قراءة في حوار «ابن سلمان» مع صحيفة «ذا أتلانتيك» الأمريكية
الحوار الذي أجرته مجلة «ذي أتلانتيك» الشهرية الأمريكية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس” يوم الخميس 03 مارس 2022م، ثم نشرته صحف سعودية أخرى في اليوم التالي، تضمن كثيرا من المواقف والآراء المثيرة للجدل سواء على المستوى الداخلي للمملكة أو على مستوى علاقتها الخارجية فيما يتعلق بالعلاقات مع الكيان الصهيوني وإيران والولايات المتحدة الأمريكية.[[1]] فكيف بدا ولي العهد السعودي أثناء الحوار؟ ولماذا تلعثم في الدفاع عن نفسه في قضايا معينة مثل مقتل خاشقجي والاعتقالات والحكم الفردي الاستبدادي الذي يصر على تبنيه؟ ولماذا يعمل على تغيير الهوية السعودية لتتقارب مع النموذج الأمريكي بنسبة 80% كما اعترف هو بذلك في الحوار؟ وإذا كان حريصا على تبني التحولات الكبرى في المملكة دينيا واجتماعيا واقتصاديا، فلماذا يدافع النظام الملكي المطلق في بلاد الحرمين رغم أنه أسوأ نماذج الحكم في العالم؟ ولماذا يصر على العداء للحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الذي يتحدث فيه باحترام كبير عن العدو الصهيوني ويصفه بالحليف المحتمل ويدعو إلى التعايش مع إيران باعتبارهم جار رغم العداء المرير بين البلدين على مدار عقود طويلة؟! ملاحظات على شكل الحوار يصف الصحفي الأمريكي جرايمي وود الذي أجرى الحوار كواليس المقابلة، مفسرا سبب حدوثها، بأنه سافر إلى المملكة على مدار السنوات الثلاث الماضية، محاولاً أن يفهم ما إذا كان ولي العهد قاتلاً أم مصلحاً أم كليهما، وإذا كان الاثنين، فهل يمكن أن يكون أحدهما دون الآخر”. ويرى أن سبب ترحيب ولي العهد بالمقابلة أنه اختبأ لمدة سنتين تقريبا عن المشهد العام، كما لو كان يأمل نسيان مقتل خاشقجي، وفقا للمقال الذي كتبه جرايمي لشبكة (CNN) يوم الجمعة 04 مارس 2022، مشيرا إلى أن ولي العهد لا يزال يريد إقناع العالم بأنه ينقذ بلاده، ولا يتخذها رهينة، وهذا هو السبب في أنه التقى مرتين في الأشهر الأخيرة مع جرايمي ورئيس تحرير مجلة “ذي أتلانتيك” جيفري جولدبيرج”. حضر المقابلة عدد من الأمراء الصامتين الذين كانوا يرتدون كمامات بيضاء، ويبدو أن بعضهم قيادات كبرى بأجهزة الأمن السعودي، للدرجة التي أقر فيها جرايمي أنه لم يكن يعرف بالضبط من كان حاضرا. ارتدى ولي العهد زيا غير رسمي (كاجوال). وقدَّم إجابات بارتياح وبلا اضطراب، عن أسئلة حول عاداته الشخصية ومشاهدته للأفلام والمسلسلات الأمريكية، لكنه بدا مهزوزا عند الأسئلة الشائكة، وكان يقوم بحركات متشنجة وأحيانا يميل رأسه سريعا للخلف يتبعها بلع كما لو كان كالبجعة التي تبتلع سمكة ــ وفقا لوصف الصحفي الأمريكي ــ وكان يشكو من أنه تعرض للظلم، وأظهر شعوراً بعقلية الضحية وبهوس العظمة بمستوى غير عادي حتى بمعايير حكام الشرق الأوسط.[[2]] ورغم أن المجلة الأمريكية سربت أجزاء من الحوار إلا أنها أعلنت أن نص الحوار كاملا سوف يتم نشره في العدد القادم للمجلة (أبريل 2022)، لكن وكالة الأنباء السعودية استبقت المجلة الأمريكية ونشرت نص الحوار، ونقلت عنها صحف سعودية أخرى كصحيفة الشرق الأوسط وشبكة العربية. اللافت في الأمر ان الإعلام السعودي أجرى تعديلات على بعض فقرات الحوار، وفقا لتعقيب الصحفي جرايمي وود الذي أجرى الحوار وكشف الفوارق بين النصين. في مقاله لشبكة (CNN) يتهم جرايمي الإعلام السعودي بالتحريف والكذب والتلاعب في نص الحوار، وقال في مقاله إن ماكينة الدعاية السعودية شرعت في العمل على إخفاء الأجزاء المزعجة في المقابلة، وتضخيم الأجزاء التي راقت للحكومة وولي العهد. وأشار إلى أنه علم من مصادر سعودية أنه لن يدخل السعودية مجددا، وإنه لن يرى ولي العهد للأبد.[[3]] ورصد الصحفي الأمريكي عدة فقرات من الحوار إما جرى تحريفها أو حذفها نهائيا، ومن أبرز هذه الفقرات: مقتل خاشقجي، يقول وود: «لقد ضغطنا على محمد بن سلمان بشأن مقتل جمال خاشقجي، وقدم ولي العهد عددًا من المزاعم الغريبة والمزعجة، بما في ذلك فكرة أنه لم يأمر بقتل خاشقجي، ولكن إذا كان سيرسل فرقة اغتيال، فسيرسل مجموعة على أعلى مستوى، وليس الخرقاء في إسطنبول”. ونقل وود عن ولي العهد قوله: “إذا كنت ستجري عملية أخرى من هذا القبيل، بالنسبة لشخص آخر، يجب أن تكون احترافية، ويجب إن يكون واحدا من بين أول 1000 شخص”. وأضاف أن السعوديين غيروا ذلك في النص الذي نشروه إلى: “إذا افترضنا جدلا أننا سنذهب لعملية من هذا القبيل، لكانت احترافية، وشخص ما على رأس القائمة”، وأضافوا في النسخة العربية: “لا سمح الله”. وتابع وود بالقول: “خلال المقابلة، ادعى محمد بن سلمان أنه ’لم يقرأ مقالًا لخاشقجي أبدًا‘. كان خاشقجي معارضًا بارزًا للغاية، وقد التقيا شخصيًا. بينما يتراجع النص السعودي عن هذا الادعاء غير المعقول، وينقل أنه لم يقرأ أبدا مقالا ’كاملا‘ لخاشقجي”. الأزمة مع قطر: يقول وود: «سألنا كيف يمكن لمحمد بن سلمان أن يبرر سجن أولئك الذين خالفوا حصاره شبه الكامل لقطر بعد أن عكس هو نفسه سياسته تجاه قطر، دون تفسير، قبل أشهر من حديثنا. قال إن قطر وبلاده الآن ’مقربتان جدًا جدًا‘. لكنه أخبرنا أن السعوديين الذين دعموا قطر أثناء المقاطعة كانوا مثل الأمريكيين الذين ربما دعموا النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. سأل ولي العهد ’ماذا تعتقد كان سيحدث إذا كان شخص ما يمتدح ويروج لهتلر في الحرب العالمية الثانية؟‘”. وأضاف وود أن النص السعودي “يمحو المقارنة” بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وأدولف هتلر». الاستهانة بجريمة الزنا، أشار وود إلى محمد بن سلمان تحدث في السؤال عن الشريعة الإسلامية، وأخبرنا أنه حتى الجرائم التي تكون عقوبتها مفروضة إلهيًا لن تتم ملاحقتها بشدة”. ونسب وود لولي العهد قوله: “حتى لو كان هناك عقاب إلهي على الزنا، فإن الطريقة التي يجب أن نحاكم بها هي كما فعل النبي. يجب ألا نحاول البحث عن أشخاص وإثبات التهم الموجهة إليهم. عليك أن تفعل ذلك بالطريقة التي علمنا بها النبي كيف نفعل ذلك”. ثم قال وود إن “النص الرسمي يمحو هذا التعليق، الذي من شأنه أن يثير حنق الإسلاميين، لأنه يشكك في نقطة تجريم الجرائم العتيقة مثل الزنا”. الاستعداد لنشر الخمور في بلاد الحرمين، يقول الصحفي الأمريكي: «سألت عما إذا كان سيتم بيع الكحول بشكل قانوني في المملكة العربية السعودية، ولم أتلق أي رد. في هذه الحالة، تم حذف كلماتي من النص، على الأرجح لأن رفضه الإجابة عن هذا السؤال يوحي بأن مثل هذا التغيير ممكن”. المباالغة في الدعاية لولي العهد، أبدى الصحفي الأمريكي اندهاشه من تعامل الماكينة الإعلامية للنظام السعودي مع المقابلة، متهما صحيفة «The Saudi Post» السعودية بنشر تغريدات على لسانه لا أساس لها، وأكد أن هذه التغريدات وهمية لكنه يقر أنه وصف ولي العهد بأنه ذكي وودود على المستوى الشخصي، لكنه يضيف أن ذكاءه لم يكن يذهلني كما يدعي الإعلام السعودي ويرجع ظذلك على جنون العظمة عند ولي العهد. كما أبدى اندهاشه أيضا من…