عودة الإسلاميين في السودان .. المظاهر والمخاطر
شهدت الفترة الأخير مجموعة من الأحداث التي أثارت الجدل في الداخل السوداني حول عودة الإسلاميين إلى الساحة السياسية السودانية من جديد، بعد إقصائهم عقب أحداث الثورة الشعبية في السودان على نظام البشير. الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات حول مؤشرات عودة الإسلاميين في السودان، وأهدافهم، ومخاطر تلك العودة على مستقبل الوضع في السودان، وهي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. مظاهر عودة الإسلاميين: تجدَّد الجدل في السودان بشأن عودة الإسلاميين للحكم على خلفية إطلاق سراح رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول إبراهيم غندور المُتهم في قضايا تتعلق بتقويض السلطة الانتقالية. جاء ذلك بعد نحو أسبوع من إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء في 25 أكتوبر 2021، قبل أن يُعاد اعتقال غندور مرة أخرى في غضون ساعات. وقرَّر البرهان عزل مدير جهاز الأمن الوطني ومدير جهاز الاستخبارات العسكرية، وتعيين اللواء محمد صبير مديرًا لجهاز الاستخبارات العسكرية، والفريق أحمد المفضل -الذي كان رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني في ولاية جنوب كردفان إلى حين حله- مديرًا لجهاز الأمن والمخابرات.[1] وفي الأشهر القليلة الماضية، أعادت محكمة خاصة إلى العمل عشرات من موظفي البنك المركزي والقضاء والنيابة العامة ومكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية ووسائل الإعلام الحكومية من بين مؤسسات أخرى. وتقول مصادر في وزارة الخارجية إنه تم تكليف بعض الدبلوماسيين العائدين بقيادة بعثات في الخارج، في حين تقرَّر استبدال رئيس هيئة البث الحكومية المُعين مدنيًا. وفي مارس تقرَّر رفع التجميد عن نحو ألف حساب بنكي، قبل أن يُعاد تجميدها بعدها بأسبوعين بموجب أوامر من البنك المركزي. من ناحية أخرى، يُودع السجن مسؤولون يترأسون فريق عمل تم تعيينه لتفكيك نظام البشير. وكان البرهان قد أعلن في 15 إبريل إن إعادة بعض المرتبطين بنظام البشير لمناصبهم ستكون محل مراجعة، وإنه يُمكن الإفراج عن قيادات اللجنة التي أمرت بالتفكيك ومصادرة الأصول المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني.[2] كما تمَّ في إبريل الماضي إلغاء القضاء أمرًا بحل منظمة الدعوة الإسلامية التي كان لها دور بارز قبل انتفاضة عام 2019، وكذلك صدر أمر محكمة في وقتٍ سابق بإعادة نشاط جمعية القرآن الكريم.[3] التيار الإسلامي العريض ودلالات تكوينه: في مؤتمر صحفي عُقد يوم 19 إبريل 2022 أعلنت 10 تنظيمات وتيارات إسلامية في السودان الاتحاد تحت مُسمى “التيار الإسلامي العريض” ضمَّ كيانات إسلامية، من ضمنها سلفية، وحدَّدت لها مجموعة أهداف. ووقَّع على ميثاق تأسيس التحالف؛ “حركة الإصلاح الآن” التي يرأسها غازي صلاح الدين العتباني، أحد أبرز مستشاري البشير السابقين قبل أن ينشق عن حزب المؤتمر الوطني في العام 2013 مُشكِّلًا تنظيمًا مُنفصلًا ينادي بالإصلاح والمحاسبة ويرفض القمع الذي مارسته السلطات ضد محتجين سلميين وقتها. كما ضمَّ التيار الإسلامي العريض “الحركة الإسلامية السودانية” والتي مثَّلها القيادي المعروف في النظام السابق أمين حسن عمر الذي شغل عدة مناصب تنفيذية وقيادية في الحكومة المعزولة. ومن المُوقِّعين كذلك “منبر السلام العادل”، وهي جماعة أسسها الراحل الطيب مصطفى الذي عرف بتأييده لفصل جنوب السودان، كما تربطه صلة قرابة بالبشير ويُعد من قادة التنظيم الإسلامي. كما ضمَّ التحالف “حزب دولة القانون والتنمية” وهو من التنظيمات الحديثة، ويقوده رجل الدين محمد علي الجزولي الأقرب للتيار السلفي المُتشدِّد لحد مجاهرته في وقتٍ سابق بتأييد تنظيم الدولة الإسلامية. ومن المُوقِّعين أيضًا “الإخوان المسلمون”؛ التنظيم العالمي بقيادة عادل على الله، وجماعة الإخوان المسلمين السودانية بزعامة عوض الله حسن، وهما جماعتان لكلٍّ منهما قيادتها ورؤيتها المنفصلة، كما انضم لهذا التيار “تحالف العدالة القومي” برئاسة التجاني السيسي، بجانب “تيار النهضة” تحت قيادة محمد مجذوب، و”مبادرة وحدة الصف” وهي تيار لإسلاميين اختاروا الوقوف على الحياد حين انقسمت الحركة الإسلامية في العام 1999. وقد تخلى “المؤتمر الشعبي” الذي يُعد أكبر القوى الإسلامية في السودان عن التيار العريض باعتباره ردة عن خط الحزب الذي يعمل الآن على جمع أهل السودان في مائدة مستديرة بحثًا عن حل شامل للأزمة وصولًا للانتخابات، وبالتالي لا يُمكنه الانكفاء والانغلاق داخل تيار أيديولوجي مُحدَّد وفقًا لمسؤول الإعلام في الحزب عوض فلسطيني الذي أكَّد أن حزبه لا يرتبط حاليًا بأي تحالفات أو تكتلات ويعمل كحركة مجتمع متكامل ليسع الجميع ومن غير المنطقي أن يعود بعد 30 عامًا من النشأة للانغلاق في تنظيم بعينه. ويُمكن قراءة دلالات هذه الوحدة في سياق الاستعداد للانتخابات وربما الدخول في العملية السياسية الانتقالية من خلال أي تسوية أو توافق قادم، وقد جاءت هذه الخطوة بسبب تغيُّر المشهد وتفاقُم صراعات القوى السياسية فيما بينها.[4] تفسير سماح البرهان لعودة الإسلاميين: تواصل الجدل حول استعانة البرهان بمسؤولين سابقين ينتمون لحزب المؤتمر الوطني وإعادتهم إلى مواقع قيادية في الخدمة المدنية، في مقابل إعفاء العديد من الذين تولوا إدارة تلك المواقع في حكومة عبد الله حمدوك خلال عامين. ولم ينقطع الحديث عن عودة كوادر المؤتمر الوطني المحلول واستعانة البرهان بهم لتقوية موقفه، حتى بعد عودة حمدوك لرئاسة الحكومة، وكان بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء بعد يوم من حل الحكومة التي يرأسها؛ قد اتهم حزب المؤتمر الوطني بالوقوف خلف انقلاب البرهان. وفي السياق، اعتبر عادل محجوب الوزير السابق في ولاية شمال دارفور -قبل عزل الرئيس عمر البشير- أن اللجنة الأمنية التي جاءت إلى السلطة في الفترة الانتقالية وشكَّلت المُكوِّن العسكري كشريك للمدنيين، هي أصلاً من المحسوبين على الإسلاميين. وقال إن تعيين البرهان قيادات المؤتمر الوطني من الصف الثاني، تشير إلى حاجته لقوة سياسية يستعين بها في بسط سيطرته من ناحية، كما أنها بمثابة اعتذار للإسلاميين لمواقفه تجاههم منذ سقوط نظام الرئيس عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم وقتها. ويرى البعض أن هؤلاء ربما سيتحولون إلى نواة جديدة لحزب يرث المؤتمر الوطني. وما يدفع البرهان للجوء إلى الاستعانة بالإسلاميين وخاصةً أعضاء المؤتمر الوطني لمواجهة التيارات اليسارية التي كانت تسيطر على السلطة خلال العامين الماضيين من عمر الفترة الانتقالية، هو حاجته إلى حاضنة سياسية بديلة لقوى الحرية والتغيير.[5] أهداف الإسلاميين ومخاوف المدنيين: يذكر ميثاق “التيار الإسلامي العريض” أن الهدف من تأسيس هذا التحالف الإسلامي هو “الحرص على تنزيل قيم الدين على أوجه الحياة السودانية. بالإضافة إلى بسط الحريات العامة وصيانة الحقوق. وأيضًا إصلاح الشأن السياسي في البلاد. مع تأكيد حاكمية الشورى وإعلاء البعد المؤسسي وتوسعة قاعدة المشاركة في الشأن العام”. وقد بدأت المطالب بإطلاق سراح قادة إسلاميين كانوا في السجون على خلفية بلاغات من لجنة إزالة التمكين المجمدة، وعلى رأسهم زعيم حزب دولة القانون والتنمية محمد علي الجزولي. وهذه الأهداف المُعلنة لقوى “التيار الإسلامي العريض” في حد ذاتها يُنظر لها من القوى المدنية باعتبارها مُهدِّدة لمسار الانتقال الديمقراطي، الذي لا يزال يشهد حالة لا مُتناهية من الجدل والتشتُّت بين أطراف الشارع السياسي. حيث يتردد بين القوى السياسية أن سكوت المكون العسكري على عودة الإسلاميين، بل وإضفاء حالة…