تطورات ملف سد النهضة بعد القمة الأمريكية- الإفريقية الأخيرة

تطورات ملف سد النهضة بعد القمة الأمريكية- الإفريقية الأخيرة

عادت أزمة سد النهضة الإثيوبي إلى مركز اهتمام السياسة الخارجية المصرية، بعد حديث السيسي مجددًا عن الأزمة خلال مشاركته بالقمة الأمريكية- الإفريقية، واعتبار أن قضية السد تهديد وجودي للقاهرة، مطالبًا الولايات المتحدة بالعودة إلى الضغط مجددًا على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق عاجل بين كافة الأطراف. فماذا كانت التطورات الأخيرة في ملف سد النهضة الإثيوبي؟ وكيف يُمكن قراءة الموقف الأمريكي من خلال اجتماعات القمة الأمريكية- الإفريقية الأخيرة؟ وهل يُمكن للولايات المتحدة أن تُهم في حل الأزمة أو عودة المفاوضات؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..   التطورات الأخيرة لقضية السد: في الثاني عشر من أغسطس الماضي، أعلنت إثيوبيا اكتمال الملء الثالث لخزان سد النهضة بـ 22 مليار متر مكعب من المياه، وعمَّقت الخطوة الأزمة مع مصر والسودان اللتين تواصلان رفض أي تحرك أحادي دون التوصل إلى اتفاق بشأن السد. وكانت مصر قد قدمت في أواخر شهر يوليو الماضي رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، أعربت فيها عن رفضها القاطع لخطط إثيوبيا لمواصلة ملء السد من جانب واحد خلال موسم الأمطار منذ يوليو 2020، في ظل عدم وجود اتفاق ينظم ملء وتشغيل السد. وجدَّدت مصر دعوتها لاستئناف المفاوضات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، بعدما توقفت المحادثات لأكثر من عام ونصف بعدما فشلت جهود الاتحاد الإفريقي منذ يونيو 2020 للتوسط في اتفاق من أجل إنهاء الجمود بين الدول الثلاث، حيث عُقدت الجولة الأخيرة من المفاوضات حول سد النهضة في كينشاسا في إبريل 2021، لكنها لم تصل إلى اتفاق بشأن استئناف المفاوضات مع اتهام كل جانب للطرف الآخر بعرقلة المحادثات. وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر، على ضرورة استئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة بأسرع ما يمكن. بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم لملء السد وتشغيله بما يخدم مصالح جميع الأطراف ويحافظ على حقوق مصر في مياه النيل. في ذات الإطار تناولت المشاورات بين السيسي والبرهان في زيارته للقاهرة، قادمًا من نيويورك، عقب المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. تطورات ملف سد النهضة، حيث جرى التوافق حول استمرار التشاور المكثف والتنسيق المتبادل في هذا السياق لما فيه المصلحة المشتركة للبلدين. وفي لقاء آخر مع المبعوث الأممي الخاص للقرن الإفريقي حنا تيتيه في القاهرة في 12 سبتمبر، حذر شكري من الوضع الراهن بشأن السد المتنازع عليه، قائلًا إنه عامل عدم استقرار يُهدِّد مصالح شعوب المنطقة.[1]   اجتماعات تخص السد على هامش قمتي المناخ والقمة الأمريكية- الإفريقية: اجتمع وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على هامش القمة الأمريكية- الإفريقية، لكن بيان الخارجية الأميركية لم يشر إلى أن الاجتماع تطرق لقضية سد النهضة. وفي اليوم التالي أعلنت الرئاسة المصرية اجتماع السيسي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وأن السيسي أكد تمسك مصر بتطبيق مبادئ القانون الدولي ذات الصلة، ومن ثمَّ ضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد للحفاظ على الأمن المائي لمصر وعدم المساس بتدفق المياه في نهر النيل. من جانبه، أكد وزير الخارجية الأميركي دعم بلاده لجهود حل تلك القضية على نحو يحقق مصالح جميع الأطراف ويراعى الأهمية البالغة التي تمثلها مياه النيل لمصر. كما نشر المتحدث باسم الرئاسة المصرية صور لقاء السيسي بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إذ بحث الطرفان قضايا مشتركة، لكن لم يذكر بيان الرئاسة أن من بينها أزمة سد النهضة. والتقى السيسي أيضًا أعضاء تجمع أصدقاء مصر في الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتطرق اللقاء إلى قضايا سلام الشرق الأوسط ودور السيسي في مكافحة الإرهاب وإصلاح الخطاب الديني. وكان بايدن قد أكد دعم بلاده للأمن المائي والحقوق المائية لمصر في نهر النيل، وذلك خلال لقائه السيسي على هامش مؤتمر المناخ. وخلال الاجتماع، دعا السيسي الولايات المتحدة إلى لعب “دور مؤثر” في حل أزمة سد النهضة، وقد استفادت إثيوبيا من مشاركتها في قمة المناخ لتسليط الضوء على سد النهضة كمفتاح للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة المتجددة.[2]   هل تُسهم الولايات المتحدة في حل أزمة سد النهضة؟ يرى البعض أن انعقاد القمة الأمريكية- الإفريقية بعد 8 أعوام من القمة الأولى، يهدف إلى دعم الدور الأمريكي في القارة الإفريقية، خاصةً في ظل التنافس الشديد بينها وبين الدول الكبرى على التوسع والانتشار في إفريقيا، وعقدت عدة قمم سابقة مع إفريقيا في روسيا وأوروبا. وازدياد النشاط الصيني في العقد الأخير لإثبات الوجود على المستوى الدولي، بعد العمل بعيدًا عن الأضواء طوال العقود السابقة حتى تُثبِّت أقدامها، فأصبح للصين دور واضح في المشكلات الدولية المعاصرة، وعُقدت مؤخرًا لأول مرة القمة الصينية العربية في الرياض. وفي ظل هذا التنافس قد يكون للنظام الأمريكي دور أكثر فاعلية خلال الأسابيع القادمة للوصول إلى اتفاق في قضية سد النهضة قبل أن تتدخل الصين، وحينئذ سيكون هناك تراجع كبير للدور الأمريكي في إفريقيا.[3] بينما يُشكِّك البعض الآخر في إمكانية مساهمة واشنطن في حلحلة ملف سد النهضة، الذي أوشك على الانتهاء والعمل بشكل كامل، بالنظر إلى تجارب سابقة السنوات الماضية، حيث يرى هؤلاء أن واشنطن كانت لها مواقف إيجابية متعددة تجاه مصر في ملف السد، تمثَّلت في اعتراف بايدن في أكثر من مناسبة دولية بأمن وحقوق مصر المائية، لكن بالرغم من ذلك؛ فإن الفجوة لا تزال قائمة بين الاقتناع الأميركي بحقوق مصر المائية، وعدم ترجمة ذلك بأدوات عملية على أرض الواقع، رغم الزيارات المتكررة مؤخرًا للمبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي بين أديس أبابا والقاهرة، حيث لم تقدم واشنطن ما يُمكن اعتباره رؤية أو خطة عمل واضحة لتحريك الملف.[4]   وكانت مونيكا ميدينا المبعوثة الأميركية الخاصة للتنوع البيولوجي والموارد المائية قد تحدثت قبل أسابيع عن دور واشنطن في حل النزاع على المياه، وذكرت أن المبعوث الخاص للقرن الإفريقي، السفير مايك هامر، يعمل جاهدًا لإيجاد حل، ويُعد هامر ثالث مبعوث أميركي يتم تعيينه من قبل إدارة الرئيس بايدن للقرن الإفريقي، وذلك خلال نحو عامين فقط، وهو ما يراه مراقبون دليلًا آخر على عدم امتلاك الإدارة الأميركية تصورًا محددًا للتعامل مع قضايا منطقة القرن الإفريقي، بما فيها ملف سد النهضة.[5] أما عن تأثير القمة الأمريكية- الإفريقية على مسار مفاوضات السد؛ فلم يكن من المُتوقع بالأساس تحقيق أي تقدم في ملف سد النهضة في هذه القمة التي لها أهداف أمريكية أخرى بالإضافة إلى غياب السودان نتيجة تجميد نشاطه في الاتحاد الإفريقي بعد قرارات مجلس السيادة السوداني بإقالة الحكومة في أكتوبر 2021.[6]   هل تعود المفاوضات قريبًا؟ كانت قضية سد النهضة حاضرةً في كافة المناقشات التي عقدها السيسي مع المسؤولين الأمريكيين خلال زيارته لواشنطن، على هامش اجتماعات القمة الأمريكية- الإفريقية، وعكست عدة بيانات صحفية صادرة عن الجانب الأمريكي عودة…

تابع القراءة
زيارة الرئيس الصيني إلي السعودية.. الدوافع والتداعيات

زيارة الرئيس الصيني إلي السعودية.. الدوافع والتداعيات

قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة إلى السعودية خلال الفترة 7-9 ديسمبر 2022، شارك خلالها في ثلاث قمم هي: القمة الصينية – السعودية، والقمة الصينية – الخليجية، والقمة الصينية – العربية الأولى، وقد شارك في هذه القمم إلي جانب الرئيس الصيني، قادة دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان)، وقادة -أو من ينوب عنهم- كل من تونس ومصر وموريتانيا والأردن وفلسطين واليمن والسودان  والجزائر ولبنان والعراق[1]. ويكتسب انعقاد القمة العربية الصينية فى نسختها الأولى أهميته في هذا التوقيت لعدة أسباب؛ أولها، أنها تشكل ترفيعًا للعلاقات المؤسسية ما بين الدول العربية والصين منذ انطلاق المنتدى العربي الصيني في 2004، وهو الإطار المؤسسي الذي أسهم في تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، وكان من ضمن توصيات المنتدى في نسخته التاسعة التي عُقدت في 2021، هي عقد قمة عربية صينية. وثانيها أنها بمثابة القمة الأولى ما بين العرب والصين، التي تعقد في المنطقة العربية، وتأتي تجسيدًا للشراكة الاستراتيجية العربية الصينية، فقد أصبحت الصين منذ عام 2020 الشريك التجاري الأول لمعظم الاقتصادات الكبرى، ويأتي ذلك بعد أن ارتفع نصيب الصين من الاقتصاد العالمي إلى 18,5 % عام 2021، وأصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية بناتج محلى إجمالي 17,7 تريليون دولار، كما بلغ احتياطي النقد الأجنبي 3.1 تريليون دولار وهو الأكبر في العالم. وثالثها أن انعقاد القمة يأتي عقب إعادة انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينج في أكتوبر 2022 أمينًا عامًا للحزب الشيوعي، مما يرسخ موقعه كأقوى حاكم للصين منذ ماوتسي تونج، وانتخابه أيضًا رئيسًا للجنة العسكرية المركزية للحزب، بما يمهد الطريق لإعادة انتخابه لولاية ثالثة في مارس 2023[2]. ورابعها، حفاوة استقبال السعودية للرئيس الصيني وهي الحفاوة التي لم ينلها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى الرياض في يوليو 2022؛ إذ عُقِدت أيضًا قمة جمعته بقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست إضافة إلى مصر والأردن والعراق[3]. فقد شهدت زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض ترحيبًا كبيرًا من المملكة العربية السعودية، واهتمامًا واسعًا، حيث استقبلت مقاتلات سلاح الجو الملكي السعودي طائرة الرئيس الضيف بألوان العلم الصيني. وخامسها، أن العالم العربي مجتمع لم يعقد لقاءات دولية قبل هذا التاريخ سوى عام 2019 الذي عُقدت فيه قمة عربية أوروبية جمعت الطرفين الأوروبي والعربي، وبالتالي يعد اجتماع العرب بالرئيس الصيني، هو اللقاء الثاني تاريخيًا، الذي جمع الأطراف العربية بطرف دولي قوي، وهو ما يعطى دلالة لأهمية القمة العربية الصينية، وما تكتسبه من زخم سياسي واقتصادي واستراتيجي[4]. وعليه سنحاول في هذه الورقة التعرف علي دوافع وسياقات تلك الزيارة، وما أسفرت عنه من نتائج علي مستوي توثيق العلاقات بين الصين والدول العربية، مع إبراز أهم التحديات التي قد تحول دون الارتقاء بهذه العلاقات إلي مستويات عالية.   أولًا: سياقات زيارة الرئيس الصيني إلي السعودية ودوافعها: يمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع التي تقف خلف رغبة الصين والدول العربية في توثيق العلاقات بينهما، لعل أهمها: 1- الدوافع السياسية: أ– التغيرات القائمة في النظام العالمي: يشهد الهيكل العام للنظام العالمي تطورات كبيرة أدت إلى تغيرات جوهرية فيه، لعل أهمها بروز مفهوم «التعددية القطبية» وهبوط مركز الولايات المتحدة العالمي، وظهور القوتين الصينية والروسية كحليفين رئيسيين لمواجهة هيمنة الغرب على النظام العالمي. ومن ثم فإن التغيرات المتسارعة في هيكلة النظام الدولي أدت إلى تفاعل الدول الخليجية معها، وحتمت عليها إيجاد موقع متوازن في علاقاتها مع جميع القوى الدولية، وعدم الاكتفاء بالحلفاء التقليديين (أمريكا)[5]. وفي هذا السياق، فهناك توجه عربي متزايد للمشاركة في المنظمات الدولية التي تقودها الصين. حيث تعد الإمارات والبحرين ومصر والكويت وقطر والسعودية شركاء حوار حاليين أو محتملين في “منظمة شنجهاي للتعاون”، وهي مجموعة سياسية واقتصادية وأمنية تتمحور حول الصين وتوصف أحياناً بأنها بديل لـ”حلف الناتو”، وتضم كلًّا من كازاخستان والهند وروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان وإيران. كما تفيد تقارير بأن الرياض والقاهرة أعربتا عن اهتمامهما بالانضمام إلى منظمة “بريكس”، وهي منظمة سياسية تضم الدول ذوات الاقتصادات الصاعدة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا[6]. ب– تدهور العلاقات الأمريكية- العربية عمومًا والخليجية خصوصًا: فقد أعربت الجهات الفاعلة في الخليج عن مخاوفها بشأن وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه المنطقة العربية والخليجية، خاصة بعدما أدى صعود إنتاج النفط الصخري والغاز في الولايات المتحدة إلى تصاعد الحديث عن تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة. كما شعرت دول الخليج بالقلق فعليًا منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2010 حيث رأوا في استجابة الولايات المتحدة دعمًا للثورات التي اعتبروها مزعزعة للاستقرار، كما رأت فيها تخليًا أميركيًا عن أبرز حلفائها في المنطقة (نظام الرئيس حسني مبارك في مصر). وتعززت هذه المخاوف مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران في 2015 وتوجه “باراك أوباما” نحو آسيا وفشل “دونالد ترامب” في الرد بقوة على الهجمات الإيرانية على البنية التحتية للنفط في السعودية، خصوصًا الهجمات على منشآت أرامكو في سبتمبر 2019 والتي أخرجت نصف الإنتاج النفطي السعودي من الخدمة، ما أثار شكوكًا متزايدة لدى الرياض حول مدى التزام واشنطن بأمنها[7]. ومؤخرًا، فقد أظهر موقف مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية بشأن الحرب في أوكرانيا شقاقاً كبيراً بين تلك الدول وحليفتها التقليدية الولايات المتحدة. وإذ رفضت الرياض الاستجابة لطلبات الرئيس جو بايدن بإدانة روسيا في تلك الحرب، فقد امتنعت أبو ظبي عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار أمريكي-ألباني يدين الهجوم الروسي[8]. كما قررت السعودية، في أكتوبر الماضي، خفض حصص إنتاج “أوبك+” بمقدار مليونَي برميل يومياً، بدءاً من نوفمبر الحالي، وخفض إنتاجها الخاص بأكثر من 500 ألف برميل يوميًا، بالرغم من طلبات الولايات المتحدة زيادة الإنتاج. وقال السعوديون إنهم اتخذوا القرار بناءً على دوافع اقتصادية وليس سياسية في إشارة إلى اتهام واشنطن للرياض بدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا[9]. وعلي خلفية هذا القرار السعودي، فقد أعتبرت الإدارة الأمريكية أن دول مجموعة “أوبك+” تحالفت بقرارها المعلن مع موسكو، في نقد صريح كان موجهاً للمملكة السعودية تحديداً، باعتبارها أكبر منتج في المجموعة. وليؤكد الرئيس الأمريكي جو بايدن إن بلاده “ستعيد تقييم” علاقاتها مع السعودية. وهو ما أكده أيضاً منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي جون كيربي في حديث للصحفيين بأنه “في ضوء التطورات الأخيرة، وقرار أوبك بلس بشأن إنتاج النفط، يعتقد الرئيس أنه يجب علينا مراجعة العلاقات الثنائية مع السعودية، لمعرفة ما إذا كانت هذه العلاقة هي المكان الذي يجب أن تكون فيه، وأنها تخدم مصالح أمننا القومي”[10]. ومن هنا، فإن السعودية ترغب في وجود حليف قوي (الصين) تؤكد من خلاله للولايات المتحدة أن الرياض لديها داعم قوي، وفي المقابل، فإن الصين تري في الموقف المستقل إلى حد ما الذي ابتكره حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي للرد على الصراع في أوكرانيا قد يدفع المزيد من شركاء…

تابع القراءة
رغم الأزمة الاقتصادية .. ثلاثة إجراءات صدامية للنظام مع الشعب

رغم الأزمة الاقتصادية .. ثلاثة إجراءات صدامية للنظام مع الشعب

تمر مصر بأزمة اقتصادية وغذائية عنيفة؛ فقد تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنحو 60% منذ مارس 2022م؛ حيث تراجع من 15.70 جنيها إلى 24.75 جنيها  في منتصف ديسمبر؛ وهو ما أفضى إلى ارتفاع أسعار الغذاء، و تفاقم الوضع الاجتماعي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وعدم قدرة عشرات الملايين على توفير  الاحتياجات الأساسية من الغذاء والمسكن  والملبس. وأمام الورطة التي صنعها النظام بيده، يجد الجنرال عبدالفتاح السيسي نفسه أمام مأزق كبير؛ فهو يعاني من شح الدولار في ظل ارتفاع فاتورة الاستيراد، كما وصلت مستويات الديون إلى معدلات مخيفة، ويكفي أن جميع إيردات الدولة المتوقعة في الموازنة الحالية (2022/2023) لا تكفي لسداد بند  خدمة الدين فقط والذي يتضمن الأقساط والفوائد. في ظل هذه الأوضاع المأساوية خصوصا على الفقراء والمساكين والذين يقدرون بعشرات الملايين من المصريين، يصر النظام على الدخول في صدام مباشر مع جميع فئات الشعب من خلال ثلاثة أجراءات صدامية: أولها الفاتورة الإلكترونية، حيث أعلنت مصلحة الضرائب المصرية في نوفمبر 2022 عن إلزام أصحاب المهن الحرة بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية على جميع تعاملاتهم مع العملاء الأفراد والشركات، اعتبارا من منتصف ديسمبر 2022م، وأمام احتجاجات ورفض  النقابات المهنية كالمحامين والأطباء والصيادلة وغيرهم، أرجأت الحكومة القيد في المنظومة حتى 30 إبريل 2023م. الحكومة من جانبها ترى أنها تنفذ القانون؛ حيث جاء قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020،الصادر في أكتوبر 2020، الذي تنص المادة 37 منه على أنه يجب على كل ممول أو مكلف وغيرهم ممن يفرض عليهم القانون ذلك، إصدار فاتورة ضريبية أو إيصال مهني بالنسبة لمن يزاول مهنة حرة، عند بيع السلعة أو أداء الخدمة، وحدد البيانات المطلوب أن تشتمل عليها الفاتورة أو الإيصال. ونص القانون بالمادة 71 منه على عقوبة بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على مئة ألف جنيه، في حالة عدم إصدار الفاتورة الإلكترونية أو الإيصال، ونفس العقوبة لعدم الالتزام بالبيانات التي يجب أن تحتويها الفاتورة أو الإيصال، ونفس العقوبة لعدم إمساك حسابات إلكترونية توضح الإيرادات والتكاليف السنوية. هو القانون الذي يضع الحكومة في حالة صدام مع نحو  9 ملايين عضو بالنقابات المهنية، فالقانون الذي طرحته الحكومة سنة 2020، وتسعى لتطبيقه بشكل نهائي عام 2025، على المنشآت الفردية -سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية-، تستهدف منه تحقيق إيرادات ضريبية تاريخية بنحو 1.065 مليار جنيه، لدعم موازنتها العامة التي تعاني من العجز وتفاقم الديون.[[1]]  وفق مخططات دمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي. ثانيها، انتهاك سرية الأرصدة والحسابات البنكية، وهو القرار الذي أربك الأسواق وأقلق المواطنين؛ فقد مررت الحكومة مشروع قانون بتعديلات على قانون الإجراءات الضريبية الموحد، تسمح هذه التعديلات للبنوك بالإفصاح عما لديها من معلومات لأغراض تبادل المعلومات؛ تنفيذا للالتزامات الواردة في الاتفاقية الدولية الخاصة بالضرائب والنافذة في مصر. معنى ذلك أن هذه التعديلات تسمح لمصلحة الضرائب ووزارة المالية بتبادل المعلومات مع البنوك، وهو ما يعني انتهاك سرية حسابات وأرصدة عملاء البنوك والاطلاع على كافة الأسرار والحسابات وانتهاك قانون البنوك. وتأتي هذه التعديلات متصادمة مع المادة 97 من قانون البنك المركزي التي تنص على أن: تكون جميع حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية، ولا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة، أو من أحد ورثته أو أحد الموصى لهم بكل أو بعض هذه الأموال، أو من النائب القانوني أو الوكيل المفوض في ذلك، أو بناء على حكم قضائي أو حكم محكمين”. صحيح أن البنك المركزي ومصلحة الضرائب سارعا إلى إصدار بيانين يؤكدان فيهما أن التشريع لأغراض تتعلق بتنفيذ بنود اتفاقية دولية، وأنه لن يمس بسرية حسابات المتعاملين مع البنوك، لكن القرار أثار قلق أصحاب المدخرات، إضافة إلى أن الوقت غير مناسب على الإطلاق لتمريره في ظل الضغوط المتزايدة على القطاع المصرفي وزيادة حدة أزمة العملة، رفع من منسوب الشكوك أن مشروع القانون يستهدف زيادة الحصيلة الضريبية لتمويل عجز الموازنة، وهي خطوة قد تؤدي إلى عزوف المواطنين عن الإيداع في البنوك وسحب مدخراتهم. فالتعديلات المقترحة على هذا النحو وفي هذا السياق المأزوم هي سابقة لم تحدث من قبل؛ قد يكون هدفها الرئيسي هو التمهيد لإجراءات قانونية وبنكية مفتعلة؛ لتجميد بعض الحسابات ومصادرة الأموال والودائع لحساب الحكومة وأزمتها الاقتصادية، وهو ما قد يعجل بعواقب عدم الاستقرار، وقد يزيد من وتيرة هروب المستثمرين أجانب ومصريين؛، حيث لا يمكن الاستثمار في مناخ لا يضمن الحماية البنكية للمودعين. ثالثا، البدء في تطبيق قانون المحال العامة؛  الإجراء الثالث المتصادم مع فئات معتبرة من الشعب هو البدء منذ يوم 11 ديسمبر 2022 في تطبيق قانون المحال العامة التجارية وهو القانون(رقم 154 لسنة 2019)، وهو القانون الذي يستهدف به النظام ضم الاقتصاد الموازي (غير الرسمي) إلى منظومة الاقتصاد الرسمي بهدف زيادة غلة الحصيلة الضريبية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، عبر توفيق أوضاع المحال العامة غير المرخصة. معنى ذلك أن النظام سوف يدخل في صدام مباشر مع نحو 7 إلى 8 ملايين من أصحاب المحال العامة وفقا لحصر النائب في البرلمان محمد عطية الفيومي، عضو لجنة الإدارة المحلية بالمجلس.[[2]] وبينما تنظر الحكومة إلى القانون من زاوية تعزيز الغلة الضريبية؛ فإنها تتجاهل الأبعاد الأخرى والتي قد تكون أكثر خطورة؛ وأهمها أن هذا القانون سوف يرهق كواهل ملايين الأسر البسيطة التي يعيش معظمها مستورا بشكل نسبي على هامش الدولة، من خلال الرسوم التي يفرضها القانون، والغرامات المستحقة حال الإخلال به. بموجب القانون الجديد، سيكون أمام أصحاب المحال غير المرخصة عام واحد للحصول على تراخيص تجارية كي تصبح جزءا من الاقتصاد الرسمي، وسيتعين على أصحاب المحال التقدم إلى مراكز الترخيص الجديدة، والتي ستتلقى الطلبات وتمنح التراخيص في غضون 90 يوما. كما يمكن أن يجري إصدار الترخيص في غضون شهر إذا جرى استيفاء المتطلبات العامة المنصوص عليها في القانون، وتتراوح رسوم الترخيص التي يحددها القانون من ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه حسب الموقع والمساحة.[[3]] وإذا تم الإخلال بهذه الشروط سيتم توقيع العقوبة المنصوص عليها في القانون وهي عقوبات متدرجة تبدأ بالغرامة من 20 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه  وتصل إلى الحبس لمدة عام، وهذا في حالات تكرار المخالفة. ليس ذلك فقط فإن القانون يمنح رخصة مؤقتة لمدة خمس سنوات للمحال التي توجد في مبان  مخالفة حتى توفق أوضاعها؛ وبالتالي فالهدف هو زيادة غلة الحكومة الضريبية والمالية من خلال حصر الاقتصاد غير الرسمي من جهة وكذلك حصر المباني المخالفة وإجبارها على دفع غرامات التصالح من جهة أخرى. من جهة أخرى سبق ذلك بأيام، قرار حكومي  نشر في الجريدة الرسمية يوم 7 ديسمبر 2022م، ويقضي باشتراط الحصول على موافقات أمنية…

تابع القراءة
ترسيم الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط.. الدوافع وردود الأفعال

ترسيم الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط.. الدوافع وردود الأفعال

أصدر عبدالفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا رقم 595 لسنة 2022، بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية في البحر المتوسط، ونشرت الجريدة الرسمية نص القرار، في 11 ديسمبر 2022، حيث نصت المادة الأولى من القرار، على أن تبدأ حدود البحر الإقليمي لجمهورية مصر العربية من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية النقطة رقم (۱) ولمسافة (١٢) ميلًا بحريًا وصولًا إلى النقطة رقم (۸)، ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية من النقطة رقم (8) في اتجاه الشمال موازيًا لخط الزوال (٢٥) شرق وصولًا إلى النقطة رقم (۹)، ونصت المادة الثانية على أن تعلن قوائم الإحداثيات الواردة بالمادة الأولى من هذا القرار وفقًا للقواعد المعمول بها في هذا الصدد، ويخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة[1]، وتسعي هذه الورقة إلي التعرف علي دوافع هذا القرار ودلالاته، فضلًا عن ردود الأفعال التي أحدثها هذا القرار.   أولًا: دوافع ودلالات القرار المصري بترسيم الحدود البحرية الغربية: يمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع والدلالات التي تقف خلف القرار المصري بترسيم الحدود البحرية الغربية، كما يلي: 1- دعم وتأكيد المسار القانوني: يدعم التحرك المصري نحو تحديد الحدود البحرية الغربية في البحر الأبيض المتوسط مجمل الحركة المصرية والتي ترتكز بالأساس في أحد أدواتها على البعد القانوني في سياستها الخارجية تجاه شرق المتوسط؛ بهدف تعزيز وتعظيم مكاسبها. وقد تمت التحركات القانونية المصرية انطلاقًا من اتفاقية القانون الدولي للبحار 1982 والتي تنظم حقوق وسيادة كل دولة على مناطقها الاقتصادية ومياهها الإقليمية، وذلك على غرار توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان أغسطس 2020، وقبله مع قبرص في عام 2013. وعليه، من شأن تلك الخطوة أن تؤسس فيما بعد وفي أعقاب استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا للدخول في مفاوضات لترسيم الحدود بين البلدين، وقد تمتد لاستكمال ترسيم الحدود مع الدول المقابلة للساحل المصري (تركيا). 2- تعزيز مسار تحقيق الاكتفاء الذاتي: يمكن لتحديد الحدود البحرية الغربية لمصر أن تزيد من فرص اكتشاف مزيد من حقول الغاز في البحر المتوسط، حيث سعت الدولة المصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، والتحول من دولة مستوردة إلى مصدرة. وقد كان البحر الأبيض المتوسط المدخل الرئيس لتحقيق هذا الهدف بفضل الثروات والاحتياطات الكبيرة من الغاز الطبيعي[2]. حيث يؤكد المسح الجوي لمنطقة البحر المتوسط الخاصة بمصر وجود أكثر من 230 تريليون قدم مكعب غاز[3]. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف (الاكتفاء الذاتي من الغاز وتصديره)، اتبعت الدولة المصرية عددًا من الإجراءات من بينها: العمل على تنمية حقول الغاز، والتوسع في عمليات التنقيب والاستكشاف، علاوة على محاولة جذب الشركات الدولية عبر تسويق وطرح عدد من المزايدات[4]. ومن هنا، فإن قرار ترسيم الحدود البحرية الغربية سيجعل مصر قادرة على طرح هذه المناطق أمام الشركات العالمية، خاصة أن بعض هذه الشركات كانت تتخوف وترفض التنقيب بزعم أن الحدود غير معروفة أو واضحة أو تشهد نزاعات، بينما الآن بعد ترسيم الحدود الغربية بات محسومًا للجميع، ومعروفًا أن هذه المناطق مصرية وتخضع للسيادة المصرية، ولمصر في تلك المناطق حق الصيد والبحث عن الثروات[5]. وقد أسهمت تلك الإجراءات في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر بنهاية عام 2018، عندما أوقفت مصر استيراد الغاز[6]. وفي وقت سابق، تحدث السيسي، في مؤتمر اقتصادي عقد في أكتوبر الماضي، إلى أن “حقل ظهر للغاز الطبيعي لم يكن ممكناً اكتشافه لو لم يتم ترسيم الحدود مع قبرص واليونان في البحر المتوسط والسعودية في البحر الأحمر”، مضيفاً أن “تلك الاتفاقيات وفرت 120 مليار دولار سنوياً لتشغيل محطات الكهرباء”[7]. من هنا، يمكن فهم مساعي مصر إلى تحديد الحدود الغربية لتأمين مزيد من الاكتشافات، ومن ثم زيادة الفائض الذي يسمح بالتصدير للخارج، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال إعلان وزير البترول والثروة المعدنية “طارق الملا” (15 ديسمبر 2022) عن اكتشاف حقل “نرجس” في البحر المتوسط بحجم احتياطات أولية يقدر بنحو 3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز. وقد ساهم كل ذلك في رفع تصنيف مصر من المركز 19 عام 2015 في إنتاج الغاز الطبيعي وصولًا للمركز 13 عام 2021 على الصعيد العالمي والمركز الثاني أفريقيًا، وذلك وفق تقارير صادرة عن “بريتيش بتروليوم”[8]. 3- تأكيد الحضور في معادلة الطاقة العالمية: أضفت الحرب الروسية الأوكرانية أهمية متزايدة على غاز البحر الأبيض المتوسط خاصة في ظل قيام روسيا بتوظيف الغاز الطبيعي في حربها ضد الغرب، حيث قامت بقطع الإمدادات وتقليصها بصورة غير مسبوقة، ما وضع دول الاتحاد الاوروبي في مأزق توفير الإمدادات اللازمة، من هنا ظهر غاز المتوسط بوصفه أحد البدائل التي يمكن أن تلجأ إليه الدول الأوروبية للتعاطي مع تلك التطورات، الأمر الذي يمكن أن ينعكس بالإيجاب على الدور المصري بشكل عام في معادلة الغاز الطبيعي. وهو ما ترجمته مذكرة التفاهم الثلاثية بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي في يونيو 2022 والتي تستهدف ضخ مزيد من الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى منشآت الغاز الطبيعي المسال في مصر ومن ثم نقلها إلى أوروبا، ويمكن أن تدفع الاتفاقية تجاه مزيد من الاستثمارات في استكشاف الغاز والبنية التحتية في قبرص ومصر واليونان وإسرائيل بما يزيد من فرص الاستكشافات الجديدة، حيث وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” الاتفاقية بأنها” هذه خطوة كبيرة للأمام في إمدادات الطاقة لأوروبا ولكن أيضًا لمصر لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة”[9]. وبعد الإشارة إلي أهم دوافع مصر لاتخاذ قرار ترسيم حدودها البحرية الغربية، ينبغي الإشارة إلي عدة ملاحظات حول طريقة صدور القرار، تتمثل أبرزها في: 1- أن مصر أصدرت القرار بشكل منفرد، وتجنبت عقد اتفاق ثنائي مع حكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس النواب الليبي، والذي يحظى بدعم مصري، علي عكس الاتفاق الموقع بين حكومة عبدالحميد الدبيبة والحكومة التركية، في أكتوبر الماضي. وربما ينبع الموقف المصري تجاه حكومة باشاغا من إدراك القاهرة أن هذه الحكومة الموازية لا تلقى الاعتراف الدولي والأممي المطلوب[10]. 2- هناك أربع وسائل لتعيين الحدود البحرية بين الدول،؛ الأول، يتمثل في  الأسلوب الانفرادي، أي إعلان أحد الدول تحديد وترسيم حدودها البحرية بشكل منفرد، وهذا الأسلوب، وإن كان قانونياً، إلا أنه ليس الوسيلة الأمثل لتعيين الحدود بين الدول. والأسلوب الثاني، وهو الاتفاقيات الدولية، وهي الوسيلة الأمثل والأكمل لتعيين الحدود الدولية بين الدول الساحلية، سواء كانت متقابلة أو متجاورة. والأسلوب الثالث، عن طريق إحالة النزاع بين الدول إلى جهتين، إما القضاء الدولي مثل محكمة العدل الدولية، أو هيئة تحكيم دولية تختار قضاتها واختصاصاتها الدول الساحلية المتنازعة. لكن القرار، سواء كان صادراً من القضاء الدولي، أو من هيئة تحكيم دولية ــ وإن كان إلزامياً لأطراف النزاع – يترك في النهاية غصة في الحلق لدى الدولة التي ترى بأنها لم تكسب دعواها. وأخيرًا، فإن الأسلوب الرابع، وهو نادر الحدوث، يقوم علي أساس قيام منظمة أو هيئة دولية تابعة لمنظمة دولية، مثل مجلس…

تابع القراءة
نتائج مشاركة السيسي في القمة الأمريكية الإفريقية بواشنطن

نتائج مشاركة السيسي في القمة الأمريكية الإفريقية بواشنطن

شارك الجنرال عبدالفتاح السيسي في القمة الأمريكية الإفريقية التي انعقدت في البيت الأبيض بالعاصمة  الأمريكية واشنطن في الفترة من الثلاثاء 13 حتى الخميس 15 ديسمبر 2022م، وهي القمة التي شارك فيها نحو”49″ زعيما إفريقيا لبحث تعزيز العلاقات  الأمريكية الإفريقية، حيث تسعى واشنطن إلى تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في القارة السمراء لمواجهة تزايد النفوذين الصيني والروسي.[[1]] القمة هي الثانية من نوعها، وكانت المرة الأولى في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، في حين أكد عدد من وسائل الإعلام الأمريكية أن القمة تعد «تحديًا صعبًا» لواشنطن لكسب ثقة القارة السمراء، واللحاق ببكين وموسكو في تلك إفريقيا التي باتت «ساحة صراع دولي» على المصالح التجارية والجيوسياسية. ونبهت إلى ضرورة تضييق «فجوة الثقة» مع إفريقيا، التي اتسعت على مدى سنوات بسبب «حالة الإحباط» من التزام الولايات المتحدة تجاه القارة»، وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير لها قبل انعقاد القمة بيوم واحد، إن الصين» تظل أكبر منافس لواشنطن في القارة السمراء، موضحة أن قيمة التبادل التجارى بين بكين وعواصم القارة بلغت 254 مليار دولار حتى عام 2021، فمنذ تسعينات القرن الماضى تعزز بكين تواجدها بإقريقيا الذي تصاعد بدءًا من عام 2013 مع مبادرة الحزام والطريق. وشددت صحيفة «نيويورك تايمز» على ضرورة سعى الولايات لاقتناص الفرصة وكسب ثقة الاتحاد الإفريقى، ونقلت عن مديرة قسم أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، بالبيت الأبيض، موريثى موتيجا، قولها أنه آن الوقت لانهاء النظرة الأمريكية لأفريقيا كـ«مشكلة يجب حلها في حين ينظر منافسو واشنطن إلى القارة السمراء كونها منجمًا للفرص». في الاتجاه ذاته، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن المحلل السياسى الأميركى أندرو بويفيل قوله أن الحرب الروسية الأوكرانية أظهرت الفجوة الكبيرة بين واشنطن والقارة السمراء، حيث شعرت واشنطن بخيبة أمل بعد رفض معظم دول القارة إدانة العملية العسكرية الروسية. ونقلت الصحيفة عن مدير برنامج إفريقيا في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» مفيمبا ديزوليلى، أن القمة فرصة نادرة لواشنطن لاستمالة إفريقيا التي تضررت من العقوبات الأمريكية على روسيا، مؤكدًا أن واشنطن تسعى لتحقيق تقارب يمكنها من حفظ مصالحها الجيوسياسية مع القارة السمراء. واضاف المحلل الأمريكي لـ«واشنطن بوست» أن القادة الأفارقة مستاؤون من حالة «التجاهل» الأمريكى لمشاكل قارتهم، لافتًا إلى أنهم ورغم تقديرهم لاستضافتهم في واشنطن سيعقدون العديد من المقارنات بين ميزانية واشنطن لكييف والتى وصلت لـ60 مليار دولار فضلًا عن مناقشة تمرير 40 مليار جديدة في الكونجرس، في حين، لم تكرس واشنطن «لمشاكلهم أبدًا، سواء الصراع في جمهورية الكونجو الديمقراطية، أو الحرب الأهلية في إثيوبيا، أو الحرب في جمهورية إفريقيا الوسطى». ولإغراء الزعماء الأفارقة، وإنجاح القمة؛  كشف مستشار الأمن القومى الأمريكى، جاك سويلفان، في مؤتمر صحفى عشية انطلاق القمة، عن أن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، سيعين، الديبلوماسى، جونى كارسون، مبعوثًا أمريكيًا خاصًا للقارة السمراء، لتطبيق ما سيتم الاتفاق عليه خلال القمة. وأكد سوليفان أن واشنطن ستلتزم بتقديم 55 مليار دولار لإفريقيا حتى العام 2025 في إطار استراتيجيتها للدعم الاقتصادى والصحى والأمنى بالقارة السمراء، بما يتماشى مع استراتيجية الاتحاد الإفريقى 2063م. الخطوة الأمريكية الثانية لإغراء الزعماء الأفارقة تمثلت في  تعهد واشنطن بدعم مطالب القارة السمراء بتمثيل الإتحاد الإفريقي بمقعد دائم  في مجلس الأمن، وقال المدير التنفيذى لشؤون أفريقيا بمجلس الأمن القومى التابع للبيت الأبيض جاد ديفرمونت، إن القمة ستدعم مطلب القارة السمراء بتمثيل الاتحاد الإفريقى بمقعد دائم في مجلس الأمن.[[2]] الخطوة الأمريكية الثالثة لإغراء الأفارقة قبل انعقاد القمة، هي تعزيز فرص التجارة الثنائية؛ حيث رجحت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية أن يعلن «بايدن» تعديلات جديدة على القانون الأمريكى لـ«النمو الإفريقى والفرص (أجوا)»، ومد أمده لتعزيز سبل التجارة والاستثمار فى القارة السمراء ذات الموارد الهائلة، وإحياء مبادرة سلفه، باراك أوباما، لدعم الشبان الأفارقة المقيمين فى الولايات المتحدة. وبالفعل تم إدراج  هذه الحوافز  في مخرجات القمة فقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 55 مليار دولار من الاستثمارات على مدى السنوات الثلاث المقبلة للقارة السمراء ووضع أكثر من 15 مليار دولار في الشراكات الاستثمارية، والتوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم باستثمارات تصل إلى حوالى ثلاثة ونصف مليار دولار، إضافة إلى تأكيد بايدن على أن يكون لإفريقيا مقعد فى مجموعة العشرين ابتداءً من الاجتماع المقبل للمجموعة المقرر عقده فى العام القادم 2023، ودعم أن يكون لإفريقيا مقعداً فى مجلس الأمن، بالإضافة إلى تعهدات بدعم مادى كبير فى مجالات قضايا المناخ والطاقة والأمن الغذائى والصحة والتعليم والتجارة والتنمية. على كل حال فإن القمة أريد بها أن تطون قذيعة موجهة نحو النفوذ الصيني في إفريقيا؛ و وكادت الإدارة أن تفصح عن ذلك صراحة، حين قال وزير الدفاع لويد أوستن إن “النفوذ الصيني في القارة هو تهديد للاستقرار”، بلينكن تجاهل الرد على سؤال حول ملاحظة أوستن، وغمز ضمناً من زاوية الصين، عبر الإشارة إلى ما يُسمّى بـ”قروضها وعقودها” الملغومة التي تنطوي على التزامات إجبارية “وإكراهية” للمستفيدين الأفارقة، القمة جيوسياسية أكثر بكثير مما هي “شراكة”.[[3]] خلال القمة  حاول السيسي كسب الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب مصر في ملف سد النهضة، ودعم واشنطن في ملف القروض في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر. إضافة إلى لقاءات ثنائية عقدها السيسي مع عدد من المسئولين في الكونجرس والحكومة الأمريكية واجتماعه بوفد يهودي أمريكي لمناقشة تطورات العلاقة مع إسرائيل.   نتائج مشاركة السيسي على المستوى المصري، فقد شارك السيسي في القمة، لكن النتائج على ما يبدو لم تكن عند مستوى توقعات نظامه؛ فلم تشهد الملفات الرئيسية في العلاقات الثنائية بين البلدين أي تطور ملموس، باستثناء مكسب النظام بتجنب  الانتقاد الأمريكي العلني في ملف حقوق الإنسان والتغاضي عن انتهاكات السيسي وأجهزته الأمنية، ثم الإشادة بدوره كحارس يقظ وكفء في حماية أمن إسرائيل، وتلطيف ردود الأفعال الفلسطينية على اعتداءات قوات الاحتلال. أولا، عمق العلاقات بين السيسي والبنتاجون: حيث التقى السيسي، في أول زيارة له إلى واشنطن منذ تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في عام 2021، بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأربعاء 14 ديسمبر. وقبله شارك في جلسة مباحثات منفصلة في اليوم نفسه مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن وعدد قليل من أعضاء مجلس النواب. كما التقى بايدن في لقاء عابر على هامش القمة يوم الخميس 15 ديسمبر. وانتهى لقاء السيسي بوزير الدفاع الأمريكي بإشادة أوستن بالسيسي معربا عن تقدير الإدارة الأمريكية للقيادة المصرية تقديرا عاليا، وتعاونها في تحقيق الأهداف الأمنية المشتركة، كما أشاد بنموذج مصر “كأول دولة عربية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل”. وأثنى على “الإشراف المسؤول للقاهرة على قناة السويس، والمساعدة الحيوية التي قدمتها لتأمين وقف إطلاق النار في إسرائيل وغزة في أغسطس 2022”. أما البيان الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، فقد كشف أن أوستن والسيسي ناقشا “مجموعة واسعة من التهديدات التي تشكلها إيران، بما في ذلك توفير أنظمة جوية بدون طيار…

تابع القراءة
مقتل وإصابة 14 شخصا.. قراءة في الهجوم المسلح على كمين شرطة بالإسماعيلية

مقتل وإصابة 14 شخصا.. قراءة في الهجوم المسلح على كمين شرطة بالإسماعيلية

الاعتداء المسلح الذي وقع على كمين للشرطة في محافظة الإسماعيلية مساء الجمعة 30 ديسمبر 2022م، يحمل الكثير من الرسائل والدلالات حول مغزى التوقيت والمكان لقربه من قناة السويس والتوقعات حول مداه وصداه.  فقد أسفر الهجوم المسلح على كمين للشرطة قرب مسجد الصالحين في شارع شبين الكوم بحي السلام بالإسماعيلية من جانب مسلحي تنظيم «ولاية سيناء» كانوا يستقلون سيارة ربع نقل عن مقتل 3 من عناصر الشرطة تردد أن بينهم ضابط بخلاف مقتل مواطن يعمل في كشك قرب الكمين وإصابة نحو عشرة آخرين من عناصر الشرطة، وفر  الجناة هاربين قبل أن تصل التعزيزات الأمنية لتمشيط المكان والبحث عن الجناة. الملاحظة الأولى  أن الهجوم للوهلة الأولى يحمل بصمات تنظيم «ولاية سيناء» وهو الأول من نوعه في محافظة الإسماعيلية (غرب القناة)، بعدما شن التنظيم عدة هجمات على عدة مواقع شرق القناة خلال الأسابيع الأخيرة كما جرى في منطقتي جلبانة والقنطرة شرق؛ وقد تبنى التنظيم فعلا الهجوم بعد يومين من حدوثه عبر بيان رسمي نشرته وكالة أعماق المسؤولة عن نشر بيانات التنظيم في جميع مناطق نشاطه.[[1]] وبذلك فإن التنظيم يوسع رقعة المواجهات ويجعل المجرى الملاحي لقناة السويس تحت تهديد هذه الهجمات من الجانبين (الشرقي والغربي)، إعلان «ولاية سيناء» مسؤوليته عن الهجوم يأتي في إطار تطور مناطق العمليات العسكرية في سيناء خلال الربع الأخير من العام الماضي، خاصة مع اقترابه مؤخرًا من المجرى الملاحي لقناة السويس، وتنفيذه عدة هجمات في المناطق التي تتبع إداريًا محافظة الإسماعيلية، لكنها تقع داخل سيناء على الضفة الشرقية للقناة، خاصة قرية «جلبانة». وكان آخر تلك الهجمات في 28 نوفمبر الماضي(2022)، حين هاجم انتحاريون ارتكاز المثلث الشُرطي، ما أسفر عن مقتل أمين شرطة ومجند، وسبق ذلك بأيام اشتباكات «مدرسة الصنايع» في مدينة القنطرة شرق، والتي أسفرت عن مقتل ضابط ومجند من القوات المسلحة وثلاثة مسلحين، وأعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجومين. هذه التطورات تمثل خطورة بالغة على تأمين قناة السويس؛ وإذا تمكن التنظيم من شن هجوم واحد على أي سفينة شحن بمجرى القناة فإن ذلك كفيل بتوقف الملاحة في القناة والإضرار بشكل كبير بأحد أهم مصادر الدخل القومي (القناة) والتي تدر دخلا سنويا يصل إلى نحو 6 مليارات دولار، وتقول حكومة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي إن دخل القناة ارتفع خلال سنة 2022 إلى نحو 7.9 مليارات دولار. وإذا حدث ذلك فسوف يمثل ضربة كبرى للنظام من جهة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وشح المواد الدولارية، لكنه قد يخدم توجهات النظام في خصخصة بعض شركات هيئة قناة السويس؛ فإذا تراجعت موارد القناة في هذه الحالة فإن الحكومة ستتجه إلى بيع  بعض الأصول لتعويض الخسارة الناجمة. كما أن الهجوم يأتي في وقت حساس للغاية في ظل احتفالات رأس السنة الميلادية التي تحرص فيها الحكومة على استقرار الأوضاع الأمنية، وخصوصاً في ظل وجود آلاف السياح في المدن المصرية المختلفة لقضاء هذه الإجازة السنوية، وفي ظل حالة الاستنفار الأمني الذي وصل إلى أعلى درجاته خلال الأيام القليلة الماضية، والذي يستمر حتى مطلع العام الجديد. الملاحظة الثانية، الهجوم يمثل تطورا مهما في المواجهات المسلحة بين الطرفين (النظام والتنظيم)؛ فهذا التحول يعني أن “داعش” بدأ يطور المواجهات ويمدد رقعتها، من شرق القناة إلى غربها، وهذا يحمل الكثير من التساؤلات عن كيفية انتقال التنظيم من شرق قناة السويس إلى غربها، سواء كان انتقال الأفراد أو الأسلحة أو السيارات والمال اللازم لتنفيذ الهجمات وتوفير الدعم اللوجيستي لذلك. وفي ضوء ذلك فإن التنظيم لا يمكن أن ينجح في ذلك والعبور بعناصر وأسلحته ومعداته بسهولة إلا إذا حصل على دعم لوجيستي عال المستوى. فما جرى في الإسماعيلية يُعَدّ اختراقاً لخطوط أمنية حمراء يخشى أن يتبعها المزيد من الاختراقات إن لم يوقَف تمدد التنظيم إلى المزيد من المناطق في العمق، فالتنظيم يبحث عن إنجازات يعوض فيها خساراته في محافظة شمال سيناء خلال العام الجاري، التي فقد خلالها كل الأراضي التي كان يسيطر عليها منذ عام 2014، وخسر العشرات من أفراده، وقوته العسكرية الملموسة، ما يدفعه إلى البحث عن جبهات جديدة ذات تأثير في المستوى الأمني المصري الاستراتيجي، من خلال المسّ بضفتي قناة السويس الشرقية والغربية. لذلك هناك تفسيرات تذهب إلى أن نظام السيسي حريص على بقاء الحالة الداعشية والعمل على تضخيمها باستمرار وبث الروح فيها كلما خمدت من أجل تحقيق أهداف سياسية تتعلق بابتزاز الغرب واستجلاب دعمه، ومحليا بالتغطية على فشله وعدم قدرته على إدارة موارد  الدولة بشكل صحيح وفعال، وكذلك التغطية على الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان وتهربه من الالتزام بهذه الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية. بفرض سياسات جائرة وقمع كل الأصوات المعارضة. ويستدل هؤلاء بالامتيازات التي يحظى بها قادة داعش في السجون المصرية والسماح باختلاطهم بالنزلاء السياسيين والجنائيين من أجل نشر أفكاره وتوسيع قواعده الذين يسمح بخروج بعضهم حتى تبقى الحالة الداعشية قائمة تؤدي دورها المرسوم لخدمة أجندة النظام وأجندة القوى الغربية الحريصة على استمرار حربها على  الإسلام تحت لافتة الحرب على الإرهاب. وفي سبيل ذلك يتم دعم الاستبداد والطغيان العربي بدعوى حماية المنطقة والعالم من خطر الحركات والتنظيمات الإرهابية. الملاحظة الثالثة، تتعلق بمدى كفاءة الشرطة المصرية، وانعدام الاحترافية إلى مستويات مخيفة. والدليل على ذلك أربعة: أولها أن الكمين الذي جرى استهدافه هو كمين ثابت منذ  سنة 2013م؛ وهذا فكر أمني عقيم فلم يعد أحد يعتمد على الكمائن الثابتة  كل هذه السنوات؛ فالكمين يتم الثابت في عرف أجهزة الأمن هو صيد سهل؛ لأن رصده ورصد عناصره أمر يسير على أي أحد؛ وبالتالي فإن كل أجهزة الأمن باتت لا تعتمد على الكمائن الثابتة واستبدلت الكمائن المتحركة بها، وإذا فعلت فإن ذلك يكون لفترة قصيرة . الدليل الثاني أن الجناة بعدما ارتكبوا جريمتهم تمكنوا من الاستيلاء على سيارة شرطة والفرار بها من المنطقة، حتى تم العثور على السيارة في منطقة زراعية بمنطقة القصاصين. من جانبها، لم تُعلن وزارة الداخلية أي بيانات عن هجوم الإسماعيلية، وهو ما يأتي متماشيًا مع نَهج القوات المسلحة في عدم ذكر أي تفاصيل عن هجمات التنظيم بالقرب من قناة السويس، على الرغم من سقوط ضباط كبار خلالها، فيما لم يرد ذكر ما يجري بالقرب من قناة السويس عبر بيان رسمي، إلا عقب هجوم التنظيم على القوة العسكرية المسؤولة عن تأمين محطة رفع مياه «عرام/2» القريبة من محور الطاسة في وسط سيناء، والتي تبعد عن المجرى الملاحي للقناة نحو 30 كيلومتر، وبعد ساعات بدّل المتحدث العسكري صيغة البيان، بعد أن كان حدد موقع الهجوم من «شرق القناة»، لتشير الصياغة الجديدة إلى أن الهجوم وقع «غرب سيناء». الدليل الثالث الذي يكشف مدى انعدام الكفاءة والاحترافية في الشرطة أن الهجوم يأتي في أعقاب رفع وزارة الداخلية للحالة الأمنية إلى الدرجة القصوى مساء الخميس ؛ أي قبل الهجوم المسلح بيوم واحد فقط!   فقد عقد وزير…

تابع القراءة
القمة الأمريكية- الإفريقية.. قراءة في الأهداف والدلالات

القمة الأمريكية- الإفريقية.. قراءة في الأهداف والدلالات

استضافت العاصمة الأمريكية، واشنطن، قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022، وبمشاركة الرئيس جو بايدن وما يقرب من 50 من القادة الأفارقة، وتُعد القمة الإفريقية – الأمريكية هي الثانية من نوعها بعد القمة الأولى التي عُقدت في عام 2014، بضيافة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما. واعتبرت الإدارة الأمريكية بزعامة الرئيس بايدن هذه القمة واحدة من أهم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية خلال هذه الفترة. فهي الفرصة الأولى لإدارته لإظهار كيف تنظر إلى مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية على أرضها، وسط التوتر الجيوسياسي المتزايد مع روسيا والصين والجهود المبذولة لإعادة العلاقات الأمريكية الإفريقية، بعد التوتر الذي شهدته في عهد الرئيس الأمريكي ترامب. فما هو وضع كل من الولايات المتحدة والصين في إفريقيا؟ وكيف كان تعامل إدارة بايدن مع إفريقيا؟ وما هي تفاصيل استراتيجيته هناك؟ وكيف يُمكن قراءة أهداف ونتائج القمة الإفريقية الثانية؟ وما هي التحديات التي تواجه التواجد الأمريكي في إفريقيا؟ وكيف تؤثر على مستقبله؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..   أولًا: الولايات المتحدة والصين في إفريقيا:   موقع الولايات المتحدة من الصين في التجارة مع إفريقيا: قانون النمو والفرص في إفريقيا المعروف اختصارا بـ “أغوا” مازال في صميم السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة فيما يتعلق بالتعاون التجاري مع إفريقيا منذ صدوره في عام 2000. ومنذ ذلك الحين، وفر القانون لدول إفريقيا جنوب الصحراء المؤهلة فرصة إدخال أكثر من 1800 منتج إلى السوق الأمريكية معفاة من الرسوم الجمركية. وتزامنت القمة مع قرب انتهاء سريان القانون وتحديدا عام 2025 وسط توقعات بأن تقدم إدارة بايدن على إجراء تعديلات على القانون من أجل تعزيز الاستفادة من إمكانيات إفريقيا. ويشار إلى أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير عام 2021 بهدف إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم. وقد تزامن ذلك مع نمو النفوذ الصيني في إفريقيا خاصة في الشق التجاري والاقتصادي الذي تجاوز المعدل الأمريكي. وفي ذلك، يقول آدات “لم يعد قانون أغوا ذا فعالية كبيرة كما كان الحال في عهد الرئيس كلينتون، حيث كان له تأثير كبير في تلك الفترة الزمنية. لكن الآن فإن معظم السلع المصدرة لا يتم إنتاجها في القارة، إذ أن المواد الخام تأتي من الصين”. حيث تتربَّع الصين على عرش التجارة الدولية في إفريقيا، فقد بلغ الاستثمار الصيني المباشر في القارة ضعف المعدل الأمريكي فيما باتت بكين أكبر مقرض للقارة السمراء. كما كان لجوء بعض بلدان القارة الإفريقية إلى الصين وروسيا، قد أثار مخاوف الولايات المتحدة التي دعت بلدان القارة إلى توخي الحذر من تعزيز الاعتماد على موسكو أو بكين.[1]   أسباب الحاجة إلى تعامل أمريكي جديد مع القارة الإفريقية: هناك مجموعة من الأسباب: أولها؛ تزايد الأهمية الديمغرافية والاقتصادية والسياسية للقارة الإفريقية؛ تشير المؤشرات إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا تقريبًا، وينمو بمعدل أسرع بكثير من سكان أي منطقة أخرى. كما يُمكن أن تُشكِّل 54 دولة في إفريقيا كتلة سياسية قوية على المسرح العالمي (في حالة دمج جنوب القارة بشمالها)، وتستطيع أيضًا أن تظهر قدرة متزايدة على العمل في انسجام تام من خلال منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، خاصةً إذا تمكَّنت البلدان الإفريقية، وخاصةً الأكثر نفوذًا، من إيجاد صوت سياسي موحد. وثانيها؛ تزايد المخاوف الأمنية في القارة الإفريقية؛ تتزايد المخاوف الأمنية في منطقة الساحل وفي شرق وجنوب إفريقيا على طول المحيط الهندي. مع معاناة العديد من الدول الإفريقية من مشكلة المناطق غير المحكومة، وهي المناطق التي تعجز العديد من الحكومات المركزية عن بسط نفوذها عليه، مما حوّلها إلى ساحة واسعة للعصابات الإجرامية وتجارة المخدرات، بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية، وهي الجماعات التي تشاركت فيما بينها لتشكل خطرًا أمنيًا شديدًا على الأمن الإقليمي، بل والعالمي أحيانًا. الأمر الذي مثَّل دافعًا قويًا للولايات المتحدة، لتطوير استراتيجيتها لمواجهة مثل هذا النوع من التهديدات. وثالثها؛ النفوذ الصيني المُتصاعد في القارة؛ تنخرط الصين في إفريقيا بطرق لا تفعلها الولايات المتحدة، فإفريقيا بالنسبة للصين تُمثِّل مصدرًا لواردات الموارد الطبيعية، كما أنها سوق متزايدة وغير مُستغلة نسبيًا للصادرات وللاستثمار، وهي فرصة للشركات الصينية لزيادة فرص العمل واكتساب الخبرات العالمية. ورابعها؛ القوة الصلبة الروسية؛ يحرك السياسة الخارجية الروسية تجاه إفريقيا المحددان الاقتصادي والعسكري، والمتجليان في تكثيف المبادلات التجارية وفي زيادة صفقات التسليح والتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب. وخامسها؛ التداخلات الإقليمية الجديدة؛ في الفترة الأخيرة توسعت العلاقات السياسية والاقتصادية بل والعسكرية بين إفريقيا عمومًا والشرق الأوسط بشكل كبير. حيث زادت بعض دول الشرق الأوسط من الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في المنطقة وكذلك في منطقة الساحل. كما استطاعت بعض الدول إيجاد دور عسكري لها؛ سواء من خلال قواعد عسكرية مثل تركيا، أو من خلال استثمارات زراعية وصناعية مثل الإمارات والسعودية، أو دور ثقافي محدد مثل الدور الإيراني خاصة في المجال التعليمي.[2]   مميزات الشراكة الأمريكية لإفريقيا: إن ما يميز مشاركة أمريكا عن الشركاء العالميين الآخرين ليس واضحًا دائمًا، ولكن يمكن تمييزه على النحو التالي: أولًا؛ التركيز على القطاع الخاص؛ عند مقارنة الولايات المتحدة بالصين، نلاحظ التركيز الأمريكي على القطاع الخاص، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تستطيع توجيه شركاتها للاستثمار في إفريقيا (كما تستطيع الصين)، إلا أنها يُمكن أن تخلق بيئة مواتية أفضل للأعمال التجارية في القارة. ثانيًا؛ شراكات في الاتصال الرقمي؛ تركز شراكة الولايات المتحدة مع إفريقيا في تعزيز الاتصال الرقمي على دعم الشبكات المفتوحة المبنية على أساس آمن عبر الإنترنت وبيئة الاستثمار التي تتيح التدفق الحر للبيانات مع حماية المعلومات الشخصية. ثالثًا؛ سياسات الطاقة؛ بالنسبة لسياسات الطاقة الخاصة بالولايات المتحدة في إفريقيا، فإنها سوف تدعم أهداف الاكتفاء الذاتي والتصنيع في إفريقيا، فضلًا عن تعديل الانتقال الميسور التكلفة إلى مصفوفة الطاقة النظيفة والمتنوعة. وهذا يشير إلى أن الولايات المتحدة قد تعطي إفريقيا فرصة أكبر لاستغلال الغاز وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، مقارنةً بموقف الدول الأوروبية على سبيل المثال، التي تُعتبر أكثر صرامة فيما يتعلق بالانبعاثات الكربونية. رابعًا؛ السلام والأمن؛ تزعم الولايات المتحدة أنها تركز على نهج “ثلاثي الأبعاد” لمعالجة أسباب الصراع والافتقار إلى الديمقراطية والتنمية.[3]   ثانيًا: إدارة بايدن وإفريقيا:   تعامل إدارة بايدن مع إفريقيا: كانت إدارة جو بايدن قد تجاهلت إفريقيا إلى حدٍّ بعيد منذ تولي المسؤولية في 20 يناير 2021، لدرجة أنه على مدى 9 أشهر كاملة لم يقم أي من كبار مسؤولي السياسة الخارجية في الإدارة بأي زيارة للقارة السمراء، حيث ركزوا على زيارة الحلفاء الأوروبيين ودول جنوب شرق آسيا، التي أصبحت أساسية في المنافسة بين أمريكا والصين. لكن الأمور تغيَّرت تدريجيًا وقام وزير الخارجية الأمريكي، توني بلينكن، بعدة زيارات إلى إفريقيا، كانت إحداها في أغسطس الماضي، حين أعلن عن استراتيجية أمريكية جديدة للقارة السمراء…

تابع القراءة
قراءة في الاتفاق الإطاري الجديد في السودان

قراءة في الاتفاق الإطاري الجديد في السودان

يشهد السودان فصلًا جديدًا من فصول الانتقال السياسي في البلاد، بعد التوقيع على اتفاق إطاري بين قوى معارضة رئيسية وقادة الجيش يوم الاثنين 5 ديسمبر، لبدء مرحلة من المُفترض أن يقودها مدنيون تنتهي بإجراء انتخابات، ووقَّع نحو أربعين حزبًا ونقابة مهنية على الاتفاق، من بينها قوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي وفصائل مسلحة وأحزاب سياسية ذات توجهات مختلفة، بينما وقَّع عن المكون العسكري قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، وفيما يلي قراءة لأهم بنود هذا الاتفاق، والمواقف المختلفة منه، والملاحظات عليه، والمخاطر المُتوقَّعة منه..   أولًا: الاتفاق والمواقف المختلفة منه: بحسب ما كشفت عنه قوى الحرية والتغيير الطرف المدني الموقع على الاتفاق؛ فإن أبرز بنوده تتلخص في: أولًا؛ تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات النظامية؛ وتتكون من مستوى سيادي مدني محدود، بمهام شرفية، يُمثِّل رأسًا للدولة، ورمزًا للسيادة، وقائدًا أعلى للأجهزة النظامية؛ ومستوى تنفيذي يرأسه رئيس وزراء مدني تختاره القوى الموقعة على الاتفاق، إضافةً إلى مجلس تشريعي وآخر للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء ويضم قادة الأجهزة النظامية و6 من حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا. ثانيًا؛ النأي بالجيش عن السياسة وعن ممارسة الانشطة الاقتصادية والتجارية الاستثمارية؛ ودمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش وفقًا للترتيبات التي يتم الاتفاق عليها لاحقًا في مفوضية الدمج والتسريح ضمن خطة إصلاح أمني وعسكري يقود إلى جيش مهني وقومي واحد. ثالثًا؛ إصلاح جهازي الشرطة والمخابرات ووضعهما تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء، وحصر مهام جهاز المخابرات على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة وتجريده من سلطة الاعتقال أو الاحتجاز. رابعًا؛ إصلاح الأجهزة العدلية بما يُحقِّق استقلاليتها ونزاهتها؛ وإطلاق عملية شاملة تحقق العدالة الانتقالية تكشف الجرائم وتحاسب مرتكبيها وتنصف الضحايا وتبرئ الجراح وتضمن عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الجرائم مرة أخرى. خامسًا؛ تنفيذ اتفاق سلام جوبا مع تقييمه وتقويمه بين السلطة التنفيذية وشركاء الاتفاق وأطراف الإعلان السياسي واستكمال السلام مع الحركات المسلحة غير المُوقِّعة. سادسًا؛ إزالة تمكين نظام 30 يونيو 89 وتفكيك مفاصله في كافة مؤسسات الدولة، واسترداد الأموال والأصول المنهوبة، ومراجعة القرارات التي بموجبها تم إلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989. سابعًا؛ إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، تحت إشراف مفوضية “صناعة الدستور”، للحوار والاتفاق على الأسس والقضايا الدستورية وبمشاركة كل أقاليم السودان. ثامنًا؛ تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهر على أن يتم تحديد متطلباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي، لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة.[1]   هياكل السلطة الانتقالية والأجهزة النظامية وفقًا للاتفاق: تتكوَّن هياكل السلطة الانتقالية بحسب ما نص عليه الاتفاق الإطاري من مستوى سيادي ومجلس وزراء ومجلس تشريعي وهي مؤسسات مدنية بالكامل. تمثيل النساء في المجلس التشريعي بنسبة 40%. المستوى السيادي سيكون مدنيًا ومحدود العدد بمهام شرفية. يتشكَّل مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات ذات الصلة وقادة الأجهزة النظامية، وتتشكَّل المفوضيات المستقلة والمتخصصة والمجالس العدلية والنيابية. أما الأجهزة النظامية؛ فيأتي في مقدمتها القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وقوات الشرطة، وجهاز المخابرات العامة. القوات المسلحة وفق ما نص عليه الاتفاق الإطاري هي مؤسسة نظامية قومية غير حزبية وبعقيدة تلتزم بالنظام الدستوري والمدني، وتضطلع القوات المسلحة بمهامها وفق ما نص عليه قانونها، وعليها كذلك تنفيذ المهام الواردة بالاتفاق الإطاري مثل تنفيذ السياسات المُتعلِّقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفق خطة الحكومة الانتقالية. يتضمَّن الإصلاح أن تدمج في القوات المسلحة قوات الدعم السريع وفق الجداول الزمنية المتفق عليها، كذلك دمج قوات الحركات المسلحة وفقًا لبند الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاقية جوبا. حظر تكوين ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، مع حظر مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية.[2]   المواقف الداخلية من الاتفاق: أثار الاتفاق جدلًا وانقسامًا كبيرًا في الشارع السوداني بين رافض كليًا ومتحفظ ومؤيد. أما الرافضون؛ فتضم قائمة الرافضين مجموعات متباينة فكريًا وسياسيًا وعلى رأسهم التيار الإسلامي العريض والحزب الشيوعي وتجمُّع المهنيين الأصل والحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني؛ إضافةً إلى حركات مسلحة مُوقِّعة على اتفاق السلام السوداني. كما أكَّدت بعض لجان المقاومة رفضها لأي اتفاق مع المكون العسكري، ودعا الناشطون المنادون بالديموقراطية ويرفضون “أي تفاوض وأي شراكة” مع الجيش الى تظاهرات احتجاجًا على الاتفاق. واعترض على الاتفاق كذلك بعض قادة حركات التمرد السابقين الذين وقَّعوا في 2020 اتفاقًا مع الجيش ودعموه عقب انقلاب العام الماضي.[3] كما لم يُبدِ الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارت البجا سيد على أبو آمنة أي تفاؤل في أن يقود الاتفاق السياسي الإطاري إلى معالجة مسار الشرق وقضيته من خلال المراجعة المشار إليها لاتفاق جوبا لسلام السودان، مؤكدًا رفضهم من حيث المبدأ لأن يتوافق بعضهم على حكم البلاد من دون أصحاب المصلحة في إقليم البجا، ثم بعد أن يحكموا يجلسوا ليحلوا مشكلته، معتبرًا أي اتفاق لا يكونوا جزءًا منه لا يعنينهم، بل يُمثِّل امتدادًا لفكرة الدولة المركزية. وجدَّد التمسك بقرارات مؤتمر سنكات بوصفها تضمن الحقوق العادلة لهم وكذلك حق تقرير المصير، مؤكدًا عدم قبولهم بأي اتفاق لا يشمل مجلس البجا وقرارات مؤتمر سنكات. وشدَّد على أنهم فيما عدا ذلك؛ سوف يقاومون أي اتفاق إقصائي كهذا، وسوف ينزعون إلى الاستقلال ولو أجبروا على الحرب، على حد قوله.[4] وقد تظاهر عدة آلاف بالعاصمة الخرطوم احتجاجًا على الاتفاق، وحدثت مواجهات بين بعضهم وقوات الأمن التي أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت على بعد نحو كيلومترين من مكان توقيع الاتفاق في القصر الرئاسي.[5] وأما المؤيدون؛ فتتمثَّل الأطراف المُوقِّعة في قيادتي الجيش والدعم السريع، وقوى الانتقال المُكوَّنة من قوى الحرية والتغيير -المجلس المركزي- وجماعتي المؤتمر الشعبي المُنفصل عن المؤتمر الوطني، إضافةً إلى عدد من لجان المقاومة. وبالنسبة للمتحفظين؛ تحفظ حزب البعث العربي الاشتراكي العضو في قوى الحرية والتغيير على الاتفاق وأعلن انسحابه من التوقيع عليه مع مشاركته في الاجتماعات والمناقشات التي سبقت عملية التوقيع.[6]   أسباب رفض ودعم القوى الوطنية للاتفاق: لم يتطرق الاتفاق الإطاري إلى التفاصيل الخاصة بخمس قضايا رئيسية، في مقدمتها العدالة والعدالة الانتقالية، وتفكيك نظام البشير، وتعديل اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والحركات المسلحة عام 2020، وإصلاح القطاع الأمني والعسكري، عدا إيجاد حل للأزمة المتفاقمة في شرق السودان (الاشتباكات القبلية والإغلاقات).[7] ولذا؛ يقول الرافضون من القوى التي شاركت في الحراك الذي أدى لإسقاط نظام البشير إن الاتفاق لم يحسم بشكل واضح مسألة إبعاد الجيش عن السلطة، وتجاهل قضايا العدالة وتفكيك التمكين؛ فيما ترى عدد من لجان المقاومة أن الاتفاق لا يتسق مع اللاءات الثلاثة المرفوعة في الشارع والتي تتحدَّث عن عدم المشاركة أو التفاوض مع القيادة العسكرية الحالية. وفي الجانب الآخر تقول جماعة الإخوان والمجموعات الصغيرة المتحالفة معها إن الاتفاق يُكرِّس…

تابع القراءة
الصدام بين الحكومة والنقابات حول الفاتورة الإلكترونية.. سيناريوهات محتملة

الصدام بين الحكومة والنقابات حول الفاتورة الإلكترونية.. سيناريوهات محتملة

تسبب إعلان مصلحة الضرائب المصرية في نوفمبر 2022 بإلزام أصحاب المهن الحرة بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية على جميع تعاملاتهم مع العملاء الأفراد والشركات، اعتبارا من منتصف ديسمبر 2022م في أزمة كبرى بين الحكومة من جهة والنقابات المهنية من جهة أخرى؛ وتظاهر آلاف المحامين في مقر النقابة الرئيس بالقاهرة وفي عدد من مقار النقابة الفرعية بالمحافظات رافضين إلزامهم بالفاتورة الإلكترونية، وصدرت بيانات رافضة من نقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين وغيرها تؤكد رفض التعامل بالفاتورة بالإلكترونية. أمام هذه التحركات النقابية وجرأة المظاهرات والهتافات المدوية  في وسط القاهرة وغيرها من المحافظات وخوف النظام من انتقال عدوى التظاهر من الإطار النقابي إلى الدائرة الشعبية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والغلاء الفاحش الذي طال كل شيء؛ وجد النظام نفسه في حالة ضعف وأنه أمام خيارين: الأول، التمسك بإلزام أعضاء النقابات المهنية بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية إعمالا لنص القانون من جهة وحاجة النظام إلى زيادة موارد الدولة من الضرائب من جهة أخرى في ظل تراجع إيرادات الدولة، الثاني، ضرورة إطفاء نيران الاحتجاجات النقابية التي اشتعلت خوفا من انتقالها إلى الشارع واستقطاب ملايين الغاضبين بفعل الفقر والجوع والغلاء، وانتهت تقديرات الموقف داخل أجهزة النظام الأمنية إلى ضرورة تأجيل الصدام مع النقابات بمد فترة التسجيل في الفاتورة الإلكترونية من منتصف ديسمبر 2022 إلى 30 إبريل 2013م، وهو القرار الذي تم الإعلان عنه الخميس 08 ديسمبر 2022م، لكن المحامين تظاهروا في نفس اليوم رافضين للتأجيل معلنين إصرارهم على ضرورة الإلغاء وليس التأجيل.[[1]] إزاء ذلك؛ كيف بدأت المشكلة؟ وما تفاصيل الصدام بين الحكومة والنقابات؟ وما أسباب رفض المحامين والنقابات الالتزام بالفاتورة الإلكترونية؟ ولماذا يُصر عليها النظام؟ وما علاقة الازمة بتدهور الوضع الاقتصادي في مصر؟ وما مآلات الصدام الدائر بين الحكومة والنقابات المهنية من جهة أخرى؟   موقف الحكومة الحكومة من جانبها ترى أنها تنفذ القانون؛ حيث جاء قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020،الصادر في أكتوبر 2020، وتعديلاته بالقانون رقم 211 لسنة 2020 الصادر في ديسمبر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد؛ لينص على وجوب إصدار الشركات وغيرها من الشخصيات الاعتبارية الطبيعية، فاتورة إلكترونية عن كل عملية بيع موقعة إلكترونيا من مُصدرها، وعلى الشركات وغيرها التعاقد مع إحدى الشركات المرخص لها من وزير المالية لتنفيذ النظام الإلكتروني. وجاءت المادة 37 من القانون صريحة بأنه يجب على كل ممول أو مكلف وغيرهم ممن يفرض عليهم القانون ذلك، إصدار فاتورة ضريبية أو إيصال مهني بالنسبة لمن يزاول مهنة حرة، عند بيع السلعة أو أداء الخدمة، وحدد البيانات المطلوب أن تشتمل عليها الفاتورة أو الإيصال، ونص القانون بالمادة 71 منه على عقوبة بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على مئة ألف جنيه، في حالة عدم إصدار الفاتورة الإلكترونية أو الإيصال، ونفس العقوبة لعدم الالتزام بالبيانات التي يجب أن تحتويها الفاتورة أو الإيصال، ونفس العقوبة لعدم إمساك حسابات إلكترونية توضح الإيرادات والتكاليف السنوية. وعقب صدور قانون الإجراءات الضريبية الموحدة في أكتوبر2020، بدأت مصلحة الضرائب في إلزام عدد من الشركات الكبيرة بتطبيق الفاتورة الإلكترونية في منتصف نوفمبر2020، ضمن مرحة أولى، تلتها مرحلة ثانية بعدد أكبر من الشركات في منتصف فبراير 2021، وكان التزام الشركات الكبيرة الحجم به واسعا خاصة مع تصريح الوزير بتحويل شركات للنيابة لعدم التزامها بالفاتورة الإلكترونية، واستمرت المراحل حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة منتصف ديسمبر 2022، مع منح تلك الشركات مهلة للتجربة حتى بداية مارس المقبل “2023”؛ لتصبح الفاتورة الإلكترونية ملزمة للجميع مع بداية أبريل المقبل “2023”، ولإظهار الجدية ذكرت وزارة المالية أن الجهات الحكومية لن تتعامل في تعاقداتها مع غير الشركات المنضمة إلى منظومة الفاتورة الإلكترونية. والفاتورة الإلكترونية تكون بين شركة وشركة أخرى، أما الإيصال الإلكتروني فيكون بين تاجر أو مقدم خدمة والمستهلك النهائي، ومن هنا فإن أصحاب المهن الحرة ممن لديهم شركات ملزمون بالفاتورة الإلكترونية. أما من لديهم مكاتب فردية أو عيادات خاصة أو يعملون لحسابهم، فإن الإلزام بالإيصال الإلكتروني لهم ما زال أمامه بعض الوقت، حيث تمر الوزارة فيه حاليا بمرحلة التجارب، وربما تستغرق تلك التجارب عدة شهور وقد تستغرق عاما، تكون خلالها قد استطاعت زيادة الوعي به بين أصحاب المهن الحرة وتيسير إجراءات تنفيذه بينهم.[[2]] منظومة الفاتورة الإلكترونية تستهدف فقط ـ بحسب الحكومة ومصلحة الضرائب ـ التحول من النظام الورقي إلى النظام الإلكتروني، من خلال إجراءات بسيطة، وبلا أعباء إضافية من مصلحة الضرائب؛ للتيسير على الممولين، والحد من التدخل البشري، ومن ثم القضاء على التقديرات الجزافية، وتسهيل إجراءات الفحص الضريبي، وتحقيق العدالة الضريبية، وضمان تحصيل حق الخزانة العامة للدولة. منظومة الفاتورة الإلكترونية لن تضيف أي أعباء، وهي عبارة عن تحول الفاتورة الورقية إلى فاتورة إلكترونية، وبالتالي لا يصح ولا يوجد بها استثناءات في تطبيقها، حتى تساعد في القضاء على الشركات الوهمية، وكذلك القضاء على المنافسة غير العادلة، بالإضافة إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.[[3]] وحسب بيانات مصلحة الضرائب المصرية، بلغ إجمالي عدد الشركة المنضمة لمنظومة الفاتورة الإلكترونية أكثر من 135 ألف شركة، قاموا بإرسال 412 مليون فاتورة على المنظومة منذ تفعيلها في نوفمبر 2020. القانون الذي طرحته الحكومة سنة 2020، وتسعى لتطبيقه بشكل نهائي عام 2025، على المنشآت الفردية -سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية-، تستهدف منه تحقيق إيرادات ضريبية تاريخية بنحو 1.065 مليار جنيه (43.3 مليون دولار)، لدعم موازنتها العامة التي تعاني من العجز وتفاقم الديون.[[4]] وتعتبر مصلحة الضرائب أن الأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين والفنانين وأصحاب المهن الحرة جزء من المجتمع الضريبي الملزم بالتسجيل في نظام الفاتورة الإلكترونية في موعد أقصاه 15 ديسمبر وإرسال فواتير إلى مكاتب مصلحة الضرائب، عبر المنظومة الإلكترونية، وفي حال تعاملهم مع العملاء، عليهم اصدار إيصال إلكتروني. وهو الموعد الذي جرى تأجيله حتى 30 إبريل 2023 لامتصاص حالة الغضب بين المهنيين. وتتهم وزارة المالية الرافضين للمنظومة بأنهم يسعون إلى التهرب من أداء الضريبة على الدخل، وأن أغلب الأطباء يحصلون على قيمة العمليات الجراحية من مرضاهم نقدا، بينما يتهم الأطباء وأرباب المهن الحرة مأموري الضرائب بوضع تقديرات جزافية على أعمالهم سنويا.[[5]] بعض الداعمين لموقف الحكومة يستنكرون موقف المحامين والنقابات المهنية الرافضة للتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية؛ وذلك استنادا إلى  أن القانون يجب أن ينفذ على الجميع  وألا يستثنى منه أحد؛ فالفاتورة الإلكترونية هي منظومة قانونية وإدارية لا تضيف أعباء ضريبية جديدة وإنما تُحسّن من قدرة السلطات الضريبية على رصد الالتزام أو التهرب الضريبى؛ وبالتالي فلا مبرر مطلقا لرفض تطبيق نظام الإخطار الإلكترونى لأنه، من جهة أولى وسيلة لتحسين قدرة مصلحة الضرائب على ضبط التحصيل ومكافحة التهرب، ومن جهة أخرى هو جزء من النظام الضريبي للدولة الملزم قانونا، فلا مبرر للاستثناء منه أو رفض تطبيقه على أى فرد فى المجتمع. هذه الآراء ترى…

تابع القراءة
دراسة.. قمة "كوب 27" بمصر بين الانتهاكات الحقوقية والاخفاقات المناخية

دراسة.. قمة “كوب 27” بمصر بين الانتهاكات الحقوقية والاخفاقات المناخية

عناوين: نتائج دون المستوى ووعود بتمويلات مستقبلية. فضائح السيسي لم تتوقف وفشل تجميل وجهه القبيح. هزيمة  للدول النامية أمام توسع الدول المتقدمة في الاعتماد على الطاقة وعدم الالتزام بخفض درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.   قمة المناخ “كوب 27”  التي نظمتها الأمم المتحدة، والتي استضافتها مصر خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر، وجرى تمديدها ليوم إضافي بشرم الشيخ، والتي حاول من خلالها نظام السيسي اكساب نفسه شرعية ودور دولي، ساعياً لتجميل سجله السياسي والانساني والحقوقي الدامي، والذي عبرت عنه الشخصيات المستقلة والمنظمات المدنية الدولية والمنظمات الحقوقية والتغطيات الصحفية، في كبريات الصحف العالمية… لم يُحقق للنظام المصري ما كان يرنو إليه.. ففي الوقت الذي حاول السيسي فيه الظهور بمنظر المتسامح حقوقياً وإنسانياً، انكشفت معالم سجله الأسود في الانتهاكات الحقوقية وقمعه النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتجولت القمة من محاولة لتبييض صفحة النظام إلى مثار للانتقادات والسخرية من النظام، كما لم يفلح السيسي في الحصول على دعم مالي منشود في ظل ازمة اقتصادية حادة، واكتفت القمة التي غرقت في خلافات وانقسامات بين الدول المشاركة، على وقع أتباع مصر وسائل فردية تعظيم استفادتها المالية، دون تنسيق مع باقي الأطراف، وهو ما أفضى إلى اتفاق سيئا، بعد تمديد القمة ليوم إضافي، لتجاوز خلافات الدول الأعضاء.. وذلك لأول مرة في تاريخ قمم المناخ، بسبب الخلاف حول التمويلات التي تنشدها الدول النامية -وهو المطلب الذي تبنته مصر منذ قبل انطلاق القمة- من الدول المتقدمة، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي للتهديد بالانسحاب من القمة، وبدلا من تنجيم شخصية السيسي طغت شخصية الناشط المحبوس علاء عبد الفتاح على أعمال المؤتمر، بل نال اهتمام كبريات  الصحف العالمية أكثر من أعمال ومقررات القمة نفسها، وعلى صعيد أخر انكشف حجم الخداع وعدم صدقية النظام المدافع عن المناخ والبيئة، وبدت أزمات انتهاكات البيئة والمناخ في الفنادق ومقار استضافة المؤتمر غير المتوافقة مع البيئة بالمرة، بجانب أزمة انفجار مياه الصرف الصحي واللجوء المشاركين للتنقل على حجارة فوق المياه وصولا لردهات فندق الاستضافة في مشهد غير معتاد عليه بين الأجانب، على عكس ما تعود عليه المصريون!!! وقد هاجمت مياه الصرف الصحي يوم الأربعاء 9 نوفمبر المنطقة الزرقاء وهي الجزء اللوجستي للمؤتمر، حيث تضم قاعة المؤتمرات، وفيها المركز الإعلامي للمؤتمر، وقاعة المعلومات وإصدار التصاريح. ناهيك عن أزمات الاستضافة والتخبط الإداري وتسعير الخدمات الفندقية والمياه والمأكولات بأسعار تزيد عن مثيلاتها في دول العالم كافة، كما بدا وجه السيسي القبيح القامع للحريات والمطبق لاجراءات القمع السيبراني والقمع السياسي والأمني، من خلال التوقيف بالمطارات لنشطاء ومنع بعضهم من الدخول إلى مصر، وتهديدات أمنية بعدم انتقاد مصر خلال المشاركة بالمؤتمر، وبدأ تهافت نظام السيسي ورداءة تفكيره في استعانته بـ نواب برلمانيين للمشاركة في المؤتمر مدافعين عن انتهاكات السيسي لحقوق الانسان، بل الاستعانة بأطفال مدارس للتظاهر نقدا لعلاء عبد الفتاح وتأييد السيسي بلا دراية، وأيضا الاستعانة بنشطاء مدنيين تابعين للدولة المصرية ومنظماتها المدنية ضد الحرية وضد السجناء وهو أمر فاضح ومستغرب لدى الدوائر العالمية… وكانت الطامة الكبرى في إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عن صعوبة أن تحصل مصر على المساعدات المالية المعلن عنها، والتي طن طن لها إعلام النظام بأنها تصل لأكثر من 10 مليار دولار هذا العام، وتأجيلها لأعوام تالية…. علاوة على كل ذلك، سلطت الصحف العالمية انتقاداتها للأمم المتحدة ولمصر لتنظيم المؤتمر في بلد لا يؤمن بحقوق الإنسان والحقوق البيئية، مشددين على شعار رفعه متظاهرون ونشطاء دوليون خلال المؤتمر بأنه “لا عدالة بيئية بدون حقوق إنسان”…   الورقة التالية، تستعرض أبرز معالم فشل نظام السيسي، وسوء إدارته للقمة، وهو ما انعكس على نتائجها الهزيلة وسط تركيزه على المال وتحصيل المكاسب المالية، في مقابل ضعف التركيز على الجوانب الفنية التي من أجلها أقيمت القمة، وصولا الطنطنة الإعلامية المصرية بإنجاز إنشاء صندوق “الأضرار والخسائر” الذي جاء كنتيجة سيئة لجبر الخلافات والانقسامات الدولية، وإهمال الجوانب الدفاعية عن البيئة بالوصول لاتفاق ملزم لخفض الانبعاثات الغازية والحرارية التي تتسبب بها الدول المتقدمة، والاكتفاء بالتعويضات التي قد لا تأتي حلال السنوات المقبلة، إثر الخلافات الاستراتيجية بين الأطراف الدولية الفاعلة، وتشظي المواقف الدولية بين الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي، وتضعضع موقف الدول النامية التي مثلها نظام السيسي، الذي بدا أقرب للمتسول والشحاذ الذي يريد المال وفقط…   أولا: فعاليات ومحظورات: وناقش المؤتمر قضايا رئيسية، وهي: التمويل، والعلوم، والشباب وجيل المستقبل، والتخلص من الانبعاثات الكربونية، والتكيف والزراعة، والجندر، والمياه، والمجتمع المدني، والطاقة، والتنوع البيولوجي، والحلول. وعقدت دوائر نقاش مستديرة حول قضايا: التحولات العادلة، والأمن الغذائي، والتمويل المبتكر المناخ والتنمية، والاستثمار في مستقبل الطاقة، والأمن المائي، وتغير المناخ، واستدامة المجتمعات الضعيفة. وأعدت الحكومة المصرية 11 مبادرة خلال المؤتمر وهي: المرونة الحضرية المستدامة للجيل القادم، ومبادرة العمل المناخي والتغذية، والعمل بشأن المياه والتكيف والقدرة على الصمود، والغذاء والزراعة من أجل التحول المستدام، ومبادرة النفايات العالمية الهادفة لتدوير نصف المخلفات الصلبة في إفريقيا. كما تضمنت المبادرات: التحول النظيف والميسور في الطاقة في إفريقيا، ومبادرة الحياة اللائقة للمرونة المناخية من أجل رفع القدرات الإفريقية على التكيف مع تغير المناخ. كما شملت الاستجابات المناخية للسلام المستدام للربط ما بين تحقيق الاستدامة المناخية والسلام والتنمية، وأولويات المرأة الإفريقية للتكيف مع المناخ، وأصدقاء تخضير خطط الاستثمار الوطنية في إفريقيا والدول النامية، وتعزيز الحلول القائمة على الطبيعة من أجل تسريع التحول المناخي. واستهدف أطراف المؤتمر الحصول على تعهد من صناع القرار بخفض الانبعاثات الكربونية لوقف ارتفاع درجة حرارة الأرض حيث ارتفعت 1.5 درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه في فترة ما قبل الصناعة، وكانت  23 من بين 193 دولة قامت بالإيفاء بتعهداتها التي أقرتها في مؤتمر جلاسكو العام الماضي، بتقديم نسخة محدثة من الخطط الوطنية إلى الأمم المتحدة، بحيث تحوي أهدافاً أكثر طموحاً من بينها خطط جديدة لخفض الانبعاثات الكربونية.   توسيع دائرة المحظورات: محظورات: ومما قلص من فعالية المؤتمر، توسيع السلطات المصرية من دائرة المحظورات على المشاركين والنشطاء.. وضمن المضايقات والعراقيل التي وضعت أمام النشطاء والمشاركين بالقمة، حذرت السلطات المشاركين في القمة من السخرية من رؤساء الدول والحكومات المشاركين في المؤتمر، وحددت مجموعة من الأفعال التي يحظر ارتكابها، وأشارت إلى نيتها معاقبة المخالفين. جاء ذلك في كُتيب نشره الموقع الرسمي للرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ COP 27، بعنوان: “معلومات ومحددات وخطوط استرشادية للمشاركين، فيما يخص المنطقة الخضراء والمنطقة المخصصة للتظاهرات المناخية، والمناطق الأخرى بشرم الشيخ”. السلطات المصرية قالت في الكتيب إنه من الممنوع على المشاركين في قمة المناخ “استخدام اللافتات، والشعارات، والهتافات، والرّموز، والمواد الصوتية أو المطبوعة أو المرئية التي تحرض على الكراهية، أو التمييز، أو العنصرية، أو العنف …”. أضافت أنه يُمنع “استخدام مواد تشخيصية مثل الرسوم التي تسخر من رؤساء الدول والحكومات، والمفاوضين، والأفراد، والقيام بأفعال ساخرة من الأمم…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022