المحكمة الدستورية.. نشأة استثنائية وتاريخ حافل من التوظيف السياسي

المحكمة الدستورية.. نشأة استثنائية وتاريخ حافل من التوظيف السياسي

      طرحت مسألة رقابة القضاء لدستورية القوانين فى مصر على المستوى الفقهى والقضائى قبل أن تطرح على المستوى التشريعى بفترة زمنية طويلة، فعلى المستوى الفقهى (فقه القانون) أيد فقهاء القانون حق المحاكم فى مراقبة دستورية القوانين التى تطرح عليها والامتناع عن تطبيقها فى النزاع المعروض عليها دون التعرض للقانون ذاته أو القضاء ببطلانه. وكان أول من قال بذلك المستشار برنتون، رئيس محكمة الاستئناف المختلط، فى محاضرة ألقاها عام 1920 بعنوان: “مهمة السلطة القضائية فى المسائل الدستورية بالولايات المتحدة ومصر”. وقد أثار هذا الرأى جدلاً فقهياً واسعاً انتهى إلى أن أقر الغالبية العظمى من الفقهاء حق القضاء المصرى فى رقابة دستورية القوانين بطريق الامتناع. مستندين فى ذلك إلى مبدأ الشرعية، وإلى أن هذه الرقابة من طبيعة عمل القاضى، فضلاً عن مبدأ فصل السلطات الذي يستوجب ذلك، بينما رفضت قلة قليلة الاعتراف للمحاكم بهذا الحق.[[1]] وفي أعقاب ثورة 1919م، نجحت مصر في الحصول على هامش من الاستقلال النسبي في ظل سيطرة الاحتلال الإنجليزي على جميع مفاصل  السلطة في مصر منذ سنة 1881م، هذا الاستقلال الهامشي أفضى إلى إصدار دستور 1923م، وفي العام التالي (1924) ظهرت على سطح الحياة القضائية لأول مرة مسألة دستورية القوانين أمام محكمة جنايات الإسكندرية، وذلك أثناء نظرها الطعن المقدّم من هيئة الدفاع عن مجموعة من المواطنين وجّهت إليهم النيابة العامة تهمًا بنشر أفكار ثوريّة، فحكمت المحكمة حضوريًا على المتهمين بالسجن ثلاث سنوات استنادًا إلى المادة 151 من قانون العقوبات، فطعن دفاع المتهمين على الحكم على أساس أنّ المادة المذكورة تخالف المادة 14 من الدستور. تكرر الأمر سنة 1925م، حين رفض بعض العمد والمشايخ استلام دفاتر الانتخاب، وأضربوا عن العمل؛ فأمرت النيابة العامة بتقديمهم للمحاكمة بتهمة عدم تنفيذ الأوامر الحكومية، فأوردت هيئة الدفاع في دفاعها أنّ قانون الانتخابات المعدّل غير دستوري لصدوره أثناء غيبة البرلمان.[[2]] المحطة الثانية في سنة 1941م، حيث حدثت نقلة في تاريخ القضاء الدستوري، حين أصدرت «محكمة مصر الأهلية» حكمًا تاريخيًا يقضي بحق المحاكم في الرقابة على دستورية القوانين انطلاقًا من وجود قانونين يجري العمل بهما في البلاد، وهما القانون العادي والدستور. حيث يتوجب على القاضي إعمال القانونين في أحكامه، وإن حدث تعارض يتوجب عليه الركون إلى القانون الأعلى وهو الدستور. وتلا ذلك إصدار محكمة القضاء الإداري في 1948 حكمًا اعتبره الكثيرون علامة من علامات القضاء المصري، حين أقرت بحق القضاء في التصدي للقوانين غير الدستورية، وذلك بإهمال تطبيق أي قانون يراه القاضي، وفقًا لسلطته التقديرية، متعارضًا مع الدستور. المحطة الثالثة، في أعقاب حركة الجيش في 23 يوليو 1952م، حيث طفت فكرة إنشاء محكمة دستورية متخصصة إلى السطح لأول مرة، وذلك بتكليف لجنة اُسميت «لجنة الخمسين» بوضع مشروع دستور جديد للبلاد نص في أحد مواده على إنشاء محكمة عليا تكون لها سلطة الرقابة على دستورية القوانين. وقد حدد مشروع الدستور عدد قضاة المحكمة العليا بحيث لا يتجاوز تسعة قضاة بأي حال من الأحوال، يختار ثلثهم رئيس الجمهورية، والثلث الثاني يختاره البرلمان، والثالث تختاره السلطة القضائية. إلا أن دستور 1953 انتهى «في صندوق القمامة»، ولم يكتب للمحكمة الدستورية أن ترى النور آنذاك. مذبحة القضاء ونشأة «المحكمة العليا» المحطة الرابعة، في1969 قرر رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر إصدار قانون «المحكمة العليا» بالقرار بقانون رقم  81 لسنة 1969 والتى تولت مهمة الرقابة بالفصل في دستورية القوانين وباشرت مهامها مدة تقترب من العشر سنوات اعتباراً من 25/8/1970 وحتى تاريخ تشكيل المحكمة الدستورية العليا فى 9/10/1979م. كانت تلك أول تجربة لإنشاء محكمة دستورية متخصصة يناط بها دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين. ولا يمكن فهم قرار عبد الناصر هذا دون ربطه بسياقه السياسي الأوسع. حيث تزامن اعتزام «عبدالناصر» إنشاء محكمة دستورية مع أكبر صدام شهدته مصر في تاريخها بين السلطتين القضائية والتنفيذية فيما عرف بـ«مذبحة القضاة» (1969). النشأة الاستثنائية للمحكمة العليا في أحضان السلطة تزامنت مع حزمة قرارات استهدف بها نظام عبدالناصر تقويض أي معني لاستقلال القضاء؛ حيث أنشأ المجلس الأعلى للهيئات القضائية ليكون بديلا لكافة مجالس الهيئات القضائية، لكنه يتبع مباشرة للسلطة  التنفيذية حيث يترأسه رئيس الجمهورية وينوب عنه وزير العدل، وهو المجلس الذي احتل جميع اختصاصات الهيئات القضائية من إجراءات التعيين والترقية والنقل والندب. وتبعه قانون بإعادة تشكيل الهيئات القضائية من الموالين للنظام، وهو القانون  الذي  اعتبر كل من لم يشملهم قرارات إعادة التعيين محالين إلي المعاش! مع عدم تمكينهم من التظلم من القرار أو التقاضي بشأنه أمام محكمة النقض كما يقرر قانون السلطة القضائية، ثم صدور قرار بانفراد رئيس الجمهورية بإصدار كافة التعيينات القضائية، ثم قرار آخر بتعيين مجلس إدارة لنادي القضاة، أقال به عبدالناصر مجلس إدارة النادي المنتخب قبل شهور من جموع القضاة، ثم قرار آخر بتعديل قانون مجلس الدولة نال من استقلاله، لتكون بالفعل أكبر مذبحة عرفها التاريخ القضائي أطاحت بالنائب العام وكبار القضاة في حركة شملت مائة وسبعة وعشرون قاضياً وعضو نيابة عامة. وقد تشكلت المحكمة العليا عند إنشائها من: المستشار / بدوى إبراهيم حمودة “أول رئيس للمحكمة العليا”. وكانت المحكمة العليا تؤلف من رئيس ومن نائب أو أكثر للرئيس وعدد كاف من المستشارين ، وتصدر أحكامها من سبعة أعضاء. ويعين رئيس الجمهورية رئيس المحكمة من بين أعضائها أو من غيرهم ممن تتوافر فيهم شروط التعيين ، ويجوز تعيينه دون التقيد بسن التقاعد ، ويعين نواب الرئيس والأعضاء بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأى المجلس للهيئات القضائية ، ويكون تعيين رئيس المحكمة العليا ونوابه والمستشارين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. وتختص المحكمة العليا بما يأتى: الفصل دون غيرها فى دستورية القوانين. تفسير النصوص القانونية. الفصل فى طلبات وقف تنفيذ الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم المشكلة للفصل فى منازعات الحكومة والقطاع العام. الفصل فى مسائل تنازع الاختصاص. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن ناثان براون، في كتاب له عن القضاء المصري أن جذور الصراع بين ناصر والقضاة تعود إلى منتصف ستينيات القرن العشرين، حين بدأت جماعة من الشخصيات القانونية والسياسية المحسوبة على النظام تدعو إلى إجراء تغييرات في الثقافة القانونية لمواكبة التحول ناحية بناء المجتمع الاشتراكي. وبحسب براون، فإن معظم هذه الدعوات طالبت بتغيير على مستويين: المستوى الأول هو إعادة النظر في التشريعات السابقة على 1952 التي طالب أشخاص مثل القانوني البارز «جمال العطيفي» بمراجعتها من حيث أنها كانت «نتاجًا لعصر رأسمالي ومن شأنها أن تقوض فرص التحول الاشتراكي». أما المستوى الثاني، فقد تركز على المطالبة بتغيير «النظام القضائي»، وهو ما تبدى في الدعوة التي صاغها أمين عام الاتحاد الاشتراكي «علي صبري» في سلسلة من المقالات عن «كيفية إدارة هذا التحول في النظام القضائي نحو نظام أكثر اتساقًا، وانطلاقًا من الأيديولوجية الاشتراكية». وقد تسارعت الأحداث في هذا الاتجاه…

تابع القراءة
توليد الكهرباء من سد النهضة: قراءة في المواقف والمآلات

توليد الكهرباء من سد النهضة: قراءة في المواقف والمآلات

  لطالما أكدت إثيوبيا أنها لا تستهدف الإضرار بمصالح دولتي مصب نهر النيل، وهو عكس ما يراه كلٌّ من مصر والسودان اللذين يعتبران سد النهضة تهديد وجودي لهما لاعتمادهما على نهر النيل كمصدر أساسي للزراعة. وتتمحور الخلافات بشأن أزمة سد النهضة حول عدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لقواعد الملء والتشغيل، والاتفاق على عدد سنوات الملء، وآلية حل النزاعات ومشاركة المعلومات بين الدول الثلاث، وكيفية إدارة السد خلال مواسم الجفاف. وكان بيان مجلس الأمن الدولي، في منتصف سبتمبر الماضي 2021، دعا إلى استمرار التفاوض بين إثيوبيا ودولتي المصب، برعاية الاتحاد الإفريقي، ولم يحدد بيان المجلس مهلة للوصول إلى الاتفاق، ولكنه أشار إلى ضرورة حدوثه خلال فترة زمنية معقولة. وبالتزامن مع بيان مجلس الأمن، توقفت المفاوضات فجأة وسط انشغال إثيوبيا بالنزاع في إقليم تيجراي، بجانب اشتعال أزمة سياسية مرتبطة بمسار المرحلة الانتقالية في السودان. ومؤخرًا تجدَّدت أزمة سد النهضة بين الدول الثلاث وتصاعد الجدل حولها. فما هو سبب هذا الجدل الدائر مؤخرًا؟ وما هو موقف دولتي المصب من التطورات الحادثة؟ وكيف يُمكن قراءة مصير الأزمة خلال الفترة القادمة في ضوء ما جد من تطورات؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها.. التطورات الجديدة في ملف سد النهضة: أعلنت إثيوبيا أنها ستبدأ الأحد 20 فبراير إنتاج الكهرباء لأول مرة من سد النهضة المثير للخلاف بينها وبين كل من مصر والسودان. وافتتح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، رسميًا ما قيل إنه إنتاج للكهرباء من السد الضخم المقام على النيل الأزرق. وقام أحمد، برفقة مسؤولين رفيعي المستوى، بجولة في محطة توليد الطاقة وضغط على سلسلة من الأزرار على شاشة إلكترونية، وهي خطوة قال المسؤولون إنها تمثل بدء إنتاج الكهرباء. وقال أحمد، مخاطبًا مصر والسودان: “توليد الكهرباء الذي بدأ اليوم هو ملك لكم، لذا أود أن أهنئكم أيضًا”. وأضاف: “أود أيضًا أن أتوجه إليكم بالشكر على الضغط الذي تعرضنا له من جانبكم حتى ولو كان بطريقة غير إيجابية”. وتابع: “هذه المياه سوف تستمر في التدفق إلى السودان ومصر أثناء توليد الطاقة. واليوم نجحنا في أن نجعل العالم يشاهد ما كنا نتحدث عنه؛ وهو أن شعب وحكومة إثيوبيا ليس لديهم أي نوايا من وراء بناء السد تهدف إلى تجويع أو تعطيش إخواننا المصريين والسودانيين”. وأشار إلى أن إثيوبيا “تستطيع إنشاء الكثير من المشروعات المائية وتوليد المزيد من الكهرباء التي تكفي لنا ولدول أخرى”. ودوَّن رئيس وزراء إثيوبيا تغريدة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قال فيها: “بتمويل كامل من الإثيوبيين، سوف يكون سد النهضة رمزًا للإصرار والوحدة، وأبعث بالتهاني لكل الإثيوبيين في جميع أنحاء العالم”.[1] وأعلنت الشركة المنفذة للمشروع أن “السد بدأ توليد 375 ميجاوات من الطاقة الكهرومائية، وتجاوزت أعمال البناء فيه 84%”. جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده بييترو ساليني، المدير التنفيذي لشركة “ساليني إمبريغيلو” المنفذة لمشروع سد النهضة. وقال ساليني: “بدأ السد توليد 375 ميجاوات من الطاقة الكهرومائية”. وأضاف: “كانت هناك العديد من المعوقات (لم يذكرها) خلال عملية بناء السد، حتى في العثور على المال، لأنه من السهل صنع الأشياء عندما يكون لديك المال”. وتابع: “الشركة والحكومة تغلبتا على الصعوبات في عملية بناء السد، وتم بدء إنتاج الكهرباء”، بدون مزيد من التفاصيل. وذكر أن “إثيوبيا ليس لديها نفط أو غاز، ومن ثمَّ فإن الماء هو الزيت الأبيض للبلاد”. ومن المُقرر أن يولِّد سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي يحتوي على 13 توربينًا، قدرة تراكمية تبلغ 5150 ميجاوات. لكن علَّق البعض على ذلك بكون السعة الحالية لسد النهضة، مع تشغيل توربين واحد فقط، لن تُمكِّن إثيوبيا من توليد أكثر من 50 ميجاوات فقط. والحديث عن إنتاج 375 ميغاوات يشار به إلى السعة القصوى لقدرة التوربين، ومن غير الممكن حاليًا الوصول إليها.[2] موقف دولتي المصب: بالنسبة للموقف السوداني؛ قال وزير الري السوداني المُكلَّف ضو البيت عبد الرحمن، الاثنين، إن بلاده ترفض قرار إثيوبيا بدء إنتاج الطاقة الكهربائية من سد النهضة الذي أقامته على نهر النيل، واعتبر القرار خرقًا لإعلان المبادئ الذي وقَّعته إثيوبيا مع دولتي المصب، مصر والسودان. ونقلت صحيفة “الحراك السوداني” السودانية عن ضو البيت عبد الرحمن القول، إن السودان يرفض الخطوة الإثيوبية “أحادية الجانب”، مشددًا على أن هذا القرار “خرق لإعلان المبادئ” المُوقَّع بين مصر والسودان وإثيوبيا. وأضاف أن إثيوبيا لم تخطرهم باتخاذ تلك الخطوة التي وصفها بأنها “غير مقبولة مهما كانت مبرراتها”، مشددًا على ضرورة جلوس كافة الأطراف للتوصل لرؤية موحدة حول هذا الملف. وأوضح أنه “كان يجب على الجانب الإثيوبي مد الأطراف الأخرى بمعلومات كافية قبل تنفيذ الخطوة، مثل حجم المياه المتوقع خروجها من خلف السد، لمعرفة هل ستتمكن الخزانات السودانية من استيعابها لوضع التحوطات اللازمة، خاصة وأنها تمّت بدراسة”. أما عن الموقف المصري؛ فقد ندَّدت الخارجية المصرية بقرار إثيوبيا، وقالت في بيان، إن إعلان الحكومة الإثيوبية “البدء بشكل أحادي” في عملية تشغيل سد النهضة يعد “إمعانًا من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته، بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، المُوقَّع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي”. وقال وزير الري في مصر محمد عبد العاطي في بيان إن “مصر من أكثر دول العالم التي تعاني من الشح المائي”، ولفت إلى أنها “تبذل جهودًا كبيرة لمواجهة التحديات المائية، من خلال تنفيذ تطوير وتحديث شامل للمنظومة المائية”. وأشار وزير الري إلى أن “مصر تولي أهمية لمشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط”، موضحًا أن المشروع “يهدف لتحويل نهر النيل إلى محور تنمية يربط بين دول حوض النيل لتحقيق التكامل الإقليمي”، باعتبار أن “النقل النهري من أفضل وسائل النقل”.[3] وهكذا لم تجد القاهرة والخرطوم سوى التمسك باتفاق إعلان المبادئ الموقع مع أديس أبابا في العام 2015، والذي لا يُلزم إثيوبيا بأي شيء، للرد على إعلانها رسميًا عن انطلاق عملية توليد الطاقة من سد النهضة. وإعلاميًا، غابت قضية سد النهضة عن معظم وسائل الإعلام المصرية، المملوكة مباشرةً للمخابرات العامة، التي اكتفت بنشر بيان وزارة الخارجية المصرية فقط، دون الخوض في أي تفاصيل فنية أو سياسية خاصة بالأزمة.[4] التحركات الخارجية والمواقف الدولية المُحتملة: وجَّهت مصر خطابًا إلى مجلس الأمن بعد بدء إثيوبيا تشغيل السد، وطالب مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بتعميم الرسالة باعتبارها وثيقة من وثائق مجلس الأمن بالبند المعنون السلام والأمن في إفريقيا. وجاء في نص الرسالة، أن “الإعلان الإثيوبي هو إجراء أحادي يضاف إلى عمليات ملء أعوام 2020 و2021 من جانب واحد، ويُعد خرقًا جوهريًا آخر لاتفاق إعلان المبادئ المُبرم في مارس 2015، الذي يقتضي من إثيوبيا بشكل واضح لا لبس فيه التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا بشأن القواعد المنظمة لملء سد النهضة وتشغيله قبل بدء عملية الملء والتشغيل”. وورد فيها: “إثيوبيا امتنعت عن إجراء الدراسات المطلوبة بشأن الآثار الهيدرولوجية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة…

تابع القراءة
بقرارات السيسي.. إمبراطورية الجيش تلتهم الدولة

بقرارات السيسي.. إمبراطورية الجيش تلتهم الدولة

      يذهب المحلل والخبير السياسي الدكتور خليل العناني إلى أن وصاية الجيش على مصر تمتد من السيطرة على الأرض إلى السيطرة على ما فوق الأرض، فمصر تعيش منذ سبعة عقود تحت حكمٍ أقرب إلى ملكية عسكرية، مع استثناء وحيد، أنّ توارث السلطة وتوريثها لا يحصل داخل عائلة واحدة من خلال رابطة الدم، بل من خلال رابطة مهنية ومصلحية وقبائلية (بالمعنى السياسي) بين كبار قادة المؤسسة العسكرية. وكما أنّ “المخزن” في المغرب مصدر السيادة والسلطة والشرعية، فإنّ الجيش في مصر مصدر السيادة والسلطة والشرعية، وليس الشعب أو الأمة المصرية. فمن بديهيات الحكم العسكري ألّا توجد انتخابات حرّة ونزيهة، ولا برلمان ممثل لإرادة الشعب والأمة، ولا استقلال حقيقي لمؤسسات الدولة عن الحاكم العسكري. وبالتالي، لا توجد نخبة سياسية بالمعني الحقيقي، فالجميع من أحزاب وتيارات وقوى سياسية يدور في فلك السلطة، أي في فلك العسكر. ويؤكد أن المسافة التي حاول كل من السادات ومبارك وضعها بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية  من خلال آليات التحييد والزبائنية وشراء الولاء ومنح المزايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية، كانت دوماً مسافة تكتيكية وليست استراتيجية. بمعنى أنّ العسكر، تحديداً كبار القادة، على قناعةٍ بأنّهم أهل الحكم وأصحاب السلطة، ومالكو الأرض ومن عليها، ولا يمكن خروجهم أو إخراجهم من السلطة مهما كان الثمن. وبات الأمر كما لو كان عقيدةً سياسية، وحالةً نفسيةً مستقرّة وثابتة، يجري توريثها من جيل إلى آخر.[[1]] وخلال الأيام الماضية أصدر الجنرال عبدالفتاح السيسي عدة قرارات استهدف بها تعزيز وضعية الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، وتحويل المؤسسة العسكرية إلى مالك حصري لمعظم أراضي الدولة المصرية. القرار الأول، نشرته الجريدة الرسمية في ذكرى  الثورة 25 يناير، تحت رقم 13 لسنة 2022، حيث قرر السيسي تخصيص 37 جزيرة لصالح القوات المسلحة، 36 منها جزر نيلية، وجزيرة واحدة بحرية. ويشمل القرار جزرًا مختلفة المساحة أكبرها جزيرة البدرشين التي حددت إحداثياتها المُعدة من قبل إدارة المساحة التابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة مساحتها بـ852 فدانًا، وأصغرها جزيرة بحرية أطلق عليها القرار اسم «الجزيرة المواجهة لشركة الأمل» دون تحديد موقعها، بمساحة سبعة أفدنة. وجاءت إحداثيات خرائط الجزر الـ37 تحت عنوان «مقترح وزارة الري بنقل ولاية 526 جزيرة بنهر النيل على مستوى الجمهورية للقوات المسلحة لحمايتها من كافة التعديات».[[2]] وضمت الجزر المخصصة للقوات المسلحة بحسب القرار الأخير: الطرفاية، المسطحات، المرازيق، الشوبك الشرقي، الوادي، المرازيق، البرغوثي، أبو داوود، الشيخ أبو زيد، الطرافة1، الطرافة2، أبو صالح، صراوة، سبالة شارونة، الشيخ فضل، كدوان1، وزاوية سلطان البحرية، السرو خور زعفران، السايح، هلال الكاب، سلوا، منيحة، العرب. واستند القرار إلى قانون نظام الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، والقانون رقم 143 لسنة 1981 في شأن الأراضي الصحراوية، والقانون رقم 102 لسنة 1983 الخاص بالمحميات الطبيعية، والقانون رقم 7 لسنة 1991 بشأن بعض الأحكام المتعلقة بأملاك الدولة الخاصة. واستند أيضاً إلى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1383 لسنة 2005 في شأن حماية نهر النيل وشواطئه، وصدر بعد موافقة مجلس الوزراء، برئاسة مصطفى مدبولي، وبناءً على ما عرضه “المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة” التابع لرئاسة المجلس. واعتبر بعض أهالي جزيرة القرصاية المشمولة بالتخصيص هذا القرار بداية لـ«تطفيشهم»، فيما دافع وزير الري الأسبق، محمد نصر علام، عن القرار مدعيا أن تواجد  الأهالي على هذه الجزر غير قانوني، في وقتٍ رفض فيه مسؤولون حاليون عن الجزر النيلية بوزارة الري، تفسير ما يعنيه القرار، مطالبين بالرجوع للمتحدث الرسمي باسم الوزارة. وتعتبر القرصاية من أهم الجزر النيلية في مصر، ويعيش سكانها على الزراعة والصيد، وطالما تعرضوا لمحاولات طرد وتهجير قسري من قبل الجيش المصري بدءاً من عام 2007، بدعوى تحويل أراضي الجزيرة إلى محمية طبيعية. وتبلغ مساحة جزيرة القرصاية 139 فداناً، ويزيد عدد سكانها على 5 آلاف نسمة، ويتركز معظمهم في الجهة القبلية، بينما تضم الجهة البحرية للجزيرة مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية. وعانى سكان الجزيرة من اعتداءات متكررة، كان آخرها في نوفمبر2012، حين تورطت قوات من الشرطة العسكرية في قتل ثلاثة مدنيين، وإصابة خمسة آخرين من الأهالي. وكان مجلس الوزراء قد وافق في 18 إبريل 2018 على نقل تبعية جزيرة الوراق إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان والمرافق، تمهيداً للبدء بتنفيذ “مخطط تنميتها وتطويرها” بالتعاون مع الجيش، تحت مزاعم منها “القضاء على العشوائيات” و”تحسين جودة حياة المواطنين”، وهو ما يبرهن على المؤسسة العسكرية لديها أطماع كبرى في هذه الجزر بدعوى تحويلها إلى مشروعات استثمارية على حساب المزارعين والصيادين القاطنين فيها؛ إذ تشير حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري رقم 782 لسنة (62 قضائية) إلى أن “عام 1997 مثل أول ظهور رسمي لمحاولات الاستثمار في هذه الجزر، بعدما طلب محافظ الجيزة من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية الموافقة على الترخيص بإنشاء مشروع سياحي استثماري على أراضي جزيرة القرصاية”. ولم يلقَ طلب المحافظ ترحيباً من رئيس الوزراء الراحل كمال الجنزوري، الذي أصدر قراراً برقم 1969 لسنة 1998 ينص على “اعتبار كل الجزر الواقعة داخل مجرى نهر النيل بشمال ووسط وجنوب الوادي، وقناطر الدلتا، وفرعي رشيد ودمياط، محميات طبيعية طبقاً لقانون البيئة”. وحظر القرار القيام بـ”أعمال أو تصرفات أو أنشطة أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعية، أو الإضرار بالحياة البرية أو المائية أو النباتية، أو المساس بمستواها الجمالي بمناطق المحميات. وعلى وجه أخص إقامة المباني أو المنشآت أو شق الطرق أو تسيير مركبات أو ممارسة أية أنشطة زراعية أو صناعية أو تجارية أو سياحية في المحميات والمناطق المجاورة لها؛ إلا بتصريح من رئيس الوزراء”. وبعد عام واحد من قرار الجنزوري، كُلف وزير قطاع الأعمال السابق عاطف عبيد تشكيل حكومة جديدة ورئاستها، وتغيرت توجهات الحكومة خلال السنوات التالية، في ما يتعلق بملف جزر نهر النيل، فاتخذت قرارات بإخلاء بعض الجزر النيلية، وسمحت بالتنمية السياحية في جزر أخرى.[[3]] من جانب آخر، يخشى سكان القرصاية من تداعيات هذا القرار؛ وينقل موقع “مدى مصر” عن أحد سكانها أنهم كانوا يدفعون، حتى نهاية 2021م، إيجارًا سنويًا أربعة آلاف و800 جنيه عن الفدان الواحد للأرض الزراعية، وثمانية جنيهات عن كل متر مباني إلى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وقبلها كانوا يدفعون الإيجار إلى محافظة الجيزة، ولكن بعد القرار الجديد ينتظرون أن تطالبهم القوات المسلحة بإيجار الأراضي والمباني. فيما يتخوف بعضهم  من رفع قيمة الإيجارات بما يفوق قدرة السكان على الدفع بعد نقل تبعية الجزيرة للجيش، يقول أحدهم: «هيطفشونا من الجزيرة ومحدش هيقف معانا زي زمان». وكانت المحكمة الإدارية قد قضت في أول فبراير 2010 بإلغاء قرار رئيس الوزراء في 2007 بإخلاء القرصاية من سكانها، وأكدت على أحقية السكان في البقاء بالجزيرة، ورفضت مبررات الحكومة بتحويل أرضها إلى محميات طبيعية. وتلى هذا الحكم مداهمة القوات المسلحة للجزيرة في نوفمبر 2012 ومطالبة أهلها بإنهاء التعاقد وإخلاء الجزيرة،…

تابع القراءة
التداعيات المحتملة على مصر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية

التداعيات المحتملة على مصر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية

    ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلال كثيفة وسوداء على مستقبل الأوضاع في مصر والمنطقة العربية بل والعالم كله، فقد كشفت هذه الحرب التي بدأت بغزو روسيا لأوكرانيا صباح الخميس 24 فبراير 2022م عن أهمية الموقع الإستراتيجي الذي تحتله أوكرانيا بوصفها نقطة تماس بالغة الحساسية بين روسيا من جهة وأوروبا  وحلف الناتو من جهة أخرى، لكن الأكثر أهمية هو ما تتمتع به كل من روسيا وأوكرانيا من أهمية على المستوى الدولي؛  فالدولتان تتصدران قائمة أكثر الدول إنتاجا وتصديرا للحبوب الغذائية (23% من صادرات الحبوب العالمية)، بينما تبقى روسيا إحدى أهم الدول التي تتصدر إنتاج وتصدير الغاز؛ حيث تمد أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز؛ ومع توقف خطوط إمدادات الحبوب الغذائية من جهة، وامتناع روسيا عن مد أوروبا بالغاز من جهة أخرى، فإن العالم يواجه أزمة كبرى لا سيما مصر التي تستورد نحو 80% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، ويزداد الوضع سوءا إذا علمنا أن مصر تستورد نحو 65% من احتياجاتها الغذائية من الخارج في ظل احتمال تعطل خطوط الشحن والإمداد الدولية أو على الأقل ارتفاع تكاليفها بما ينعكس سلبا على فاتورة الدعم وأسعار الغذاء. وفي تأثير فوري للحرب، هوت البورصة المصرية في تعاملات الخميس لتحقق خسائر بقيمة نحو 24.4 مليار جنيه. بينما قفزت أسعار الذهب  خلال تعاملات الخميس بنحو 34 جنيها للجرام الواحد، وذلك بعدما قفزت الأسعار العالمية بأكثر من 42 دولارا للأوقية بعد الإعلان عن الحرب. وصعد سعر الذهب عيار 18 إلى 740 جنيها للجرام، وزاد سعر الذهب عيار 21 إلى 863 جنيها للجرام، وارتفع سعر الذهب عيار 24 إلى 986 جنيها للجرام. وصعد سعر الجنيه الذهب أيضا بنحو 272 جنيها خلال تعاملات الخميس إلى 6904 جنيهات، وقد يختلف السعر من تاجر لآخر، ويساوي هذا السعر قيمة الذهب في الجنيه، ويرتبط سعره بأسعار الجرام عيار 21. وتبقى هذه التأثيرات هامشية قياسا للتأثيرات الأخرى التي تتعلق بالأمن الغذائي وأسعار النفط والتأثير على قطاع السياحة وأخيرا الموقف السياسي المصري من التموضع في مناطق الحياد أم الانحياز إلى فريق على حساب الآخر. فما التداعيات المحتملة لهذه الحرب على الأمن الغذائي المصري؟ وهل يمكن أن يؤدي استمرار هذه الحرب إلى تفاقم الوضع الغذائي في مصر؟ وإلى أي مدى يمكن لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي النجاح في مواجهة تداعيات هذه الحرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟ وما النتائج المرتبة على ارتفاع أسعار البترول إلى ما فوق المائة دولار للبرميل الواحد؟ وهل يمكن أن تؤدي هذه التداعيات إلى توترات اجتماعية ناتجة عن الغلاء المرتقب في أسعار الوقود والغذاء؟ وما السيناريوهات المحتملة لمستقبل مصر إذا اتسعت رقعة هذه الحرب وطالت حتى تحولت إلى حرب عالمية ثالثة؟ الأمن الغذائي تبقى التأثيرات المحتملة للحرب على الأمن الغذائي المصري هي الجانب الأكثر خطورة؛ فمصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وبحسب تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية «USDA»، فإن مصر تستهلك سنويا نحو 18 مليون طن من القمح، تستورد نحو 13.2 مليون طن سنويا، بما يمثل نحو 80%  من احتياجاتها من القمح، بينما تنتج سنويا نحو 5 ملايين طن. وتحصل هيئة السلع التموينية على (9 ملايين طن) منها نحو 5.46 مليون طن  من القمح المستورد وتشتري نحو 3.5 مليون طن من القمح المحلي وفقا لبيان الموازنة العامة للدولة، لتوفير الدقيق المدعم الذي يقدم الخبز يوميًا لنحو ثلثي السكان. وتستورد من روسيا نحو 8.96 مليون طن قمح روسي، بنسبة تصل إلى (50%)، ونحو و2.7 مليون طن قمح أوكراني  بنسبة تصل إلى(30%).[[1]] ويكفي حجم المخزون الاحتياطي من القمح نحو 4 شهور، إضافة إلى اقتراب المحصول الجديد الذي يبدأ في منتصف إبريل من كل عام، وبالتالي فإن ذلك قد يساعد على تدارك بعض الخسائر المحتملة لتداعيات الحرب. خلال العام الماضي ارتفع سعر القمح بنحو 27%، مسجلًا سعره اﻷعلى في العقد اﻷخير، وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «FAO»، وذلك نتيجة عوامل على رأسها سوء اﻷحوال الجوية، التي أدت لانخفاض إنتاج الحبوب. وفي ذات يوم الغزو الروسي لأوكرانيا ارتفع سعر القمح بنسبة 05% وفقا لوكالة “بلومبرج” الأمريكية. كما ألغت هيئة السلع التموينية مناقصة عالمية لشراء القمح بعدما تلقت عرضا واحدا  من فرنسا بسعر 399 دولارا للطن الواحد، وهو أعلى من سعر آخر مناقصة اشترتها الحكومة من رومانيا في ذات الشهر “فبراير2022” بنحو 25% وفقا لوكالة رويترز.[[2]] وقد بدأ الغزو الروسي من المناطق الشرقية لأوكرانيا وهي المناطق الأكثر إنتاجية للحبوب، وهو ما يؤدي تلقائيا إلى انخفاض إنتاجية القمح الأوكراني وبالتالي صادراته، ووفقا للرئيس السابق لشعبة المطاحن عمرو الحيني فإن شحنات القمح الروسي الأوكراني التي تعاقدت عليها مصر مؤخرا باتت مهددة بعدم الوصول؛ لأسباب تتعلق بارتفاع تكاليف الشحن والتأمين في ظل ارتفاع المخاطر. وحتى إن تفادت مصر أزمة نقص إمداد القمح سيكون الأثر المباشر للحرب هو ارتفاع تكلفة فاتورة الدعم بملايين وربما مليارت الجنيهات، (نحو مليار ونصف المليار دولار قبل الحرب وهو رقم مرشح للزيادة بعد الحرب). وفي يناير 2022م، تعاقدت الحكومة على استيراد قمح روسي يُفترض وصوله مطلع ومنتصف مارس المقبل، بسعر 350 دولار للطن، بزيادة نحو 100 دولار عن سعر شراء القمح في الموازنة العامة، ما قد يعني تكبد مليار ونصف دولار إضافية (0.4% من الناتج المحلي الإجمالي) هذا العام، إذا استمرت بالشراء بنفس السعر، بحسب تقرير لمجلة «الإيكونوميست». بعد أسابيع قليلة من هذه المناقصة، اشترت مصر 180 ألف طن قمح روماني يفترض تسليمها في أبريل المقبل، بسعر 318 دولار للطن. في الوقت نفسه انخفض سعر القمح الأوكراني 4% خلال هذا الشهر، وانخفض أيضًا سعر القمح الروسي 11 دولارًا.  لكن السعر المنخفض في آخر مناقصة يظل مرشحًا للارتفاع مجددًا، إثر مخاوف من استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، والتي سجلت بالفعل ارتفاعًا ينحو 28% العام الماضي، جرّاء ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، وتغيرات المناخ، وأزمات سلاسل الإمداد، فضلًا عن موجات تضخم ضربت بلدان عديدة. ومن الحلول السريعة الاستيراد من أماكن أخرى، لكن ذلك سوف يرفع تكلفة الشحن بناء على بعد أماكن التوريد، بخلاف الانتهازية التي تتمتع بها الدول المصدرة للقمح كما حدث  من فرنسا في المناقصة التي تتم إلغاؤها. وثمة اقتراح آخر يتعلق بخلط الذرة البيضاء مع القمح لإنتاج الخبز المدعم وهو إجراء اضطراري ومؤقت لحين انكشاف الأزمة وإن كانت بعض مساوئه أن قمح الذرة أقل جودة ويؤدي إلى تفتت الخبز وبالتالي زيادة المهدور منه. وفي كل الأحوال فإن الأزمة كشفت عن أهمية الأمن الغذائي وعدم الرهان على الاستيراد في ملف الغذاء لأن يمثل أولوية مطلقة في حماية الأمن القومي للبلاد. ويمكن التعلم من تجربة الهند التي شرعت منذ سيتنات القرن العشرين في تطوير نظم الري وأصناف قمح عالية الجودة والإنتاج جعلتها حاليا في مصاف الدول المصدرة للقمح رغم أن تعدادها يزيد عن…

تابع القراءة
تعيين فتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للحكومة الليبية المؤقتة: قراءة فى المواقف والتداعيات

تعيين فتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للحكومة الليبية المؤقتة: قراءة فى المواقف والتداعيات

    صوت مجلس النواب الليبي، فى 10 فبراير 2022 على نحو عاجل لتعيين وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيساً جديداً للوزراء – باجماع النواب الحاضرين بعد انسحاب المرشح المنافس له، خالد البياص-. ومن المقرر أن يحل محل عبد الحميد الدبيبة، الذي شغل منصب رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” المعترف بها دولياً والذي جرى تنصيبها قبل نحو عام. ونظم عملية التصويت رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بحجة أن فترة ولاية “حكومة الوحدة الوطنية” الحالية انتهت في ديسمبر 2021 بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة. وأمام باشاغا أسبوعين لتشكيل الحكومة وتقديمها لمجلس النواب لتنال الثقة[1]. وسيكون على باشاغا، في حال حصول حكومته على ثقة البرلمان، إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، في غضون 14 شهراً من إقرار القاعدة الدستورية الجديدة، وهو ما يعني أن الانتخابات لن تُجرى قبل خريف 2023، لو تمّ الالتزام بهذا المسار الذي ترفضه الأمم المتحدة، على اعتبار أنها تسعى لإجراء الانتخابات بحلول الصيف المقبل[2]. وهو المسار الذى يرفضه أيضًا الدبيبة الذى لا يزال متمسكًا بمنصبه، حيث أكد أنه لن يتنحى حتى يتمكن من تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة من الشعب الليبي. كما تعهد بتقديم جدول زمني جديد للانتخابات يجري التصويت بموجبه في يونيو القادم، واقترح إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية قبل التصويت الرئاسي[3]. كما صوت البرلمان على تعديل الإعلان الدستوري، من أجل تشكيل لجنة من 24 شخصاً من الخبراء والمختصّين الذي يمثّلون الأقاليم الثلاثة، على أن يتمّ اختيارهم مناصفة بين مجلس النواب و”المجلس الأعلى للدولة”. وتتولّى هذه اللجنة مراجعة النقاط محلّ الخلاف في مشروع الدستور المُنجَز من قِبَل الهيئة التأسيسية، وإجراء التعديلات المكمّلة عليه. ولن تُعتبر اجتماعاتها قائمة إلّا بحضور ثلثي الأعضاء، على أن يكون مقرها الرئيسي في مدينة البيضاء، ويجوز لها عقد جلساتها في أيّ مدينة أخرى. وحدّد القرار مدّة 45 يوماً لتنتهي اللجنة مـن إجراء التعديلات، بدءاً من أوّل اجتماع لها خلال أسبوعين من تاريخ صدور التعديل، على أن يُحال مشروع الدستور مباشرة إلى “المفوّضية الوطنية العليا للانتخابات” للاستفتاء عليه. وفي حال تعـذّر إجراء التعديلات، بعد انتهاء المدّة، تتولّى لجنةٌ مشكّلة من مجلسَي النوّاب و”الدولة”، إعداد قاعدة دستورية وقوانين انتخابية ملزِمة للطرفين، لدورة رئاسية وبرلمانية واحدة. ويُحال النظر في مشروع الدستور المُنجَز من قِبَل الهيئة التأسيسية إلى السلطة التشريعية الجديدة[4]. وتسعى هذه الورقة إلى التعرف على أبرز المواقف والتداعيات على خطوة مجلس النواب باختيار باشاغا رئيسًا للحكومة المؤقتة وتعديل الإعلان الدستورى. أولًا: موقف المنطقة الغربية: تنوعت وتباينت المواقف داخل المنطقة الغربية حول اختيار باشاغا بدلًا عن الدبيبة لرئاسة الحكومة، ويمكن تناول أبرز تلك المواقف كما يلى: المجلس الأعلى للدولة: يبدو أن موقف المجلس الأعلى للدولة لا يزال مترددًا فى دعم اختيار باشاغا رئيسًا للحكومة. ففى حين أعلن رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أن البرلمان قد تسلم رسالة من مجلس الدولة، تنطوي على تزكية فتحي باشاغا لتولي رئاسة الحكومة، في مؤشر يعكس بلورة توافقات بين مجلسي النواب والدولة[5]، في ملفي خارطة الطريق والحكومة الجديدة، خاصة بعد الأنباء التي تحدثت سابقًا عن عقد لقاء بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في المغرب، إذ أكد المشري، فى 6 فبراير الحالى، حدوث هذا اللقاء، معتبرًا أنه كان لقاء غير رسمي، وبدا منه وجود تجاوب بين المجلسين. وهو ما يشير إلى أن القرارات الأخيرة لم تكن فقط حصيلة التوافقات الناتجة عن اجتماع المرشحين الرئاسيين (باشاغا وحفتر وعقيلة ومعيتيق والنايض) في بنغازي أواخر عام 2021، بل أيضًا حصيلة تقارب في وجهات النظر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، خاصة أن المشري تحدث عن قرب زيارته لمدينة طبرق[6]. كذلك، فقد ظهرت مؤشرات تدل على أن رئيس المجلس خالد المشري، والعشرات من أعضائه أقرب إلى موقف مجلس النواب في دعم باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق السابقة التى كانت تحظى بدعم قوى من قبل المجلس الأعلى. وهى المؤشرات التى يمكن تلمسها فى اختلاف وجهتى النظر بين الدبيبة والمشرى حول من يملك صلاحية تغيير الحكومة، ففى حين يعتبر الدبيبة، أن المجلس الرئاسي بأعضائه الثلاثة من يحق له إقالة رئيس الحكومة وتعيين رئيس جديد للوزراء، طبقا للإعلان الدستوري، الذي يحدد مهام رئيس الدولة الذي يقوم المجلس الرئاسي حاليا بمهامه. غير أن المشري، يشدد على أن تعيين رئيس حكومة جديد من صلاحيات مجلسي النواب والدولة، طبقا للاتفاق السياسي. ففي الوقت الذي كان من المنتظر أن تعقد جلسة للمجلس الأعلى للدولة، فى 12 فبراير، لمناقشة اختيار مجلس النواب في طبرق لرئيس حكومة جديد، تم تأجيل الجلسة “لأسباب أمنية”، وخرج المشري في كلمة مباشرة لتوضيح موقف المجلس. وأهم ما أكد عليه المشري، أن حكومة الوحدة انتهت مهمتها في 24 ديسمبر 2021، وأصبحت منذ ذلك التاريخ حكومة تصريف أعمال إلى غاية اختيار رئيس حكومة جديد أو تجديد الثقة في الدبيبة. وأقرّ بوجود توافق بين مجلس الدولة ومجلس النواب في طبرق على خريطة طريق، وأكد على أحقية المجلسين في تغيير الحكومة، نافيا وجود سند قانوني يعطي الحق للمجلس الرئاسي بتغيير الحكومة. وأشار المشري إلى أن 52 عضوا في مجلس الدولة (نحو 39 بالمئة) منحوا تزكياتهم لباشاغا، و26 لخالد البيباص، و5 لمرشح آخر. في حين تم الاتفاق على أن المرشح لرئاسة الحكومة لا بد أن يحصل على 30 تزكية على الأقل من مجلس الدولة و40 من مجلس النواب، ولم يستوف هذا الشرط سوى باشاغا. وخلاصة كلمة المشري، أن مجلس الدولة يعترف بباشاغا رئيسا للحكومة بدلا من الدبيبة، لكنه ترك خط الرجعة يتيح له مجالا للمناورة، عندما قال: “لن نقبل أن يكون هناك رئيس وزراء عليه طعن أو شكوك في طريقة الاختيار”. إذ أن عددا ليس بالقليل من أعضاء مجلس الدولة اعترضوا على خريطة الطريق التي أقرها مجلس النواب، وطالبوا بأن يكون تغيير الحكومة بعد الاستفتاء على الدستور وليس بالتزامن مع تعديل الإعلان الدستوري. كما أن المجلس الأعلى للدولة يتعرض لضغط شديد من الرأي العام في المنطقة الغربية، والكتائب المسلحة الداعمة للدبيبة، التي حشدت قواتها في طرابلس رفضا لتولي باشاغا رئاسة الحكومة. وهذا الضغط الشعبي وحتى العسكري، يدفع المجلس الأعلى للدولة، للتريث قبل إعلان موقفه النهائي والرسمي في هذه المسألة. وأصدر المجلس، فى 13 فبراير، بيانًا، أكد فيه أن “التعديل الدستور الـ12 الصادر عن مجلس النواب، وكذلك تغيير رئيس الوزراء قرارات غير نهائية”. ما يرجح أن المجلس الأعلى للدولة قد يتراجع عن دعم باشاغا، مع استمرار الضغط الشعبي والعسكري لأنصار الدبيبة، الذي دعاهم للخروج إلى الميادين في 17 فبراير، ذكرى الثورة على نظام معمر القذافي لرفض التمديد الذي يسعى إليه مجلس النواب في طبرق[7]. كما أكد المشري، في بيان له 16 فبراير، إن إصدار مجلس النواب قراراً بتكليف رئيس جديد للحكومة قبل عقد جلسة رسمية للمجلس الأعلى “إجراء…

تابع القراءة
«الأدنى للأجور».. جدواه وتوابعه

«الأدنى للأجور».. جدواه وتوابعه

    اجتمع الجنرال عبدالفتاح السيسي يوم الثلاثاء 18 يناير 2022م، برئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى، والدكتور محمد معيط وزير المالية، وأحمد كجوك نائب وزير المالية للسياسات المالية، والدكتور إيهاب أبو عيش نائب وزير المالية للخزانة العامة، ووجَّه السيسي الحكومة بعدة قرارات: أولا، رفع الحد الأدنى للأجور (من 2400 إلى 2700 جنيه) نحو 171 دولارا. ثانيا، إقرار علاوتين بنحو 8 مليارات جنيه، الأولى علاوة دورية للموظفين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي، والثانية علاوة خاصة للعاملين غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 13% من المرتب الأساسي. ثالثا، 3٫1 مليارجنيه حافزا جديدا للمعلمين. رابعا، تخصيص “1.5” مليار جنيه كحافز جودة لهيئات التدريس بالجامعات. خامسا، زيادة الحافز الإضافى «للمخاطبين» و«غير المخاطبين» بقانون الخدمة المدنية،  بقيمة 18 مليار جنيه. هذه القرارات قوبلت بتضخم إعلامي واسع، وبروباجندا منظمة عبر الصحف والفضائيات والمواقع وحتى الكتائب الإلكترونية التابعة لأجهزة النظام الأمنية على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لإظهار الجنرال بصورة الحريص على دعم الفئات الفقيرة والمهمشة رغم أنه يسحقهم بفرض المزيد من الرسوم والضرائب الباهظة ورفع الأسعار بشكل  جنوني حتى طالت جميع السلع والخدمات الحكومية، كما أن هذه الزيادات لا تتناسب مطلقا مع حجم التضخم والغلاء الفاحش، علاوة على ذلك فإن هذه القرارات سيتم العمل بها بداية من السنة المالية الجديدة 2022/2023م.[[1]] وكان “المجلس القومي للأجور”، برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، قد اعتمد 2400 جنيه شهرياً، أي ما يعادل 152 دولاراً تقريباً، حداً أدنى للأجور شهرياً في مؤسسات القطاع الخاص، اعتباراً من 1 يناير 2022. غير أن المجلس وافق لاحقاً على طلبات أكثر من 6 آلاف منشأة بشأن إرجاء تطبيق هذا الحد، بدعوى الظروف الاقتصادية الناجمة عن أزمة فيروس كورونا؛ وهو ما يفرغ القرار من محتواه، إضافة إلى عدم وجود رقابة حكومية على القطاع الخاص تلزمه بتنفيذ الأدنى للأجور. ويعد نحو 80% من القوى العاملة في مصر هم من العاملين في القطاع الخاص، والبالغ عددهم نحو 23.5 مليوناً مقابل 5 ملايين تقريباً في القطاع الحكومي، والذين لن يستفيدوا من قرار زيادة المرتبات في الجهاز الإداري للدولة، في وقت يعانون فيه من خفض في الرواتب، وتسريح من أعمالهم، على خلفية أزمة تفشي وباء كورونا. ولكل هذه الأسباب دعت نقابة العاملين بالقطاع الخاص إلى إيجاد آلية ملزمة لتطبيق الأدنى للأجور بمنشآت القطاع الخاص البالغ عددها نحو عددهم 3 ملايين و738 ألف منشأة، ويعمل بها نحو 35 مليون عامل، وفق تقديرات شعبان خليفة رئيس النقابة في بيان له في ديسمبر 2021م، في ظل تهرب أرباب العمل عن تنفيذ القرار بدعوى تفشي جائحة كورونا.[[2]] على العموم، ظل نصيب صغار العمال والعاملين بأجر حول العالم ولا سيما في مصر والدول العربية غير الخليجية يتآكل خلال العقود الأخيرة في ظل غياب التفاوض الجماعى، والحرية النقابية والدراسات اللازمة، ومع غياب حد أدنى للأجر على المستوى القومى، صار الوضع مثيرا لقلق المؤسسات المالية الدولية التى تقرض النظام العسكري في مصر، مثل البنك الدولى. حيث يلاحظ الأخير أن كل عشرة جنيهات يخلقها الاقتصاد المصرى، تذهب 7.5 منها إلى القلة من أصحاب الثروات ورءوس الأموال و2.5 منها فقط تذهب إلى الأغلبية من أصحاب الأجور، ثم يحصل كبار الموظفين (عام وخاص) على معظم ذلك النصيب الضئيل. ويقدر نصيب الواحد في المائة الأغني بمصر بنحو 18% من إجمال الدخل؛ بمعنى أن 900 ألف فرد يملكون وحدهم حصة من الدخل القومى تعادل مجموع الدخول التى يحصل عليها 45 مليون مواطن، وذلك وفقا لدراسة قام بها توماس بيكيتى وفريقه البحثى عن مصر وعدد من دول الشرق الأوسط.[[3]] وتنتشر في مصر منذ عقود ظاهرة العمال الفقراء وهم أولئك الذين يكدون ويعملون لكن أجورهم تبقى متواضعة لا تسمح لهم بالصعود إلى أعلى خط الفقر العالمي، وقد قدر البنك الدولي في 2009 نسبة العمال الفقراء في مصر بنصف عدد العاملين، وهي النسبة التي تزايدت في أعقاب ثورة يناير ثم انقلاب 03 يوليو 2013م، وتزايدت بشدة في أعقاب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م. وتبقى مصر من الدول القليلة التي ينعدم فيها حد أدنى للأجور على المستوى القومي، حيث يتركز معظم العاملين الفقراء فى القطاع غير الرسمى، يليه القطاع الخاص (معا، يشكلون أكثر من 85٪ من العاملين الفقراء)، وفقا للبيانات الرسمية فى عام 2012ــ2013م. «وفي نهاية مارس 2020، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري بيانات التعداد الاقتصادي المصري لعام 2018، (تتم كل خمس سنوات)، كشف أن عدد المشتغلين في مصر بلغ نحو 26.021 مليون شخص، معنى ذلك أن العاملين بالقطاع الخاص والمهن الحرة يصل عددهم  إلى نحو 21 مليونا؛ استنادا إلى أن عدد العاملين بالحكومة نحو 5 ملايين وفقا لتصريحات وزير المالية».[[4]] قراءة في القرار ويمكن قراءة القرارات الأخيرة للسيسي وفهم مغزاها وأبعادها من خلال الملاحظات  الآتية: أولا، رغم أن هذه الزيادات سوف تطبق بداية من يوليو المقبل “2022” إلا أن لتوقيت إعلانها دلالة وغاية؛ فقد جاء الإعلان عنها قبل ذكرى ثورة يناير بأيام قليلة، استباقا لأي دعوات تظاهر لا سيما في ظل تواصل مظاهرات فئوية بسبب تدني مستويات المعيشة وتآخر صرف المستحقات المالية مثل عمال وموظفي ماسبيرو وغيرهم. وبالتالي فالهدف هو قطع الطريق على أي دعوات للتظاهر. لذلك يمن عزو هذه الخطوة إلى تقارير أمنية رفتعها الأجهزة إلى مكتب السيسي تحذر من تبعات السياسات الحكومية وتأثير السلبي على الناس، وأوصت بمثل هذه الخطوة درءا لغضب شعبي محتمل. ثانيا، رغم رفع الأدنى للأجور من 1200 إلى 2000 في 2019م، ثم إلى 2400ج في 2021م، ثم إلى 2700ج في 2022م، إلا أنّ القيمة الشرائية لهذا المبلغ تراجعت بصورة كبيرة بفعل آثار التضخم، وموجات الغلاء التي لم تتوقف في مصر منذ قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه)، في 3 نوفمبر 2016. ويدرك المصريون جيداً انخفاض قيمة دخولهم، مقارنة بما كانت عليه قبل الانقلاب العسكري في عام 2013، حيث كان يبلغ سعر صرف الدولار نحو 6.96 جنيهات مقارنة بـ15.74 جنيهاً حالياً، أي أن الحد الأدنى للأجور حينها (1200 جنيه) كان يعادل 172.4 دولاراً، مقابل 171.5 دولاراً (2700 جنيه) بعد الزيادة الأخيرة. ومع ارتفاع قيمة الفواتير الشهرية لاستهلاك الكهرباء والغاز والمياه للمنازل، بات المصريون يقتطعون ربع دخلهم على الأقل لسدادها، خصوصاً الفقراء منهم ومحدودي الدخل. إذ ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 860% منذ اغتصاب السيسي الحكم، والغاز بنسبة تصل إلى 2400%، إضافة إلى ارتفاع أسعار البنزين 8 مرات منذ عام 2014، ومضاعفة أسعار مياه الشرب للمتر المكعب من 36 قرشاً (الجنيه 100 قرش) إلى 225 قرشاً.[[5]] ثالثا، زيادة الحد الأدنى للأجور في هذا التوقيت (يناير 2022)  تستبق الزيادة المتوقعة في أسعار جميع أنواع البنزين، وهي الزيادة الرابعة توالياً بإجمالي جنيه واحد على سعر الليتر، إذ من المقرر أن يرتفع…

تابع القراءة
الأبعاد السياسية في تعيين "بولس فهمي" رئيسا للمحكمة الدستورية

الأبعاد السياسية في تعيين “بولس فهمي” رئيسا للمحكمة الدستورية

      القرار الجمهوري الذي أصدره عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء 08 فبراير 2022م، بتعيين المستشار بولس فهمي إسكندر، رئيسا للمحكمة الدستورية العليا بدرجة وزير خلفا للمستشار سعيد مرعي، يحمل كثيرا من الدلالات والأبعاد السياسية، لا سيما وأن تاريح المحكمة الدستورية وظروف نشأتها سنة 1969م في أحضان السلطة في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر ثم السادات من بعده، حافل بالتوظيف السياسي وخدمة أجندة السلطة على الدوام. فتعيين المستشار بولس فهمي ليكون أول رئيس مسيحي للمحكمة الدستورية يحمل كثيرا من الرسائل والدلالات والأبعاد،  والسياسي في هذه الخطوة أكبر من القانوني، وبالتالي فإن ذلك يمثل فرصة لمناقشة الخطوة في سياق أبعادها السياسية لا سيما وأن السيسي بهذه الخطوة أطاح برئيس المحكمة الدستورية سعيد مرعي بما يناقض الدستور والقانون وهو الإجراء الذي جرت التغطية عليه من جانب السلطة بادعاء عدم قدرة مرعي على أداء دوره كرئيس للمحكمة لدواع صحية وفقا لما تم الإعلان عنه رسميا رغم أن الأولى كان الانتظار لحين معرفة ما ستسفر عنه الأزمة الصحية لمرعي ومدى قدرته على العودة من جديد وقد رحل بالفعل الأربعاء 16 فبراير 2022م. وساهم في التغطية عليه أيضا تركيز بعض المعارضين على ديانة الرئيس الجديد للمحكمة دون النظر إلى جرأة السيسي وإطاحته برئيس المحكمة الدستورية بإرادته المنفردة رغم أنه إجراء يخالف نصوص الدستور والقانون. على كل حال فإن الخطوة تمثل في مغزاها وتوقيتها وجوهرها، برهانا جديدا على أن السيسي قد تمكن بالفعل من الهيمنة المطلقة على أهم مؤسسات الدولة العميقة في البلاد (الجيش ــ المخابرات ــ القضاء ــ الإعلام ـ المؤسسة الدينية) دون أي التزام بالدستور أو القانون فرغبته أعلى من الإطار الدستوري والقانوني في دولة تحكمها الأوامر ــ حتى لو خالفت نصوص القوانين ــ  منذ عقود عديدة. وتختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في دستورية القوانين، وتفسير النصوص القانونية، والفصل في طلبات وقف تنفيذ الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم المشكلة للفصل في منازعات الحكومة والقطاع العام، والفصل في مسائل تنازع الاختصاص. وبحسب دستور 2014 المعدل في 2019، فإن للمحكمة الدستورية العليا موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصره، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقما واحدا، وتقوم الجمعية العامة للمحكمة على شؤونها ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بالمحكمة. أولا، القرار مثير للدهشة في توقيته ومبناه، لا سيما وأن مرعي الذي تمت الإطاحة به معروف بنفاقه الواسع للسيسي، وتأييد سياساته على طول الخط، وكم كان لافتا تملقه الواسع للسيسي في احتفال يوم القضاء الذي نظمه السيسي في 02 أكتوبر 2021م، حيث تودد مرعي في كلمته للسيسي وتملقه بشكل لافت، وأثنى على دور الجنرال في دعم منظومة القضاء وميكنة التقاضي وتجديد مقار المحاكم والمطالبة بتعيين المرأة في النيابة العامة ومجلس الدولة. وادعى مرعي حينها أن  دعم السيسي للقضاء والعمل على تأكيد استقلاليته وعدم التدخل في شئونه هو أمر مرئي للعيان ليس بحاجة إلى إشارة أو إشادة. وحملت كلمات مرعى مضامين سياسية بحتة تثني على السيسي وتقدح في معارضيه مهاجما من ينتقدون انتهاكات حقوق الإنسان في مصر موجها رسالة لمن يتحدثون عن حقوق الإنسان في مصر، قائلا: «الزموا الصمت خير لكم.. فمصر من أوائل الدول التي تحترم حقوق الإنسان». والسيسي بهذا القرار وعلى النحو الذي تم إخراجه به وما يشوبه من غموض لا سيما بشأن إحالة مرعي للتقاعد، إنما يبرهن على أنه بات يهيمن على السلطة القضائية من الألف إلى الياء. ولم يعد هناك صوت يستطيع انتقاد قراراته أو مراجعته بشأنها؛  فهو الحاكم بأمره الذي يحظى بصلاحيات فرعونية مطلقة لا يشاركه فيها أحد. وقد فرض السيسي هيمنته على السلطة القضائية بكل فروعها من خلال تعديلات قانون السلطة القضائية التي جرى التصديق عليها في 27 أبريل 2017م. ثم التعديلات الدستورية في أبريل 2019م. وهما الخطوتان اللتان انتزع بهما السيسي سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية بعدما ساد نظام الأقدمية لعقود طويلة. وكذلك تعديل قانون محكمة النقض وتحويلها إلى محكمة موضوع. وبذلك تمكن السيسي من بسط يده على القضاء وجرى تطويعه على نحو كامل دون اعتراض من أحد. ثانيا، الإطاحة بمرعي رغم تملقه ونفاقه الواسع إنما يعكس وافر الإهانة والتحقير لمرعي ولمؤسسة القضاء ذاتها، فقد تعامل السيسي مع مرعي بوصفه شيئا وليس رئيسا لما يصفها النظام بأكبر محكمة مصرية. وقد تمت الإطاحة بمرعى بدعوى عدم لياقته الصحية بناء على طلبه!  وحتى وإن صح ذلك فكان الأولى التريث وعدم التعجل لحين معرفة ما ستؤول إليه حالة رئيس المحكمة المحصن دستوريا من العزل؛ ألم يكن من الأفضل للنظام التريث لحين انكشاف الأمر إما بتعافي مرعي أو وفاته ليقطع بذلك حبال الشك والغموض التي غلفت الموضوع برمته؟. والراجح (عندي) أن هذه الخطوة صاغتها أجهزة السيسي استغلالا للحالة الصحية لمرعي من أجل تحقيق عدة أهداف على المستويين المحلي والعالمي تتعلق في مجملها بتنفيذ مخططات النظام الرامية لتبييص صورته أما العالم الخارجي. يبرهن على ذلك، عدة أدلة: القرار استبق بلوغ مرعي سن الإحالة إلى المعاش في أغسطس 2024م. بما يعني أن السيسي كان على عجلة من أمره بهذا الشأن. معنى ذلك أننا أمام واقعة عزل لرئيس المحكمة الدستورية العليا بالمخالفة للدستور، الذي ينص على أنه لا يجوز عزل القضاة، وهو ما نص عليه قانون هذه المحكمة أيضاً. لقد عُين المستشار سعيد مرعي في 14 يوليو 2019 رئيساً للمحكمة الدستورية العليا، ونهاية ولايته في 14 يوليو 2023، وهذا يقودنا إلى تعديل آخر ليس مسبوقاً، فقد كان رؤساء المحاكم العليا قبله يظلون في وظائفهم لحين خروجهم على المعاش، كما ينص القانون، لكن السيسي عدل قانون المحكمة الدستورية ليقصر التعيين على أربع سنوات، أو لبلوغ سن الإحالة للمعاش، أيهما أقرب! وقد عزل السيسي المستشار سعيد مرعي، قبل انتهاء ولايته كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، فلم يتركه في عمله القضائي بعيداً عن الرئاسة لحين الإحالة للمعاش ببلوغ سن السبعين (وُلد في 25 أغسطس 1954)، وقد جاء في قرار الإحالة للمعاش ضم عامين إضافيين ضمن خدمته، فما هي الضرورة لمثل هذا الاجراء المتعسف؟! جاء في قرار الإحالة للمعاش يوم الاثنين (7 فبراير 2022) أنه بالنظر إلى قانون المحكمة الدستورية العليا، وهو أمر طبيعي، ثم اجتماع الجمعية العمومية، وهو أمر لافت! فالجمعية العمومية ليست جهة اختصاص في أمر كهذا، واختصاصها محدد في القانون على سبيل الحصر، وليس من ضمن اختصاصها ما يتعلق بأمر رئيس المحكمة عزلاً، أو تعييناً، أو إحالة للمعاش! علاوة على ذلك وهو الأهم أن الجمعية العمومية لم تنعقد، ولم ينشر ما يفيد انعقادها، على موقع المحكمة أو في وسائل الاعلام. برر نظام مخالفته للدستور والقانون بأن المستشار المعزول مريض والإطاحة به تمت بناء على طلبه؛ ولكن متى كان مرضه؟! وما هو المرض الذي يدفع لقرار سريع بتعيين بديل له رئيساً للمحكمة؟! وحتى وإن كان هذا صحيحا…

تابع القراءة
قمة الاتحاد الإفريقي وقرار منح الكيان الصهيوني صفة المراقب

قمة الاتحاد الإفريقي وقرار منح الكيان الصهيوني صفة المراقب

  لم تكن المرة الأولى التي يُقدم فيها الكيان الصهيوني طلبًا لمنحه عضوية الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، فقد رُفضت طلباته أعوام 2013 و2015 و2016، لكن رئيس المنظمة موسى فقي قرَّر منفردًا إعطاءه هذه الصفة في 22 يوليو 2021، وهو قرار وصفه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بغير المسؤول ودفع 25 دولة لمطالبته بالتراجع. هذا الرفض من جانب العديد من الدول الإفريقية للقرار دفع فقي إلى إرجاء البت في الموافقة من عدمها لحين عقد القمة. وقائمة الدول التي عارضت هي جنوب إفريقيا، تونس، إريتريا، السنغال، تنزانيا، النيجر، جزر القمر، الغابون، نيجيريا، زيمبابوي، ليبيريا، مالي، سيشل. وكان رئيس المفوضية موسى فقي قد منحها بدعم من تشاد، المغرب، بورندي، توغو، من بين آخرين، بعد نشاط مُكثَّف من لوبيات صهيونية في ربوع القارة السمراء. ‏فما هو شكل العلاقات الإفريقية الصهيوني؟ وكيف تم اتخاذ قرار انضمامه للاتحاد الإفريقي؟ وكيف يُمكن قراءة قرار تعليقه في قمة الاتحاد الخامسة والثلاثين؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. أولًا: علاقات الكيان الصهيوني بإفريقيا ومنحه صفة المُراقب في الاتحاد: يرجع تواجد الكيان الصهيوني في إفريقيا عمومًا والقرن الإفريقي خصوصًا إلى منتصف القرن الماضي، بعد أن استخدم الكيان العديد من الوسائل لتحقيق أهدافه وعلى رأسها ما يُسمى بـ “القوة الناعمة”. وشهدت العلاقات الصهيونية- الإفريقية ولاسيما غير العربية منها تحولات فارقة خلال الخمسين عامًا الماضية. وربما تعزى تلك التحولات إلى تغير الاهتمامات وترتيب أولويات السياسة الخارجية للكيان الصهيوني، فضلًا عن تطور ديناميات النظام الدولي. حيث ظهور بعض التهديدات الأمنية على الساحة الإفريقية، وحدوث نوع من التكالب الاستعماري الجديد على موارد وثروات إفريقيا الطبيعية، قد دفعا القيادة الصهيونية إلى إعادة التأكيد مرة أخرى على محورية إفريقيا في عملية صياغة سياستها الخارجية. وقامت السياسة الصهيونية تجاه القارة على عدة مستويات: أولًا: المستوى السياسي والديبلوماسي: حيث تُمثِّل إفريقيا قوة تصويتية كبرى في المحافل الدولية ولاسيما الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن بمقدور الأفارقة إحداث تغيير هائل في السياسات الرامية لفرض العزلة الدولية على الكيان. بيد أن ثمَّة اعتبارات استراتيجية تمثَّلت في حاجة الكيان إلى كسر حاجز العزلة التي فرضتها عليه الدول العربية من خلال إقامة شبكة من التحالفات مع دول الجوار غير العربية ولاسيما في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا. وثانيًا: المستوى الاقتصادي: حيث تُعد إفريقيا سوقًا محتملة للمنتجات الصهيونية، وفي بداية التسعينات من القرن الماضي تمت إعادة تأسيس العلاقات بين الكيان وإفريقيا مرة أخرى وبصورة أقوى بفضل توقيع اتفاقات أوسلو ومعاهدة السلام الصهيونية الأردنية وهو ما يعني إزالة كافة العقبات التي كانت تعترض العلاقات الصهيونية-الإفريقية. ومع مطلع الألفية الجديدة أعاد الكيان النظر بأهمية قصوى لمنطقة القرن الإفريقي تحديدًا، لعدة أسباب: أولها؛ الاعتبارات الأمنية: فثمَّة مخاوف صهيونية من انتشار الجماعات المتطرفة في كثير من مناطق إفريقيا كما هو الحال في الصومال، بالإضافة إلى التغلغل الإيراني المتزايد في إفريقيا. وثانيها؛ الاعتبارات الاقتصادية والتجارية: حيث يستخدم الكيان هيئة التعاون الدولي (مشاف) التابعة لوزارة خارجيته، باعتبارها الذراع الدبلوماسية التي تسهم في تقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية، هذا بجانب التكالب الدولي الجديد على استغلال الموارد الطبيعية.[1] وهكذا استطاع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، تحقيق اختراقات تدريجية في إفريقيا، على رغم أن القضية الفلسطينية ظلت حتى وقت قريب تُمثِّل عائقًا أساسيًا أمام نفوذها. وشهدت الفترة الأخيرة نشاطًا مكثَّفًا لقسم إفريقيا في وزارة الخارجية برئاسة أليزا بن نون منذ ديسمبر 2020، ما مثَّل محطة انتقالية لإرساء الدخول الصهيوني إلى إفريقيا في مجالات متعددة. وجاءت الخطوة الأخيرة وسط تداعيات دولية لـ “فضيحة بيغاسوس” للتجسس السيبراني، والتي حضرت دولة الاحتلال عبر شركة تابعة لها، في قلبها، بما يُعزِّز تصورات خطورة المكون الأمني في سياسات الكيان نحو إفريقيا، لاسيما مع تورُّط عدد من حكومات القارة وثيقة الصلة بتل أبيب (أبرزها بحسب تقارير غربية رواندا والمغرب) في التجسس على رؤساء دول وحكومات إفريقية. وقد تمدَّدت مقاربة دولة الاحتلال الأمنية في أرجاء متفرقة من القارة، لدعم نظم حكم أو تهديد أخرى، بينما دعم التخوف من تنامي “التهديد الإسلامي” في إفريقيا علاقات الكيان الأمنية بدول من مثل غانا وساحل العاج ورواندا وكينيا، والتي تم تزويدها بتكنولوجيات وقدرات استخباراتية متقدمة منذ أكثر من عقد. كما مثَّل الدعم الأمني لأوغندا أهم ملمح للتعاون بين الجانبين في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد زيارة نتنياهو إلى عنتيبي ومقابلته الرئيس الأوغندي يوري موسيفني، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان فبراير 2020. وعلى النحو نفسه، تقدَّمت المقاربة الأمنية على ما عداها في علاقات الكيان مع إريتريا، والتي أُقيمت بشكل كامل في العام 1993 عقب استقلال الأخيرة مباشرة، وحظيت بدعم مستمر منذ ذلك الوقت. ثانيًا: بعد أعوام من المحاولة؛ الكيان الصهيوني مراقب في الاتحاد الإفريقي: حتى عام 2002، كان الكيان الصهيوني عضوًا مراقبًا في منظمة الوحدة الإفريقية، حتى جرى حلها واستبدالها بالاتحاد الإفريقي. وشهدت العلاقات بين إفريقيا والكيان الصهيوني توترًا منذ ستينيات القرن الماضي، مع اندلاع حركات التحرر الوطني في القارة السمراء، وتصاعد الصراع العربي الصهيوني. وفي وقتٍ لاحق، دفعت الحروب الصهيونية مع الدول العربية عامي 1967 و1973، إلى قطع الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى علاقاتها مع الكيان. وكان للكيان الصهيوني عضوية مراقبة قبل حل منظمة الوحدة الإفريقية وتأسيس الاتحاد الإفريقي، ولكن بعد إعلان الأخير، مارس العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ضغوطًا على دوله، وحال دون قبول طلب الكيان الصهيوني، خاصةً وهو الممول الرئيسي له حينها، وكان يستعد لإعلان نفسه “ملك ملوك إفريقيا”. وظل الوضع كذلك حتى بذلت تل أبيب على مدار السنوات الماضية مساعٍ كبيرة لتحسين العلاقات مع العديد من دول القارة، وصار لديها شراكات واسعة النطاق وتعاون مشترك في العديد من المجالات المختلفة مع تلك الدول. وأعلنت وزارة خارجية الكيان الصهيوني، يوم الخميس 22 يوليو 2021، انضمام بلادها مرة أخرى إلى الاتحاد الإفريقي عضوًا مراقبًا عبر سفيرها لدى إثيوبيا. وقالت الوزارة في بيان لها “لأول مرة منذ عام 2002، قدم سفير إسرائيل لدى إثيوبيا أليلين أدماسو أوراق اعتماده عضوًا مراقبًا لدى الاتحاد الإفريقي” دون أن توضح خلفيات الخطوة. من جانبه، قال وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد “هذا يوم احتفال بالعلاقات الإسرائيلية الإفريقية”. وأضاف في البيان الصادر عن وزارة الخارجية “هذا الإنجاز يصحح الحالة الشاذة التي كانت موجودة منذ قرابة عقدين وهو جزء مهم من تعزيز نسيج العلاقات الخارجية لإسرائيل”. وتابع لابيد “هذا الإنجاز سيساعدنا على تعزيز أنشطتنا في القارة الإفريقية ومع الدول الأعضاء في الاتحاد”.[2] – لماذا ألحَّ الكيان الصهيوني في طلب عضوية الاتحاد الإفريقي؟ يدرك الكيان أهمية إفريقيا كقارة بكر، تملك قدرات هائلة وإمكانيات كبيرة من الموارد غير المستغلة، إضافة إلى حاجتها الماسة للتكنولوجيا الحديثة. ويستهدف عدة مجالات بإفريقيا؛ أهمها: المجال السياسي والدبلوماسي: حيث حاجة الكيان إلى من يدعمه في المحافل المختلفة القارية والدولية، والتي جعلته…

تابع القراءة
القمة المصرية السنغالية: قراءة في الخلفيات والنتائج

القمة المصرية السنغالية: قراءة في الخلفيات والنتائج

  تُعد السنغال، واحدة من الدول الإفريقية التي لها تاريخ مؤثر في وجدان الأفارقة، وإحدى الدول الديمقراطية القليلة في القارة الإفريقية، التي لم تؤرقها الانقلابات العسكرية في تاريخها الحديث. ومن المُقرر أن يتسلم الرئيس السنغالي ماكي سال، رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي لعام 2022 عن دول غرب القارة. وستُعقد أعمال القمة الإفريقية العادية الـ35 لرؤساء الدول والحكومات يومي 5 و6 من فبرير المُقبل في أديس أبابا. الأمر الذي يجعل زيارة ماكي سال في ذا التوقيت تحديدًا لمصر من الأهمية بمكان يجعلنا نُلقي عليها الضوء خلال هذا التقرير. فما هو وضع العلاقات المصرية السنغالية؟ وما هو مُلخص الزيارة؟ وكيف يُمكن قراءة نتائجها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير.. أولًا: العلاقات المصرية السنغالية: ترتبط مصر والسنغال بعلاقات صداقة تاريخية، حيث كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت بجمهورية السنغال فور استقلالها، وتم تبادل العلاقات الدبلوماسية معها منذ عام 1960، الأمر الذى جعل العلاقات بين البلدين تتسم بالتميز. سواء على المستوى السياسي والديبلوماسي أو على المستوى الاقتصادي. كالتالي.. العلاقات السياسية والديبلوماسية: تشارك مصر سنويًا في منتدى داكار الدولي حول السلم والأمن في إفريقيا، والذي أطلقه الرئيس السنغالي ماكي سال في 2014. ويبحث المنتدى سُبل مكافحة ظاهرة الإرهاب في القارة الإفريقية، وإمكانيات وضع استراتيجيات فاعلة للتصدي لهذه الظاهرة وإرساء السلم في القارة، فضلًا عن تبادل وجهات النظر بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بقضايا السلم والأمن في القارة الإفريقية. كما شاركت مصر في القمة الخامسة عشرة للمنظمة الدولية للفرانكوفونية التي انعقدت بالعاصمة السنغالية داكار في نوفمبر 2014. وخلال السنوات القليلة الماضية تبادل الجانبان مجموعة من الزيارت؛ ففى إبريل 2019 زار عبد الفتاح السيسى السنغال، وأكد الرئيس السنغالي على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، وضرورة العمل في هذا الصدد على تطوير مختلف أطر التعاون المشترك، لا سيما النواحي الاقتصادية والتجارية، فضلًا عن الاستفادة من الإمكانيات المصرية وخبرتها وتجاربها الناجحة في مجالات تنمية البنية التحتية، وتشييد المدن الجديدة، وإنشاء مشروعات الكبارى والطرق، والطاقة، والسياحة، وذلك في إطار دعم “خطة السنغال البازغة” للتنمية الاقتصادية. وهنأ السيسى خلال زيارته الرئيس ماكي سال بمناسبة انتخابه لفترة رئاسية ثانية. وفى ديسمبر 2019 قام ماكي سال رئيس السنغال بزيارة لمصر للمشاركة فى منتدى السلام والتنمية المستدامة، وبحث مع السيسي سُبل تعميق التعاون الثنائي في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف في القارة الإفريقية، وذلك على الصعيد الأمني وتبادل المعلومات، وكذلك الصعيد الفكري. وفي مايو 2021 التقى السيسي في باريس مع الرئيس السنغالي ماكي سال وناقشا المستجدات الخاصة بعدد من الملفات القارية، خاصةً في ظل الرئاسة السنغالية المرتقبة للاتحاد الإفريقي عام 2022، حيث تم التوافق حول مواصلة التشاور والتنسيق المشترك بشأن تطورات تلك الملفات، بما فيها تطورات قضية سد النهضة.[1] العلاقات الاقتصادية: على صعيد العلاقات الاقتصادية بين مصر والسنغال، ترغب السنغال فى تواجد مصر بقوة فى منطقة غرب إفريقيا والساحل الغربى وأن يكون للسنغال وجود فى منطقة شمال شرق إفريقيا. وقد شهد التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات السابقة، حيث ارتفعت الصادرات المصرية للسنغال من نحو 30 مليون دولار عام 2015 إلى 47 مليون و300 الف دولار عام 2016، وتصل قيمة الواردات السنغالية للسوق المصرى إلى نحو مليون دولار بإجمالى حجم تبادل تجارى بين البلدين 48 مليون و300 ألف دولار وذلك وفقًا للمركز التجارى الدولى التابع للأمم المتحدة. وبالتالي تعتبر مصر ثانى أكبر شريك تجاري مع السنغال. انخفض حجم التبادل التجارى بين مصر والسنغال بنحو 43.71% ليُسجل 38.142 مليون دولار خلال عام 2018، مقابل 67.756 مليون دولار خلال 2017. وبحسب أحدث تقرير صادر عن إدارة الدول والمنظمات الإفريقية ووحدة الكوميسا، التابعة لوزارة التجارة والصناعة، فقد انخفضت الصادرات المصرية للسنغال إلى 37.508 مليون دولار خلال 2018 بدلًا من 67.203 خلال 2017. وأشار التقرير، إلى أن الواردات المصرية من السنغال ارتفعت لتسجل 634 ألف دولار خلال 2018، مقابل 553 خلال 2017. ومن أبرز المنتجات التى يتم تصديرها للسنغال الأسمدة، والدواء، والملابس الجاهزة، والسجاد، والسلع الغذائية المُصنعة، والخضروات، والمبيدات الحشرية، ومواد البناء، والسيراميك، والأدوات الصحية، والزيوت النفطية، وبعض المنتجات الكيماوية، ومواد التغليف. وتستورد مصر من السنغال السمك. منذ عام 2012 فإن الصادرات المصرية للسوق السنغالى تشهد ارتفاعًا ملحوظًا والتى سجلت 36.8 مليون دولار، وسجلت زيادة فى 2013 لتبلغ 39.7 مليون دولار وعام 2014 بلغت 36 مليون دولار، ثم انخفضت عام 2015 لتسجل 30.5 مليون دولار. أما عن حجم الاستثمارات بين البلدين؛ فيوجد 9 شركات مصرية عاملة بالسنغال فى مجالات البنية الاساسية، والاتصالات، والتجارة العامة، والزراعة. والسنغال تستثمر فى مصر بشركتين بقطاع الخدمات.[2] وبالرغم من ضآلة مستويات التبادل الاقتصادي بين مصري والسنغلا؛ إلا أنها تبقى موجودة مُقارنةً بانعدام مثل هذا النوع من العلاقات بين مصر ودول إفريقية أخرى، وفي ظل ضآلة العلاقات الاقتصادية المصرية الإفريقية بشكلٍ عام. العلاقات الثقافية: تُعد السنغال من الدول الإفريقية التى بها مستوى تعليم مرتفع، ومن أكثر الدول ارتباطًا بمصر من الناحية التعليمية، حيث أن الأزهر الشريف يُعتبر محورًا هامًا فى توثيق العلاقات المصرية السنغالية، وتصل البعثة الدينية من الأزهر الشريف إلى 37 رجل دين، ومستهدف زيادتها إلى 40 وذلك لمواجة التوجُه الشيعى والسلفى ونشر الدين الإسلامى الحنيف الوسطى، إضافةً إلى تعزيز الانتشار المصرى. كما تُعد السنغال ثانى أكبر دولة لديها أكبر عدد طلاب يدرسون فى الأزهر بعد السودان فى إفريقيا، حيث يصل عددهم إلى نحو 600 طالب سنغالى منهم نحو 30% يحصلون على منح دراسية، وتُعتبر مصر الدولة الأولى فى منح المنح الدراسية للسنغالين على مستوى الدول العربية، ويُعتبر الأزهر ثانى جامعة بعد جامعة داكار يتخرج فيها الطلاب السنغاليون سنويًا. واتفقت مصر مع الحكومة السنغالية المساهمة لترميم التراث الثقافى السنغالى والمخطوطات الإسلامية، وشاركت مصر في 13 مايو 2018 في أعمال الـدورة الحاديـة عشـر للجنة الـدائمة للإعــلام والشئون الثقافـية “كومياك” المنبثقـة عـن منظمة التعـاون الإسلامي تحت شـعار “التربية والثقافـة رافـدان لإحـلال السلم وتحـقيق التنمية والتقارب بين الشعوب” بداكار. بهدف بحث سُبل توطيد العلاقات المصرية السنغالية، وجذب الطلاب الوافدين من السنغال للدراسة بجامعة عين شمس.[3] ثانيًا: زيارة ماكي سال لمصر: زار الرئيس السنغال ماكي سال القاهرة يوم السبت 29 يناير، ويُمكن قراءة نتائج الزيارة كالتالي: مُلخص الزيارة: بحث عبد الفتاح السيسي مع الرئيس السنغالي ماكي سال، العلاقات بين البلدين، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز جهود احتواء فيروس كورونا. وهنأ السيسي ماكي سال على قرب تسلمه رئاسة الاتحاد الإفريقي، مؤكدًا دعمه الكامل له خلال فترة الرئاسة. وأشاد السيسي بمجمل العلاقات مع السنغال على الصُعد السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، فضلًا عن تنامي التعاون بين البلدين في مجال بناء القدرات، مؤكدًا أهمية مواصلة العمل على تطوير مشروعات التعاون الثنائي بين البلدين، خلال الفترة المُقبلة، خاصةً ما يتعلق بتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات…

تابع القراءة
قراءة تحليلية للسياسة الخارجية المصرية خلال الفترة من 24 يناير حتى 1 فبراير 2022

قراءة تحليلية للسياسة الخارجية المصرية خلال الفترة من 24 يناير حتى 1 فبراير 2022

  شهدت السياسة الخارجية المصرية خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير 2022 عدة تطورات هامة على المستوى العربى والاقليمى والدولى؛ فقد استقبل عبد الفتاح السيسي نظيره الجزائري “عبد المجيد تبون” يوم 24 يناير 2022 في زيارة استغرقت يومين بحثا خلالها سبل تطوير العلاقات الثنائية، والملفات العربية الآنية إثر الإعداد للقمة العربية المقبلة. غداة ذلك قام السيسي بزيارة مفاجئة لدولة الإمارات، فى 26 يناير، هي الأولي له منذ الاعتداءات الحوثية على مطار أبوظبي في السابع عشر من يناير الحالي وجدد إدانة مصر لأي اعتداء إرهابي على الأمن القومي الإماراتي، وجدد الموقف المصري القائم على اعتبار الأمن الخليجي جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري[1]. كذلك، فقد كشفت مصادر أمريكية مطلعة، في تصريحات لشبكة CNN، فى 27 يناير 2022، أن إدارة الرئيس جو بايدن قررت منع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر (والتى تقدر ب 1.3 مليار دولار) بسبب عدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية[2]. وسنحاول توضيح الموقف المصرى من تلك التطورات خلال السطور القادمة كما يلى: أولًا: زيارة الرئيس الجزائرى لمصر: أسفرت زيارة الرئيس تبون إلى القاهرة عن تعزيز العلاقات الثنائية، حيث يتم الإعداد لعقد الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة على مستوى رئيسي وزراء الدولتين خلال النصف الأول من العام الحالي، بعد ثماني سنوات من التوقف. كما يتم تفعيل آلية التشاور السياسي على مستوى وزيري الخارجية، خلال النصف الأول من هذا العام، وكذلك تطوير التعاون الاقتصادي ومضاعفة الاستثمارات المتبادلة وزيادة معدلات التبادل التجاري، وتعزيز الشراكات وتبادل الخبرات في مختلف المجالات، بما يحقق مصالح الدولتين. كذلك، فقد أكد السيسي وتبون ضرورة خروج جميع المرتزقة الأجانب من ليبيا وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية بأسرع وقت، وعودة الاستقرار لليبيا. كما أكد الرئيسان أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، وجددا دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحشد الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق ذلك. وقد أثني الرئيسان الجهود المبذولة من الدولتين في هذا الصدد حيث استقبلت العاصمة الجزائرية 6 فصائل فلسطينية لبحث المصالحة الوطنية، كما تستكمل مصر جهودها لتوحيد الفصائل الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة، وصولا لاستئناف عملية السلام[3]. كما تسعى الجزائر إلى تنسيق الجهود مع مصر من أجل إدراج ملف طرد إسرائيل من عضوية الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب على رأس لائحة الملفات التي ستناقش في قمة الرؤساء الأفارقة، المقرّرة في الخامس من شهر فبراير الحالى في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا[4]. كما أبدى الرئيسان اهتمامًا بضرورة إنجاح القمة الإفريقية المقبلة التي ستبحث عددا من القضايا المهمة، ومنها التطورات بالسودان حيث اتفقا على ضرورة دعم استقرار الأوضاع في السودان واحترام سيادته ووحدة أراضيه لما يمثله ذلك من أهمية بالغة لتحقيق السلم والأمن بالقارة الإفريقية. وكذلك بحث الرئيسان قضية “سد النهضة”، وما تمثله من تهديد للأمن المائي المصري وتوافقا على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة بما يحقق مصالح الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا بشكل عادل ومنصف وذلك قبل بدء الملء الثالث للسد[5]. وعلى الرغم من ترويج القنوات الإعلامية المحسوبة على النظام المصرى بأن تلك الزيارة تكشف عن حالة تحسن كبيرة فى العلاقات بين البلدين، إلا أن أغلب التحليلات المعمقة قد أكدت على أن الخلافات بين البلدين لا تزال مستمرة، ولم تفلح تلك الزيارة فى إزالته. فقد سارت تصريحات السيسى وتبون في اتجاه مختلف، فبينما ركز الرئيس المصري على «تعزيز العلاقات الثنائية»، وبشكل خاص، «تفعيل اللجان الثنائية المشتركة»، ركزت رسالة الرئيس الجزائري التي حملها وزير خارجية بلده إلى السيسي «زيادة تعزيز التنسيق والتشاور مع مصر لمواجهة التحديات المختلفة التي تواجه المنطقة والأمة العربية وتعزيز العمل العربي المشترك». ويؤشر هذا الاختلاف في الصياغة الرسمية على أن أجندتي الجزائر ومصر مختلفتان، فعين الجزائر على التنسيق في القضايا العربية والإقليمية والعمل العربي، بينما مصر عينها على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وجلب الأموال الجزائرية للاستثمار في مصر. كما أن استقراء مواقف الدبلوماسيتين المصرية والجزائرية بإزاء قضايا عربية وإقليمية، يبين أن المواقف المتقاربة جد محدودة، فباستثناء قبول القاهرة والجزائر لعودة سوريا للجامعة العربية من غير شروط، تبقى الملفات الأخرى، نماذج لتباعد المواقف وتناقضها وأحيانا توترها وصراعها. فمن جهة، مصر كانت حاسمة في اختيار التقارب مع دول الخليج، ومد القطيعة مع إيران، وعدم الاكتراث لرسائل طهران الغزلية للقاهرة، في حين، اختارت الجزائر في سياق صراعها الإقليمي مع المغرب، أن تعزز علاقاتها مع طهران، تقديرا منها أن ذلك يشكل الجواب عن تحدي تطبيع المغرب مع إسرائيل واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء. ومن جهة ثانية، ترتبط مصر بعلاقة استراتيجية مع دول الخليج، إذ ينظر مجلس التعاون الخليجي إليها على أنها صمام أمان لاستقرار المنطقة، بينما تعتبر مصر أمن الخليج من أمنها، في حين تثير علاقة الجزائر مع إيران، وكذا قطع الجزائر العلاقة مع المغرب ورفضها أي وساطة خليجية لتسوية الخلافات بين البلدين قلقا خليجيا، تم التعبير عنه أكثر من مرة، في صورة دعم غير مشروط للمغرب، كان آخر مثال له دعم دول الخليج للقرار الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء، والذي انتقدته الجزائر بشدة معتبرة إياه متحيزا للمغرب. ما يثير العلاقات الخليجية الجزائرية أكثر هو الخلاف مع الإمارات في الملف الليبي، وصدور اتهامات جزائرية لها بالتآمر ضد أمنها القومي من خلال دعم الجنرال حفتر، وأيضا من خلال تعزيز التقارب الجزائري التركي في هذا الملف. كما أن مفردات بيان الخارجية الجزائرية يظهر هو الآخر مدى الخلاف بين الجزائر والقاهرة في النظر إلى موضوع اليمن، والهجوم الحوثي على الإمارات، فالجزائر، وهي تعرب عن تضامنها وتعاطفها مع دولة الإمارات، تأخذ مسارا مختلفا عن مصر، وهي ترفض الأعمال (من الطرفين) التي من شأنها تقويض الأمن والاستقرار في الإمارات وفي المنطقة، وتدعو إلى تبني الحوار بين الطرفين وتجنب التصعيد، في حين تعتبر مصر استمرار هجمات “ميليشيا” الحوثي ضد السعودية والإمارات تهديدًا صريحًا لأمنهما واستقرارهما، وتدعم كل ما تقوم بهما الرياض وأبو ظبي من إجراءات للتصدي لتلك الهجمات. الجزائر، وفي سياق تدبير صراعها الإقليمي مع المغرب، قفزت على القاهرة، وحاولت الاستثمار في ملف الوحدة بين الفصائل الفلسطينية، من خلال الدعوة إلى اجتماعها في الجزائر، والإشراف على حوار لتقريب الشقة بين الفصائل، والخروج بخارطة طريق للمصالحة، والاتفاق على برنامج نضالي مشترك. بدون شك، مصر نظرة بعين الشك والريبة لهذه الخطوة الجزائرية، فملف العلاقة بين الفصائل كان دائما بين يدي المخابرات المصرية، وما زاد حالة الشك المصرى فى تلك الخطوة الجزائرية، أنها تأتي مع تعثر جهود القاهرة لإقناع الفصائل الفلسطينية بالانخراط في برنامج لإعادة إعمار غزة، وترسيخ الهدنة. ويتضح من هذه المقارنة، أن ما يجمع الجزائر بمصر هو أقل بكثير مما يفرقهما، وأن نقطة واحدة ربما هي التي تجمعهما…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022