيران والولايات المتحدة الأمريكية.[[1]] فكيف بدا ولي  العهد السعودي أثناء الحوار؟ ولماذا تلعثم في الدفاع عن نفسه في قضايا معينة مثل مقتل خاشقجي والاعتقالات والحكم الفردي الاستبدادي الذي يصر على تبنيه؟ ولماذا يعمل على تغيير الهوية السعودية  لتتقارب مع النموذج الأمريكي بنسبة 80% كما اعترف هو  بذلك في الحوار؟ وإذا كان حريصا على تبني التحولات الكبرى في المملكة دينيا واجتماعيا واقتصاديا، فلماذا يدافع النظام الملكي المطلق في بلاد الحرمين رغم أنه أسوأ نماذج الحكم في العالم؟ ولماذا يصر على العداء للحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الذي يتحدث فيه باحترام كبير عن العدو الصهيوني ويصفه بالحليف المحتمل ويدعو إلى التعايش مع إيران باعتبارهم جار رغم العداء المرير بين البلدين على مدار عقود طويلة؟! ملاحظات على شكل الحوار يصف الصحفي الأمريكي جرايمي وود الذي أجرى الحوار كواليس المقابلة، مفسرا سبب حدوثها، بأنه سافر إلى المملكة على مدار السنوات الثلاث الماضية، محاولاً أن يفهم ما إذا كان ولي العهد قاتلاً أم مصلحاً أم كليهما، وإذا كان الاثنين، فهل يمكن أن يكون أحدهما دون الآخر”. ويرى أن سبب ترحيب ولي العهد بالمقابلة أنه اختبأ لمدة سنتين تقريبا عن المشهد العام، كما لو كان يأمل نسيان مقتل خاشقجي، وفقا للمقال الذي كتبه جرايمي لشبكة (CNN) يوم الجمعة 04 مارس 2022،  مشيرا إلى أن ولي العهد لا يزال يريد إقناع العالم بأنه ينقذ بلاده، ولا يتخذها رهينة، وهذا هو السبب في أنه التقى مرتين في الأشهر الأخيرة مع جرايمي ورئيس تحرير مجلة “ذي أتلانتيك” جيفري جولدبيرج”. حضر المقابلة عدد من الأمراء الصامتين الذين كانوا يرتدون كمامات بيضاء، ويبدو أن بعضهم قيادات كبرى بأجهزة الأمن السعودي، للدرجة التي أقر فيها جرايمي أنه لم يكن يعرف بالضبط من كان حاضرا. ارتدى ولي العهد زيا غير رسمي (كاجوال). وقدَّم إجابات بارتياح وبلا اضطراب، عن أسئلة حول عاداته الشخصية ومشاهدته للأفلام والمسلسلات الأمريكية، لكنه بدا مهزوزا عند الأسئلة الشائكة، وكان يقوم بحركات متشنجة وأحيانا يميل رأسه سريعا للخلف يتبعها بلع كما لو كان كالبجعة التي تبتلع سمكة ــ وفقا لوصف الصحفي الأمريكي ــ وكان يشكو من أنه تعرض للظلم، وأظهر شعوراً بعقلية الضحية وبهوس العظمة بمستوى غير عادي حتى بمعايير حكام الشرق الأوسط.[[2]] ورغم أن المجلة الأمريكية سربت أجزاء من الحوار إلا أنها أعلنت أن نص الحوار كاملا سوف يتم نشره في العدد القادم للمجلة (أبريل 2022)، لكن وكالة الأنباء السعودية استبقت المجلة الأمريكية ونشرت نص الحوار، ونقلت عنها صحف سعودية أخرى كصحيفة الشرق الأوسط وشبكة العربية. اللافت في الأمر ان الإعلام السعودي أجرى تعديلات على بعض فقرات الحوار، وفقا لتعقيب الصحفي جرايمي وود الذي أجرى الحوار وكشف الفوارق بين النصين. في مقاله لشبكة (CNN) يتهم جرايمي الإعلام السعودي بالتحريف والكذب والتلاعب في نص الحوار، وقال في مقاله إن ماكينة الدعاية السعودية شرعت في العمل على إخفاء الأجزاء المزعجة في المقابلة، وتضخيم الأجزاء التي راقت للحكومة وولي العهد. وأشار إلى أنه علم من مصادر سعودية أنه لن يدخل السعودية مجددا، وإنه لن يرى ولي العهد للأبد.[[3]] ورصد الصحفي الأمريكي عدة فقرات من الحوار إما جرى تحريفها أو حذفها نهائيا، ومن أبرز هذه الفقرات: مقتل خاشقجي، يقول وود: «لقد ضغطنا على محمد بن سلمان بشأن مقتل جمال خاشقجي، وقدم ولي العهد عددًا من المزاعم الغريبة والمزعجة، بما في ذلك فكرة أنه لم يأمر بقتل خاشقجي، ولكن إذا كان سيرسل فرقة اغتيال، فسيرسل مجموعة على أعلى مستوى، وليس الخرقاء في إسطنبول”. ونقل وود عن ولي العهد قوله: “إذا كنت ستجري عملية أخرى من هذا القبيل، بالنسبة لشخص آخر، يجب أن تكون احترافية، ويجب إن يكون واحدا من بين أول 1000 شخص”. وأضاف أن السعوديين غيروا ذلك في النص الذي نشروه إلى: “إذا افترضنا جدلا أننا سنذهب لعملية من هذا القبيل، لكانت احترافية، وشخص ما على رأس القائمة”، وأضافوا في النسخة العربية: “لا سمح الله”. وتابع وود بالقول: “خلال المقابلة، ادعى محمد بن سلمان أنه ’لم يقرأ مقالًا لخاشقجي أبدًا‘. كان خاشقجي معارضًا بارزًا للغاية، وقد التقيا شخصيًا. بينما يتراجع النص السعودي عن هذا الادعاء غير المعقول، وينقل أنه لم يقرأ أبدا مقالا ’كاملا‘ لخاشقجي”. الأزمة مع قطر: يقول وود: «سألنا كيف يمكن لمحمد بن سلمان أن يبرر سجن أولئك الذين خالفوا حصاره شبه الكامل لقطر بعد أن عكس هو نفسه سياسته تجاه قطر، دون تفسير، قبل أشهر من حديثنا. قال إن قطر وبلاده الآن ’مقربتان جدًا جدًا‘. لكنه أخبرنا أن السعوديين الذين دعموا قطر أثناء المقاطعة كانوا مثل الأمريكيين الذين ربما دعموا النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. سأل ولي العهد ’ماذا تعتقد كان سيحدث إذا كان شخص ما يمتدح ويروج لهتلر في الحرب العالمية الثانية؟‘”. وأضاف وود أن النص السعودي “يمحو المقارنة” بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وأدولف هتلر». الاستهانة بجريمة الزنا، أشار وود إلى محمد بن سلمان تحدث في السؤال عن الشريعة الإسلامية، وأخبرنا أنه حتى الجرائم التي تكون عقوبتها مفروضة إلهيًا لن تتم ملاحقتها بشدة”. ونسب وود لولي العهد قوله: “حتى لو كان هناك عقاب إلهي على الزنا، فإن الطريقة التي يجب أن نحاكم بها هي كما فعل النبي. يجب ألا نحاول البحث عن أشخاص وإثبات التهم الموجهة إليهم. عليك أن تفعل ذلك بالطريقة التي علمنا بها النبي كيف نفعل ذلك”. ثم قال وود إن “النص الرسمي يمحو هذا التعليق، الذي من شأنه أن يثير حنق الإسلاميين، لأنه يشكك في نقطة تجريم الجرائم العتيقة مثل الزنا”. الاستعداد لنشر الخمور في بلاد الحرمين، يقول الصحفي الأمريكي: «سألت عما إذا كان سيتم بيع الكحول بشكل قانوني في المملكة العربية السعودية، ولم أتلق أي رد. في هذه الحالة، تم حذف كلماتي من النص، على الأرجح لأن رفضه الإجابة عن هذا السؤال يوحي بأن مثل هذا التغيير ممكن”. المباالغة في الدعاية لولي العهد، أبدى الصحفي الأمريكي اندهاشه من تعامل الماكينة الإعلامية للنظام السعودي مع المقابلة، متهما صحيفة «The Saudi Post» السعودية بنشر تغريدات على لسانه لا أساس لها، وأكد أن هذه التغريدات وهمية لكنه يقر أنه وصف ولي العهد بأنه ذكي وودود على المستوى الشخصي، لكنه يضيف أن ذكاءه لم يكن يذهلني كما يدعي الإعلام السعودي ويرجع ظذلك على جنون العظمة عند ولي العهد. كما أبدى اندهاشه أيضا من…

تابع القراءة
"دراسة" مواقف الفاعلين فى الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية: التوجهات والمحددات "3"

“دراسة” مواقف الفاعلين فى الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية: التوجهات والمحددات “3”

ثالثًا: تأثير الأزمة الأوكرانية على القضايا المثارة فى منطقة الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية- القضية الليبية- القضية السورية- القضية اليمنية). القضية الفلسطينية: إذا نظرنا إلى المواقف الفلسطينية سنجد عدم اتخاذ موقف رسمي حتى الآن، وتوزعت المواقف الفلسطينية غير الرسمية بين آراء عدة: الأول، يرى أن عدو عدوي صديقي، لذا يجب أن تكون فلسطين مع روسيا ظالمة أو مظلومة، وتراهن على عالم جديد تعددي الأقطاب المتصور أنه آتي حتمًا وبسرعة، كما يرى هؤلاء إمكانية قيام روسيا بالوقوف ضد إسرائيل، خصوصًا منعها من قصف سوريا لدعمها المعسكر المعادي لها. الرأى الثانى، يرى أصحابه أن مكان فلسطين إلى جانب أوكرانيا وأصدقائها، لأنهم المعسكر الأقوى الذي لن يغفر لمن لم يقف معه، ويتغطى أصحاب هذا الموقف بسيادة الدول واستقلالها، غاضين النظر عن كل الجرائم التي ترتكبها أميركا وربيبتها إسرائيل، متجاهلين أن أميركا خذلت وستخذل كل حلفائها، ولا يهمها سوى مصلحتها. وأخيرًا يتمثل الرأى الثالث، فى تبنى موقف الحياد، ويمكن أن يكون حيادًا كليًا أو حيادًا إيجابيًا يميل إلى جانب الأصدقاء، على أساس عدم صحة المساواة بين المعسكرين[1]. ويمكن الإشارة إلى مجموعة من المحددات التى يتوقف عليها الموقف الفلسطينى من الأزمة الأوكرانية الحالية تتمثل أبرزها فى: – وفق التجارب التاريخية، فأن كل أزمات وحروب أوروبا، خاصة منذ نهاية القرن التاسع عشر، قد أثرت عميقا على فلسطين والشعب الفلسطيني، فالمهاجرون اليهود الأوائل جاءوا من روسيا نتيجة الاضطهاد والمذابح التي لحقت بهم هناك، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى وما نجم عنها من اتفاقية سايكس – بيكو، وهي الاتفاقية التي تقاسمت خلالها كل من بريطانيا وفرنسا الوطن العربي، بالإضافة إلى تصريح بلفور، وهو التصريح الذي تعهدت من خلاله بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وأخيرًا هجرة مئات آلاف اليهود نتيجة الاضطهاد والمحرقة النازية “الهولوكوست” قبيل وخلال الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى إنشاء إسرائيل واختفاء فلسطين عن الخارطة وتشريد أهلها[2]. – أنه من غير المتوقع أن تسعى القوى الكبرى (الصين وروسيا) المنافسة للقوى الإستعمارية الغربية التقليدية (أمريكا وبريطانيا) والتي لن تعود بعد اليوم تتربع لوحدها على عرش قيادة النظام الدولي، مباشرة الى فرض الرؤية الدولية الخاصة بمعالجة الصراع على إسرائيل في المدى المنظور، خاصة وأن وحدة الفلسطينيين تغيب عنهم ويبدو أنها باتت بعيدة عن قدرة هذا الجيل على تحقيقها، علاوة على أن البعض من العرب الذين يعتبرون العمق الإستراتيجي للفلسطينيين، قد قطعوا شوطاً لا بأس به في الإنزياح لصالح الرواية الإستعمارية الصهيونية على حساب رواية الحق الفلسطينية، بمعنى أن قوى قيادة النظام العالمي الجديد لن تكون ملكية أكثر من الملك[3]. – أن روسيا صديقة لفلسطين، وكانت صديقة وحليفة لهم زمن الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة (رغم الأخطاء التي ارتكبت في الماضي والحاضر، وأكبرها الاعتراف السوفييتي السريع بإسرائيل)، إلى حد يمكن الجزم بأنّ انهيار الاتحاد السوفييتي وحدوث السيطرة الانفرادية الأميركية على العالم، أحد أهم الأسباب التي تفسر التدهور الخطير في الوضع الفلسطيني منذ اتفاق أوسلو وحتى الآن. وهناك أمل إذا توفرت الشروط الذاتية الفلسطينية أن تنهض فلسطين وتأخذ مكانها في خارطة العالم الجديد، الذي ستأخذ الصين، وبدرجة أقل روسيا، مكانة متقدمة فيه. وبكل أسف لا يوجد ما يكفي من جهود لتحقيق هذه الشروط. – أن رئيس أوكرانيا يهودي، ولا يوجد مشكلة في ذلك، وإنما هو صهيوني وحامل للجنسية الإسرائيلية، وكذلك رئيس وزرائه وعدد من وزراء حكومته صهاينة. وكان موقف زيلينسكي مؤيدًا القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وأيّد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكان موقفه معاديًا للفلسطينيين حتى فيما يتعلق بعمليات الاقتلاع والتطهير العرقي في الشيخ جراح[4]. – هناك مخاوف كبيرة من قيام دولة الاحتلال باستغلال انشغال العالم في الحرب الروسية – الاوكرانية لتمرير مخططاتها في الضم والتوسع والقيام بعملية تطهير عرقي بحق ابناء الشعب الفلسطينى خاصة في العديد من احياء القدس بما في ذلك احياء سلوان والشيخ جراح وداخل البلدة القديمة من القدس. والخوف أيضًا من قيام دولة الاحتلال ضم منطقة «ج» اي منطقة الاغوار التي تشكل أكثر من 60٪ من الضفة الغربية وهو ما جرى تأجيله بعد الضجة الدولية التي اثيرت حول الموضوع والدعوات لدولة الاحتلال بعدم ضمها، وربما تجد دولة الاحتلال في انشغال العالم بالحرب الروسية – الاوكرانية للقيام بضم هذه المنطقة للحيلولة دون التفكير في اقامة دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي المحتلة عام 1967، وهو ما أعلنه اكثر من مسؤول اسرائيلي، برفض دولة الاحتلال اقامة دولة فلسطينية واعتبار الضفة الغربية اراضي اسرائيلية حسب المزاعم الإسرائيلية[5]. – يدور حديث في إسرائيل عن تحضيرات لاستقبال عشرات آلاف اليهود من أوكرانيا في حال نشبت الحرب هناك. أما إذا توسعت الحرب أكثر لتشمل دولا أخرى فسيكون هناك المزيد من المهاحرين اليهود، وقد تلجأ إسرائيل إلى خطة جديدة للتطهير العرقي وتهجير جزء من الشعب الفلسطيني. وفي أوكرانيا ما يقارب من 200 ألف يهودي ولهم امتداد قوي في إسرائيل[6]. وتقاطع ذلك، مع ما أوردته صحيفة «يسرائيل هيوم»، حول أن مختلف الوزارات الحكومية والجيش الإسرائيلي والوكالة اليهودية والهيئات الحكومية الأخرى، تستعد لاستيعاب «موجة هجرة يهودية من أوكرانيا»، ووضعت «خطة طوارئ» مفصّلة بسبب نشوب الحرب هناك[7]. – الفلسطينيون من الناحية الأخلاقية، ومن حيث المبدأ، لا يمكن أن يدعموا أي احتلال وأي ظلم لأي شعب، لا سيما أنهم عانوا من التشريد والعدوان والحروب والمذابح والتهجير والتطهير العرقي والاحتلال، وممارسة كل أنواع الظلم من الحركة الصهيونية[8]. – بعد تخلى الدول الغربية بقيادة أمريكا عن دعم أوكرانيا فى مواجهة ومقاومة الاحتلال الروسى، رغم أن أوكرانيا دولة حليفة لواشنطن تواجه عدو استراتيجى لها، فإن ذلك يثبت للسلطة الفلسطينية الحالية أن الرهان على الولايات المتحدة لإجبار إسرائيل (حليفة واشنطن) على تقديم تنازلات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هى مجرد أوهام حقيقة. وأن الشعوب هى فقط من تدافع عن حقوقها، وبالتالى فإن وجهة نظر حركات المقاومة وفى مقدمتها حماس برفع شعار المقاومة ضد الاحتلال وعدم السير خلف سراب المفاوضات السياسية مع الاحتلال هى وجهة نظر صائبة وصحيحة. – أعاد الاحتلال الروسى لأوكرانيا تسليط الضوء أكثر على الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين. وفى هذا السياق، فقد شبهت النائبة البريطانية عن حزب العمال، جولي إليوت، ما يحدث في أوكرانيا من غزو روسي بما يحدث في الأراضي المحتلة بفلسطين. ودعت إليوت إلى “حظر كامل وشامل للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية” في الضفة الغربية، وقالت إن الاعتراف بفلسطين هو “الحد الأدنى” لما يجب أن تفعله المملكة المتحدة[9]. وفى سياق متصل، فقد دعا نجم كرة القدم المصري السابق ومحلل قنوات “بي إن” beIN، محمد أبو تريكة الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA لمنع الأندية والمنتخبات الإسرائيلية من المشاركة في البطولات الدولية، على غرار قرارها منع الأندية الروسية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وتأتي تغريدة أبو تريكة، تزامناً مع البيان المشترك من قبل الاتحادين الدولي والأوروبي لكرة القدم، لإعلان…

تابع القراءة
"دراسة" مواقف الفاعلين فى الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية: التوجهات والمحددات "2"

“دراسة” مواقف الفاعلين فى الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية: التوجهات والمحددات “2”

ثانيًا: تأثير الأزمة الأوكرانية على القوى الاقليمية فى منطقة الشرق الأوسط مصر: قالت وزارة الخارجية المصرية فى بيان لها، فى 24 فبراير، تعليقاً علي الأزمة الأوكرانية بعد التحرك الروسي الأخير، إن جمهورية مصر “تتابع  بقلق بالغ التطورات المُتلاحقة اتصالًا بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفاديًا لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي”[1]. ومن الملاحظ أن بيان الخارجية، قد تفادى ذكر كلمة “حرب”، حتى لا تغضب الجانب الروسي. ويبدو من بيان الخارجية المصرية، أن الموقف الرسمى المصرى قد التزم الحياد في أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة أن طرفي الأزمة الأساسيين (روسيا وأمريكا) يعتبران حليفين استراتيجيين للنظام المصرى وداعمين أساسيين لعبد الفتاح السيسي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ويمثلان شريان البقاء والشرعية الدولية للنظام العسكري في مصر[2]. وبحسب موقع “العربى الجديد”، فقد أكدت مصادر صحافية متعددة من داخل “المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية”، التابعة للمخابرات العامة المصرية، والتي تمتلك معظم وسائل الإعلام في مصر، أن تعليمات صدرت من قبل الجهاز إلى رؤساء تحرير ومسؤولي الصحف والمواقع والقنوات، بضرورة التعامل بحيادية تجاه الحرب الدائرة على الحدود الأوكرانية الروسية، وعدم تبني موقف أي من الجبهتين[3]. ويبدو أن هناك مجموعة من المحددات التى تقف خلف هذا الموقف المصرى المحايد من الأزمة الأوكرانية، والتى يأتى فى مقدمتها: 1- العلاقات القوية مع الطرفين: حيث تمتد العلاقات المصرية الأميركية إلى مجالات واسعة، أهمها العلاقات العسكرية المتجذرة بين البلدين، حيث تمنح أميركا معونة عسكرية إلى الجيش المصري منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، تقدر بـ1.3 مليار دولار سنوياً. والجيش المصري، باللغة العسكرية، يعتبر جيشاً أميركياً، نظراً لأن تسليحه الأساسي أميركي، هذا على الرغم من تأكيد القوات المسلحة المصرية دائماً على فكرة تنويع مصادر التسليح. فتنويع مصادر السلاح، لا ينفي أن الجزء الأعظم من تسليح القوات المسلحة المصرية، أميركي الصنع، وأنه حتى الآن تستورد القوات المسلحة المصرية قطع الغيار الأساسية لمعداتها العسكرية من الولايات المتحدة، لا سيما القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي. كما أن صفقات السلاح بين مصر وأميركا لا تتوقف، وكان آخرها عندما وافقت واشنطن، نهاية الشهر الماضي (يناير 2022)، على صفقتي معدات عسكرية لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار، تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار. وتتضمن الصفقة الأولى، التي تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار بيع مصر 12 طائرة نقل “سي-130 جيه سوبر هيركيوليز” ومعدات أخرى تابعة لها. أما الصفقة الثانية فتتعلق بشراء القاهرة أنظمة رادار للدفاع الجوي بقيمة 355 مليون دولار لمساعدتها في التصدي للتهديدات الجوية. ويأتي ذلك بالإضافة إلى أموال المعونة العسكرية الأميركية، التي جزء منها عبارة عن 300 مليون دولار أموال سائلة، والجزء الأكبر مخصص لشراء أسلحة ومعدات أميركية فقط. كما تقوم القاهرة كل عام بعد إقرار الميزانية الأميركية بالتفاوض مع واشنطن لشراء ما تحتاجه من أسلحة أميركية، على أن يخصم ثمنها من أموال المعونة العسكرية (1.3 مليار دولار) الموجودة في الخزانة الأميركية[4]. نمت التجارة بين مصر وروسيا بشكل كبير، من 3 مليارات دولار فى عام 2013 إلى 7.6 مليا دولار فى عام 2018، مما يجعل روسيا الشريك الثالث الأكثر أهمية لمصر بعد الاتحاد الأوروبى والصين، فيما تعد مصر حاليًا أكبر شريك تجارى لروسيا فى الشرق الأوسط وإفريقيا. وتهيمن المنتجات الزراعية والطاقة والأسلحة على هذه التبادلات التجارية. إذ تعد روسيا أكبر مصدر للحبوب لمصر، حيث توفر ما يقرب من 65% من طلبها. وفى مايو 2018، وقعت روسيا ومصر اتفاقًا لانشاء منطقة صناعية فى شرق بورسعيد، والتى من المتوقع أن تزيد من عدد الشركات والاستثمارات الروسية[5]. كما تعمل الشركات الروسية الكبرى مثل “روس نفط” و”لوك أويل” و”لادا” فى السوق المصرية باستثمارات تتخطى 7.4 مليار دولار.  كذلك تقوم روسيا ببناء أول مفاعل نووي مصري في شمال غرب البلاد بقيمة 25 مليار دولار[6]. وعلى صعيد المجال العسكرى، شرعت روسيا فى تحديث الترسانة العسكرية المصرية وتزويدها بالسلاح الروسى فى إطار خطة تنويع التسليح التى أعلنتها مصر، خصوصًا أن 30% من الأسلحة الروسية التى حصلت عليها مصر فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، لا تزال فى الخدمة فى القوات المسلحة المصرية. ويتركز التعاون العسكري بين مصر وروسيا فى السنوات الأخيرة الماضية على دعم قدرات الدفاع الجوى المصرى، عبر تحديث منظومة الدفاع الجوى قصير المدى إلى منظومة “تور إم 2″، ومنظومة الدفاع الجوى متوسطة المدى إلى منظومة “بوك إم 2″، هذا فضلًا عن إهداء مصر روسيا القطعة البحرية “مولينيا 32 بى” للقوات البحرية المصرية. بالإضافة للتسليح، شهد التعاون بين البلدين فى المجال العسكرى تدريبات مشتركة لوحدات المظلات تحت عنوان “حماة الصداقة”[7]. وعلى الصعيد السياسى، هناك نوع من التوافق فى الرؤي حول العديد من قضايا المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وفى القلب منها اعتبار الجماعات والحركات الإسلامية بشقها السياسى والعسكرى حركات “إرهابية”، والتعاون فى محاربة هذه الجماعات سواء فى سوريا عبر دعم نظام بشار الأسد ضد هذه الجماعات أو فى ليبيا عبر دعم الجنرال خليفة حفتر الذى يخوض هو الأخر معارك عسكرية وسياسية ضد هذه الجماعات. 2- مساومة أطراف الصراع: إن مصر قد تربط بين إمكانية الإعلان عن دعمها لأحد أطراف الصراع (روسيا وأمريكا) بحجم ما ستحصل عليه من مكاسب أو تنازلات من جانب أى منهما. فقد تطلب القاهرة من إدارة بايدن إعادة النظر فى القرر الأمريكى الصادر مؤخراً بالاستمرار في تعليق 130 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لمصر بسبب موضوع حقوق الإنسان الذي يشهره المشرعون الأمريكيون وكبار مسؤولي البيت الأبيض باستمرار في وجه أركان نظام السيسي[8]. كذلك فربما ترى القاهرة أن هذا هو الوقت المناسب لإعادة طرح قضية سد النهضة على مجلس الأمن، فقد قامت القاهرة بالفعل بتوجيه خطاب عاجل إلى مجلس الأمن، دعت فيه إلى جلسة جديدة بِشأن الأزمة، في أعقاب إعلان إثيوبيا أخيراً عن تدشين المرحلة الأولى من عملية توليد الكهرباء من السد. وربما ترى القاهرة أن هذا الوقت مناسب؛ لإمكانية مقايضة الموقف المصرى من الأزمة الأوكرانية لصالح أى من روسيا أو أمريكا بموقفهما من أزمة سد النهضة، وإمكانية عدم قيام روسيا باستخدام الفيتو ضد أى قرار من جانب المجلس فى هذه القضية تقديرًا للدور المصرى المحايد وغير المنحاز لواشنطن (مثلما حدث عندما مررت موسكو قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية تقديرًا للدور الإماراتى الممتنع عن التصويت على قرار مجلس الأمن بإدانة الغزو الروسى لأوكرانيا)، وإمكانية توجه القوى الكبرى إلى الضغط على أثيوبيا لعدم اتخاذ أى خطوات قد تثير الجانب المصرى وقد تدفع نحو تصعيد الأوضاع العسكرية بين الجانبين بما يفتح جبهة صراع أخرى، وأخيرًا، ربما تسعى مصر إلى استغلال تواجد الإمارات كعضو غير دائم فى مجلس الأمن وإمكانية أن يساهم ذلك فى تمرير…

تابع القراءة

“دراسة” مواقف الفاعلين فى الشرق الأوسط من الأزمة الأوكرانية: التوجهات والمحددات “1”

  تتقدم الأزمة الأوكرانية صدارة الأحداث العالمية، ولا تكاد تخلو الأحاديث والكتابات والتحليلات فى كل دول العالم من قبل السياسيين والإعلاميين والمحللين عما ستسفر عنه هذه الأزمة من تأثيرات وتداعيات على دولهم سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟، وبطريقة إيجابية أم سلبية؟، وهل تكون محدودة أم شاملة؟، مؤقتة أم مستمرة؟ ولم تكن منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن هذا الحديث وذلك الجدل، خاصة بعدما أصدرت الحكومات والقادة في أرجاء الشرق الأوسط بيانات متفاوتة رداً على تحركات روسيا ضد أوكرانيا، بدءاً بقرار موسكو في 21 فبراير 2022 بالاعتراف بجمهوريتَي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين وصولاً إلى غزوها الشامل لأوكرانيا فى 24 فبراير[1]. وقبل الخوض فى الحديث عن تأثير الأزمة الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط، يجب قبل ذلك توضيح جذور تلك الأزمة التى تعود إلي عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي سابقأ، وظلت العلاقات في توتر مستمر، حتي عام 2004 عندما قامت ثورة في أوكرانيا أطلق عليها الثورة البرتقالية ذات ميول للدول الغربية، عندها تدخلت الدول الغربية وساعدت الأوكرانيين، وتم تشكيل حكومة موالية للغرب فيها، ولكن عاد الحكم بقوة مرة أخري إلي الموالين لروسيا في عام 2010. وباندلاع الاحتجاجات في نهاية 2013 وبداية عام 2014، وظهور الموالين للغرب بقوة مرة أخري وتراجع تأثير الموالين لروسيا، وبحجة حماية الرعايا الروس ضمت روسيا أراضي شبه جزيرة القرم إليها في مارس 2014، ودعمت حراكاً انفصاليا في جمهورتى دونيتسك ولوجانسك ذوي العرقية الروسية واللتين يبلغ عدد سكانهما أكثر من أربعة ملايين نسمة. ولكن يري آخرون أن سبب “الضم والحرب” يرجع إلي تخوف روسيا من التوجه الشديد للقادة السياسيين في أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو، مما يشكل تهديداً استراتيجياً لروسيا علي أبوابها. ولذلك تسعي روسيا جاهدة إلي تحييد أوكرانيا أو علي الأقل جعلها منطقة رمادية بينها وبين القوي الغربية[2]. ومن المتوقع أن يكون لتلك الأزمة تأثيرات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط، فلطالما كان الشرق الأوسط أحد مسارح العمليات الذي تدور رحى معارك التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى على أرضه باعتباره يُشكل مجالًا حيويًا لأمنها القومي، وتتشابك مصالحها السياسية والاقتصادية هناك. فقد وجدت المنطقة نفسها جزءًا من الصفقات السياسية التي أعقب الحربين العالمية الأولى والثانية، وفي قلب معركة تكسير العظام خلال الحرب الباردة، ولعل هذا هو ما وضع جذور الاضطرابات الحالية وترك آثارًا سياسية مدمرة ما زال يتردد صداها حتى الآن في جميع أنحاء المنطقة. وبالتبعية لا يقع الشرق الأوسط بمعزل عن التوترات الجيوسياسية المحتدمة حاليًا في أوروبا الشرقية، كونها تتجاوز مجرد مواجهة بين دولتين إلى محاولة لإعادة صياغة معادلة توازن القوى العالمية التي ترسخت عقب انتهاء الحرب الباردة ورسمت الخطوط الدقيقة لخريطة التفاعلات الجيوسياسية بين الفواعل الدولية والإقليمية الرئيسية المنخرطة بدرجات متفاوتة في قضايا وأزمات المنطقة، مُشكلة المعادلة الأمنية القائمة، تلك المعادلة التي بدأت إرهاصات إعادة تشكلها تتبلور في ضوء عدة متغيرات أهمها تقليص الهيمنة الأمريكية في المنطقة لصالح تشكل محور “روسي-صيني-إيراني” بدأ يتموضع لملء الفراغات الناجمة عن الانسحاب الأمريكي[3]. وسنحاول فى هذه الورقة توضيح تأثيرات الأزمة الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط عبر التطرق؛ أولًا: للملامح العامة لتأثير تلك الأزمة على المنطقة بصفة عامة، وثانيًا: عبر التطرق إلى تأثير تلك الأزمة على القوى الاقليمية فى المنطقة بصورة منفصلة وهم (مصر- الجزائر- دول الخليج “السعودية والإمارات وقطر”- إسرائيل- تركيا- إيران)، وثالثًا، تأثير تلك الأزمة على قضايا المنطقة المثارة (القضية الفلسطينية- القضية الليبية- القضية السورية- القضية اليمنية). أولًا: تأثير الأزمة الأوكرانية على الشرق الأوسط بصفة عامة: تكشف ردود الفعل الرسمية الصادرة عن دول الشرق الأوسط (وفى القلب منها الدول العربية) تجاه الأزمة عن غلبة الطابع الحذِر على سياسة هذه الدول، والاكتفاء بإصدار بيانات تستخدم مصطلحات دبلوماسية محايدة لا تتضمن انحيازات بعينها. ولا يمكن إغفال أن هذه السياسة الحذِرة متعلقة بطبيعة الأزمة وتعقيداتها، وكذلك تشابكات العلاقات بين دول المنطقة وطرفى الأزمة، روسيا والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة. ولم يكن من الممكن للدول، أو حتى للفاعلين من غير الدول، في الشرق الأوسط، أن تتجاهل الأزمة الأوكرانية نظراً للتداعيات الممتدة للأزمة على المنطقة[4]، والتى يمكن الإشارة إلى أبرزها كما يلى: 1- تراجع مكانة الحليف الأمريكى: حيث يحظى التعامل الأمريكي مع الاعتداء العسكري من جانب إحدى القوى البارزة عالميّاً “روسيا” على حليف نموذجي على غرار “أوكرانيا”، باهتمام بين دول منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الدول التي تمتعت بعلاقات وثيقة مع واشنطن على مدار العقود الماضية. إذ إن الخذلان الأمريكي للحليف الأوكراني قد يدفع بعض دول المنطقة، لا سيما الفاعلة، إلى إعادة النظر في جدوى التحالف مع واشنطن، ومحاولة البحث عن صياغة تحالفات أكثر مرونةً مع خصوم الولايات المتحدة، وعلى رأسها روسيا والصين، خاصةً في ظل ما قد يترتب على الغزو الروسي المحتمل للأراضي الأوكرانية من إعادة تشكيل للنظام الدولي الحالي. كذلك فإن تفضيل الولايات المتحدة “الدفاع المتأخر” عبر التمركز في بعض دول الجوار الأوكراني بدلاً من “الدفاع المتقدم” عن الحليف في مواجهة “الخصم المحتشد”. وهو ما تجلَّى في إعلان الولايات المتحدة في 12 فبراير 2022، إصدار أوامر بسحب شبه كامل للجنود الأمريكيين المنتشرين في أوكرانيا وإعادة نشرهم في مواقع أخرى في القارة الأوروبية، بجانب الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، وهو ما قد يثير الشكوك حول جدوى الانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في المديين المنظور والمتوسط[5]. ما قد يدفع هذه الدول إلى التوجه والبحث عن نوع من الاستقلال الدفاعى عبر توجه هذه الدول إلى بناء تحالفات فيما بينها، وربما تكون حالات التهدئة والمصالحة بين دول المنطقة التى كانت إلى وقت قريب فى حالة صراع وعداء ضد بعضها البعض (والتى تمثلت بصورة رئيسية فى محور مصر والإمارات والسعودية- محور تركيا وقطر- محور إيران ومليشياتها العسكرية) هو جزء من  هذا التوجه. جدير بالإشارة أن السابق لا يعني التصادم مع توجهات واشنطن في معظم سياساتها المتعلقة بالمنطقة، التي تبقى العامل الأهم حتى كتابة هذه السطور في تشكل المشهد الإقليمي، ولكن مع فارق أن الأخيرة لم تعد منفردة على المستويين الإقليمي والدولي[6]. ولهذا سيتعين على الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن تخفيف بعض الضغوطات عن شركائه وحلفائه الشرق أوسطيين، قبل مطالبتهم باتخاذ موقفٍ علني. وقد تضطر واشنطن لفك قيودها عن ولي العهد السعودي إذا كان بايدن يريد من بن سلمان خفض أسعار النفط. وقد تضطر كذلك لتخفيف ضغوطها على السعودية والإمارات لإنهاء حربهما في اليمن، وتبدأ في دعم جهودهما لردع عدوان الحوثيين المدعومين من إيران. وربما تضطر أيضاً للاستمرار في إطلاق يد إسرائيل للتعامل مع إيران، رغم استعداد بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. كما أن التعاون مع مصر في غزة وليبيا قد يصبح أولويةً أكثر من مطالبة الولايات المتحدة للسيسي بتخفيف القمع في بلاده[7]. 2- ترويج موسكو لنفسها كحليف بديل: يبدو أن أحد المكاسب…

تابع القراءة
القمة الإفريقية الأوروبية: قراءة في المُخرجات والنتائج

القمة الإفريقية الأوروبية: قراءة في المُخرجات والنتائج

  انعقد مؤتمر القمة السادسة لرؤساء دول وحكومات الاتحادين الأوروبي والإفريقي في بروكسيل يومي 17 و18 فبراير 2022. ومثَّلت القمة فرصة هامة للاتحاد الأوروبي لإعادة صياغة العلاقة بينه وبين الاتحاد الإفريقي، وإتاحة فرصة لإرساء أُسس تعزيز التعاون بين الاتحادين، من خلال وضع رؤية مشتركة للتحديات التي تواجهها القارتان. وشارك في القمة أكثر من 40 من القادة الأفارقة، وشملت برامجها مبادرات تنبئ عن محاولة أوروبا إعادة تأكيد نفوذها في القارة الإفريقية من خلال استدراك فشلها في دعم القارة واستعدادها لمنافسة لاعبين آخرين مثل الصين التي تملك استثمارات ضخمة داخل القارة، وروسيا التي توطّد علاقاتها مع دول وسط إفريقيا والساحل. واختتمت القمة أعمالها بإصدار وثيقة ختامية تتضمن الرؤية المشتركة للاتحادين لعام 2030، فماذا كانت مُخرجات القمة؟ وكيف يُمكن قراءة تلك المُخرجات في إطار التنافس الدولي والإقليمي في القارة؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولاً: مُخرجات القمة: سعت البلدان الأوروبية من خلال القمة إلى طرح مجموعة مشاريع فعلية تتمحور حول ثلاثية الازدهار والأمن والتنقل. ووضعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته هذه المشاريع بالتنسيق الوثيق مع البلدان الإفريقية سعيًا إلى تلبية التطلعات الإفريقية في مجال الاستثمار والبنى التحتية والصحة والتنقل والأمن والتعليم. ويتمثَّل ذلك في: على المستوى الاقتصادي: خلال القمة السادسة التي جمعتهم في بروكسل وضع الاتحاد الأوروبي ونظيره الإفريقي أسس “شراكة متجددة” للتصدي للنفوذ الروسي والصيني. وهو ما يندرج في إطار مؤتمر قمة تمويل الاقتصادات الإفريقية الذي عُقد في 18 مايو 2021 وعمل مؤتمر قمة مجموعة الدول العشرين الذي عُقد في روما، مع إيلاء اهتمام خاص لتدريب الشباب وتوظيفهم. فمن ناحية الاستثمار المباشر؛ تسعى أوروبا إلى زيادة استثماراتها في البنى التحتية، ولا سيما في مجالات النقل والطاقة والتحول الرقمي، وكذا تطوير الإنتاج الغذائي في إطار مبادرة السور الأخضر العظيم، وذلك تلبيةً للمطالب الإفريقية. كانت على رأس القضايا التي تم تناولها خلال القمة مبادرة البوابة العالمية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية التي انطلقت من سنوات، واستثمرت بكين من خلالها عشرات المليارات من اليورو في الموانئ، والطرق، والاتصالات، وغيرها من أشكال البنى التحتية حول العالم، وخاصةً في إفريقيا. وقد تعهدت الكتلة الأوروبية بتوليد 150 مليار يورو من صناديق الاستثمار العامة والخاصة على مدى السنوات السبع المقبلة لتحقيق الدفعة الإفريقية الأولى من المبادرة التي يصل استثمارها العالمي إلى حوالي 300 مليار يورو. وبالرغم من الشكوك المُثارة حول فاعلية المبادرة في إفريقيا نظرًا لقوة النفوذ الصيني وتناميه؛ فإن المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يؤمنون بأنها ستُحقِّق أهدافها من خلال توفير بديل للقروض الصينية والتركيز الأولي على عشرات المشاريع الطموحة لتعزيز الوصول إلى الإنترنت وروابط النقل والطاقة المتجددة. ويكمن تشاؤم بعض المسؤولين الأفارقة تجاه المبادرة في غموض تفاصيل التمويل، كما رأى بعضهم أنها لا تصب في أولوياتهم وأن التمويل الأوروبي غالبًا ما يأتي بشروط تعجيزية مُعقدة.[1] ومن ناحية أخرى الإقراض والديون؛ استجابةً لتأثيرات الاقتصاد الكلي لأزمة كوفيد-19 على الاقتصادات الإفريقية؛ وعد الاتحاد الأوروبي بمناقشة إنشاء إطار المشترك مع الاتحاد الإفريقي لمعالجات الديون فيما بعد انتهاء مبادرة تعليق خدمة الديون القائمة حاليًا بمبادرة من البنك الدولي، والتي يستفيد منها حوالى 37 دولة إفريقية، وخلت الرؤية الصادرة عن القمة من أي تفاصيل أخرى عن مبادرة تعليق خدمة الديون الأوروبية المزمع مناقشتها لاحقًا. أما عن الإقراض فقد حثَّ الاتحاد الأوروبي أعضاءه على الإسهام طواعية في الجهد العالمي المبذول لتوفير السيولة في الأزمات من خلال حقوق السحب الخاصة. حيث مهَّد الأوروبيون الطريق لزيادة إعادة توزيع “حقوق السحب الخاصة” على الأفارقة والمُخصصة للدول الغنية -أسهم يخصصها صندوق النقد الدولي للدول التي يمكنها تحويلها إلى عملات أجنبية وإنفاقها بدون أن تكون مديونة-. حتى الآن، أعاد الأوروبيون بشكل جماعي توزيع 13 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة لإفريقيا، من أصل 55 مليار دولار أعادت الدول الغنية تخصيصها على مستوى العالم للقارة، وهو أقل بكثير من هدف 100 مليار دولار الذي طالب به الاتحاد الإفريقي للتخفيف من تأثير وباء كوفيد-19.[2] والجدير بالذكر هنا أن الصين كانت قد أعلنت أنها أوقفت مدفوعات خدمة الديون لـ23 دولة بقيمة إجمالية تقارب 1.4 مليار دولار عبر الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي، ووكالة المعونة، وبنك التصدير والاستيراد الصيني. وكذلك أعلن الرئيس الصيني -ضمن ما أعلنه لدى افتتاح منتدى التعاون الصيني الإفريقي- عن إعادة توزيع 10 مليارات دولار من الأصول الاحتياطية النادرة لصندوق النقد الدولي، والمعروفة باسم حقوق السحب الخاصة على البلدان الإفريقية. على المستوى السياسي والأمني: بشأن إحلال السلام وإرساء الاستقرار؛ فيكمن الهدف في دعم الجهود الإفريقية التي تُبذل في سبيل مكافحة الإرهاب ودعم الإجراءات الإفريقية التي تُتخذ من أجل إرساء الاستقرار في القارة، وذلك من خلال عمليات حفظ السلام الإفريقية والنهوض بقدرات البلدان الإفريقية على حدٍّ سواء.[3] حيث تعهَّد الاتحاد الأوروبي بمساعدة عمليات السلام التي تقوم بها القوات الإفريقية من خلال تدريبهم وتعزيز معداتهم، في مواجهة حالة عدم الاستقرار في القارة، والتي تزيد منها الانقلابات والإرهاب وبعد إعلان باريس انسحابها من مالي.[4] ومن التعهدات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي في القمة أن خطواتها وبرامجها الجديدة في إفريقيا تشمل مساعدة القارة في محاربة الإرهاب والتغلب على التحديات الأمنية. وقد انعقدت القمة في الوقت الذي تتأزم علاقات بعض الدول الإفريقية مع دول أوروبية بسبب الأزمات السياسية الجديدة على مدار العامين الماضيين. وعبَّر عن ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون\ بقوله إن القوات الفرنسية والأوروبية التي تواجه الجماعات المسلحة في مالي ستنسحب من البلاد في غضون أربعة إلى ستة أشهر. وجاء الإعلان الفرنسي في مؤتمر صحفي مشترك عقب قمة مصغرة بباريس مع رئيس السنغال -الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي- ماكي سال، ورئيس غانا -الرئيس الحالي للجماعة الاقتصاديين لغرب إفريقيا– نانا أكوفو أدو، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، بالإضافة إلى رؤساء موريتانيا والنيجر وتشاد. على أن رئيس الشؤون الخارجية في أوروبا جوزيب بوريل نفى أن يكون سحب القوات الأوروبية يعني أن الكتلة الأوروبية تتخلَّى عن مالي والساحل، وقال: “نحن لا نتخلى عن الساحل، ولا نتخلى عن مالي، نحن فقط نعيد هيكلة وجودنا لمواجهة الوضع السياسي الجديد”. ويأتي هذا بعد انهيار العلاقة في الأشهر الأخيرة بين فرنسا ومالي التي تعاونت عسكريًا وأمنيًا مع روسيا وتصاعدت الأصوات المطالبة بمغادرة فرنسا المنطقة، وطرد السفير الفرنسي والقوات الدنماركية التي تشكل جزءًا من عملية “تاكوبا”.[5] على المستوى الصحي: كانت مكافحة وباء كوفيد-19 من المواضيع الرئيسية في القمة؛ إذ أشاد قادة الاتحاد الأوروبي بـ “تعاونهم” مع إفريقيا في مجال اللقاحات بالرغم من أنهم لم يرفعوا حماية حقوق الملكية الفكرية للقاحات عندما طلبتها الدول الإفريقية كي تتمكن من إنتاج لقاحاتهم داخل القارة. واضطلعت أوروبا بدور ريادي في مجال الصحة تجسَّد في اقتراحها اعتماد مجموعة الدول العشرين مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-١٩، وهو ما…

تابع القراءة
حرب روسيا وأوكرانيا وانعكاساتها على إفريقيا

حرب روسيا وأوكرانيا وانعكاساتها على إفريقيا

  تجتذب الأزمة في أوكرانيا أنظار العالم، وتثير مخاوفه وترقُّبه لما ستسفر عنه المواجهات الدولية الدبلوماسية على الأقل في الوقت الراهن وتوقعات اتساع رقعة الأزمة جغرافيًّا؛ ولم تكن القارة الإفريقية خارج دائرة تداعيات هذه الأزمة الدولية الخطيرة التي ستشهد دون شك تصعيدات عدة، وتؤدي إلى تضرُّر أو استفادة عدد كبير من الدول الإفريقية على المدى المتوسط والبعيد. وتتباين آثار الأزمة الأوكرانية في إفريقيا بين اقتصادية، وكذا تداعيات سياسية وأمنية في ملفَّات الإرهاب والأزمة الوطنية والنزعات الانفصالية في إفريقيا. فكيف يُمكن توقُّع التداعيات والمكاسب المُحتملة للأزمة على إفريقيا؟ وما هي مواقف الدول الإفريقية منها؟ وكيف يُمكن قراءة تلك المواقف؟ وهل من الممكن أن تُساهم هذه الأزمة في أن يحل النفوذ الشرقي في إفريقيا محل النفوذ الغربي؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها.. العلاقات الإفريقية مع كلٍّ من روسيا وأوكرانيا: استوردت البلدان الإفريقية من روسيا منتجات زراعية بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي في عام 2020، قرابة 90% منها قمح و6% زيت عباد الشمس. بالمثل صدَّرت أوكرانيا بقيمة 2.9 مليار دولار أمريكي من المنتجات الزراعية إلى القارة الإفريقية في عام 2020، 48% منها قمح و31% ذرة وشمل الباقي زيت عباد الشمس والشعير وفول الصويا. وتُعد روسيا وأوكرانيا المصدرين الأول والخامس على التوالي للقمح إلى إفريقيا، التي لديها بعض المستهلكين الكبار الذين يعتمدون في بعض الأحيان بشكلٍ كبير على القمح المستورد، كما هو الحال بالنسبة لمصر وتليها السودان ونيجيريا وتنزانيا والجزائر وكينيا وجنوب إفريقيا، والتي تستورد من موسكو وكييف بشكل أساسي. المغرب وتونس وإثيوبيا، أيضًا، من كبار المستوردين، لكن هذه الدول الثلاث قامت بتنويع مورديها.[1] وكما تعتبر روسيا أحد مُصدّري الأسلحة إلى القارة الإفريقية؛ فإنَّ أوكرانيا في المقابل طوَّرت علاقات تجارية قوية مع عدد من الدول الإفريقية منذ الحقبة السوفييتية، بالإضافة إلى ذلك يستفيد عشرات الآلاف من الطلاب من المنح الدراسية في أوكرانيا، والذين يمثلون حاليًا غالبية مواطني القارة الإفريقية في أوكرانيا. فمثلًا للمملكة المغربية قرابة 8000 طالب مقيم في أوكرانيا، وتمتلك غانا أكثر من 1000 طالب.[2] بالإضافة إلى أكثر من 8 آلاف مغربي و4 آلاف نيجيري يدرسون هناك. كل هذا مع تقوية النفوذ الروسي في بعض دول الساحل خلال الفترة الأخيرة مثل مالي وإفريقيا الوسطى، في مقابل تراجع النفوذ الفرنسي هناك. التحديات المُحتملة للحرب الروسية- الأوكرانية على القارة الإفريقية: الآن، وبعد أن أصبحت روسيا وأوكرانيا في حالة حرب، فإن ذلك يُشكِّل مجموعة من التحديات؛ من بينها تعطيل سوق القمح الذي يعتمد عليه غذاء ملايين الأفارقة، والذي قد يصبح أكثر تكلفة وربما أكثر ندرة في إفريقيا. ومنذ يناير الماضي، أخذت الأسعار بالفعل في الزيادة 15 دولارًا للطن، وحتى إذا تم تصدير ثلثي القمح الروسي المنتج في عام 2021 بالفعل، مازال من المُتوقع زيادة في الأسعار بحوالي 30% إذا لم يعد بإمكان روسيا الوصول إلى السوق. كما يُمكن أن يضاف إلى ذلك العزلة الاقتصادية لروسيا العائق أمام الصادرات عن طريق السفن، بسبب استحالة استخدام الموانئ أو الطرق البحرية، أو حتى صعوبة تأمين السفن في سياق الحرب.[3] علاوةً على ذلك، هناك مخاوف بشأن الجفاف في بعض مناطق القارة، كما وسيؤدي تعطيل شحنات السلع إلى زيادة المخاوف العامة من تضخم أسعار المواد الغذائية في القارة الإفريقية. وبالنسبة لسوق الطاقة؛ فتؤكد الحرب في أوكرانيا على مخاطر اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. وأثارت التوترات الحالية مخاوف من تعطُّل تدفق الغاز الروسي وارتفاع الأسعار حتى بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين الذين يعانون من أزمة حادة في تكلفة المعيشة. وهنا تُمثِّل شمال إفريقيا حلًا محتملًا لمشاكل الطاقة في أوروبا، بالنظر إلى موقع الجزائر وليبيا كموردي غاز بديلين محتملين. لكن هذا سيأتي مع تعقيدات كبيرة؛ حيث أدت التوترات المتصاعدة بين الجزائر والمغرب بالفعل إلى توقُّف صادرات الطاقة عبر خط الأنابيب الذي يربط الجزائر وإسبانيا. ومع ذلك، لا يزال بإمكان الجزائر توفير إمدادات الغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا أو تصدير المزيد من الغاز شرقًا عبر خط أنابيب إلى إيطاليا. لكنه في المقابل سيُهدِّد خطط تعميق علاقاتها مع موسكو. وفى الوقت نفسه، فإن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا والتهديد المستمر بالصراع يجعلانها شريكًا مزعجًا للطاقة، لاسيما بالنظر إلى قدرتها الإضافية المحدودة، يُمكن لروسيا أن تزيد من تعقيد هذه الديناميكيات من خلال الاستفادة من وجودها في شرق ليبيا وحقول النفط في البلاد لتعطيل تدفقات الطاقة لأوروبا. وعلى مستوى الجغرافيا السياسية؛ يُمكن أن يوفر الصراع الروسي الأوكراني لدول شمال إفريقيا نفوذًا جديدًا هامًا على الولايات المتحدة وأوروبا. وستكون تركيا أيضًا جزءًا مهمًا من المعادلة، نظرًا لكونها عضوًا في الناتو ولها علاقات وثيقة مع كل من روسيا وأوكرانيا. وبالرغم من كون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منبوذ من قِبل أوروبا وإدارة بايدن؛ إلا أن الصراع في أوكرانيا سيُعزِّز ظهوره ويزيد من أهمية تركيا التي تتنافس روسيا والغرب الآن على جذبها وراء مواقفهما بشأن أوكرانيا. وهذه الديناميكيات ستؤدى بلا شك إلى سياسة خارجية تركية أكثر ثقة بالنفس-خاصةً في البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا- وتخفيف حدة النقد الغربي لسلوك أردوغان الداخلي.[4] كما أن غزو روسيا لأوكرانيا يُمكن أن يُؤثِّر على السياسة والنزعات الانفصالية في الدول الإفريقية، حيث دائمًا ما تصبح إفريقيا ضحية للتنافس بين القوى العظمى. وأغلب الصراعات على القارة الإفريقية اليوم مرتبطة بالاعتبارات الاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية العالمية. ولسوء الحظ فإنه لا يمكن الفصل بين ما يحدث اليوم في جمهورية إفريقيا الوسطى أو مالي عما يحدث في أوكرانيا، حيث تنتهج روسيا استراتيجية إضعاف القوى التي سبق أن سعت لإضعاف موسكو في أوروبا. ومع اعتراف روسيا رسميًّا بالإقليمين الانفصاليين في شرقي أوكرانيا لصالح حرب بالوكالة، يُرجَّح أن تسترجع الحركات الانفصالية في إفريقيا مزيدًا من الثقة، وربما تستلهم الجماعات المسلحة مقاربة الكرملين في الأزمة الأوكرانية، في الوقت الذي تصاعد فيه النفوذ الروسي في الساحل خلال الفترة الأخيرة. وفرض مزيد من العقوبات الأوروبية على روسيا؛ قد يجعل موسكو من جهة تستخدم موقعها في ليبيا للرد من خلال استغلال الصراع المتجدد وزيادة تدفقات الهجرة واللاجئين للضغط على أوروبا، ومن جهة أخرى تستخدم تواجدها في الدول الساحل الإفريقي لزيادة العمليات الإرهابية في أوروبا أو بين القوات الأوروبية في دول الساحل. الدول الأكثر تضرُّرًا من الحرب في إفريقيا: من العرض السابق لتداعيات الحرب على إفريقيا؛ يتضح أن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية سيظهر في بعض الدول الإفريقية قبل غيرها؛ فمثلًا: مصر تستورد قرابة 90٪ من قمحها من روسيا وأوكرانيا أيضًا، وتستورد ليبيا 43٪ من إجمالي استهلاكها من القمح من أوكرانيا، ومن المُحتمل أن تُعاني ليبيا خلال هذه الحرب من المزيد من التعقيدات الأمنية. وتستورد الجزائر كميات ضخمة من الحبوب من أوكرانيا وروسيا، غير أنها يُمكن أن تستفيد من ذلك الصراع؛ من حيث ارتفاع أسعار الطاقة؛ باعتبار أن ثلث الغاز الذي يستهلكه الأوروبيون من روسيا. واعتبارًا من…

تابع القراءة
تعديلات قانون المخابرات.. قراءة في الخلفيات والمآلات

تعديلات قانون المخابرات.. قراءة في الخلفيات والمآلات

    «المخابرات العامة» ــ وفق الدستور ـ هي هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية، وتختص بالمحافظة على سلامة وأمن الدولة وحفظ كيان نظامها السياسي، وذلك بوضع السياسة العامة للأمن وجمع الأخبار وفحصها وتوزيع المعلومات المتعلقة بسلامة الدولة، ومد رئيس الجمهورية ومجلس الدفاع الوطني وهيئة المخابرات بجميع احتياجاتها، وتقديم المشورة والتوصيات اللازمة لها، وتختص كذلك بأي عمل إضافي يُعهد به إليها رئيس الجمهورية أو مجلس الدفاع الوطني ويكون متعلقًا بسلامة البلاد. يتكون شعار المخابرات من عين حورس الشهيرة في الأعلى، وأسفلها مباشرة نسر قوي ينقض على أفعى سامة لينتزعها من الأرض، ويرمز الشعار لقوة الجهاز وصرامته في مواجهة الأخطار والشرور التي تواجه الأمن القومي للبلاد. أنشئ الجهاز بقرار جمهوري  من الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر سنة 1954م، يحمل اسم “المخابرات العامة”، وأسند إلى زكريا محيي الدين مهمة إنشائه بحيث يكون جهاز مخابرات قويا لديه القدرة على حماية الأمن القومي. لكن الانطلاقة الحقيقة للجهاز كانت مع تولي صلاح نصر رئاسته عام 1957 حيث قام بتحديث وتطوير الجهاز على أسس منهجية عملية، كما قام بإنشاء مبنى منفصل وأسس وحدات للراديو والحاسوب والتزوير والخداع. ولتغطية نفقات الجهاز الباهظة في ذلك الوقت، قام صلاح نصر بإنشاء “شركة النصر للاستيراد والتصدير” لتكون ستاراً لأعمال المخابرات المصرية، بالإضافة إلى الاستفادة منها في تمويل عملياته، وبمرور الوقت تضخمت الشركة واستقلت عن الجهاز وأصبحت ذات إدارة منفصلة. وعرف عن الجهاز في عهد صلاح نصر الانحراف المالي والجنسي، ويعد أمين هويدي وعمر سليمان من أبرز رؤساء الجهاز.[[1]] ويفرض الجهاز سياجا من السرية على أنشطته الاقتصادية؛ وفي مايو 2019م، تم منع أحد أعداد صحيفة “الأهالي” لسان حزب التجمع اليساري المقرب من السلطة، بسبب تحقيق صحفي عن شركة “إيجل كابيتال” للاستثمارات المالية المملوكة للمخابرات، وجاء في التحقيق الذي مُنعت بسببه الصحيفة، أن رئيسة الشركة ارتكبت مخالفات جسيمة، مستغلة نفوذ زوجها للضغط على البنوك لمنع الحجز على شركة مدينة بـ450 مليون جنيه (نحو 25 مليون دولار). وترأس الشركة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد زوجة رئيس البنك المركزي طارق عامر. وهي الشركة التي تأسست في 2016، وهي غير مقيدة في البورصة المصرية، وتستهدف الاستحواذ على شركات كبرى في مجالات مختلفة على رأسها الإعلام.[[2]] وفي الثلاثاء 22 من فبراير 2022م، وافق البرلمان بغالبية ثلثي أعضائه ــ وقوفا ــ على تعديلات قانوني جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971، والقانون رقم 80 لسنة 1974 الخاص بالافراد العاملين بالجهاز، وهي التعديلات التي تتضمن منح الجهاز حق تأسيس الشركات بجميع أنواعها أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، وتعيين أعضائه كرؤساء أو أعضاء مجالس إدارة تلك الشركات بعد موافقة الجهاز، إلى جانب إعادة معاملة رئيس الجهاز معاملة وزير ونائبه نائب وزير فيما يتعلق بالمستحقات المالية، فضلًا عن ترتيب الهيكل الوظيفي للمخابرات، وتشديد العقوبة على كل من ينتحل صفة العمل بالجهاز. فما أهم الملاحظات على هذه التعديلات؟ ولماذا جرى تمريرها في هذا التوقيت؟ وما الهدف منها؟ ولماذا يصر النظام على توريط مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية (الجيش ــ المخابرات ـ الشرطة) في مجال البيزنس والأعمال؟ أليس هذا إفسادا لتلك المؤسسات ونسفا للأدوار الحقيقية المنوطة بها لحماية الأمن القومي؟ وهل تعتبر هذه التعديلات تعزيزا لإمبراطورية المخابرات العسكرية واسترضاء للجهاز في ظل احتكار الجيش لمعظم المشروعات الكبرى وهيمنته على مفاصل الاقتصاد المصري؟ ألا يمكن أن تتسبب أعمال البيزنس في صراع على المكاسب بين أجهزة الدولة بما يعني تحويلها إلى مراكز قوى وجزر منعزلة على حساب الوطن وتماسكه وأمنه القومي؟ تحفظات وملاحظات التحفظ الأول على تمرير هذه التعديلات يتعلق بالشكل؛ فقد تلى رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، اللواء أحمد العوضي، نص التعديلات على مسامع النواب والصحفيين في بداية الجلسة، بشكل عاجل وغير مدرج على جدول أعمال الجلسة. من جانب آخر، لم يتم توزيع تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي على النواب الذين جرى أخذ موافقتهم على التعديلات دون إطلاعهم عليها وعلى نصوصها وفحواها، كما لم يتم توزيع نص هذه التعديلات على الصحفيين كما هو متبع مع مناقشة البرلمان لنصوص القوانين، كما لم يعلم لا النواب ولا الصحفيون بفحوى تقرير لجنة الدفاع والأمن القوي وأريها في هذه التعديلات. وهو أمر نادر الحدوث داخل البرلمان. ولمزيد من الحرص على السرية والكتمان وتمرير التعديلات دون ضجيج إعلامي أو رفض مجتمعي، أخبر مسؤولو التحرير في عدد من الصحف مندوبيهم داخل مجلس النواب بعدم كتابة تفاصيل التعديلات ولا الموافقة عليها،  وفقا لموقع «مدى مصر».[[3]] ما فعله البرلمان هو عين ما فعلته لجنة الدفاع والأمن القومي قبل أسبوع حين مناقشة أو ــ بمعنى أدق ــ  استكمال شكل الخطوات القانونية المتبعة لتمرير التعديلات، فقد عقدت اللجنة اجتماعات سرية لم تسمح خلالها بحضور الصحفيين، من أجل إعداد تقرير بالرأي القانوني حول التعديلات وعرضها على الجلسة العامة للمجلس والتي وافقت عليها بالإجماع وقوفا دون حتى معرفتهم بما يوافقون عليه. من حيث الشكل أيضا، فقد بصم نواب البرلمان بالإجماع على هذه التعديلات دون اعترض من أي نائب على عدم توزيع التقرير الخاص بالتعديلات عليهم، فيما شهدت القاعة حضورًا مكثفًا من النواب من ممثلي جميع الهيئات البرلمانية، الذين وافقوا بالإجماع على التعديلات فورعرضها عليهم؛ حيث طُلب منهم الموافقة عليها، استنادًا لكونها تصب في خانة المصلحة العامة للبلاد وأمنها القومي، وأن التعديل جاء ليتواكب مع مستجدات العصر، مشددًا على أن التعديلات تتضمن استبدال وإضافة بعض النصوص الجديدة لمشروع القانون بحيث يقوم هذا الجهاز بدوره على أكمل وجه. التحفظ الثاني، يتعلق بالسيق والتوقيت؛ فهذه التعديلات على قانوني المخابرات، إنما تأتي في سياق صراع بين مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية (الجيش ــ المخابرات ــ الأمن الوطني) على العوائد المالية والاقتصادية من المشروعات القومية والتي تهيمن عليها المؤسسة العسكرية وسط تململ من جانب الأمن الوطني، بعدما تمت ترضية جهاز المخابرات بإسناد عدد من الشروعات له. [[4]] وكانت بعض الأحداث التي جرت وقائعها في العام الماضي “2021”، مؤشرا على هذا الصراع أبرزها قضية الفساد الكبرى في وزرة الصحة والتي أسفرت عن الإطاحة بالوزيرة هالة زايد، رغم أنها كانت إحدى المقربات من السيسي قبل حرقها ــ ومحاكمة عدد من مستشاريها والمقربين منها، كذلك عملية تهريب الآثار الكبرى التي تورط فيها لواءات كبيرة بالجيش مع السفير الإماراتي بالقاهرة، وما يتعلق بالحملة التي قادتها منابر ونوافذ إعلامية يديرها أحد الأجهزة السيادية ضد وزير السياحة والآثار خالد العناني. وقبل شهور حين تمت الإطاحة بتامر مرسي من شركة “سينرجي” للإنتاج الإعلامي والتي يهمين عليها جهاز سيادي. كذلك تعرض وزير النقل كامل الوزير لحملة إعلامية أواخر سنة 2020م، انتقدت مستوى أدائه وتردي المشروعات التي تقوم بها الوزارة؛  الأمر الذي فهم على أنه أحد أشكال صراع الأجهزة بين مؤسسات الدولة. لا ينبغي فهم ذلك على أنه صراع وجود بين الأجهزة، بل هو صراع على بسط النفوذ والهيمنة سياسيا…

تابع القراءة
لماذا يريد نظام السيسي غلق ملف الإيجار القديم  في هذا التوقيت؟

لماذا يريد نظام السيسي غلق ملف الإيجار القديم  في هذا التوقيت؟

    تعامل النظام المصري مع مشكلة الإيجار القديم مع بداية سنة (2022) وفق فلسفة تقوم على أساس تصنيف المشكلة إلى ثلاثة أنواع من الإيجار: الأول هو الوحدات الإيجارية الخاصة بالأشخاص الطبيعية للغرض السكني، وهي الوحدات التي تقطنها أسر ورثت عقد الإيجار عن المستأجر الأصلي. الثاني، هي الوحدات المستأجرة لأشخاص طبيعية لغير الغرض السكني (كشخص استأجر شقة لغرض غير سكني كمخزن أو لحرفة أو صناعة أو غير ذلك. الثالث، هي الوحدات الإيجارية لأشخاص اعتبارية كالشركات والمنظمات الأهلية والأحزاب والمؤسسات وغيرها وهؤلاء يمثلون نحو 10% من جملة الوحدات الإيجارية القديمة. بخصوص النوعين الأول والثاني (الوحدات المؤجرة لأشخاص طبيعية للغرض السكني أو لغير الغرض السكني) لا تزال المشكلة قائمة ولا تزال المناقشات جارية في أروقة الأجهزة السيادية والبرلمان؛ حيث تستعين هذه الأجهزة ببعض الخبراء والمتخصصين بهدف التوصل إلى صيغة عاجلة ومتوازنة بين الملاك من جهة والمستأجرين من جهة أخرى، وسط  تصميم من جانب النظام على غلق  هذا الملف الشائك الذي عجزت جميع الحكومات السابقة عن وضع حد له، تقول الحكومة والبرلمان إنهما يريدان أن يكون متوازنا ويرضي الطرفين الملاك والمستآجرين في ذات الوقت وهو أمر يكاد يكون مستحيلا. أما النوع الثالث (الوحدات المستأجرة لأشخاص اعتبارية)، فقد وافق البرلمان مؤخرا على تعديلات تنص على إنهاء هذه العلاقة الإيجارية في مدة انتقالية تمتد إلى “5” سنوات وفقا لعدد من الشروط والإجراءات. فلماذا شرع النظام في هذا التوقيت على سن تعديلات للوحدات الإيجارية للأشخاص  الاعتبارية؟ وما الهدف من ذلك؟ ولماذا جرى تأجيل البت في الوحدات الإيجارية للأشخاص الطبيعية مع التعهد بسن قانون قريب لفض العلاقة المأزومة بين الملاك والمستأجرين وفق النظام القديم؟ ولماذا يصمم النظام على سن تشريع لهذه الأزمة  المستعصية في هذا التوقيت وفقا لتصريحات رئيس البرلمان؟ أم أن النظام يربط سن تشريع لهذه المشكلة بأزمته المالية بهدف تحقيق عدة مكاسب بضربة واحدة تتعلق بالضريبة العقارية من جهة وتسويق وحدات المدن الجديدة الراكدة من جهة أخرى؟ ألا يخشى أن يؤدي ذلك إلى فوضى وارتباك على المستوى الاجتماعي لأن المتضررين يعدون بالملايين؟ وما مآلات ذلك وتداعياته على مستقبل البلاد ومستقبل النظام الحاكم؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الوضع الأمني لا سيما وأن ذلك يتزامن مع توجهات النظام نحو تقليص الدعم ورفع أسعار الخبز في ظل تداعيات جائحة كورونا من جهة والغزو الروسي لأوكرانيا من جهة أخرى؟ وتكشف أحدث إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والعامة والإحصاء سنة 2017، أنَّ مصر بها نحو 3 ملايين وحدة سكنية خاضعة لنظام الإيجار القديم، منها نحو 2.5 مليون وحدة لأغراض سكنية، ونحو نصف مليون للأغراض غير السكنية. ومن إجمالى هذه الوحدات فهناك مليون وحدة غير مشغولة بواقع 867 ألف وحدة سكنية، وحوالى 400 ألف وحدة غير سكنية، وتقع أغلب هذه الوحدات فى مدن مصر القديمة، التى تعدت سعر الوحدة بها الآن ملايين الجنيهات، لكن لاتزال إيجاراتها عشرات الجنيهات.[[1]] وبمقارنة هذه الإحصائيات بنظيرتها الصادرة عن ذات الجهاز عام 2006، والتي أظهرت وجود 4 ملايين وحدة سكنية مؤجرة، سينتج عن الأمر فارق في عدد الوحدات المؤجرة بواقع مليون وحدة غير معلوم مصيرها أو مصير ساكنيها.[[2]] البداية بالأشخاص الاعتبارية في جلسة الإثنين 21 فبراير 2022، وافق البرلمان على تعديلات على «قانون الإيجار القديم»، تحت مسمى «قانون بإجراء ومواعيد إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير الغرض السكني فى ضوء أثار والتداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا». وتسري أحكام القانون على الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكن، وفقاً لأحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، و136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وفقا لهذه التعديلات: يمنح للأشخاص الاعتبارية (منظمات أهلية ـ أحزاب ــ مدارس ــ مستشفيات ـ مؤسسات وشركات ومصالح حكومية أو خاصة ــ سفارات ــ أندية ــ بنوك) مهلة لا تجاوز خمس سنوات؛ وهو ما يُنذر بطرد الآلاف من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب من أماكنها الحالية، فضلاً عن إخلاء الصيدليات والأنشطة التجارية الخاضعة لإدارة مجموعة من الأشخاص بموجب عقودها. زيادة القيمة الإيجارية خمسة أمثال القيمة القانونية السارية حاليا ، وتزاد سنوياً وبصفة دورية آخر قيمة قانونية مستحقة وفق هذا القانون بنسبة 15% خلال السنوات الأربع التالية. تتضمن التعديلات تنظيم الإجراءات القضائية والقانونية المتعلقة بإخلاء المكان المؤجر فى اليوم التالى لانتهاء الحد الأقصى للمدة المبينة بالقانون ( خمس سنوات) فى حالة امتناع المستأجر عن ذلك. ونصت التعديلات على أن يلتزم المستأجر بإخلاء المكان المؤجر، ورده إلى المالك أو المؤجر (بحسب الأحـوال) في اليـوم التالـي لانتهاء المدة المبينة في القانون. وفي حالة امتناع المستأجر عن ذلك؛ يكون للمالك أو المؤجر أن يطلب من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكائن في دائرتها العقار بطرد الممتنع عن الإخلاء، من دون الإخلال بالحق في التعويض إن كان له مقتضى. ويُؤخذ على هذه التعديلات أنها لم تَأخذ بعين الاعتبار المساواة في المراكز القانونية، ولم تفرق بين الجهات الهادفة للربح وغير الهادفة للربح كالمنظمات الأهلية والأحزاب والنقابات، وبالتالي فإن القانون بالصياغة التي جرى تمريرها قد يفضي إلى طرد أحزاب عتيقة من مقراتها، وكذلك يهدد بطرد نحو 54 ألف جمعية خيرية، بخلاف مقرات رئيسية وفرعية لبعض النقابات، كلها سوف مهددة بالطرد من مقراتها الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة، فضلاً عن إخلاء الصيدليات والأنشطة التجارية التي يديرها مجموعة من الأشخاص، وفقاً لأحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، و136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. كما لم يتم استثناء الأماكن الثقافية الخاضعة لأحكام القانون، ومنها على سبيل المثال “أتيليه الإسكندرية”، و”دار الأدباء”، و”نادي القصة”، و”منافذ توزيع الهيئة العامة للكتاب”، بوصفها تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديم، وتنطبق عليها هذه التعديلات.[[3]] ووفقا لتصريحات طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بالبرلمان، فإن هذه التعديلات تحدث نوعا من الضبط الجزئي، وتسهم في حل المشكلة لأنها تتعلق بحوالي 10% من إجمالي الوحدات المستأجرة بالنظام القديم. علاوة على ذلك فإن الحكومة تمثل النسبة الأكبر من الكيانات الاعتبارية لأنها تستأجر الكثير من المدارس والمستشفيات والمقرات الحكومية وفقا لقانون الإيجار القديم. مؤكدا وجود إرادة سياسية حقيقية للتصدى للوحدات الإيجارية للغرض السكني، لافتا إلى أن تشكيل لجنة للحوار المجتمعي من قبل مجلس الوزراء خطوة في هذا الاتجاه؛ لأن الأطراف دائما هم أساس الحل.[[4]] وفي أعقاب موافقة البرلمان على هذه التعديلات، أدلى رئيس المجلس المستشار حنفي الجبالي، بتصريحات توضيحية يؤكد فيها أنَّ:[[5]] هذه التعديلات الجديدة «تعديلات قانون الإيجار القديم لغير الغرض السكني»، لا يمس من قريب أو بعيد حكم المحكمة الدستورية العليا بإخلاء الأشخاص الاعتبارية. وكانت المحكمة في مايو/أيار عام 2018، قضت بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من…

تابع القراءة
قيود الاستيراد.. المزايا والمساوئ في سياق الدوافع والتوقعات

قيود الاستيراد.. المزايا والمساوئ في سياق الدوافع والتوقعات

        القرار الذي أصدره البنك المركزي المصري يوم “12” فبراير 2022م، والخاص بتنظيم قواعد الاستيراد والذي نص على وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ جميع المعاملات الاستيرادية، واستبدال ذلك بنظام «الاعتمادات المستندية» ليطبق بدءا من مارس 2022م، أثار كثيرا من الجدل والغضب في أوساط التجار والمصنعين، بينما تسبب في تزايد مستويات الشك والترقب وعدم اليقين بين المواطنين في ظل التوقعات التي تؤكد أن للقرار تداعيات سلبية على الأسعار وقد يتسبب في زيادة أسعار عدد من السلع التي يتم استيرادها من الخارج. وتفرض القواعد الجديدة دورا أكبر للبنوك في عملية الاستيراد، بحيث يكون البنك وسيطا وضامنا للمستورد، بدلا من النظام السابق حيث كان دوره مقتصرا على تحويل الأموال. هذا القرار رفضه مجتمع الأعمال وهاجمه بشدة اتحاد الصناعات المصرية الذي يعد الكيان الأقوى المعبر عن قطاع الصناعة والإنتاج في البلاد، وطالب الحكومة بالضغط على البنك المركزي للعدول عنه، كما هاجمه كل من اتحاد الغرف التجارية المصرية وجمعية رجال الأعمال المصريين، بل وانتقده برلمانيون فوجئوا أيضا بصدور القرار كما فوجئ به السوق ومجتمع الأعمال. فما هي تفاصيل هذا القرار؟  وما مزاياه ومساوئه؟ وما الأسباب التي دفعت نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى اتخاذه في هذا التوقيت؟ وما الهدف من ورائه؟  ولماذا تم استثناء الشركات الأجنبية وفروعها؟ وما التداعيات المرتقبة له من مختلف الأبعاد والزوايا؟ ولماذا أثار كثيرا من الرفض والغضب في أوساط المستوردين والتجار والمصنعين؟ وإلى أي مدى يمكن أن يتسبب في موجة غلاء جديدة؟ وهل يمكن أن تتراجع عنه الحكومة في ظل حالة الرفض الواسع له من جانب المستوردين والتجار؟ فحوى القرار فيما يتعلق بتفاصيل القرار وتفسيره، فإن عملية الاستيراد وفقًا للنظام الجديد تستلزم أن يقوم المستورد بمجرد اتفاقه مع مُورد خارجي، بفتح اعتماد في البنك، يودع فيه كامل مبلغ الشُحنة بالدولار أو بالجنيه، وفي حالة الإيداع بالجنيه تضاف إليه 20% من قيمة الفاتورة، ويظل المبلغ مودعًا إلى أن تصل مستندات التحصيل من ال مورد الأجنبي (المُصدِر)، وهي الفترة الزمنية التي تتراوح بين 60 إلى 70 يومًا. بينما وفقًا للنظام القديم، كان يتم الاتفاق على طلبية من الخارج وينتظر المستورد المصري حتى تكون جاهزة، ثم يُرسل المورد مستندات التحصيل، حينها يتم دفع قيمة الشحنة كاملة أو جزء منها، ويحصل المستور على نموذج 4، وهو الإثبات بدفع مستحقات الشُحنة ويُسمح بموجبه الإفراج عن الشحنة من الجمارك. والقرار الجديد بالتالي سيكلف المستوردين والمصنعين أعباء مالية أكبر؛ وذلك لأن القرار سينتج عنه إلغاء كل وسائل الاستيراد بالأجل، فكثير من المستوردين المصريين تربطهم علاقات وثيقة مع الشركات التي يستوردون منها في الخارج لوجود سابق معاملات كبرى بينهما وهو ما يسمح للمورد الأجنبي بأن يُرسل مع مستندات التحصيل كمبيالات، تجعل المستورد يسدد مستحقاته بعد ستة أشهر أو أكثر أو أقل حسب الاتفاق بينهما، لكن النظام الجديد سيجبر المستوردين على إيداع كامل المبلغ مرة واحدة وقبل وصول الشحنات من الخارج. ولذلك رفضه المستوردون والمصنعون دون استثناء. ويتساءل كثير من المستوردين: إذا كان المورد (الأجنبي) يقدم للمستورد المصري تسهيلات؛ فلماذا تتدخل الحكومة لتحرم المستوردين من هذه التسهيلات في ظل عجز السيولة الذي يعاني منه التجار والمستوردون؟ ولذلك رفض التجار والمستورد القرار لأنه بهذه الطريقة سوف يضطرهم إلى اقتراض قيمة فاتورة الشحنة ليفتحوا الاعتماد المالي في أحد البنوك؛ وهو ما يزيد الأعباء عليهم بسبب قيمة الفوائد التي سيدفعونها عن كل مدة إيداع حتى يتم السداد؛ وهو ما سيرفع الأسعار النهائية على المستهلك ويعزز مستويات التضخم.[[1]] الدوافع والسياق فيما يتعلق بأسباب القرار،  فإنه في الغالب يعود إلى إلى نقص العملة الأجنبية في البنوك المصرية[[2]]، نتيجة تراجع الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك خلال شهري أغسطس وسبتمبر من العام الماضي (2021)، وانخفاض أرصدة البنوك في الخارج منذ منتصف العام الماضي حتى نهايته، مقابل زيادة التزامات البنوك المصرية تجاه البنوك في الخارج، مما أدى إلى تحول صافي أرصدة العملات الأجنبية في البنوك من 6.8 مليار دولار في فبراير2021، إلى عجز تخطى عشرة مليارات دولار في نهاية العام. من جانب آخر، لا يمكن فصل القرار الأخير عن التحذير الذي أطلقته وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في 13 يناير2022م من أزمة سيولة مرتقبة في البنوك المصرية، وقالت في تقرير لها إن تصنيفاتها للبنوك المصرية، خصوصاً المتعلقة بالتمويل والسيولة، قد تواجه ضغوطاً بسبب تراجع الأصول الأجنبية. وأرجعت “فيتش” هذا التراجع في قيمة الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي إلى أنها تستخدم  للوفاء بالتزامات الديون الخارجية من قِبل البنك المركزي الذي سحب بعض ودائعه من العملات الأجنبية في البنوك المحلية، وهي أزمة يعرف عنها العالم كله إلا المصريون! كما يقول، مشيراً إلى أن مصر أجلت دفع الديون المستحقة عليها للدول الخليجية الثلاث الدائنة وهي السعودية والإمارات والكويت.[[3]] من جهة أخرى فإن القرار يستبق قرار البنك المركزي الأمريكي بشأن رفع أسعار الفائدة على الدولار لمواجهة موجة التضخم الحالية التي لم تشهد الولايات المتحدة مثلها منذ سنوات طويلة. وهو القرار الذي قد يؤدي إلى هروب كثير من الأموال الساخنة بمصر ويستبب في ارتباك واسع في سوق الدولار بما ينعكس سلبا على مستوى التضخم والأسعار.[[4]] الهدف من القرار تذهب تفسيرات عديدة إلى أن الهدف هو تحجيم الطلب على  الدولار؛ لأن تطبيق هذه القيود الجديدة على عمليات الاستيراد لن يتحملها المستوردون في ظل عجز السيولة لديهم، وبالتالي لن يستمروا في نفس مستويات الاستيراد وسيضطرهم ذلك إلى  تقليص الواردت بقدر الإمكان. وتصف «أوكسفورد إيكونوميكس» توقيت القرار بالمريب، وتؤكد في مذكرة بحثية لعملائها الاعتمادات المستندية من حيث المبدأ «تعد وسيلة شائعة لضمان الجدارة الائتمانية للمستوردين، وبالتالي التخفيف من المخاطر المرتبطة بالمعاملات الدولية ومن ثم فتنفيذها يمكن أن يعزز سمعة مصر كشريك تجاري موثوق على المدى الطويل». لكن «اوكسفورد ايكونوميكس» ترى في المقابل أن الهدف الحقيقي من وراء إصدار هذا القرار في هذا التوقيت هو أن تكون الاعتمادات المستندية طريقة استراتيجية لإبقاء فاتورة الاستيراد تحت السيطرة، في ظل الضغوط المتزايدة على الوضع الخارجي للاقتصاد المصري، ما يعني أن البنك المركزي يستهدف من هذا القرار تقييد الاستيراد، عبر فرض إجراءات روتينية جديدة على الاستيراد.[[5]] المزايا يرى المؤيدون للقرار أنه يمنع محاولات التلاعب والاستيراد الجائر الذي يحدث حالياً، كما أن القرار يحقق جودة أعلى للمواطن في البضائع الواردة لمصر، وفي الوقت نفسه الحد من عمليات الاستيراد التي تقوم بها شركات بأرقام تفوق رأس مالها بأضعاف، وأنها تنعكس بشكل مباشر على توفير العملة الصعبة. كما أن القرار يقضي على ظاهرة التلاعب في قيمة الفواتير من قبل بعض المستوردين، حيث تقدم بعض الشركات فواتير فيها قيم غير حقيقية، وهو ما يعمل على تشويه الاقتصاد المصري ولا يظهره بقوته الحقيقية أمام المؤسسات الدولية. وبالتالي فإن القرار يحد من فاتورة الاستيراد من جانب صغار التجار وخروجهم تدريجياً من السوق، ما يخفف…

تابع القراءة
تقرير منظمة العفو الدولية حول سياسة الفصل العنصرى الإسرائيلى ضد الفلسطينيين: قراءة فى الدلالات والتداعيات

تقرير منظمة العفو الدولية حول سياسة الفصل العنصرى الإسرائيلى ضد الفلسطينيين: قراءة فى الدلالات والتداعيات

    نشرت منظمة العفو الدولية “أمنستي”، فى 1 فبراير 2022، تقريرها الكامل حول سياسة الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ويوثق التقرير الشامل بعنوان “نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية”[1] كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية، والتى تمارسها إسرائيل من خلال قوانين وسياسات وممارسات ضد كل الفلسطينيين في مختلف مناطق إقامتهم، سواء الذين يعيشون في غزة، أو الضفة الغربية، أوالقدس الشرقية، أو الخليل، أو الداخل المحتل، فهم يعاملون كجماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج. وأن ذلك يشكل أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي كما هي معرفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري). ودعت منظمة العفو الدولية المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أنها تناشد جميع الدول ممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة[2]. وتسعى هذه الورقة إلى تناول هذا التقرير من حيث محاولة تبيان دلالاته، ومدى إمكانية أن يشكل ضغط على إسرائيل، وإلى مدى سينجح الفلسطينيون فى توظيفه فى نضالهم ضد الاحتلال. أولًا: قيمة التقرير ودلالاته: تبرز قيمة تقرير منظمة العفو الدولية بوصف إسرائيل “دولة فصل عنصرى”، كونه صادر عن جهة دولية، وليست قراءة صحفية، أو صادر عن جهة حكومية أو حزبية، لها موقف مسبق ضد الاحتلال الإسرائيلى، بل سلوك وإجراءات وسياسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني هي سبب التقرير ودوافعه. فما ورد في التقرير هو خلاصة أربعة أعوام من البحث والتمحيص بالغ الدقة للحقائق من قبل منظمة تجمع عدد ضخم للنشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان يصل عددهم إلى عشرة ملايين إنسان، وتحظى باعتراف عالمي، ما جعلها تحظى بمكانة ومصداقية عالمية، كما أن تلك المنظمة معروف عنها الحذر والتوازن في الحديث عن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فحتى هذا اليوم ترفض منظمة العفو الدولية اتخاذ موقف من الاحتلال الأمر الذي تُنتقد عليه من الفلسطينيين، مما يجعل تقريرها أكثر مصداقية وينفى عنها شبهة الانحياز للجانب الفلسطينى[3]. كما يمتاز التقرير بأنه شامل وموسع ويتسم بشموليته وباعتماده على اثباتات مستندة إلى ‏دراسات وأبحاث علمية قامت بها جماعات متخصصة في مجالات حقوق الانسان، ومن أكثر من جنسية، ‏وبأنه يشير في، اغلب فقراته، إلى بينات وأدلة وإلى ممارسات متواصلة لسنوات عديدة وإلى مراجع متعددة، ‏جمعت خلال عمل دؤوب ومتواصل مستنداً إلى حقائق يصعب دحضها، خاصة وأن الكثير منها أوردته ‏كتابات صحفية اسرائيلية أو أبحاث ودراسات صدرت عن جهات اسرائيلية موثوقة[4].‏ وربما هذا ما يفسر ردة فعل الاحتلال الذى ذهب إلى التقييم المتطرف، واتهم التقرير والقائمين عليه أنهم «أعداء للسامية» لأنهم لم يتمكنوا من إيجاد ثغرات للتسلل من خلالها نحو المس بمصداقية التقرير. وتبرز قيمة التقرير أيضًا فى أنه يشمل لأول مرة في اهتماماته مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة: 1- أبناء مناطق 48، أبناء الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، 2- أبناء مناطق 67، في الضفة والقدس والقطاع، 3- أبناء اللاجئين في مخيمات اللجوء والعودة، فهو يؤكد وفق نص التقرير[5]. علاوة على ذلك؛ ينص تقرير منظمة العفو أيضًا على أنه يجب على “إسرائيل” الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وتقديم “تعويضات كاملة” للضحايا الفلسطينيين، بما في ذلك “تعويض جميع الممتلكات المكتسبة على أساس عرقي”[6]. كذلك يشكل هذا التقرير تأكيدًا للتقارير الحقوقية التى تؤكد على أن إسرائيل تمارس سياسات فصل عنصرى ضد الفلسطينيين،  فقبل عام أصدرت بيتسيلم، أكبر منظمة حقوق إنسان فى إسرائيل، فى يناير 2021، تقريراً مشابهاً يندد بسياسات حكومات اسرائيل المناهضة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة ‏في الاراضي المحتلة عام 1967 وفي داخل الخط الأخضر معتبرة تلك السياسات بأنها تمييزية وعنصرية ‏واعتبرتها بأنها سياسات (فصل عنصري) (واضطهاد). تلتها بعد ذلك ببضعة شهور منظمة هيومان رايتس واتش، فى مايو 2021، وردت فيه نفس الانتقادات تقريباً حيث اعتبر بأن اسرائيل تمارس (الفصل العنصري) ‏واعمال اضطهاد للشعب الفلسطيني، ليس فقط في الاراضي المحتلة بل وفي الداخل الاسرائيلي أيضاً.‏ وكذلك فعلت يش دين، وهي منظمة حقوق إنسان إسرائيلية أخرى خلصت إلى أن “جريمة الفصل العنصري، وهي جريمة ضد الإنسانية، يجري ارتكابها داخل الضفة الغربية”. وما فتئت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، الحق والضمير والميزان، منذ عقود تصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري[7]. ويؤكد تقرير “أمنستى” أيضًا على عدم تأثير القرار الإسرائيلي قبل عدة أشهر بإعلان ستّ منظمات حقوقية وتنموية فلسطينية بأنها “إرهابية”، فى محاولة منها لأن يشكل الإجراء ردعًا للتوجهات الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية، وردعًا لمجلس حقوق الإنسان ولجنة التحقيق المنبثقة عنه في جرائم دولة الاحتلال. كما رأت في تسويغاتها أنّها ستشكّل رادعا لحركات التضامن ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، ليأتي تقرير منظمة العفو الدولية ضربة لكل ما سعت إليه هذه الدولة. كما يشكّل سندًا معنوّيًا للشعب الفلسطيني، وتأكيدًا على أن الجبهة الحقوقية لمواجهة إسرائيلية هي عالمية، وليست محصورة بشعب فلسطين فحسب[8]. وبالنظر إلى ما ورد فى نص التقرير، نجد أنه يعود بنا إلى المربع الأول للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويؤكد على صحة الرؤاية الفلسطينية التى تؤكد على أن إقامة نظام الأبارتهايد الذى أقامته إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى كان يمثل الدافع الرئيسى منذ اللحظة الأولى للاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين عام 1948. ويبين التقرير كيف أن “إسرائيل” التي تعتقد بالتفوق العرقي اليهودي ليست انحرافاً معاصراً ناجماً عن سياسات التيار اليميني أو ممارسات الاستيطان، بل إنها هي العاقبة المنطقية لكل ما تم وضعه على الأرض من قبل. حيث لم يكن ثمة وجود لانعطافة قدرية حادة نجم عنها تحول إسرائيل فجأة من “دولة لكل مواطنيها” إلى “دولة قومية للشعب اليهودي دون غيره” – كما ورد في كلمات دونها في مارس 2019 رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك بنيامين نتنياهو[9]. ويعطى تقرير منظمة العفو الدولية دافعًا قويًا للفلسطينيين للاستمرار فى نضالهم ضد المحتل، فعلى الرغم من أن الفلسطينيين لا يملكون القدرة على توجيه الضربة القاضية لمشروع الاحتلال الإسرائيلي، ولكنهم يوجهون ضربات تدريجية تراكمية متتالية، ولعل ما كشفه هذا التقرير من حقيقة الاحتلال ودوافع وجوده غير الشرعي، غير القانوني، غير الإنساني، على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها، يعتبر من أهم وأقوى الضربات الفلسطينية ضد الاحتلال فى الفترة الأخيرة[10]. أضف إلى ذلك، فإن هذا التقرير يعطى مكاسب قانونية هامة للجانب الفلسطينى يمكن توظيفها واستخدامها أمام الجنائية الدولية والعدل الدولية وأي قضاء عالمي آخر، ويمكن أن يوظف ويستخدَم كتقرير يقدم لهيئات اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي: لجنة القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، ولجنة حقوق الإنسان، ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولجنة مناهضة التعذيب، وغيرها…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022