ماذا بعد فوز السيسي بولاية ثالثة لحكم مصر؟ ..التحديات والسيناريوهات المستقبلية
ضمن مسلسل من تجذر القمع والاستبداد في مصر، عبر آليات الاستقواء العسكري والخداع الاعلامي والحشد والتعبئة ، باستخدام لقمة العيش وتحريك المخاوف الشعبية من البديل، جاءت نتائج انتخابات ما يعرف بالرئاسة المصرية، لتزيد من التدحرج السياسي المتسارع، نحو مستقبل مجهول، تحكمه المخاوف وتلونه الأزمات المجتمعية الشاملة، اقتصاديا وأمنيا وسياسيا… وقد أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية فوز عبد الفتاح السيسى بفترة ثالثة في انتخابات، كانت نتائجها محددة سلفا، ولكن أشاد بها أنصاره باعتبارها تفويضا واضحا لست سنوات أخرى من الحكم، بقبضة حديدية، حتى في الوقت الذي تواجه فيه البلاد اقتصادا منهارا، وحربا مستعرة في البلد المجاور، بحسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست“… وقد أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، الاثنين 18 ديسمبر الجاري، فوز عبد الفتاح السيسي بفترة رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات، إثر حصوله على نسبة 89.6% من الأصوات الصحيحة للناخبين، في الانتخابات التي جرت أيام 10 و11 و12 ديسمبر الجاري، ونافسه – بشكل صوري- ثلاثة من رؤساء الأحزاب المؤيدة له. وحصل السيسي على 39 مليوناً و702 ألف و451 صوتاً، من أصل 44 مليوناً و288 ألفاً و361 صوتاً صحيحاً، مقابل مليون و986 ألفاً و352 صوتاً لرئيس حزب “الشعب الجمهوري” حازم عمر، بنسبة 4.5% من الأصوات الصحيحة، ومليون و767 ألفاً و952 صوتاً لرئيس حزب “المصري الديمقراطي” فريد زهران بنسبة 4%، و822 ألفاً و606 أصوات لرئيس حزب “الوفد الجديد” عبد السند يمامة بنسبة 1.9%. وبلغت نسبة المشاركين في الانتخابات في الداخل والخارج 66.8% من قاعدة بيانات المواطنين الذين يحق لهم التصويت، البالغ عددهم 67 مليوناً تقريباً، بنسبة أصوات صحيحة بلغت 98.9%، مقابل 1.1% للأصوات الباطلة، وذلك وفق الأرقام المعلنة من هيئة الانتخابات، التي شكلها السيسي . أولا: دلالات النتائج: -عقدة مرسي: ويأتي اعلان نسبة المشاركة عند نحو 67% ، بشكل متعمد، لتكون أعلى بنحو 20% من الانتخابات الحرة والنزيهة الوحيدة والأخيرة والتي عقدت عام 2012. وقد يبدو هذا الأمر غير متصور، مع أن الحكومة فعلت ما بوسعها لنقل موظفي الخدمة المدنية وتوزيع سلات الأرز والمكرونة والأغذية وغير ذلك من الضروريات عند مراكز الاقتراع. -رغبة من السيسي لتأكيد تفويضا شعبيا لسياسته الكارثية: ومنحت النتائج السيسي فرصة للزعم بأنه حصل على تفويض واسع لمواصلة ما ينظر إليها على أنها سياسات غير شعبية. وهو بحاجة إليها… وفاز السيسي بولايته الأولى بنسبة 96.9% عام 2014، وبنسبة 97% في ولايته الثانية عام 2018، بعد قمع وسجن المرشحين الجادين الذين أعلنوا رغبتهم في الترشح لمنافسته، وهو ما تكرر في الانتخابات المنقضية باستبعاد البرلماني السابق أحمد الطنطاوي من السباق الرئاسي، بعدما مُنع وحملته من استكمال التوكيلات الشعبية اللازمة للترشح. ويسعى السيسي ، الذي لم يقدم برنامجا، أو يتحدث للمصريين أو يتعهد بوعود انتخابية، لفرض الامر الواقع المزري على المصريين، حيث حرص على زيادة اعداد ونسب التصويت والمشاركة، كي يبجو وأن الشعب راض على سياساته، ونهجه، وهو ما سيمكنه ويمنحه أريحية في اتخاذ مزيد من السياسات الضاغطة عل الشعب ، معتمدا على ما يسميه واعلامه، بـ”التفويض”… -هندسة سلطوية للانتخابات: وشهدت الانتخابات انتهاكات واسعة على أبواب اللجان، منها شراء أصوات الناخبين لمصلحة السيسي مقابل 200 جنيه للصوت، من قبل أنصار حزب “مستقبل وطن” الحائز للأغلبية في البرلمان، وحشْد الموظفين في القطاعين العام والخاص، وطلاب الجامعات، في أتوبيسات جماعية للإدلاء بأصواتهم رغماً عن إرادتهم، فضلاً عن إجبار المستفيدين من معاش “تكافل وكرامة” المخصص للفقراء من وزارة التضامن الاجتماعي على التصويت للسيسي، حتى يمكنهم صرف المعاش.. وكانت هيئة الانتخابات، التي عيّن السيسي رئيسها القاضي حازم بدوي في 4 أكتوبر الماضي، قد ادعت عدم تلقيها أية طعون من المرشحين في الانتخابات الرئاسية أو وكلائهم، في القرارات الصادرة عن اللجان العامة بشأن عملية الاقتراع خلال الموعد المحدد لهذا الإجراء، وهو 14 ديسمبر الحالي. وأشارت الهيئة إلى عدم تلقي اللجان العامة في المحافظات أية تظلمات من المرشحين أو وكلائهم، في ما يخص كافة المسائل المتعلقة بعملية التصويت في الانتخابات، منذ بداية أيام الاقتراع وحتى انتهاء أعمال الفرز، وإعلان الحصر العددي للأصوات الصحيحة الحاصل عليها كل مرشح في كل لجنة عامة. -اغراءات مالية كبيرة للمشرفين على الانتخابات: وخصصت هيئة الانتخابات مكافأة مالية قيمتها 45 ألف جنية، لكل قاضٍ مشارك في الإشراف على انتخابات الرئاسة، بواقع 15 ألف جنيه عن كل يوم عمل في الانتخابات، فيما بلغت جملة المكافآت المخصصة للقضاة 680 مليون جنيه، لإجمالي 15 ألف قاضٍ تقريباً. وخصصت وزارة المالية مبلغ 3 مليارات و900 مليون جنيه من أموال الموازنة العامة للدولة لتغطية مصاريف الانتخابات الرئاسية، بما يعادل نحو 1.3 مليار جنيه عن كل يوم من أيامها الثلاثة، لتغطية بنود مثل مكافآت القضاة والموظفين الحكوميين المعاونين لهم، وبدلات ضباط وأفراد الجيش والشرطة المشاركين في تأمين الانتخابات، وتجهيز مراكز الاقتراع في المدارس ومراكز الشباب في 27 محافظة. ثانيا: عوامل أثرت بالمشهد الانتخابي: -الجغرافيا السياسية ودعم لوجستي للسيسي: ووفقا لصجيفة “نيويورك تايمز” الامريكية، لم يشكك أحد في النتيجة، بالنظر إلى كل مزايا قبضة السيسي الاستبدادية على البلاد. وجاءت ميزة إضافية من الحرب في غزة المجاورة، والتي سمحت للسيسي بتقديم نفسه كزعيم قوي في الداخل والخارج، تماما كما فعل بعد الصراعات في ليبيا والسودان وسوريا وغيرها. وتشتعل الخريطة المضطربة التي تمثل الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ، بحريق متعدد الجبهات من خمسة إنذارات جعل السيسي، بطريقته العنيدة، يبدو وكأنه صخرة استقرار. فإلى الغرب من مصر يوجد الصراع الذي لا ينتهي في ليبيا، وإلى الجنوب منها سفك الدماء الداخلي في السودان. فيما تتكشف الهجمات الإسرائيلية على غزة عبر الحدود الشرقية لمصر. الشمال هو البحر الأبيض المتوسط، وأبعد من ذلك مباشرة أوروبا، التي يشعر قادتها بالذعر من احتمال حدوث موجة جديدة من المهاجرين. كما تسيطر مصر على قناة السويس، أحد أكثر ممرات الشحن حيوية في العالم. ووفق تقدير سياسي للدكتورة رباب المهدي، أستاذة السياسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة “يحصل السيسي على استراحة كبيرة بسبب هذه البلد ، فقط بحكم الموقع”!! وعلى الرغم من أن إدارة أوباما علقت المساعدات العسكرية لمصر بسبب استيلاء السيسي على السلطة في عام 2013، إلا أنه بحلول عام 2015، أقنع عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة الولايات المتحدة بإعادة مصر إلى وضعها القديم كثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية في العالم. لقد تعلم السيسي بالفعل عدم الاعتماد على الصداقة الأمريكية وحدها، اذ نوع مصادر مشتريات أسلحته من فرنسا وروسيا وغيرهما. كما أن تقاربه مع موسكو، على وجه الخصوص، جعل الولايات المتحدة ، تبقي القاهرة قريبة منها لمواجهة النفوذ الروسي. الرئيس دونالد ترامب، الذي قيل إنه وصف السيسي بأنه “ديكتاتوري المفضل”، لم يكن لديه سوى القليل من الهواجس بشأن العلاقة. لكن الرئيس بايدن قال إنه فعل ذلك، داعيا خلال حملته الرئاسية الأولى إلى “عدم وجود شيكات على بياض” من شأنها أن تمكن…