قرار محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة ضد إسرائيل: الإيجابيات والسلبيات

تقدمت حكومة جمهورية جنوب أفريقيا، في 29 ديسمبر 2023، بدعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، تتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب أحكام “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” على أساس المادتين 36/1 و41 من النظام الأساسي للمحكمة، التي تأسست عام 1945، وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وتضمنت مذكرة الدعوى طلبًا للبت في التدابير المؤقتة (كإجراء فرعي مستعجل)، عملًا بأحكام المادة 41 من ذلك النظام. وبناءً على ذلك، أعلنت المحكمة في 3 يناير 2024 أنها ستعقد جلستين لسماع المحاجة الشفهية لفريقي الادعاء والدفاع يومي 11 و12 يناير 2024. وفي 12 يناير 2024، أعلنت اختتام جلسات الاستماع لطرفي الدعوى، وأشارت إلى أن قرارها بشأن ما قدم إليها من طلبات مستعجلة سيصدر في وقت تعلن عنه لاحقًا[1]. ثم أصدرت المحكمة، في 26 يناير 2024، قرارها بفرض التدابير المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي تلزمها بوقف جميع الأعمال والأنشطة والتصريحات التحريضية التي تؤدي إلى ارتكاب صور جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وبالأخص قتل المواطنين وإصابتهم بأضرار جسدية ونفسية وفرض ظروف معيشية صعبة بقصد تدمير شعب غزة كليًا أو جزئيًا وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات، مع ضمان عدم ارتكاب الجيش الإسرائيلي جميع الأعمال السابقة، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وضرورة اتخاذ تدابير فورية وفعالة لتوفير الخدمات الأساسية ودخول المساعدات الإنسانية[2]. وقد تباينت ردود الفعل بشأن القرار بين محتفل يرى فيه انتصارًا رمزيًا للعدالة الدولية وإرغامًا لأنف إسرائيل في المحافل الدولية، ومن أصيب بخيبة أمل بشأن قرار لم يشر إلي وقف العدوان الإسرائيلي المستمر علي قطاع غزة، ولم يضمن للناجين عودة آمنة لديارهم التي نزحوا عنها قصرًا[3]. أولًا: ماهية محكمة العدل الدولية وجريمة الإبادة الجماعية: 1- محكمة العدل الدولية: هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة. يقع مقرها في “قصر السلام” في مدينة لاهاي في هولندا، وهي الجهاز الوحيد من بين الأجهزة الستة التابعة للأمم المتحدة ( الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، محكمة العدل الدولية، الأمانة العامة، مجلس الوصاية) الذي لا يقع مقره في مدينة نيويورك. تم تأُسيسها في العام 1945 وبدأت أعمالها في العام التالي فحلت، بذلك، محل “المحكمة الدائمة للعدالة الدولية” (التي تأسست في العام 1920). وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين “محكمة العدل الدولية” و”المحكمة الجنائية الدولية”، فهما هيئتان مختلفتان لكلًا منهما اختصاصات مختلفة؛ حيث تحاكم الأولى (العدل) الحكومات/ الدول بينما تحاكم الثانية (الجنائية – في لاهاي، أيضًا) الأفراد. يتمثل الاختصاصان المركزيان لمحكمة العدل الدولية في: الأول؛ الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول (وهذه مشروطة بموافقة الدولة المدعى عليها)، ويمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتلك التي قبلت اختصاص محكمة العدل الدولية تقديم القضايا. والثاني؛ إصدار فتاوى قضائية، بصفة استشارية، حسب طلب الهيئة العامة للأمم المتحدة أو منظمات مختلفة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة. وهي توفر وسائل سلمية لحل النزاعات القانونية الدولية. وتعالج فقط القضايا التي تتقدم بها الدول وتستند قراراتها على مبادئ القانون الدولي ولا تقبل الاستئناف. تتألف المحكمة من 15 قاضيًا يخدم كل منهم مدة 9 سنوات، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مع مراعاة التنوع الجغرافي. يُنتخب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات. ويجب أن يمثل القضاة كل الحضارات والأنظمة القانونية الرئيسة في العالم. ولا يسمح بوجود قاضيين يحملان الجنسية نفسها. وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يُعاد انتخاب قاض بديل يحمل جنسية المتوفي فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته. يمكن عزل القاضي عن كرسيه فقط بموجب تصويت سري يجريه أعضاء المحكمة. يجوز للقضاة أن يقدموا حكمًا مشتركاً أو أحكامًا مستقلة حسب آراء كل منهم. وتؤخذ القرارات وتقدم الاستشارات وفق نظام الأغلبية. وفي حال تساوي الأصوات، يعتبر صوت رئيس المحكمة مرجحًا. تتكون هيئة المحكمة حاليًا من 15 قاضيًا من الدول التالية: الولايات المتحدة (رئيسة المحكمة)، فرنسا، اليابان، ألمانيا، أستراليا، سلوفاكيا، البرازيل، جمايكا، الهند، أوغندا، الصين، الصومال، روسيا، لبنان والمغرب. يمكن تعيين قاض خاص من قبل كل طرف في القضايا الخلافية (بين دولتين) وبذلك يصل عدد القضاة في هذه القضية إلى 17. في الدعوى الحالية، عينت جنوب أفريقيا ديكجانج موسينيكي النائب السابق لرئيس المحكمة العليا في البلاد قاضيًا عنها، وعينت إسرائيل أهارون باراك الرئيس السابق للمحكمة الإسرائيلية العليا قاضيًا عنها[4]. 2- جريمة الإبادة الجماعية: “الإبادة الجماعية” مصطلح صاغه، في أربعينيات القرن العشرين، المحامي اليهودي رفائيل ليمكين، الذي هرب من بولندا (مولده الأصلي) إلى الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك في إثر الفظائع التي ارتكبت خلال المحاولات التي جرت لإبادة طوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي. وقد صنفت هذه كجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع في 8 ديسمبر 1948 ووضعت موضع التنفيذ العام 1951 وأُطلق عليها اسم “اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية” أو “اتفاقية الإبادة الجماعية – منع ومعاقبة جميع أشكال جرائم الإبادة الجماعية، في أوقات الحرب والسلم على حد سواء”. تتكون الاتفاقية من 19 مادة. وبموجب المادة الثانية من هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة؛ )ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة؛ )ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي، كليًا أو جزئيًا؛ )د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛ )هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى. ووفقًا للمادة الثالثة من الاتفاقية، يعاقب على الأفعال التالية: )أ) الإبادة الجماعية؛ )ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية؛ )ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية؛ )د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية؛ )هـ) المشاركة في الإبادة الجماعية. ووفقًا للمادة الرابعة، يُعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية، أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكامًا دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادًا. ووفقًا للمادة الخامسة، يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا، كل طبقًا لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة لإنزالها بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة. ووفقًا للمادة السادسة، تتم محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية، أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها. وحول دور “محكمة العدل الدولية”، تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على أنه “تعرض على محكمة العدل الدولية، بناءًا على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير…

تابع القراءة

الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال: قراءة في الأبعاد والتداعيات

أبرمت إثيوبيا في الأول من يناير 2024 اتفاقًا مبدئيًّا مع إقليم أرض الصومال، يمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر الأحمر تمهيدًا لإقامة قاعدة بحرية تجارية إثيوبية بالقرب من ميناء بربرة على مساحة 20 كيلومتر مربع لمدة 50 عام، مُقابل اعتراف الحكومة الإثيوبية بأرض الصومال كدولة مستقلة، ومنحها حصة قدرها 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية التي بلغت إيراداتها نحو 6.9 مليار دولار وفقًا لإحصاءات عام 2022. فما هي أرض الصومال؟ وما هي أهمية الاتفاق بالنسبة لكلٍّ من إثيوبيا وأرض الصومال؟ ولماذا تتحفَّظ عليه الصومال؟ وما هي التداعيات المُحتملة للاتفاق على الدول المعنية؟ وكيف يُمكن توقُّع مستقبل الاتفاق؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. أولًا: أرض الصومال والحلم الإثيوبي للولوج للبحر.. قبل التعرُّض للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال؛ لابد من التعرُّض أولًا لخلفيات نشأة أرض الصومال، ودوافع إثيوبيا لمثل هذه الاتفاقات.. 1. كيف نشأت أرض الصومال؟ كانت أرض الصومال، وهي منطقة شبه صحراوية تقع على ساحل خليج عدن، محمية بريطانية ثم حصلت على استقلالها عام 1960 واندمجت مع الصومال، التي كانت تحتلها إيطاليا لتُكوِّنا معًا جمهورية الصومال. ثم انفصلت أرض الصومال وأعلنت استقلالها عن جمهورية الصومال في عام 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق سياد بري. العاصمة: هرجيسا، المساحة: 177,000 كيلومتر مربع، عدد السكان: 5.7 مليون نسمة، اللغات: الصومالية، العربية، الإنجليزية.[1] ورغم أن الإقليم ينتخب حكومته، ويملك عملته الخاصة، ويصدر جوازات سفر، فقد ظل غير معترف به كدولة مستقلة. وترتبط حكومة الإقليم بعلاقات مع عدد من الدول، ولديها مكاتب تمثيلية في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والإمارات، وتايوان، وتستضيف بعثات قنصلية من المملكة المتحدة، وتركيا وتايوان، وإثيوبيا، وجيبوتي، والإمارات التي وقَّعت اتفاقًا مع أرض الصومال عام 2016 بقيمة 442 مليون دولار، لتشغيل مركز تجاري ولوجيستي إقليمي في ميناء بربرة. كما وقَّعت الإمارات في 2018 مع حكومة الإقليم اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء بربرة، وتحتفظ شركة موانئ دبي العالمية بحصة تبلغ 51% من المشروع، الذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2021، بجانب 30% حصة أرض الصومال، و19% حصة إثيوبيا.[2] 2. الحلم الإثيوبي للولوج للبحر: لطالما احتل الوصول إلى البحر مكانة مركزية في الوجدان الإثيوبي، ولاسيما بعد استقلال إريتريا عام 1993 الذي حوّل المستعمر السابق إلى أكبر الدول الحبيسة في إفريقيا. هذا الطموح الإثيوبي المُتجدِّد كانت آخر تجلياته الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء آبي أحمد أمام برلمان بلاده في 14 أكتوبر الماضي. وفي إطار إثبات أحقية بلاده في الحصول على منفذ بحري؛ ساق أحمد العديد من المبررات التاريخية والاقتصادية والديمغرافية والجيوسياسية. وأكد أن أبناء وطنه الذين سيبلغ عددهم 150 مليونا خلال أقل من عقد “لا يستطيعون العيش في سجن جغرافي”، وأن “النيل والبحر الأحمر هما الأساس لتطوير إثيوبيا أو فنائها”. واعتماد إثيوبيا على ميناء جيبوتي المجاورة في الاستيراد والتصدير عبر البحر الأحمر، مثّل قلقا دائمًا لأديس أبابا مما دفعها إلى العمل على إستراتيجية لتنويع الموانئ، بعقد اتفاقيات مع جيرانها كالصومال وكينيا وغيرهما، لكن التطور الأخير كان في الرغبة في الحصول على منفذ بحري سيادي خاص بها.[3] ثانيًا: تفاصيل الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال.. تُعد مذكرة التفاهم بيان نوايا، وليست اتفاقًا مُلزمًا قانونيًا، لكن ما يبدو واضحًا من المذكرة هو أن أرض الصومال مستعدة لمنح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر من أجل حركة مرور سفنها التجارية عبر أحد الموانئ في البلاد. حيث سيوفر الميناء مجالًا لإثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر وقناة السويس، مما يُتيح لها الوصول إلى أوروبا. وأفادت تقارير بوجود جانب عسكري في الاتفاق؛ إذ قالت أرض الصومال إنها قد تؤجِّر جزءًا من الساحل للبحرية الإثيوبية، وأكَّدت هذا أديس أبابا. ويمنح الاتفاق، الذي وُقِّع في أديس أبابا، إثيوبيا عقد إيجار لمدة 50 عام لقاعدة بحرية مع إمكانية الوصول إلى ميناء بربرة في أرض الصومال للعمليات البحرية التجارية. ووعدت إثيوبيا في المقابل ببحث عميق لسعي أرض الصومال إلى الحصول على الاعتراف الرسمي بوصفها دولة مستقلة، كما ستحصل أرض الصومال على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، وهي خطوط جوية ناجحة في البلاد.[4] 1. ملاحظات أولية حول الاتفاق: جاء الإعلان عن الاتفاق بعد فترة زمنية قصيرة من تصريحات آبي أحمد في أكتوبر 2023 حول ضرورة إيجاد موطئ قدم لبلاده في البحر الأحمر، والتي انطوت على تحذيرات بإمكانية استخدام القوة في حالة فشل التفاوض مع دول المنطقة. مما يوحي بأن الاتفاق قد يتجاوز طرفيه ليضم أطرافًا إقليمية وربما دولية أخرى تختفي عن المشهد، لكنها تديره برمته لتحقيق أهداف استراتيجية خاصة بها. ولا يُمكن إغفال أيضًا الأطراف التي ستتأثر بتداعيات هذا الاتفاق مثل الصومال ودول القرن الإفريقي التي تنظر إلى الاعتراف الإثيوبي بـأرض الصومال كسابقة قد تُعزِّز عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة خلال السنوات المقبلة. كذلك، يُمثِّل الاتفاق تحديًّا دبلوماسيًّا للقرن الإفريقي، في ضوء التنافس الإقليمي والدولي على المنطقة من أجل حماية مصالحها الاستراتيجية هناك، فهناك تنافس تاريخي بين إثيوبيا وبعض القوى الإقليمية الأخرى، مثل مصر، إلى جانب وجود العديد من القوى الفاعلة التي تمتلك استثمارات ضخمة في المنطقة مثل الصين وتركيا كمستثمرين رئيسيين في مجال الموانئ البحرية والبنى التحتية، الأمر الذي يُسهم في تعقيد المشهد الإقليمي خلال الفترة المقبلة في ضوء تضارب المصالح الإقليمية والدولية إزاء توقيع الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال. وقد يعكس توقيت إبرام هذا الاتفاق مناورة من جانب كلٍّ من آبي أحمد وموسى عبدي لاستغلال فرصة انشغال المجتمع الدولي إثر اندلاع معركة طوفان الأقصى، وما تبعها من تداعيات في المحيطين الإقليمي والدولي.[5] 2. أبعاد ودلالات الاتفاق: مذكرة التفاهم الإثيوبية مع حكومة أرض الصومال الانفصالية، كشفت عن العديد من الأبعاد والدلالات، التي من المهم الوقوف عليها، وما يمكن أن يترتّب عليها من مآلات. أولها؛ الدور الإثيوبي الممتد في تفكيك الصومال، سواء من خلال دعم احتلال إقليم الأوجادين الصومالي منذ عام 1954، أو في دعم انفصال أرض الصومال منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين، وصولًا إلى هذا الاتفاق الذي يُرسِّخ من الانفصال، ويُعزِّز من الهيمنة الإثيوبية على الأراضي الصومالية. وثانيها؛ الحضور الإماراتي المهم والمؤثر في الاتفاق، والذي كانت بدايته عام 2016، ثم تعزَّز في 2018، وكانت إثيوبيا حاضرة بنسبة 19% من اتفاق ثلاثي ضمَّ إلى جانبها الإمارات وحكومة الإقليم. وثالثها؛ الحضور الأميركي المؤثر في الخلفية، فالولايات المتحدة ترى في إثيوبيا إحدى الأوراق الرئيسية التي تعتمد عليها في تعزيز الدور الأميركي في القرن الإفريقي، وفي عام 2016 دعمت الولايات المتحدة الاتفاق الإماراتي مع حكومة الإقليم، وفي عام 2020، دعمت اتفاق الإقليم مع تايوان التي تدعمها في مواجهة التمدد الصيني في الصومال، وخاصةً بعد رفض الصين الاعتراف بالاتفاق التايواني مع أرض الصومال. ورابعها؛ بُعد يرتبط بالتداخل الكبير بين الإقليمي والدولي في القرن الإفريقي، مع حضور الدور التركي…

تابع القراءة

التصعيد العسكري بين ايران وباكستان …الدوافع والتداعيات الاقليمية

فجأة، وبلا مقدمات، تصاعدت  التوترات بين الجارتَين: باكستان وإيران، حين أطلقت الأخيرة صواريخ بالستيّة ومسيّرات على ما قيل إنه معاقل لمنظمة “جيش العدل” السُنية التي تتخذ من باكستان مقرًا لها، والتي تتهمها إيران بتنفيذ عمليات داخل أراضيها، وذلك يوم الثلاثاء 16 يناير الجاري… فيما ردّت باكستان،  فجر الخميس 18 يناير، بقصف جويّ وصاروخي على ما وصفته بمقرات لجماعات انفصالية بلوشية، ممثلة بـ”جيش تحرير بلوشستان” وجبهة “تحرير بلوشستان” اللذين يتخذان من إقليم سيستان البلوشي الإيراني منطلقًا لنشاطاتهما ضد باكستان. كما استدعت باكستان سفيرها إلى إيران، وطلبت من سفير إيران لديها، الذي يزور طهران، عدم العودة بعد الضربة الإيرانية.. وكان  التصعيد الإيراني العنيف بهذا الشكل غير المسبوق في علاقات البلدين، مثيرة للدهشة لدى المراقبين، لا سيما أن اتصالات عالية المستوى كانت تجري بين مسؤولي البلدين، ولعل آخر مظاهر التنسيق والتقارب ؛ اجتماع وزراء البلدين في دافوس الأسبوع الجاري وإجراء قواتهما البحرية مناورات مشتركة في مضيق هرمز والخليج. بالإضافة إلى أن عمليات العنف الأخيرة التي ضربت الداخل الايراني من تفجيرات وأحداث عنف، لم يتبنَّها “جيشُ العدل”، وإنما تبنّاها “تنظيم الدولة”، وردّت إيران بقصف ما قالت إنه معاقل لـ”تنظيم الدولة” في محافظة “إدلب” السورية، والتي كانت قد تطّهرت من التنظيم قبل سنوات، في حين الكل يعلم أن الأخير ينشط في مناطق شرق سوريا، حيث تتقاسم جغرافيّة المنطقة المليشيات الموالية لإيران، وروسيا، مع القوات الأميركيّة وقوات “قسد الكردية” الحليفة لها. أولا: ملابسات التصعيد: وباستقراء  مسار العلاقات بين الجانبين، يتضح أن علاقة إيران وباكستان قوية جدا منذ تأسيس الأخيرة سنة 1948، إذ أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما، لكن المشكل الأكبر تاريخيا، هو العرقية البلوشية المنتشرة بين البلدين، إذ يسعى بلوش باكستان، وعلى رأسهم “جيش العدل” لتحرير إقليم سيستان بلوشستان الإيراني، وهو ما يفسر هجماتهم المنتظمة منذ نحو 30 سنة، من خلال الإغارة على قوى الأمن المتمركزة على الحدود. في المقابل، يشن البلوش المتمركزون في إيران هجمات أيضا على الإقليم الباكستاني قصد تحريره. وبدأت شرارة الخلاف، حينما شن إيران ضربات على مقاطعة بلوشستان الباكستانية، مما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة عدة آخرين، وفقا للسلطات الباكستانية. وقالت طهران إنها “استهدفت الإرهابيين الإيرانيين فقط على الأراضي الباكستانية” ولم يتم استهداف أي مواطن باكستاني. وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: “استهدفنا مجموعة تسمى جيش العدل… والتي لجأت إلى أجزاء من باكستان“. وخلف الهجوم غضبا عارما في باكستان التي وصفت الهجوم بأنه “انتهاك فاضح للقانون الدولي وروح العلاقات الثنائية بين باكستان وإيران“. من جهتها، نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء التابعة للدولة أن الجيش الإيراني استهدف معاقل جماعة “جيش العدل” السنية المتشددة. وعقب ذلك، ردت باكستان بعد يومين بما وصفته “سلسلة من الضربات العسكرية الدقيقة والمنسقة للغاية” على عدة مخابئ للانفصاليين المزعومين في سيستان وبلوشستان. وقالت وزارة الخارجية الباكستانية، لدى إعلانها عن الضربات ، إن عددا من المسلحين قتلوا. -صراع الدولتين مع البلوش: والاشتباكات المميتة التي تخوضها باكستان وإيران ضد الانفصاليين الذين ينشطون على جانبي حدود كل منهما ليست وليدة اليوم، ولكنها تعود لسنوات طوال.. وقبل أسابيع، وفي شهر ديسمبر 2023، اتهمت إيران مسلحي “جيش العدل” باقتحام مركز للشرطة في سيستان وبلوشستان، مما أدى إلى مقتل 11 ضابط شرطة إيراني، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية تسنيم. -تصعيد غير متوقع: يشار إلى أنه في يوم الثلاثاء،16 يناير الجاري، وقبل ساعات من الضربة الايرانية، أجرى رئيس الوزراء الباكستاني محادثات مباشرة مع كبار الدبلوماسيين الإيرانيين في دافوس، وسط تفهمات مشتركة حول الحرب في غزة. ولكن بعد ساعات، نفذت إيران ما أسمته “هجمات بصواريخ دقيقة وطائرات بدون طيار” على من زعمت أنهم إرهابيون إيرانيون في منطقة بلوشستان الباكستانية. أدانت باكستان ما وصفته بانتهاك سيادتها، والذي أدى إلى مقتل طفلين على الأقل. وأدت غارات باكستان لقتل  10 أشخاص على الأقل.. وفي الواقع، نفذت إيران هذا الأسبوع ضربات صاروخية أيضًا ضد شمال العراق وسوريا. وجاء التصعيد الإيراني، بعد إعلان داعش مسؤوليته عن انفجارين مزدوجين في مدينة كرمان الإيرانية في الثالث من يناير، والذي أودى بحياة العشرات من المدنيين. وبحسب علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، فقد “كان هذا في المقام الأول استعراضًا للقوة في مكان اعتقدت إيران أنه سيكون له تداعيات محدودة من حيث خطر التصعيد. فقد قللت الحسابات الايرانية من شأن الكيفية التي قد يضع بها هذا الأمر الحكومة الباكستانية في موقف صعب… ثانيا: دوافع  التصعيد : -خلافات  ممتدة بين الطرفين: ووفق تقديرات استراتيجية، فهناك بعض الخلافات الإيرانية الباكستانية القديمة ، ووتأزمت مؤخرا، لأن باكستان تعتقد أن إيران تتعاون مع الاستخبارات الهندية في دعم معارضي بلوش لإسلام آباد.. بينما تعتقد إيران أن باكستان تؤوي جماعات من البلوش المعارضين لطهران داخل أراضيها. -حسابات خاصة للحرس الثوري الايراني: وتكشف الأحداث الأخيرة أن للحرس الثوري الإيراني حسابات خاطئة، تتعلق برغبته في نقل المشاكل الداخلية إلى خارج الحدود، عبر إظهار قدرته العسكرية وقوة إيران على الردع. كذلك  أرادت طهران أن توجه لإسرائيل رسالة بأن صواريخها التي وصلت إلى باكستان قادرة على الوصول إلى تل أبيب حال استهدفت إيران، وكذلك رسالة بالقدرة على الردع موجهة لواشنطن والغرب بشأن خلافاتهما معها حول الملف النووي الإيراني. -رغبة ايران في الهروب من الضغوط المفروضة عليها: كما إن  السلطات الإيرانية تتعرض حالياً لضغط شديد داخلياً، ومن حلفائها سواءً حماس أو حزب الله أو الحوثيين، للاستمرار بتنفيذ مزيد من العمليات. فالهجمات الإيرانية في العراق وسوريا وباكستان تسعى لتشتيت الانتباه بعيداً عن القضايا الداخلية، والوضع في الشرق الأوسط.  بجانب العمليات الاامريكية والبريطانية، في خواصر ايران المتعددة باليمن وسوريا والعراق.. ويقول الدكتور كامران بخاري من معهد نيو لاينز للاستراتيجيات في واشنطن، إن “باكستان قد تكون قررت الانتقام، لأنها لا تريد السماح لإيران بالتصرف داخل أراضيها كما تفعل في العراق“. -رخاوة مناطق الحدود وضعف الانتشار الأمني: يشار إلى أنه لم يتم نشر أي جنود على طول الحدود التي يبلغ طولها 1000 كيلومتر بين إيران وباكستان حتى عام 2013، على الرغم من وجود المسلحين ونشاط الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات في المنطقة. على صعيد آخر، لدى البلدين مخاوف مماثلة بشأن المنطقة الحدودية التي ينعدم فيها القانون، وحيث ينشط مهربو المخدرات والجماعات البلوشية المسلحة بشكل كبير. بعد الضربات المتبادلة، بدا كل جانب حريصا على التأكيد على أن ما حدث لا يمثل هجمات على جار شقيق. وصورت كل من إيران وباكستان لسنوات التمرد في المنطقة الحدودية على أنه مدعوم من الخارج، جزئيا على الأقل. فبينما اتهمت إسلام أباد طهران بغض النظر عن المسلحين الذين ينشطون من إيران، قال مسؤولون إيرانيون في الماضي إن جيش العدل يختبئ في باكستان ويتلقى دعما إسرائيليا. وبعيدا عن تقاذف التهم بين البلدين، لم يسبق الضربات الإيرانية الأخير ، أي سبب واضح…

تابع القراءة

أبعاد الموقف الإيراني من عملية طوفان الأقصي والعدوان الإسرائيلي علي غزة

وضعت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس منذ 7 أكتوبر الماضي، إيران والمليشيات الموالية لها أمام معضلة حقيقية، فعلى خلاف الجولات السابقة من التصعيد، بدا لأول مرة أن إيران حريصة على تأكيد أنها ليست معنية بالانخراط في النزاع، أو بمعنى أدق ليست معنية بدفع جزء من كلفة العملية التي نفذتها حماس داخل غلاف غزة وكانت السبب المباشر في اندلاع المواجهات. في الغالب يعود هذا الموقف إلى أن الحرب الحالية مختلفة إلى حد كبير عن سابقاتها، فالمدى الذي وصلت إليه عملية حماس التي قتل فيها نحو 1200 شخص لم يكن مسبوقًا، وبالمثل فإن المدى الذي وصلت إليه العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة لم يكن مسبوقًا أيضًا، كما أن الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل على المستويات المختلفة لمساعدتها في إنجاز أهدافها من الحرب وفي الوقت نفسه منع خصومها من توسيع نطاق انخراطهم فيها هو دعم استثنائي. في هذا السياق يمكن القول أن إيران بقدر ما فوجئت بالمستوى الذي وصلت إليه عملية حماس فوجئت أيضًا بالرد الإسرائيلي، وربما يفسر ذلك التناقض في التصريحات الإيرانية حول الحرب؛ ففي حين تؤكد التصريحات الإيرانية علي أنها ستتدخل إذا استمرت العملية العسكرية، ولكنها سرعان ما تؤكد على أن القوات المسلحة الإيرانية لن تدخل في اشتباك مع إسرائيل ما لم تقم الأخيرة بالهجوم على أراضي إيران أو مصالحها أو مواطنيها[1]. وعليه تسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي أبعاد الموقف الإيراني من عملية طوفان الأقصي وما تبعها من عدوان إسرائيلي علي غزة، وتوضيح أهم المحددات المؤثرة في هذا الموقف الإيراني. أولًا: موقف إيران من القضية الفلسطينية وحركات المقاومة قبل طوفان الأقصي: تعود جذور العلاقات الفلسطينية الإيرانية إلي نهاية القرن التاسع عشر؛ حينما فتحت إيران ممثلية لها في فلسطين لرعاية شؤون تجارها هناك، حيث استمر حضورها إلى حين قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، حيث نشأت علاقة مميزة بين الطرفين، استنادًا إلى الاستراتيجية الإسرائيلية المعروفة باسم “شد الأطراف”، التي تقضي بالتحالف مع الدول المحيطة بالعالم العربي، مثل إيران وتركيا وإثيوبيا، بهدف محاصرته من أطرافه. وبالفعل، ترسخ تحالف ناشئ بين إسرائيل وشاه إيران “محمد رضا بهلوي”؛ الذي زودها بالنفط واستورد منها العديد من البضائع، ورعى تعاونًا أمنيًا بين جهاز أمن الدولة الإيراني “السافاك” وبين الموساد الإسرائيلي بهدف ملاحقة المعارضة الإيرانية، كما دعم مسار التسوية المصرية – الإسرائيلية، ووصف الكفاح الفلسطيني المسلح بأنه عمل “إرهابي”، وحارب جميع مظاهر التعاطف مع فلسطين، بالتوازي مع محاربته لمعارضيه الإيرانيين. ولكن بمجرد انهيار نظام الشاه، وقيام نظام الثورة الإسلامية عام 1979، تبنى “آية الله الخميني” موقفًا معاكسًا من إسرائيل، يرى أن الصهيونية عدو لإيران والإسلام، وغدة سرطانية ينبغي استئصالها. وبالفعل بمجرد إسقاط الشاه سحبت إيران اعترافها بإسرائيل وطردت بعثتها الدبلوماسية، واستبدلت بمكاتب التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي مكاتب لسفارة فلسطين، وقدمت الدعم السياسي والمالي للثورة الفلسطينية وممثلتها منظمة التحرير. لكن العلاقة بين طهران ومنظمة التحرير سرعان ما تراجعت لأسباب على رأسها الخلاف الأيديولوجي، إذ برزت علمانية المنظمة عائقًا أمام مساعي إيران لأسلمة الثورة الفلسطينية، حيث كانت العوامل الأيديولوجية شديدة الأهمية في تحديد سياسات الثورة الإيرانية في سنواتها الأولى، إضافة إلى اتضاح ميل المنظمة إلى العراق إبان حرب الخليج الأولى بفعل الضغط الذي مارسته القوى القومية داخل المنظمة. وعلى الرغم من ذلك صمدت العلاقة بين الطرفين إلى حين توقيع اتفاقية السلام الفلسطينية الإسرائيلية عام 1993، المعروفة باسم اتفاقية أوسلو، التي أطلقت رصاصة الرحمة على التحالف الهش، إثر اتهام طهران للمنظمة بالتخلي عن المقاومة والتفريط في حقوق الفلسطينيين. وبالتوازي وجدت إيران حليفًا جديدًا أقرب لها أيديولوجيًا على الساحة الفلسطينية، وهو حركة الجهاد الإسلامي، التي انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1980، ورأت في الثورة الإيرانية نموذجًا ملهمًا، لكن حجمها ونشاطها لم يسمحا لها بلعب دور الحليف القوي الذي تطمح له طهران. ظهر هذا البديل المحتمل إلى السطح بعدما أعلن الإخوان المسلمون في فلسطين عن إنشاء حركة المقاومة الإسلامية، حماس، عام 1987، التي سرعان ما سطع نجمها بفعل ريادتها للانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في نهاية ذلك العام نفسه. وبعد ثلاثة أعوام من تأسيسها، بدأت العلاقة بين حماس وإيران في التشكل عام 1990، حيث زارت وفود من الحركة إيران، وفُتح مكتب تمثيل دبلوماسي للحركة هناك عام 1992، بما مثل اعترافًا إيرانيًا بالدور المركزي الذي تلعبه حماس في فلسطين. كان إبعاد إسرائيل المئات من قيادات حماس إلى جنوب لبنان عام 1992 محطة مهمة في العلاقات بين الحركة الفلسطينية وحزب الله اللبناني حليف طهران في لبنان والحرس الثوري الإيراني. وحينما أُفرج عن قائد حماس ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين عام 1998 فإنه زار طهران والتقى كلًا من المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، والرئيس الإيراني في حينها محمد خاتمي. وبعد توثق العلاقة، قدمت طهران الدعم السياسي والمالي وتكنولوجيا التصنيع العسكري، إضافة إلى التدريب العسكري لمقاتلي الحركة. ازدادت أهمية حماس ومركزيتها في نظر إيران عقب فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، إذ انتقلت من كونها حركة مقاومة وفصيلًا سياسيًا معارضًا إلى حكومة الفلسطينيين، ما دعا طهران إلى مضاعفة دعمها لها، فتعهدت بتقديم 50 مليون دولار شهريًا لهذه الحكومة، وفي المقابل كان للمقاطعة الدولية والإقليمية لحكومة حماس دور أساسي في دفع الحركة باتجاه توثيق علاقتها مع إيران. واستمر ربيع العلاقة بين الطرفين حتى جاء الربيع العربي ووصلت رياحه إلى سوريا، مقر إقامة قيادة حماس، وعاصمة الحليف الإقليمي الأهم للقيادة الإيرانية، فمع تقدم مسار الثورة السورية، وشروع نظام الأسد في قصف معارضيه بالبراميل المتفجرة بدعم من طهران، وجدت حماس نفسها أمام الاختبار الأخلاقي الأهم في تاريخها، اختبار وضع علاقتها الاستراتيجية مع طهران أمام تحد غير مسبوق. ففي حين اعتبرت طهران الثورة السورية “مؤامرة دولية على المقاومة”، لكن حركة حماس أظهرت انحيازها إلى الشعب السوري، إذ أفصح رئيس الحركة في قطاع غزة آنذاك “إسماعيل هنية” عن دعمه للثورة السورية في خطاب من منبر الأزهر، كما قاتل بعض أبناء الحركة ضمن فصائل الثورة السورية، في الشمال السوري وفي مخيم اليرموك الذي شكلوا فيه فصيل “أكناف بيت المقدس”. مثل خروج حماس من سوريا ومواقفها المؤيدة للثورة لاحقًا صدمة لإيران، التي خفضت دعمها للحركة، وشن إعلامها وإعلام حلفائها هجومًا على حماس وصل إلى اتهامها بالخيانة، وبدا أن العلاقة بين الطرفين ذاهبة باتجاه القطيعة، لكن صمود الحركة في وجه العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2012 دفع إيران إلى استئناف الدعم العسكري للحركة، مع محاولة التمييز في التعامل بين الجناح العسكري في قطاع غزة وبين قيادة الحركة السياسية، وبالفعل فقد ظهر بعض التباين في الخطاب والمواقف بين الطرفين، إذ كان تقدير العسكريين لأهمية الدعم العسكري الإيراني يدفعهم إلى التعبير عن التقارب مع إيران، في حين كانت حساسية القيادة السياسية المقيمة في الخارج أكبر تجاه أي تعبيرات من هذا النوع؛ بفعل كثرة اختلاطها…

تابع القراءة

تحليل اقتصادي لتوجهات الاقتصاد المصري 2024-2030

مع ما أثير من انتقادات وجهتها الكثير من المصريين للسيسي، واتهامها بعدم وجود برنامج له يكشف رؤيته لحكم البلاد للسنوات الست القادمة، أصدر مجلس الوزراء، وثيقة بعنوان “أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري الفترة الرئاسية الجديدة 2024-2030”. أولا: معالم التوجهات الاستراتيجية: الوثيقة، كشفت عن خطط الحكومة المصرية وتوجهاتها نحو مضاعفة مواردها من العملات الأجنبية ثلاث مرات خلال ست سنوات لتصل إلى 300 مليار دولار أمريكي. وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية في البنوك المصرية 35.173 مليار دولار فى نهاية نوفمبر 2023، مقارنة بنحو 35.102 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2023، بحسب بيانات البنك المركزي المصري. الوثيقة حددت بموجبها أولويات التحرك على صعيد السياسات من خلال تعديل خطط الأداء الاقتصادي والمشروعات المستقبلية المقترحة. وتشتمل الوثيقة على توجهات استراتيجية مقترحة للاقتصاد المصري (2024 – 2030) ضمن مشروع بحثي رسمت من خلاله أولويات التحرك على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة المصرية. وأثار نشر الوثيقة من قبل الحكومة، بناء على «توجيهات رئاسية» وفق بيان رسمي، جدلاً  كبيرا، على الصعيد المصري… وتضمنت الوثيقة الجديدة، التي أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، 8 استراتيجيات مقترحة، تتضمن تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام ومتوازن، يتراوح ما بين 6 و8 %، مع العمل على توفير ما بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل، وتحقيق مستهدفات للنقد الأجنبي بقيمة 300 مليار دولار بنهاية 2030. وكشفت وثيقة الاتجاهات الاقتصادية أن الحكومة تعتزم إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 و30 سنة، لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين، الحالي والمقبل، مقابل التوسع في إصدارات الدين المحلي قصير الأجل، والتوسع في بيع العقارات بالدولار.. وتعتزم مصر، بحسب الوثيقة، تأسيس شركة متخصصة بإدارة أنشطة تصدير وتأجير العقار في مصر بالنقد الأجنبي، بعائدات متوقعة ما بين 2 و3 مليارات دولار، وتصدير العقار بالعملة الصعبة مقابل الحصول على الإقامة لمدة 5 سنوات، وأيضاً طرح صندوق استثماري برأس مال مليار دولار، بوحدات قابلة للاكتتاب من قبل المصريين بالخارج، للاستثمار في محفظة من الأصول المملوكة للدولة عالية الجاذبية والعائد، وأيضاً الأوراق المالية المتنوعة. وذكرت الوثيقة أن الحكومة تتبنى سياسة مرنة لسعر الصرف لتعزيز مرونة الاقتصاد في مواجهة الصدمات، بالتوازي مع التحسن في الحصيلة من النقد الأجنبي، بحيث تُغطى الفجوة بين سعري الصرف الرسمي وغير الرسمي خلال فترة زمنية محددة. وتعاني مصر من شح شديد في السيولة الدولارية منذ الربع الأول من عام 2022، الذي شهد تخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفعها إلى إطلاق العديد من المبادرات بهدف جمع العملة الأجنبية، علماً بأن سعر صرف الدولار في البنوك الرسمية يبلغ 30.95 جنيهاً، مقابل نحو 53 جنيهاً للدولار في السوق السوداء (الموازية). ثانيا: مرتكزات  الاستراتيجية: -التوسع في الديون طويلة الأجل: وتعتزم مصر إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 إلى 30 سنة لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين، الحالي والمقبل، مقابل التوسع في إصدارات الدين المحلي قصير الأجل، والتوسع في بيع العقارات بالدولار. ووفقاً لـ”وثيقة الاتجاهات الاقتصادية للدولة خلال الفترة الرئاسية الجديدة لعبد الفتاح السيسي”، التي تنتهي في 2030، فإن إصدار السندات طويلة الأجل خارجياً سيسمح بمبادلة إصدارات الدين قصيرة الأجل الحالية بإصدارات طويلة الأجل، وبما يمدد فترات السداد. وقالت وزارة المالية في وقت سابق من شهر يناير الجاري، إنها تعتزم إصدار أدوات دين محلية بقيمة 1.647 تريليون جنيه (53.3 مليار دولار) خلال الربع الحالي الممتد من يناير حتى مارس 2024 مقارنة بـ1.055 تريليون جنيه في الربع ذاته من عام 2023، وذلك في صورة أذون وسندات خزانة لا تزيد آجالها على عام في معظم الإصدارات. فضلا عن نية الحكومة المصرية إصدار سندات بآجال استحقاق تتراوح بين 20 و30 عاما لخدمة الدين الخارجي المستحق في العام المالي الحالي والمقبل، من أجل تمديد نطاق ديون البلاد إلى ما هو أبعد من المدى القصير. ووفقاً للوزارة، فإنها تعتمد حالياً على أدوات الدين قصيرة الأجل بشكل أكبر من الأدوات طويلة الأجل من السوق المحلي لتفادي تحمّل أسعار الفائدة العالية لفترات طويلة. وتبلغ أسعار الفائدة حالياً بمصر 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض. وبحسب بيان موازنة العام المالي 2023 / 2024، فإن الفجوة التمويلية تقدَّر بنحو 2.140 تريليون جنيه، بارتفاع يصل إلى 26.8% مقارنة بالعام المالي 2022 / 2023 والمقدَّر بنحو 1.688 تريليون جنيه. وفي 14 يناير الجاري، كشف محمد معيط، وزير المالية ومحافظ مصر لدى “بنك التنمية” الجديد، أن حكومته تنوي إصدار سندات بالعملات المحلية في أسواق الدول أعضاء بنك التنمية الجديد من أعضاء تحالف “بريكس”. وقال معيط: “نستهدف إصدار سندات خضراء وزرقاء واجتماعية ومستدامة.. تلبى طموحات “رؤية مصر 2030″، من أجل إضافة فئات جديدة من المشروعات ذات البعد الاجتماعي إلى محفظة مصر المستدامة”، وفقاً لبيان مجلس الوزراء… وأكد معيط، فى لقائه مع فلاديمير كازبيكوف، نائب رئيس البنك، والوفد المرافق له، تدرس مصر إصدار سندات مقومة بالروبية الهندية بقيمة 500 مليون دولار خلال عام 2024، وتتطلع البلاد إلى إصدار سندات بالعملات المحلية في الأسواق الخارجية، في ظل التضخم العالمي الذي يؤثر على السندات المقومة بالدولار، وفقاً لما ذكرته نشرة “انتربرايز” المعلوماتية اليومية. وأنهت مصر إصدارا بقيمة 3.5 مليارات يوان صيني، وآخر بقيمة مليار ين ياباني في الخريف الماضي. وتوسع البنك التنموي متعدد الأطراف الذي أسسته دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ليشمل مصر اعتبارا من إبريل الماضي، إلى جانب الإمارات وبنغلاديش. وتعاني مصر من شحّ شديد في السيولة الدولارية منذ الربع الأول من عام 2022، الذي شهد تخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفعها إلى إطلاق العديد من المبادرات بهدف جمع العملة الأجنبية، ومنها التوسع في الاقتراض من الخارج، وبيع بعض الأصول المملوكة للدولة، ضمن إجراءات أخرى. ووفقاً للوثيقة ، فإن إصدار السندات طويلة الأجل خارجياً سيسمح بمبادلة إصدارات الدين قصيرة الأجل الحالية بإصدارات طويلة الأجل، وبما يمدد فترات السداد. وقالت وزارة المالية في وقت سابق من شهر يناير الجاري، إنها تعتزم إصدار أدوات دين محلية بقيمة 1.647 تريليون جنيه (53.3 مليار دولار) خلال الربع الحالي الممتد من يناير حتى مارس/آذار 2024 مقارنة بـ1.055 تريليون جنيه في الربع ذاته من عام 2023، وذلك في صورة أذون وسندات خزانة لا تزيد آجالها على عام في معظم الإصدارات. ووفقاً للوزارة، فإنها تعتمد حالياً على أدوات الدين قصيرة الأجل بشكل أكبر من الأدوات طويلة الأجل من السوق المحلي لتفادي تحمّل أسعار الفائدة العالية لفترات طويلة. وتبلغ أسعار الفائدة حالياً بمصر 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض. ووفقاً لبيان موازنة العام المالي 2023 / 2024، فإن الفجوة التمويلية تقدَّر بنحو 2.140 تريليون جنيه، بارتفاع يصل إلى 26.8% مقارنة بالعام المالي 2022 / 2023 والمقدَّر بنحو 1.688 تريليون جنيه. – استبدال الديون بأصول اقتصادية: وكشفت الوثيقة عن استراتيجية…

تابع القراءة

انسحاب الجيش السوداني من ود مدني

مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي تتميز بموقعها الإستراتيجي، وهي تُعد أكبر مصدر غذائي واقتصادي في البلاد، وتتميز بتوسطها للعديد من الولايات، وتبعد عن العاصمة السودانية الخرطوم حوالي 200 كيلومتر. ومنذ يوم السبت 16 ديسمبر بدأت قوات الدعم السريع بمهاجمة مدينة ود مدني، التي توجد فيها الفرقة الأولى مشاة في الجيش السوداني والتي كانت بقيادة اللواء أحمد الطيب، وبعد يومين تقريبًا من المعارك تفاجأ أهالي المدينة بانسحاب الفرقة الأولى مشاة من مقرها، ودخول قوات الدعم السريع إلى المدينة. وأعلنت قوات حميدتي سيطرتها على الفرقة، ونشرت مقاطع فيديو لتجول مقاتليها داخلها. فماذا حدث؟ ولماذا انسحبت قوات الجيش؟ وماذا كانت ردود الفعل المختلفة حول هذا الانسحاب؟ ماذا حدث؟ دخلت قوات الدعم السريع مدينة ود مدني يوم الاثنين 18 ديسمبر بعد انسحاب الجيش بشكل مفاجئ من المدينة، مما أثار موجة غضب وانتقادات لقيادة المؤسسة العسكرية للتفريط في مدينة إستراتيجية تربط وسط البلاد مع شرقها وغربها وجنوبها الشرقي وتستضيف نحو نصف مليون نازح من الخرطوم وصارت مركزًا اقتصاديًا بعد اندلاع الحرب في العاصمة. وبعد سيطرتها على ود مدني قامت قوات الدعم السريع بعمليات نهب واسعة لممتلكات المواطنين من سيارات ودراجات بخارية، وكانت تبحث في المنازل عن الأموال والذهب والمقتنيات، وتهدد كل من يعترض قواتها بالقتل. وكانت هناك مقاومة في بعض أجزاء ود مدني من قوات صغيرة من المخابرات والمتطوعين استطاعت تأمين بعض المواقع المهمة، لكن أغلبية أحياء المدينة شهدت حالة نزوح نحو مدينتي سنار والقضارف المجاورتين لولاية الجزيرة، كما شهدت مدن الكاملين والحصاحيصا ورفاعة والحوش والحاج عبد الله وود الحداد -التي انتشرت فيها قوات الدعم السريع- أحداثًا مماثلة. وهو ما اعتبره محللون عسكريون “نكسة عسكرية” للجيش أدت إلى صدمة وطنية، ودافعًا لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” للتمدد في وسط السودان وشرقه، وتصاعُد الضغوط الغربية لحمل طرفي الحرب على التفاوض لوقفها لتجنب انهيار البلاد. وقد تواصلت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدة مناطق في البلاد، بعد أيام من سيطرة قوات الدعم السريع على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. واشتباكات وُصفت بالعنيفة وقعت عند مداخل مدينة سنار، إحدى أكبر المدن في ولاية سنار التي تقع جنوب ولاية الجزيرة.[1] تطورات الوضع الميداني: قصفت طائرات حربية تجمعات لقوات الدعم السريع شمال سنار ما أثار الرعب بين السكان، والجيش هو الوحيد بين طرفي الصراع المزود بقوات جوية. في المقابل، تفضّل قوات الدعم السريع العمل من خلال وحدات خفيفة ومتحركة تتنقل باستخدام شاحنات صغيرة مزودة رشاشات ثقيلة. كما أفاد شهود عيان وسكان أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تبادلا القصف المدفعي العنيف في عدد من المناطق في الخرطوم. وأوضح الشهود أن قوات الدعم السريع شنَّت هجومًا بالمدفعية هو الأعنف من نوعه على مقر سلاح المهندسين جنوب مدينة أم درمان، وسلاح الإشارة في بحري ووادي سيدنا شمال أم درمان، فيما رد الجيش بضربات مدفعية على مواقع للدعم السريع شرق وجنوب الخرطوم. وتُشكِّل منطقة سلاح المهندسين إلى جانب السلاح الطبي وأكاديمية نميري المجاورة موقع تمركز لقوات الجيش السوداني، لم تتمكن قوات الدعم السريع من اختراقه منذ بدء القتال في أبريل الماضي، وكان يتحصن بداخلها مساعد قائد الجيش الفريق أول ياسر العطا، المسؤول عن العمليات العسكرية في مدينة أم درمان، قبل أن ينتقل إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال المدينة. وقال الشهود إن قصفًا مدفعيًا مُكثفًا من عدة محاور يستهدف سلاح مقر المهندسين منذ فجر الاثنين. كانت قوات سلاح المهندسين أعلنت، في الأسبوع السابق للمواجهات، تمشيط أحياء الفتيحاب والمربعات والراشدين وحمد النيل والدوحة المحيطة بالسلاح. كما قصفت قوات الدعم السريع من منطقة شرق النيل بمدينة بحري القيادة العامة للجيش شرق الخرطوم، وسلاح الإشارة في مدينة بحري، ووادي سيدنا شمال أم درمان. وذكر الشهود أن الجيش قصف كذلك مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في أحياء بري والمنشية شرق الخرطوم، ومحيط أرض المعسكرات والمدينة الرياضية جنوب العاصمة، مع سماع أصوات انفجارات عنيفة وتصاعد كثيف لأعمدة الدخان. وأفاد سكان بأن المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تجدَّدت في منطقة سكر سنار المجاورة لولاية الجزيرة غرب مدينة سنار. وأشار السكان إلى أن اشتباكات عنيفة على الأرض دارت بين الطرفين في أحياء ود الحداد ومنطقة سكر سنار وود المكي غرب مدينة سنار.[2] تفسير ما حدث: من ناحية الدعم السريع؛ يقول محمد الباشا طبيق مستشار قائد الدعم السريع إنهم قرروا السيطرة على ود مدني بعد زيارة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى المدينة مؤخرا وإعلانه تدريب 40 ألف متطوع لقتال قواتهم، إلى جانب موقعها الإستراتيجي الذي يربط ولايات شرق البلاد مع ولايات النيل الأزرق والنيل الأبيض وسنار وكردفان، كما أنها خط إمداد رئيس للجيش. وكان حميدتي، في بيانه، قد عدَّ السيطرة على ود مدني عملًا استباقيًا مشروعًا بعد حصولهم على معلومات استخباراتية دقيقة عن حشد قيادة الجيش -بالتنسيق مع قادة النظام السابق- عشرات الآلاف من المقاتلين لمهاجمة قواته في الخرطوم. أما من ناحية الجيش؛ فيرى البعض أن هناك فرضيات عدة قد تكون وراء الانسحاب، وهي التواطؤ أو نقص في الأسلحة والذخائر والمقاتلين أو تقديرات غير مرئية للآخرين من قائد الفرقة. ويرى هؤلاء بأن تكليف قيادة جديدة للفرقة الأولى خلفًا للقائد المنسحب من ود مدني هو أمر طبيعي، لأن أي ضابط يُحال إلى التحقيق يتم وضعه في الإيقاف إلى حين ظهور نتائج التحقيق. كما يُبرر هؤلاء سبب الهزة العنيفة التي رافقت أحداث ود مدني بعنصر المفاجأة، حيث لا أحد كان يتوقع انسحاب الجيش بلا قتال من المدينة بعد 4 أيام من المواجهات العسكرية في الجانب الشرقي من النيل الأزرق الذي يفصلها عنه جسر حنتوب، وتكبيد متمردي الدعم السريع خسائر فادحة وإبعاد الخطر من المدينة. ويرى البعض الآخر أن ما جرى في مدينة ود مدني يكتنفه غموض لن يفك طلاسمه إلا التحقيق، لأن قوات الجيش في المدينة لم تحاصَر، والطرق إليها سالكة لمدها بالسلاح والرجال، والطبيعي أن تصمد في القتال، ولكنها انسحبت منها بعد 4 أيام. ويقارن هؤلاء بين ما جرى في ود مدني وما حدث في قيادات الفرق العسكرية في نيالا وزالنجي والجنينة في دارفور التي استمرت في القتال 7 أشهر حتى استنفذت ما لديها من الذخائر وحوصرت من الدعم السريع، ولم تجد أي إمداد لوجستي حتى اضطرت إلى الانسحاب. ويركزون على كون الفرقة العسكرية لا تنسحب بقرار من قائدها، وإنما بموافقة القيادة العسكرية العليا للجيش، وفي أوقات الحروب تكون غرفة العمليات (مجلس الحرب) -التي تضم القيادات العسكرية- مسؤولة عن التقديرات ويُصنع فيها القرار العسكري، ويبدون تخوف من تقديم قائد فرقة ود مدني “كبش فداء” لامتصاص الغضب الشعبي.[3] ردود الأفعال: تعهَّد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أمام ضباط منطقة البحر الأحمر العسكرية في بورتسودان يوم الخميس 21 ديسمبر بـ”محاسبة كل متخاذل ومتهاون…

تابع القراءة

تطورات الملف الأمني الصومالي وتأثيرها على المنطقة

بعد مرور نحو 31 سنة، جاء قرار مجلس الأمن الدولي برفع حظر التسلح عن الصومال ليعيد للبلد القابع في القرن الإفريقي حريته في تعزيز قدرات جيشه، والذي سعى شيخ محمود فورًا بتوظيفه لصالح دعم الملف الأمني للصومال من قِبل القوى المختلفة. ولكنه ما لبث إلا أن تفاجأ بتحرك إثيوبي من شأنه أن يُعرِّض مساعي شيخ محمود للخطر. فماذا كانت دلالات وسياقات قرار مجلس الأمن؟ وماذا كانت تحركات شيخ محمود؟ وكيف أعاق آبي أحمد تلك التحركات؟ وكيف كان رد فعل شيخ محمود؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا: قرار مجلس الأمن.. القرار الذي أعلنه مجلس الأمن، أول ديسمبر الماضي، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة نصَّ على “رفع حظر الأسلحة المنصوص عليه في القرار 733 الصادر عام 1992، بصيغته المُعدَّلة”. ودعا حكومة الصومال إلى “اتخاذ تدابير عدة؛ بينها: تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإدارة الأسلحة والذخائر، وتعزيز مزيد من التأهيل المهني والتدريب، وبناء القدرات لجميع مؤسسات الأمن والشرطة الصومالية”. كذلك دعا مجلس الأمن الحكومة الصومالية “لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان منع إعادة بيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية المستوردة لتستخدمها قوات معينة، وكذلك شركات الأمن الخاصة المرخصة، أو نقلها أو إتاحتها للاستخدام لأي جهة”. 1. سياقات ودلالات القرار: لا يتعلق الأمر بتنفيذ صفقات أسلحة فقط، ولكن يرجع صدور القرار في هذا التوقيت إلى قرب مغادرة قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي (أتميس) الصومال. إذ من المُقرَّر انسحابها تدريجيًا، ونقل أنشطتها إلى القوات الصومالية بنهاية عام 2024. ما يستدعي تعزيز بنية الجيش الصومالي، ولا سيما أنه سيكون المسؤول عن حفظ الأمن في البلاد. وقد ظل الجيش الصومالي لفترة طويلة محدود القدرات، وقرار التسليح مرتبط بلا شك بقرب مغادرة قوات أتميس (الإفريقية لحفظ السلام). وقد تزامن قرار رفع حظر التسلح عن الصومال مع قرار ثانٍ بـ”فرض حظر على الأسلحة الموجهة لحركة الشباب، يمنع الجماعات المتطرفة التي تستهدف تقويض الأمن والسلم في الصومال من شراء أسلحة ومعدات عسكرية”. فبالرغم من كون القرار يشير إلى الثقة الدولية في الحكومة الصومالية، بينما تواصل ترسيخ وجودها في البلاد، إلا أنه يظل هناك تخوُّف من أن يكون تأثير قرار رفع حظر التسلح رمزيًا أكثر من كونه عمليًا، ولاسيما أن الصومال كان قادرًا على استيراد معظم الأسلحة من قبل من خلال عملية الإخطار[1]، إضافةً إلى كون الصومال لا يزال يفتقر إلى التمويل اللازم لإجراء صفقات شراء كبيرة للأسلحة.[2] 2. ردود الأفعال حول القرار: فور إعلان القرار الأممي الذي سعى الصومال طويلًا لتحقيقه، توالت بيانات الترحيب المحلي والدولي. وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إن “مقديشو أصبحت الآن حرة في شراء أي نوع من الأسلحة”، وأكد أن “الأسلحة الموجودة بحوزة الحكومة لن تُشكِّل تهديدًا لشعبنا وللعالم”. وأشارت وكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية إلى أن القرار “جاء في لحظة حاسمة، خصوصًا مع حرب الحكومة للقضاء على حركة الشباب التي تحاربها منذ 16 سنة”. ووصفت الحكومة الصومالية القرار بأنه “خطوة مهمة إلى الأمام”. أما على الصعيد الدولي فاعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة أن “القرار سيؤثر إيجابيًا على مستقبل البلاد”، كما رحّبت الخارجية التركية بالقرار الذي وصفته بـ “التاريخي”، ورحّب أيضًا البرلمان العربي بالقرار، معربًا عن أمله أن “يساعد في دحر الإرهاب”.[3] ثانيًا: تحركات حسن شيخ محمود التالية للقرار.. كان أهمها تحركان رئيسيان؛ هما: مؤتمر أمني استضافته نيويورك وترأسه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وثانيهما اتفاق دفاعي جديد بين الصومال وإثيوبيا.. 1. مؤتمر أمني حول الصومال بنيويورك وخطة شيخ محمود: بالتزامن مع رفع حظر السلاح عن الصومال؛ شاركت 25 دولة وثلاث منظمات دولية (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية) في مؤتمر استضافته نيويورك لدعم الصومال عسكريًا. وترأَّس المؤتمر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود. وكان هناك تفاهمات بين الدول المشاركة في المؤتمر والصومال لإيجاد آلية جديدة لدعم مقديشو عسكريًا. وطرح الوفد الصومالي، خلال المؤتمر، احتياجاته العسكرية وسُبل توفيرها عبر آلية جديدة من أجل تعزيز القدرات العسكرية للجيش الصومالي.[4] وخلال المؤتمر؛ ناشد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الشركاء الدوليين لمواصلة الدعم لبناء جيش “يتسم بالكفاءة والفعالية” لتعزيز قدرات مواجهة الإرهاب. وأوضح خطة حكومته لبناء قوات أمن صومالية قادرة وخاضعة للمساءلة وبتكلفة معقولة.  وقال إن المرحلة الأولى تبدأ بأولويات فورية تتمثل في تشكيل قوات أمنية كافية ومدربة ومجهزة لتلبية متطلبات العملية الهجومية والحفاظ على الأراضي المحررة. وتركز المرحلة الثانية على بناء القدرات، والحفاظ على المكاسب، والاستجابة للتهديدات الناشئة التي تنقل المسؤوليات من الجيش إلى الشرطة. وتتضمن المرحلة الثالثة من الخطة الاستمرار في بناء وتوسيع قدرة القطاع الأمني ​​ليشمل البحرية والجوية مع التركيز بشكل أكبر على الشرطة والعدالة. وذكر مستشار الأمن القومي الصومالي أن مخرجات المؤتمر تشكل نواة دعم دولي موحد تجاه المجال الأمني والدفاعي. وأشار إلى أن الحكومة ستتعامل مع الدول بشكل ثنائي في خارطة مُتفق عليها دوليًا للحصول على حجم الدعم الذي تستطيع كل واحدة أن تقدمه إلى مقديشو لتنفيذ سياسة الانتقال الأمني.[5] 2. اتفاق دفاعي جديد بين الصومال وإثيوبيا: وقَّعت الصومال وإثيوبيا يوم 8 ديسمبر مذكرة تفاهم جديدة بهدف تعزيز التعاون الدفاعي المشترك بين البلدين استجابةً لمستجدات الوضع الأمني وخاصةً في منطقة القرن الإفريقي. وتُعد بمثابة تجديد لاتفاقية سابقة تم توقيعها في فبراير 2014. ويغطي الاتفاق مجالات مثل التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب والأمن البحري والمساعدة الإنسانية. وتنص مذكرة التفاهم أيضًا على إنشاء لجان دفاع مشتركة، والتي ستقوم بمراقبة وتسهيل تنفيذ الاتفاقية وتنسيق أنشطة قوات الدفاع في البلدين. وأشاد وزيرا دفاع البلدين بتجديد اتفاقية الدفاع المشترك باعتبارها شهادة على الشراكة القوية والاستراتيجية بين الصومال وإثيوبيا، وخطوة حيوية نحو تعزيز استقرار وازدهار المنطقة. وأكد الجانبان من جديد التزامهم بالعمل معًا لمعالجة التحديات والتهديدات المشتركة التي تواجه البلدين، مثل الإرهاب والتطرف والقرصنة وتغير المناخ.[6] والاتفاقية لم تنص مباشرةً على تشكيل قوات مشتركة ولكن مضمون الاتفاقية -الدفاع المشترك- سيؤدي إلى ذلك حيث أن القوات الإثيوبية تتمركز في الصومال لمشاركة مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي- أتميس ولها قواعد عسكرية في وسط وجنوب البلاد.[7] – توقيت وسياقات وتداعيات الاتفاق: يأتي الاتفاق الدفاعي بالتزامن مع أزمة بين إثيوبيا وإريتريا بعد حديث آبي أحمد عن ضرورة إيجاد منفذ بحري لبلاده، مما جعل الشكوك تحوم حول عزم أديس أبابا الحصول على ميناء على سواحل البحر الأحمر. وفي ظل حديث حول أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد تفرَّغ بعد انتهاء حرب تيجراي لدراسة الخيارات الممكنة لإعادة تغيير الخريطة الإثيوبية بما يضمن تمدُّدها على البحر الأحمر. ويرى البعض أن السبب الأول وراء هذه التحركات هو محاولة من آبي أحمد لتخفيف العبء الداخلي الذي نشأ من الصراعات الأهلية من حرب تيجراي والتمرد الأمهري الأخير، والسبب الثاني هو وجود ضغط دولي- غربي يدفع إثيوبيا إلى النزاع الحدودي مع…

تابع القراءة

الموقف الشعبي في الضفة الغربية من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات

تعتبر الضفة الغربية الساحة الثانية التي يفترض أن تشهد حالة استنهاض شعبية شاملة تلتحق بركب “طوفان الأقصى”، لاسيما أن جل أسباب القيام بمعركة “طوفان الأقصى”، يرتبط بالحالة العامة للضفة الغربية، فعلى صعيد الأسرى فمن بين نحو 6000 أسير لدى الاحتلال الإسرائيلي، يوجد مائة وخمسون أسيرًا فقط من قطاع غزة، بينما الباقي هم من أبناء الضفة الغربية. كما يقع المسجد الأقصى ومدينة القدس جغرافيًا في نطاق الضفة الغربية، وهاتان القضيتان هما الدافعان الرئيسيان لمعركة “طوفان الأقصى”[1]. ورغم ذلك، فإن التفاعل الشعبي في الضفة الغربية لم يكن علي مستوي الحدث (طوفان الأقصي)، بل إنه لم يرق إلي المستوي الذي كان عليه في أحداث سابقة أقل من “طوفان الأقصي” (معركة سيف القدس في مايو 2021). ما أثار العديد من التساؤلات من قبيل؛ ما هو موقف الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية من العدوان الإسرائيلي على غزة؟، وهل هذا الموقف كان علي مستوي التفاعل المطلوب مع هذا العدوان؟، وإذا كان هذا الموقف دون المستوي المطلوب، فما السبب وراء ذلك؟. أولًا: أبعاد الموقف الشعبي في الضفة الغربية من العدوان الإسرائيلي علي غزة: تقع الضفة الغربية في قلب عملية “طوفان الأقصى”؛ إذ أوضح محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في بيان انطلاق العملية أنها جاءت ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وعنف المستوطنين والجيش في الضفة الغربية وزيادة قمع الأسرى في السجون الإسرائيلية. وطالب الضيف أهل الضفة (في الضفة الغربية والقدس وفلسطيني الداخل المحتل) بمهاجمة المستوطنات، مطالبًا كل من عنده بندقية أن يخرجها، في إشارة إلى ضرورة توحيد الساحات والاشتباك مع قوات الجيش والمستوطنين[2]. وتشكل هذه الدعوة رسالة للفلسطينيين من أجل الانخراط في هذه المواجهة على غرار ما حصل خلال معركة “سيف القدس” عام 2021، والتي اندلعت فيها “هبة القدس” بالإضافة إلى “هبة الكرامة” في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948[3]. وبالفعل فقد استجاب الفلسطينيون في الضفة الغربية لنداء الضيف، وشاركوا بالفعاليات الشعبية والعمليات العسكرية؛ تضامنًا مع عملية “طوفان الأقصي”، وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي علي غزة والضفة الغربية، وهو ما يمكن توضيحه بشئ من التفصيل كما يلي: 1- الفعاليات الشعبية: منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصي” في السابع من أكتوبر 2023 وما أعقبها من عدوان إسرائيلي علي غزة، لم تتوقف الفعاليات الشعبية والمسيرات والوقفات التضامنية مع غزة في مراكز مدن الضفة الغربية (حيث لا يتواجد الاحتلال داخل مراكز المدن)؛ نابلس، وجنين، ورام الله، والخليل، وبيت لحم، وفي القدس. وتصاعدت ذروة هذه الاحتجاجات بعد قصف “المستشفى الأهلي العربي” (المعمداني) في غزة، في 18 أكتوبر 2023، وهو القصف الذي راح ضحيته حوالي 500 شهيد، حيث حاول المتظاهرون في مختلف المدن الوصول إلى المباني الحكومية التابعة للسلطة الفلسطينية، لكن تم صدهم وتفريقهم في نهاية المطاف من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة[4]. مما دفع المتظاهرين للمطالبة بحل السلطة الفلسطينية ورحيل رئيسها محمود عباس، وطالبوا بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. كما عم الضفة الغربية إضراب عام تنديدًا بمجزرة المستشفى الأهلي المعمداني[5]. ولكن هذه الفعاليات الشعبية لم تكن تتناسب وحجم العدوان الإسرائيلي علي غزة ومخاطره، فبينما كانت تذهب كل التوقعات نحو انتفاضة شاملة تزلزل أرجاء فلسطين وتصعد من وتيرتها بما يعدد جبهات المقاومة ويستنزف الموارد الإسرائيلية إذ بالأمور جاءت مخيبة للآمال. حيث أن عدد التظاهرات التي شهدتها الضفة والقدس كانت محدودة، وكانت أقل مما شهدته في أحداث أقل أهمية من “طوفان الأقصى” مثل “سيف القدس” في مايو 2021، حتى إنها لتبدو في بعض الأحيان كالتي تشهدها مدن أوروبا وبعض المدن العربية، بل ربما أقل منها من حيث السخونة والعدد والأجواء والشعارات المرفوعة[6]. وعلي خلاف السلوك المتبع خلال “هبة الكرامة” في عام 2021، لم يستجب “فلسطيني الداخل” (يطلق عيهم أيضًا عرب/فلسطيني 48، أو العرب الإسرائيليون) لدعوة محمد الضيف ولم يفتحوا جبهة أخرى ضد الاحتلال في عملية “طوفان الأقصي”. بل على العكس من ذلك، شارك بعض العرب الإسرائيليين في القتال ضد حماس، سواء كمجندين في الجيش الإسرائيلي أو من خلال إنقاذ الإسرائيليين في الكيبوتسات[7]. كما طالب منصور عباس (رئيس القائمة العربية الموحدة) من حماس، إطلاق سراح بعض الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم مقاتلو الحركة. وقال عباس في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “قيم الإسلام تأمرنا بعدم أخذ النساء والأطفال وكبار السن أسرى”، مضيفًا أن إطلاق سراحهم “إجراء إنساني مطلوب على الفور”[8]. ولم يشر ببنت شفة إلى آلاف الشهداء من النساء والأطفال والعجائز الذين قصفتهم إسرائيل بآلاف الأطنان من القذائف والمتفجرات. وجاء ذلك بعد إدانته لعملية طوفان الأقصى ودعوته للتهدئة[9]. ويقينًا، أن بعض العرب الإسرائيليين أعربوا عن تضامنهم مع حماس سواء في عملية “طوفان الأقصي” أو عقب العدوان الإسرائيلي علي غزة، حيث اعتقلت الشرطة الإسرائيلية ستين فردًا، وأوقفت الجامعات أربعين آخرين عن الدراسة أو طردتهم. ولكن يبدو أن هذه الآراء تقتصر على أقلية ولكنها صغيرة نسبيًا[10]. 2- العمليات العسكرية: منذ عملية “طوفان الأقصي” في 7 أكتوبر 2023،تحولت نقاط الاحتكاك في أغلب محافظات الضفة الغربية إلى نقاط مواجهات مع الجيش الإسرائيلي[11]، وتضاعفت العمليات العسكرية في الضفة الغربية ضد الجيش الإسرائيلي بحوالي ثلاثة أضعاف منذ “طوفان الأقصي” عما كان عليه قبلها، ويحدث ذلك بعد عامين (منذ عام 2021) من التصعيد المستمر في الضفة الغربية، حيث يتم تنفيذ الهجمات من قبل المجموعات العسكرية التي أصبحت أكثر كفاءة وترسخت بشكل متزايد، خاصة في المناطق التي تبتعد عن قبضة السلطة الفلسطينية، مثل مخيمات اللاجئين، لا سيما في شمال الضفة الغربية؛ في جنين ونابلس وطولكرم، التي تتواجد بها “كتيبة جنين” و”عرين الأسود”[12]. حيث دعت مجموعة “عرين الأسود” والتي تتخذ من البلدة القديمة في مدينة نابلس مقرًا لها إلى استهداف إسرائيل بالعمل المسلح والاستعداد لمواجهة المستوطنين واعتداءاتهم. لم تنتظر المجموعات المسلحة كثيرًا من الوقت، وهاجم مسلحون مداخل مستوطنات في جنين ونابلس وطولكرم ومخيم قلنديا، وأعلنت كتائب القسام بدء طوفان الضفة وتنفيذ سلسلة من العمليات ضد مواقع عسكرية. جدير بالذكر هنا، أن هناك اعتقاد واسع يسود بين الفلسطينيين، وضمن المجموعات المسلحة خاصة، بأن إسرائيل كانت تستعد لعملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية ضد المجموعات المسلحة وخاصة في مدينتي نابلس وجنين والتي تسعى إسرائيل للقضاء عليها. وهو ما ذهب إليه أيضًا صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من أن طوفان الأقصى كانت استباقية لحملة إسرائيلية واسعة كان يعد لها[13]. وعندما نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 19 أكتوبر 2023، عملية عسكرية كبيرة في مخيم نور شمس بمحافظة طولكرم، تشبه إلى حد كبير العملية العسكرية التي نفذت قبل قرابة الشهرين في مخيم جنين للاجئين، في محاولة منها لإنهاء المقاتلين المنخرطين في كتيبة طولكرم، والتي تضم مقاومين من تنظيمات مختلفة في مقدمتهم حركتي حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى، وعلى مدار 48 ساعة من العملية العسكرية، ارتقى 13 شهيدًا، غالبيتهم…

تابع القراءة

موقف السلطة الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات

تفاجأت السلطة الفلسطينية في رام الله بعملية طوفان الأقصى في 7  أكتوبر 2023، التي أعقبها عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة، واقتحامات متواصلة لمختلف مناطق الضفة الغربية. ظهر موقف السلطة مرتبكًا ومترددًا وعاجزًا وضعيفًا في التفاعل مع تطورات المواجهة، وفي القيام بدور عملي للتصدي للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع[1]. حيث لم تتحرك السلطة في الإطار العام العالمي، وخاصة الدبلوماسي، ولم تقدم أي مبادرات وطروحات ورؤى لتحريك الرأي العام تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة، ولم تقم حتي بتحركات فعلية للتخفيف من حجم الكارثة الإنسانية عبر تقديم المساعدات الإنسانية بالشكل المطلوب.وإن كان ذلك لم يمنع من ظهور بعض المواقف الإيجابية من جانب السلطة الفلسطينية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة.ما جعل المواقف الفلسطينية تتباين ما بين المستنكر للموقف الرسمي الفلسطيني، لا سيما على صعيد الشارع والمجتمع، وما بين من رأى فيه موقفًا لا يرقى للمستوى المطلوب من قيادة رسمية، وآخر رأى فيه نوعًا من الواقعية[2]. ما أثار التساؤلات حول أبعاد موقف السلطة الفلسطينية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة، والمحددات المؤثرة في هذا الموقف. أولًا: أبعاد موقف السلطة الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي علي غزة: يمكن القول أن الموقف العام للسلطة الفلسطينية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة واقتحام مناطق الضفة الغربية كان سلبيًا لدرجة بعيدة، ولكن ذلك لم يمنع من وجود بعض المظاهر الإيجابية في هذا الموقف. 1- المواقف الإيجابية للسلطة الفلسطينية: اتسمت بعض المواقف السياسية والدبلوماسية الرسمية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة بالإيجابية، حيث تمثلت في التالي: أ- لم يقم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإدانة عملية “طوفان الأقصى”، رغم الضغوط الكبيرة التي مورست عليه. كما ترأس عباس اجتماعًا للقيادة الفلسطينية في اليوم الأول للعدوان على غزة، في 7 أكتوبر 2023، أكد فيه على حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال، مطالبًا بتوفير ممرات آمنة للمدنيين في قطاع غزة، ولوصول المساعدات الإنسانية، مع التأكيد على رفض تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من غزة والضفة والقدس[3]. كما أجرى الرئيس عباس اتصالات هاتفية منذ بدء الحرب على غزة مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أكد فيها أن الفلسطينيين لا يتحملون مسؤولية ما جرى من أحداث، ورد ذلك إلى ممارسات المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي والاعتداء على المقدسات، مشددًا على ضرورة وقف العدوان على غزة. كما غادر عباس الأردن على خلفية قصف مستشفى المعمداني في السابع عشر من أكتوبر، دون لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة رباعية تجمع الأردن ومصر والسلطة والولايات المتحدة في العاصمة عمان، معتبرًا ما جرى جريمة حرب ضد الشعب الفلسطيني بأكمله. وأشار السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط في ذات السياق إلى أن اللقاء الذي جمع ما بين الرئيس عباس ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في رام الله بتاريخ 5/11/2023 كان متوترًا للغاية، وأن الرئيس طالب بوقف فوري للحرب على غزة، وأن ما يجري ليست حربًا ضد حماس، بل هي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة أيضًا، وأن الحديث عن هدن إنسانية لساعات ومن ثم متابعة قتل الأطفال والنساء أمر ليس إلا جرائم ضد الإنسانية[4]. كذلك فقد رفض الرئيس عباس الشروط الأمريكية والإسرائيلية بوقف صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى في قطاع غزة؛ والتوقف عن المقاومة الشعبية[5]. وفي هذا السياق؛ وخلافًا لطريقة التعامل قبل معركة “طوفان الأقصى”، فقد خففت السلطة الفلسطينية من قبضتها في التعامل مع مظاهرات الضفة الغربية المساندة لقطاع غزة، حيث يتم رفع رايات حماس بحرية منذ “طوفان الأقصي” في المسيرات، علمًا أن ذلك كان ممنوعًا من قبل[6]. ب- شهدت الساحة الفلسطينية تحركات متعددة في إطار التصدي للرواية الأمريكية والصهيونية حول ما جرى من أحداث في السابع من أكتوبر، حيث برزت في هذا الإطار جهود عدد من السفراء الفلسطينيين، كان أبرزها لقاءات السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط، والتي فتحت الباب أمام إحداث اختراق فعلي في الرواية الإسرائيلية التي سادت في الأيام الأولى للعدوان، وكاد العالم أن يقتنع بها، حيث رفضت الدبلوماسية الفلسطينية إدانة حركة حماس أو اتهامها بالإرهاب في كل المحافل الدولية أو اللقاءات الإعلامية، خاصة وأن وسائل الإعلام العالمية كانت معنية بتكرار السؤال ذاته مرات عدة، ولكن كان الرد هو تحميل الاحتلال المسؤولية المباشرة عما جرى من أحداث، دون إدانة حماس[7]. ج- تحاول الولايات المتحدة الأمريكية استدراج السلطة الفلسطينية للمشاركة في تصورات لشكل الحل النهائي في قطاع غزة، بعد انتهاء العملية العسكرية التي تشنها بنفسها وإسرائيل على القطاع، في صورة تبدو وكأنها توزيع للدم الفلسطيني على أطراف عربية وفلسطينية، ولذا جاء في لقاءات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع الرئيس عباس طرحًا لعودة السلطة الفلسطينية للسيطرة على قطاع غزة وإدارة شؤونه، ولكن الأمر قوبل بالرفض، وهذا ما جرى التصريح به على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، الذي قال خلال مقابلة له مع صحيفة “الغارديان”: “هذا أشبه بالعودة لحكم غزة على متن طائرة إف 16 أو دبابة إسرائيلية، ولا يمكن قبول هذا الأمر لأي فلسطيني”، وأوضح أن موافقة الرئيس عباس كانت مرهونة بالتوصل إلى حل سياسي شامل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتشاور مع الكل الفلسطيني بالخصوص[8]. 2- المواقف السلبية للسلطة الفلسطينية: في المقابل، اتسمت الكثير من المواقف السياسية والدبلوماسية الرسمية تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة بالسلبية، حيث تمثلت في التالي: أ- الموقف من هجوم حماس علي المستوطنات الإسرائيلية: رغم أن الرئيس عباس لم يقم بإدانة عملية “طوفان الأقصى”، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك بموقف يبدو أنه تم تحت الضغط الدولي بصيغة توافقية، حيث خرج عباس بتصريح من المملكة الأردنية، في 12 أكتوبر 2023، بعد لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قال فيه إنه يدين “قتل المدنيين من الجانبين”، بل ودعا عباس حماس بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها[9]. كما مررت السلطة قرار اجتماع جامعة الدول العربية الذي عقد في أعقاب السابع من أكتوبر، والذي أدان “استهداف المدنيين من الجانبين”، على الرغم من تحفظ عدد من البلدان العربية (لبنان والجزائر وسوريا) التي رفضت وضع عنف الجلاد والضحية على قدم المساواة[10]. وعندما قام عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في مقابلة على قناة “الميادين”، بتقديم التحايا لحركة حماس، وقال إنه يدعم المقاومة وما قامت به في طوفان الأقصى، صدر قرار من جهات عليا نُشر في وكالة “وفا” الرسمية جاء فيه أن ما جاء على لسان زكي لا يعكس الموقف الرسمي، وأن هذه التصريحات لا تمثل إلا صاحبها، ولا تعبر عن موقف حركة فتح أو سياسة منظمة التحرير الفلسطينية[11]. واستجابة بشكل جزئي للضغوط الأميركية والإسرائيلية والأوروبية التي طالبت بإدانة “طوفان الأقصى” الذي شنته حركة حماس، قال عباس، في اتصال هاتفي مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في 15 أكتوبر 2023،  بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني[12]. وقد أثار هذا التصريح عاصفة انتقادات شعبية، باعتباره جاء في…

تابع القراءة

تداعيات التصعيد العسكري للحوثيين بالبحر الأحمر

على إثر العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، وحصار القطاع ومنع المساعدات عنه من مياة ودوواء وغذاء، أطلقت جماعة أنصار الله الحوثي، اليمنية، عملياتهم العسكرية  في البحر الأحمر، وذلك منذ 31 أكتوبر الماضي، منخركين في الحرب ضد إسرائيل انتصارا للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني، حسب تصريح المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع… وهو ما وسع من نطاق الحرب الاسرائيلية إلى آفاق أبعد، حيث المناطق الاستراتيجية التي يسيطر عليها الحوثيون بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب… ورغم محاولات الحشد الدولي المناوئ للحوثيين، استمرت الهجمات وتنوعت بين الاستهداف الصاروخي، والهجوم بطائرات مسيرة،  ضد السفن التي لها ارتباطات بالكيان الصهيوني في البحر الأحمر،  محذرين في بيانات لهم كل السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من أي جنسية كانت من الملاحة في البحرين العربي والأحمر، حتى إدخال ما يحتاجه الفلسطينيون في قطاع غزة من ماء وغذاء ودواء… وكان الحوثيون قد هددوا سابقا باستهداف جميع أنواع السفن التي تشغّلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها إلى شركات إسرائيلية، أو تلك التي تحمل العلم الإسرائيلي.. تلك الهجمات وارتداداتها الاستراتتيجية، قد تعزز الصدام العسكري بين القوات الأميركية والحوثيين، على إثر مخاوف سفن الشحن من العبور في البحر الأحمر وقناة السويس، مع تعديل الشركات مسار رحلاتها، بما يحمله ذلك من ارتفاع في تكاليف النقل والتأمين، وزيادة زمن الرحلة ما بين 10 إلى 15 يوما، وخسارة مصر المورد الثالث لدخلها من العملات الصعبة من خلال إيرادات قناة السويس. وتزداد صعوبة حركة التجارة الدولية مع تهديدات أميركية بشن حملة عسكرية في اليمن، فيما يطالب الحوثيون بإدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الجوع المفروض عليهم منذ 3 أشهر. فيما يدعو خبراء دول العالم إلى سرعة التصدي للعدوان الإسرائيلي باعتباره مفتاح الحل لأزمة النقل البحري، بدلا من زيادة أعمال العنف في منطقة تصعب السيطرة على مخاطر الحرب فيها. وقبل الولوج في تحليل المخاطر والتأثيرات المرتبطة بالتصعيد العسكري الحوثي ضد اسرائيل بالبحر الأحمر، نستعرض الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، كممر للتجارة الدولية… أولا:الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للبحر الأحمر: يستمد البحر الأحمر أهميته الإستراتيجية والجيوسياسية من موقعه الجغرافي الفريد، ويصفه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو بريجنسكي بكونه يقع في قلب قوس الأزمات أو عدم الاستقرار، الذي يضم الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ومنطقة المحيط الهندي، كما أنه يتاخم منابع النفط الرئيسة في العالم. ويعدّ البحر الأحمر واحدا من أهم طرق الملاحة الرئيسة في العالم، فهو يربط بين 3 قارات؛ وهي: أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتمثل قناة السويس في شماله شريانا ملاحيا له أهمية إستراتيجية دولية مهمة ونقطة اختناق أولى. وتسلك نحو21 ألف سفينة سنويا القناة في طريقها بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، ويمرّ بها يوميا نحو 30% من حاويات الشحن في العالم، ونحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال، ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع. وبرزت أهمية قناة السويس شريانا حيويا عالميا خلال العدوان الثلاثي على مصر في 1956 والحروب العربية الإسرائيلية، وكذلك في حوادث عرضية، كما حصل حين عطّل جنوح السفينة “إيفر غرين” الملاحة في القناة في 2021 لمدة 6 أيام. ويعدّ البحر الأحمر الطريق الرئيس الذى يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا، إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها من الطاقة عبره، بينما تنقل من خلاله نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأميركية. ينفتح البحر الأحمر غربا وشرقا وشمالا على 9 دول؛ وهي: مصر والسعودية والأردن والسودان واليمن وجيبوتي والصومال وإسرائيل وإريتريا، ويبلغ طوله 1900 كيلومتر، ويترواح عرضه بين 204 كيلومترات ونحو 20 كيلومترا (عند مضيق باب المندب جنوبا)، بينما يبلغ متوسط عمقه 419 مترا. أما امتداد طول الساحل على شاطئيه فيصل إلى 4910 كيلومترات، ويضم عددا كبيرا من الجزر والمضائق المهمة والخلجان. وتطل 7 دول عربية على البحر الأحمر، وهو ما  يشكّل أهمية إستراتيجية قصوى للأمن القومى العربى، وكانت مضائقه وخلجانه وجزره جزءا من الصراع مع إسرائيل، خاصة أثناء الحروب العربية الإسرائيلية سنوات 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) وحربي 1967 و1973، حينما أغلقت مصر واليمن مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية. -محورية الموقع العالمي  للبحر الأحمر: كما اهتمت القوى الكبرى -مثل: الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا والاتحاد السوفياتي السابق وروسيا حاليا والصين (وكذلك إسرائيل وتركيا)- بالنطاق “الجيوبوليتيكي” للبحر الأحمرعسكريا وأمنيا واقتصاديا، وحرصت على أن يكون لها وجود دائم (قواعد)، أو نقاط ارتكاز فيه كونه ممرا أساسيا لأساطيلها البحرية ونفطها وتجارتها. كما يقع مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمرفي اتجاه المحيط الهندي وبحر العرب، على حدود 3 دول؛ وهي: اليمن وجيبوتي وإريتريا، ويفصل عمليا بين قارتي آسيا وأفريقيا، وهو يستمد أهميته الإستراتيجية كونه المنفذ الوحيد الذي يتحكم تماما في البحر الأحمر من الناحيتين العسكرية والتجارية. ويصل عرض المضيق إلى نحو 30 كيلومترا وفي شرقه توجد جزيرة “بريم،” بمساحة كيلومترين مربعين، وتقسمه إلى قناتين: القناة الشرقية المعروفة باسم “باب إسكندر” بعرض 3 كيلومترات وعمق 30 مترا، و”القناة الغربية” المعروفة باسم “دقة المايون” بعرض نحو 25 كيلومترا وعمق 310 أمتار. ويسمح عرض المضيق وعمقه بمرور ناقلات النفط الضخمة وسفن الشحن الكبيرة في الاتجاهين، وهو ما سهل انسيابية الحركة التجارية. وحسب موقع “vessel tracking” تمر عبره 22 ألف قطعة بحرية سنويا بمعدل 60 سفينة يوميا، سواء في اتجاه شمال البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا -خاصة بعد افتتاح قناة السويس في 1869- وجنوبا وشرقا إلى خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي وآسيا. ويتمتع المضيق بأهمية عسكرية وأمنية كبيرة، ويسمح عرضه ومساحته بإمكانية التحكم فيه عسكريا بالغوصات أو المدمرات أو الأسلحة الأخرى؛ كالصواريخ والمسيرات أو تفخيخه بالألغام البحرية، ومن ثم قطع الملاحة فيه وإرباكها. -الاستراتيجية الاسرائيلية بالبحر الاحمر: وتركز إسرائيل ضمن نظرية أمنها القومي على البحر الأحمر رغم قصر ساحلها عليه (11.6 كيلومترا)، وهو يعدّ المنفذ البحري الجنوبي لإسرائيل إلى مينائها الرئيس في إيلات (أم الرشراش)، كما أنه المنفذ الوحيد لها نحو أفريقيا وآسيا. وخلال حرب 1967 كان إغلاق السلطات المصرية لمضيق تيران في 22 مايو، أمام الملاحة الإسرائيلية ومنع السفن من المرور إلى ميناء إيلات من الأسباب المعلنة للهجوم الإسرائيلي على مصر يوم 5 يونيو. ومع أطماعها ومحاولاتها للسيطرة على البحر الأحمر والمعلومات عن إقامة قاعدة في “دهلك” بإريتريا، تستفيد إسرائيل من علاقتها بالولايات المتحدة وسردية محاربة الإرهاب والقرصنة، وهي تسوّق أهدافها بالدعوة إلى أن يكون البحر الأحمر ممرا مائيا دوليا يجب أن يظل مفتوحا لسفن الدول جميعا بما فيها إسرائيل، ولا حق للدول العربية في السيطرة عليه، أو تقييد حرية الملاحة فيه. ثانيا تطورات عسكرية دراماتيكية بالبحر الأحمر: 1-تصعيد عسكري للحوثيين: ومنذ الخامس عشر من نوفمبر، أعلن زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي، أن “عيون الجماعة مفتوحة لرصد أي سفن تعود…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022