زيارة رئيس الوزراء العراقي طهران.. أجندة إيران أولاً ولا ضمانات لبغداد

زيارة رئيس الوزراء العراقي طهران.. أجندة إيران أولاً ولا ضمانات لبغداد

في إعادة إنتاج للسيطرة الايرانية على مفاصل الدولة العراقية، التي طحنتها الصراعات الإيرانية والأمريكية، عبر عقود، على النفوذ والسيطرة، جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لطهران، الثلاثاء 29 نوفمبر كاستدعاء سريع من القيادة الايرانية، التي دعمت رئاسة السوداني للوزراء العراقي، بعد صراعات شيعية شيعية، امتدت بين التيار الصدري والاطار التنسيقي الذي تدعمه إيران منذ أكتوبر 2021، بعد انتخابات تشريعية غير حاسمة النتائج، بعد أن أبدت الحكومة العراقية بقيادة السوداني امتعاضها من استمرار الهجمات الصاروخية الإيرانية على مناطق شمال العراق، بدعوى وجود تهديدات أمنية من قبل الجماعات الكردية الإيرانية المقيمة في إقليم كردستان العراق، وبعد لقاء جمع قيادات عراقية بأمريكيين في بغداد، علقوا على الهجمات الإيرانية في الداخل العراقي. أولا: فعاليات الزيارة: وجاءت الزيارة التي ضمت قيادات وزارية عراقية رفيعة المستوى، حاملة العديد من الملفات، في مقدمتها الملف الأمني والتعاون الاقتصادي، علاوة على ملف توسط العراق بين إيران والسعودية وبعض الأطراف العربية في القضايا الإقليمية. واستمرت الزيارة يوما واحدا، جرى عقد عدة لقاءات بين الوفد العراقي، ونظرائهم،  وعقد الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، ورئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، تضمن العديد من التصريحات الدبلوماسية، العبارات المطاطة، حول نتائج الزيارة، التي قدم فيها السوداني المزيد من التعهدات بحماية الاراضي الايرانية وعدم السماح بأن تمثل أي تهديدات طهران، وسط تشديدات خامئني والقيادات الايرانية، فيما لم تقدم ايران اية ضمانات للعراق بحماية أراضيها أو عدم تنفيذ هجمات عسكرية داخل الأراضي العراقية، وسط أحاديث عن التعاون الاقتصادي والمشاريع المشتركة، بجانب ترحيب إيراني بأدوار الوساطة التي تلعبها الحكومة العراقية، بين الرياض وإيران. الزيارة الأولى من نوعها لرئيس الوزراء العراقي للدولة الداعمة لتحالف “الإطار التنسيقي” الذي شكّل الحكومة العراقية الجديدة،تضمنت سلسلة لقاءات مكثفة مع المسؤولين في البلاد، كان أبرزَها لقاؤه مع المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بالتزامن مع عقد الوفد العراقي الوزاري لقاءات مع نظرائهم الإيرانيين، صدرت عن الجانبين العراقي والإيراني عدة بيانات توضح أبرز ما تم بحثه في الزيارة الأولى للسوداني إلى طهران. وفي ختام الزيارة التي استمرت يوماً واحداً، قال السوداني، بعد عودته إلى بغداد: “أنهينا زيارتنا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأجرينا مباحثات جدّية مع القيادة هناك، وفي مقدمتهم السيد علي خامنئي”. وكان الوفد العراقي، ضم إلى جانب السوداني، عدد من المسؤولين، بينهم وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير النفط حيان عبد الغني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ومدير مكتب رئيس الوزراء، والمستشار الاقتصادي، ومدير المصرف العراقي للتجارة، إلى جانب مسؤولين أمنيين ومستشارين حكوميين. وتم خلال الزيارة بحث ملفات عدة، منها “القصف الإيراني، وإطلاع طهران على الإجراءات التي تم اعتمادها داخل العراق للتعامل مع ملف الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، وملفات المياه والطاقة المتعلقة باستيراد الغاز والكهرباء، إلى جانب سعي العراق إلى إكمال دور الوساطة بين طهران والرياض.. وقال السوداني، في مؤتمر صحافي مع رئيسي في طهران، إن “الحكومة ملتزمة بتنفيذ الدستور وعدم السماح باستخدام الأراضي العراقية للإخلال بالأمن في إيران، وإننا نعتمد في علاقاتنا الخارجية مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية. وتم بحث العلاقة والتعاون في المجال الأمني، وأمن البلدين لا يتجزأ”. ثانيا: سياق زيارة السوداني طهران: جاءت زيارة السوداني طهران على وقع غضب إيراني من مواقف عراقية منددة بانتهاكات إيرانية لسيادة العراق بعد هجمات شنها الحرس الثوري الإيراني على ما قال إنها مواقع ومقار لتنظيمات كردية إيرانية في إقليم كردستان العراق. وبدا أن السوداني الذي وصل لمنصبه بفضل القوى الشيعية الموالية لإيران والذي تم استدعاؤه على عجل لطهران، يأخذ في اعتباره الثقل الإيراني في المعادلة السياسية وإلى أي مدى يمكن أن تذهب طهران ما لم يسر في ركبها. ويبدو أن لقاء السوداني بوفد من الكونغرس الأميركي مؤخرا في بغداد وتأكيد الأخير إدانة واشنطن للهجمات الإيرانية على شمال العراق وانتهاك السيادة العراقية وتعبيره عن دعم الولايات المتحدة للعراق في مواجهة التهديدات الإيرانية، أثار غضب الجانب الإيراني وهو ما يفسر إلى حدّ ما سبب استدعائه لرئيس الوزراء العراقي. وتهيمن إيران على مفاصل الدولة العراقية من خلال نخبة سياسية موالية لها وميليشيات مسلحة تحركها عند الضرورة. وجاءت الزيارة بدعوة من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على وقع توتر صامت بين البلدين الجارين على خلفية انتهاكات إيرانية لسيادة العراق من خلال هجمات على شماله استهدفت مواقع لتنظيمات كردية إيرانية دون تنسيق أو تشاور مع بغداد. كما جاءت الدعوة الايرانية لرئيس الوزراء العراقي لزيارة طهران، بعد  لقاء جمع السوداني برئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان بارزاني في بغداد عبر فيه الأخير عن مخاوف من احتمال اجتياح إيراني للإقليم بذريعة ملاحقة التنظيمات الكردية الإيرانية التي تتهمها طهران بالتورط في ما وصفته بـ’أعمال إرهابية وتخريبية’ في خلال الاحتجاجات التي تشهدها مناطق كردية في أقاليم إيران النائية المحاذية للحدود مع كردستان العراق. وتوترت العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة عندما كان العراق مسرحا لنزاع سياسي بين الطرفين السياسيين الشيعيين الأساسيين: الإطار التنسيقي من جهة والتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وصل أحيانا إلى العنف. وكان المركز الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أعلن أن السوداني استقبل السفير الإيراني لدى العراق محمد كاظم آل صادق، قبيل الإعلان عن الزيارة، حيث نقل إليه دعوة رسمية من قبل الرئيس الإيراني رئيسي، لزيارة طهران. وجاء في البيان الصادر في هذا الشأن عن مكتب رئيس الحكومة العراقية، أن اللقاء بين السوداني وآل صادق، تناول عددا من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وبما يشمل الجانب الاقتصادي والاستثمار، كما جرى التأكيد على استمرار المشاورات الأمنية بين إيران والعراق بالشكل الذي يحفظ سيادة البلدين ويحقق مصالح الشعبين الصديقين ويرسّخ أمن المنطقة واستقرارها. ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد باكبور، تعزيز الوحدات المدرّعة التابعة للحرس عند الحدود الغربية والشمالية الغربية للبلاد، مؤكدا أنّ “مواجهة الجماعات الانفصالية مستمرة”. وكانت بعثة إيران في الأمم المتحدة بعثت برسالة إلى أعضاء الأمم المتحدة، تطالب فيها العراق بالعمل وفق التزاماته وإغلاق مقارّ الجماعات الإرهابية داخل أراضيه. وأكدت البعثة أن “على الحكومة العراقية أن تؤدي دورا مؤثرا في ضبط كل حدود العراق الدولية”، موضحة أنّ “إيران لم تمتلك خيارا آخر سوى الدفاع الذاتي عن أمنها وأمن مواطنيها ضمن الأطر والقوانين الدولية”. وأعلنت إيران، الإثنين 28 نوفمبر الماضي، تقديم أكثر من 70 وثيقة إلى العراق بشأن وجود جماعات إرهابية مسلحة، في منطقة كردستان العراق، بعد إعلان الحرس الثوري الإيراني بدء جولة جديدة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على “مقار المؤامرة ومراكزها المعادية لإيران، في إقليم كردستان العراق”، بحسب البيان الايراني.. ثالثا: نتائج الزيارة: بقراءة ما رشح عن الزيارة، وما تضمنه البيان الرسمي المؤتمر الصحفي بين رئيسي والسوداني، يمكن استخلاص عدة نتائج للزيارة. 1- تعهدات أمنية عراقية غير مقنعة لطهران: وشملت الزيارة عدة مباحثات حول القضايا المشتركة…

تابع القراءة
فوز أنور ابراهيم برئاسة الحكومة الماليزية بعد عقود من الإقصاء .. التحديات والرهانات مستقبلية

فوز أنور ابراهيم برئاسة الحكومة الماليزية بعد عقود من الإقصاء ..التحديات والرهانات مستقبلية

أدى، السياسي الماليزي المخضرم أنور ابراهيم “75 عاما” اليمين الدستورية ، رئيسا للوزراء، الخميس 24  نوفمبر، بعدما تدخل الملك سلطان عبدالله سلطان أحمد شاه، في حسم اختيار  رئيس الوزراء، بعد انتهاء انتخابات تشريعية مبكرة، أجريت السبت 19 نوفمبر ،  لم تسفر عن حصول أي من الأحزاب المتنافسة على أغلبية حاسمة، وجاء دور الملك الدستوري بعد 5 أيام من  النقاشات والمشاورات  السياسية، وعدم قدرة رؤساء التحالفات الحزبية على التوافق على شخص رئيس الوزراء. وكان رئيس الوزراء الماليزي إسماعيل صبري يعقوب تعرض لضغوط متزايدة من فصائل في ائتلافه الحاكم لحل البرلمان في أكتوبر  الماضي والدعوة إلى انتخابات مبكرة، التي كانت مقررة بعد منتصف العام المقبل 2023، وهو ما تم بالفعل في 10 أكتوبر الماضي. ولجأ الملك لاختيار حكومة أقلية، بعدما تعثر التوافق السياسي بين الأحزاب ، والتي كانت قد دفعت الملك لعقد لقاءات ثنائية ومتعددة مع قادة التحالفات الانتخابية الفائزة، لإقناعهم بالتحالف والالتفاف حول شخصية رئيس الوزراء، إلا أن رفض قادة الجبهة الوطنية وتحالف الأمل العمل سويا، دفع الملك لممارسة حقه الدستوري، حقنا للخلافات  السياسية. وكان المشهد الماليزي الأشد غرابة، هو فشل رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد “97 عاما” في الحفاظ على مقعده البرلماني، للمرة الأولى منذ 53 عاما، رغم إنجازاته الاقتصادية والمجتمعية في ماليزيا، وهو ما جسد قيمة العمل الديمقراطي والرضا بنتائج الصندوق الانتخابي بكل شفافية. ونقلت “المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (أمنو)، التي حكمت ماليزيا منذ الاستقلال عن بريطانيا (1957)، وحتى 2018، 30 مقعداً بقيادة رئيس الوزراء الحالي إسماعيل يعقوب، ، فيما خسر رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، زعيم حزب “مقاتلو الوطن”، مقعده، لأول مرة منذ 53 عاماً، كما لم يفز حزبه بأي مقعد. وأدى أنور إبراهيم ، الخميس الماضي، اليمين الدستورية بعد تكليف الملك له بتشكيل الحكومة الجديدة. وقال بيان للقصر الملكي أن تعيين أنور إبراهيم ليكون رئيس الوزراء العاشر في تاريخ البلاد جاء بعد موافقة الملك ومجلس حكام الولايات.. وتحليل نتائج الانتخابات وقراءة المشهد الماليزي، ينبغي التوقف عند عدة محددات وتطورات، في الورقة التالية: أولا: الخارطة الحزبية الماليزية: ويوجد في ماليزيا 69 حزبا سياسيا مسجلا لدى هيئة تسجيل المؤسسات والأحزاب، وهي موزعة على 5 كتل رئيسية: 1-تحالف الجبهة الوطنية: وهو أقدم تحالف حزبي في البلاد، ويضم 3 أحزاب رئيسية هي المنظمة الملايوية القومية المتحدة (أمنو)، والجمعية الصينية الماليزية والمؤتمر الهندي الماليزي، وقد حكم البلاد منذ استقلالها عام 1957 إلى أن خسر انتخابات عام 2018. 2- تحالف الأمل: وهو امتداد لتحالفات المعارضة بزعامة أنور إبراهيم منذ خروجه من السلطة عام 1998، ويضم 3 أحزاب رئيسية هي حزب عدالة الشعب، والعمل الديمقراطي (يهيمن عليه ذوو الأعراق الصينية)، وحزب الأمانة الوطنية المنشق عن الحزب الإسلامي الماليزي، وخرج منه حزب “برساتو” عام 2020. 3-تحالف العقد الوطني: يتزعمه رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، ويضم حزب وحدة الملايو (برساتو) والحزب الإسلامي الماليزي وأحزابا صغيرة، وأبرز ما يميز “برساتو” أنه توليفة للمنشقين عن مختلف الأحزاب الرئيسية في البلاد، خصوصا الحزبين الكبيرين أمنو وعدالة الشعب. 4-تحالف التجمع الوطني المحارب: أسسه مهاتير محمد مؤخرا، ولم يسجل رسميا في هيئة الأحزاب، ويضم عدة أحزاب صغيرة ومنظمات غير حكومية. 5-أحزاب ولايتي “ساراواك” و”صباح” في القسم الشرقي للبلاد (جزيرة بورنيو): وهي تجمع لأحزاب ساراواك الذي فاز بانتخابات مجلس الولاية العام الماضي، وأحزاب ولاية “صباح” يتقدمها حزب “التراث”. ويعتبر موقف أحزاب الولايتين حاسما في النتيجة النهائية، وذلك بترجيح كفة التحالف الفائز، نظرا لأن مجموع مقاعد الولايتين في البرلمان المركزي يبلغ 56 مقعدا، والتي تعادل 25% من مجموع المقاعد البالغة 222 مقعدا. وتتبنى ماليزيا حكما برلمانيا وملكية دستورية على غرار النظام البريطاني، ومدة الدورة البرلمانية 5 سنوات، لكن البرلمان الأخير حُلّ مبكرا. ثانيا: النظام الانتخابي الماليزي: وينقسم البرلمان إلى مجلسين: النواب، وعدد أعضائه 222 يصلون بالانتخاب المباشر، والشيوخ ويضم 70 عضوا، ويقوم النظام الانتخابي على “ناخب واحد- مرشح واحد” بمعنى أن كل ناخب يختار مرشحا واحدا في دائرته لتمثيل الدائرة في مجلس النواب. ويكلف الملك من يعتقد أنه قادر على الحصول على ثقة البرلمان، ولا يعقب التكليف تصويت على الثقة بالحكومة، كما أن الحسم بالفوز يكون بعدد المقاعد في البرلمان وليس بأغلبية الأصوات الانتخابية. وقد أقر البرلمان في يوليو الماضي تعديلا دستوريا يمنع أعضاء البرلمان من تغيير ولاءاتهم الحزبية بعد الانتخابات، وذلك بعد أن تسبب تغيير الولاءات بانهيار حكومتين من الحكومات الثلاث التي شكلت بعد انتخابات 2018 وأبقت الثالثة في حالة عدم استقرار إلى أن حُلّ البرلمان في 10  أكتوبر الماضي. ولا يشمل قانون حظر الانتقال من حزب إلى آخر أعضاء مجلس الشيوخ، إذ إنهم غير منتخبين مباشرة من الشعب، ويتم اختيارهم من قبل المجالس التشريعية في الولايات وتعيّنهم الأحزاب السياسية المشاركة في البرلمان ضمن حصص لكل حزب. ثالثا: خارطة النتائج الانتخابية: وأظهرت نتائج الانتخابات ، حصول تحالف ميثاق الأمل الذي يقوده أنور إبراهيم ويوصف بالتقدمي أو الليبرالي المتحالف مع أحزاب الأقلية الصينية على 82 مقعداً، تلاه التحالف الوطني المحافظ الذي يضم توجهات إسلامية برئاسة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين بـ73 مقعداً، من أصل 220 مقعداً. ويضم تحالف محيي الدين الإسلامي القومي الماليزي المحافظ الحزب الإسلامي.. بينما فازت الجبهة الوطنية “المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (آمنو)، التي حكمت ماليزيا منذ الاستقلال عن بريطانيا (1957)، وحتى 2018، والتي يقودها رئيس الوزراء الحالي إسماعيل صبري يعقوب ، بـ30 مقعداً، وهو أسوأ أداء انتخابي- ولكن كان من المتوقع أن تلعب الجبهة دوراً محورياً في تحديد من يشكل الحكومة، لأن دعمها ضروري لكل من أنور ومحيي الدين لوصول أي منهما إلى 112 مقعداً اللازمة لتشكيل الحكومة، إلا أنها رفضت الدخول في أية تحالفات مفضلة  مقاعد المعارضة فيما خسر رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، زعيم حزب “مقاتلو الوطن”، مقعده، لأول مرة منذ 53 عاماً، كما لم يفز حزبه بأي مقعد. إضافة لذلك هناك ثلاثة أحزاب صغيرة تهيمن على جزيرة بورنيو فازت بـ32 مقعداً، ومن المرجح أن تكون شريكة لمن يفوز بأغلبية المقاعد في شبه جزيرة ماليزيا الرئيسية. رابعا: دلالات نتائج الانتخابات: وتعبر تلك النتائج عن العديد من الحقائق على أرض الواقع السياسي بـ ماليزيا، التي تعد من أقوى اقتصاديات النمور الاسيوية، على الرغم من إشكالاتها السياسية والاقتصادية الأخيرة، على وقع الأزمات العالمية المتفاقمة، خلال السنوات الأربعة الأخيرة، من تداعيات فيروس كورونا وأزمة الاغلاقات الدولية، ثم الحرب الروسية الاوكرانية..ومن تلك الحقائق: 1-إعادة الاعتبار السياسي لـ أنور إبراهيم: ويأتي تعيين أنور تتويجاً لرحلة طويلة في عالم السياسة استمرت ثلاثة عقود، تقلب فيها من وريث واضح للزعيم المخضرم مهاتير محمد إلى سجين، ثم زعيم للمعارضة لفترة طويلة. وحُرم الرجل البالغ من العمر 75 عاماً مراراً من الوصول لرئاسة الوزراء، رغم اقترابه من المنصب على مدار السنين، وسبق أن…

تابع القراءة
قراءة في مستجدات المشهد الميداني بسيناء خلال نوفمبر 2022

قراءة في مستجدات المشهد الميداني بسيناء خلال نوفمبر 2022

خلال شهر نوفمبر 2022م، شهد المسرح الميداني بشبه جزيرة سيناء عدة تحولات وإجراءات تستوجب الرصد والتحليل. فقد تزايدت معدلات الهجمات المسلحة من جانب تنظيم “ولاية سيناء”، والأهم هو شروع الجيش في تهجير سكان نحو 9” قرى بمنطقتي رفح والشيخ زويد من أجل إقامة مشروعات تتعلق بمخططات «صفقة القرن»، وهي الإجراءات التي تتزامن مع عودة بنيامين نتنياهو على رأس حكومة الاحتلال في نهاية شهر نوفمبر الجاري، بعدما فاز الليكود بانتخابات الكنيست الأخيرة. وكان النظام يحظر الدخول والتواجد في منطقة رفح، بعد تهجير الجيش لكل سكّانها، بقرار من الدكتاتور عبد الفتاح السيسي في أكتوبر 2014، ليتم هدم المدينة بشكل كامل؛ حيث تم إنشاء منطقة عازلة بعمق 5 كم ما أدى إلى تدمير أكثر من 6 آلاف منزل، وجرف آلاف الأفدنة الزراعية، وتهجير ما لا يقل عن 85 ألف نسمة من سكان المدينة، لم يتلقّ جزءٌ كبير منهم أي تعويضات مقابل تهجيرهم من منازلهم حتى اليوم. وحتى السكان الذين تم تهجيرهم من رفح إلى مدن ومحافظات أخرى تتم ملاحقتهم أمنيا لأن بطاقات هويتهم مدون بها “شمال سيناء” ويجري اعتقال هؤلاء بشكل دوري لأتفه الأسباب دون توجيه أي تهم لهم لمجرد أنهم من شمال سيناء. عملية التهجير حولت رفح إلى مدينة أشباح وهو الوضع الذي استغله تنظيم “داعش” على نحو جيد واستوطن هذه المنطقة حتى اليوم. إزاء هذه المعطيات، ما حقيقة ما يجري في سيناء؟ ولماذا عاد الجيش إلى تهجير سكان القرى من جديد؟ وما علاقة ذلك بعودة نتنياهو رئيسا لحكومة الاحتلال من جديد؟ وهل لهذه الإجراءات الجديدة علاقة بمخططات صفقة القرن؟   تزايد معدلات الهجمات المسلحة الملاحظة الأولى والمهمة هي تزايد معدلات الهجمات المسلحة  التي يشنها تنظيم «ولاية سيناء»؛ فقد شهد نوفمبر عدة هجمات مسلحة أدت إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين في صفوف الجيش والشرطة والمليشيات القبلية المساندة للجيش. وخلال شهر نوفمبر تم رصد الهجمات الآتية: أولا، قتل مجندان وأصيب ضابط شرطة في هجوم شنه مسلحون صباح الأحد 27 نوفمبر على كمين «المثلث» الأمني بالقرب من قناة السويس؛ حيث بدأ الهجوم فجرا بتفجير انتحاري نفسه في الكمين، تبعه إطلاق نار من عدة جهات، فيما ردت قوات الجيش بإطلاق النار، واستمر الاشتباك حتى ساعات الصباح بعد أن وصلت تعزيزات عسكرية من المواقع القريبة لمكان الهجوم.[[1]] ثانيا، في صباح السبت 19 نوفمبر 2022م، قُتل سبعة عسكريين،(ضابطان وخمسة جنود) في هجوم واسع لتنظيم “ولاية سيناء” على مدينة القنطرة شرق، التي تقع ضمن نفوذها قناة السويس، والتابعة إدارياً لمحافظة الإسماعيلية. حيث احتل المسلحون عدة مباني رسمية (مدرسة وكلية صيدلة وعدة مباني أخرى)، ودخلوا في اشتباك مباشر مع القوات النظامية في مدينة حساسة كالقنطرة شرق على بعد عدة كيلومترات مجرى قناة السويس؛ واستمر الاشتباك عدة ساعات إلى أن هرعت قوات كبيرة من الجيش والشرطة والمجموعات القبلية المساندة لها لصدّهم، بالتالي فإن الهجوم على هذا النحو ليس فقط رسالة تحد للنظام العسكري بل رسالة تهديد بأن التنظيم قادر على تهديد المجرى الملاحي لقناة السويس. [[2]] ثالثا، وفي مساء الأحد 06 نوفمبر قتل ضابط وثلاثة من مليشيات القبائل المساندين للجيش؛ والضابط هو المقدم عاصم ويشغل منصب قائد “كتيبة 103 صاعقة” والمساندون الثلاثة هم عامر عميرة وحسين سالم وتوفيق شاهين.[[3]] وفي مايو (2022) شن التنظيم عدة هجمات مسلحة أسفرت عن مقتل نحو 23 عسكريا بينهم ثلاثة ضباط بخلاف المصابين والجرحى ردا على اعتقال عدد من زوجات عناصر التنظيم.[[4]] وهو ما دفع الجيش في (يونيو  2022) إلى شن حملة جديدة على أوكار التنظيم بمساعدة مليشيات القبائل، في ظل تصاعد المواجهات الأمنية في مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء. وشهدت قرى بلعا والمطلة والحسينيات اشتباكات ضارية بين “ولاية سيناء” وقوات الجيش والقبائل، لكن الكمائن والفخاخ والعبوات الناسفة واستخدام تكتيكات حرب العصابات من جانب التنظيم ببراعة، ألجأت الجيش إلى استخدام الطيران الحربي كما تم الدفع بقوات خاصة ومشاة لدعم تقدم عناصر المليشيات القبلية المساندة للجيش التي تتقدم الصفوف ويقع بها أكثر القتلى والمصابين. وتأتي هذه الهجمات المسلحة بعد فترة من الهدوء النسبي امتدت لأسابيع؛ كما تأتي في أعقاب حملة دعائية من جانب نظام السيسي وآلته الإعلامية تروج  بأن الجيش قد بسط  سيطرته الميدانية كاملة على شمال سيناء وخاصة منطقة رفح بالقرب من الحدود مع قطاع غزة والمناطق المحيطة بها، لا سيما بعد شن الجيش حملة عسكرية مكبرة في يونيو 2022 بمساعدة مجموعات قبلية مسلحة موالية للسلطة على هذه المنطقة التي تضم الشريط الساحلي والتي تبلغ مساحتها نحو خمسة كم باتجاه الغرب نحو مدينة الشيخ زويد. وللبرهنة على ذلك أدى قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع في يوليو 2022م، صلاة عيد الأضحى بهذه المنطقة؛ لكن داعش بعدها شن مزيدا من الهجمات المتتالية على المنطقة التي أدت إلى وقوع ضحايا في صفوف المجموعات القبلية وقوات الجيش. وهي الهجمات التي تزعزع الصورة التي تحاول المؤسسة العسكرية رسمها والترويج لها  بالسيطرة والتحكم في الميدان، حيث برهنت هذه الهجمات أنها صورة مخالفة للواقع. وكانت القوات المسلحة تمتنع عن دخول أحياء رفح منذ الانتهاء من هدمها، خصوصاً الشمالية منها القريبة من شاطئ البحر، وكذلك تمنع المجموعات القبلية من التنقل فيها طيلة السنوات الماضية، إلى أن سمحت بذلك منذ أيام، فيما لاقت هجمات عنيفة من التنظيم، أجبرتها عن إيقاف التمشيط حتى إشعار آخر.[[5]]   تسهيلات لتحسين معيشة المواطنين الإجراء الثاني في الوضع  الميداني بشمال سيناء تضمن تسهيلات للسكان بشأن القيود الصارمة المفروضة على تحركاتهم ومعيشتهم منذ سنة 2014م، ومن هذه الإجراءات: أولا، تم  فتح محطات الوقود أمام السيارات بشكل كامل، بعدما كان يُسمح للمواطنين بالتعبئة مرة إلى مرتين أسبوعياً وبكميات محدودة للغاية، وبحضور قوة من الجيش المصري، والجهات الحكومية المختصة. كذلك تم السماح بدخول الزيوت المخصصة للسيارات بشكل دائم، من دون الحاجة إلى تنسيق مسبق كما كان الحال طيلة السنوات الماضية. ثانيا، فتح عدة طرق ومفترقات هامة في مركز مدينة العريش، بعدما كانت مغلقة منذ ستة أعوام متتالية، ما يخفف من معاناة المواطنين في التنقل بين أحياء المدينة التي تمثل عاصمة لمحافظة شمال سيناء، وتحوي المراكز الحيوية لكافة سكان المحافظة. ثالثا، السماح بإعادة ترميم محطات للوقود في مدينة الشيخ زويد التي يضطر سكانها وسكان قرى رفح إلى تعبئة سياراتهم بالوقود من مدينة العريش، في ظل عدم عمل أي محطة وقود فيها منذ عام 2013، بعدما هدم الجيش المصري جزءاً منها، والجزء الآخر تعرض للتلف نتيجة تركها بلا عمل طيلة الأعوام الماضية. رابعا، تم تشغيل أبراج الاتصالات في مدينتي رفح والشيخ زويد، ما أدى إلى وصول شبكات الاتصال والإنترنت إلى كافة مناطق شمال سيناء، للمرة الأولى منذ عام 2013. خامسا، فتحت قوات الجيش عدداً من الطرق في نطاق مدينة بئر العبد، وعدداً من الكباري (الجسور) الفرعية التي كان يستخدمها السكان في…

تابع القراءة
الدين في مونديال قطر

الدين في مونديال قطر

مع انطلاق فاعليات كأس العالم في قطر، ارتفعت حدة الجدل المثارة حول هذه النسخة من المونديال، هذا الجدل كان ذا شقين؛ الأول: جدل عربي-عربي حول الفاعليات والنشاطات التي صاحبت انطلاق مباريات البطولة، الشق الثاني: جدل عربي-غربي حول موقف الحكومة القطرية المنظمة من عدد من القضايا، وهي المواقف التي اعتبرتها حكومات ونخب غربية أنها مناهضة لحقوق الإنسان. هذا الجدل المثار والذي ما يكاد يخبو حتى يستعيد ضجيجه، يثير الكثير من التساؤلات، حول دوافع هذا الجدل، وهل بالفعل تضمنت الفاعليات التي صاحبت انطلاق البطولة ما يستحق كل هذا الجدل والخلاف، ثم ما دوافع الدوحة لتنظيم هذه الفاعليات واتخاذ هذه الإجراءات التي أثارت كل هذا الضجيج، وهل هذا الضجيج يكشف عن تعنت قطري، وحال دون خروج البطولة في صورة أفضل.. هذه الأسئلة وغيرها نحاول مقاربتها من خلال هذه السطور.   أولاً: الجدل العربي-العربي: دار الجدل العربي حول النشاطات الدعوية المتعددة التي صاحبت فاعليات البطولة الأكبر عالمياً؛ ومنها تدشين مركز عبد الله بن زيد آل محمود الثقافي الإسلامي التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية مبادرة تهدف إلى تعريف جماهير كأس العالم 2022 بالإسلام من خلال مواد دينية مترجمة بلغات عدة[1]، فيما يشارك دعاة ومتطوعين من دول مختلفة، ويتكلمون لغات عدة، في الدعوة إلى الإسلام خلال فاعليات المونديال[2]، هذا فضلاً عن استخدام الجداريات التعريف بالدين الإسلامي للقادمين إلى كأس العالم. “وتضمنت الجداريات أحاديث للنبي محمد عليه الصلاة والسلام عن الأخلاق والأعمال الصالحة وضرورة فعل الخير في الحياة الدنيا، بلغة عربية مرفقة بترجمة إنجليزية[3]“. ومبادرات أخرى في السياق ذاته منها الرسمي ومنها التطوعي، مثل حملة يطلق عليه البعض “تجربة الحجاب خلال مونديال قطر”، وقد لقيت استجابة من مشجعات أقبلن على تجربة ارتداء الحجاب  للمرة الأولى[4]، وغيرها من المبادرات الدعوية التي شهدتها فاعليات المونديال. وحدوث جدل عربي حول النشاطات الدعوية كان غريبا في الحقيقة، فمن المفترض أن يأتي النقد لهذه النشاطات من جانب النخب الغربية، أو من جانب الجاليات التي أتت للاستمتاع بالبطولة، لكن ما حدث أن جل الجدل المثار حول النشاطات الدعوية التي أهتمت بتعريف الإسلام والحضارة العربية الإسلامية وتحسين صورة المسلمين أمام الجماهير المشاركة جاء من جانب نخب عربية، رأت في هذه النشاطات “إقحام الدين في بطولة رياضية”، و”تسطيح الدين وحصره بالحجاب”، ورياء وسخافة، كشفت عن “تناقض كبير في تفكير الدولة المضيفة والمدافعين عنها”، بل وتتسبب أيضاً في “فرض ثقافة وأسلوب واحد على الجميع”[5]، وذلك في مقابل وجهات نظر أخرى رأت في هذه الفاعليات “مهرجان للتعريف بالإسلام وتعاليمه”،  و”تجربة لطيفة تصحح الأفكار المغلوطة التي شوهت صورة المرأة المحجبة خلال العقدين الأخيرين”[6]. ثمة ملاحظتين نشير إليهما بخصوص هذا الجدل؛ الأولى: أن حجم الجدل المثار بشأن النشاطات الدعوية التي صاحبت فاعليات البطولة أكبر بكثير من حجم النشاطات الدعوية نفسها. الثاني: لعل مما نفخ كثيراً في نار هذا الجدل المثار، أن تنظيم البطولة جاء في وقت يشهد حالة استقطاب واسعة بين الإسلاميين والعلمانيين في العالم العربي، استقطاب تغذى على الخلافات والتباينات التي تعاظمت بين الفريقين جراء فشل ما عرف باسم “ثورات الربيع العربي”، ويتغذى على الخوف والقلق واللايقين المهيمن عربياً جراء التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا ثم العدوان الروسي على أوكرانيا على كثير من دول وشعوب المنطقة، ويتغذى على وجود سياسات، تدعمها دول في المنطقة، تروج لخطاب معادي للإسلاميين –بل وللإسلام نفسه في كثير من الأحيان- يستهدف إقصاء الإسلام السياسي وغيره من صيغ الإسلام المقاوم ويفسح المجال لأنماط تدين جديد أكثر طواعية وقابلية للتوظيف من قبل هذه الدول. وعليه لو كنا في سياق آخر ما وجدنا كل هذا الجدل والتعنت بشأن النشاطات الدعوية التي صاحبت فاعليات مونديال قطر.   ثانياً: الجدل العربي-الغربي: تعود الانتقادات الغربية لقطر، على خلفية تنظيمها لفاعليات كأس العالم، إلى ما قبل انطلاق فاعليات البطولة؛ فمنذ حصول الدوحة على حق استضافة المونديال عام 2010 لم يتوقف “سيل الانتقادات الموجهة لها، والتي تنوعت وفق كل مرحلة، ففي البداية وجهت اتهامات إلى مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم بالفساد، والسماح لقطر بشراء حق استضافة كأس العالم، وهي اتهامات لم يتم اثباتها”[7]، بعد إجراء التحقيقات اللازمة والتي لم تجد دليلا دامغا على ذلك[8]. بعدها رصدت منظمات وجماعات حقوقية ما اعتبرته “انتهاكات لحقوق المهاجرين وحقوق العمالة المشاركة في بناء ملاعب كرة القدم وغيرها من المرافق والمنشآت والبُنى التحتية اللازمة لتنظيم البطولة الرياضية”[9]، فانطلقت على أثر ذلك موجة انتقادات جديدة، وقد صاحب هذه الموجة انتقادات أخرى تتعلق بسجل قطر في مجال حقوق المرأة، وكذلك حقوق المثليين جنسيا. الانتقادات الغربية لقطر، على خلفية استضافتها فاعليات كأس العالم، اتخذت طابعاً تعبوياً في أوروبا، فلم تقتصر الانتقادات على الصحافة والإعلام والمنظمات الحقوقية، بل اتسع ليشمل مسئولين حكوميين، وأندية رياضية ولاعبين، في مشهد سريالي[10] لا يخلو من طرافة. سريالياً كونه شارك فيه فئات شديدة الاختلاف والتنوع بصورة تعكس الكثير من الهوس، وطريف كونه كاشفاً عن التناقض الأوروبي، بل والتصالح مع هذه الشيزوفرانيا[11]. فوزيرة الداخلية الألمانية تصف استضافة الدوحة لكأس العالم بأنه “خادع للغاية”، مشددة على أنه “من الأفضل عدم منح شرف تنظيم البطولات لمثل هكذا دول”، وتنتج القناة الألمانية الأولى سلسلة وثائقية بعنوان “قطر ـ كأس العالم للعار”، ويدعو الرئيس السابق لرابطة الدوري الألماني، والمدير الرياضي السابق للعديد من الأندية الألمانية، أندرياس ريتيش، جماهير كرة القدم في ألمانيا إلى مقاطعة مباريات كأس العالم ما أمكن[12]. وفي فرنسا أعلنت عدة مدن امتناعها عن عرض مباريات كأس العالم على الشاشات العملاقة، احتجاجا على وضع حقوق الإنسان في قطر[13]، من ضمنها العاصمة باريس التي أعلنت عدم تخصص أماكن عامة للمشجعين من أجل مشاهدة فعاليات بطولة كأس العالم في قطر[14]، بينما نشرت مجلة فرنسية رسماً كاريكاتورياً لفريق كرة القدم القطري في “زي إرهابي”[15]؛ حيث صورتهم وهم يطيلون لحاهم ويرتدون عمامات أو أقنعة وجه، ويستلون سيوفاً وخناجر ومسدسات، وعلى وجوههم علامات الوحشية والغضب[16]، ولدعم توجهها، نشرت الصحيفة بجانب الرسم الكاريكاتوري تقريرا عن مزاعم “تمويل قطر لمنظمات إرهابية”، وظهر أيضا على الغلاف الرئيسي للصحيفة صورة كاريكاتورية تظهر مباني ملونة عملاقة وسيدات منتقبات بالزي الأسود وبجانبهن كرة القدم[17]. وفي لندن اتخذت هيئة النقل في العاصمة البريطانية قرار بحظر الإعلانات التي تروّج للسياحة في قطر على وسائل النقل العام في العاصمة[18]، أما هيئة الإذاعة البريطانية فقد تجاهلت عرض حفل افتتاح كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها، بسبب وجوده في قطر، ولم تكتف هيئة الإذاعة البريطانية بتجاهل الحدث بأكمله، بل بثت فقرة -في الوقت ذاته- تنتقد “حقوق العمال في قطر”، وتسلط الضوء على “الفساد في الفيفا”، وتناقش “حظر المثلية الجنسية في قطر”[19]. وبصورة عامة، فقد رصد المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط[20]، أن حملة تقودها جهات في أوروبا وعدد من الدول، تشن هجوماً غير مبرر ضد قطر[21]. وعلى صعيد المنتخبات واتحادات الكرة؛ فقد أصدر لاعبو…

تابع القراءة
اجتماعات مجلسي النواب والأعلي للدولة الليبي في القاهرة.. النجاحات والتحديات

اجتماعات مجلسي النواب والأعلي للدولة الليبي في القاهرة.. النجاحات والتحديات

تشهد القاهرة، منذ الثامن والعشرين من نوفمبر 2022، حالة نشاط واسعة على صعيد الملف الليبي، إذ استُقبل كل من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا عبد الله باتيلي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وعلى مدار يومي 28 و29 نوفمبر، التقى المشري وصالح، في لقاءين متتاليين في القاهرة، أحدهما كان بحضور باتيلي، وذلك قبل أن يلتقيا بشكل منفصل رئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل، الذي يشرف علي الملف الليبي، كما عقد باتيلي لقائين مع كلًا من وزير الخارجية المصري “سامح شكري”، والأمين العام للجامعة العربية “أحمد أبو  الغيط”. وتتركز محاور هذه اللقاءات في “المناصب السيادية، وتوحيد شامل للسلطة التنفيذية، وملف القاعدة الدستورية”[1]. وتسعي هذه الورقة إلي الوقوف علي أبرز القضايا المطروحة علي أجندة هذه اللقاءات، وما تم التوافق عليه وما لم يتم بعد، وأخيرًا، توضيح أبرز التحديات التي قد تحول دون الاتفاق علي باقي القضايا بل وقد تتسبب في إفشال ما تم الاتفاق عليه بالفعل.   أولًا: الملفات المطروحة علي أجندة اللقاءات: تركز هذه اللقاءات بصورة رئيسية علي مناقشة التفاصيل (الآلية والمدي الزمني والشخصيات) الخاصة بتشكيل حكومة جديدة بعيدة عن الحكومتين المتنازعتين حاليًا، وهما حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبدالحميد الدبيبة”، والحكومة التي عينها مجلس النواب في طبرق برئاسة “فتحي باشاغا”[2]. إذ يرفض المشري الاعتراف بحكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس النواب في فبراير الماضي، كما يؤمن في الوقت الحالي بفقدان حكومة الدبيبة الكثير من المؤهلات التي تمكنها من الاستمرار في قيادة السلطة التنفيذية بشكل يقود البلاد نحو الاستقرار، كما أن هناك تباين بين مكونات معسكر شرق ليبيا، بشأن حكومة باشاغا، ففيما ترى أطراف داخل ذلك المعسكر ضرورة التمسك بالحكومة التي كلفها مجلس النواب، لا تتمسك أطراف أخرى بها، معتبرة أن باشاغا لم يكن اختياراً موفقاً، خصوصاً بعدما فشل في الحصول على ثقة الكيانات القبلية والمجموعات المسلحة ذات التأثير الحاسم في غرب ليبيا[3]. كما ستناقش تلك اللقاءات استكمال ملف اختيار الشخصيات للمناصب السيادية بالحكومة الجديدة، وقد كان هناك خلاف قديم يتعلق بهذا الأمر يتعلق بتأكيد مجلس النواب علي أن المناصب السيادية في الأساس هي مؤسسات تابعة له وهي أذرع المجلس في مراقبة السلطة التنفيذية واختصاص تعيين أو عزل رؤسائها اختصاص أصيل لمجلس النواب، وفي المقابل، فإن المجلس الأعلي للدولة يؤكد علي أن الاتفاق السياسي (الموقع بين أطراف النزاع الليبي برعاية الأمم المتحدة عام 2015) ينص على التشاور معه فيما يتعلق بتغيير رؤساء المناصب السيادية[4]. وفي حين تم تجاوز هذا الخلاف القديم، إلا أن سرعان ما ظهر خلاف مستجد يتمثل في سعي قوى غرب البلاد (المجلس الأعلي للدولة) للحصول علي منصب محافظ المصرف المركزي، ورؤساء ديوان المحاسبة، والرقابة الإدارية، بالإضافة إلى منصب رئيس الحكومة، ووزارتي الدفاع والمالية، وفي المقابل، تري القوى في شرق البلاد (مجلس النواب) أن الغرب يستأثر بمقرات المؤسسات السيادية ثم يطالب برئاستها، وبالتالي؛ يرون أن في هذا الأمر إجحافاً واستبعاداً لمبدأ الشراكة في الوطن[5]. وأخيرًا، فإن هذه اللقاءات ستناقش المسار المتعلق بالقاعدة الدستورية، حيث لا يزال الخلاف حول تلك القاعدة قائمًا، وفي مقدمتها الاشتراطات التي يجب توافرها في الذين يرغبون في الترشح لمنصب الانتخابات الرئاسية[6]. وبينما يدافع رئيس «الأعلى للدولة»، خالد المشري، بشراسة عن عدم ترشح العسكريين في الانتخابات، مدفوعاً برغبته في إقصاء حفتر من المشهد السياسي، يتمسك رئيس البرلمان، عقيلة صالح، بحق العسكريين في الترشح، لإفساح المجال أمام حليفه (حفتر)[7].   ثانيًا: التوافقات المشتركة: يمكن الإشارة إلي مجموعة من التوافقات التي أسفرت عنها اجتماعات مجلسي النواب والأعلي للدولة – سواء المتعلقة بهذه اللقاءات الأخيرة أو اللقاءات السابقة – كما يلي: – تغيير أصحاب المناصب السيادية: عقدت مباحثات للجنة “13+13” المشكّلة من مجلسي النواب والدولة في مدينة بوزنيقة المغربية في يناير 2021، بشأن ملف تعيين شخصيات للمناصب السيادية، وبحسب تقارير إعلامية، فقد نص اتفاق بوزنيقة على أن يكون محافظ المصرف المركزي ورئيس هيئة الرقابة الإدارية من المنطقة الشرقية، في حين يكون كل من رئيس ديوان المحاسبة والنائب العام ورئيس المفوضية الوطنية للانتخابات من المنطقة الغربية، بينما تتولى المنطقة الجنوبية رئاسة المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد[8]. وفيما يبدو تنفيذًا لهذا الاتفاق، فقد أعلن “صالح” و”المشري”، في 21 أكتوبر الماضي، توصلهما إلى اتفاق حول تغيير شاغلي المناصب السيادية قبل نهاية العام الجاري (2022)، وبالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة، عَيَّنَ مجلس النواب في 15 سبتمبر الماضي “عبد الله أبو رزيزة” رئيسا للمحكمة العليا خلفا لـ”محمد الحافي”، وعَيَّنَ في 20 أبريل 2021 “الصديق الصور” نائبا عاما للبلاد خلفا لـ”إبراهيم مسعود”. وفي 15 نوفمبر الماضي، أعلن مجلس الدولة قبول ملفات الترشح للمناصب السيادية في 5 مؤسسات هي محافظ المصرف المركزي ومجلس إدارته ورئيس ووكيل ديوان المحاسبة ورئيس وأعضاء مجلس إدارة مفوضية الانتخابات ورئيس ووكيل هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ووكيل وأعضاء هيئة مكافحة الفساد[9]. – التوافق علي مشروع الدستور: أعلنت المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا، ستيفانى ويليامز، في 20 مايو الماضي، أن لجنة المسار الدستوري المشتركة بين البرلمان ومجلس الدولة، تمكنت من التوصل إلى توافق مبدئي حول 137 مادة من أصل 197 مادة من مواد مشروع الدستور، إلى جانب البابين الخاصين بالسلطة التشريعية والقضائية، وبذلك فلا يتبقي سوي حوالي 50 مادة فقط هي محل الخلاف، وهي المواد التي سيتم مناقشتها في جولات قادمة، وتتعلّق بشروط الترشح فى الانتخابات الرئاسية وصلاحيات السلطة التنفيذية وكذلك المواد التي تتعلق بالحكم المحلي والسلطة التشريعية[10]. – الاتفاق علي تشكيل حكومة موحدة: سربت وسائل إعلام ليبية، خلال الفترة الماضية، اتفاق رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، خلال لقائهما على هامش زيارة صالح لأنقرة، على تشكيل حكومة ثالثة بديلة عن حكومتي الدبيبة وباشاغا، وأن المشري قدم مقترحاً لصالح، والأخير قبل به[11]. وحول المقترح الذي جرى تداوله بين صالح والمشري في أنقرة، كشف موقع المونيتور عن توافقات تنص على أن يختار البرلمان رئاسة المجلس الرئاسي، فيما يتولى مجلس الدولة اختيار رئاسة الحكومة[12].   ثالثًا: التحديات القائمة: تتمثل أهم التحديات التي تواجه توافقات مجلسي النواب والأعلي للدولة بصورة رئيسية في: – الخلاف حول أهم مواد الدستور: فقد كشف فشل مفاوضات اللجنة الدستورية المشتركة في القاهرة عن الأسباب الحقيقية للخلافات بين مجلسي النواب والأعلي للدولة، وإن كانت معروفة من قبل لكنها كانت مكتومة، وتتعلق بشروط الترشح الخاصة بالعسكريين ومزدوجي الجنسية، فقد تم الاتفاق على كلّ بنود القاعدة الدستورية باستثناء ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، ما يعني أن الأزمة الدستورية في البلاد كانت طيلة السنوات الماضية تتمحور حول اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأن من يقف وراء الأزمة إجمالاً وتفصيلاً، هو الشخصية العسكرية المختلف حولها، المرفوضة من قِبل أطراف، ومقبولة من أطراف أخرى[13]. وفي حين، أعلن عقيلة صالح، في 15 سبتمبر الماضي، أنه…

تابع القراءة
التعويم القادم للجنيه  بالصدمة أم بالاستنزاف؟ وما التداعيات المحتملة؟

التعويم القادم للجنيه  بالصدمة أم بالاستنزاف؟ وما التداعيات المحتملة؟

قبل أن يغتصب الجنرال عبدالفتاح السيسي السلطة في مصر بانقلاب عسكري في 03 يوليو 2013م، كان سعر صرف الدولار يدور حول 6.75  إلى 7 جنيهات مقابل الدولار الواحد. وخلال السنوات التالية تم تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار ثلاث مرات: التعويم الأول، في 3 نوفمبر 2016م، حتى يبرم اتفاقه الأول مع صندوق النقد والحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات، وارتفع سعر الدولار حينها من (8) جنيهات إلى نحو 18 جنيها في منتصف 2017م، قبل أن يتراجع قليلا إلى نحو 16 جنيها عبر التحكم من جانب البنك المركزي الذي كان يدعم الجنيه فيما يطلق عليه الاقتصاديون «التعويم المدار». ومع تفشي جائحة كورونا وما تلاه من تدهور اقتصادي حاد اضطر نظام السيسي إلى إبرام قرضين من الصندوق؛ الأول بنظام المساعدات العاجلة بقيمة “2.8” مليار دولار في مايو 2020م. والثاني بعده بشهر واحد بقيمة “5.2” مليار دولار، ليبلغ قيمة ما اقترضه نظام السيسي من الصندوق حتى منتصف 2020 إلى “20” مليار دولار. التعويم الثاني، تم تعويم الجنيه للمرة الثانية في يوم الإثنين 21 مارس 2022م، حيث اتخذ البنك المركزي قرارين أبرزها ما يتعلق بالمرونة في سعر صرف الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الأخرى، حيث تحدث بيان البنك عن إيمانه بأهمية مرونة سعر الصرف؛ وهو ما يعني تعويما نسبيا جديدا للجنيه. في أعقاب بيان البنك المركزي التقطت البنوك هذه الإشارة والسماح بتحريك سعر الجنيه مقابل الدولار بعد ست سنوات من التعويم النسبي المدار؛ حيث حافظ البنك المركزي على سعر الصرف عند الحدود المسموح بها من الدولة، وفي غضون ساعات انخفضت قيمة الجنيه من 15.64 إلى 18.4 بنسبة انخفاض بلغت نحو 17%.[[1]] ثم ترك الجنيه ينزف على مدار الشهور التالية بعد مارس 2022م، حتى وصل سعر صرف الدولار  نحو 19.6 جنيها. التعويم الثالث، جرى الخميس 27 أكتوبر 2022م؛ وبموجب هذا التعويم وهو الثاني في سنة 2022 فقط فقد الجنيه نحو 16% من قيمته بعد ساعات من إعلانه، وما يزيد عن 40% منذ تعويم مارس (التعويم الثاني) الماضي، وقفز سعر الدولار إلى ما يزيد عن 23 جنيها في إغلاق تعاملات يوم التعويم، وظل الجنيه يتراجع أمام الدولار وباقي العملات الأخرى حتى وصل إلى 24.6 قرشا بنهاية شهر نوفمبر 2022م، هذا التعويم جاء كشرط أساسي لصندوق النقد الدولي من أجل الموافقة على قرض رابع لنظام الجنرال السيسي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، والحصول على 6 مليارات أخرى من دول ومؤسسات مالية عالمية وإقليمية أخرى. معنى ذلك أن السيسي اغتصب السلطة وسعر صرف الدولار 6.18 جنيهات واليوم في بداية ديسمبر 2022 وصلت سعر صرف الدولار في البنوك 24.6 جنيها بينما وصل سعره في السوق السوداء تجاوز الـ”30″ جنيها! [[2]] في ظل هذه الحقائق وتدهور الأوضاع الاقتصادية إلى نحو خطير وغير مسبوق، و تفاقم أزمة الديون وفوائدها وأقساطها يتساءل المصريون: ما أسباب المشكلة؟ وما عوامل تدهور الوضع الاقتصادي على هذا النحو المخيف؟ وما موعد التعويم الرابع والخامس والسادس؟ وإلى متى يظل هذا التدهور الحاد في قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات؟ ومتى تتوقف هذه الدوامة الجهنمية وما يصاحبها من غلاء فاحش طال كل شيء ولم يعد المصريون قادرين على تحمل هذه الأوضاع التي تنزلق بوتيرة سريعة ومؤلمة؟!   أين المشكلة؟ المشكلة الاقتصادية والمالية في مصر لها أوجه متعددة:[[3]] الوجه الأول،( عجز الميزان التجاري) الدولار؛ فمشكلة مصر هي شح الدولار، والسبب الأبرز في ذلك هو ضعف الإنتاج (الزراعي والصناعي) وقلة واردات الدولة في الوقت الذي تتضخم فيه فاتورة الاستيراد؛ وبالتالي فإن المشكلة الأساسية هي عجز الميزان التجاري، والأرقام الرسمية توضح ذلك؛ فالميزان التجاري هو الفارق بين ما نبيع للدول الأخرى من منتجات وسلع (التصدير)، وما نشتريه من هذه الدول من منتجات وآلات وسلع (الاستيراد)؛ فإذا كان حجم الصادرات أعلى من الواردات كان الميزان التجاري (فائضا) بما يعكس قوة الاقتصاد وتنوعه وشموله، وإذا كان الحجم الواردات أكبر من حجم الصادرات كان الميزان التجاري “عجزا”. وفي الحالة  المصرية فقد بلغت الصادرات المصرية في 2021 43.6 مليار دولار. بينما زادت قيمة الواردات إلى  83.5 مليار دولار؛ بما يعني أن الفارق يصل إلى 39.8 مليار دولار بنسبة 52% فقط من فاتورة الاستيراد. إذن مصر تحتاج إلى 40 مليار دولار سنويا حتى تحقق التوازن في ميزان المدفوعات فقط، وبالنظر إلى أرقام صعود وهبوط الميزان التجاري بين العجز والفائض نجد أن سنة 1952 محطة فاصلة حيث تأسست جمهورية الضباط بعد انقلاب 23 يوليو؛ فما قبلها كانت سنوات الفائض تهيمن على الميزان التجاري، وما بعدها  هيمن العجز على الميزان التجاري وكانت آخر سنة حققت مصر فيها فائضا  هي سنة 1973م (سنة الحرب) لتوقف عجلة الاستيراد لدعم المجهود الحربي، ومنذ 48 سنة تعاني مصر من عجز مزمن في الميزان التجاري؛ بما يعني أن المشكلة مزمنة ورغم ذلك لم تتمكن كل الحكومات العسكرية التي حكمت مصر من حل هذه الأزمة، رغم عشرات الخطط الخمسية التي وضعوها والأرقام الرسمية التي تدعي قوة الاقتصاد ومرونته أمام الأزمات. «فمصر في 2021 صُدِّرت سلع غذائية بقيمة 5.7 مليارات دولار، بينما تم استيراد سلع غذائية بقيمة 14 مليار دولار، ومع تصدير مستلزمات صناعية بقيمة 17 مليار دولار، فقد تم استيراد مستلزمات صناعية بقيمة 32 مليار دولار، ومع تصدير سلع رأسمالية وقطع غيار -عدا السيارات- بقيمة 805 ملايين دولار، فقد تم استيراد النوعية نفسها من السلع بقيمة تقترب من 13 مليار دولار. ومع تصدير سلع استهلاكية بقيمة 5.6 مليارات دولار، فقد تم استيراد سلع استهلاكية بقيمة تزيد عن 6 مليارات دولار، ومع تصدير سيارات ووسائل نقل وقطع غيار سيارات بقيمة 749 مليون دولار، فقد تم استيراد النوعية ذاتها من السلع بقيمة 8 مليارات دولار، حتى إن قيمة تصدير سيارات الركوب وحدها بلغت 4 ملايين دولار فقط، مقابل استيراد سيارات ركوب بقيمة 3.7 مليارات دولار خلال العام الماضي. وهكذا يتبين أنه إذا كانت النسبة العامة لتغطية الصادرات للواردات تصل إلى 52%، فقد كانت النسبة 6% فقط لتغطية صادرات السلع الرأسمالية للواردات منها، ونسبة 9% لتغطية صادرات السيارات ووسائل النقل وقطع غيارها إلى الواردات منها، ونسبة تغطية السلع الغذائية 41%، لتنفرد صادرات النفط والغاز بتحقيق نسبة تغطية 132%، إذ بلغت قيمة صادراتها 13.7 مليار دولار مقابل واردات بقيمة 10.4 مليارات دولار».[[4]] الوجه الثاني،  أزمة الديون؛ فلأول مرة في تاريخ مصر يصل حجم الدين الخارجي إلى 157.8 مليار دولار بنهاية مارس 2022م حسب بيان البنك المركزي المصري. وهو الرقم الذي ارتفع بشدة بنهاية 2022 وقد يتجاوز الـ180 مليار دولار. وجه الخطر ــ حسب بيانات البنك المركزي ومؤسسات دولية ــ أن مصر مطالبة بسداد أعباء ديون خارجية تقدر بنحو 35 مليار دولار خلال العام المالي الجاري (2022/2023) فقط. [[5]] وهو رقم مهول. فمصر مطالبة بسداد…

تابع القراءة
لماذا فشلت الدعوة للاحتجاج في 11 نوفمبر؟ محاولة للفهم والتقييم!!

لماذا فشلت الدعوة للاحتجاج في 11 نوفمبر؟ محاولة للفهم والتقييم!!

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يدعوا فيها نشطاء بالخارج المجتمع المصري إلى التحرك ضد النظام الحاكم في مصر، فقد تكررت هذه الدعوات، خلال السنوات السبع الماضية، عشرات المرّات، كان من أبرزها ما عُرف بثورة الغلابة 11 نوفمبر 2016، ومظاهرات سبتمبر 2019، وسبتمبر 2020. هذه الدعوات كان يقف خلفها عادة نشطاء سياسيون ونشطاء إعلاميون غير محسوبين على أياً من القوى السياسية التقليدية المعروفة، فهم عادة نشطاء مستقلون ترتبط اسمائهم بهذه الدعوات فقط وليس لهم سجل سياسي سابق، هذه الدعوات عادة أيضاً لا يشارك في الدعوة إليها كيانات سياسية منظمة أو حركات سياسية أو قوى وجماعات دينية أو أحزاب أو جماعات ضغط، بشكل علني أو تعلن عن تبنّيها. هذا النمط من دعوات الاحتجاج الذي لا يقف خلفه أحزاب أو جماعات سياسية ليست خصوصية مصرية، إنما هو نمط من الاحتجاج شهد انتشاراً في السنوات الأخيرة؛ فاحتجاجات السترات الصفراء في فرنسا، واحتلوا وول ستريت في الولايات المتحدة، وصولاً للاحتجاجات التي شهدتها العراق ولبنان، كلها احتجاجات شارك فيها المحتجون باعتبارهم أفراداً، دون وجود قوى سياسية كبيرة دعت لها، أو شاركت في تنظيمها، بل ويمكن القول أن الاحتجاجات التي شهدتها السودان وأسفرت عن سقوط نظام البشير تنتمي لذات النمط، وأن قوى إعلان الحرية والتغيير تشكلت في قلب الحراك ولم يكن وجودها سابقاً عليه. الخصوصية المصرية تكمن في أن الداعين للتحرك ضد النظام في مصر، خلال السنوات الماضية، ليسوا مقيمين في القاهرة، إنما في خارج البلاد، ويسعون لتحريك الجماهير من المنفى. اعتمدت الجهات التي تقف وراء الدعوة للخروج في 11-11 على مواقع التواصل الاجتماعي حصراً في الترويج لدعوتها، وشهدت الحملة تفاعلاً واسعاً على «فيسبوك» و «تويتر» و «أنستغرام» وغيرها، حيث تداول النشطاء دعوات النزول إلى الشارع من أجل الاحتجاج، وسرعان ما تصدرت اهتمام المصريين وأصبحت في صدارة الوسوم المستخدمة على «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما[1]. وقد استند الداعون للاحتجاج إلى عدة متغيرات افترضوا أنها قد تزيد من احتمالات نجاحهم، منها؛ أن دعوة التظاهر في 11-11 تأتي تزامناً مع موعد عقد قمة المناخ التي تستضيفه مصر في ذات التاريخ؛ بالتالي قد يساعد ذلك على إيصال صوت المحتجين للقوى الدولية[2]، وباعتبار ذلك قد يحمي المتظاهرين من بطش الأجهزة الأمنية. كما جاءت الدعوة في وقت شهد غلاء في الأسعار، وزيادة نسب التضخم، وانهيار سعر صرف الجنيه، وتدني شعبية النظام، وارتفاع السخط الشعبي، وانخفاض الرضا العام حتى في الأوساط الشعبية التي ساندت النظام، كل هذه المتغيرات أغرت الداعين للاحتجاج باختيار هذا التوقيت دون غيره[3]. لكن في النهاية لم يستجب الشارع لهذه الدعوات هذه المرة، بعكس المرات السابقة التي شهدت استجابات من الشارع، حتى وإن كانت استجابات محدودة. بالتالي ما سنتناوله في هذه السطور، هو: (1) محاولة الوقوف على الأسباب التي دفعت الشارع المصري للإحجام عن الاستجابة لهذه الدعوات، رغم التردي الشديد في الاوضاع المعيشية للمواطنين، ورغم السخط الشديد الذي يستشعره الشارع تجاه الحكومة وسياساتها. (2) كما تسلط الورقة الضوء على الجدل الذي أثير بشأن الجهات الحقيقية التي تقف وراء الدعوات للاحتجاج في 11 نوفمبر؛ فقد اعتبر مراقبون أن عدم استجابة الشارع لدعوات الاحتجاج كان نتيجة أن الداعين للاحتجاج شخصيات مجهولة لا يُعرف عنها الكثير، وليس لها تجارب سابقة في العمل السياسي، كما أثار مراقبون مسألة أن هذه الدعوات قد يكون ورائها النظام المصري نفسه، أو أطراف ما من داخل الدولة العميقة، وأن هذه الشكوك هي السبب عن احجام الشارع عن الاستجابة. (3) كما تتناول الورقة ردود فعل القوى السياسية المعارضة على هذه الدعوات، وتحاول الوقوف على محددات مواقف قوى المعارضة من هذه الدعوات.   لماذا لم يستجيب الشارع لدعوات التظاهر في 11-11: بالطبع لم يعلن الشارع المصري بنفسه عن أسباب عدم استجابته لهذه الدعوات، كما أن استطلاعات الرأي تبدو غير ممكنة في ظل إغلاق المجال العام، بالتالي الاجابات التي قدمت عن أسباب احجام الناس عن الاستجابة هو استكناه قدمه مراقبون، بالاستناد إلى خبراتهم، وإلى تجاربهم في الاحتكاك بالمجتمع المصري. وقد أشار هؤلاء إلى عدة متغيرات قد تسلط الضوء على أسباب عدم الاستجابة لدعوات التظاهر في 11 نوفمبر، منها: أولاً: أن “الدعوات المؤثرة في مصر تأتي عادة من قوى سياسية معروفة”؛ أما هذه الدعوات فهي نداءات تصدر من جهات “مجهولة المصدر” تستهدف “شرائح اجتماعية غير مرئية”[4]، فهي دعوات صادرة عن شخصيات، غير معروف من يقف ورائها، كما أن هذه الشخصيات لا تملك في ذاتها مصداقية في الشارع، فـ “هؤلاء الدعاة للتظاهر ليسوا قادة أحزاب أو حركات سياسية لها منتسبوها على الأرض يمكن تنظيمهم وتوجيههم، والذين يمثلون النواة الصلبة لأي مظاهرة يلتف حولها الشعب لاحقا”[5]، و”طالما لا توجد حركة وطنية قوية ومنظمة فإنه لا يمكن الحديث عن حراك جماهيري، ناهيك عن انتفاضة أو ثورة أو تغيير”[6]. ثانياً: الثورة تحتاج إلى الطليعة الثورية، والتي لو خرجت سيخرج العامة، وقد يسبقونها بمراحل في الشارع، والطليعة الثورية هذه تحتاج إلى قائد جماهيري[7]. أما هذه الدعوات فقد أطلقها نشطاء في الخارج، من وراء الكاميرات، بالتالي لن يستجيب الناس لها. ثالثاً: مياهًا كثيرة قد جرت منذ ثورة يناير، و30 يونيو 2013، والمواطنين لن يستجيبوا بسهولة لدعوات التظاهر ما لم يكن هناك إدراك واضح ولو نسبي للبديل، أو الهدف من التظاهر من الأساس، خاصة مع عدم وجود قيادة تلك الاحتجاجات تضمن لها الاستمرار حتى تحقيق أهدافها[8]. فإن دعوات 11 نوفمبر في حقيقتها “دعوة من مجهول، لا اسم لها ولا عنوان ولا خطة ولا تصوّر، ولا كيان سياسي يقف وراءها، ولا شيء سوى الغضب من أجل الغضب[9]“. رابعاً: هذه الدعوات محاولة لاستنساخ تجربة يناير 2011؛ فلا يزال الخطأ الأكبر في حسابات المعارضة الجذرية للنظام الحالي في مصر، هو القياس علي نموذج ثورة يناير 2011، بغض النظر عن اختلاف غالبية الظروف، غير أن الأهم في الحالة المصرية هو الحقيقة الساطعة والبسيطة، التي تقول إنه من النادر جدا أن يقوم شعب ما بثورتين في جيل واحد[10]. خامساً: هناك من أحجم عن الاستجابة للدعوة  خوفاً من “أن يكون هذا الحراك مدفوعا من بقايا نظام مبارك، بعد ظهور جمال مبارك المتكرر في مناسبات عدة واستقباله بحفاوة لا تخطئها العين، وقد تكون وراءها قيادات عسكرية من الجيش بسبب غضبها على السيسي لأسباب مختلفة، والبعض الآخر يتخوف من وقوف تيار الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين خلفها، فتكون الدعوات غطاء يستخدم فيه الشعب لانقلاب على انقلاب أو تمكين الإسلام السياسي مرة أخرى”[11]. سادساً: الدور الذي لعبته الأجهزة ألأمنية في إجهاض محاولات الاحتجاج، من خلال شن حملات اعتقال موسعة في عموم البلاد، مع نشر قوات أمنية، ومخبرين سريين، وتوقيف عشوائي للمارة في الشوارع، وأخيراً مراقبة شبكات التواصل ورواد مواقع السوشيال ميديا وتتبع حساباتهم وملاحقتهم والقبض على أصحاب تلك الحسابات[12]. هذا فضلاً عن “إلغاء أي فعاليات…

تابع القراءة
مستقبل العلاقات المصرية التركية بعد لقاء السيسي وأردوغان

مستقبل العلاقات المصرية التركية بعد لقاء السيسي وأردوغان

تحمل المصافحة التي جرت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والجنرال  عبدالفتاح السيسي على هامش حفل افتتاح كأس العالم (قطر 2022) يوم الأحد 20 نوفمبر 2022 بالعاصمة الدوحة ثم اللقاء الثنائي الذي عقده الطرفان على هامش الاحتفال رسائل ودلالات مهمة بشأن مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين في ظل ثبات المحادثات الثنائية عند مستوى معين منذ بدئها في الشهور الأولى من سنة 2021م؛ فقد حققت هذه المباحثات اختراقا نسبيا في ملف تهميش المعارضة المصرية والفضائيات التابعة لها التي كانت تبث من أنقرة، بينما فشلت هذه المباحثات في تحقيق أي اختراق في ملفات أخرى أكثر أهمية وحساسية للطرفين أو لأحدهما كملف الغاز شرق المتوسط بالنسبة لأنقرة، والملف الليبي بالنسبة للقاهرة. كيف نقرأ هذه المصافحة بين الرجلين؟ وما مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين بعد تلك المصافحة؟  وهل يمكن أن تصل إلى مرحلة التطبيع الكامل؟ وما مستقبل المعارضة المصرية في تركيا؟ الملاحظة الأولى والمهمة على هذه المصافحة أنه من الخطأ اعتبارها فجائية جاءت مصادفة على هامش احتفال رياضي كبير؛ فالصورة التي جرى تناقلها عبر وسائل الإعلام للسيسي وأردوغان  وكلاهما يمسك بيدي الآخر مصحوبة بابتسامة خفيفة، يتوسطهما الأمير القطري  تميم بن حمد تعلوه ابتسامة كبيرة؛ إنما تؤكد على أن اللقاء جرى الترتيب له عبر وساطة قطرية في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط الدوحة بأنقرة من جهة، وتحسن علاقاتها بالقاهرة مؤخرا في ظل احتياج السيسي للدعم القطري ماليا واقتصاديا والذي أسفر عن زيارتين متبادلتين لكل من تميم للقاهرة في يونيو 2022، والسيسي للدوحة في سبتمبر، والدعم المالي القطري للقاهرة بنحو أربعة مليارات دولار خلال الشهور الماضية من سنة 2022، وتعهدها بضح استثمارات  في القاهرة قد تصل إلى نحو عشرة مليارات دولار أخرى. الملاحظة الثانية، أن تلك المصافحة وهذا اللقاء يكتسب أهمية كبرى لأنه يأتي في أعقاب أسابيع قليلة من إعلان القاهرة  تعثر المباحثات مع أنقرة حول إعادة تطبيع العلاقات بسبب تجدد الخلافات بين البلدين حول الملف الليبي وشرق المتوسط. وكان وزير الخارجية سامح شكري، قد أعلن في نهاية أكتوبر/تشرين الأول (2022)، عن توقف الجلسات الاستكشافية المشتركة بين بلاده وتركيا بعد انعقاد جولتين منها، بحجة أنه “لم يطرأ تغيير على ممارسات الجانب التركي في ليبيا”. وهو الموقف الذي جاء ردا من القاهرة على توقيع أنقرة وطرابلس (ليبيا) على اتفاق للتعاون في التنقيب عن الغاز والنفط في حدود مناطق اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقع بين البلدين، والذي يتعارض ويتداخل مع مناطق اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، وهو ما دفع البلدين (مصر واليونان) لإعلان رفض الاتفاق والتلويح بإجراءات لمنع أي تحركات تركية في المناطق المتنازع عليها، وإلى جانب عوائق مختلفة تتعلق بالتنافس الإقليمي والخلاف الجوهري المتعلق بجماعة الإخوان المسلمين ودعم المعارضة المصرية وقنوات المعارضة في تركيا وغيرها، كان ملف ليبيا وشرق المتوسط أحد أبرز الملفات الخلافية بين البلدين، إذ تدعم تركيا حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، بينما لا تزال القاهرة تدعم برلمان طبرق والحكومات المنبثقة عنه ومعسكر الجنرال خليفة حفتر، علاوة على اصطفاف القاهرة إلى جانب اليونان في حسابات شرق المتوسط التي تعتبر حالياً بمثابة القضية الاستراتيجية الأولى لتركيا.[[1]] وبالتالي فتلك المصافحة قد تفتح الباب إلى إمكانية عودة قريبة للمباحثات الثنائية التي توقفت والتي كان يتوقع أن تتطور لمباحثات دبلوماسية رفيعة ولقاء على مستوى وزراء الخارجية يمهد لعقد لقاء بين أردوغان والسيسي. ويبدو أن السيسي أراد الانقلاب على هذا السيناريو والبدء بلقاء قمة مع أردوغان أولا قبل الشروع في التوافق على أي ملفات أخرى؛ لأن ذلك من شأنه أن يمثل إقرار بالسيسي ونظامه من أكبر زعيم عارض انقلابه وشكك على الدوام في شرعيته، ووجه لها انتقادات حادة على مدار السنوات الماضية. الملاحظة الثالثة، أن المصالح هي التي تدفع جميع الأطراف إلى التلاقي رغم مرارة الأحقاد والضغائن والحروب الإعلامية والسياسية بين هذه الأطراف المختلفة؛  فالسيسي يحتاج إلى قطر ودعمها المالي واستثماراتها الاقتصادية في ظل حاجته الماسة إلى الأموال وتراجع مساعدات الحلفاء في الرياض وأبو ظبي عما كانت عليه من قبل، وقد دعمته الدوحة فعلا بنحو أربعة مليارات دولار كودائع في البنك المركزي المصري بخلاف تعهدها بضخ نحو عشرة مليارات أخرى كاستثمارات في عدد من الملفات والقطاعات المختلفة. وقطر تحتاج إلى تركيا؛ فهي الدولة الوحيدة التي دعمت الدوحة بشكل مباشر وصريح ضد احتمالات الغزو السعودي الإماراتي المدعوم مصريا في منتصف 2017م، ومدت النظام القطري بفرق عسكرية تركية  وأسلحة حديثة لحماية النظام ضد أي عدوان أو غزو محتمل، وأمير قطر لا ينسى أبدا هذا الموقف التركي النبيل والشجاع، وتقلبات السياسة وتحولاتها الدائمة تدفع قطر إلى ضرورة الحفاظ على هذا التحالف مع تركيا. أما أنقرة فتحتاج إلى القاهرة خاصة في ملف غاز شرق المتوسط؛ ولا تريد أنقرة من القاهرة سوى التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بما يضمن حقوق الدولتين في ثروات غاز المتوسط وحمايتها من الأطماع اليونانية والقبرصية والإسرائيلية، وقد صرح الرئيس أردوغان بذلك بشكل واضح.   مضامين التصريحات الرسمية تذهب أغلب التقديرات إلى أن تلك المصافحة قد تمثل انفراجة في العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد تذيب الجليد المتراكم الذي لم تذوبه اللقاءات الثنائية بين قيادات رفيعة بجهازي المخابرات في البلدين  منذ بداية التقارب في ديسمبر 2020م، ثم في الشهور الأولى من سنة 2021م. يبرهن على ذلك ردود الفعل على المستوى الرسمي والإعلامي في كلا البلدين. فالجانب التركي كان سباقا في تسريب صورة المصافحة لكل وسائل الإعلام، كما أن الرئيس التركي أدلى بتصريحات حول لقائه بالسيسي يوضح فيها أن «هذه المقابلة لم تكن مقابلة قادة، بل كانت خطوة من أجل تطبيع العلاقات، ونريد أن ننقل هذه العملية إلى مستويات أعلى، بدءًا من لقاءات الوزراء ومن ثم إلى لقاءات المسؤولين في المستويات الأعلى». ثم يحدد هدف بلاده من تحسين العلاقات مع القاهرة رغم  توترها على مدار السنوات الماضية منذ انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013م، مضيفا «كل ما نريده منهم (من نظام السيسي) هو أن نقيم السلام من خلال هذه اللقاءات ضد من يقفون ضدنا في البحر الأبيض المتوسط»، وراح يبرر هذه الخطوة من زاوية أخرى. مشيرا إلى أن «الوحدة التي كانت بين شعبنا والشعب المصري في الماضي مهمة جدًا لنا، لماذا لا نبدأ من جديد؟ حاولنا في لقائنا هذا إعطاء إشارة لانطلاق هذه العملية». [[2]] على الجانب الآخر اكتفت القاهرة ببيان صادر عن الرئاسة تؤكد فيه أن «المصافحة بين السيسي وأردوغان  تؤكد على عمق العلاقة بين البلدين. وأنه تم التوافق خلال هذا اللقاء على أن تكون هذه بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الطرفين».[[3]] وبتحليل مضامين ردود أفعال أعلى مؤسستين في كلا البلدين، نجد أن ردود الفعل في القاهرة كانت مرحبة ومتحفظة في ذات الوقت؛ على عكس الموقف التركي المندفع نحو  التطبيع بكل سرعة وإصرار؛ والدليل…

تابع القراءة
ماذا بعد صعود اليمين  الديني المتطرف في إسرائيل؟

ماذا بعد صعود اليمين  الديني المتطرف في إسرائيل؟

تأكد يوم الأربعاء 9 نوفمبر الجاري، فوز رئيس وزراء اسرائيل السابق بنيامين نتنياهو بالانتخابات الخامسة خلال السنوات الأربع الأخيرة، والتي أجريت يوم الثلاثاء 1 نوفمبر  الجاري.. أولا: نتائج الانتخابات التشريعية: وكانت وكالة “بلومبرج”  للأنباء نقلت  عن لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، يوم الأربعاء  9 نوفمبر ، إن حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، فاز بأعلى نسبة تصويت في الانتخابات التي أجريت في الأول من نوفمبر، ويعني ذلك حصول الحزب على 32 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست. أ-النتائج الكاملة: حصل معسكر نتنياهو على 64 مقعدًا في هذه الانتخابات من مجموع مقاعد الكنيست البالغ 120 مقعدًا، مقارنة بـ52 مقعدًا في الانتخابات السابقة، وحصل على 2303964 صوتًا مقارنة بـ 1856932 صوتًا في الانتخابات السابقة، وهو ارتفاع كبير. ونال حزب الليكود 32 مقعدًا في هذه الانتخابات مقارنة بـ 30 مقعدًا في الانتخابات السابقة، وأحرز 1115049 صوتًا في هذه الانتخابات مقارنة بـ 1066892 صوتًا في الانتخابات السابقة. وأحرزت قائمة حزب “الصهيونية الدينية” الفاشي بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وحزب “عوتسما يهوديت” الفاشي بقيادة إيتمار بن غفير 14 مقعدًا، مقارنة بـ6 مقاعد حصلت عليها القائمة في الانتخابات السابقة، ونالت 516146 صوتًا في هذه الانتخابات مقارنة بـ 225641 صوتًا في الانتخابات السابقة. وحصل حزب “شاس” بقيادة أرييه درعي على 11 مقعدًا في هذه الانتخابات مقارنة بـ9 مقاعد في الانتخابات السابقة، وأحرز 392644 صوتًا مقارنة بـ 316008 أصوات في الانتخابات السابقة. فيما احتفظ حزب “يهدوت هتوراة” بعدد مقاعده نفسه (7 مقاعد)، لكن أصواته زادت فبلغت 280125 صوتًا في هذه الانتخابات، مقارنة بـ 248391 صوتًا في الانتخابات السابقة. أما المعسكر المناوئ لنتنياهو الذي يشمل جميع مكونات حكومة لبيد، بما في ذلك “الحركة الإسلامية الجنوبية” التي يتزعمها منصور عباس، فقد حصل على 51 مقعدًا في الكنيست، وعلى 2013695 صوتًا. وأحرز حزب “ييش عتيد” 24 مقعدًا في هذه الانتخابات، مقارنة بـ17 مقعدًا في الانتخابات السابقة. ونال 847145 صوتًا مقارنة بـ614112 صوتًا في الانتخابات السابقة، في حين حصلت قائمة “المعسكر الوطني” بقيادة بيني غانتس (الذي تشكّل عشية الانتخابات من حزب “كاحول لافان” بقيادة غانتس، وحزب “تيكفا حداشا” بقيادة غدعون ساعر، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت) على 12 مقعدًا مقارنة بـ14 مقعدًا حصل عليها حزبَا “كاحول لافان” (8 مقاعد) و”تيكفا حداشا” (6 مقاعد) في الانتخابات السابقة. ونالت هذه القائمة 432367 صوتًا في هذه الانتخابات مقارنة بـ525 ألف صوت أحرزتها في الانتخابات السابقة (316 ألف صوت حصل عليها حزب “كاحول لافان”، و209 آلاف صوت حصل عليها حزب “تيكفا حداشا” في الانتخابات السابقة). وحصل حزب “يسرائيل بيتينو” الذي يقوده أفيغدور ليبرمان على 6 مقاعد مقارنة بـ7 مقاعد حصل عليها سابقًا، و213621 صوتًا في هذه الانتخابات مقارنة بـ209 آلاف صوت في الانتخابات السابقة. وحصلت القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية) على 5 مقاعد مقارنة بـ4 مقاعد في الانتخابات السابقة، وعلى 193916 صوتًا مقارنة بـ 167064 صوتًا في الانتخابات السابقة. وأحرز حزب “العمل” بقيادة ميراف ميخائيلي 4 مقاعد مقارنة بـ7 مقاعد في انتخابات الكنيست السابقة، و 175922 صوتًا مقارنة بـ 268767 صوتًا نالها في الانتخابات السابقة. أما حزب “ميرتس” بقيادة زهافا غلؤون، فلم يحصل على أيّ مقعد لأنه لم يتمكّن من اجتياز عتبة الحسم مقارنة بـ6 مقاعد في الانتخابات السابقة، وأحرز 150715 صوتًا في هذه الانتخابات مقارنة بـ202218 صوتًا في سابقتها. وحصل تحالف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الذي يضم الحزب الشيوعي الإسرائيلي بقيادة أيمن عودة، والحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد الطيبي، على 5 مقاعد في الكنيست، وعلى 178661 صوتًا. وأحرز حزب التجمع الوطني الديمقراطي 138093 صوتًا، ويُعدّ ذلك إنجازًا كبيرًا للحزب، على الرغم من عدم تمكّنه من اجتياز عتبة الحسم، نظرًا إلى المؤامرة التي تعرّض لها لإبقائه خارج القائمة العربية المشتركة تمهيدًا لدعم معسكر لبيد، إلى جانب التحريض المنظّم الذي شنّته ضده أجهزة الدولة ووسائل إعلامها طوال الحملة الانتخابية سوية مع الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، والحركة الإسلامية الجنوبية.   ب-مؤشرات أولية: وكانت فترة ولاية نتنياهو الخامسة كزعيم لحزب الليكود اليميني قد انتهت في يونيو 2021 عندما صعدت حكومة ائتلافية مكونة من ثمانية أحزاب، بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد إلى السلطة وتعود القائمة العربية الموحدة إلى البرلمان مع خمسة مقاعد ويثير احتمال انضمام بن غفير، وهو عضو سابق في حركة كاخ المدرجة على قوائم مراقبة الإرهاب في إسرائيل والولايات المتحدة وأدين سابقا بالتحريض العنصري، إلى حكومة يقودها نتنياهو قلق واشنطن. كما عزز ذلك شكوك الفلسطينيين في احتمال التوصل إلى حل سياسي للصراع بعد حملة انتخابية جرت وسط عنف مستمر منذ أشهر في الضفة الغربية المحتلة تضمن مداهمات واشتباكات بصورة شبه يومية ووفق مراقبين فلسطينيين، فإن نتائج هذه الانتخابات تشير إلى توجه المجتمع الإسرائيلي ليكون أكثر يمنيا وتطرفا وما سيتمخض عن هذه الانتخابات ستكون حكومة تواصل ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.. بل إنها قد تغلق الأفق أمام أي حل سياسي.. ووصلت نسبة التصويت العامّة لانتخابات الكنيست الـ25، منذ اعلان قيام اسرائيل المغتصبة، إلى نحو 73% وبعد إعلان نتائج الانتخابات، بدأ  نتنياهو المشاورات مع الأحزاب والائتلافات يوم التاسع من نوفمبر، والذي منح 28 يوما لهذه المهمة، وفي حال فشله سيمدد له 14 يوما…   ثانيا: لماذا فاز تحالف نتنياهو: تُعدّ هذه النتيجة بمنزلة نصر كبير لنتنياهو؛ إذ إنّها تمكّنه من العودة إلى الحكم عبر حكومة ائتلافية تقتصر على معسكره، وقد حاول نتنياهو على مدى الجولات الانتخابية الأربع السابقة الحصول على أغلبية في الكنيست تمكّنه من الحكم، ليس لأسباب سياسية وأيديولوجية فحسب، أو نتيجة رفض أحزاب المعسكر المناوئ له الدخول معه في ائتلاف حكومي على خلفية تقديمه للمحاكمة في ثلاث قضايا فساد، وإنما أيضًا لكي يتمكن من سنّ قوانين تلغي محاكمته، وتحدّ من سطوة الجهاز القضائي والمحكمة العليا وتمنعهما من التدخل في القرارات التي تتخذها الحكومة أو تلك التي يسنّها الكنيست. يشار إلى انه منذ العام 1948، لم تحظَ إسرائيل إلا بحكومات ائتلافية، بسبب عدم تمكّن أيّ حزب من الحصول على أغلبية في الكنيست، نظام الانتخابات في إسرائيل، الذي يعتمد على التمثيل النسبي الخالص، يسمح بكثرة الأحزاب؛ إذ تعدّ الدولة كلها دائرة انتخابية واحدة، ويحصل كل حزب يتمكن من اجتياز عتبة الحسم على تمثيل برلماني حسب نسبة الأصوات التي ينالها من المقترعين، وقد بلغت نسبة الحسم في انتخابات الكنيست الأولى 1%، ارتفعت في عام 1992 إلى 1.5%، ثم إلى 2% في عام 2006، ثم إلى 3.25% في عام 2013. وفي حين نجح نتنياهو في حشد أحزاب معسكره خلفه في قائمة انتخابية واحدة، لكي تتمكن جميعها من اجتياز عتبة الحسم، دبّ الخلاف في صفوف المعسكر المناوئ الذي يقوده لبيد بشأن جملة من القضايا، أبرزها: 1-رفض لبيد طلب أعضاء أحزاب ائتلافه الحكومي عشية حل الكنيست تعديل القانون الخاص بعتبة الحسم وتخفيضها من…

تابع القراءة
التأثيرات الاجتماعية المحتملة لتآكل قيمة الدعم

التأثيرات الاجتماعية المحتملة لتآكل قيمة الدعم

قبل اغتصاب الجنرال عبدالفتاح السيسي للسلطة بانقلاب عسكري في يوليو 2013م، كان المواطن المصري المسجل في منظومة الدعم[[1]] يحصل على دعم عيني عبارة عن (1.5 كجم زيت + 2 كجم أرز + 2 كجم سكر) في مقابل عشرة جنيهات فقط؛ حيث كان سعر عبوة الزيت (1 كجم) ثلاثة جنيهات، وسعر(1 كجم) من الأرز (1.5) جنيها، وسعر (1 كجم) من السكر جنيها وربع الجنيه. هذا  بخلاف الخبز المدعوم؛ حين شرع وزير التموين الأسبق الدكتور باسم عودة الشهير بوزير الغلابة في تطبيق منظومة الخبز الجديدة في يناير 2013م بربط نصيب المواطن من الخبز على بطاقة التموين بما يسمى بفارق نقاط الخبز والتي تسمح للمواطن إما صرف الخبز(5 أرغفة وزن 130 جراما كل يوم) أو صرف الدقيق أو صرف سلع بديلة للخبز أو بما تبقى له من حقه في الخبز المدعوم. وتم البدء بتطبيق المنظومة بدءا من محافظة بورسعيد لتقييمها ودراستها جيدا وتلافي ما يظهر بها من عيوب قبل تعميمها على باقي محافظات الجمهورية لاحقا؛ ولأول مرة يرى المصريون رغيف الخبز زنة (130) جراما؛ وهي الخطوة التي تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه؛ وحققت المنظومة نجاحا كبيرا في تطبيقها ببورسعيد وقوبلت ترحيب واسع من الجماهير؛ حيث ساهمت هذه الخطوة في تقليل حجم الفساد كثيرا وضمنت للمواطن الحصول على  كثير من حقه المنهوب في منظومة الدعم من جانب مافيا الدولة العميقة. وفي مايو 2013م، فتحت حكومة الدكتور هشام قنديل الباب أمام الفقراء والمساكين من محدودي الدخل إضافة أبنائهم إلى بطاقة التموين، وقد كان نظام مبارك قد أوقف ذلك منذ سنة 1988م لأسباب أرجعتها إلى عجز في موازنة الدولة. كما كان استخراج بطاقة تموين قبل ثورة يناير أمرا بالغ الصعوبة وقد وضعت وزارة التموين في أغسطس 2008 شروطا تعجيزية لاستخراج بطاقة تموين لكن الرئيس محمد مرسي رفع هذه الشروط في مايو 2013، وأصبح الحصول على البطاقة التموينية مرتبطاً بدخل الفرد الذي يشترط ألّا يتجاوز 1500 جنيه للراتب الشهري و1200 جنيه للمعاش، حينها كان الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه. وسُهّلت الإجراءات واقتصرت على: صورة من بطاقة الرقم القومي لرب الأسرة ومفردات مرتّبه مختومة من جهة عمله أو “بحث حالة اجتماعية” من مكتب الشؤون الاجتماعية وصورة من بطاقة الرقم القومي لزوجته وصور كمبيوتر من شهادات ميلاد الأولاد ووصل غاز أو كهرباء وحوالة بريدية بقيمة 10 جنيهات. وبدأت الإجراءات الفعلية لإضافة مواليد ما بعد 2005 وحتى نهاية 2011 على البطاقات التموينية، الأمر الذي شكّل انفراجة حقيقية للمواطنين.[[2]] لكن انقلاب الجيش في يوليو 2013م، عصف بالتجربة والمسار الديمقراطي كله؛ ولم يتمكن الرئيس مرسي وحكومته من استكمال تنفيذ برنامجه رغم العراقيل والعقبات التي وضعتها الدولة العميقة لإفشاله ثم الانقلاب عليه. لاحقا فرض السيسي منظومة دعم جديدة بالتحول من الدعم العيني إلى النظام الخليط (العيني النقدي) في يوليو 2014م،  بتحديد قيمة نقدية ثابتة للفرد في بطاقات التموين (15 جنيها لكل فرد)، ثم تبنى في منتصف 2015 (منظومة الخبز الجديدة التي بدأها باسم عودة)؛ وهي الخطوة التي رحب بها كثيرون وقتها رغم تحذيرات كثير من الخبراء والمتخصصين من عيوب هذه المنظومة واحتمال تآكل قيمة مخصصات الدعم لاحقا بفعل التضخم والغلاء؛ لكن ضم فارق نقاط الخبز إلى بطاقات التموين وتعميم تجربة باسم عودة جعلت المواطنين يرحبون بالمنظومة لأنها حققت لهم وقتها مكاسب حيث باتوا يحصلون على كمية أكبر من السلع بسبب نقاط الخبز. ومع إخفاق الدولة في السيطرة على ارتفاع الأسعار خلال السنوات التالية رفعت قيمة الدعم النقدي إلى 18، ثم إلى 21 جنيها، ثم إلى 50 جنيها لكل فرد بمعدل اربعة افراد فقط في كل بطاقة، وما زاد عن ذلك يحصل كل فرد على (25 جنيها فقط). وفعلا صدقت توقعات الخبراء والمحللين؛ فقد ألحقت هذه المنظومة (منظومة الدعم النقدي للسلع) ضررا واسعا بفكرة الدعم ودور الدولة في حماية الفقراء والمساكين الذين يقدرون بعشرات الملايين، ورغم بقاء الدعم العيني في ملف الخبز إلا النظام تحايل على هذه المنظومة بتخفيض وزن الخبز مرتين الأولى في 2017 بتخفيض وزنه من 130 جراما إلى 110 جرامات، والثانية في 2020 بتخفيضه إلى 90جراما فقط؛ وبذلك فقد رغيف الخبز أكثر من 30% من قيمته ووزنه. وبدلا من حصول المصري يوميا على 650 جراما من الخبز(5 ارغفة زنة 130جراما) بات يحصل يوميا على  450 جراما فقط (5 أرغفة زنة 90 جراما). وفي أعقاب اتفاق السيسي مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م؛ تآكلت قيمة الدعم بشدة؛ بفعل تراجع قيمة الجنيه إلى نصف قيمته  أمام الدولار وباقي العملات الأخرى من جهة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية من جهة أخرى؛ حيث انخفضت قيمة الجنيه من 8 جنيهات إلى 18 جنيها في منتصف 2017م، إضافة إلى ذلك فإن مصر تستورد أكثر من 65% من غذائها من الخارج. وفي 2022 قام نظام السيسي يتعويم الجنيه مرتين الأولى في مارس والثانية في أكتوبر؛ وتراجعت قيمة الجنيه مجددا  وانخفض خلال هذه السنة الكبيسة من 15.7 قرشا في بدايتها ليصل إلى 24.3 قرشا بمنتصف نوفمبر؛ وبذلك فقد الجنيه أكثر من 50% من قيمته مجددا؛ وهو ما ينعكس بشكل مباشر على منظومة الدعم التي تآكلت بعنف، ولم تعد تستر ملايين الفقراء والمساكين كما كانت في السابق. وخلال هذه السنة (2022)، يواصل نظام السيسي إصراره على سحق الفقراء والمساكين بتقليص مخصصات الدعم باستمرار؛ فقد قرر وزير التموين الخميس (29 سبتمبر 2022م) برفع أسعار “8” سلع أساسية على بطاقات التموين اعتبارا من السبت غرة أكتوبر 2022م، وحسب قرار الوزارة فقد تقرر رفع أسعار زيت الطعام على بطاقات التموين المدعومة من 23 إلى 25 جنيهاً للعبوة (0.8 لتر)، والسمن الصناعي من 24 إلى 30 جنيهاً للعبوة، والعدس من 11 إلى 12 جنيهاً للكيلو، وصلصة الطعام من 4.75 إلى 6 جنيهات للعبوة. كذلك ارتفع سعر عبوة الخل من 4.25 إلى 5 جنيهات، وعبوة الجبن (0.25 كيلو) من 7 إلى 7.5 جنيهات، وعبوة الجبن (0.50 كيلو) من 13 إلى 14 جنيهاً، ومسحوق الغسيل من 18 إلى 20 جنيهاً للعبوة، وصابون اليد من 5.5 إلى 6.5 جنيهات للقطعة، هذه هي المرة الرابعة التي تقوم فيها الحكومة برفع أسعار سلع التموين خلال هذه  السنة الكئيبة “2022”. وكانت الحكومة قد رفعت أسعار 7 سلع تموينية على مرتين في 1 يناير و1 مارس الماضيين”2022″، كما رفعت أسعار 25 سلعة على بطاقات التموين من أصل 32 سلعة متاحة بنسب بين 5 إلى 15% في إبريل الماضي 2022م. بهذه الزيادات الأربعة حتى الآن في سنة 2022م تكون أسعار السلع التموينية قد ارتفعت بنسبة 50% عما كانت عليه في “2021”، مع ثبات مخصصات الدعم للأفراد عند 50 جنيهاً لأول 4 أفراد مقيدين على البطاقة، و25 جنيهاً لما زاد عن ذلك.[[3]] إزاء ذلك؛ إلى أين وصل الدعم اليوم مقارنة بما كان…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022