
الموقف الشعبي في الضفة الغربية من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات
تعتبر الضفة الغربية الساحة الثانية التي يفترض أن تشهد حالة استنهاض شعبية شاملة تلتحق بركب “طوفان الأقصى”، لاسيما أن جل أسباب القيام بمعركة “طوفان الأقصى”، يرتبط بالحالة العامة للضفة الغربية، فعلى صعيد الأسرى فمن بين نحو 6000 أسير لدى الاحتلال الإسرائيلي، يوجد مائة وخمسون أسيرًا فقط من قطاع غزة، بينما الباقي هم من أبناء الضفة الغربية. كما يقع المسجد الأقصى ومدينة القدس جغرافيًا في نطاق الضفة الغربية، وهاتان القضيتان هما الدافعان الرئيسيان لمعركة “طوفان الأقصى”[1]. ورغم ذلك، فإن التفاعل الشعبي في الضفة الغربية لم يكن علي مستوي الحدث (طوفان الأقصي)، بل إنه لم يرق إلي المستوي الذي كان عليه في أحداث سابقة أقل من “طوفان الأقصي” (معركة سيف القدس في مايو 2021). ما أثار العديد من التساؤلات من قبيل؛ ما هو موقف الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية من العدوان الإسرائيلي على غزة؟، وهل هذا الموقف كان علي مستوي التفاعل المطلوب مع هذا العدوان؟، وإذا كان هذا الموقف دون المستوي المطلوب، فما السبب وراء ذلك؟. أولًا: أبعاد الموقف الشعبي في الضفة الغربية من العدوان الإسرائيلي علي غزة: تقع الضفة الغربية في قلب عملية “طوفان الأقصى”؛ إذ أوضح محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في بيان انطلاق العملية أنها جاءت ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وعنف المستوطنين والجيش في الضفة الغربية وزيادة قمع الأسرى في السجون الإسرائيلية. وطالب الضيف أهل الضفة (في الضفة الغربية والقدس وفلسطيني الداخل المحتل) بمهاجمة المستوطنات، مطالبًا كل من عنده بندقية أن يخرجها، في إشارة إلى ضرورة توحيد الساحات والاشتباك مع قوات الجيش والمستوطنين[2]. وتشكل هذه الدعوة رسالة للفلسطينيين من أجل الانخراط في هذه المواجهة على غرار ما حصل خلال معركة “سيف القدس” عام 2021، والتي اندلعت فيها “هبة القدس” بالإضافة إلى “هبة الكرامة” في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948[3]. وبالفعل فقد استجاب الفلسطينيون في الضفة الغربية لنداء الضيف، وشاركوا بالفعاليات الشعبية والعمليات العسكرية؛ تضامنًا مع عملية “طوفان الأقصي”، وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي علي غزة والضفة الغربية، وهو ما يمكن توضيحه بشئ من التفصيل كما يلي: 1- الفعاليات الشعبية: منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصي” في السابع من أكتوبر 2023 وما أعقبها من عدوان إسرائيلي علي غزة، لم تتوقف الفعاليات الشعبية والمسيرات والوقفات التضامنية مع غزة في مراكز مدن الضفة الغربية (حيث لا يتواجد الاحتلال داخل مراكز المدن)؛ نابلس، وجنين، ورام الله، والخليل، وبيت لحم، وفي القدس. وتصاعدت ذروة هذه الاحتجاجات بعد قصف “المستشفى الأهلي العربي” (المعمداني) في غزة، في 18 أكتوبر 2023، وهو القصف الذي راح ضحيته حوالي 500 شهيد، حيث حاول المتظاهرون في مختلف المدن الوصول إلى المباني الحكومية التابعة للسلطة الفلسطينية، لكن تم صدهم وتفريقهم في نهاية المطاف من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة[4]. مما دفع المتظاهرين للمطالبة بحل السلطة الفلسطينية ورحيل رئيسها محمود عباس، وطالبوا بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. كما عم الضفة الغربية إضراب عام تنديدًا بمجزرة المستشفى الأهلي المعمداني[5]. ولكن هذه الفعاليات الشعبية لم تكن تتناسب وحجم العدوان الإسرائيلي علي غزة ومخاطره، فبينما كانت تذهب كل التوقعات نحو انتفاضة شاملة تزلزل أرجاء فلسطين وتصعد من وتيرتها بما يعدد جبهات المقاومة ويستنزف الموارد الإسرائيلية إذ بالأمور جاءت مخيبة للآمال. حيث أن عدد التظاهرات التي شهدتها الضفة والقدس كانت محدودة، وكانت أقل مما شهدته في أحداث أقل أهمية من “طوفان الأقصى” مثل “سيف القدس” في مايو 2021، حتى إنها لتبدو في بعض الأحيان كالتي تشهدها مدن أوروبا وبعض المدن العربية، بل ربما أقل منها من حيث السخونة والعدد والأجواء والشعارات المرفوعة[6]. وعلي خلاف السلوك المتبع خلال “هبة الكرامة” في عام 2021، لم يستجب “فلسطيني الداخل” (يطلق عيهم أيضًا عرب/فلسطيني 48، أو العرب الإسرائيليون) لدعوة محمد الضيف ولم يفتحوا جبهة أخرى ضد الاحتلال في عملية “طوفان الأقصي”. بل على العكس من ذلك، شارك بعض العرب الإسرائيليين في القتال ضد حماس، سواء كمجندين في الجيش الإسرائيلي أو من خلال إنقاذ الإسرائيليين في الكيبوتسات[7]. كما طالب منصور عباس (رئيس القائمة العربية الموحدة) من حماس، إطلاق سراح بعض الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم مقاتلو الحركة. وقال عباس في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “قيم الإسلام تأمرنا بعدم أخذ النساء والأطفال وكبار السن أسرى”، مضيفًا أن إطلاق سراحهم “إجراء إنساني مطلوب على الفور”[8]. ولم يشر ببنت شفة إلى آلاف الشهداء من النساء والأطفال والعجائز الذين قصفتهم إسرائيل بآلاف الأطنان من القذائف والمتفجرات. وجاء ذلك بعد إدانته لعملية طوفان الأقصى ودعوته للتهدئة[9]. ويقينًا، أن بعض العرب الإسرائيليين أعربوا عن تضامنهم مع حماس سواء في عملية “طوفان الأقصي” أو عقب العدوان الإسرائيلي علي غزة، حيث اعتقلت الشرطة الإسرائيلية ستين فردًا، وأوقفت الجامعات أربعين آخرين عن الدراسة أو طردتهم. ولكن يبدو أن هذه الآراء تقتصر على أقلية ولكنها صغيرة نسبيًا[10]. 2- العمليات العسكرية: منذ عملية “طوفان الأقصي” في 7 أكتوبر 2023،تحولت نقاط الاحتكاك في أغلب محافظات الضفة الغربية إلى نقاط مواجهات مع الجيش الإسرائيلي[11]، وتضاعفت العمليات العسكرية في الضفة الغربية ضد الجيش الإسرائيلي بحوالي ثلاثة أضعاف منذ “طوفان الأقصي” عما كان عليه قبلها، ويحدث ذلك بعد عامين (منذ عام 2021) من التصعيد المستمر في الضفة الغربية، حيث يتم تنفيذ الهجمات من قبل المجموعات العسكرية التي أصبحت أكثر كفاءة وترسخت بشكل متزايد، خاصة في المناطق التي تبتعد عن قبضة السلطة الفلسطينية، مثل مخيمات اللاجئين، لا سيما في شمال الضفة الغربية؛ في جنين ونابلس وطولكرم، التي تتواجد بها “كتيبة جنين” و”عرين الأسود”[12]. حيث دعت مجموعة “عرين الأسود” والتي تتخذ من البلدة القديمة في مدينة نابلس مقرًا لها إلى استهداف إسرائيل بالعمل المسلح والاستعداد لمواجهة المستوطنين واعتداءاتهم. لم تنتظر المجموعات المسلحة كثيرًا من الوقت، وهاجم مسلحون مداخل مستوطنات في جنين ونابلس وطولكرم ومخيم قلنديا، وأعلنت كتائب القسام بدء طوفان الضفة وتنفيذ سلسلة من العمليات ضد مواقع عسكرية. جدير بالذكر هنا، أن هناك اعتقاد واسع يسود بين الفلسطينيين، وضمن المجموعات المسلحة خاصة، بأن إسرائيل كانت تستعد لعملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية ضد المجموعات المسلحة وخاصة في مدينتي نابلس وجنين والتي تسعى إسرائيل للقضاء عليها. وهو ما ذهب إليه أيضًا صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من أن طوفان الأقصى كانت استباقية لحملة إسرائيلية واسعة كان يعد لها[13]. وعندما نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 19 أكتوبر 2023، عملية عسكرية كبيرة في مخيم نور شمس بمحافظة طولكرم، تشبه إلى حد كبير العملية العسكرية التي نفذت قبل قرابة الشهرين في مخيم جنين للاجئين، في محاولة منها لإنهاء المقاتلين المنخرطين في كتيبة طولكرم، والتي تضم مقاومين من تنظيمات مختلفة في مقدمتهم حركتي حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى، وعلى مدار 48 ساعة من العملية العسكرية، ارتقى 13 شهيدًا، غالبيتهم…