دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (4)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.   رابعًا: سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على غزة: في ضوء ما سبق؛ يمكن الإشارة إلى سيناريوهين رئيسيين حول العدوان الإسرائيلي على غزة: السيناريو الأول: استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: ما يعزز هذا السيناريو: ولكن هناك عدة تحديات أمام هذا السيناريو تتمثل أبرزها في: ويوجد داخل هذا السيناريو ثلاثة احتمالات رئيسية: الاحتمال الأول: استمرار الصراع محليًا: وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا؛ حيث ستركز إسرائيل على إعادة تأكيد هيمنتها العسكرية، ويظل الصراع بين إسرائيل وحماس محصورًا بالأساس داخل قطاع غزة، مع عدم وجود تصعيد كبير يشمل جهات فاعلة إقليمية مثل إيران أو حزب الله أو فصائل فلسطينية أخرى في الضفة الغربية أو سوريا. إن العامل الأساسي الدافع هنا هو الهدف المركز لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة المتمثل في إدارة الصراع ضمن حدود محددة، وتجنب اندلاع حريق إقليمي أوسع نطاقًا. الاحتمال الثاني: صراع إقليمي دون مستوى الحرب: وهو احتمال ضعيف؛ فهناك احتمال أن تتوسع الحرب خارج حدود غزة والأراضي الفلسطينية، خاصة كلما طالت المدة وأصبحت الأوضاع الإنسانية أكثر كارثية، كما يمكن أن تؤدي عمليات غير محسوبة على الجبهة اللبنانية، أو ضد المصالح الأمريكية في المنطقة إلى تسريع المسار نحو امتداد الصراع الإقليمي. وقد تأكد هذا التقييم من خلال الزيادة الأخيرة، وإن كانت هامشية، في الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران في سوريا والعراق ضد التواجد العسكري الأمريكي، وإسقاط الحوثيين طائرة تجسس أمريكية، وسيطرتها على سفينة مملوكة لإسرائيل في البحر الأحمر. في هذا الاحتمال، ستحافظ الولايات المتحدة، على توازن دقيق، حيث تقوم بشن غارات جوية مستهدفة وكلاء إيران، دون أن تصل إلى حد نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. الاحتمال الثالث: حرب إقليمية واسعة النطاق: وهو الاحتمال الأضعف؛ ما تزال احتمالات تصاعد الصراع إلى مستوى حرب إقليمية واسعة النطاق ضعيفة لكن غير مستبعدة، خاصة كلما طالت مدة الحرب. يمكن لهذا السيناريو أن يحدث في حالة لجوء طهران مباشرة إلى الضربات الصاروخية المكثفة لاستهداف القواعد العسكرية، والبُنى التحتية الحيوية، والمراكز الحضرية الإسرائيلية، لكن هذا يظل احتمالًا متواضعًا في ظل أنه سيضع الأراضي الإيرانية في مواجهة رد عسكري أمريكي وليس إسرائيليًا فقط. في هذا السيناريو، سيبرز دور روسيا أكثر في هذه المرحلة؛ إذ تتواجد عسكريًا في سوريا وهي متحالفة مع إيران. وربما تلجأ روسيا إلى الاشتباك غير المباشر بتقديم الدعم اللوجستي والعملياتي لإيران وسوريا[13]. السيناريو الثاني: الحل الدبلوماسي الدولي (التهدئة ووقف إطلاق النار): يُبنى ذلك السيناريو على جهود الوساطة الدولية والإقليمية فى احتواء التصعيد القائم – خاصة الوساطة القطرية والمصرية – عبر صياغة موقف تفاوضى يرى عددًا من الأبعاد، أبرزها: وقف إطلاق النار على كلتا الجبهتين، والتفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، وبناء خطاب إقليمى دولى مشترك حول أهمية استعادة نمط مباحثات السلام وحل الدولتين[14]. ويأتي هذا السيناريو مدفوعًا بتصاعد الأزمة الإنسانية والضغوط الدبلوماسية الدولية. وسيشهد هذا السيناريو المتصور، نجاح الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية المنسقة للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ويحول دون تصعيد إقليمي أوسع. وسيعيد المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقييم موقفه نتيجة تصاعد الأزمة الإنسانية، والإدراك أن الدعم غير المشروط للعملية العسكرية الإسرائيلية ليس مستدامًا، وسيسفر عن نتائج عكسية. كما سيأتي هذا التحول متأثرًا بعجز جيش الاحتلال عن تحقيق نصر عسكري حاسم. وستجري المفاوضات بشكل غير مباشر، لهذا ستلعب كل من مصر وقطر دور الوساطة المحوري لتسهيل الحوار بين جميع الأطراف. وسنشهد نقلة كبيرة بمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الرهائن والسجناء، ما سيشجع على المزيد من التفاوض وتجنب مزيد من التصعيد. وستتطور الديناميات الداخلية داخل إسرائيل وبين صفوف حماس. ففي إسرائيل، سيكون هناك إدراك متنام لفكرة أن الحل العسكري قد لا يكون قابلًا للتحقيق دون تكبد تكلفة عالية، سواء على صعيد الأرواح البشرية أو العلاقات الدولية. أما بين صفوف حماس، فسيكون هناك اعتراف بمحدودية الدعم العسكري الخارجي، والمعاناة الهائلة التي يجلبها الصراع على الشعب الفلسطيني. وسيكون الحل الدبلوماسي صعبًا سياسيًا أكثر بالنسبة لحكومة نتنياهو، التي ستواجه رد فعل سياسي قوي على المستوى المحلي، وخاصة من القطاعات الأكثر تحفظًا وتشددًا في مجتمع وحكومة إسرائيل. وربما تكون هناك محادثات حول حكم غزة كجزء من المفاوضات الدبلوماسية، بحيث يشمل الحكم مختلف الفصائل الفلسطينية وربما بإشراف دولي. أي إن عودة حماس لتكون سلطة الحكم المنفردة في غزة قد لا تكون نتيجة مرجحة. ويظل بالإمكان تحقيق وقف إطلاق النار دون التوصل إلى حل دبلوماسي شامل. وقد يأتي ذلك مصحوبًا باتفاقيات حول قضايا بعينها مثل تبادل السجناء، وانسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق بعينها. وفي هذا السيناريو، سيكون وقف إطلاق النار بمثابة إجراء مؤقت لوقف العنف وخلق مناخ موات للمزيد من المفاوضات، أو منع التصعيد الأوسع للصراع. وربما لن يحل ذلك القضايا العالقة أو يؤدي إلى سلام دائم، لكنه سيوفر إغاثة فورية من الصراع المستمر ويمنع وقوع المزيد من الدمار والخسائر في الأرواح. أما بعد المفاوضات، فستعيش غزة فترة إعادة إعمار وتأهيل. وستتدفق المساعدات الدولية على غزة، مع بذل الجهود لإعادة تشييد البنية التحتية وتحسين ظروف معيشة الناس. لكن الطريق نحو التعافي سيكون طويلًا ومليئًا بالتحديات التي تشمل القيود السياسية والأمنية من قبل حكومة الاحتلال، والمصاعب الاقتصادية في ظل الحاجة لموارد كبيرة ومساعدات واسعة، ما سيجعل وتيرة إعادة الإعمار بطيئة وربما غير شاملة[15]. وقد تعززت احتمالات هذا السيناريو بعدما أسفرت جهود الوساطة المشتركة، التي تقودها قطر مع مصر والولايات المتحدة، بين إسرائيل…

تابع القراءة

دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (3)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.   ثالثًا: مآلات عملية العدوان على غزة بعد “طوفان الأقصى”: يبدو أن استمرار عملية السيوف الحديدية الإسرائيلية (خاصة على المستوي البري) علي قطاع غزة وتطورها من حيث الحجم (محددة أو موسعة) والزمن (قصيرة أم طويلة المدي)، أو توقفها من الأساس، تتوقف علي عدة عوامل؛ أبرزها: 1- مدي صمود المقاومة الفلسطينية: فبعد مرور ما يزيد عن الشهر والنصف من بدء إسرائيل حربها على قطاع غزة، تشير المعطيات الميدانية أن المقاومة لا تزال لديها القدرة على الصمود في هذه الحرب، كما تؤكد على قدرتها في تكبيد إسرائيل خسائر كبيرة، بل وأكثر من ذلك تكشف عن قدرة المقاومة على تحقيق الانتصار في النهاية. وهذا ما يكشفه حجم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل عند دخولها بريًا في غزة. فقد أعلن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في كلمته في 23 نوفمبر 2023، تدمير 335 آلية إسرائيلية من دبابات ومدرعات وجرافات وناقلات جند منذ بدء الحرب[3]. فيما نقلت صحيفة “هآرتس” عن الجيش الإسرائيلي أن “202 جندي أُصيبوا بجروح خطيرة، و320 أُصيبوا بجروح متوسطة، فيما أُصيب 470 بجروح وُصفت بأنها خفيفة”. وتشير بيانات الجيش الرسمية إلى أن 70 جنديًا إسرائيليًا قُتلوا منذ بدء المعارك البرية في قطاع غزة، وأن حصيلة قتلاه منذ 7 أكتوبر وصلت إلى 392[4]. وترجع قدرة المقاومة على الصمود أمام الجيش الإسرائيلي وتحقيقها لإنجازات عسكرية إلى طبيعة البيئة القتالية الحالية في شمال غزة، والتي تعد من أهم الأوراق الميدانية المتوفرة للفصائل الفلسطينية، فبطبيعة الحال يعد انتقال القتال إلى بيئة أكثر كثافة على المستوى الحضري، من أبرز التحديات الميدانية التي تواجه أية قوة نظامية، وهو ما يمثل في نفس الوقت فرصة ميدانية إيجابية لفصائل المقاومة المتمرسة في أساليب حرب العصابات والكمائن المتنوعة. تعد كثافة المناطق الحضرية في قطاع غزة من بين الأعلى في العالم؛ ففي مساحة إجمالية لا تتجاوز 365 كيلو مترًا مربعًا، يعيش ما يقارب 2.3 مليون فلسطيني بمعدل يبلغ عدة آلاف من الأشخاص لكل كيلو متر مربع واحد، ما يجعلها الأكثر كثافة سكانية لكل كيلومتر مربع في العالم. الكثافة السكانية، يضاف إليها عامل آخر يرتبط بالتضاريس الحضرية الكثيفة والمعقدة في قطاع غزة، والتي تحد بشدة من قدرة الجنود والمركبات المدرعة على المناورة، حيث وجدت وحدات المشاة الإسرائيلية صعوبة في التحرك بسرعة والحفاظ على تشكيلاتها وسط الشوارع الضيقة والمباني المكتظة، فضلًا عن أن هذه الوحدات تضطر أحيانًا إلى الانتظار لحين تدخل سلاح الجو لتدمير المنازل والمباني التي تعوقها، ما يضع هذه الوحدات في مرمى الصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون، خاصة أن وسيلة الحماية الوحيدة للقوات خلال وقفاتها التعبوية أو خلال عمليات تزودها بالوقود والمؤن تكون السواتر الترابية التي يتم تعليتها حول مواقع وجودها لحماية الدبابات والعربات المدرعة، وهي وسيلة أثبتت التجربة الميدانية أنها غير فعالة فيما يتعلق بقذائف الهاون. في جانب آخر، يعد القتال المباشر ضد الأسلحة المضادة للدبابات بشكل عام في المناطق الحضرية من أصعب أنواع القتال على الوحدات المدرعة، حيث تسمح كثافة المباني للعناصر الحاملة للأسلحة المضادة للدبابات بالاشتباك مع الدبابات والمدرعات من مواقع يصعب اكتشافها واستهدافها. الورقة الأكبر والأهم في يد الفصائل الفلسطينية في هذا الصدد تتعلق بما توفره البيئة الحضرية لمقاتليها من قدرات على تنفيذ الكمائن المختلفة للقوات المتقدمة على الأرض، حيث أثبتت المواجهات التي تمت خلال الأيام الماضية امتلاك هؤلاء المقاتلين القدرة على استهداف الوحدات المدرعة الإسرائيلية بشكل فعال من مناطق مموهة جيدًا ومن وسط أنقاض المباني. وما يزيد من تعقيدات حرب المدن، هو التهديد الذي تشكله شبكات الأنفاق التي أقامتها الفصائل الفلسطينية في معظم أنحاء قطاع غزة، حيث تم استخدام هذه الأنفاق بشكل فعال خلال المواجهات البرية الحالية، سواء كنقطة لانطلاق المقاتلين لتنفيذ هجماتهم، أو كمواضع لإعاشة المقاتلين وتخزين الذخائر، ناهيك عن أن هذه الأنفاق تمثل في حد ذاتها تحديًا كبيرًا للعمليات العسكرية التقليدية، لأنها تلغي العديد من المزايا التكنولوجية للجيوش الحديثة وتتطلب معدات وتكتيكات متخصصة لمواجهتها[5]. ولذلك عندما تقدم الجيش الإسرائيلي أكثر داخل قطاع غزة أصبحت خسائر جيش الاحتلال أكبر، ويواجه مقاومة أعتى لأنه كلما توغل في المناطق المبنية وذات الكثافة السكانية، كانت هناك فرص للمقاومة للخروج من الأنفاق واستخدام الأرض والمباني للتخفي والتستر واصطياد الآليات والجنود، ولذلك رأينا زيادة الخسائر سواء كانت في الآليات أو في المعدات أو حتى الجنود[6]. ومما يضاف إلى نقاط قوة المقاومة في شمال القطاع؛ أن سيناريو تهجير سكان شمال القطاع ومحاولة عزله عن الجنوب لم ينجح بالشكل الذي أرادته إسرائيل حتى الآن، فما زال عدد كبير (يصل لأكثر من النصف) في مدينة غزة، وفي شمال القطاع لم ينزح، رغم القصف الوحشي وما أوقعه من خسائر فادحة. وقد أرادت إسرائيل تفريغ شمال غزة، المتمثل في مدينة غزة بشكل عام وبعض الضواحي حولها؛ لتكون أرضًا محروقة ومنطقة عازلة بديلة عن “غلاف غزة” الذي اقتحمته المقاومة في عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي[7]. ويرجع رفض الفلسطينيين للنزوح من شمال القطاع إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة، و80% منهم لاجئون هاجروا أو ولدوا لعائلات هاجرت من داخل فلسطين عشية وخلال حرب 1948، لن يهاجروا مرة أخرى؛ إلا إذا عادوا إلى الأرض التي طردوا منها بقوة السلاح. في الوقت ذاته، فإنه إلى جانب الرفض المبدئي لفكرة مغادرة القطاع، فإن الفلسطينيين يعون تمامًا أنه إذا غادروا غزة، فلن تسمح إسرائيل لهم بالعودة….

تابع القراءة

دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (2)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.   ثانيًا: الأبعاد والأدوات الإسرائيلية لتنفيذ أهداف عملية العدوان على غزة: تعمل إسرائيل على تحقيق هذه الأهداف عبر مجموعة من التحركات والأدوات العسكرية والسياسية والإعلامية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 1- عسكريًا: في أعقاب عملية “طوفان الأقصي”، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد مشاورات مع قادة الجيش وأعضاء في “الكابينت” الأمني أن إسرائيل باتت في “حالة حرب”، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل حربًا على دولة أو طرف عربي أو فلسطيني منذ حرب 1973[3]، حتى أن الحروب التي خاضها الاحتلال سنتي 1982 مع منظمة التحرير في لبنان، ومع حزب الله في 2006، بالإضافة إلى كل الحروب مع حماس في غزة، لم تشمل تسميتها بمفردة الحرب، وهنا يكمن الفرق[4]. كما استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط[5]، وهي الخطوة التي لم تحصل منذ حرب سنة 1973 في إشارة واضحة على الاستعداد لخوض حرب شاملة، وليس جولة قتالية أو عملية عسكرية أسوة بسابقتها[6]. وقام الجيش الإسرائيلي بنشر ما يقارب من 40 ألف من القوات والتشكيلات الإسرائيلية باتجاه المنطقة الشمالية مع لبنان ، ونشر ما يقارب من 70 ألف باتجاه المنطقة الجنوبية المحاذية لقطاع غزة[7]. كما أقام جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” هيئة تسمى غرفة عمليات “نيلي” تتشكل من رجال عمليات واستخبارات لهم مهمة واحدة: تصفية الحساب بتصفية كل نشطاء النخبة في حماس ممن شاركوا في “عملية طوفان الأقصى”[8]. ويمكن القول أن العملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة “السيوف الحديدية” تمر بمرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى: القصف الجوي الكثيف؛ لتحقيق أكبر قدر من التدمير في البيئة الحضرية، وهو ربما ما يفسر استخدام سلاح الجو الإسرائيلي لأثقل القنابل الموجهة المتوفرة لديه، بجانب استخدامه قنابل أمريكية تعود لحقبة الحرب الفيتنامية، وهي القنابل حرة التوجيه “M-117″، التي تحمل آثارًا مدمرة على المناطق السكنية، نظرًا لأنها غير دقيقة التوجيه[9]. وقد استغرق هذا القصف أكثر من 20 يومًا على قطاع غزة (شمال القطاع بصورة رئيسية)، وأسفر عن سقوط آلاف من المدنيين الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو 20 ألفًا، وتدمير آلاف المنازل، واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس، وتهجير نحو مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع[10]. المرحلة الثانية: بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البري، في 27 أكتوبر 2023، تركز خصوصًا في شمال قطاع غزة[11]. وقسم رونين إيتسيك، اللواء السابق في القوات البرية- سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي، “المناورة البرية” التي أطلقها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” إلى ثلاث مراحل: أ- مناورة الإغارة: فإنها تُحيل إلى إغارة القوات البرية بقوة على موقع محدد أو الحصول على صيد معين والعودة فوراً، ما يعني أن هذا الشكل من المناورة هدفه الدخول وتحقيق إنجاز والخروج على الفور. هذا من شأنه أن يحد من إمكانية تعريض القوات للنيران والكمائن. هذه المرحلة تستند إلى مبدأ “تعظيم الإنجاز وتقليل التهديد الذي تتعرض له القوات”، تمامًا كما فعل الجيش الإسرائيلي في الأسبوعين الأولين. فهذه المرحلة هدفت إلى أمرين: أولاً، الإغارة بهدف “نقل المعركة إلى أرض العدو”، وثانيًا، المناورة من خلال التوغل الجزئي، حرق الأرض أو تهيئتها أو دراستها. وتقوم بتنفيذ ذلك في العادة القوات الخاصة والكوماندوز أو سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي أو مزيج منهما، كون هذا التدخل لا يتصاحب مع إسناد عسكري واسع لحماية التحرك. ب- مناورة التطويق: فتشير إلى الشكل الذي يتم خلاله الدخول بقوات برية كبيرة وتطويق المساحة المستهدفة بشكل يسيطر قدر الإمكان على الداخل والخارج.  وهو تكتيك يهدف إلى السيطرة على الأرض من خلال تطويقها دون الدخول إلى عمقها بحيث يتم إغلاق محيطها بشكل كامل وخلق حالة من الضغط الشديد (سواء من خلال التحكم بالموارد الداخلة مثل الوقود، الأدوية، الذخيرة، أو الاحتياجات الإنسانية الأخرى مثل الأكل). تمكن تقنيات التطويق الجيش من تفعيل وسائل التجسس لجمع معلومات استخباراتية لا يمكن الحصول عليها عن بعد، والمراقبة، وتنفيذ هجمات من خلال الدخول بشكل يحافظ على استمرار حصار المحيط ومهاجمة “العدو”، بدون الحاجة إلى التعرض للفخاخ والوسائل الدفاعية التي قد تم تجهيزها مسبقًا. وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن هذه الهجمات دقيقة ومحددة وسريعة، كما أن التطويق يتيح إنشاء نقاط ارتكاز تنطلق منها القوات وتعود إليها، ما يعني أن هذا النوع يتضمن في طياته “مناورة الإغارة”. ج- المناورة بهدف الاحتلال/ التطهير: والتي تأتي بعد إدراك المستويين الأمني والعسكري بأنه لا مفر من السيطرة على الأرض كلها بهدف القضاء على التهديدات أو تحقيق الأهداف العسكرية. وفي هذه المرحلة يتم إدخال قوات كبيرة ومتنوعة من القوات البرية التي يكون لكل منها هدف محدد للوصول إلى الغاية وهي “التطهير” و”القضاء على العدو” من خلال التنقل بين المنازل والطرقات والأحياء المختلفة والاحتكاك معه بشكل مباشر، وهو الشكل الذي يضمن تحقيق الأهداف التي لا يمكن تحقيقها في النوعين الأوليين المشار إليهما أعلاه. وتهدف هذه المناورة، بحسب دوستري، إلى تقسيم القطاع إلى أجزاء أربعة: شمال؛ وسط، جنوب وسط، وجنوب (شمال قطاع غزة يشمل مناطق بيت حانون وبيت لاهيا ومدينة غزة، ووسط القطاع يضم مخيمات اللاجئين: النصيرات والبريج والمغازي ودير البلح، وجنوب القطاع يضم مدينتي خانيونس ورفح[12])، وهذه العملية تتضمن التقدم العسكري البطيء إلى المساحات المفتوحة في كل جزء، ومن ثم عزلها والسيطرة عليها و”تطهيرها” (وهذه العملية تتطلب شهرين على الأقل بحسب دوستري) قبل الانتقال إلى المرحلة التالية والمتمثلة في اجتياح المناطق المأهولة (عمرانيًا وسكانيًا) التي من المتوقع أن تشهد قتالاً عنيفاً، والتدرج وفق المراحل…

تابع القراءة

دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى”(1)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.   أولًا: الأهداف الإسرائيلية من عملية السيوف الحديدية: تتمثل الأهداف السياسية والعسكرية والأمنية، الآنية والبعيدة المدى، التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها من خلال عملية “السيوف الحديدية” على قطاع غزة في: 1- استعادة الردع المفقود: تسعى إسرائيل من خلال هذه العملية إلي استعادة هيبة الجيش والمؤسسات الأمنية التي انهارت يوم 7  أكتوبر 2023. حيث لا تزال مختلف أشكال الفشل الاستراتيجي والعسكري والاستخباراتي الإسرائيلي ماثلة للعيان، والتي تتمثل في: الفشل الأول: والذي يمثل الفشل الأكبر للأجهزة الأمنية في إخفاق الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) والمخابرات العامة (الشاباك) في توقع العملية أو الوصول إلى معلومة بشأنها. وما زاد من مرارة هذا الفشل الاستخباراتي، في دولة طالما تبجحت بقوة أجهزتها الأمنية، وقدراتها الاستخباراتية حول العالم، كما أن الفشل نتج من قطاع غزة الذي تراقبه هذه الأجهزة وتجمع المعلومات عنه على مدار الساعة بمختلف الوسائل البشرية والإلكترونية. الفشل الثاني: فتمثل في هشاشة الجدار الأمني الذي بنته إسرائيل حول غزة، وراهنت على قدرته في منع المقاتلين الفلسطينيين من اختراقه، حيث تمكن مقاتلو حماس من اختراقه والعبور من خلاله بأعداد كبيرة إلى أكثر من 20 موقعًا. فقد بنت إسرائيل منذ انسحابها الأحادي من قطاع غزة، جدارًا من الأسمنت المسلح على طول حدود القطاع البالغة نحو 65 كيلومترًا، بعمق 7 أمتار في باطن الأرض، و7 أمتار فوقها، ونصبت فوقه أحدث أجهزة الرقابة الإلكترونية، كما أقامت عليه أبراج مراقبة في مواضع مختلفة لرصد كل حركة خلفه. الفشل الثالث: إخفاق الجيش الإسرائيلي في حماية قاعدته العسكرية الواقعة بالقرب من الحدود الشمالية لقطاع غزة؛ حيث سيطرت “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” على مقر قيادة “فرقة غزة” في الجيش الإسرائيلي وقاعدة “يركون” التابعة للاستخبارات العسكرية (أمان) التي تعد من أهم قواعد الاستخبارات العسكرية في إسرائيل، كما سيطرت “القسام “على العديد من النقاط العسكرية وأبراج المراقبة الممتدة على طول حدود القطاع. فضلًا عن سيطرتها على أكثر من 20 مستوطنة واقعة في غلاف القطاع داخل ما يسمى “الخط الأخضر”، موقعة خسائر بقوات الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن المختلفة. ومما يزيد من الشعور بمرارة الفشل أن الطرف الذي وجه الضربة إلى إسرائيل لم يكن دولة كبيرة يحسب لها حساب، وإنما حركة مقاومة في قطاع غزة الصغير والمحاصر منذ سنة 2007. الفشل الرابع: تمثل في شل قدرة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على اتخاذ القرار والتجاوب مع متطلبات الوضع الأمني والعسكري بصورة فعالة وسريعة، حيث أنها فشلت في التدخل سريعًا لاستعادة المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية التي سيطر عليها المقاتلون الفلسطينيون، وظلوا يتحركون فيها لمدة لا تقل عن يومين، بينما يستغيث المستوطنون الذين كانوا يختبئون في أجزاء منها. وامتد الارتباك إلى مؤسسات الدولة الأخرى التي أقعدتها صدمة الهجوم عن التعاطي سريعًا مع نتائجها، بما في ذلك الوصول المتأخر إلى القتلى والجرحى، والفشل في تقديم المعلومات الأولية لأهالي القتلى والجرحى والمفقودين، حتى بعد مرور عدة أيام على بدء العملية[3]. وبالتالي؛ يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلي تلقين الفلسطينيين درسًا لا يُنسى على تجرؤهم على مقاومته وإذلالهم من خلال إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وارتكاب المجازر المتتالية ضد المدنيين، في إطار ما أصبح يعرف في الأدبيات الإسرائيلية بـ “كي الوعي”. ارتكاب المجازر المتتالية ضد المدنيين الفلسطينيين ليس ضرورة للقضاء على حماس وحكمها في قطاع غزة، ولا يأتي لإشباع غريزة الانتقام فحسب، وإنما هو، وفق مفهوم “كي الوعي”، جزء من معادلة تحقيق النصر، التي يجب ألا تتناسب فيها خسائر الفلسطينيين في الأرواح والممتلكات بأي حال مع الخسائر الإسرائيلية. ومعادلة النصر هي جزء مهم من عملية إعادة الردع والهيبة للجيش الإسرائيلي محليًا وإقليميًا ودوليًا؛ وهي تعني، كما صرح وزير الزراعة الإسرائيلي عضو الكابينت السياسي الأمني، آفي ديختر، ارتكاب نكبة ثانية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة أكبر من النكبة الأولى من حيث عدد القتلى والمهجرين. وتأتي تصريحات قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين، مثل تصريح نتنياهو عن “إبادة عماليق”، وخطاب رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي أمام جنوده الذي بث التلفزيون الإسرائيلي مقاطع منه بضرورة إبادة العدو، وتصريحات العديد من القادة والمحللين الإسرائيليين بضرورة محو غزة من الخريطة، وتصريح وزير التراث عميحاي إلياهو من حزب القوة اليهودية عن استعمال السلاح النووي ضد قطاع غزة كأحد الاحتمالات الممكنة، في سياق تحقيق معادلة النصر على الفلسطينيين واستعادة الردع الإسرائيلي[4]. جدير بالذكر هنا، أن إسرائيل تسعى لاستعادة قدرتها على الردع، ليس فقط في مواجهة فصائل المقاومة في غزة، بل وأيضًا في مواجهة خصومها في لبنان، وإيران، وبقية المنطقة[5]. 2- تحرير الأسرى الإسرائيليين: مع الإعلان عن حالة الحرب ردًا على هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر، تجنبت الحكومة الإسرائيلية وضع قضية الأسرى والرهائن بوصفها جزءًا من أولويات الحرب، وتم تجاهل هذا الملف لنحو أسبوعين، حتى إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لم يعقد جلسة مع عائلات الأسرى والرهائن إلا بعد أن فعلها الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث ساهمت الولايات المتحدة في دفع الحكومة الإسرائيلية إلى عد تحرير الأسرى والرهائن واحدًا من أهداف الحرب المركزية. وإن كان هناك اختلاف داخل الحكومة حول تحقيق هذا الهدف عبر تبني الخيار الدبلوماسي (تحريرهم عبر صفقة تبادل أسرى) أم عبر تبني الخيار العسكري (تحريرهم عبر عملية عسكرية). ورغم أن إسرائيل بدأت العملية البرية، إلا أن ذلك لا يعني أنها لا تجري مباحثات من أجل عقد صفقة، ولكنها تضغط عسكريًا لتكون شروط الصفقة بحسب مطالبها وليس بحسب مطالب حركة حماس. ويبدو أن إسرائيل…

تابع القراءة

مسارات الصـ ـراع بين إسـ ـرائيـ ـل وحمـ ـاس بعد التوصل للهدنة الإنسانية المؤقتة

بعد سلسلة من التصريحات من قبل المسئولين الاسرائيليين، من بينهم رئيس ووزراء الاحتلال والرئيس الاسرائيلي،  عن احتمالية تمديد الهدنة الانسانية المؤقتة بقطاع غزة، واستكمال عملية تبادل الأسرى، وذلك بناء على وساطة قطرية مصرية أمريكية، جرى مساء الاثنسن 27 نوفمبر الاعلان  عن تمديد الهدنة ليومين اضافيين، وهو ما يفتح الباب أمام وقف  لاطلاق النار والدخول في مفاوضات مطولة. وقد انتهت الهدنة  التي امتدت 4 أيام، يوم الاثنين 27 نوفنبر، فيما انطلقت الهدنة الجديدة  من نفس معايير الهدنة الأولى، بوقف اطلاق النار ومنع الطيرن الاسرائيلي من التحليق في الفترة من العاشرة صباحا حتى الرابعة عصرا، واطلاق 10 أسرى من الأطفال والنساء الاسرائيليين، لدى حماس وحركات مسلخة أخرى بقطاع غزة،  مقابل تمديد الهدنة ليوم اضافي، وقدمت اسرائيل للولايات المتحدة ولقطر قائمة تضم 90 أسيرة اسرائيلية ، جرى اختطافهن في يوم  7 أكتوبر الماضي، مقابل ان تطلق اسرائيل 50 أسرة وطفل فلسطيني معتقل بسحونها دون الـ19 عاما… وخلال الهدنة الأوبى التي صيغت وفق الأهداف والمعطيات التي طرحتها حماس، وأثبتت حماس قدراتها السياسية واستغلت انتصارها العسكري، حيث هددت منذ أول يوم في الهدنة، بوقفها والعودة للعمل العسكري، بعد تلكؤ اسرائيل في تمرير شاحنات المساعدات الانسانية والصحية إلى شمال غزة.. ‏واشتكت حماس من أن إسرائيل انتهكت شروط وقف إطلاق النار وقالت إن الاتفاق في خطر بعد أن لم تتمكن سوى 137 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها من العبور يوم الجمعة، وهو اليوم الأول للهدنة، و187 شاحنة في اليوم الثاني، وفقا لوكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، بعد ان وعدت إسرائيل بالسماح بدخول 200 شاحنة يوميا. ‏ولجأ المسؤولون القطريون إلى عقد اجتماعات مباشرة مع المسؤولين الإسرائيليين لمحاولة إنقاذ الصفقة، وكانت بضع ساعات مع مسؤولي الموساد في تل أبيب حاسمة يوم السبت وفجأة عادت الصفقة من جديد، فقد سلمت حماس الدفعة الثانية من الرهائن الإسرائيليين، وابتهجت الأسر في الضفة الغربية بإطلاق سراح 39 امرأة ومراهقاً آخر من السجون، وخرج الفلسطينيون في غزة من ملاجئهم للبحث عن الوقود وعن أفراد أسرهم المفقودين. وجاء الاتفاق على الهدنة بين اسرائيل وحماس، كنصر استراتيجي لحركة حماس، التي جرت اسرائيل لمربعها، ومنطقها بأنه لا حل عسكري لقضية الأسرى، وأن الحل لابد أن يكون سياسيا وعبر التفاوض…وهو ما كانت اسرائيل ترفضه منذ 8 أكتوبر الماضي، وشنت حربا عاتية على قطاع غزة، قتلت خلاله أكثر من 15 ألف شهيد وأصابت أكثر من 33 ألف، علاوة على أعداد غير معلومة من المفقودين… وخضعت اسرائيل لشروط المقاومة الفلسطينية ، في هدنة امتدت لأربعة أيام، منذ صباح الجمعة الماضية، جتى نهاية يوم الاثنين 27 نوفمبر، وذلك باعتراف القيادات الصهيونية…. وتضمن الاتفاق إطلاق سراح 50 أسيراً إسرائيلياً من غزة، مقابل إطلاق سراح 150 أسيراً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية، إلى جانب إدخال مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات والوقود إلى كافة مناطق القطاع. ولمدة 48 يوماً حتى 23 نوفمبر 2023، شن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على غزة خلّفت 14 ألفاً و854 فلسطينياً، بينهم 6 آلاف و150 طفلاً وما يزيد على 4 آلاف امرأة، إضافة إلى أكثر من 36 ألف جريح، بينهم ما يزيد على 75% أطفال ونساء، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة. فيما قتلت حماس 1200 إسرائيلي وأصابت 5431 وأسرت نحو 240، بدأت في مبادلتهم مع إسرائيل، التي يوجد في سجونها أكثر من 7 آلاف أسير فلسطيني. وحددت إسرائيل أهداف حربها على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي،  بأنها تتمثل في إطاحة حماس من السلطة، وقتل قيادتها، وتحرير أكثر من 240 أسيراً في غزة، وإنهاء أي تهديد أمني من القطاع، لكن بعد شهر ونصف الشهر تجبر إسرائيل على عقد اتفاق هدنة مع حماس وتبادل للأسرى، بعد فشلها في تحرير أسير واحد، رغم حملات القصف الجنوني التي تعرض لها قطاع غزة. وقدرت دوائر عسكرية  أمريكية،  تحدثت لصحيفة Wall Street Journal  الأمريكية إن الهدنة، تمنح حماس الوقت للتحضير والاستعداد جيداً لمرحلة جديدة من الحرب، التي قد تستمر لوقت غير معلوم، بهدف تقليص زخم الهجوم الإسرائيلي، وخلق ضغوط داخلية ودولية لإنهاء الصراع دون تحقيق أهداف الاحتلال. وتأمل حماس أن تتمكن من إطلاق سراح الرهائن تدريجياً، وتحويل “فكرة هزيمة حماس برمتها إلى شيء لن يحدث أبداً“… وحققت حماس نصراً استراتيجياً بهجمات 7 أكتوبر من خلال توجيه ضربة استخباراتية وعسكرية لإسرائيل، ومن خلال الحفاظ على كبار قادتها في مأمن من الغزو الإسرائيلي للقطاع. ولعل نجاح حماس في فرض أجندتها، رفم المجازر الاسرائيلية الكبيرة بحق المدنيين،  ستؤثر بلا شك على مستقبل جل القضية الفلسطينية، بما فيها وأد مخططات اسرائيل لصياغة مستقبل غزة وفق الأهداف الاسرائيلية، سواء أكان تهجير سكان الشمال نحو الجنوب، أو تهجيرهم نحو سيناء بمصر، أو اقامة دولة منزوعة السلاح، أو ادخال قوات اقليمية ودولية وايجاد ادارة جديدة  اقليمية تدير القطاع، أو تعيد سيطرة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، لادارة غزة، أو ادخال قوات مصرية للقطاع، أو غيرها من المقترحات، التي  قوضت فاعليتها وجديتها المقاومة الفلسطينية على الأرض…وهو ما أكده  طاهر النونو، المتحدث باسم حماس المقيم في الخارج، بقوله: ” ليس لإسرائيل الحق في أن تقرر من سيسيطر على غزة بعد الحرب“. وتمنح الهدنة حماس الفرصة لإعادة تجميع صفوفها، لمواجهة مخطط اسرائيل لعزل شمال غزة عن جنوبها، عبر تدمير المدن الفلسطينية بالشمال وصولا لخان يونس، المدينة التي ينتمي إليها قائد حماس يحي السنوار… أولا: اتفاق الهدنة المؤقتة: وبدأت في السابعة من  صباح الجمعة  24 نوفمبر الجاري، سريان الهدنة المؤقتة في قطاع غزة بين حماس وإسرائيل، فيما أفادت وسائل إعلام بدخول نحو 200 شاحنة مساعدات عبر معبر رفح بالإضافة إلى 7 شاحنات وقود. فيما أنهت سلطات السجون الإسرائيلية إجراءات الإفراج عن 39 أسيرا فلسطينيا، بينهم 24 امرأة، حيث تم نقل الأسرى إلى سجن عوفر للإفراج عنهم. وقالت حركة حماس ، في بيان، فجر الأربعاء  22 نوفمبر الجاري، إن المفاوضات حول الهدنة كانت معقدة وصعبة، وجاءت بعد جهود وساطة قطرية مصرية “حثيثة ومقدرة”، وأنها “صيغت وفق رؤية المقاومة ومحدداتها التي تهدف لخدمة شعبنا وتعزيز صموده في مواجهة العدوان“. وشدد بيان “حماس” على أن “المقاومة أدارت المفاوضات من موقع ثبات وقوة في الميدان رغم محاولات الاحتلال تطويل أمدها والمماطلة فيها“. وجاءت بنود التهدئة على النحو التالي: -وقف إطلاق النار من الطرفين ووقف كل الأعمال العسكرية لجيش الاحتلال بكافة مناطق قطاع غزة لمدة 4 أيام. -خلال فترة الهدنة يلتزم الاحتلال بعدم التعرض أو اعتقال أحد في كل مناطق قطاع غزة. -ضمان حرية حركة الناس من الشمال إلى الجنوب على طول شارع صلاح الدين. -وقف حركة الطيران في الجنوب على مدار أيام الهدنة وفي الشمال لمدة 6 ساعات يوميا من  العاشرةصباحا حتى الرابعة مساءً. -إطلاق سراح 50 رهينة من النساء والأطفال مقابل الإفراج عن 150 من…

تابع القراءة

القمة العربية -الاسلامية بالرياض …بلا مردود على الحرب الاسرئيلية في غزة

جاءت مشاركات القادة العرب والدول الاسلامية بكثافة، في قمة الرياض المشتركة، لترفع امال وطموحات الكثيرين، إلا أن ما تمحض عن القمة ، هو نفس، ما كان ينتج عن القمم السابقة من قرارات وتوصيات، لا ترق لمستوى التحديات… وتميّزت القمّة بمشاركة رفيعة المستوى من قيادات الدول العربيّة والإسلاميّة، حيث شاركت معظم الدول المؤثّرة على مستوى الرؤساء، ما أضافَ لمعنى جمْع القمتَين في قمة واحدة، وقد يكون ذلك وراء رفعِ سقف التوقّعات بخصوص مخرجاتها لدى البعض. وقد ركّزت كلماتُ معظم القادة المتحدّثين على ضرورة الوقف الفوريّ لإطلاق النار، وإدخال المساعدات لسكّان قطاع غزة، ورفض فكرة التّهجير نحو جنوب القطاع أو مصرَ- كما تدعو حكومة الاحتلال- والتّأكيد على حقوق الشعب الفلسطينيّ، ومنها إقامة دولته المستقلّة. ويمكن  قياس فعالية القمة ومدى نجاحها وأهميتها، بنقييم عدة معايير، منها التوقيت ، والقرارات والبيانات الصادرة عن القمة، والمردود على أرض الواقع من تأثيرات على أطراف الأزمة، سواء ايجابية أم سلبية…وغيرها من المعايير… أولا:توقيت  انعقاد  القمة: وجاء انعقاد القمة الطارئة ، بالرياض، بعد 36 يوما من العدوان الصهيوني على غزة، وهو ما يثير الاستهجان والاستغراب، اذ أن 57 دولة عربية واسلامية، تشاهد العدوان الاجرامي على قطاع غزة، دون حراك فعلي مؤثر على اسرائيل،  على عكس دول بعيدة عن فلسطين، في أمريكا الجنوبية، اتخذت قرارات بطرد السفراء الصهاينة وقطع العلاقات مع اسرائيل.. وقد سبق قمة الريااض في 11 نوفمبر، مرور 36 يوما ، من عدوان الجيش الإسرائيلي، الذي يشن  حربا جوية وبرية وبحرية على غزة ، دمر خلالها أحياء سكنية على رؤوس ساكنيها، مما أسفر عن استشهاد نحو 11 ألفا و78 فلسطينيا -بينهم 4506 أطفال و3027 سيدة و678 مسنا- وإصابة 27 ألفا و490 بجروح مختلفة، بحسب مصادر رسمية فلسطينية، آنذاك. بل قالت وزارة الصحة في غزة، يوم انعقاد القمة: إنّها “لم تستطع إحصاء عدد الضحايا”؛ بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت. ولا شكّ أن تأخّر القمة- كل هذا الوقت إزاء وضع كارثيّ بهذه الصورة- له دلالاته التي سيكون لها انعكاس مباشر على مخرجاتها وقدرتها على التأثير. وقد جاءت قمة الرياض، بعد أسابيع من فشل قمة القاهرة للسلام، على خلفية تمسك الدول الأوروبية وأمريكا، بضرورة ادانة حماس، والنص على حق اسرائيل الشرعي،  في الدفاع عن نفسها.. ثانيا: نتائج القمة  وقراراتها: وتضمنت القرارات الإحدى والثلاثين: سبعة قرارات إدانة، وثلاثة قرارات رفض، وقرار استنكار، وأربعة قرارات مطالبة، وخمسة قرارات تأكيد، إلى جانب عدد من التكليفات لأمانتي الجامعة العربية ومنظمة التضامن بالقيام ببعض الإجراءات الثانوية. وحتى القرار الأهم الخاص بوقف إطلاق النار في غزة الذي ينتظره الجميع، فقد تمت مطالبة مجلس الأمن باتخاذه، مع تكليف وزراء خارجية ثماني دول، بالإضافة إلى أميني الجامعة والمنظمة، ببدء تحرك دولي باسم جميع الأعضاء، لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب في غزة، الأمر الذي زاد من شكوك الكثير الذين عللوا تأخير موعد القمة لما بعد 35 يوما من نشوب الحرب، بإتاحة المجال للقوات الإسرائيلية للقضاء على حماس خلال تلك الفترة، ولما جاء موعد القمة، وما زالت حماس صامدة، كان لا بد من إتاحة فترة إضافية للقوات الإسرائيلية كي تنهى هدفها المشترك، فيما بينها وبين العديد من قيادات الدول العربية والإسلامية. أما من كانوا يحلمون بإجراءات عملية من القمة توازي، ولو بشكل محدود، ما قامت به الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية لتقديم الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، فقد صدمتهم قرارات القمة التي تؤكد أن دورها أن تدين وتشجب، تاركة الإجراءات العملية للدول الكبرى، وحتى لحماية الفلسطينيين فقد طالبت بآلية لحماية دولية لتحقيق ذلك. -قرارات الوهن: 1-ادانات ومناشدات..حصيلة معتادة للقمم العربية: وكباقي القمم العربية العادية والاستثنائية، منذ تأسيس جامعة الدول العربية،  جاء بيان قمة الرياض الختامي، كالمعتاد، متضمنا ثلة من الادانات والشجب، مصحوبا ببعض المطالبات ، التي لم يستمع إليها الاحتلال أو الفاعلين الدوليين، وهو ما دفع وسائل اعلام عبرية، للتأكيد أن القمة كالمعتاد ، كباقي القمم السابقة، وأن معظم القادة العرب، يظهرون بوجه ما خلال القمم والمؤتمرات الرسمية والاعلامية، وبوجه أخر مع الاسرائيليين ، خلال الاتصالات السرية والعلاقات البينية ، بين كل طرف عربي واسلامي مع تل أبيب… وهو ما يؤكد أن الفعل العربي ، لم ولن يكون له تأثير على اسرائيل، في ظل المنظومة العربية الحاكمة… اذ لم تحتو توصيات وبيان القمة على قطع علاقات أو ردع اسرائيل اقتصاديا، سواء بوقف تصدير النفط لها او للدول الغربية الداعمة لها، كما لم يسحب أحد سفرائه من اسرائيل، أو يقرروا منع مرور الطيران الاسرائيلي  بالأجواء العربية… وكالمعتاد، دعت القمة العربية الإسلامية الطارئة إلى وقف الحرب في غزة ورفضت تبرير التصرفات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين على أنها دفاع عن النفس. وأدانت القمة “العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري“. كما دعا البيان إلى كسر الحصار على غزة والسماح بدخول قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع ووقف صادرات الأسلحة والذخائر إلى “إسرائيل“…وهو القرار الوحيد الذي يمكن اعتباره قرارا عمليا مؤثر بشكل ما، لو طبق،  اذ ما زالت مصر تنسق مع اسرائيل وأمريكا في ادخال المساعدات عبر معبر رفح، بل ان اسرائيل ما زالت هي المتحكمة في المعبر، عبر خبرائها ومراقبيها، الذي يشرفون على مرور المساعدات..وهو قرار كان يستدعي من مصر اتخاذ خطوات عملية استنادا عليه، بمواجهة اسرائيل، سواء بالاعلان عن الفتح الدائم وغير المشروط لمعبر رفح بالاتجاهين، وادخال مساعدات كافية للقطاع، كما كان يدخل اليه يوميا نحو 500 شاحنة… ودعا زعماء العالمين العربي والإسلامي جميع الدول إلى “وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل“. وطالبت القمة بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما لم تستمع له اسرائيل، واستمرت في عدوانها الهمجي، بل صعدت من استهداف المدنيين الفلسطينيين في مستشفيات قطاع غزة، والتي وصل قصفها إلى غرف العمليات وغرف الأطفال الخدج دون رحمة او تدخل من أحد… وذرا للرماد في العيون، دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى توفير ممرات إنسانية للمدنيين في قطاع غزة والوقف الفوري “للعمليات العسكرية“. وقررت قمة الرياض تكليف وزراء خارجية كل من السعودية، بصفتها رئيسة الدورة الحالية من القمتين العربية والإسلامية، والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، والأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ببدء تحرك دولي لوقف الحرب على غزة والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الشامل والعادل. ودعت القمة العربية الإسلامية المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في (جرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة إسرائيل) في الأراضي الفلسطينية، حسبما ذكر البيان الختامي. 2-ادانة للتهجير دون اسناد للفلسطينيين على الأرض: كما دان البيان الختامي المكون من 31 بنداً، تهجير نحو المليون ونصف المليون فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، وأكد على ضرورة إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين…

تابع القراءة
عملية "طوفان الأقصي".. الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ودوافعها ومكاسبها

عملية “طوفان الأقصي”.. الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ودوافعها ومكاسبها

شنت “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، فجر يوم 7 أكتوبر 2023، هجومًا واسعًا في عمق التجمع الاستيطاني “غلاف غزة”، الذي يضم عددًا من المدن والمستوطنات المتاخمة للخط الحدودي الفاصل بين القطاع وإسرائيل، وهي سبع مستوطنات، إلى جانب 3 ثكنات عسكرية. وقد شمل الهجوم، الذي أعلن عنه محمد الضيف القائد العام لـ”كتائب القسام”، والذي أطلق عليه “طوفان الأقصى”، عمليات تسلل بري نفذتها عشرات الجيبات العسكرية، وعمليات إنزال جوي وبحري عبر طائرات شراعية وقوارب؛ حيث استهدفت عمليات التسلل والإنزال في البداية بشكل أساسي القواعد العسكرية التي تؤمن الحدود والمستوطنات الواقعة في عمق “غلاف غزة” لتحييدها وتسهيل عملية التوغل[1]. وقد أسر مقاتلو القسام عددًا من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، وعادوا بهم إلي غزة، في ظل مواجهة غير متناظرة من الناحية العسكرية بينهم وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يطرح تساؤلات عن الأداء القتالي لكتائب القسام، علي الرغم من الحصار المفروض علي قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا[2]. فما هي التطورات النوعية في قدرات المقاومة التي كشفتها هذه العملية؟ وما هي دوافع المقاومة للقيام بهذه العملية؟ وما هي المكاسب التي حققتها المقاومة من خلف هذه العملية؟ وهي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها في هذه الورقة. أولًا: عملية طوفان الأقصي وما كشفته من تطورات نوعية في قدرات المقاومة: مثلت عملية طوفان الأقصى تحولًا نوعيًا في مسار واستراتيجيات فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على مستوى التصعيد مع إسرائيل، وذلك في ضوء عدد من الاعتبارات التالية: 1- التحول من الرد والدفاع إلى المبادرة بالهجوم: فبينما كانت إسرائيل هي الطرف المحدد لزمان المواجهات ومكانها طيلة العقود الماضية، بدت الجولة الراهنة مغايرة، حيث حددت المقاومة، زمانها ومكانها، وأعلنت انطلاق عملية “طوفان الأقصى”[3]. ما كشف عن مبادرة المقاومة، والانتقال من مربع الدفاع إلى مربع الهجوم، وهو ما أحدث مفاجأة وصدمة كبيرة داخل الأوساط الإسرائيلية، وجعلتها في حالة عجز تام عن الرد السريع والفعال علي العملية، وهو ما شكل مكسبًا كبيرًا في ميزان القوة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية لصالح الأخيرة في التحكم بمجريات وسير المعركة من بدايتها[4]. واختارت المقاومة القيام بعملية “طوفان الأقصي” في ظل توقيت مباغت، بالتزامن مع “عيد العرش” اليهودي – فترة الأعياد اليهودية – وهي الفترات التي تشهد فيها الثكنات العسكرية الإسرائيلية، والمستوطنات حالة من الهدوء النسبي، والخمول على مستوى النشاط الخاص بالقوات المنتشرة فيها[5]. وكانت هناك معلومات لدى المقاومة – كما أفاد الشيخ صالح العاروري نائب قائد حماس- بأن قوات الاحتلال كانت تستعد لتوجيه ضربة استباقية للمقاومة في غزة لدورها في إسناد المقاومة في الضفة الغربية، ومع هذين المعطيين باغتت المقاومة الاحتلال في فترة استرخائه واطمئنانه وتحلله من كل أنواع الجهوزية العسكرية مع آخر ليلة في الأعياد واستبقت ضربته بضربة لم تكن في الحسبان ولا في الخيال[6]. وبقي أن نقول أن عملية طوفان الأقصى تشابهت في توقيتها مع توقيت حرب أكتوبر 1973، الأمر الذي يترك أثرًا نفسيًا في نفوس الإسرائيليين باستدعاء أول هزيمة حربية في تاريخهم على يد الجيشين المصري والسوري منذ خمسين عامًا[7]. 2- نقل المعركة لأرض العدو: تمكنت كتائب القسام من نقل المعركة إلى داخل إلى نطاق الأراضي الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي (مستوطنات غلاف غزة) بداية من اقتحام مقاتليها- برًا وجوًا- للسياج العازل بين قطاع غزة وما يسمى بـ”غلاف غزة” تجاه العمق الإسرائيلي، بينما أجريت كافة جولات المواجهات السابقة بين الطرفين داخل قطاع غزة. وهذه أول مرة منذ نشأة إسرائيل قبل أكثر من 75 عامًا، يتسلل فيها مقاتلون فلسطينيون إلى داخل مناطق 1948[8]. كما تعتبر “طوفان الأقصى” هي المعركة الهجومية الأولى على أراض فلسطينية محتلة منذ عام 1967[9]. ووفق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، فقد نفذ هذه العملية 1200 جندي من كتائب القسام، كان تحركهم لمهمة محددة تتمثل في الهجوم على “فرقة غزة” في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي الفرقة المسؤولة عن حصار القطاع، وتنفيذ الاغتيالات فيه وتجنيد العملاء. وذكر العاروري، أن الهدف كان مهاجمة كل معسكرات الفرقة، وصولًا لمقر قيادتها، ثم التوجه إلى المطار العسكري الذي يليها. وبالتزامن مع ذلك، ذهب جزء من القوات للسيطرة على المستوطنات المحاذية للقطاع لمنع التدخل والإسناد لقوات الاحتلال، ضد جنود القسام المتقدمين نحو “فرقة غزة”.  ورغم تقدير “القسام” بأن القتال سيمتد لساعات طويلة إلى حين السيطرة على كامل فرقة غزة، إلا أنها انهارت خلال ثلاث ساعات تقريبًا، بما في ذلك المقر الرئيسي لقيادتها، حسب العاروري[10]. ويشكل “غلاف غزة” أهمية استراتيجية لتل أبيب لكونه عبارة عن منطقة عازلة بين القطاع وإسرائيل لتحييد التهديدات المحتملة من غزة، ولذلك، تقدم إسرائيل امتيازات هائلة لتشجيع المستوطنين على العيش في مستوطناته، كما يمثل خط الدفاع الأول لإسرائيل من جهة غزة، ولذلك يعد الحدث اختراق كبير لهذا الخط الدفاعي، حيث شوهد، ولأول مرة، مقاتلي كتائب القسام يتجولون بأسلحتهم داخل مستوطنات، وهو ما يضع إسرائيل أمام معضلة نزوح جماعي للمستوطنين من الغلاف، وصعوبة العودة مجددًا. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل أنشأت الغلاف عقب انسحابها من غزة عام 2005، ويمتد طوله إلى نحو 40 كيلو مترًا من السياج العازل حول غزة نحو خط حدود إسرائيل مع الغلاف، وعرض يتراوح من 5-15 كيلو متر، ويحتوي على قواعد إسرائيلية مثل قاعدة ريعيم العسكرية، ويضم نحو 50 مستوطنة يعيش فيها قرابة 55 ألف مستوطن، ومن أهم مستوطناته: سديروت وزيكيم وكيسوفيم وأشكول ونحال عوز وماغن وكفار عزة..الخ[11]. 3- استخدام تكتيكات عسكرية جديدة: شكلت طوفان الأقصى نمطًا نوعيًا جديدًا على أساليب المقاومة العسكرية، وكذلك حجم القوات والأسلحة المنفذة للعملية، وذلك من خلال عدة اعتبارات رئيسية: – الاختراق الجوي: حيث تم إطلاق وابل من خمسة آلاف صاروخ من غزة عبر منظومة “رجوم” وهي صواريخ قصيرة المدى من عيار 114 مليمترًا، تزامنت مع توغلات قام بها مقاتلون طاروا بطائرات شراعية عبر الحدود، لتأمين الأرض حتى تتمكن وحدة كوماندوز من النخبة من اقتحام الجدار الإلكتروني والإسمنتي المحصن الذي يفصل غزة عن المستوطنات والذي بناه الاحتلال لمنع التسلل. وكذلك أظهرت العملية شكلًا جديدًا من الاستهداف الصاروخي، حيث مع تصاعد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، ذهبت المقاومة إلى المرحلة الثانية من الردع وهي تهجير بعض المستوطنات الإسرائيلية، عبر تركيز الصواريخ على بلدات بعينها، بشكل شبه يومي، منها “عسقلان” و”سيدروت”، التي أخلتها سلطات الاحتلال من كافة المستوطنين[12]. كما استطاعت الفصائل توسيع المسرح العملياتي لصواريخها، التي شملت تل أبيب، والقدس، والأهم حيفا التي تبعد عن غزة بنحو 150 كيلو متر، وتم استهدافها بصاروخ “آر 160”[13]. فضلًا عن ظهور تطور نوعى فى مدى الصواريخ المستخدمة لتصل قدراتها الفعلية إلى 200 كم لتطول “نهاريا” قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية فى أقصى الشمال وذلك مقارنه بالمدى الصاروخى لعمليات استهداف المقاومة لتل أبيب والقدس المحتلة حيث وصلت إلى 120 كم عام 2012[14]. – التوغل البري: استخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق…

تابع القراءة
شاهد || من هم المرشحون في مسرحية انتخابات الرئاسة المصرية 2023م؟!

شاهد || من هم المرشحون في مسرحية انتخابات الرئاسة المصرية 2023م؟!

شاهد || من هم المرشحون في مسرحية انتخابات الرئاسة المصرية 2023م؟! برأيك هل نجح #السيسي في مسرحية #الرئاسة قبل أن تبدأ؟! كما يمكنكم زيارتنا من خلال منصات #الشارع_السياسي : – الموقع: https://politicalstreet.org – التليجرام: https://t.me/politicalstreet

تابع القراءة
نقل العاصمة السودانية إلى بورتسودان.. هل يتكرَّر سيناريو اليمن؟

نقل العاصمة السودانية إلى بورتسودان.. هل يتكرَّر سيناريو اليمن؟

بات من الواضح أن مخاطر الحرب الدائرة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بدأت تشكل خطرًا حقيقيًا على وحدة السودان، وسط توقعات أن تنفصل وتتفتت بعض أقاليمه. خروج البرهان أو هروبه من العاصمة واستبداله بورتسودان بـالخرطوم كعاصمة يتحرك منها ويقيم فيها بشكل دائم، بعدما كان محاصرًا في الخرطوم، وانتقال الحكومة معه إلى العاصمة الجديدة في بورتسودان. وكذا تزايد نفوذ قوات حميدتي في دارفور وسيطرتها على أجزاء كبيرة منها، وانحياز قبائل لصالح الدعم السريع، وخروج مليشيات مسلحة عن حيادها وانضمامها لأحد الطرفين. كل ذلك يُهدِّد بتفكك السودان، ويُشكِّل خطرًا بظهور ما يُمكن تسميته بـ “السودان الجديد” المُقسم. فماذا حدث؟ ولم تم اختيار بورت سودان لنقل العاصمة إليها؟ وما علاقة ذلك بفكرة التقسيم؟ وكيف يُمكن قراءة ما حدث في السودان في ظل مقارنته بما حدث في اليمن؟ ماذا حدث؟ بسبب انتشار قوات الدعم السريع بالعاصمة، وعرقلتها أي اجتماعات للحكومة وحصارها، تراجع دور الخرطوم في إدارة أزمة البلاد لصالح مدينة بورتسودان الساحلية، كمقر حكم آمن تسيطر عليه القوات البرية والبحرية للجيش. خروج البرهان منها في 27 أغسطس 2023، وانتقاله إلى بورتسودان مركز ولاية البحر الأحمر، وتحركه منها للعالم الخارجي بدلًا من مطار الخرطوم، عزَّز وضعها عاصمة بديلة، وأظهر أن حميدتي يحكم الخرطوم بينما البرهان يدير بورتسودان. وعلى غرار سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وانتقال الحكومة المُعترف بها دوليًا للميناء الرئيس في عدن، انتقل البرهان وحكومته إلى غرب السودان في بورتسودان. وأكَّدت هذا ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية السودانية، مكارم خليفة، في اجتماع اللجنة الاجتماعية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية في 27 أغسطس 2023، مُشيرةً إلى نقل العاصمة الإدارية لمدينة بورتسودان الساحلية. ولم تنتقل العاصمة الإدارية والسياسية فقط من الخرطوم، بل انتقلت أيضًا رئاسة غرفة العمليات التي تقود العملية العسكرية من مقر قيادة الجيش.[1] وفي الرابع من سبتمبر، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن حكومة البحر الأحمر منحتها قطعة أرض لبناء مقر دائم في مدينة بورتسودان، التي تبعد قرابة ألف كيلومتر من العاصمة الخرطوم. وفي اليوم التالي مباشرةً، أي في الخامس من سبتمبر، أعلنت شركة مصر للطيران عن وصول أولى رحلاتها الجوية المباشرة القادمة من القاهرة إلى مدينة بورتسودان السودانية. بعد أن تمت إضافتها كوجهة جديدة للشركة. الحديث عن نقل المقر الدائم لوزارة الخارجية السودانية إلى بورتسودان، هو امتداد للتصريحات الرسمية الصادرة من الوزارة، والتي أشارت إلى أنها تعمل على استقطاب الدعم الخارجي، من أجل إنشاء مركز لاستضافة المؤتمرات وبناء فلل رئاسية وإقامة محطة لتحلية المياه ومحطة للطاقة الشمسية في المدينة، بغرض جعلها واجهةً حضاريةً وسياسيةً؛ وتاليًا استضافة المؤتمرات الإقليمية والدولية والقمم الرئاسية. تلك الخطوات لا يُمكن فصلها عن محيطها السياسي، الذي يشير إلى أن الأمور تتجه إلى تسمية بورتسودان عاصمةً للسودان برغم افتقارها إلى البنية التحتية، حيث سبقت ذلك ضغوط إعلامية كثيفة من الموالين للقوات المسلحة بإعلان المدينة عاصمةً للبلاد بدلًا من الخرطوم الغارقة في بحر من الدم. [2] أهمية بورتسودان في الخريطة السودانية: تبعد بورتسودان نحو 800 كيلومتر عن الخرطوم، وهي ثاني أكبر مدن السودان وأكثرها أهمية اقتصادية، حيث تُعد البوابة البحرية الأكبر للبلاد بمينائها الذي يُعد منفذًا رئيسيًا لاستيراد السلع الاستراتيجية وتصدير نفط دولة جنوب السودان. تحوَّلت بورتسودان (شمال شرقي البلاد) والمطلة على البحر الأحمر إلى مقر للحكومة السودانية منذ مايو الماضي، وبقيت بمنأى عن أعمال العنف والقتال المتركز في العاصمة الخرطوم وضواحيها وإقليم دارفور غربي البلاد. وبعد تأمين المدينة بشكلٍ كامل انتقلت إليها بعثات دبلوماسية دولية ومنظمات إنسانية، وتحوَّلت إلى ملاذ آمن للأجانب الراغبين في مغادرة السودان، سواء بالبحر عبر ميناء المدنية أو كان جوا عبر مطارها. ومع توسع رقعة القتال وتقطع السبل أمام السودانيين، شكَّلت بورتسودان إحدى محطات النزوح الداخلي للفارين من الخرطوم ومدن مجاورة.[3] حيث يستحيل على الدعم السريع اجتياحها؛ نظرًا إلى بعد المسافة وعدم امتلاكه قاعدةً اجتماعيةً في شرق السودان تُسانده على غرار الخرطوم ودارفور وكردفان؛ وهذا الابتعاد يجعل المدينة الساحلية أكثر جذبًا للنشاط الاقتصادي وإدارة الدولة. ورغم ذلك؛ فإن العاصمة المرتقبة تعاني مثلما تعاني سائر المدن من اختفاء السلع الغذائية، حيث بات سكانها يعتمدون على البضائع الواردة من مصر، التي تهبط في ميناء بورتسودان قبل أن تُوزَّع على مدن البلاد الأخرى.[4] نقل العاصمة وسيناريو التقسيم: يرى البعض أن الدعوة لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة (بورتسودان) تفتح الباب أمام تقسيم السودان، وأن الحديث عن عاصمة بديلة في هذا التوقيت هو مجرد كلام تبريري لفشل دعاوى الحسم العسكري، ويُمهد لمخطط تقسيم السودان. حيث يأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد لغة التهميش في دارفور والحديث في عدد من منتديات السودانيين ومجالسهم الغاضبة عن فصل إقليم دارفور، لأنه أصبح في نظرهم “عبئا ثقيلًا، وبؤرة للصراعات والمشاكل التي عانى السودان كله من تبعاتها وأنهك بسببها”. هذا والتحام نار حرب الخرطوم بالصراع الدائر في دارفور، التي تتكوَّن من أكثر من 50 قبيلة، وعوامله التي تأسست على كونها حربًا إثنية، ثم أُضيف إليها الصراع العسكري بين الجيش والدعم السريع، زاد من دعوات الانفصال في الإقليم، حتى أنه في 6 يوليو 2023 انتشر مقطع فيديو مصور يظهر فيه زعماء قبائل عربية في ولاية دارفور وهم يدعون أتباعهم إلى الانضمام لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وترك الجيش. وزاد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي، خروج حركات ومليشيات مسلحة ذات نزعة انفصالية عن حيادها، وإعلان انضمامها لأحد الجانبين المتحاربين بشكل يقوي عوامل ومخاطر تفكك السودان. وأعلنت حركة مسلحة موقعة على اتفاقية السلام، وهي “حركة تحرير السودان” بقيادة مصطفي تمبور، انضمامها إلى الجيش. واختارت لجان المقاومة، وهي التنظيمات الشبابية التي قادت الثورة ضد نظام البشير وضد انقلاب أكتوبر 2021 (الذي أطاح فيه البرهان وحميدتي برئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك)، الوقوف مع الجيش، وبعضها وقف على الحياد. إذ لم تعد الحرب بين الجيش والدعم السريع وحسب، لأن الجيش يرى أنها حرب وطنية يجب أن يقاتل فيها الجميع إلى جانبه، ومثله يقول الدعم السريع إنها حرب ضد النظام السابق وفلوله، لاستعادة الانتقال المدني الديموقراطي.[5] ويتطلب جعل بورتسودان عاصمةً للبلاد الكثير من العمل الشاق؛ نظرًا إلى افتقارها إلى البنية التحتية بما في ذلك الكهرباء. لكن بعيدًا عن العوامل اللوجستية، سعي البرهان، وفق المتداول إعلاميًا، إلى تشكيل حكومة مؤقتة تتخذ من بورتسودان مقرًا لإدارة البلاد، سيكون مدخلًا يدفع الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرته، ولن يعترف أي طرف بحكومة الآخر أو يتعامل معها؛ ما يعني أنها بداية النهاية للسودان بجغرافيته الحالية.[6] حكومة بورت سودان: الخرطوم والمدن المحيطة بها تشهد معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما تسبب في تعطل المطارات بالإضافة إلى فرار البعثات الدبلوماسية إلى مدينة بورتسودان التي تخضع بالكامل لسيطرة الجيش السوداني. ووجود…

تابع القراءة
مواقف الفاعلين ومواقعهم من انتخابات الرئاسة القادمة.. النظام المعارضة المدنية والشارع

مواقف الفاعلين ومواقعهم من انتخابات الرئاسة القادمة.. النظام المعارضة المدنية والشارع

أغلق باب الترشح على مقعد الرئاسة، السبت 14 أكتوبر 2023، بعد تقدم 4 مرشحين، هم (1) رئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، بعد حصوله على تزكية 48 برلماني، فضلا عن 67 ألف تأييد من المواطنين بالشهر العقاري. (2) رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، بعد حصوله على تزكية 27 من أعضاء مجلس النواب. (3) رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، وقد تقدم في اليوم الرابع من فتح باب الترشح، وقد حصل على تزكية 30 برلماني من أعضاء مجلس النواب. (4) الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان أول المتقدمين، وقد حصل على 424 تزكية من برلمانيين،  و130 ألف تأييد تقريبا من المواطنين[1]. ومن الناحية الرسمية فإن السماح لهؤلاء بخوض السباق الرئاسي يعود لحيازتهم الشروط اللازمة، وأهمها: أن يحصل المتقدم على 20 تزكية من نواب البرلمان، أو 25 ألف توكيل من 15 محافظة، بحد أدنى 1000 تأييد من كل محافظة، يجري توثيقها على نماذج مخصصة من قبل الهيئة الوطنية بمكاتب التوثيق التابعة لمصلحة الشهر العقاري[2]. أما من الناحية الموضوعية، فإن هؤلاء الأربعة هم أركان المشهد المسرحي الذي يعد له النظام بدقة، مشهد من المقدر له أن يسفر في النهاية عن فوز مضمون للرئيس الحالي. وعليه جرى استبعاد العناصر المشاغبة، أو كل ما يفقد مشهد انتخابات الرئاسة انسيابها. لكن هندسة مشهد انتخابي سلس مضمون النتائج بشكل مسبق، يعني فقط تجاهل عناصر الشواش، وليس التخلص منها، وبالتالي يمكن أن تعاود هذه العناصر الظهور بصورة مفاجئة وتقلب المشهد رأسًا على عقِب؛ فالقول أن هناك عملية انتخابية نزيهة، وأن هناك منافسة حقيقية، وأن هناك مجال سياسي مفتوح أمام الجميع، وأن الرئيس الحالي يتمتع بشعبية واسعة، وأن المجتمع المصري راضي عن النظام الحالي وراغب في بقائه، قول كل هذا لا يعني بالضرورة أن هذا حقيقيَا، إنما يعني أن كل ما تم تجاهله وإخفائه من مشكلات وتحديات حقيقية قد يسفر عن وجهه في أي لحظة، وأن المشهد المهندس قد يتفجر من داخله، لذلك فقد تساءلت الإيكونيميست ” لماذا يظهر على السيسي التوتر رغم ضمان فوزه في الانتخابات؟[3]“. نحاول في هذه السطور أن نستعرض أخر التطورات بشأن الانتخابات الرئاسية المتوقعة في ديسمبر 2023، في ضوء التطورات التي نشهدها على الصعيد المصري والإقليمي. النظام وهندسة المشهد الانتخابي: في مصر تندمج الدولة والنظام السياسي في كيان واحد؛ فالدولة هي النظام والنظام هو الدولة، لذلك تسخر الدولة كل أجهزتها لضمان بقاء النظام الحالي، فيتم الدفع بالموظفين والعاملين في الهيئات والمصالح الحكومية لتأييد السلطة ومواليها من أحزاب وشخصيات، وتصوير تلك الحشود المجبورة والمقهورة على أنها تبايع وتبارك وتبصم على بياض، كما تسخر أجهزة الدولة أدواتها في حشد منظم لمواطنين لاستخراج نماذج تأييد للرئيس السيسي[4]، وهو ما تم توثيقه بالصوت والصورة على الأرض خلال الأيام الماضية. بصورة تعيد إلى الأذهان “ما جرى في الانتخابات البرلمانية الماضية، والسابقة عليها، وكل الاستحقاقات التي عرفتها مصر خلال عهود التحكم والسيطرة”. لم يتوقف الأمر عند تسخير أجهزة الدولة، وتحشيد المواطنين، إنما يتم أيضا تحشيد أحزاب صغيرة، فقد أعلنت 8 أحزاب دعم ترشح الرئيس لفترة رئاسية جديدة، هي: مستقبل وطن، المصريين الأحرار، حماة الوطن، المؤتمر، العربي الناصري، أبناء مصر، مصر أكتوبر، الريادة[5]. كما أعلن تحالف الأحزاب المصرية، الذى يضم 40 حزبا سياسيا، في 28 أغسطس 2023، تأييد ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ لـ «تحقيق تطلعات وطموحات الشعب المصري، ومواصلة مسيرة البناء والتنمية»[6]. كذلك أعلنت أحزاب أخرى صغيرة دعمها لترشح الرئيس الحالي لفترة رئاسية جديدة[7] في مشهد قد يبدو من بعيد كرنفاليًا ويوحي بالتفاؤل. مواقع المعارضة المدنية على خارطة انتخابات الرئاسة القادمة: يبقى مشهد المعارضة المدنية في مصر كما هو بدون تغيير يذكر، وذلك يعود بشكل كبير إلى السياق غير المواتي؛ من نظام استبدادي، وعملية أمننة للمجال السياسي، وتأميم للمجال العام، كما يعود إلى رثاثة المعارضة ذاتها؛ فالطموحات الشخصية تحرك كثير من قادتها، فضلا عن نخبوية هذه الأحزاب وبعدها عن نبض الشارع. وقد أسفر تعاطي المعارضة المدنية مع انتخابات الرئاسة المحتملة عن توزع القوى المدنية على ثلاث مجموعات، هي: أولًا: بقي بعض رموز المعارضة مترددين بشأن موقفهم من انتخابات الرئاسة، وقد أسفر هذا التردد في الغالب عن رفض المشاركة في المشهد، في هذا السياق، نفى حسام بدراوي نيته الترشح لمنصب الرئيس[8]، بعد أن اعتقد البعض أن بدراوي ينوي خوض المنافسة؛ كونه دعا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة الإصلاح السياسي في مصر والتداول السلمي للسلطة في البلاد[9]. كذلك أعلنت جميلة اسماعيل رئيسة حزب الدستور، في 10 أكتوبر 2023، أنها لن تشارك في المنافسة على مقعد الرئاسة؛ التزاما بقرار الجمعية العمومية لحزب الدستور[10]. ثانيًا: بعض قوى المعارضة المدنية حاولت الوصول إلى موقف موحد من انتخابات الرئاسة يعبر عن هذه القوى، إلا أن هذا المسعى جوبه بالفشل  لعدد من الأسباب. آخر محاولة لتوحيد موقف الحركة المدنية من انتخابات الرئاسة، كانت دعوة رئيس حزب المحافظين المهندس أكمل قرطام إلى “تشكيل فريق رئاسي من المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة عن أحزاب المعارضة وكوادرها المستقلة”، جاءت هذه الدعوة خلال الاجتماع الذي ضم بعض مكونات الحركة المدنية. إلا أن ذلك أسفر عن غضب بعض قيادات الحركة ممن لم يدعا إلى الاجتماع، وأبرزهم رئيس تيار الكرامة حمدين صباحي، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، خاصة أن الاجتماع حضره شخصيات من خارج الحركة مثل الباحث السياسي عمار علي حسن، وعبد الجليل مصطفى، المنسق السابق للجمعية الوطنية للتغيير[11]. ثالثًا: القوى المدنية التي قررت على خوض السباق الرئاسي وبقيت على موقفها، وهي (أ) مجموعة فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، هذه المجموعة لم تقرر المشاركة كجزء من الديكور، لكنها بعيدة عن الشارع ولا تحظى بشعبية، لذلك لن تمثل تحدي حقيقي للقائمين على السلطة، لذلك فتح أمامها المجال، ونجح زهران في الترشح للمنصب. (ب) مجموعة أحمد الطنطاوي، وهو شاب طموح، له مواقف مبدئية، وحاول التقرب من الشارع وكسب تأييده؛ وهو ما نجح فيه بصورة كبيرة، عبر حرصه على الحضور في الشارع مع الناس، وفي ظل سياق مواتي حيث تراجعت شعبية الرئيس بصورة كبيرة، وحيث بدأ الناس يبحثون عن بديل. ويبدو من غير المبالغة القول أن في حال نجح طنطاوي في الترشح للمنصب كان سيمثل خطر كبير على النظام القائم. لذلك تعاملت أجهزة الدولة بتعنت كبير مع محاولات طنطاوي استكمال إجراءات الترشح؛ فلم يسمح لداعميه بالحصول على التوكيلات الشعبية اللازمة لاستكمال اشتراطات الترشح، نتيجة التعنت، وفي أحيان كثيرة الاعتداءات، الذي واجهه الراغبين في تحرير توكيلات تأييد له. فضلا عن الملاحقات الأمنية لأعضاء حملته الانتخابية، حيث ألقي القبض على 142 شخص من أعضاء حملة أحمد طنطاوي الانتخابية[12]، كما أفادت سيتيزن لاب، وهي هيئة مراقبة إلكترونية كندية، أن هاتف طنطاوي استُهدِفَ ببرنامج “بريداتور”، وهو برنامج تجسس…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022