في ذكرى مئوية «البابا شنودة».. «4» تحولات ضخمة شهدتها الكنيسة في عهده
نظم معرض القاهرة الدولي ضمن فعاليات الصالون الثقافي الإثنين 30 يناير2023م، ندوة احتفالا بالذكرى المئوية الأولى للبابا شنودة الثالث بابا الكنيسة الأرثوذكسية الأسبق ــ واستضافت الندوة التي أقيمت تحت عنوان (مئوية ميلاد البابا شنودة الثالث)، الأنبا إرميا رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، الأمين العام لبيت العائلة الذى شغل منصب سكرتير البابا الراحل. وعدد الأنبا إرميا محاسن البابا الأسبق، مشيرا إلى أن البابا شنودة الثالث رفض تأسيس حزب قبطى. موضحا ذلك بأن أحد الأشخاص تقدم في فبراير1989م بطلب لتأسيس حزب سياسى قبطى، لكن البابا رفضه تماما، وكان يرى أن الحزب يجب أن يخدم الجميع وليس فئة واحدة فقط. واستحضر الأنبا إرميا المقولة الشهيرة للبابا شنودة (مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا)، واعتبر ذلك دليلا على محبة البابا الراحل للوطن، وقال إن البابا الراحل كان يعد الوجبات فى رمضان لأعضاء الكتيبة التى كان مجندا فيها، فكان يقول إنه كان جنديا ومازال جنديا فى جيش الوطن حتى وفاته ولم يكن يفرق بين المسيحى والمسلم! وادعى أن البابا نادى بموقف عربى موحد حاسم لإنقاذ فلسطين وكان ينادى بالسوق العربية المشتركة، وأن البابا شنودة رفض، فى كثير من الأحداث، أى تدخل دولى فى قضايا الأقباط أو حمايتهم. ولفت إلى أنه كان يعد موائد إفطار لقيادات الأزهر ووزارة الأوقاف وغيرهم، وربطته علاقة جيدة بشيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوى وأعد له تأبينا داخل الكاتدرائية، وشدد على أن البابا الراحل كان يهتم بالحفاظ على هوية مصر وهوية الكنيسة ومكانة الكنيسة القبطية المصرية.[[1]] وقال الكاتب الصحفى حمد السرساوى، صاحب كتاب «الأسطورة» عن البابا شنودة، إنه تمتع بجوانب كبيرة من العظمة والكاريزما وصعب أن يتكرر وأعلن أن المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى يجهز مؤتمرا حول البابا شنودة الثالث فى ذكرى ميلاد البابا شنودة فى أغسطس ١٩٢٣، وأوضح أن كل محطة فى حياة هذا الرجل هى نقطة تحول فى حياة الوطن، وكل مسار حياته ارتبطت بالوطن فعام ميلاده ارتبط بصدور دستور ١٩٢٣ لأنه من يعد نقلة فاصلة فى حياة المصريين. وقال الدكتور رامى عطا، أستاذ الإعلام بأكاديمية الشروق، إن البابا شنودة كان يتميز بقدرته على الوعظ وإنه كان البابا الشاعر حيث تحولت بعض كتاباته إلى ترانيم يتم ترديدها فى الكنيسة القبطية، وعرف بأنه بابا العرب، وكان محبوبا من قبل العرب. وأشار إلى أنه البابا الصحفى فكان عضو نقابة الصحفيين، وزار النقابة مرتين وحمل عضوية ١٥٦ وكان تاريخ القيد ١٩٦٦ وكان يعتز بالجماعة الصحفية، وبدأت كتاباته منذ عام ١٩٤٧ إلى أن أصدر مجلة الكرازة المرقسية. «4» تحولات ضخمة بعيدا عن البروباجندا والدعاية البيضاء للبابا الراحل، فإن الكنيسة شهدت أربعة تحولات ضخمة في الفترة التي تولى فيها البابا كرسي الباباوية؛ فخلال الـ”41″ سنة التي تولى فيها البابا شنودة رأس الكنيسة (1971 ــ 2012)، تمكن خلالها البابا من فرض تصوراته الخاصة في مجال العقيدة والسياسة والاقتصاد وحتى الأحوال الشخصية. طغيان السياسة أهم التحولات كانت توريط الكنيسة في السياسة، فمشاركة البابا تواضروس الثاني في الانقلاب والحشود الكنسية الكثيفة في مشهد 30 يونيو تمثل في جوهرها ترجمة حرفية لانحراف الكنيسة في عهد البابا شنودة الثالث من مؤسسة كهنوتية تلتزم بالفصل التام بين السلطتين الزمنية والروحية في إطار معادلة “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، إلى مؤسسة يطغى عليها السياسي على الروحي والزماني على الكهنوتي في إطار صفقات مع النظام الحاكم تتعلق بالنفوذ والثروة والسيادة يلعب فيه أقباط المهجر دورا سياسيا يمثل أحد أدوات التوظيف والابتزاز يتيح للكنيسة تحقيق مزيد من المكاسب من النظام إما من خلال الضغوط والابتزاز أو من خلال الدعم المتبادل. وقد بدأت الكنيسة تخطو خطوات واسعة نحو تعظيم دورها السياسي، مع تولي البابا شنودة لموقعه كبابا للأقباط الأرثوذكس في عام 1971 والذي شهد عهده عدة أحداث طائفية بدءا بحادث الخانكة عام 1972 وانتهاء بحادثة القديسين عام 2010، ولكن تحول الكنيسة إلى حزب (بالمعنى المجازي) يحتكر تمثيل المسيحيين سياسيا أمام الدولة ظهر مع تولي الرئيس الأسبق حسني مبارك مقاليد السلطة عام 1981 حيث كان من أوائل قراراته عام 1985 إعادة البابا شنودة إلى مهامه كرأس للكنيسة بعد أن أبعده سلفه أنور السادات عام 1981 وأسند مهامه لمجلس بابوي من 5 مطارنة.[[2]] وتعزز هذا الانحراف في عهد مبارك حيث طغى السياسي على الروحي داخل الكنيسة، أسهم في ذلك أمران: الأول طبيعة شخصية البابا شنودة النفسية والثقافية واللاهوتية؛ حيث كان ينظر إلى الكنيسة باعتبارها نظاما شاملا وأن الكنيسة مسئولة عن تقديم الأجوبة الشاملة اجتماعيا وثقافيا، وأن العلاقة بين الكنيسة والدولة تتشكل على أرضية الندية والضغط والطلبات. الثاني، رغبة نظام مبارك في السيطرة على الكنيسة لضمان ولاء الأقباط للنظام ولم يكن لدى النظام مانع من عقد صفقة يضمن بها هذه الولاء والدعم في مقابل منح امتيازات ونفوذ للكنيسة وتنازل عن بعض مظاهر سيادة الدولة لصالح الكنيسة، فقد كان للكنيسة القبطية مصلحتان رئيستان في المجال السياسي، تتمثّل أولاهما في الحفاظ على استقلالها المؤسّسي في مواجهة مؤسّسات الدولة، في حين تتمثّل الثانية في احتكار الحق بالتحدّث باسم الأقباط. وقد دافع نظام مبارك عن كلا المصلحتين لصالح زعامة الكنيسة، ففي عهد مبارك تم التعاطي مع الكنيسة باعتبارها الممثّل الوحيد لأقباط مصر، كما حمى النظام الاستقلالَ المالي للكنيسة، وسمح لهذه الأخيرة بتجاهل أحكام القضاء فيما يتعلّق بالشؤون الشخصية للأقباط، التي لم تكن معتمدة من جانب زعامة الكنيسة.[[3]] إمبراطورية اقتصادية كذلك خلال فترة البابا شنودة تمكن البابا من توظيف الدور السياسي للكنيسة ونفوذها الواسع وعلاقاتها الخارجية المتشعبة مع حكومات أجنبية في تكوين امبراطورية اقتصادية ضخمة تابعة للكنيسة، وضمان نجاح وتطوير واستمرار بيزنس الكنيسة وعدم خضوع أموال الكنيسة ومشروعاتها لأجهزة الدولة الرقابية؛ فالكنيسة تدير آلاف المؤسسات المالية والاقتصادية والأديرة الشاسعة والسطو على آلاف الكيلومترات المربعة من أراضي الدولة وضمها للأديرة وممتلكات الكنيسة سطوا وغصبا. وخلال مناقشات دستور2012م بعد رحيل البابا بشهور، اعترضت الكنيسة صراحة على المادة 212 من دستور 2012 التي كانت تنص على «تقوم الهيئة العليا لشئون الوقف على تنظيم مؤسساته العامة والخاصة، وتشرف عليها وتراقبها، وتضمن التزامها بأنماط أداء إدارية واقتصادية رشيدة، وتنشر ثقافة الوقف في المجتمع». ومكافأة على دورها في حشد الأقباط ودورها المؤثر في 30 يونيو 2013م تم حذف هذه المادة في وثيقة الخمسين الانقلابية وكذلك دستور 2014م. هذا الموقف المتشدد من جانب الكنيسة تكرر قبل هذه الواقعة في منتصف عام 2011م عندما طرح مشروع قانون “دور العبادة” للنقاش المجتمعي وأثير ضرورة خضوع أموال الكنائس للرقابة المالية من جانب الدولة.[[4]] رفض الكنيسة جاء بصيغة النفي الجازم حاضرا ومستقبلا على لسان الأنبا باخوميوس، القائم مقام البطريرك للكنيسة الأرثوذكسية وقتها: «لن نقبل إشراف أية هيئة أو جهاز من أجهزة الدولة على أموال أو تبرعات أو مشروعات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية»، وشدد باخوميوس على رفضه التام…