
دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (4)
استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية. رابعًا: سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على غزة: في ضوء ما سبق؛ يمكن الإشارة إلى سيناريوهين رئيسيين حول العدوان الإسرائيلي على غزة: السيناريو الأول: استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: ما يعزز هذا السيناريو: ولكن هناك عدة تحديات أمام هذا السيناريو تتمثل أبرزها في: ويوجد داخل هذا السيناريو ثلاثة احتمالات رئيسية: الاحتمال الأول: استمرار الصراع محليًا: وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا؛ حيث ستركز إسرائيل على إعادة تأكيد هيمنتها العسكرية، ويظل الصراع بين إسرائيل وحماس محصورًا بالأساس داخل قطاع غزة، مع عدم وجود تصعيد كبير يشمل جهات فاعلة إقليمية مثل إيران أو حزب الله أو فصائل فلسطينية أخرى في الضفة الغربية أو سوريا. إن العامل الأساسي الدافع هنا هو الهدف المركز لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة المتمثل في إدارة الصراع ضمن حدود محددة، وتجنب اندلاع حريق إقليمي أوسع نطاقًا. الاحتمال الثاني: صراع إقليمي دون مستوى الحرب: وهو احتمال ضعيف؛ فهناك احتمال أن تتوسع الحرب خارج حدود غزة والأراضي الفلسطينية، خاصة كلما طالت المدة وأصبحت الأوضاع الإنسانية أكثر كارثية، كما يمكن أن تؤدي عمليات غير محسوبة على الجبهة اللبنانية، أو ضد المصالح الأمريكية في المنطقة إلى تسريع المسار نحو امتداد الصراع الإقليمي. وقد تأكد هذا التقييم من خلال الزيادة الأخيرة، وإن كانت هامشية، في الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران في سوريا والعراق ضد التواجد العسكري الأمريكي، وإسقاط الحوثيين طائرة تجسس أمريكية، وسيطرتها على سفينة مملوكة لإسرائيل في البحر الأحمر. في هذا الاحتمال، ستحافظ الولايات المتحدة، على توازن دقيق، حيث تقوم بشن غارات جوية مستهدفة وكلاء إيران، دون أن تصل إلى حد نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. الاحتمال الثالث: حرب إقليمية واسعة النطاق: وهو الاحتمال الأضعف؛ ما تزال احتمالات تصاعد الصراع إلى مستوى حرب إقليمية واسعة النطاق ضعيفة لكن غير مستبعدة، خاصة كلما طالت مدة الحرب. يمكن لهذا السيناريو أن يحدث في حالة لجوء طهران مباشرة إلى الضربات الصاروخية المكثفة لاستهداف القواعد العسكرية، والبُنى التحتية الحيوية، والمراكز الحضرية الإسرائيلية، لكن هذا يظل احتمالًا متواضعًا في ظل أنه سيضع الأراضي الإيرانية في مواجهة رد عسكري أمريكي وليس إسرائيليًا فقط. في هذا السيناريو، سيبرز دور روسيا أكثر في هذه المرحلة؛ إذ تتواجد عسكريًا في سوريا وهي متحالفة مع إيران. وربما تلجأ روسيا إلى الاشتباك غير المباشر بتقديم الدعم اللوجستي والعملياتي لإيران وسوريا[13]. السيناريو الثاني: الحل الدبلوماسي الدولي (التهدئة ووقف إطلاق النار): يُبنى ذلك السيناريو على جهود الوساطة الدولية والإقليمية فى احتواء التصعيد القائم – خاصة الوساطة القطرية والمصرية – عبر صياغة موقف تفاوضى يرى عددًا من الأبعاد، أبرزها: وقف إطلاق النار على كلتا الجبهتين، والتفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، وبناء خطاب إقليمى دولى مشترك حول أهمية استعادة نمط مباحثات السلام وحل الدولتين[14]. ويأتي هذا السيناريو مدفوعًا بتصاعد الأزمة الإنسانية والضغوط الدبلوماسية الدولية. وسيشهد هذا السيناريو المتصور، نجاح الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية المنسقة للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ويحول دون تصعيد إقليمي أوسع. وسيعيد المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقييم موقفه نتيجة تصاعد الأزمة الإنسانية، والإدراك أن الدعم غير المشروط للعملية العسكرية الإسرائيلية ليس مستدامًا، وسيسفر عن نتائج عكسية. كما سيأتي هذا التحول متأثرًا بعجز جيش الاحتلال عن تحقيق نصر عسكري حاسم. وستجري المفاوضات بشكل غير مباشر، لهذا ستلعب كل من مصر وقطر دور الوساطة المحوري لتسهيل الحوار بين جميع الأطراف. وسنشهد نقلة كبيرة بمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الرهائن والسجناء، ما سيشجع على المزيد من التفاوض وتجنب مزيد من التصعيد. وستتطور الديناميات الداخلية داخل إسرائيل وبين صفوف حماس. ففي إسرائيل، سيكون هناك إدراك متنام لفكرة أن الحل العسكري قد لا يكون قابلًا للتحقيق دون تكبد تكلفة عالية، سواء على صعيد الأرواح البشرية أو العلاقات الدولية. أما بين صفوف حماس، فسيكون هناك اعتراف بمحدودية الدعم العسكري الخارجي، والمعاناة الهائلة التي يجلبها الصراع على الشعب الفلسطيني. وسيكون الحل الدبلوماسي صعبًا سياسيًا أكثر بالنسبة لحكومة نتنياهو، التي ستواجه رد فعل سياسي قوي على المستوى المحلي، وخاصة من القطاعات الأكثر تحفظًا وتشددًا في مجتمع وحكومة إسرائيل. وربما تكون هناك محادثات حول حكم غزة كجزء من المفاوضات الدبلوماسية، بحيث يشمل الحكم مختلف الفصائل الفلسطينية وربما بإشراف دولي. أي إن عودة حماس لتكون سلطة الحكم المنفردة في غزة قد لا تكون نتيجة مرجحة. ويظل بالإمكان تحقيق وقف إطلاق النار دون التوصل إلى حل دبلوماسي شامل. وقد يأتي ذلك مصحوبًا باتفاقيات حول قضايا بعينها مثل تبادل السجناء، وانسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق بعينها. وفي هذا السيناريو، سيكون وقف إطلاق النار بمثابة إجراء مؤقت لوقف العنف وخلق مناخ موات للمزيد من المفاوضات، أو منع التصعيد الأوسع للصراع. وربما لن يحل ذلك القضايا العالقة أو يؤدي إلى سلام دائم، لكنه سيوفر إغاثة فورية من الصراع المستمر ويمنع وقوع المزيد من الدمار والخسائر في الأرواح. أما بعد المفاوضات، فستعيش غزة فترة إعادة إعمار وتأهيل. وستتدفق المساعدات الدولية على غزة، مع بذل الجهود لإعادة تشييد البنية التحتية وتحسين ظروف معيشة الناس. لكن الطريق نحو التعافي سيكون طويلًا ومليئًا بالتحديات التي تشمل القيود السياسية والأمنية من قبل حكومة الاحتلال، والمصاعب الاقتصادية في ظل الحاجة لموارد كبيرة ومساعدات واسعة، ما سيجعل وتيرة إعادة الإعمار بطيئة وربما غير شاملة[15]. وقد تعززت احتمالات هذا السيناريو بعدما أسفرت جهود الوساطة المشتركة، التي تقودها قطر مع مصر والولايات المتحدة، بين إسرائيل…