ماذا بعد فوز السيسي بولاية ثالثة  لحكم مصر؟ ..التحديات والسيناريوهات المستقبلية

ضمن مسلسل من تجذر القمع والاستبداد في مصر، عبر آليات الاستقواء العسكري والخداع الاعلامي والحشد والتعبئة ، باستخدام لقمة العيش وتحريك المخاوف الشعبية من البديل، جاءت نتائج انتخابات ما يعرف بالرئاسة المصرية،  لتزيد من التدحرج السياسي المتسارع، نحو مستقبل مجهول، تحكمه المخاوف وتلونه الأزمات المجتمعية الشاملة، اقتصاديا وأمنيا وسياسيا… وقد أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية  فوز عبد الفتاح السيسى بفترة ثالثة في انتخابات، كانت نتائجها محددة سلفا، ولكن أشاد بها أنصاره باعتبارها تفويضا واضحا لست سنوات أخرى من الحكم، بقبضة حديدية، حتى في الوقت الذي تواجه فيه البلاد اقتصادا منهارا،  وحربا مستعرة في البلد المجاور، بحسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست“… وقد أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، الاثنين 18 ديسمبر الجاري، فوز عبد الفتاح السيسي بفترة رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات، إثر حصوله على نسبة 89.6% من الأصوات الصحيحة للناخبين، في الانتخابات التي جرت أيام 10 و11 و12 ديسمبر الجاري، ونافسه – بشكل صوري- ثلاثة من رؤساء الأحزاب المؤيدة له. وحصل السيسي على 39 مليوناً و702 ألف و451 صوتاً، من أصل 44 مليوناً و288 ألفاً و361 صوتاً صحيحاً، مقابل مليون و986 ألفاً و352 صوتاً لرئيس حزب “الشعب الجمهوري” حازم عمر، بنسبة 4.5% من الأصوات الصحيحة، ومليون و767 ألفاً و952 صوتاً لرئيس حزب “المصري الديمقراطي” فريد زهران بنسبة 4%، و822 ألفاً و606 أصوات لرئيس حزب “الوفد الجديد” عبد السند يمامة بنسبة 1.9%. وبلغت نسبة المشاركين في الانتخابات في الداخل والخارج 66.8% من قاعدة بيانات المواطنين الذين يحق لهم التصويت، البالغ عددهم 67 مليوناً تقريباً، بنسبة أصوات صحيحة بلغت 98.9%، مقابل 1.1% للأصوات الباطلة، وذلك وفق الأرقام المعلنة من هيئة الانتخابات، التي شكلها السيسي . أولا: دلالات النتائج: -عقدة مرسي: ويأتي اعلان  نسبة المشاركة عند نحو  67% ، بشكل متعمد، لتكون أعلى بنحو 20% من الانتخابات الحرة والنزيهة الوحيدة والأخيرة والتي عقدت عام 2012. وقد يبدو هذا الأمر غير متصور، مع أن الحكومة فعلت ما بوسعها لنقل موظفي الخدمة المدنية وتوزيع سلات الأرز والمكرونة والأغذية  وغير ذلك من الضروريات عند مراكز الاقتراع. -رغبة من السيسي لتأكيد تفويضا شعبيا لسياسته الكارثية:  ومنحت النتائج السيسي فرصة للزعم بأنه حصل على تفويض واسع لمواصلة ما ينظر إليها على أنها سياسات غير شعبية. وهو بحاجة إليها… وفاز السيسي بولايته الأولى بنسبة 96.9%  عام 2014، وبنسبة 97% في ولايته الثانية عام 2018، بعد قمع وسجن المرشحين الجادين الذين أعلنوا رغبتهم في الترشح لمنافسته، وهو ما تكرر في الانتخابات المنقضية باستبعاد البرلماني السابق أحمد الطنطاوي من السباق الرئاسي، بعدما مُنع وحملته من استكمال التوكيلات الشعبية اللازمة للترشح. ويسعى السيسي ، الذي لم يقدم برنامجا، أو يتحدث للمصريين أو يتعهد بوعود انتخابية، لفرض الامر الواقع المزري على المصريين، حيث حرص على زيادة اعداد ونسب التصويت والمشاركة، كي يبجو وأن الشعب راض على سياساته، ونهجه، وهو ما سيمكنه  ويمنحه أريحية في اتخاذ مزيد من السياسات الضاغطة عل الشعب ، معتمدا على ما يسميه واعلامه، بـ”التفويض”… -هندسة سلطوية للانتخابات: وشهدت الانتخابات انتهاكات واسعة على أبواب اللجان، منها شراء أصوات الناخبين لمصلحة السيسي مقابل 200 جنيه للصوت، من قبل أنصار حزب “مستقبل وطن” الحائز للأغلبية في البرلمان، وحشْد الموظفين في القطاعين العام والخاص، وطلاب الجامعات، في أتوبيسات  جماعية للإدلاء بأصواتهم رغماً عن إرادتهم، فضلاً عن إجبار المستفيدين من معاش “تكافل وكرامة” المخصص للفقراء من وزارة التضامن الاجتماعي على التصويت للسيسي، حتى يمكنهم صرف المعاش.. وكانت هيئة الانتخابات، التي عيّن السيسي رئيسها القاضي حازم بدوي في 4 أكتوبر الماضي، قد ادعت عدم تلقيها أية طعون من المرشحين في الانتخابات الرئاسية أو وكلائهم، في القرارات الصادرة عن اللجان العامة بشأن عملية الاقتراع خلال الموعد المحدد لهذا الإجراء، وهو 14 ديسمبر الحالي. وأشارت الهيئة إلى عدم تلقي اللجان العامة في المحافظات أية تظلمات من المرشحين أو وكلائهم، في ما يخص كافة المسائل المتعلقة بعملية التصويت في الانتخابات، منذ بداية أيام الاقتراع وحتى انتهاء أعمال الفرز، وإعلان الحصر العددي للأصوات الصحيحة الحاصل عليها كل مرشح في كل لجنة عامة. -اغراءات مالية كبيرة للمشرفين على الانتخابات: وخصصت هيئة  الانتخابات مكافأة مالية قيمتها 45 ألف جنية، لكل قاضٍ مشارك في الإشراف على انتخابات الرئاسة، بواقع 15 ألف جنيه عن كل يوم عمل في الانتخابات، فيما بلغت جملة المكافآت المخصصة للقضاة 680 مليون جنيه، لإجمالي 15 ألف قاضٍ تقريباً. وخصصت وزارة المالية مبلغ 3 مليارات و900 مليون جنيه من أموال الموازنة العامة للدولة لتغطية مصاريف الانتخابات الرئاسية، بما يعادل نحو 1.3 مليار جنيه عن كل يوم من أيامها الثلاثة، لتغطية بنود مثل مكافآت القضاة والموظفين الحكوميين المعاونين لهم، وبدلات ضباط وأفراد الجيش والشرطة المشاركين في تأمين الانتخابات، وتجهيز مراكز الاقتراع في المدارس ومراكز الشباب في 27 محافظة. ثانيا: عوامل أثرت  بالمشهد الانتخابي: -الجغرافيا السياسية ودعم لوجستي للسيسي: ووفقا لصجيفة “نيويورك تايمز” الامريكية،  لم يشكك أحد في النتيجة، بالنظر إلى كل مزايا قبضة السيسي  الاستبدادية على البلاد. وجاءت ميزة إضافية من الحرب في غزة المجاورة، والتي سمحت للسيسي بتقديم نفسه كزعيم قوي في الداخل والخارج، تماما كما فعل بعد الصراعات في ليبيا والسودان وسوريا وغيرها. وتشتعل الخريطة المضطربة التي تمثل الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ، بحريق متعدد الجبهات من خمسة إنذارات جعل السيسي، بطريقته العنيدة، يبدو وكأنه صخرة استقرار. فإلى الغرب من مصر يوجد الصراع الذي لا ينتهي في ليبيا، وإلى الجنوب منها سفك الدماء الداخلي في السودان. فيما تتكشف الهجمات الإسرائيلية على غزة عبر الحدود الشرقية لمصر. الشمال هو البحر الأبيض المتوسط، وأبعد من ذلك مباشرة أوروبا، التي يشعر قادتها بالذعر من احتمال حدوث موجة جديدة من المهاجرين. كما تسيطر مصر على قناة السويس، أحد أكثر ممرات الشحن حيوية في العالم. ووفق تقدير سياسي للدكتورة رباب المهدي، أستاذة  السياسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة “يحصل السيسي على استراحة كبيرة بسبب هذه البلد ، فقط بحكم الموقع”!! وعلى الرغم من أن إدارة أوباما علقت المساعدات العسكرية لمصر بسبب استيلاء السيسي على السلطة في عام 2013، إلا أنه بحلول عام 2015، أقنع عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة الولايات المتحدة بإعادة مصر إلى وضعها القديم كثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية في العالم. لقد تعلم السيسي بالفعل عدم الاعتماد على الصداقة الأمريكية وحدها، اذ نوع مصادر مشتريات أسلحته من فرنسا وروسيا وغيرهما. كما أن تقاربه مع موسكو، على وجه الخصوص، جعل الولايات المتحدة ،  تبقي القاهرة قريبة  منها لمواجهة النفوذ الروسي. الرئيس دونالد ترامب، الذي قيل إنه وصف السيسي بأنه “ديكتاتوري المفضل”، لم يكن لديه سوى القليل من الهواجس بشأن العلاقة. لكن الرئيس بايدن قال إنه فعل ذلك، داعيا خلال حملته الرئاسية الأولى إلى “عدم وجود شيكات على بياض” من شأنها أن تمكن…

تابع القراءة

“استراتيجية “السيسي” في التعامل مع حرب غزة: مصالح النظام ومخاطر الأمن القومي المصري”

امتدت تأثيرات العدوان الصهيوني على قطاع غزة،  على العديد من المناطق والدول، سواء على الصعيد الاقليمي او الدولي وغيره، وفي مقدمة الدول التي وقعت عليها التأثيرات والارتدادات الاستراتيجية  للحرب، مصر، بوصفها الجار الأقرب الأكبر لمصر،  وذلك لأسباب عدة ، من بينها الموقع الجغرافي وحدودها المشتركة مع القطاع التي حولت القاهرة رغمًا عنها إلى طرف أساسي في الصراع، فضلًا عن الدور المنوط بها القيام به بصفتها قوة إقليمية لها ثقلها، حتى إن تراجع في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من الارتباك الشديد الذي أصاب النظام المصري،  إثر حجم الضربات التي وجهتها المقاومة الفلسطينية لاسرائيل، إلا أنه حاول ركوب الموجة، والاستفادة من الحدث، بأشكال شتى ووسائل متعددة… فمنذ قبل العملية الجهادية لحماس “طوفان الأقصى” تداولت تقارير اسرائيلية العديد من الانتقادات لحكومة نتانياهو، مشيرة إلى أن المخابرات المصرية، كانت قد نقلت بشكل عاجل وسري  معلومات استخباراتية عن أن عمل كبيرا سيقع في قطاع غزة، إلا أن المخابرات الاسرائيلية لم تعبأ للتحذير المصري، وتعاملت مع الأمر بهدوء.. أولا: المواقف المصرية بين الارتباك والتماهي مع المصالح الإسرائيلية: 1-تصريحات متناقضة مع السياسات المصرية: وبدأ الموقف المصري مثيرا للجدل، حيث صدرت السلطات ودوائرها الإعلامية والسياسية سلسلة من التصريحات الرسمية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، رافضة تصفية القضية الفلسطينية، مؤكدة انحيازها للقضية الفلسطينية المطلق، وأنه على اسرائيل التوقف فورا عن اطلاق النار، والعمل على دعم حل الدولتين، وصولا لسلام دائم بالمنطقة… ومع تصاعد المواقف العسكرية الاسرائيلية، و اتجاه اسرائيل عبر وسائل اعلامها، لتهديد كل دول المنطقة بالاستهداف العسكري، بدأت المواقف المصرية أكثر ليونة و تماهيا مع المواقف الإسرائيلية… بل اتجه السيسي ونظامه وأدواته الاعلامية، نحو  الاستفادة من الحدث لخدمة  سياساته السلطوية، فيما يخص القضايا الداخلية والخارجية… 2-التخبط بين المصالح الإسرائيلية والحقوق الفلسطينية: وبالنظر إلى موقفها الضعيف نسبياً تجاه إسرائيل، واعتمادها على الدعم الأمريكي، فضلاً عن مواجهة الضغوط المحلية والإقليمية لتقديم موقف متعاطف تجاه الفلسطينيين وتجاه غزة على وجه الخصوص، فقد تبنت مصر موقفاً “أقل من المتوقع”، وفق تقديرات سياسية. فقد كان رفض مصر قبول اللاجئين على أراضيها مصحوباً بأحجامها عن الحد من حرية الحركة عبر معبر رفح، وهو القرار الذي كان متفقاً إلى حد كبير مع سياسة القاهرة القائمة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بالحصار المفروض على غزة. وبعد أسابيع من المفاوضات حول تقديم المساعدات الإنسانية لشعب غزة، سُمح بمرور مئات الشاحنات عبر معبر رفح، على الرغم من أن هذا العدد لا يقترب بأي حال من الأحوال من تغطية الاحتياجات المعلنة القطاع وسكانه. وسمحت مصر أيضًا بخروج عدد من مزدوجي الجنسية والأجانب من غزة، وبنقل عدد صغير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية،  لم يتجاوز عددهم العشرات. وإضافة لذلك، لعبت مصر دوراً هاماً في التوصل إلى وقف القتال في غزة لمدة 7 أيام والذي شهد إطلاق سراح حوالي 50  سجين إسرائيلي، و150فلسطيني، كما أعلنت أن نية إسرائيل للقضاء على حركة حماس في غزة هي ببساطة غير واقعية وأنها لن تلعب دورا بعد الحرب في إدارة الأمن في القطاع.  كما تعارض مصر، إلى جانب دول عربية أخرى، خطة إسرائيلية لإنشاء منطقة أمنية عازلة داخل قطاع غزة على طول حدودها مع القطاع. ومن المؤكد أن مصر لا تقبل بإسناد دور أمني لها في غزة، وهو الدور الذي من شأنه أن يلبي مطالب إسرائيل بإخضاع القطاع لسلطة أمنية قاهرة لأية أعمال مقاومة ضد إسرائيل. بالقيام بأي دور من هذا القبيل من شأنه أن يعيد مصر إلى مركز المداولات والمفاوضات والترتيبات المتعلقة بمستقبل قضية فلسطين، وهو ما أرادت مصر الانفصال عنه منذ عقود بسبب الأعباء الأمنية والسياسية والاقتصادية المرتبطة به. وبدلاً من ذلك، فما يمكن لمصر فعله هو اتباع مسار المهام المخصصة، مثل التفاوض على هدنة قصيرة المدى وإدارة معبر رفح، دون تقديم مبادرات كبرى. وإزاء ذلك، من المتوقع أن مصر ستستمر، بالمستقبل المنظور، في حالة من التخبط بطريقة “تحمي مصالح نظامها العسكري، وكذلك مصالح رؤسائه”.. 3-تعاطي مخزي للسيسي مع معبر رفح ينتقص السيادة المصرية: وبعد ساعات من بدء عملية طوفان الأقصى، فرضت إسرائيل على قطاع غزة “حصارًا كاملًا” إضافيًا على الحصار المفروض عليه منذ 16 سنة، وحرمت سكانه من الغذاء والمياه والدواء. ورغم مطالبة أمين عام الأمم المتحدة ومسؤولو المنظمات الأممية العاملة في قطاع غزة والعديد من رؤساء الدول بفتح معبر رفح، شريان الحياة والنافذة الوحيدة للقطاع على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية، لدخول المساعدات الإنسانية وخروج المرضى، لم يفتح المعبر إلا بعد مرور أسبوعين كاملين من بداية العدوان، ذلك أن النظام المصري، الذي يملك السيادة الكاملة على معبر رفح، نفى مسؤوليته عن إغلاق المعبر!. يشار إلى أنه وفق قرار الأمم المتحدة رقم 96 لسنة 1946، تعتبر الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، ويمكن التقاضي بشأنها أمام المحكمة الجنائية الدولية. ورغم السماح بدخول بعض المساعدات الشحيحة، ما زال معبر رفح شبه مفتوح وشبه مغلق في آن واحد. وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن ما دخل إلى القطاع من شاحنات المساعدات خلال الفترة السابقة لا يعادل ما كان يدخل في يومين قبل العدوان. ولا يسمح بمرور أكثر من 20% من الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات ومحطات المياه والمخابز وسيارات الإسعاف، وكلها مرافق حيوية لإنعاش حياة السكان في القطاع. وتطرح تلك الحالة من الإغلاق القسري والتحكم في معبر رفح من قبل إسرائيل العديد من التساؤلات، حول السيادة المصرية، ولماذا تنازلت مصر عن جزء من صلاحياتها وسيادتها… فبعدما سيطرت حماس على قطاع غزة في بداية سنة 2006، قالت محكمة العدل العليا في إسرائيل، وهي أعلى سلطة قضائية في الكيان المحتل، في مذكرة رفعت ضد وزير الأمن، إنه ليس لإسرائيل أي سيطرة فعلية على معبر رفح الذي يقع تحت سيطرة حماس من جانب والسلطات المصرية من الجانب الثاني. ورغم الادعاء بأنها دولة تحترم القانون وتقدس أحكام القضاء، رد رئيس الطاقم السياسي الأمني عاموس جلعاد على المحكمة في منتصف سنة 2006 بأنه “إذا لم يُطلق سراح جلعاد شاليط فإن معبر رفح لن يُفتح”. وهو اعتراف بسيطرة إسرائيل، وليس مصر، على معبر رفح للبت في إغلاقه أو فتحه. وفي سنة 2008، عادت المحكمة العليا فقالت إنه “يُمكن أن تكون لدولة إسرائيل في الوقت الراهن مصلحة بإبقاء معبر رفح مغلقاً كجزء من السياسة العامة تجاه حماس المسيطرة في القطاع.. ووفق دوائر سياسية، فقد، طلبت إسرائيل من مصر إبقاء المعبر في وضعية الإغلاق إلى حين عودة شاليط، وقد استجابت مصر لذلك. بحكم معاهدة جنيف، فإن إسرائيل ملزمة بالسماح للسكان بالانتقال إلى قطاع غزة ومنه، وأن تضمن لهم تزويداً مناسباً بالمواد الغذائية والأدوية، بالامتناع عن تقييد تنقل سكان غزة كعقاب جماعي لعموم السكان بسبب أعمال لم يرتكبونها هم. وبحسب  وزارة الخارجية المصرية في منتصف 2008، في مذكرة رسمية لجمعية…

تابع القراءة

هروب المستثمرين من مصر: أسباب ودلالات

بشهادات عالمية عدة، وقرائن دامغة، ليست خافية على المراقب لاقتصاد مصر وحركتها الاجتماعية والاقتصادية…لم تعد مصر واجهة استثمارية سواء لمستثمرين أجانب أو حتى محليين، بل أصبحت طاردة للجميع حتى رجال الأعمال المقربين من نظام عبدالفتاح السيسي، قرروا أيضًا الخروج من مصر بحيل «غير معتادة» رغم الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد والتي تتطلب استمرارهم للبناء عليهم. وذلك على الرغم من دأب السيسي، ووزراء حكومته على التأكيد على أن مصر ترحب بمشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، والإعلان عن تسهيلات هائلة للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب لحثهم على الدخول والتوسع في السوق المصرية. إلا أن رسائل وقرارات نظام السيسي، لم يكن لها صدى نهائيًا لدى أصحاب رؤوس الأموال بل إنها قوبلت بقرارات وتحركات سلبية، فأعلن وزير المالية المصري، محمد معيط، خروج 90% من الاستثمارات الأجنبية من البلاد، علاوة على إعلان رجال أعمال مصريين وقف استثماراتهم، أو مغادرة السوق المصري. الظاهرة المتزايدة بنصر، يمكن قراءتها في ضوء قرار ناصيف ساويرس ومن قبله نجيب ساويرس ومستثمرون آخرون.. أولا:ساويرس يصدم المصريين ذاهبا إلى الإمارات: وفي خطوة  ليست مفاجئة، قرر الملياردير الأغنى في مصر ناصف ساويرس نقل مكتب الاستثمار العائلي الخاص به، والمعروف بـ”مجموعة NNS” والذي يمثل امبراطوريته المالية والاستثمارية، إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، فيما وصفت شبكة “بلومبرج” العملية بأنها استمرار لـ”هجرة المليارديرات” إلى الإمارات. وقالت الشركة ، في 4 ديسمبر الجاري ، إن مجموعة “NNS” تهدف من هناك إلى بناء حصص كبيرة في عدد كبير من الشركات، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية. وقال ناصف ساويرس، في بيان: يسعدني أن أعلن عن التزامنا طويل الأمد تجاه الإمارات وسوق أبوظبي العالمي على وجه الخصوص.. أهمية الإمارات بالنسبة للنظام المالي العالمي تجعل NNS تعتقد أن نقل أنشطتها الرئيسية للإمارات سيساهم في مواصلة تطوير ونمو محفظتها وأنشطتها الأساسية. ..وإلى السعودية: وسبق ذلك،  إعلان رئيس شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، سميح ساويرس، عدم الدخول في استثمارات جديدة في مصر بسبب الأوضاع والقرارات الاقتصادية الحالية، وصعوبة دراسة ربحية المشروع إثر أزمة صرف العملة. وأضاف ساويرس، أنه بدأ بالفعل التفاوض بشأن تنفيذ العديد من المشاريع في المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن المملكة تشهد حاليًا ثورة على جميع المقاييس، وأن فرص الاستثمار بها سواعدة في ظل ما تقدمه من تسهيلات. …وإلى البرتغال: وكذلك  استحوذ رجل الأعمال ناصف ساويرس، على 46% من أسهم الشركة الرياضية التابعة لأحد الأندية البرتغالية. وأعلن نادي فيتوريا جيماريش البرتغالي، عبر موقعه الرسمي، عن استحواذ ساويرس على نسبة كبيرة من أسهم الشركة الرياضية التابعة للنادي، مشيرًا إلى أن الصفقة تمت مقابل 5.5 مليون يورو. ويعد ساويرس أغنى رجل في مصر، حيث تبلغ ثروته الصافية حوالي 7.6 مليار دولار، وفقا لمؤشر “بلومبرج” للمليارديرات. وتتنوع استثمارات ناصف ساويرس، حيث استثمر في شركة Adidas AG الألمانية لصناعة السلع الرياضية وكذلك في نادي كرة القدم الإنجليزي أستون فيلا، وفقاً لما ذكرته “بلومبرج”. ويأتي قرار ناصيف ساويرس، ضمن سلسلة متواصلة من هجرة المستثمرين والأموال إلى خارج مصر… ثانيا:قلق وترقب بالأسواق بعد قرار ناصيف ساويرس: وقد أثار القرار مخاوف جمة في الوسط الاقتصادي والاوساط المالية فى مصر، إذ يعد “ساويرس” من أكبر الكيانات الاقتصادية بمصر..وأمام الاضطراب الكبير الذي حدث بالسوق المصري، وخشية من بطش السلطات بأموال  آل ساويرس، حاول نجيب ساويرس الشقيق الأصغر لناصيف تلطيف الأجواء، بتصريحات اعلامية لقناة العربية”، بأن شقيقه نقل مكتبه فقط من لندن إلى دبي، وأن أعماله ومشاريعه قائمة بالقاهرة، مشيرا إلى أن ناصيف  يقيم خارج مصر منذ نحو 10 سنوات… وفي وقت سابق رد رجل الأعمال، سميح ساويرس رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم القابضة للتنمية، على أنباء خروج استثمارات العائلة من مصر وأكد إن كل مشروعات آل ساويرس في مصر مستمرة دون توقف. إلا أن  سميح ساويرس عاد وأكد في بيان له ضرورة إنهاء تعدد أسعار الصرف لضمان استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مشددا على خطورة تأثير سعر صرف الدولار سلبا على الاستثمار فى مصر..وذلك في إشارة إلى فوضى أسعار  صرف العملات الأجنبية بمصر، حيث تربط الحكومة سعر الدولار بالبنوك عند نحو 31 جنيه للدولار، فيما يصل سعره في السوق الموازية إلى أكثر من 52 جنيها للدولار، بل يسعر كل أصحاب سلعة ومهنة الدولار بسعر معين،  يختلف عن الآخر، كما بين أصحاب شركات السيارات والذهب والأغذية والمستوردين…الخ. ثالثا:  ساويرس ليس أول الهاربين: ومع إعلان ناصيف ساويرس نقل مكتبه إلى أبوظبي، تثور الكثير من التساؤلات ، حول وهنا تُطرح تساؤلات حول ما هي الأسباب التي تؤدي إلى هروب الاستثمارات من مصر إلى خارجها؟ وإلى متى ستظل البيئة الاقتصادية في مصر طاردة للاستثمار؟، وهل ما يحدث هروب أم بحث عن استثمارات جديدة؟ وعلى مدار سنوات، وتحديدًا منذ تحرير سعر العملة الوطنية، اتجه الكثير من كبار رجال الأعمال المصريين والشركات الكبرى إلى الاستثمار خارج مصر وبالأحرى في دول الخليج، وهو ما يعني هروب رؤوس الأموال المصرية، وأيضًا يؤكد نظرية أن رأس المال «جبان»، أي أنه عندما لا تتوافر البيئة الاقتصادية المناسبة يهرب بعيدًا…ومن نماذج الهروب الواضحة بمصر: 1-انتقال “بلتون” القابضة للأردن: ومؤخرا، كشفت “«بلومبيرج” أن مؤسسة «بلتون المالية القابضة» والتي تعد إحدى المؤسسات المالية الكبرى في مصر تدرس دخول سوق التمويل الاستهلاكي في الأردن  من خلال شركتها التابعة لها “سفن”.. يُذكر أن «بلتون» تأسست كشركة مساهمة مصرية في مايو 2006، وأُدرجَت أسهمها في البورصة المصرية في أبريل 2008، ورفع رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة حصته بها، ولديها سيولة وفيرة قدرت بنحو 10 مليارات جنيه، ستنفق منها 1.1 مليار جنيه على شراء مبنى إداري جديد لها في القاهرة الجديدة بالتقسيط. وكانت «بلتون» استحوذت على شركة «كاش» للتمويل متناهي الصغر بنحو 120 مليون جنيه، وعلى حصة تبلغ 20% من شركة «أريكا» الناشئة المتخصصة بصناعة وبيع مفروشات المنازل ومستلزمات الديكور. وتتبع «بلتون» أيضا 18 شركة متخصصة في نشاطات الاستثمار، وإدارة الأصول، والأوراق المالية، وتغطية الاكتتابات،  وأظهرت القوائم المالية المستقلة لشركة «بلتون» تكبدها خسائر بقيمة 71.37 مليون جنيه خلال الثلاث أشهر الأولي من العام الحالي، مقابل صافي خسائر بقيمة 18.93 مليون جنيه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. وذلك على خلفية عدم الاستقرار الاقتصادي بمصر، وتفاقم أزمة العملة وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية بالسوق المصري.. 2-هروب”شركة  فاليو ” إلى الأردن: وكذلك  أعلنت «فاليو» التابعة لمجموعة «إي إف جي القابضة»، أكبر مؤسسة في سوق التمويل الاستهلاكي في مصر، عن سعيها للدخول إلى السوق الأردنية قبل نهاية العام الجاري. 3- رجل الأعمال محمد  منصور ينسحب للخارج: وكانت عدة تقارير غربية وأمريكية ، قد  كشفت عن توصل رجل الأعمال المصري، وصاحب توكيل شيفرولية مصر، محمد منصور، لاتفاق لشراء نادي في الدوري الأمريكي انطلاقًا من عام 2025، بقيمة نصف مليار دولار. وأضافت التقارير، أن منصور كسر بذلك الرقم القياسي للمبلغ…

تابع القراءة

أبعاد الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة

9/12/2023 منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، تركزت الأنظار على الموقف المصري من بين المواقف العربية الأخرى؛ نظرًا إلى ثقل مصر الإقليمي، وكونها الدولة العربية الوحيدة التي تجمعها حدود مشتركة مع غزة، وتتأثر مباشرة بما يجري فيها. ومع تصاعد العدوان، وانتشار مشاهد القتل والتدمير، تطور الموقف الرسمي المصري إلى تصعيد لغة الخطاب وتعبئة الإعلام والشارع ضد العدوان. ولم تشهد مصر مثل هذه المواقف منذ عقود طويلة، مع استثناء الفترة الوجيزة التي قضاها الرئيس محمد مرسي في الحكم (2012-2013)[1]. ورغم ذلك، فإن أغلب التحليلات والقراءات تري أن هذا الموقف الرسمي المصري، خاصة علي مستوي الأفعال والممارسات علي أرض الواقع، لم يكن علي مستوي الحدث، وأنه موقف متخاذل بل ومتواطئ مع الاحتلال في حصاره وعدوانه علي القطاع. وعليه تسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي حقيقة الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي الحالي علي قطاع غزة، وتوضيح أبعاد هذا الموقف. أولًا: الأبعاد الأمنية: يمكن الإشارة إلي مجموعة من الأبعاد الأمنية (وهي الأبعاد الأهم من بين باقي الأبعاد) للموقف المصري تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة، والتي تتمثل بصورة رئيسية في: 1- منع تهجير الفلسطينيين من غزة إلي سيناء:  تدفع إسرائيل  الفلسطينيين في قطاع غزة إلى الخروج إلي سيناء عبر الحدود البالغ طولها 13 كيلومترًا مع مصر، بداية من البحر المتوسط وحتى معبر كرم أبو سالم. في محاولة لتكرار ما فعلته بعد عام 1948 مع سكان فلسطين ودفعهم للخروج إلى الأردن وسوريا ولبنان، على نحو كان من المفترض أن يكون مؤقتًا، ولكنه تحول إلى إقامة دائمة أفرزت أزمة اللاجئين الفلسطينيين[2]. فبعد أيام قليلة من القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، أخذت دعوات تفريغ القطاع من السكان طابعًا رسميًا، حيث طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من 1.1 مليون شخص في شمال غزة إخلاء منازلهم على الفور، في خطوة تشير إلى وجود مخطط لتهجير أهالي القطاع الذي يعيش فيه نحو 2.3 مليون شخص تحت حصار منذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007. لاحقًا، أصبحت الدعوات صريحة على لسان المسؤولين الإسرائيليين، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين، ريتشارد هيشت، قوله إنه ينصح الفلسطينيين الفارين من غاراته الجوية بالتوجه إلى الأراضي المصرية في سيناء، مؤكدًا أن “معبر رفح مفتوح، وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك”، في وقت تكثف قوات الاحتلال استعداداتها لاجتياح بري للقطاع، لكن بعد ساعات عدل جيش الاحتلال التوصية، وأكد إغلاق المعبر، وأنه لا نية لتوجيه سكان غزة بالخروج عبر معبر رفح على الحدود الجنوبية مع مصر. وأكدت السفيرة الإسرائيلية في القاهرة، أميرة أورون، أن “إسرائيل ليس لديها أي نوايا متعلقة بسيناء، ولم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى هناك”، وأضافت: “إسرائيل ملتزمة بمعاهدة السلام مع مصر التي حددت فيها، جليًا، الحدود بين البلدين”، وزادت: “سيناء أرض مصرية حارب فيها الجيش المصري الإرهاب خلال السنوات العشر الماضية”[3]. لكن هذا النفي لم يمنع الجدل حول حقيقة الموقف الإسرائيلي من تهجير الفلسطينيين في غزة إلي سيناء، خاصة بعدما نشرت مجلة “كالكاليست” التابعة لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في 24 أكتوبر،  تقريًرا مسربًا يكشف دفع وزارة الاستخبارات الإسرائيلية الحكومة الإسرائيلية للبدء في تطبيق خطة التهجير القسري للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، وبالتحديد من رفح المصرية حتى مدينة العريش واعتبارها منطقة آمنة تتبع الإدارة المصرية، في مقابل احتلال إسرائيل لمساحة قطاع غزة. ومن هنا تؤيد الوثيقة الاستخباراتية الإسرائيلية المسربة خطة الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة؛ لهدفين، الأول، تمهيدًا لاحتلال القطاع، والثاني، الضغط على مصر لاستقبال الفلسطينيين ونقل سكان غزة إلى الأراضي المصرية. ويقوم مشروع إنشاء دولة “غزة الكبرى” على ثلاث مراحل، وهي: (1) إنشاء مدن خيام في سيناء جنوب غرب قطاع غزة. (2) إنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان. (3) بناء مدن في شمال سيناء. تمهد هذه المراحل إلى نقل تبعية غزة إلى الإدارة المصرية، وتحمل الاقتصاد المصري تنمية القطاع الجديد بحدوده الجديدة، عبر إعادة إنشاء البنية التحتية وخطوط الطاقة وسبل معيشة الفلسطينيين المهجرين قسريًا. وفي الوقت نفسه، تقام منطقة عازلة بعرض عدة كيلومترات داخل مصر جنوب الحدود مع إسرائيل، حتى لا يتمكن السكان المهجرون من العودة[4]. وكانت وزيرة الاستخبارات في حكومة الاحتلال طالبت المجتمع الدولي بإعادة توطين أهل غزة في دولة أخرى. وقالت “جيلا غمليئيل” في مقال نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، في 19 نوفمبر 2023، أنه: “إيجب على المجتمع الدولي دعم إعادة التوطين الطوعي” للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة المحاصر في بلدان أخرى”. واعتبرت الوزيرة أن أحد الخيارات أمام غزة بعد الحرب “تشجيع التوطين الطوعي للفلسطينيين خارج قطاع غزة لأسباب إنسانية”[5]. هذا بالإضافة إلى دعوة وزير الطاقة الإسرائيلي، المقرر أن يصبح وزيرًا للخارجية اعتبارًا من يناير 2024، يسرائيل كاتس، خلال لقائه بصحيفة “بيلد” الألمانية، في 23 أكتوبر 2023، إلى “إدخال سكان القطاع إلى سيناء وتسكينهم”[6]. وسبق أن دعت بعض الدوائر الإسرائيلية والأمريكية، مع تصاعد الحديث عن الغزو البري لقطاع غزة، لتوفير ما تسمية “ممرات إنسانية آمنة” إلى سيناء لتجنيب المدنيين الفلسطينيين آثار الحرب[7]. وهناك توجه عام داخل المراكز البحثية الإسرائيلية المحسوبة على التيار اليميني المتطرف لتنفيذ فكرة تهجير سكان غزة إلي مصر. علي سبيل المثال؛ نشر معهد “ميشغاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية دراسة تحت عنوان”: “خطة توطين وتأهيل نهائي لجميع سكان غزة في مصر.. الجوانب الاقتصادية”، والتي استندت إلى استغلال أزمة مصر الاقتصادية، من أجل الضغط عليها وتهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء، كمرحلة أولى مقابل “امتيازات مادية ضخمة”، قبل أن يتم نقلهم إلى المدن الجديدة. وتعتمد الخطة الإسرائيلية على تقديم حوافز مالية فورية  لمصر تصل إلى 20 أو 30 مليار دولار. وأشارت الدراسة إلى أنه في عام 2017، تحدثت تقارير أن هناك حوالي 10 ملايين وحدة سكنية خالية في مصر، ما يعني أنها قادرة علي استيعاب إجمالي عدد سكان غزة الذي يصل إلي 2.2 مليون، ويمثلون أقل من 2% من إجمالي سكان مصر، والذي يضم بالفعل اليوم حوالي 9 ملايين لاجئ من عدة جنسيات عربية أخرى. وأشارت الدراسة إلى أنه “بالنسبة للدول الأوروبية، وبشكل رئيسي دول أوروبا الغربية مثل فرنسا وألمانيا، فإن نقل جميع سكان غزة إلى مصر وإعادة تأهيلها مع الحد بشكل كبير من خطر الهجرة غير الشرعية إلى أراضيهم يمثل ميزة كبيرة”. وزادت: “من المتوقع أيضًا أن تستفيد السعودية بشكل كبير من هذه الخطوة، لأن إخلاء قطاع غزة يعني القضاء على حليف مهم لإيران (حماس والجهاد الإسلامي)، ومساهمة كبيرة في الاستقرار بالمنطقة، وبالتالي السماح بتعزيز السلام مع إسرائيل، دون التدخل المستمر للرأي العام المحلي بسبب جولات القتال المتكررة التي لا نهاية لها[8]. وتشير الأبحاث والدراسات الإسرائيلية طوال عشر سنوات سابقة بضرورة تحمل مصر مسؤولية الفلسطينيين في غزة، إما بنقل غزة إلى الإدارة المصرية على غرار ما قبل يونيو 67 أو…

تابع القراءة

الدعم الأمريكي لإسرائيل في عدوانها علي غزة: الأبعاد والدوافع والحدود

14/12/2023 بدا التدخل الأمريكي في الحرب الإسرائيلية على غزة غريبًا، ليس من حيث التدخل نفسه، ولكن من حيث درجته ومستواه الذي بلغ حد الانخراط المباشر[1]. ففي الحرب الروسية الأوكرانية، دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بالسلاح والمال، ولكنها لم تحرك أسطولها البحري إلى سواحل أوكرانيا، مع علمنا الفرق بين إمكانية ردع دولة كروسيا أو ردع حزب الله وإيران. وشمل الدعم الأميركي لإسرائيل مجالات عديدة: الدعم السياسي والدبلوماسي، والدعم العسكري، وتبنى السردية الإسرائيلية. بيد أن الدور الأميركي لم يقتصر على الدعم بل تعداه إلى الشراكة في وضع أهداف الحرب السياسية، والتي لا توليها إسرائيل أي اهتمام بسبب نزعتها للانتقام عسكريًا من حركة حماس وقطاع غزة، واقتصار رؤيتها على هذا الأمر فقط[2]. الأمر الذي جعل السؤال أكثر إلحاحًا عن دوافع الإدارة الأمريكية التي سحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، والتي تعد استمرارًا لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي يفترض أنها امتلكت رؤية تصحيحية للأخطاء الكارثية لإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، وتضاف إلى ذلك التحديات الاستراتيجية التي تواجه مصالح الولايات المتحدة في العالم، بحيث يصير الدعم اللامحدود لعدوان الإبادة الإسرائيلي على غزة متعارضًا بدرجة ما مع ضرورات تلك التحديات ومتطلباتها[3]. ومؤخرًا بدأت بعض التيارات المعارضة للدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في الظهور سواء داخل الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، وهو ما يعتبر حدث أول وفريد من نوعه، حيث إن سياسة الدعم المطلق لإسرائيل تعتبر واحدة من السياسات النادرة التي يتفق عليها كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ لأهمية إسرائيل للولايات المتحدة وما تمثله كحليف قوي والأكثر إخلاصًا في منطقة الشرق الأوسط. لكن مع الأزمة الحالية والقصف المستمر لقطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدة تفوق الشهر، دون تحقيق أي تقدم في الهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية وهو القضاء على حركة حماس، وزيادة أعداد الداعمين للقضية الفلسطينية من الشعب الأمريكي، واقتراب انتخابات رئاسية مشتعلة، بدأت تعلو أصوات تطالب بتخفيف الدعم المادي لإسرائيل للعديد من الحسابات الداخلية والخارجية[4]، وهو ما أدي إلي قيام واشنطن بتقييد دعمها المطلق لإسرائيل. وعليه تسعي هذه الورقة إلي الوقوف علي أبعاد هذا الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل في عدوانها علي غزة، ودوافعه، وحدوده.   أولًا: أبعاد الدعم الأمريكي لإسرائيل في عدوانها علي غزة: تتمثل أبعاد الدعم الأمريكي لإسرائيل في عدوانها علي غزة في: 1- الدعم السياسي والدبلوماسي: تركزت تحركات الولايات المتحدة الدبلوماسية في: المحور الأول: التضامن الدبلوماسي الثنائي:  خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 7 أكتوبر 2023، بخطاب سياسي كشف فيه عن فحوى الاتصالات التي أجراها مع القادة الإسرائيليين والذي عبر فيها عن التزام أمريكي راسخ بأمن إسرائيل، وتأييده لحقها في الدفاع عن نفسها، ووصم المقاومة الفلسطينية وفصائلها بـ”الإرهاب”، كما كشف عن عملية سيتم من خلالها تنسيق أمريكي إسرائيلي كامل على كافة المستويات حيث تم توجيه أركان إدارته على مستوى مستشاري الأمن القومي والجيش والاستخبارات للتنسيق مع نظرائهم في الجانب الإسرائيلي لتقديم الدعم المطلوب لإسرائيل والاتفاق على الأهداف المقبلة، وكذلك استراتيجية إنهاء هذا التصعيد وكيفية الاستفادة منه لصالح الموقف الاستراتيجي لإسرائيل[5]. وفي خطاب ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 10 أكتوبر 2023، وضع حركة حماس على قدم المساواة مع تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” (داعش)، ووصفها بـ “الشر المطلق”. في المقابل، أشاد بإسرائيل وبعلاقته الوطيدة بها، التي تمتد أكثر من خمسين عامًا، في حين لم تنل معاناة الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة نصيبًا في خطابه، وأشار إلى أن “حماس لا تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير”. وذهب بايدن أبعد من ذلك في تأييده سياسات إسرائيل؛ فقد قال إنه أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية أنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن رده سيكون “سريعًا وحاسمًا وساحقًا”، وهو ما يعني إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار في الجرائم التي تصل حد الإبادة ضد أكثر من 2.3 مليون من سكان قطاع غزة. وقد أكدت مذكرة داخلية مسربة من وزارة الخارجية الأميركية هذا التوجه، تضمنت توجيهًا للدبلوماسيين الأميركيين بأن يتجنبوا استخدام عبارات مثل “وقف التصعيد/ وقف إطلاق النار”، و”إنهاء العنف/ إراقة الدماء”، و”استعادة الهدوء”. وعوض ذلك، جعلت إدارة بايدن “القضاء” على حماس هدفًا أساسيًا لها، وهو الهدف الذي أعلنته إسرائيل. ورغم بدء بايدن وأركان إدارته، منذ الثالث عشر من أكتوبر 2023، في الإشارة إلى ضرورة أن تحترم إسرائيل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إلا أن هذه الإدارة لا تزال ترفض الاعتراف بأن عمليات القصف الوحشي التي تشنها إسرائيل ضد القطاع، والتي أوقعت آلاف الضحايا، أغلبهم من الأطفال والنساء، وهجرت مئات الآلاف من المدنيين، ودمرت البنى التحتية، تعد جرائم حرب. وتتذرع بأنه لا يمكن الجزم بحقيقة ما يجري في قطاع غزة بسبب “ضباب الحرب”[6]. ومنذ 7 أكتوبر 2023، تتواصل الولايات المتحدة بشكل مستمر مع الجانب الإسرائيلي سواء عبر الاتصالات التليفونية أو الزيارات المتكررة للمسئولين الأمريكيين إلي تل أبيب بدءًا من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مرورًا بوزير الدفاع لويد أوستين، وصولًا إلي الرئيس الأمريكي جو بايدن. وجاءت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 18 أكتوبر 2023، إلى إسرائيل في زمن الحرب، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس للولايات المتحدة إسرائيل وهي في حالة حرب، وهي سابقة لم يفعلها رئيس أمريكي، حتى في حرب أكتوبر 1973[7]. ولعل صور الرئيس الأمريكي وهو يحضر مجلس الحرب الإسرائيلي، في 18 أكتوبر، خير شاهد على تحول واشنطن من دعم إسرائيل في هذه الحرب إلي المشاركة الفعلية فيها[8]. وقد تكررت في المؤتمرات الصحفية المشتركة للمسئولين الأمريكيين مع نظرائهم الإسرائيليين في تل أبيب مقولات تقليدية، مثل: “أمن إسرائيل جزء من أمن الولايات المتحدة”، و “أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ثابت كالصخر”، و “أن واشنطن تدين بشكل لا لبس فيه هذا الهجوم المروع ضد إسرائيل من قبل إرهابي حماس”، و “أن واشنطن مستعدة لتقديم جميع وسائل الدعم المناسبة لحكومة وشعب إسرائيل”، مع إظهار التعاطف العميق مع ضحايا الأحداث[9]. ولا تزال التصريحات الأمريكية الرسمية، ترفض “وقف إطلاق النار” لوقف الحرب الإسرائيلية علي غزة، وترى أن لدى إسرائيل “حق مطلق في الدفاع عن النفس”[10]، ولا تزال واشنطن  تؤكد علي دعمها الصارم لإسرائيل لحقها في الدفاع عن نفسها، متغاضية عن تجاوز إسرائيل لهذا الحق بشكل سافر أقل ما يوصف أنه جريمة حرب، وإبادة جماعية[11]. وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، في ٢٣ أكتوبر 2023، لشبكة “سي إن إن”: “لا نعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لوقف إطلاق النار.. لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وما زال أمامها عمل يتعين عليها القيام به لملاحقة قيادة حماس”[12]. وجدد البيت الأبيض، في 24 أكتوبر، رفضه الهدنة، معتبرًا إعلان وقف إطلاق نار في غزة “سيفيد حماس فقط”، داعيًا إلى النظر في فترات “تعليق” للقصف لإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع،…

تابع القراءة

انتخابات ليبيريا وتجربة ديمقراطية جديدة في إفريقيا

جاءت انتخابات ٢٠٢٣ في ليبيريا لتكون نقطة تحول رئيسية لمعرفة ما إذا كانت البلاد تواصل تقدمها نحو توطيد الديمقراطية، أو تنزلق مرة أخرى نحو نموذج الحكم الاستغلالي والإفلات من العقاب في العقود السابقة. لا يزال الليبيريون يعانون من الصدمة من ممارسات الحكم العدواني للانقلاب العسكري الذي أوصل صمويل دو ثم تشارلز تيلور إلى السلطة. وقد كانت إساءة استخدامهم للسلطة هي التي أدت إلى اندلاع الحروب الأهلية الكارثية وإدامتها من عام ١٩٨٩ إلى عام ٢٠٠٣، مما أدى إلى مقتل ٢٥٠ ألف شخص من بين السكان الذين يبلغ عددهم ٥ ملايين نسمة. فكيف يُمكن فهم الحياة السياسية في ليبيريا؟ وماذا كانت خلفيات الانتخابات الأخيرة؟ وكيف كانت نتائجها؟ وكيف يُمكن تقييمها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير الموجز.. الحياة السياسية في ليبيريا: يتميز النظام السياسي الليبيري بكونه نظامًا رئاسيًا مكونًا من مجلسين (مجلس الشيوخ الليبيري مُكوَّن 30 مقعد، ويتم انتخاب الأعضاء مباشرة في 15 دائرة مُكوَّنة من مقعدين عن طريق التصويت بالأغلبية البسيطة، وتتم الانتخابات كل 9 سنوات). ومعه مجلس النواب (مكون من 73 مقعد؛ الأعضاء المنتخبون مباشرة في دوائر ذات مقعد واحد، عن طريق تصويت الأغلبية البسيطة للخدمة لفترات مدتها 6 سنوات؛ مؤهلون لولاية ثانية). عٌقدت انتخابات النواب آخر مرة في 10 أكتوبر 2017 وتمت إعادتها في أكتوبر 2023. أما الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات فهي 14 حزب سياسي؛ أشهرهم حزب الكونغرس من أجل التغيير الديمقراطي CDC وهو الحزب الحاكم، وحزب المؤتمر الوطني البديل ANC، وحزب الحرية LP، وحزب الوحدةUP .[1] وعلى الرغم من أن سكانها كانوا جميعًا من ذوي البشرة السمراء، إلا أن تمييزًا عنصريًّا بين الليبيريين الوافدين والسكان الأصليين ساد المجتمع الليبيري؛ كنتيجة طبيعية لسيطرة الأفرو- أمريكان على الثروة والسلطة، ما خلق حالة مستدامة من التوتر السياسي، حتى قام مجموعة من العسكريين من السكان الأصليين، بقيادة الرقيب “صمويل دو”، بانقلاب عسكري عام 1980، أطاحوا فيه بالرئيس “ويليام تولبرت”، وقتلوه وحاكموا حكومته، وأعدموا ثلاثة عشر وزيرًا ومسؤولًا. خلفيات الانتخابات في ليبيريا: عانت ليبيريا خلال السنوات الأخيرة من مجموعة من الإشكاليات على رأسها؛ الفساد: حيث انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية وكبار مسؤولي البيت الأبيض مرارًا وتكرارًا سجل الفساد وحقوق الإنسان في إدارة واياه، بما في ذلك العنف ضد الصحفيين والقتل التعسفي على أيدي الشرطة. فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ثلاثة من كبار المسؤولين في إدارة واياه في أغسطس ٢٠٢٢، كما انتقد البنك الدولي وسفراء تسع حكومات الحكومة بسبب إساءة استخدام أموال المانحين. في غضون ذلك، أصبح أمراء الحرب من حقبة الحرب الأهلية أكثر ظهورًا داخل إدارة واياه. فقد أعطى الأمير جونسون تأييدًا مبكرًا لواياه. وزعم آخر، وهو أوغسطين ناجبي، أنه كان يُكوِّن ميليشيا خاصة لحماية واياه. حتى تشارلز تيلور يواصل فرض نفوذه من زنزانته مشددة الحراسة في المملكة المتحدة على الرغم من إدانته بارتكاب جرائم حرب في لاهاي. وتعد زوجته السابقة، جويل هوارد تايلور، هي نائبة للرئيس واياه. كما أنها أيضًا زعيمة في الحزب الوطني القومي، الذراع السياسي للجبهة المسلحة لتايلور. والفقر: حيث اندلعت احتجاجات دورية في مونروفيا كاستجابة للصعوبات الاقتصادية المتزايدة في بلد يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر. كان الدافع وراء ذلك هو الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والوقود نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا. يواجه الليبيريون أيضًا قوة شرائية متناقصة حيث ضعف الدولار الليبيري بشكل مطرد. ضعف المؤسسات الديمقراطية: بعيدًا عن شخصيات المرشحين، كانت القضية المركزية محل الأنظار في انتخابات ٢٠٢٣ في ليبيريا هي مدى قدرة المؤسسات الديمقراطية الناشئة في البلاد على مقاومة الضغوط لاستيعاب وإعادة إنشاء نموذج الرجل القوي للسلطة التنفيذية. التعديلات الدستورية: في استفتاء ديسمبر ٢٠٢٠، اقترح واياه ثمان تعديلات على الدستور، أهمها تقصير فترة الرئاسة من ٦ سنوات إلى ٥ سنوات (في محاولة لاستخدام واياه التعديل كذريعة للسماح له بشغل المنصب لفترتين لمدة ٦ سنوات ثم فترتين لمدة ٥ سنوات).[2] نتائج الانتخابات وإرساء قواعد الممارسة الديمقراطية: تنافس في هذه الانتخابات 26 حزب سياسي، بالإضافة إلى 3 ائتلافات وتحالفين، ورشح هؤلاء 18 مرشح رئاسي، بالإضافة إلى مرشحين مستقلين، وكان أبرز المرشحين الرئيس المنتهية ولايته الأولي واياه، و”جوزيف بواكاي”، وفاز بواكاي في جولة الإعادة بفارق ضئل جدًّا، وحققت هذه الانتخابات أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات الليبيرية حيث وصلت إلى 78,88%. وكانت النتائج في مجلس النواب، استمرار ائتلاف واياه “التحالف من أجل التغيير الديمقراطي”، في المركز الأول بأكثرية 25 مقعد، وتلاه حزب الوحدة في المركز الثاني بـ11 مقعد، وتلاهما ائتلاف الأحزاب السياسية المتعاونة بـ6 مقاعد، وتلاهم حزب حركة الديمقراطية وإعادة الإعمار بـ4 مقاعد، ثم توزع الـ8 مقاعد المتبقين على 7 أحزاب أخرى، أحدها بمقعدين، والباقون بمقعد واحد، و19 مستقلين. وفي مجلس الشيوخ، جرى التصويت على 15 مقعد للتجديد النصفي، ومن خلال النتائج تقدم ائتلاف واياه “التحالف من أجل التغيير الديمقراطي”، إلى المركز الأول بأكثرية 9 مقاعد، وتلاه حزب الوحدة في المركز الثاني بـ3 مقاعد، وتلاهما ائتلاف الأحزاب السياسية المتعاونة بـ3 مقاعد، وتلاهم حزب الحركة الديمقراطية وإعادة الإعمار بمقعدين، ثم ثلاثة أحزاب كل منهم مقعد واحد، و10 مقاعد للمستقلين. ومن خلال نتائج هذه الانتخابات الأخيرة، يُلاحظ أن صاحب منصب الرئاسة واياه خسر أمام منافسه بواكاي، وعلى الرغم من خسارة واياه للرئاسة، احتل حزبه وتحالفه المركز الأول في مجلسي النواب والشيوخ، وعلى الرغم من فوز بواكاي بالرئاسة، احتل حزبه المركز الثاني في مجلسي النواب والشيوخ، وبفارق كبير عن حزب وتحالف واياه. [3] تقييم التجربة الانتخابية الأخيرة في ليبيريا: خلت العملية الانتخابية البرلمانية والرئاسية، التي أُجريت بين أكتوبر ونوفمبر من العام الجاري 2023 في ليبيريا، مما يشوب الانتخابات الإفريقية بصفة عامة، من خروقات ديمقراطية جسيمة. وبهذا تكون الديمقراطية الليبيرية الناشئة، قد قطعت شوطًا لا بأس به على الطريق الصحيح. وتتسم التجربة الديمقراطية الليبيرية بقدر كبير من الخصوصية؛ كونها نشأت في أعقاب حربين أهليتين متعاقبتين، كادتا أن تقضيا على أقدم جمهورية في إفريقيا. ففي نهاية المرحلة الانتقالية، التي أعقبت الحرب الأهلية الليبيرية الثانية، أجريت انتخابات رئاسية وتشريعية عام 2005، وصفها جُلّ المراقبين بالحرة والنزيهة، وأسفرت عن فوز “إلين سيرليف”، لتكون أول رئيسة منتخبة ديمقراطيًّا، بعد الصراع الطويل الدامي في ليبيريا، وأول امرأة تترأس دولة في إفريقيا، ثم أُعيد انتخابها عام 2011، وبعد انتهاء ولايتيها الرئاسيتين طبقًا للدستور، انتقلت السلطة سلميًّا إلى أيقونة كرة القدم الإفريقية “جورج واياه”، بعد فوزه في انتخابات عام 2017، فيما سعى واياه في انتخابات هذا العام 2023، إلى ولاية رئاسية ثانية، وعلى الرغم من فوز حزبه “المؤتمر من أجل التغيير الديمقراطي” على رأس ائتلاف حزبي “التحالف من أجل التغيير الديمقراطي” بأكثرية المقاعد في البرلمان بمجلسيه، إلا أن واياه خسر الرئاسة. ويُمكن تقييم التجربة الديمقراطية في ليبيريا من خلال عنصرين رئيسيين:…

تابع القراءة

تطورات الأوضاع في السودان بين الداخل والخارج

في مطلع الشهر الجاري؛ أُعلن عن تعليق المفاوضات بين الجيش والدعم السريع إلى أجلٍ غير مسمى، وغادر الوفدان مدينة جدة السعودية لإجراء مشاورات مع القيادة بعد إخفاقهما في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري في المدن الرئيسية. وتبدو الأزمة السودانية في ضوء انهيار الجولة الثانية من مفاوضات منبر جدة أعقد بكثير من التكهنات التي طالما ظلت تتردَّد قرب الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عبر هذا المنبر. ويعكس هذا الانهيار خيبة أمل كبيرة للسودانيين الذين راهنوا كثيرًا على المنبر الذي ترعاه كل من السعودية والولايات المتحدة. ولتكتمل قتامة المشهد، جاء الانهيار بالتزامن مع الإعلان عن إنهاء تفويض البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس)، وكذلك خلاف طرفي الحرب حول مخرجات قمة الإيجاد. فما هي أسباب انهيار منبر جدة؟ وما تداعيات إنهاء تفويض البعثة الأممية في السودان؟ وما هي أوجه الخلاف بين طرفي الحرب حول مخرجات قمة الإيجاد؟ وكيف يُمكن أن يؤثر كل ذلك على مستقبل الأزمة السودانية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير.. أولًا: انهيار منبر جدة: الأسباب وردود الفعل.. 1. أسباب الخلاف بين الجيش والدعم السريع في مفاوضات جدة: كان وفدا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مفاوضات جدة قد اتفقا على وقف شامل لإطلاق النار، لكن المسافات تباعدت بينهما تمامًا فيما يخص التفاصيل، ولاسيما حول النقطة الأولى المُتعلقة ببند انتشار الطرفين على الأرض بعد وقف إطلاق النار. حيث يصر وفد الجيش على خروج كامل لقوات الدعم السريع من منازل المدنيين وكل المنشآت المدنية وعدم السماح لها بإقامة نقاط ارتكاز في الشوارع، كما يحدث حاليًا في معظم مناطق وأحياء العاصمة الخرطوم، وقد وافق الدعم السريع وافق على مقترح الخروج من المنازل ولكنه رفض فكرة إبعاده عن نقاط الارتكاز لتخوفه من القصف الجوي في حال عودته إلى معسكراته القديمة. والنقطة الثانية، وهي الأكثر إثارة للخلاف، وتتعلق ببند إجراءات الثقة، الذي تم التوصل إليه سابقًا، وأهم ما فيه هو إعادة إلقاء القبض على رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير وحزبه المؤتمر الوطني، الذين خرجوا من السجون مع بدء الحرب، وهو البند الذي يتمظهر الدعم السريع بالتشديد عليه، مطابقةً لخطابه العام أثناء الحرب وتركيزه على أن حربه بالأساس ضد من يسميهم فلول النظام البائد. وعلاوةً على ذلك، فإن هناك خلافًا ثالثًا يتمحور حول توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب.[1] 2. آراء مختلفة حول أسباب تشدُّد الطرفين في المفاوضات: يرى البعض أن الجيش يُظهر موقفًا متشددًا في المفاوضات على الرغم من تقهقهره في الميدان. واستدل هؤلاء على ذلك بتقرير مجلة الإكونوميست القائل: “هناك عدم تطابق صارخ بين ضعف الموقف العسكري للقوات المسلحة السودانية وموقفها التفاوضي المثير للسخرية”. وعزا هؤلاء موقف الجيش لما وصفوه بوقوع قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، في براثن الإسلاميين، والإنابة عنهم في خوض معركتهم المؤجلة الوجودية ضد قوات الدعم السريع احتجاجًا على أدوار القوات في الإطاحة بالبشير في 2019. واعتبروا أنه من الغريب أن تظهر قوات الدعم السريع الموصوفة بشبه العسكرية مرونةً تفاوضية على الرغم من سيطرتها على معظم الخرطوم وغالبية إقليم دارفور، وأجزاء غير قليلة من كردفان. وفي المقابل، يرى البعض الآخر أن الدعم السريع وراء انهيار جولات المفاوضات السابقة من خلال استمراره في الانتهاكات، واحتلال بيوت المواطنين، علاوةً على تمسكه بالاحتفاظ بقواته المنفلتة في قلب المدن. ويعتبر هؤلاء أن مليشيا الدعم السريع الممتعضة من تصريحات قادة الجيش، تمارس العدائيات علانيةً بالتزامن مع جولات التفاوض بالانفتاح على المناطق الآمنة، وترويع أهلها، وسلب ممتلكاتهم بطرق غاية في الهمجية والبربرية. وأن الجيش في الحرب الحالية وإن لم يكن يعبر عن جميع السودانيين، فإنه يعبر على الأقل عن السواد الأعظم منهم، خاصةً سكان الخرطوم ودارفور الذين فر معظمهم هربًا من تفلت عناصره، ما يعني إن مواقفه في التفاوض تتأسس على رغبة المنكوبين بعودة آمنة إلى ديارهم. كما يرى هؤلاء أن حرص المليشيا على وضع نصوص تحفظ بقائها وسط المدنيين، يدفع الجيش للمضي قدمًا في الخيار العسكري كونه الأمثل في هذه الحالة لحفظ أرواح المواطنين.[2] 3. ردود الفعل الداخلية حول انهيار مفاوضات جدة: أصدر رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر بيانًا، قال فيه إن انهيار مفاوضات جدة يشكل خيبة أمل للشعب السوداني لأنه ينظر إلى المفاوضات كطريق للوصول إلى اتفاق يرفع عن الشعب مآسي الحرب اللعينة ويعيد الاستقرار إلى البلاد.  وذكر ناصر، في بيانه، أن التصعيد الإعلامي والخطابات غير الحكيمة تشير إلى عدم توفر الإرادة السياسية لدى أطراف الحرب لتنفيذ ما اتفق عليه في الجولات السابقة والوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار. وناشد رئيس حزب الأمة القومي الطرفين بضرورة الالتزام بتعهداتهما واستشعار المسؤولية الوطنية والعمل الجاد على إنجاح العملية التفاوضية في جدة للوصول لسلام حقيقي. ويوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير ماهر أبو الجوخ، في حديث له، أن السبب الأساسي لتعليق التفاوض مرتبط برفض وفد الجيش تنفيذ الالتزامات السابقة بإلقاء القبض على قيادات النظام السابق المتفق على اعتقالهم، ويشير إلى أن وفد الجيش ذكر أن الأمر يحتاج بعض الوقت، وأعلن استعداده للتوقيع على بقية تفاصيل الاتفاق الخاص بوقف العدائيات. ويضيف أبو الجوخ أنّ “الطريق لإنهاء الحرب يتم عبر التفاوض والمدخل الصحيح لإثبات جدية التفاوض هو الوفاء بالالتزامات السابقة بشكل جاد، وإلا فإن البديل هو استمرار الحرب والتي ستستمر، لكن ستنتهي بالتفاوض مع وجود فرق، أن كلفتها وخسارتها ستكون كبيرة للغاية مقارنة بنهايتها في أوان سابق”. ويؤكد الناطق الرسمي باسم تحالف الكتلة الديمقراطية محيي الدين جمعة، وهو تحالف داعم للجيش، أن أسباب التعليق يعود إلى عدم التزام قوات الدعم السريع بما تم الاتفاق عليه في الاتفاقية الأولى، التي نصت صراحةً على إخلاء الدعم السريع منازل المواطنين والخروج نهائيًا من الأحياء وإخلاء جميع المدن من المظاهر العسكرية، وعلى الجيش أن يضمن سلامة قوات الدعم السريع أثناء الخروج ويحدد لهم مواقع جديدة خارج المدن. ويرى جمعة أن من “أسباب عدم نجاح الجولة الأخيرة ما يتصل بالمكاسب الأخيرة التي أحرزها الدعم السريع في دارفور، وهو ما خلق نوعًا من رفع سقف التفاوض لدى الدعم ضد الجيش وتقديم بنود يصعب تنفيذها أو الالتزام بها”.[3] ثانيًا: إنهاء عمل البعثة الأممية في السودان، والخلاف حول مُخرجات قمة (الإيجاد).. 1. بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس): أُنشئت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان، في عام 2020، بناءً على طلب من حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وعين الألماني فولكر بيرتيس رئيسًا لها وممثلًا للأمين العام للأمم المتحدة. وقبل أشهر من تكوينها النهائي وبدء بيرتيس مهمته، وقع انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، والذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وشهدت الفترة اللاحقة احتقانًا سياسيًا واسعًا بعد الرفض الشعبي للانقلاب من خلال استمرار الاحتجاجات الشعبية بأشكالها المختلفة، فقادت…

تابع القراءة

دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (4)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.   رابعًا: سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على غزة: في ضوء ما سبق؛ يمكن الإشارة إلى سيناريوهين رئيسيين حول العدوان الإسرائيلي على غزة: السيناريو الأول: استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: ما يعزز هذا السيناريو: ولكن هناك عدة تحديات أمام هذا السيناريو تتمثل أبرزها في: ويوجد داخل هذا السيناريو ثلاثة احتمالات رئيسية: الاحتمال الأول: استمرار الصراع محليًا: وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا؛ حيث ستركز إسرائيل على إعادة تأكيد هيمنتها العسكرية، ويظل الصراع بين إسرائيل وحماس محصورًا بالأساس داخل قطاع غزة، مع عدم وجود تصعيد كبير يشمل جهات فاعلة إقليمية مثل إيران أو حزب الله أو فصائل فلسطينية أخرى في الضفة الغربية أو سوريا. إن العامل الأساسي الدافع هنا هو الهدف المركز لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة المتمثل في إدارة الصراع ضمن حدود محددة، وتجنب اندلاع حريق إقليمي أوسع نطاقًا. الاحتمال الثاني: صراع إقليمي دون مستوى الحرب: وهو احتمال ضعيف؛ فهناك احتمال أن تتوسع الحرب خارج حدود غزة والأراضي الفلسطينية، خاصة كلما طالت المدة وأصبحت الأوضاع الإنسانية أكثر كارثية، كما يمكن أن تؤدي عمليات غير محسوبة على الجبهة اللبنانية، أو ضد المصالح الأمريكية في المنطقة إلى تسريع المسار نحو امتداد الصراع الإقليمي. وقد تأكد هذا التقييم من خلال الزيادة الأخيرة، وإن كانت هامشية، في الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران في سوريا والعراق ضد التواجد العسكري الأمريكي، وإسقاط الحوثيين طائرة تجسس أمريكية، وسيطرتها على سفينة مملوكة لإسرائيل في البحر الأحمر. في هذا الاحتمال، ستحافظ الولايات المتحدة، على توازن دقيق، حيث تقوم بشن غارات جوية مستهدفة وكلاء إيران، دون أن تصل إلى حد نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. الاحتمال الثالث: حرب إقليمية واسعة النطاق: وهو الاحتمال الأضعف؛ ما تزال احتمالات تصاعد الصراع إلى مستوى حرب إقليمية واسعة النطاق ضعيفة لكن غير مستبعدة، خاصة كلما طالت مدة الحرب. يمكن لهذا السيناريو أن يحدث في حالة لجوء طهران مباشرة إلى الضربات الصاروخية المكثفة لاستهداف القواعد العسكرية، والبُنى التحتية الحيوية، والمراكز الحضرية الإسرائيلية، لكن هذا يظل احتمالًا متواضعًا في ظل أنه سيضع الأراضي الإيرانية في مواجهة رد عسكري أمريكي وليس إسرائيليًا فقط. في هذا السيناريو، سيبرز دور روسيا أكثر في هذه المرحلة؛ إذ تتواجد عسكريًا في سوريا وهي متحالفة مع إيران. وربما تلجأ روسيا إلى الاشتباك غير المباشر بتقديم الدعم اللوجستي والعملياتي لإيران وسوريا[13]. السيناريو الثاني: الحل الدبلوماسي الدولي (التهدئة ووقف إطلاق النار): يُبنى ذلك السيناريو على جهود الوساطة الدولية والإقليمية فى احتواء التصعيد القائم – خاصة الوساطة القطرية والمصرية – عبر صياغة موقف تفاوضى يرى عددًا من الأبعاد، أبرزها: وقف إطلاق النار على كلتا الجبهتين، والتفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، وبناء خطاب إقليمى دولى مشترك حول أهمية استعادة نمط مباحثات السلام وحل الدولتين[14]. ويأتي هذا السيناريو مدفوعًا بتصاعد الأزمة الإنسانية والضغوط الدبلوماسية الدولية. وسيشهد هذا السيناريو المتصور، نجاح الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية المنسقة للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ويحول دون تصعيد إقليمي أوسع. وسيعيد المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقييم موقفه نتيجة تصاعد الأزمة الإنسانية، والإدراك أن الدعم غير المشروط للعملية العسكرية الإسرائيلية ليس مستدامًا، وسيسفر عن نتائج عكسية. كما سيأتي هذا التحول متأثرًا بعجز جيش الاحتلال عن تحقيق نصر عسكري حاسم. وستجري المفاوضات بشكل غير مباشر، لهذا ستلعب كل من مصر وقطر دور الوساطة المحوري لتسهيل الحوار بين جميع الأطراف. وسنشهد نقلة كبيرة بمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الرهائن والسجناء، ما سيشجع على المزيد من التفاوض وتجنب مزيد من التصعيد. وستتطور الديناميات الداخلية داخل إسرائيل وبين صفوف حماس. ففي إسرائيل، سيكون هناك إدراك متنام لفكرة أن الحل العسكري قد لا يكون قابلًا للتحقيق دون تكبد تكلفة عالية، سواء على صعيد الأرواح البشرية أو العلاقات الدولية. أما بين صفوف حماس، فسيكون هناك اعتراف بمحدودية الدعم العسكري الخارجي، والمعاناة الهائلة التي يجلبها الصراع على الشعب الفلسطيني. وسيكون الحل الدبلوماسي صعبًا سياسيًا أكثر بالنسبة لحكومة نتنياهو، التي ستواجه رد فعل سياسي قوي على المستوى المحلي، وخاصة من القطاعات الأكثر تحفظًا وتشددًا في مجتمع وحكومة إسرائيل. وربما تكون هناك محادثات حول حكم غزة كجزء من المفاوضات الدبلوماسية، بحيث يشمل الحكم مختلف الفصائل الفلسطينية وربما بإشراف دولي. أي إن عودة حماس لتكون سلطة الحكم المنفردة في غزة قد لا تكون نتيجة مرجحة. ويظل بالإمكان تحقيق وقف إطلاق النار دون التوصل إلى حل دبلوماسي شامل. وقد يأتي ذلك مصحوبًا باتفاقيات حول قضايا بعينها مثل تبادل السجناء، وانسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق بعينها. وفي هذا السيناريو، سيكون وقف إطلاق النار بمثابة إجراء مؤقت لوقف العنف وخلق مناخ موات للمزيد من المفاوضات، أو منع التصعيد الأوسع للصراع. وربما لن يحل ذلك القضايا العالقة أو يؤدي إلى سلام دائم، لكنه سيوفر إغاثة فورية من الصراع المستمر ويمنع وقوع المزيد من الدمار والخسائر في الأرواح. أما بعد المفاوضات، فستعيش غزة فترة إعادة إعمار وتأهيل. وستتدفق المساعدات الدولية على غزة، مع بذل الجهود لإعادة تشييد البنية التحتية وتحسين ظروف معيشة الناس. لكن الطريق نحو التعافي سيكون طويلًا ومليئًا بالتحديات التي تشمل القيود السياسية والأمنية من قبل حكومة الاحتلال، والمصاعب الاقتصادية في ظل الحاجة لموارد كبيرة ومساعدات واسعة، ما سيجعل وتيرة إعادة الإعمار بطيئة وربما غير شاملة[15]. وقد تعززت احتمالات هذا السيناريو بعدما أسفرت جهود الوساطة المشتركة، التي تقودها قطر مع مصر والولايات المتحدة، بين إسرائيل…

تابع القراءة

دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (3)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.   ثالثًا: مآلات عملية العدوان على غزة بعد “طوفان الأقصى”: يبدو أن استمرار عملية السيوف الحديدية الإسرائيلية (خاصة على المستوي البري) علي قطاع غزة وتطورها من حيث الحجم (محددة أو موسعة) والزمن (قصيرة أم طويلة المدي)، أو توقفها من الأساس، تتوقف علي عدة عوامل؛ أبرزها: 1- مدي صمود المقاومة الفلسطينية: فبعد مرور ما يزيد عن الشهر والنصف من بدء إسرائيل حربها على قطاع غزة، تشير المعطيات الميدانية أن المقاومة لا تزال لديها القدرة على الصمود في هذه الحرب، كما تؤكد على قدرتها في تكبيد إسرائيل خسائر كبيرة، بل وأكثر من ذلك تكشف عن قدرة المقاومة على تحقيق الانتصار في النهاية. وهذا ما يكشفه حجم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل عند دخولها بريًا في غزة. فقد أعلن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في كلمته في 23 نوفمبر 2023، تدمير 335 آلية إسرائيلية من دبابات ومدرعات وجرافات وناقلات جند منذ بدء الحرب[3]. فيما نقلت صحيفة “هآرتس” عن الجيش الإسرائيلي أن “202 جندي أُصيبوا بجروح خطيرة، و320 أُصيبوا بجروح متوسطة، فيما أُصيب 470 بجروح وُصفت بأنها خفيفة”. وتشير بيانات الجيش الرسمية إلى أن 70 جنديًا إسرائيليًا قُتلوا منذ بدء المعارك البرية في قطاع غزة، وأن حصيلة قتلاه منذ 7 أكتوبر وصلت إلى 392[4]. وترجع قدرة المقاومة على الصمود أمام الجيش الإسرائيلي وتحقيقها لإنجازات عسكرية إلى طبيعة البيئة القتالية الحالية في شمال غزة، والتي تعد من أهم الأوراق الميدانية المتوفرة للفصائل الفلسطينية، فبطبيعة الحال يعد انتقال القتال إلى بيئة أكثر كثافة على المستوى الحضري، من أبرز التحديات الميدانية التي تواجه أية قوة نظامية، وهو ما يمثل في نفس الوقت فرصة ميدانية إيجابية لفصائل المقاومة المتمرسة في أساليب حرب العصابات والكمائن المتنوعة. تعد كثافة المناطق الحضرية في قطاع غزة من بين الأعلى في العالم؛ ففي مساحة إجمالية لا تتجاوز 365 كيلو مترًا مربعًا، يعيش ما يقارب 2.3 مليون فلسطيني بمعدل يبلغ عدة آلاف من الأشخاص لكل كيلو متر مربع واحد، ما يجعلها الأكثر كثافة سكانية لكل كيلومتر مربع في العالم. الكثافة السكانية، يضاف إليها عامل آخر يرتبط بالتضاريس الحضرية الكثيفة والمعقدة في قطاع غزة، والتي تحد بشدة من قدرة الجنود والمركبات المدرعة على المناورة، حيث وجدت وحدات المشاة الإسرائيلية صعوبة في التحرك بسرعة والحفاظ على تشكيلاتها وسط الشوارع الضيقة والمباني المكتظة، فضلًا عن أن هذه الوحدات تضطر أحيانًا إلى الانتظار لحين تدخل سلاح الجو لتدمير المنازل والمباني التي تعوقها، ما يضع هذه الوحدات في مرمى الصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون، خاصة أن وسيلة الحماية الوحيدة للقوات خلال وقفاتها التعبوية أو خلال عمليات تزودها بالوقود والمؤن تكون السواتر الترابية التي يتم تعليتها حول مواقع وجودها لحماية الدبابات والعربات المدرعة، وهي وسيلة أثبتت التجربة الميدانية أنها غير فعالة فيما يتعلق بقذائف الهاون. في جانب آخر، يعد القتال المباشر ضد الأسلحة المضادة للدبابات بشكل عام في المناطق الحضرية من أصعب أنواع القتال على الوحدات المدرعة، حيث تسمح كثافة المباني للعناصر الحاملة للأسلحة المضادة للدبابات بالاشتباك مع الدبابات والمدرعات من مواقع يصعب اكتشافها واستهدافها. الورقة الأكبر والأهم في يد الفصائل الفلسطينية في هذا الصدد تتعلق بما توفره البيئة الحضرية لمقاتليها من قدرات على تنفيذ الكمائن المختلفة للقوات المتقدمة على الأرض، حيث أثبتت المواجهات التي تمت خلال الأيام الماضية امتلاك هؤلاء المقاتلين القدرة على استهداف الوحدات المدرعة الإسرائيلية بشكل فعال من مناطق مموهة جيدًا ومن وسط أنقاض المباني. وما يزيد من تعقيدات حرب المدن، هو التهديد الذي تشكله شبكات الأنفاق التي أقامتها الفصائل الفلسطينية في معظم أنحاء قطاع غزة، حيث تم استخدام هذه الأنفاق بشكل فعال خلال المواجهات البرية الحالية، سواء كنقطة لانطلاق المقاتلين لتنفيذ هجماتهم، أو كمواضع لإعاشة المقاتلين وتخزين الذخائر، ناهيك عن أن هذه الأنفاق تمثل في حد ذاتها تحديًا كبيرًا للعمليات العسكرية التقليدية، لأنها تلغي العديد من المزايا التكنولوجية للجيوش الحديثة وتتطلب معدات وتكتيكات متخصصة لمواجهتها[5]. ولذلك عندما تقدم الجيش الإسرائيلي أكثر داخل قطاع غزة أصبحت خسائر جيش الاحتلال أكبر، ويواجه مقاومة أعتى لأنه كلما توغل في المناطق المبنية وذات الكثافة السكانية، كانت هناك فرص للمقاومة للخروج من الأنفاق واستخدام الأرض والمباني للتخفي والتستر واصطياد الآليات والجنود، ولذلك رأينا زيادة الخسائر سواء كانت في الآليات أو في المعدات أو حتى الجنود[6]. ومما يضاف إلى نقاط قوة المقاومة في شمال القطاع؛ أن سيناريو تهجير سكان شمال القطاع ومحاولة عزله عن الجنوب لم ينجح بالشكل الذي أرادته إسرائيل حتى الآن، فما زال عدد كبير (يصل لأكثر من النصف) في مدينة غزة، وفي شمال القطاع لم ينزح، رغم القصف الوحشي وما أوقعه من خسائر فادحة. وقد أرادت إسرائيل تفريغ شمال غزة، المتمثل في مدينة غزة بشكل عام وبعض الضواحي حولها؛ لتكون أرضًا محروقة ومنطقة عازلة بديلة عن “غلاف غزة” الذي اقتحمته المقاومة في عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي[7]. ويرجع رفض الفلسطينيين للنزوح من شمال القطاع إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة، و80% منهم لاجئون هاجروا أو ولدوا لعائلات هاجرت من داخل فلسطين عشية وخلال حرب 1948، لن يهاجروا مرة أخرى؛ إلا إذا عادوا إلى الأرض التي طردوا منها بقوة السلاح. في الوقت ذاته، فإنه إلى جانب الرفض المبدئي لفكرة مغادرة القطاع، فإن الفلسطينيين يعون تمامًا أنه إذا غادروا غزة، فلن تسمح إسرائيل لهم بالعودة….

تابع القراءة

دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (2)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم. ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.   ثانيًا: الأبعاد والأدوات الإسرائيلية لتنفيذ أهداف عملية العدوان على غزة: تعمل إسرائيل على تحقيق هذه الأهداف عبر مجموعة من التحركات والأدوات العسكرية والسياسية والإعلامية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 1- عسكريًا: في أعقاب عملية “طوفان الأقصي”، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد مشاورات مع قادة الجيش وأعضاء في “الكابينت” الأمني أن إسرائيل باتت في “حالة حرب”، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل حربًا على دولة أو طرف عربي أو فلسطيني منذ حرب 1973[3]، حتى أن الحروب التي خاضها الاحتلال سنتي 1982 مع منظمة التحرير في لبنان، ومع حزب الله في 2006، بالإضافة إلى كل الحروب مع حماس في غزة، لم تشمل تسميتها بمفردة الحرب، وهنا يكمن الفرق[4]. كما استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط[5]، وهي الخطوة التي لم تحصل منذ حرب سنة 1973 في إشارة واضحة على الاستعداد لخوض حرب شاملة، وليس جولة قتالية أو عملية عسكرية أسوة بسابقتها[6]. وقام الجيش الإسرائيلي بنشر ما يقارب من 40 ألف من القوات والتشكيلات الإسرائيلية باتجاه المنطقة الشمالية مع لبنان ، ونشر ما يقارب من 70 ألف باتجاه المنطقة الجنوبية المحاذية لقطاع غزة[7]. كما أقام جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” هيئة تسمى غرفة عمليات “نيلي” تتشكل من رجال عمليات واستخبارات لهم مهمة واحدة: تصفية الحساب بتصفية كل نشطاء النخبة في حماس ممن شاركوا في “عملية طوفان الأقصى”[8]. ويمكن القول أن العملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة “السيوف الحديدية” تمر بمرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى: القصف الجوي الكثيف؛ لتحقيق أكبر قدر من التدمير في البيئة الحضرية، وهو ربما ما يفسر استخدام سلاح الجو الإسرائيلي لأثقل القنابل الموجهة المتوفرة لديه، بجانب استخدامه قنابل أمريكية تعود لحقبة الحرب الفيتنامية، وهي القنابل حرة التوجيه “M-117″، التي تحمل آثارًا مدمرة على المناطق السكنية، نظرًا لأنها غير دقيقة التوجيه[9]. وقد استغرق هذا القصف أكثر من 20 يومًا على قطاع غزة (شمال القطاع بصورة رئيسية)، وأسفر عن سقوط آلاف من المدنيين الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو 20 ألفًا، وتدمير آلاف المنازل، واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس، وتهجير نحو مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع[10]. المرحلة الثانية: بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البري، في 27 أكتوبر 2023، تركز خصوصًا في شمال قطاع غزة[11]. وقسم رونين إيتسيك، اللواء السابق في القوات البرية- سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي، “المناورة البرية” التي أطلقها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” إلى ثلاث مراحل: أ- مناورة الإغارة: فإنها تُحيل إلى إغارة القوات البرية بقوة على موقع محدد أو الحصول على صيد معين والعودة فوراً، ما يعني أن هذا الشكل من المناورة هدفه الدخول وتحقيق إنجاز والخروج على الفور. هذا من شأنه أن يحد من إمكانية تعريض القوات للنيران والكمائن. هذه المرحلة تستند إلى مبدأ “تعظيم الإنجاز وتقليل التهديد الذي تتعرض له القوات”، تمامًا كما فعل الجيش الإسرائيلي في الأسبوعين الأولين. فهذه المرحلة هدفت إلى أمرين: أولاً، الإغارة بهدف “نقل المعركة إلى أرض العدو”، وثانيًا، المناورة من خلال التوغل الجزئي، حرق الأرض أو تهيئتها أو دراستها. وتقوم بتنفيذ ذلك في العادة القوات الخاصة والكوماندوز أو سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي أو مزيج منهما، كون هذا التدخل لا يتصاحب مع إسناد عسكري واسع لحماية التحرك. ب- مناورة التطويق: فتشير إلى الشكل الذي يتم خلاله الدخول بقوات برية كبيرة وتطويق المساحة المستهدفة بشكل يسيطر قدر الإمكان على الداخل والخارج.  وهو تكتيك يهدف إلى السيطرة على الأرض من خلال تطويقها دون الدخول إلى عمقها بحيث يتم إغلاق محيطها بشكل كامل وخلق حالة من الضغط الشديد (سواء من خلال التحكم بالموارد الداخلة مثل الوقود، الأدوية، الذخيرة، أو الاحتياجات الإنسانية الأخرى مثل الأكل). تمكن تقنيات التطويق الجيش من تفعيل وسائل التجسس لجمع معلومات استخباراتية لا يمكن الحصول عليها عن بعد، والمراقبة، وتنفيذ هجمات من خلال الدخول بشكل يحافظ على استمرار حصار المحيط ومهاجمة “العدو”، بدون الحاجة إلى التعرض للفخاخ والوسائل الدفاعية التي قد تم تجهيزها مسبقًا. وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن هذه الهجمات دقيقة ومحددة وسريعة، كما أن التطويق يتيح إنشاء نقاط ارتكاز تنطلق منها القوات وتعود إليها، ما يعني أن هذا النوع يتضمن في طياته “مناورة الإغارة”. ج- المناورة بهدف الاحتلال/ التطهير: والتي تأتي بعد إدراك المستويين الأمني والعسكري بأنه لا مفر من السيطرة على الأرض كلها بهدف القضاء على التهديدات أو تحقيق الأهداف العسكرية. وفي هذه المرحلة يتم إدخال قوات كبيرة ومتنوعة من القوات البرية التي يكون لكل منها هدف محدد للوصول إلى الغاية وهي “التطهير” و”القضاء على العدو” من خلال التنقل بين المنازل والطرقات والأحياء المختلفة والاحتكاك معه بشكل مباشر، وهو الشكل الذي يضمن تحقيق الأهداف التي لا يمكن تحقيقها في النوعين الأوليين المشار إليهما أعلاه. وتهدف هذه المناورة، بحسب دوستري، إلى تقسيم القطاع إلى أجزاء أربعة: شمال؛ وسط، جنوب وسط، وجنوب (شمال قطاع غزة يشمل مناطق بيت حانون وبيت لاهيا ومدينة غزة، ووسط القطاع يضم مخيمات اللاجئين: النصيرات والبريج والمغازي ودير البلح، وجنوب القطاع يضم مدينتي خانيونس ورفح[12])، وهذه العملية تتضمن التقدم العسكري البطيء إلى المساحات المفتوحة في كل جزء، ومن ثم عزلها والسيطرة عليها و”تطهيرها” (وهذه العملية تتطلب شهرين على الأقل بحسب دوستري) قبل الانتقال إلى المرحلة التالية والمتمثلة في اجتياح المناطق المأهولة (عمرانيًا وسكانيًا) التي من المتوقع أن تشهد قتالاً عنيفاً، والتدرج وفق المراحل…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022