زيارة رئيس الوزراء العراقي طهران.. أجندة إيران أولاً ولا ضمانات لبغداد
في إعادة إنتاج للسيطرة الايرانية على مفاصل الدولة العراقية، التي طحنتها الصراعات الإيرانية والأمريكية، عبر عقود، على النفوذ والسيطرة، جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لطهران، الثلاثاء 29 نوفمبر كاستدعاء سريع من القيادة الايرانية، التي دعمت رئاسة السوداني للوزراء العراقي، بعد صراعات شيعية شيعية، امتدت بين التيار الصدري والاطار التنسيقي الذي تدعمه إيران منذ أكتوبر 2021، بعد انتخابات تشريعية غير حاسمة النتائج، بعد أن أبدت الحكومة العراقية بقيادة السوداني امتعاضها من استمرار الهجمات الصاروخية الإيرانية على مناطق شمال العراق، بدعوى وجود تهديدات أمنية من قبل الجماعات الكردية الإيرانية المقيمة في إقليم كردستان العراق، وبعد لقاء جمع قيادات عراقية بأمريكيين في بغداد، علقوا على الهجمات الإيرانية في الداخل العراقي. أولا: فعاليات الزيارة: وجاءت الزيارة التي ضمت قيادات وزارية عراقية رفيعة المستوى، حاملة العديد من الملفات، في مقدمتها الملف الأمني والتعاون الاقتصادي، علاوة على ملف توسط العراق بين إيران والسعودية وبعض الأطراف العربية في القضايا الإقليمية. واستمرت الزيارة يوما واحدا، جرى عقد عدة لقاءات بين الوفد العراقي، ونظرائهم، وعقد الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، ورئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، تضمن العديد من التصريحات الدبلوماسية، العبارات المطاطة، حول نتائج الزيارة، التي قدم فيها السوداني المزيد من التعهدات بحماية الاراضي الايرانية وعدم السماح بأن تمثل أي تهديدات طهران، وسط تشديدات خامئني والقيادات الايرانية، فيما لم تقدم ايران اية ضمانات للعراق بحماية أراضيها أو عدم تنفيذ هجمات عسكرية داخل الأراضي العراقية، وسط أحاديث عن التعاون الاقتصادي والمشاريع المشتركة، بجانب ترحيب إيراني بأدوار الوساطة التي تلعبها الحكومة العراقية، بين الرياض وإيران. الزيارة الأولى من نوعها لرئيس الوزراء العراقي للدولة الداعمة لتحالف “الإطار التنسيقي” الذي شكّل الحكومة العراقية الجديدة،تضمنت سلسلة لقاءات مكثفة مع المسؤولين في البلاد، كان أبرزَها لقاؤه مع المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بالتزامن مع عقد الوفد العراقي الوزاري لقاءات مع نظرائهم الإيرانيين، صدرت عن الجانبين العراقي والإيراني عدة بيانات توضح أبرز ما تم بحثه في الزيارة الأولى للسوداني إلى طهران. وفي ختام الزيارة التي استمرت يوماً واحداً، قال السوداني، بعد عودته إلى بغداد: “أنهينا زيارتنا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأجرينا مباحثات جدّية مع القيادة هناك، وفي مقدمتهم السيد علي خامنئي”. وكان الوفد العراقي، ضم إلى جانب السوداني، عدد من المسؤولين، بينهم وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير النفط حيان عبد الغني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ومدير مكتب رئيس الوزراء، والمستشار الاقتصادي، ومدير المصرف العراقي للتجارة، إلى جانب مسؤولين أمنيين ومستشارين حكوميين. وتم خلال الزيارة بحث ملفات عدة، منها “القصف الإيراني، وإطلاع طهران على الإجراءات التي تم اعتمادها داخل العراق للتعامل مع ملف الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، وملفات المياه والطاقة المتعلقة باستيراد الغاز والكهرباء، إلى جانب سعي العراق إلى إكمال دور الوساطة بين طهران والرياض.. وقال السوداني، في مؤتمر صحافي مع رئيسي في طهران، إن “الحكومة ملتزمة بتنفيذ الدستور وعدم السماح باستخدام الأراضي العراقية للإخلال بالأمن في إيران، وإننا نعتمد في علاقاتنا الخارجية مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية. وتم بحث العلاقة والتعاون في المجال الأمني، وأمن البلدين لا يتجزأ”. ثانيا: سياق زيارة السوداني طهران: جاءت زيارة السوداني طهران على وقع غضب إيراني من مواقف عراقية منددة بانتهاكات إيرانية لسيادة العراق بعد هجمات شنها الحرس الثوري الإيراني على ما قال إنها مواقع ومقار لتنظيمات كردية إيرانية في إقليم كردستان العراق. وبدا أن السوداني الذي وصل لمنصبه بفضل القوى الشيعية الموالية لإيران والذي تم استدعاؤه على عجل لطهران، يأخذ في اعتباره الثقل الإيراني في المعادلة السياسية وإلى أي مدى يمكن أن تذهب طهران ما لم يسر في ركبها. ويبدو أن لقاء السوداني بوفد من الكونغرس الأميركي مؤخرا في بغداد وتأكيد الأخير إدانة واشنطن للهجمات الإيرانية على شمال العراق وانتهاك السيادة العراقية وتعبيره عن دعم الولايات المتحدة للعراق في مواجهة التهديدات الإيرانية، أثار غضب الجانب الإيراني وهو ما يفسر إلى حدّ ما سبب استدعائه لرئيس الوزراء العراقي. وتهيمن إيران على مفاصل الدولة العراقية من خلال نخبة سياسية موالية لها وميليشيات مسلحة تحركها عند الضرورة. وجاءت الزيارة بدعوة من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على وقع توتر صامت بين البلدين الجارين على خلفية انتهاكات إيرانية لسيادة العراق من خلال هجمات على شماله استهدفت مواقع لتنظيمات كردية إيرانية دون تنسيق أو تشاور مع بغداد. كما جاءت الدعوة الايرانية لرئيس الوزراء العراقي لزيارة طهران، بعد لقاء جمع السوداني برئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان بارزاني في بغداد عبر فيه الأخير عن مخاوف من احتمال اجتياح إيراني للإقليم بذريعة ملاحقة التنظيمات الكردية الإيرانية التي تتهمها طهران بالتورط في ما وصفته بـ’أعمال إرهابية وتخريبية’ في خلال الاحتجاجات التي تشهدها مناطق كردية في أقاليم إيران النائية المحاذية للحدود مع كردستان العراق. وتوترت العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة عندما كان العراق مسرحا لنزاع سياسي بين الطرفين السياسيين الشيعيين الأساسيين: الإطار التنسيقي من جهة والتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وصل أحيانا إلى العنف. وكان المركز الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أعلن أن السوداني استقبل السفير الإيراني لدى العراق محمد كاظم آل صادق، قبيل الإعلان عن الزيارة، حيث نقل إليه دعوة رسمية من قبل الرئيس الإيراني رئيسي، لزيارة طهران. وجاء في البيان الصادر في هذا الشأن عن مكتب رئيس الحكومة العراقية، أن اللقاء بين السوداني وآل صادق، تناول عددا من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وبما يشمل الجانب الاقتصادي والاستثمار، كما جرى التأكيد على استمرار المشاورات الأمنية بين إيران والعراق بالشكل الذي يحفظ سيادة البلدين ويحقق مصالح الشعبين الصديقين ويرسّخ أمن المنطقة واستقرارها. ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد باكبور، تعزيز الوحدات المدرّعة التابعة للحرس عند الحدود الغربية والشمالية الغربية للبلاد، مؤكدا أنّ “مواجهة الجماعات الانفصالية مستمرة”. وكانت بعثة إيران في الأمم المتحدة بعثت برسالة إلى أعضاء الأمم المتحدة، تطالب فيها العراق بالعمل وفق التزاماته وإغلاق مقارّ الجماعات الإرهابية داخل أراضيه. وأكدت البعثة أن “على الحكومة العراقية أن تؤدي دورا مؤثرا في ضبط كل حدود العراق الدولية”، موضحة أنّ “إيران لم تمتلك خيارا آخر سوى الدفاع الذاتي عن أمنها وأمن مواطنيها ضمن الأطر والقوانين الدولية”. وأعلنت إيران، الإثنين 28 نوفمبر الماضي، تقديم أكثر من 70 وثيقة إلى العراق بشأن وجود جماعات إرهابية مسلحة، في منطقة كردستان العراق، بعد إعلان الحرس الثوري الإيراني بدء جولة جديدة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على “مقار المؤامرة ومراكزها المعادية لإيران، في إقليم كردستان العراق”، بحسب البيان الايراني.. ثالثا: نتائج الزيارة: بقراءة ما رشح عن الزيارة، وما تضمنه البيان الرسمي المؤتمر الصحفي بين رئيسي والسوداني، يمكن استخلاص عدة نتائج للزيارة. 1- تعهدات أمنية عراقية غير مقنعة لطهران: وشملت الزيارة عدة مباحثات حول القضايا المشتركة…