عودة الإسلاميين في السودان .. المظاهر والمخاطر

عودة الإسلاميين في السودان .. المظاهر والمخاطر

شهدت الفترة الأخير مجموعة من الأحداث التي أثارت الجدل في الداخل السوداني حول عودة الإسلاميين إلى الساحة السياسية السودانية من جديد، بعد إقصائهم عقب أحداث الثورة الشعبية في السودان على نظام البشير. الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات حول مؤشرات عودة الإسلاميين في السودان، وأهدافهم، ومخاطر تلك العودة على مستقبل الوضع في السودان، وهي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..   مظاهر عودة الإسلاميين: تجدَّد الجدل في السودان بشأن عودة الإسلاميين للحكم على خلفية إطلاق سراح رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول إبراهيم غندور المُتهم في قضايا تتعلق بتقويض السلطة الانتقالية. جاء ذلك بعد نحو أسبوع من إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء في 25 أكتوبر 2021، قبل أن يُعاد اعتقال غندور مرة أخرى في غضون ساعات. وقرَّر البرهان عزل مدير جهاز الأمن الوطني ومدير جهاز الاستخبارات العسكرية، وتعيين اللواء محمد صبير مديرًا لجهاز الاستخبارات العسكرية، والفريق أحمد المفضل -الذي كان رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني في ولاية جنوب كردفان إلى حين حله- مديرًا لجهاز الأمن والمخابرات.[1] وفي الأشهر القليلة الماضية، أعادت محكمة خاصة إلى العمل عشرات من موظفي البنك المركزي والقضاء والنيابة العامة ومكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية ووسائل الإعلام الحكومية من بين مؤسسات أخرى. وتقول مصادر في وزارة الخارجية إنه تم تكليف بعض الدبلوماسيين العائدين بقيادة بعثات في الخارج، في حين تقرَّر استبدال رئيس هيئة البث الحكومية المُعين مدنيًا. وفي مارس تقرَّر رفع التجميد عن نحو ألف حساب بنكي، قبل أن يُعاد تجميدها بعدها بأسبوعين بموجب أوامر من البنك المركزي. من ناحية أخرى، يُودع السجن مسؤولون يترأسون فريق عمل تم تعيينه لتفكيك نظام البشير. وكان البرهان قد أعلن في 15 إبريل إن إعادة بعض المرتبطين بنظام البشير لمناصبهم ستكون محل مراجعة، وإنه يُمكن الإفراج عن قيادات اللجنة التي أمرت بالتفكيك ومصادرة الأصول المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني.[2] كما تمَّ في إبريل الماضي إلغاء القضاء أمرًا بحل منظمة الدعوة الإسلامية التي كان لها دور بارز قبل انتفاضة عام 2019، وكذلك صدر أمر محكمة في وقتٍ سابق بإعادة نشاط جمعية القرآن الكريم.[3]   التيار الإسلامي العريض ودلالات تكوينه: في مؤتمر صحفي عُقد يوم 19 إبريل 2022 أعلنت 10 تنظيمات وتيارات إسلامية في السودان الاتحاد تحت مُسمى “التيار الإسلامي العريض” ضمَّ كيانات إسلامية، من ضمنها سلفية، وحدَّدت لها مجموعة أهداف. ووقَّع على ميثاق تأسيس التحالف؛ “حركة الإصلاح الآن” التي يرأسها غازي صلاح الدين العتباني، أحد أبرز مستشاري البشير السابقين قبل أن ينشق عن حزب المؤتمر الوطني في العام 2013 مُشكِّلًا تنظيمًا مُنفصلًا ينادي بالإصلاح والمحاسبة ويرفض القمع الذي مارسته السلطات ضد محتجين سلميين وقتها. كما ضمَّ التيار الإسلامي العريض “الحركة الإسلامية السودانية” والتي مثَّلها القيادي المعروف في النظام السابق أمين حسن عمر الذي شغل عدة مناصب تنفيذية وقيادية في الحكومة المعزولة. ومن المُوقِّعين كذلك “منبر السلام العادل”، وهي جماعة أسسها الراحل الطيب مصطفى الذي عرف بتأييده لفصل جنوب السودان، كما تربطه صلة قرابة بالبشير ويُعد من قادة التنظيم الإسلامي. كما ضمَّ التحالف “حزب دولة القانون والتنمية” وهو من التنظيمات الحديثة، ويقوده رجل الدين محمد علي الجزولي الأقرب للتيار السلفي المُتشدِّد لحد مجاهرته في وقتٍ سابق بتأييد تنظيم الدولة الإسلامية. ومن المُوقِّعين أيضًا “الإخوان المسلمون”؛ التنظيم العالمي بقيادة عادل على الله، وجماعة الإخوان المسلمين السودانية بزعامة عوض الله حسن، وهما جماعتان لكلٍّ منهما قيادتها ورؤيتها المنفصلة، كما انضم لهذا التيار “تحالف العدالة القومي” برئاسة التجاني السيسي، بجانب “تيار النهضة” تحت قيادة محمد مجذوب، و”مبادرة وحدة الصف” وهي تيار لإسلاميين اختاروا الوقوف على الحياد حين انقسمت الحركة الإسلامية في العام 1999. وقد تخلى “المؤتمر الشعبي” الذي يُعد أكبر القوى الإسلامية في السودان عن التيار العريض باعتباره ردة عن خط الحزب الذي يعمل الآن على جمع أهل السودان في مائدة مستديرة بحثًا عن حل شامل للأزمة وصولًا للانتخابات، وبالتالي لا يُمكنه الانكفاء والانغلاق داخل تيار أيديولوجي مُحدَّد وفقًا لمسؤول الإعلام في الحزب عوض فلسطيني الذي أكَّد أن حزبه لا يرتبط حاليًا بأي تحالفات أو تكتلات ويعمل كحركة مجتمع متكامل ليسع الجميع ومن غير المنطقي أن يعود بعد 30 عامًا من النشأة للانغلاق في تنظيم بعينه. ويُمكن قراءة دلالات هذه الوحدة في سياق الاستعداد للانتخابات وربما الدخول في العملية السياسية الانتقالية من خلال أي تسوية أو توافق قادم، وقد جاءت هذه الخطوة بسبب تغيُّر المشهد وتفاقُم صراعات القوى السياسية فيما بينها.[4]   تفسير سماح البرهان لعودة الإسلاميين: تواصل الجدل حول استعانة البرهان بمسؤولين سابقين ينتمون لحزب المؤتمر الوطني وإعادتهم إلى مواقع قيادية في الخدمة المدنية، في مقابل إعفاء العديد من الذين تولوا إدارة تلك المواقع في حكومة عبد الله حمدوك خلال عامين. ولم ينقطع الحديث عن عودة كوادر المؤتمر الوطني المحلول واستعانة البرهان بهم لتقوية موقفه، حتى بعد عودة حمدوك لرئاسة الحكومة، وكان بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء بعد يوم من حل الحكومة التي يرأسها؛ قد اتهم حزب المؤتمر الوطني بالوقوف خلف انقلاب البرهان. وفي السياق، اعتبر عادل محجوب الوزير السابق في ولاية شمال دارفور -قبل عزل الرئيس عمر البشير- أن اللجنة الأمنية التي جاءت إلى السلطة في الفترة الانتقالية وشكَّلت المُكوِّن العسكري كشريك للمدنيين، هي أصلاً من المحسوبين على الإسلاميين. وقال إن تعيين البرهان قيادات المؤتمر الوطني من الصف الثاني، تشير إلى حاجته لقوة سياسية يستعين بها في بسط سيطرته من ناحية، كما أنها بمثابة اعتذار للإسلاميين لمواقفه تجاههم منذ سقوط نظام الرئيس عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم وقتها. ويرى البعض أن هؤلاء ربما سيتحولون إلى نواة جديدة لحزب يرث المؤتمر الوطني. وما يدفع البرهان للجوء إلى الاستعانة بالإسلاميين وخاصةً أعضاء المؤتمر الوطني لمواجهة التيارات اليسارية التي كانت تسيطر على السلطة خلال العامين الماضيين من عمر الفترة الانتقالية، هو حاجته إلى حاضنة سياسية بديلة لقوى الحرية والتغيير.[5]   أهداف الإسلاميين ومخاوف المدنيين: يذكر ميثاق “التيار الإسلامي العريض” أن الهدف من تأسيس هذا التحالف الإسلامي هو “الحرص على تنزيل قيم الدين على أوجه الحياة السودانية. بالإضافة إلى بسط الحريات العامة وصيانة الحقوق. وأيضًا إصلاح الشأن السياسي في البلاد. مع تأكيد حاكمية الشورى وإعلاء البعد المؤسسي وتوسعة قاعدة المشاركة في الشأن العام”. وقد بدأت المطالب بإطلاق سراح قادة إسلاميين كانوا في السجون على خلفية بلاغات من لجنة إزالة التمكين المجمدة، وعلى رأسهم زعيم حزب دولة القانون والتنمية محمد علي الجزولي. وهذه الأهداف المُعلنة لقوى “التيار الإسلامي العريض” في حد ذاتها يُنظر لها من القوى المدنية باعتبارها مُهدِّدة لمسار الانتقال الديمقراطي، الذي لا يزال يشهد حالة لا مُتناهية من الجدل والتشتُّت بين أطراف الشارع السياسي. حيث يتردد بين القوى السياسية أن سكوت المكون العسكري على عودة الإسلاميين، بل وإضفاء حالة…

تابع القراءة
زيارة السيسي إلي قطر .. الدوافع والتداعيات

زيارة السيسي إلي قطر .. الدوافع والتداعيات

وصل عبد الفتاح السيسي، في 13 سبتمبر 2022، إلى العاصمة القطرية الدوحة، في أول زيارة رسمية له، ستستمر ليومين، بدعوة من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقد أفاد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بسام راضي، بأن الزيارة تأتي “تتويجاً للمباحثات المكثفة المتبادلة خلال الفترة الأخيرة بين البلدين، بهدف تعزيز أطر التعاون الثنائي المشترك على جميع الأصعدة”. وتأتي الزيارة بعد ثلاثة أشهر من زيارة أجراها الشيخ تميم للقاهرة، في يونيو الماضي، واستمرت يومين، بحث خلالها مع السيسي تطوير العلاقات وعدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وكان أمير قطر قد وجه دعوة رسمية للسيسي، في مايو من العام الماضي، وذلك في سياق إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل 2013[1].   أولًا: سياق الزيارة ودوافعها: بعد تدهور العلاقات بين مصر وقطر بشكل حاد في أعقاب إطاحة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في يوليو 2013 بانقلاب عسكري قاده السيسي، ومع اتهام مصر للإعلام القطري (قناة الجزيرة علي وجه الخصوص) بزيادة هجومه على النظام الجديد في مصر، فقد سحبت القاهرة سفيرها لدى الدوحة في مارس من عام 2014؛ احتجاجًا على ما اعتبرته “تدخلًا قطريًا في الشأن الداخلي المصري”، بعدما انتقدت قطر آنذاك تصنيف السلطات المصرية جماعة الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية”. ولتقوم قطر هي الأخري في عام 2015 بسحب سفيرها لدى القاهرة للتشاور بعدما اتهم مندوب مصر لدى الجامعة العربية دولة قطر بدعم الإرهاب.[2] ولتثور بعد ذلك قضية “التخابر مع قطر”، في 19 يونيو 2016، عندما أصدرت محكمة جنايات القاهرة أحكامًا بالإعدام والسجن المؤبد والغرامة المالية موزعة على المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “التخابر مع قطر”، وعددهم 11 شخصًا في مقدمتهم الرئيس الراحل محمد مرسي. وشهدت الأحكام الصادرة في قضية التخابر ستة إعدامات و240 سنة سجنًا بحق 11 متهمًا كانوا يواجهون عشرة اتهامات، وثمانية أحكام بالبراءة على أشخاص تمت إدانتهم وأُصدرت بحقهم أحكام إما بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو بالسجن والغرامة[3]. فيما قضت محكمة النقض في مصر في سبتمبر 2017 بتأييد أحكام بإعدام ثلاثة متهمين في قضية «التخابر مع قطر»، وأيدت «النقض» حكمًا سابقًا بحبس مرسي بالسجن المؤبد (25 عامًا) في «التخابر مع قطر»، وطالبت المحكمة، التي تصدر أحكامًا نهائية باتة، النائب العام باتخاذ الخطوات القانونية بالتحقيق والتصرف في الأفعال المنسوبة لرئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم، تغطية قناة الجزيرة التابعة لحكومته للشأن المصري؛ فضلًا عن «التصرف في وثائق دولة أجنبية، والمساس بالأمن القومي المصري، والإضرار بمصلحة البلاد القومية، وبمركزها الحربي، والسياسي، والدبلوماسي، والاقتصادي، وإعطاء مبالغ مالية كرشوة بقصد ارتكاب عمل ضار بالمصلحة القومية للبلاد»[4]. وقد وصل الخلاف بين قطر ومصر إلى قمته حين قطعت الأخيرة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل منتصف عام 2017. وهو الإجراء نفسه الذي اتخذته الإمارات والسعودية والبحرين. كما أغلقت الأجواء البرية والبحرية والجوية أمام قطر. وقدمت الدول الأربع إلى قطر 13 مطلبا شروطا لإنهاء الحصار. وشملت المطالب إغلاق قناة الجزيرة وغيرها من المنافذ الإخبارية التي تمولها قطر، وخفض العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر، وإنهاء “التدخل” في شؤون الدول الأخرى. ورفضت قطر وقالت إنها لن توافق على “التنازل” عن سيادتها وإن “الحصار” من قبل جيرانها ينتهك القانون الدولي. وبعد وساطات، كان أبرزها من دولة الكويت، انعقدت في محافظة العلا بالسعودية، في 5 يناير 2021 أعمال القمة الخليجية الحادية والأربعين بحضور أمير قطر، الذي استقبله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعناق حار، وشارك عن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري، لتطوي قمة العلا خلافات الماضي وتنهي المقاطعة.[5] ومنذ قمة العلا، فقد أخذت العلاقات بين البلدين في التحسن، سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي. فعلي المستوي السياسي؛ فقد أعلنت الخارجية المصرية في نفس الشهر الذي انعقدت فيه قمة العلا -يناير 2021- عن تبادل مذكرتين رسميتين بين القاهرة والدوحة، اتفقت بموجبها الدولتان على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهو ما تم تأكيده عبر تعيين القاهرة في يونيو 2021 السفير عمرو كمال الدين الشربيني سفيرًا فوق العادة مفوضًا لدى حكومة قطر، وتعيين الدوحة في سبتمبر من نفس العام السفير سالم بن مبارك آل شافي سفيرًا فوق العادة مفوضًا لدى الحكومة المصرية، وهو تبادل دبلوماسي له دلالاته؛ بالنظر إلى ان “السفير فوق العادة”، هي المرتبة الأعلى في مراتب التمثيل الدبلوماسي بين الدول، وتعكس إيجابية العلاقات بين الجانبين. بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر، تواصل الجانبان بشكل مكثف على عدة مستويات؛ فعلى المستوى الرئاسي، تبادل عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد عدة اتصالات هاتفية، بدأها الشيخ تميم في أبريل 2021 لتهنئة السيسي بحلول شهر رمضان، وكان آخرها اتصال أجراه الشيخ تميم أغسطس الماضي بالسيسي تباحث فيه كلا الطرفين حول الشأن الإقليمي والدولي. والتقى كل من السيسي والشيخ تميم بشكل مباشر للمرة الأولى بعد قمة العلا، خلال قمة التعاون والشراكة، التي انعقدت في العاصمة العراقية في أغسطس 2021. تتالت منذ ذلك التوقيت اللقاءات بينهما، بداية من اللقاء الذي جمعهما في جلاسكو خلال قمة تغير المناخ في نوفمبر الماضي، مرورًا بلقاء آخر خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي انعقدت في فبراير الماضي في الصين. ذلك وصولًا إلى زيارة الأمير تميم إلى القاهرة في يونيو الماضي تلبية لدعوة من الرئاسة المصرية. وهي زيارة كانت لها دلالات مهمة في سياق العلاقات بين الجانبين؛ إذ كانت الأولى للأمير تميم إلى مصر منذ عام 2015، حين شاركت قطر في أعمال القمة العربية في مدينة شرم الشيخ. على المستويات الحكومية، استضافت القاهرة في مايو 2021 وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني سلم فيها السفير القطري دعوة موجهة السيسي لزيارة قطر. ردت القاهرة على هذه الزيارة عبر إرسال وزير خارجيتها سامح شكري إلى الدوحة في الشهر التالي لزيارة وزير الخارجية القطري -يونيو- وهي الزيارة الأولى لوزير خارجية مصري إلى الدوحة منذ عام 2013. وقد استقبلت القاهرة وزير الخارجية القطري مرة أخرى في مارس الماضي، يرافقه علي بن أحمد الكواري وزير المالية القطري، وعبد الله الخليفي رئيس جهاز أمن الدولة القطري، وقد أعلن الوزير سامح شكري خلال فعاليات هذه الزيارة عن تشكيل لجنة مشتركة مصرية – قطرية برئاستهما؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين تشمل كافة الموضوعات الخاصة بالتعاون بينهما. المناخ الإيجابي في العلاقة بين الجانبين شمل كذلك مبادرات تظهر من خلالها رغبة القاهرة والدوحة الواضحة في تصعيد مستوى التعاون بينهما بشكل آني وإيجابي، منها مثلًا احتفال مصر باليوم الوطني لقطر في ديسمبر الماضي عبر إضاءة برج القاهرة بالعلم القطري، وتوجيه الدعوة لقائد القوات البحرية القطرية اللواء عبد الله بن حسن السليطي لحضور حفل افتتاح قاعدة 23 يوليو البحرية، وكذا الاستئناف الكامل للرحلات الجوية بين الجانبين منذ منتصف يناير 2021.[6] وعلى المستوى الاقتصادي؛ ففي البداية يجب التأكيد…

تابع القراءة
السياسات النقدية في مصر بعد الإطاحة بطارق عامر

السياسات النقدية في مصر بعد الإطاحة بطارق عامر

في أعقاب الإطاحة بطارق عامر من رئاسة البنك المركزي في 17 أغسطس 2022م، جرى تعميم تعليمات صارمة من إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على المواقع الإلكترونية والصحف والقنوات الفضائية التابعة لها، للتعامل الإعلامي مع استقالة  محافظ البنك المركزي مفادها التركيز على أن عامر قرر الاعتذار من منصبه لضخ دماء جديدة في السوق المصرفي، مع  تركيز المُذيعين والقصص الإخبارية على أن تغيير «محافظ المركزي» أتى لإحداث تغيير في السياسات النقدية لتطوير الأداء الاقتصادي والتعامل مع المتغيرات العالمية في ظل الأزمة الحالية، مع استضافة خبراء اقتصاديين لتحليل الحدث دون أي تجاوز في حق طارق عامر. وتربط بعض التفسيرات لدى قطاعات من الخبراء بين الإطاحة بعامر، وبين الانتقادات التي وجهها صندوق النقد الدولي للسياسات النقدية في مصر علنًا في بيان صدر في يوليو الماضي (2022). واعتبروا أن «تنحي عامر عن السياسات النقدية في هذا التوقيت قد يخدم سير مفاوضات الحكومة مع الصندوق»، لا سيما وأن الانتقادات من جانب الصندوق تعني بشكل واضح عدم رضاه عن التعويم الجزئي الذي أقره البنك المركزي في مارس 2022، والذي ساهم في تخفيض سعر الجنيه بعد فترة ثبات نسبي في سعره، حيث انخفض الجنيه أمام الدولار من 15.7 جنيها إلى أكثر من 18 جنيها. والإطاحة بعامر في هذا السياق قد يعني أن «مصر منفتحة على خيارات جديدة ومستعدة لتبني سياسات أكثر مرونة على صعيد سعر الصرف بالذات». هذه التأويلات اعتمدت على ما تردد من خلافات في صفوف البيروقراطية المصرية حول إمكانية التراجع أمام ضغوط الصندوق بتحرير إضافي لسعر الصرف، خاصة في ظل تقديرات ترى أن السماح ببعض المرونة في سعر الصرف قد يصل بسعر الدولار إلى 25 جنيهًا، وهو الرأي الذي كان عامر  يتبناه، في حين انحاز وزير المالية، محمد معيط، للمنطق المقابل بالسماح بمرونة كاملة متوقعًا ألا يزيد سعر الدولار في تلك الحالة عن 20 جنيهًا.[[1]] وجاءت الإطاحة بعامر الذي ينحاز إلى التعويم المدار للجنيه مع الإبقاء على وزير المالية محمد معيط الذي ينحاز إلى التعويم الكلي لتمثل مؤشرا على انتصار وجهة النظر الثانية؛ وأن السيسي بصدد تغيير السياسات النقدية والتخلي عن التعويم الجزئي المدار  ليذعن لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي التي تطالب بتحرير كامل للجنيه أمام باقي العملات الأخرى. فالصندوق يرى أن استمرار سياسة تثبيت سعر الصرف أو تحركه البطيء بما لا يعكس قيمته الحقيقية (كما يفعل النظام)، عبر مساندة الجنيه باستخدام جانب من الاحتياطي النقدي الأجنبي في ضخ السيولة الأجنبية في السوق، يعني عمليًا تعريض الاحتياطي النقدي نفسه لهزات متكررة تجعله أقل قابلية للصمود في مواجهة الصدمات الخارجية، كصدمة تفشي فيروس كورونا أو الغزو الروسي لأوكرانيا. بناء على ذلك فإن تحديد السياسة النقدية الخاصة بتحرير سعر صرف الجنيه وإعادة بناء الاحتياطي النقدي الأجنبي على رأس أولويات حسن عبدالله القائم بأعمال رئيس البنك خلفا لطارق عامر، والفريق المعاون له؛ وهو ما يمكن أن يتحقق ــ بحسب رؤية النظام ـ  من خلال تلبية شروط صندوق النقد الدولي والحصول  على قرض بقيمة 15 مليار دولار، بالإضافة إلى بعض التحسن على المدى الأبعد في تدفق الأموال الساخنة مجددًا، والذي سيدعمه تراجع سعر الجنيه الذي يدعم طبعًا جاذبية أوراق الدين المصرية.[[2]] لكن ذلك لا يختلف كثيرا عما كانت عليه السياسات النقدية في عهد طارق عامر باستثناء سياسات التعويم المدار وحماية العملة المحلية بشيء من الاحتياطي النقدي. وقد اعترف عامر بذلك في تصريحات له في مايو 2022، قائلًا إن استخدام وتدخل البنك المركزي في السوق باحتياطيات النقد الأجنبي أمر طبيعي، وأن هذه الاحتياطيات يتم بناؤها لمواجهة التقلبات الاقتصادية. فالاحتياطي النقدي الذي تهاوى حاليا إلى 36 مليار دولار، بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا، كان قد بلغ مستويات قياسية في 2020، وصلت إلى 45 مليار دولار، والتي «نجح» عامر في الوصول إليها عبر ارتفاعات متواصلة دون انقطاعات تذكر منذ نهاية 2016، الذي كان قد شهد أحد أسوأ مستويات الاحتياطي النقدي الأجنبي في عشر سنوات على الأقل حين بلغ وقتها 15 مليار دولار تقريبا، وذلك لأسباب تتعلق بالأساس بتدفقات الأموال الساخنة -استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية، بسبب التراجع الكبير في سعر الجنيه من ناحية والرفع الكبير للغاية في سعر الفائدة، وهي السياسة التي صاحبت تحرير سعر الصرف، وكان مبررها المعلن هو مواجهة التضخم الذي أعقب اتفاق قرض الـ12 مليار دولار في نوفمبر 2016م، بخلاف عدد من  القرارات على مستوى السياسة المالية من قبيل رفع أسعار المواد البترولية، وصولًا لمعدلات تعدت 33% في عام 2017. فماذا سيفعل حسن عبدالله والفريق المعاون له (هشام عز العرب ومحمد نجيب) وهم ـ بحسب كثير من المحللين والخبراء ـ أكثر احترافية وكفاءة من طارق عامر وفريقه  الذي كان يدير السياسة النقدية خلال السنوات السبع الماضية؟   وضع مأزوم قبل كل شيء، يتعين الإقرار بأن الوضع المالي والنقدي في مصر يمر بمرحلة بالغة الصعوبة، ويمر بأزمة غير مسبوقة للأسباب الآتية:[[3]] أولا، هناك مخاطر جيوسياسية عالمية لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد المصري، كحرب أوكرانيا التي تغذي مخاطر التضخم والعملة، وتؤثر سلباً على إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، وتعطل جهود المركزي في إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي من موارد ذاتية. وهناك في الجانب الآخر البنك الفيدرالي الأميركي الذي يرفع سعر الفائدة على الدولار بشكل متواصل، وهو ما يضغط على سوق الصرف الأجنبي في مصر ويرفع من تكلفة الاقتراض الخارجي. وهناك أيضا شروط وإملاءات صندوق النقد الدولي من أجل الموافقة على منح الحكومة قرضا جديدا  رابعا بعدما حصلت ــ عبر ثلاثة قروض سابقة ــ على أكثر من عشرين مليار دولار. لذلك فمهمة حسن عبدالله وفريقه  معقدة وشاقة جدا، وتبدو أحيانا شبه مستحيلة. فاحتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي يتراجع بشدة منذ شهر فبراير2022، رغم تغذيته بودائع خليجية تبلغ 13 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، ورغم فرض قيود صارمة على حركة رؤوس الأموال وعملية الاستيراد وفتح الاعتمادات المستندية. ثانيا، هناك التزامات خارجية ضخمة مستحقة على البنك المركزي، منها مثلا سداد أعباء ديون خارجية تقدر بنحو 35 مليار دولار خلال العام المالي الجاري(2022/2023)، وهناك كلفة الواردات المصرية المتزايدة بسبب التضخم العالمي وزيادة أسعار القمح والوقود، وهي فاتورة قدرها وزير المالية محمد معيط بنحو 9 مليارات دولار شهرياً مقابل 5 مليارات قبل حرب أوكرانيا. أيضا هناك جدول سداد مزدحم لديون خارجية مستحقة على البلاد خلال الأعوام القليلة المقبلة، فبالإضافة إلى 26.4 مليار دولار ديون قصير الأجل مطلوب سدادها خلال عامين، هناك ديون متوسطة وطويلة الأجل تجاوزت 72.4 مليار دولار خلال الفترة من نهاية 2022 وحتى نهاية 2025. معنى ذلك أن البنك المركزي مطالب بسداد تلك الديون في ظل احتياطي يتراجع، وجفاف في بعض إيرادات الدولة الرئيسية ومنها قطاعات السياحة والاستثمارات الأجنبية والأموال الساخنة التي هرب منها 22 مليار دولار وفق أرقام وزارة…

تابع القراءة
الأزمة السياسية في صومالي لاند

الأزمة السياسية في صومالي لاند

تتمتَّع صومالي لاند بإمكانيات جيوستراتيجية بالغة الأهمية من حيث موقعها على خليج عدن وميناء بربرة. وقد أُجريت الانتخابات التشريعية لجمهورية أرض الصومال في يونيو 2021، تمهيدًا لإجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2022. وتُجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ولاية صومالي لاند مرة كل 5 سنوات، حيث أُجريت الانتخابات الرئاسية السابقة في ديسمبر 2017. وفي الوقت الذي من المُفترض أن تتجهز أرض الصومال لانتخاب رئيس جديد؛ ظهرت في الأُفق أزمة سياسية بدأت جذورها منذ 2017، لتتصاعد في هذه الآونة. فما هي جذور الأزمة؟ وكيف تصاعدت؟ وما هي المواقف من تصاعُدها؟ وكيف يُمكن قراءة سيناريوهات المستقبل؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها..   جذور الأزمة: تعود الأزمة إلى إخفاق الأحزاب الثلاثة في تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية في العام 2017، وتأجيلها إلى العام 2021. حيث كان من المُفترض إجراء الانتخابات في مراحلها الثلاث؛ الرئاسية والبرلمانية والبلديات عام 2017 وفق اللوائح الداخلية، لكن نتيجة الخلافات تأجَّلت الانتخابات البرلمانية والبلديات عن موعدها، وأُجريت الانتخابات الرئاسية فقط والتي فاز فيها الرئيس الحالي موسي بيحي عبدي، والذي تنتهي ولايته دستوريًا في 13 نوفمبر 2022. ويسعى الحزب الحاكم لتمديد منصب الرئيس، لأن التوقيت ليس في صالحه، بعد أن غيَّرت الخسارة غير المُتوقعة في انتخابات مايو 2021 البرلمانية (30 مقعد مُقابل 52 للمعارضة) والمجالس المحلية نظرة الرئيس إلى المستقبل، فحزبه غير مستعد للانتخابات الرئاسية بسبب الخلاف الداخلي على خليفة الرئيس، وفقدان الشعبية. ولهذا؛ كان طلبه بفتح باب الانتخابات المحلية للجمعيات السياسية قبل الانتخابات الرئاسية؛ فوفقًا للدستور الحالي لصومالي لاند تتشكَّل بناءً على انتخابات الجمعيات السياسية ثلاثة أحزاب رسمية، هي فقط المسموح بعملها، وهي: حزب التضامن (Kulmiye) الحاكم، وحزبا المعارضة؛ حزب العدالة والرفاه (UCID) والحزب الوطني (Waddani). وتهدف الدعوة إلى انتخابات محلية للجمعيات السياسية قبل الرئاسية إلى فتح الباب أمام ظهور أحزاب جديدة تُفتِّت تحالف حزبي المعارضة، وربما يُخطِّط الرئيس عبر السلطة التي يحوزها لخلق أحزاب معارضة موالية، تُمكِّنه من تكوين مشهد سياسي يستطيع السيطرة عليه. ولكن حزبا المعارضة يتمسَّكان بمواقيت الاستحقاقات؛ حيث تحل الانتخابات الرئاسية في موعد 13 نوفمبر المقبل، بينما يحل موعد انتخابات الجمعيات السياسية في ديسمبر المُقبل.[1] وكانت هناك محاولات ودعوات من جانب أطراف وسيطة لحل النزاع من خلال محادثات مشتركة بين الحكومة والمعارضة، إلا أنها باءت بالفشل وأعلن قادة حزبي المعارضة عن انسحاب الرئيس موسى بيحي عبدي من تلك المحادثات في إشارة إلى انهيارها.[2]   تصاعُد الأزمة: في التاسع من شهر يونيو الماضي، أجرى شيوخ العشائر والأعيان في صومالي لاند وساطة بين المعارضة والحكومة في محاولة لإنهاء الخلاف الانتخابي، في حين أكَّدت أحزاب المعارضة لاحقًا أن الرئيس موسى بيحي قد سحب الثقة من لجنة الوساطة لتنتهي بذلك المحادثات بين الجانبين، وأكَّدت المعارضة على التصعيد عبر تحشيد الشعب.[3] وشهدت الأزمة السياسية تطورًا خطيرًا، حين فتحت الشرطة النار على مظاهرة دعت إليها المعارضة، قتلت 7 أشخاص وأصابت 110 آخرين يوم الخميس 11 أغسطس.[4] وقبل انطلاق التظاهرات؛ كانت قوات شرطة صومالي لاند قد اعتقلت بعض الشخصيات الداعمة لها، كما تم بث مقاطع فيديو مُسجلة للعمليات الأمنية الجارية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها تم قطع خدمة الإنترنت في الإقليم.[5]   ردود فعل أطراف الأزمة: قال رئيس حزب “وطني” المعارض عبد الرحمن عبد الله عرو: “من سوء الحظ استخدام القوات الرصاص الحي ضد المتظاهرين الذين قاموا بتظاهرات سلمية تنديدًا بمساعي الحكومة لتأجيل الانتخابات الرئاسية المُزمع عقدها في 13 نوفمبر المُقبل”. وأضاف عرو، في تصريح للإعلام المحلي، أن “القوة المُفرطة التي استخدمتها القوات ضد المتظاهرين أدَّت إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة نحو مئة آخرين بجروح متفاوتة”.[6] وفي ظل مطالبة المعارضة للشعب بالخروج إلى الشوارع، أكَّد وزير الداخلية في صومالي لاند ونائب زعيم الحزب الحاكم محمد كاهن أحمد أنهم لن يسمحوا بإقامة هذه المظاهرات. وأكَّد الوزير أن التظاهر جزء من الحقوق التي كفلها الدستور للمواطنين في صومالي لاند؛ مشيرًا في الوقت ذاته أن تلك المظاهرات يجب أن تتوافق مع القوانين واللوائح المنصوص عليها. وذكر الوزير أيضًا أن أحزاب المعارضة لم تُنسِّق مع الأجهزة المعنية لإقامة مظاهرات قانونية، ولم يتم إعلام السلطات الأمنية بمعلومات كافية عن التظاهرات المزمع إقامتها، وقد قامت الوزارة بمنعها على هذا الأساس. وفي المُقابل، أكَّدت أحزاب المعارضة أنهم قاموا بإعلام السلطات ذات الصلة بشأن كافة المعلومات المرتبطة بها.[7]   الموقف الإقليمي والدولي من تصاعُد الأزمة: في شريط فيديو قصير نشره مكتب الرئيس؛ دعا حسن شيخ محمود الحزب الحاكم في أرض الصومال وقادة المعارضة إلى حل خلافاتهم السياسية من خلال الحوار لتجنب عدم الاستقرار. وحثَّ محمود القادة على تجنُّب المزيد من العنف وحل خلافاتهم بأنفسهم باستخدام الآليات المتاحة لديهم، وإلا فإن المنطقة ستتطلَّب تدخلًا أجنبيًا لوقف النزاع الانتخابي. كما دعا القادة السياسيين من الجانبين، والزعماء التقليديين والدينيين، وقادة المجتمع المدني، والجماعات المختلفة إلى حل القضايا العالقة من خلال المفاوضات.[8] وفي بيان صدر يوم الخميس 11 أغسطس، أدانت ست بعثات دبلوماسية أجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما وصفته بـ “الاستخدام المفرط للقوة” خلال المظاهرات. وقال البيان: “ندعو جميع الأطراف إلى ضمان أن تكون المظاهرات واستجابة الشرطة سلمية وأن تلتزم بسيادة القانون”. “نؤكد مجددًا على حاجة جميع الأطراف في أرض الصومال للانخراط في حوار بنَّاء من أجل التوصُّل إلى توافق في الآراء بشأن خارطة طريق للانتخابات. يجب على قادة أرض الصومال العمل مع شعبها لتقرير مستقبلهم وحماية السلام والاستقرار والديمقراطية في أرض الصومال”.[9] ويأتي هذا في ظل تصاعُد حدة التنافس على صومالي لاند والذي أدى إلى تغيُّر المواقف من الاعتراف بها في الفترة الأخيرة..   تطوُّرات العلاقات الدولية والإقليمية مع صومالي لاند: منذ إعلانها الاستقلال الثاني عام 1991 أجرت صومالي لاند انتخابات تنافسية حرة مع تداول سلمي للسلطة، ولديها جيش مُحترف وشرطة مدنية ودستور وعلم وجواز سفر. أي أنها دولة مكتملة الأركان لا ينقصها سوى وثيقة الميلاد التي تعترف بوجودها في المجتمع الدولي. يبدو أن بنية التنظيمات القارية الإفريقية تخشى من تكرار تجربتي كلٍّ من إريتريا وجنوب السودان حيث أدَّى استقلال كلٍّ منهما إلى زيادة عدد الدول الفاشلة في القارة الإفريقية. على الرغم من وجود بعثات تمثيلية لعدة دول في العاصمة هرجيسا، بل وقيام بعض الدول بالتعامل المباشر مع حكومة صومالي لاند فإن هناك متغيرات هامة سوف يكون لها ما بعدها من تداعيات بالنسبة لمسألة الاعتراف الدولي الذي تحاول أن تحصل عليه: أولها؛ التقارب الأمريكي من صومالي لاند: في منتصف ديسمبر 2021 زار وفد من الكونغرس الأمريكي هرجيسا، وهو ما يُمثِّل أعلى مستوى حكومي يزورها منذ أكثر من عشر سنوات. وجاءت الزيارة انطلاقًا من أهمية صومالي لاند في مواجهة النفوذ الإقليمي للصين، في الوقت الذي تتعرَّض فيه الهيمنة الأمريكية لتحديات كبيرة من قِبل كلٍّ من الصين وروسيا….

تابع القراءة
أزمة سداد الديون الخارجية المصرية.. الأسباب وطرق الحل

أزمة سداد الديون الخارجية المصرية.. الأسباب وطرق الحل

وصلت الديون المصرية لأرقام قياسية غير مسبوقة في التاريخ، إذ بلغت 157.8 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2022، متأرجحة بين قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، ويتعين على مصر خلال النصف الثاني من العام الحالي سداد 8.5 مليار دولار أقساط وفوائد دين، وفي العام القادم مطالبة بسداد 17.6 مليار دولار (9.3 مليار دولار في النصف الأول و8.3 مليار في النصف الثاني) وفي 2024 مطالبة بسداد 24.2 مليار دولار (10.9 مليار في النصف الأول و13.3 مليار في النصف الثاني)، كما يتعين على الحكومة المصرية سداد 15.1 مليار دولار في 2025 (9.3 مليار في النصف الأول و5.8 مليار دولار في النصف الثاني) نظير 16.8 مليار دولار في 2026 (6.6 مليار دولار في النصف الأول و10.2 مليار في النصف الثاني). كما تراجع الاحتياطي النقدي لمصر من العملات الأجنبية (سلة من العملات الدولية الرئيسية، هي الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني) بنحو 20% خلال الأشهر السبع الأولى من العام الحالي (2022)، حيث وصل إلى 33.14 مليار دولار نهاية يوليو، مقابل 40.93 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، وفق بيانات البنك المركزي المصري. وتلقت العملة المحلية (الجنيه) ضربات موجعة خلال الآونة الأخيرة حيث انخفض سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 21.9% منذ تخفيض قيمته في مارس الماضي، ليصل إلى مستوى 19.24 جنيه مقابل الدولار، فيما تتوقع أسواق العقود الآجلة أن تنخفض العملة المحلية بنسبة 22% خلال العام المقبل، هذا بجانب تراجع عائد أذون الخزانة المحلية لأول مرة منذ 24 مايو الماضي بواقع خمس نقاط أساس في عطاء أذون 91 يومًا. الأزمة زاد تفاقمها بعد هروب الأموال الساخنة من السوق المصري، فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي ولجوء واشنطن إلى سياسة رفع سعر الفائدة لجذب الاستثمارات الخارجية، خرج ما لا يقل عن 20 مليار دولار من مصر، ما تسبب في اتساع عجز الحساب الجاري. هذا الواقع الرمادي دفع شبكة “بلومبرغ” الأمريكية للحديث عن احتمالية فشل الحكومة المصرية في سداد ديونها، لافتة أن تلك الاحتمالية قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ 2013[1]. وبناءً علي ذلك، سنحاول في هذا التقرير محاولة الوقوف علي حقيقة أزمة الديون الخارجية التي تواجهها مصر، ومدي إمكانية الحكومة المصرية في مواجهة وحل تلك الأزمة.   أولًا: حقيقة أزمة الديون الخارجية التي تواجهها مصر: تعددت تقديرات المؤسسات الدولية حول حجم الديون الخارجية المصرية الواجب سدادها خلال العام الحالي (2022)، فقد توقع بنك جولدمان ساكس، احتياج مصر إلي 33 مليار دولار لدفع مستحقات ديون خارجية في عام واحد من مارس 2021 حتى مارس 2022[2]. فيما كشفت إحصائية للبنك الدولي احتياج مصر إلى 31 مليار دولار لسداد جزء من التزامات الديون الخارجية عليها، من فترة يوليو 2022 حتى مارس 2023، غير 16 مليار دولار كانت مستحقة الدفع ما بين إبريل حتى يونيو 2022 (أي بإجمالي 47 مليار دولار خلال عام كامل). ووفقاً لموقع “مدى مصر” فتشير آخر الجداول المتاحة حول التزامات الديون، والتي يعدها البنك الدولي، أن مصر عليها الالتزام بسداد نحو 16 مليار دولار في الربع الثاني من العام الحالي (من بداية إبريل وحتى نهاية يونيو) يتبعها 12 مليار دولار في الربع الثالث، ثم حوالي ستة مليارات دولار في الربع الرابع، وأخيراً أكثر من 13 مليار دولار في الربع الأول من العام القادم (2023)[3]. ومؤخرًا، فقد أشارت وكالة “بلومبيرغ” لتزايد مخاطر تخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية، والتي ارتفعت قيمتها منذ تولي الجيش السلطة منتصف عام 2013، من 43.2 مليار دولار إلى 157.8 مليار بنهاية مارس 2022، مع الاستمرار بالاقتراض بالشهور الأخيرة من البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي وغيرهما، واستمرار التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد. وهو الدين الذي توزع وفق جهات الإقراض ما بين 52 مليار دولار من 20 مؤسسة إقليمية ودولية أبرزها الصندوق والبنك الدولي، و36 مليار دولار من 22 دولة، و29 مليار دولار إصدارات سندات بالأسواق الخارجية، و12 مليار دولار من بنوك قُطرية أجنبية وخليجية، إلى جانب 26 مليار ديون قصيرة الأجل من دول ومؤسسات إقليمية. وقد انقسم ذلك الدين ما بين قروض متوسطة وطويلة الأجل (والذي تبدأ مدته من العامين وحتى الخمسين) بقيمة 131.4 مليار دولار، وديون قصيرة الأجل لمدة عام بقيمة 26.4 مليار دولار، وتمثل قصيرة الأجل نسبة 17% من الإجمالي، وهي نسبة ارتفعت مؤخرًا بعد الودائع قصيرة الأجل البالغة 13 مليار دولار، والتي حصلت عليها مصر من السعودية والإمارات وقطر بالربع الأول من العام الحالي (2022)، ومن مظاهر خطورة هذا الدين أنه مثل نسبة 71% من احتياطيات النقد الأجنبي في مارس الماضي. كذلك نجد أن قيمة القروض متوسطة وطويلة الأجل البالغة 131.4 مليار دولار، سيتم سدادها بقيمة 170.8 مليار دولار، أي أن الدين الخارجي الذي سيتم دفعه شاملًا (متوسط وطويل وقصير الأجل) سيزيد على 197 مليار دولار، وذلك بالـ50 عامًا القادمة وحتى عام 2071. ووفق بيانات البنك المركزي المصري تصل تكلفة الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل في العام الحالي (2022) إلى 15.547 مليار دولار، موزعة ما بين 5.7 مليارات دولار للدول الخليجية الثلاثة الكويت والإمارات والسعودية، و4.7 مليارات دولار للمؤسسات الدولية والإقليمية، و3.7 مليارات دولار لدول أجنبية أخرى، و1.4 مليار لإصدارات السندات المصرية بالخارج، فإذا أضيف لتكلفة تلك القروض متوسطة وطويلة الأجل 26 مليار دولار تمثل القروض قصيرة الأجل، فإن مجمل تكلفة الدين في العام الحالي (2022) تصل إلى 41.5 مليار دولار[4]. وقد أشارت وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني في تقرير لها في شهر أبريل 2022 أن مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بالعديد من الدول المماثلة لمصر، أو إذا ما قورنت بالاقتصادات الناشئة، حيث تشكل تركيا مثلاً 0.3% فقط من إجمالي الديون التجارية في العالم، وكذلك باكستان تُشكل النسبة ذاتها. ويتوقع التقرير أن تقترض مصر 73 مليار دولار أمريكي خلال العام الحالي (2022)، كما يقول التقرير إن القروض السيادية الإجمالية لمصر ستبلغ مع نهاية العام الحالي 391.8 مليار دولار، مقارنة مع 348.4 مليار مع نهاية عام 2021، أي إن الديون السيادية سوف ترتفع بواقع 43.4 مليار دولار، على الرغم من أن مصر ستقترض 73 ملياراً، وهذا يعني أن نحو 30 ملياراً من الديون الجديدة ستذهب للوفاء بديون سابقة. وبهذه الأرقام فإن مصر ستصبح أكبر دولة مدينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسوف تكون أحد أكبر طالبي الديون في العالم، بحسب تقرير “ستاندرد آند بورز”. وفي ظل هذه المؤشرات التحذيرية بشأن الديون المصرية، فقد زاد مخاوف المستثمرين من أن القاهرة قد تتجه نحو التخلف عن السداد، بحسب تقرير لوكالة (بلومبرغ) الأمريكية[5]. ورغم تباين التقارير الدولية حول تقدير حجم الديون الخارجية المصرية الواجب سدادها خلال العام الحالي – وهي تباينات ضفيفة -، إلا أن…

تابع القراءة
صراع "التيار الصدري" من السياسة إلى الشارع.. العراق نحو مستقبل مجهول

صراع “التيار الصدري” من السياسة إلى الشارع.. العراق نحو مستقبل مجهول

في إطار الصراع السياسي بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الذي يضم الأحزاب والقوى الشيعية الموالية لإيران في العراق، وفي ظل استبعاد السنة من المعادلة السياسية بالعراق، بعد سنوات من الحروب الأهلية والانحيازات الدولية والإقليمية ضد السنة، على إثر المواجهات مع تنظيم داعش بالعراق، والذي أخذ السنة بجريرته، في ظل اختلال موازين القوى، وجاء اعلان مؤسس التيار الصدري، مقتدى الصدر. مؤخرا، اعتزاله العمل السياسي، اعتراضا على اتجاه الاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة العراقية بعيدا عن تياره، ومن ثم اعتصام انصاره في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، ثم اقتحامهم مبنى الحكومة حيث كانوا يحتلون مبنى البرلمان منذ نهاية يوليو الماضي، والقصر الجمهوري ومبنى رئاسة الوزراء وعدد من المباني الحكومية، داخل المنطقة الخضراء، ومحاولة ازاحة الجدار العازل حول المنطقة ، ووقوع الكثير من الصدامات المسلحة مع القوى الأمنية  ومع أنصار الاطار التنسيقي، وشهدت المنطقة الخضراء عدة رشقات هاون طاولت أهدافاً عدة فيها، أبرزها منزل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ومقراً تابعاً لـ”الحشد الشعبي” يدعى بـ”أمنية الحشد”، ويتهم أنصار الصدر، المقر بإدارة العنف ضدهم، فيما قصفت مليشيات مسلحة تابعة للاطار التشريعي بالصواريخ مقار اعتصام الصدريين. كما هاجم أنصار الصدر نحو 12 مقراً تعود لفصائل مسلحة وأحزاب وكتل سياسية في بغداد والبصرة وميسان والكوفة وبابل، أبرزها مقرات لمليشيات “بدر”، و”عصائب أهل الحق”، و”النجباء”، وحزب الدعوة بزعامة نوري المالكي ما أدى لوقوع أكثر من 25 قتيلا، إلى جانب أكثر من 200 جريح من أنصار الصدر، وسط تأكيدات بوجود قتلى وجرحى من الجانب الثاني من فصائل مسلحة وأجهزة أمنية، وفق تقديرات وكالة رويترز. ما دفع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإعلان حظر التجوال في عموم البلاد عدا الأطباء والصيادلة وأصحاب الأفران، تفاديا لتوسع المصادمات بين أنصار التيار الصدري والقوى الأمنية، وبين الصدريين وأنصار الإطار التنسيقي، وأيضا تعليق عمل مجلس الوزراء بعد اقتحامه من قبل المتظاهرين. فيما هاجمت عناصر مسلحة مقر سرايا السلام، الجناح المسلح التابع لـ التيار الصدري، في البصرة الواقعة في أقصى جنوب العراق، مع تعالي أصوات إطلاق النيران، في العاصمة العراقية بغداد وتصاعد أعداد الضحايا ونتيجة لكل تلك الاحداث الدامية، أعلن رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي حسن العذاري، عن قيام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالإضراب عن الطعام حتى يتوقف العنف في العراق. أولا-أسباب التصعيد: -الصراع الشيعي الشيعي حوّل العراق لدولة احزاب: وفي ظل الصراع الشيعي الشيعي، صارت العراق دولة أحزاب، وأوليغارشية اقتصادية لكل منها، منذ نهاية 2003 إلى هذا اليوم كان صراعها يتمحور حول الزعامة الروحية، ومن بعدها يأتي تباعاً كل ما يقترن بهذه الزعامة من مقدرات قيادية السياسية، والاقتصادية، والعسكرية ثم الهيمنة على صانعي القرار السياسي وتوجيهه بما يخدم الرؤية، والأفكار، والمعتقد الديني، والتي تعتقد بها هذه الزعامة. وفي العراق ثلاث مجموعات تحاول الهيمنة من العراق الشيعي وزعامته الروحية، وهم كل من: الإطار التنسيقي: الذي يمثل امتداد (الولاية الفقيه العامة)، ومرجعية السيد السيستاني، والتكتلات الدينية والسياسية التي تجتمع من حولها المتمثلة (بالولاية الخاصة)، ومرجعية بيت الصدر الممثلة بالسيد مقتدى الصدر (قيادة لا تمثل التقليد). وهذه المجموعات لن ترتضي لنفسها أن تسود أي منها على الأخرى. بمعنى أنه لن تقبل أي واحدة أن تتحكم بمصيرها، فضلاً عن منافستها، وبالتالي تنتزع عنها السلطة، وجميع مكتسباتها. وأن هذا النظام كان البارحة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار بشكل نهائي. ففي النهاية ليس هناك ضعيف أو قوي، بل لكل واحد منهم نقاط ضعفه، وقوته، ولكل واحد منها مساحته التي يمارس من خلالها سلطته، ونفوذه، وزعامته، التي يجب أن يدركها قبل فوات الأوان. وقد تسببت الصراعات في شل قوة العراق واقتصادها، وجعلها رهينة لأحزاب، تقدم ولاء الطائفة على حساب الوطن… -الأزمة السياسية حول تشكيل الحكومة الممتدة منذ أكتوبر الماضي: وجاءت أحداث العنف والاقتحامات الأخيرة، على خلفية أزمة سياسية تعايشها العراق منذ أكتوبر الماضي.. وذلك منذ الانتخابات البرلمانية أكتوبر 2021، حيث عجز أعضاء مجلس النواب العراقي عن تشكيل حكومة ائتلافية مستقرة، أو انتخاب رئيس جديد ما نجم عن وقوع النظام السياسي بمأزق، واشتد التوتر منذ انتخابات البرلمان المبكرة في 10 أكتوبر 2021 التي برزت فيها التيار الصدري كأكبر كتلة لها 74 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 وتراجعت حصة الفصائل المدعومة من إيران إلى 17 من 48 سابقًا. وعلى الرغم من تضاؤل عدد ممثليها في البرلمان، فقد تمكنت الجماعات المتحالفة مع إيران من إحباط الصدر من خلال حرمانه من الحصول على ثلثي النصاب القانوني اللازم لانتخاب رئيس دولة كردي وشعر الصدر بالإحباط من هذا المأزق وطلب من نوابه الانسحاب من البرلمان في يونيو 2022، وأخلت هذه الخطوة عشرات المقاعد للإطار التنسيقي، مما يعني أنه قد يحاول تشكيل حكومة من اختياره، رغم أن ذلك قد يجازف بإغضاب الصدر ثم طرح خصوم الصدر مرشحا وهو محمد شياع السوداني، الذي يعده أنصار الصدر من الموالين للمالكي، أحد أهم خصوم الصدر، مما أشعل فتيل الاحتجاجات وهددت العراق بحرب أهلية. -التواطؤ الأمريكي مع السياسة الايرانية بالعراق: ولعل ما يفاقم الأوضاع المطربة في لعراق، هو ما يمكن تسميته تواطؤ الإدارة الأمريكية مع طهران، في سياق سعيها لإتمام الاتفاق النووي معها، وتكررت مظاهر هذا التواطؤ أو محاولة الابتعاد عن اغضاب إيران من قبل واشنطن عدة مرات مؤخرا، فقد جاءت الضربة الجوية الأميركية في جنوب شرقي سورية في 24 أغسطس الماضي ضد مواقع لجماعات محسوبة على إيران، كانت ملتوية. وقد قالت واشنطن أنّ العملية جاءت كردّ على هجوم 15 أغسطس الذي قامت به هذه المجموعات بالمسيّرات ضد موقع للقوات الأميركية في تلك المنطقة. ما تكشّف أنّ هذا الهجوم قامت به “مليشيات إيرانية متمركزة في وسط العراق”، وفق تغريدة مسؤول عسكري أميركي في المنطقة. وما عزّز روايته أنّ البنتاغون سارع إلى مطالبة هذا المسؤول بحذف التغريدة عن الموقع، من باب أنها “قد تساهم في تعقيد الأمور مع الجهات الإيرانية”. بذلك، اتضح أنّ إدارة بايدن اختارت الردّ خارج العراق، تجنباً للتداعيات المحتملة على المساومات الجارية في الحلقة الحاسمة من مفاوضات فيينا. أخذ الحساسية الإيرانية في الاعتبار إلى هذه الدرجة، يؤكد مرة أخرى مدى حرص الإدارة الأميركية على تمرير تجديد اتفاق 2015 النووي من دون تأخير أو عراقيل. وقد تبدّى مدى هذا الحرص من خلال إفشالها محاولات العرقلة التي قامت بها إسرائيل في الأيام الأخيرة عبر الزيارات المتتالية لثلاثة من كبار مسؤوليها (مستشار الأمن القومي، ووزير الأمن، ثم رئيس الموساد) ولقاءاتهم مع نظرائهم الأميركيين، والتي لم يتسرب عنها الكثير؛ لكن مجيء الواحد منهم بعد الآخر، وفي غضون أيام، يدلّ على أنّ مهمتهم كانت مستعصية. كذلك، يدل على أنّ إسرائيل استشعرت أنّ الصفقة اقتربت من خواتيمها، بما اقتضى حضورها في واشنطن بمثل هذا الزخم الرسمي المتوالي. لكن خطاب الإدارة ما زال حتى اللحظة على حاله؛ في أساسه مقولة إنّ “العودة إلى تطبيق…

تابع القراءة
قراءة في أسباب الإطاحة بطارق عامر من رئاسة البنك المركزي

قراءة في أسباب الإطاحة بطارق عامر من رئاسة البنك المركزي

جاءت الإطاحة بطارق عامر محافظ البنك المركزي في “17” أغسطس 2022م، وتعيين حسن عبدالله في اليوم التالي قائما بأعمال محافظ البنك لتثير كثيرا من التساؤلات حول أسباب الإطاحة بعامر أولا، ثم أسباب  اختيار حسن عبدالله كقائم بالأعمال وليس محافظا للبنك من جهة ثانية، والأهم هو مدى تأثير هذا التغيير على السياسات النقدية خلال المرحلة المقبلة في ظل تأزم الأوضاع بصورة غير مسبوقة مع هروب الأموال الساخنة وشح السيولة الدولارية في الوقت الذي لا يزال النظام يجري مباحثات شاقة مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض هو الرابع من نوعه منذ الاتفاق الأول في نوفمبر 2016م. ولم تعلن قيمة هذا القرض، لكن بنوك استثمار أميركية قدرته بـ15 مليار دولار. وتحتاج مصر إلى 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة بحلول نهاية عام 2023، وتواجه خطر نضوب احتياطاتها من النقد الأجنبي إذا لم تحصل على قروض جديدة، وذلك في ظل موجة هروب استثمارات (أموال ساخنة) بقيمة 20 مليار دولار هذا العام، وفق بيانات حكومية. وشهد احتياطي البلاد من النقد الأجنبي انخفاضا بنحو 20% إلى 33.14 مليار دولار هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتدفقات رأس المال الخارجة وتكاليف الاقتراض المتزايدة. وبلغ الدين الخارجي لمصر أعلى مستوياته على الإطلاق، وارتفع بنسبة 17% على أساس سنوي ووصل إلى 157.8 مليار دولار في 3 أشهر من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2022م. الملاحظة المهمة في الموضوع أن الإطاحة بعامر وتعيين حسن عبدالله جاءت بعد ثلاثة أيام فقط من تعديل وزاري السبت 13 أغسطس 2022م، مس 13 وزيرا بحكومة مصطفى مدبولي أبرزهم طارق شوق وزير التعليم المغضوب عليه شعبيا؛ حيث تم استدعاء نواب البرلمان من أجازتهم ، وفي جلسة طارئة استغرقت دقائق وافق النواب على التعديل الوزاري دون حتى معرفة أسماء الوزراء الجدد قبل التصويت على التعديل، أو الاطلاع على سيرهم الذاتية، وهو ما أثار حالة من الغضب بين مجموعة من النواب، الذين رفضوا رفع أيديهم للموافقة على التعديل. إضافة إلى أن التعديل الوزاري لم يقترب من الوزراء المقربين  من السيسي والمحسوبين على الدائرة الضيقة المقربة منه رغم فشلهم في الملفات الموكلة إليهم، بخلاف أن بعضهم تلاحقه اتهامات بالفساد؛ على غرار وزراء الخارجية سامح شكري، والعدل عمر مروان، والمالية محمد معيط، والأوقاف محمد مختار جمعة، والنقل كامل الوزير، والكهرباء محمد شاكر، والبترول طارق الملا، والإسكان عاصم الجزار، والتموين علي المصيلحي.[[1]] والإطاحة بعامر والإبقاء على معيط وزير المالية رغم أن الفشل يلاحقهما في الملف الاقتصادي  والمالي يحمل دلالات غير خافية تؤكد السخط على الأول والرضا عن الثاني في ظل غياب المعلومات وانعدام الشفافية. الملاحظة الثانية، أن شائعة انتشرت قبل إقالة عامر بيومين بشكل رسمي تؤكد الخبر لكن جمال نجم، النائب الأول لمحافظ البنك المركزي أكد عدم صحتها، ووصفها بـ”الشائعات الملفقة” التي تؤثر سلبا على البنك المركزي والمصارف المحلية. وذهب نجم -وفق بيان نشر على وكالة أنباء الشرق الأوسط- إلى القول إن “الشائعات مدفوعة بأغراض ومصالح وأطماع من يقف وراء ترويجها، خاصة في ظل الدور الكبير الذي يقوم به البنك المركزي في حماية نحو 9 تريليونات جنيه (الدولار = 19.15 جنيها)، تمثل ودائع المواطنين التي يتم الحفاظ عليها وفقا لقواعد رقابية صارمة ومشددة”.  لكن عامر تمت الإطاحة به رغم أن ولايته الثانية كمحافظ للبنك المركزي  يفترض أن تنتهي في نوفمبر 2023م؛ وكان طارق عامر تولى مهامه محافظا للبنك المركزي بقرار جمهوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ثم أصدر السيسي قرارا بالتجديد له لفترة ثانية من 2019 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2023.[[2]] وتتضمن المادة 216 من الدستور آلية تعيين رؤساء الهيئات المستقلة، ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيين محافظ البنك المركزي، لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد، مرة واحدة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه. وبعد الإطاحة به وتعيين حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي تم تعيين عامر مستشارا للسيسي. الملاحظة الثالثة، أن السيسي فضل تعيين قائم بالأعمال على رأس البنك المركزي على تعيين محافظ جديد للبنك؛ وهي السياسة التي يتبعها السيسي حاليا في كثير من المناصب الحساسة بالدولة؛ فبعد تعيين حسن عبدالله قائما بأعمال رئيس البنك المركزي في 18 أغسطس 22؛ أصدر السيسي في الثلاثاء 30 أغسطس 22م، قرارا بتعيين نائب رئيس هيئة الرقابة الإدارية، عمرو عادل على حسني، قائمًا بأعمال رئيسها، لمدة عام، وهي المرة الثالثة على التوالي التي يعين فيها السيسي قائمًا بالأعمال بدلًا من تعيين رئيس للهيئة. هذه السياسة بدأها الجنرال منذ 2018م حين أقال اللواء محمد عرفان من رئاسة هيئة الرقابة الإدارية؛ تعتبر بحسب ـ فقهاء دستوريين ــ بدعة باتت السلطة تعتمدها مؤخرًا لإفراغ نصوص الدستور والقانون من مضمونها؛ لأن المادة 216 من الدستور تنص على أن «يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويحظر عليهم ما يحظر على الوزراء». وبالتالي فالدستور حدد آلية لتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية والجهات المستقلة تضمن أن يكون قرارهم مستقلًا عن أجهزة الدولة، وذلك باشتراط موافقة مجلس النواب، وأن يكون التعيين لمدة أربع سنوات، والمتعارف عليه أن اللجوء إلى تعيين قائم بالأعمال يكون في الحالات الطارئة مثل مرض رئيس الجهة أو وفاته، ويكون لمدة محددة. والإفراط في اللجوء إلى مثل تلك القرارات يعطي انطباعًا بأن تلك الجهات (الرقابة الإدارية ــ الجهاز المركزي للمحاسبات ـ البنك المركزي وغيرها) غير مستقلة؛ لأن القائم بأعمال رئيس الهيئة يمارس اختصاصات الرئيس ويعامل بروتوكوليًا كرئيس لكنه يتقاضي راتب نائب، واستمراره في المنصب مرهون بقرار من رئيس الجمهورية بمعزل عن الحصانة التي منحها الدستور لرؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة.[[3]] الملاحظة الرابعة أن حسن عبدالله الذي عينه السيسي قائما بأعمال محافظ البنك المركزي شغل سابقًا منصب رئيس مجلس إدارة البنك العربي الإفريقي الدولي، وهو عضو سابق في لجنة سياسات الحزب الوطني المُنحل. وسبق وأطاح عامر بعبد الله من رئاسة مجلس إدارة البنك العربي الإفريقي، في 2018، على خلفية اتهامات بالفساد واستغلال المنصب لمنح كبار العملاء تسهيلات ائتمانية بقيمة تتجاوز تسعة مليارات جنيه، إلى جانب ارتكاب مخالفات وصفها المركزي وقتها بالجسيمة.[[4]] وكالعادة لم يتم التحقيق في هذه الاتهامات رغم أنها صادرة من البنك المركزي لأن عبدالله يحظى بحماية خاصة من جانب جهاز المخابرات العامة وتمت مكافأته بدلا من التحقيق معه في هذه الاتهامات لبيان مدى صحتها من عدمه؛ فتم تعيينه رئيسا للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التابعة لجهاز المخابرات العامة. وهو المنصب الذي كان فيه قبل تعيينه قائما بأعمال محافظ البنك المركزي. ن الملاحظة الخامسة تتعلق بأسباب الإطاحة بعامر:[[5]] فالسبب الأول هو توسع البنك المركزي في عهد طارق عامر على مشتريات الأجانب من أذون وسندات الخزانة المصرية (الأموال الساخنة)، واستمراره في…

تابع القراءة
تجدُّد الصراع في الداخل الإثيوبي.. الأسباب والتداعيات

تجدُّد الصراع في الداخل الإثيوبي.. الأسباب والتداعيات

بعد هدنة استمرَّت خمس أشهر؛ تداولت مصادر في نهاية شهر أغسطس الماضي بأن غارة جوية شنَّتها الحكومة الإثيوبية، استهدفت روضة أطفال في منطقة شمال تيجراي أسفرت عن قتل سبعة أشخاص على الأقل بينهم أطفال، في الوقت الذي انزلقت فيه المنطقة المنكوبة بالجوع في جولة جديدة من القتال. والهجوم جاء بعد يومين من القتال على الحدود الجنوبية الشرقية لتيجراي، ما أدى إلى خرق الهدنة بين الحكومة وجبهة تحرير تيجراي، للسماح بوصول الإمدادات إلى المنطقة التي كانت تحت حصار عقابي فرضته الحكومة معظم العام الماضي. وهكذا نحاول الإجابة في هذا التقرير على مجموعة من التساؤلات، أبرزها: كيف تطورت حرب التيجراي؟ وكيف تجدَّد الصراع؟ وما أسبابه؟ وكيف يُمكن توقُّع تداعياته؟       مراحل تطور الحرب ضد التيجراي: في 4 نوفمبر 2020، بدأ رئيس الوزراء أبي أحمد حملة عسكرية في منطقة تيجراي الشمالية، على أمل هزيمة جبهة تحرير شعب تيجراي، ألد أعدائه السياسيين. ورغم وعد أبي بشن حملة سريعة، فقد عانى الجيش الإثيوبي هزيمة كبيرة في يونيو 2021 عندما أجبر على الانسحاب من تيجراي. بعد ذلك، انتقل القتال إلى الجنوب، وأواخر أكتوبر استولى متمردو التيجراي على بلدتين بالقرب من العاصمة أديس أبابا، بينما أعلنت الحكومة حالة الطوارئ ودعت المواطنين إلى تسليح أنفسهم. لكن الطائرات بدون طيار التي تم الحصول عليها من الحلفاء في إيران وتركيا قلبت الموازين، فقد أشارت سلسلة الانتصارات -نهاية عام 2021- إلى أن الحكومة الإثيوبية كانت تستعيد موطئ قدمها في ساحة المعركة. وفي 24 مارس 2022، أعلنت الحكومة الإثيوبية ما أسمتها “هدنة إنسانية” مع القوات المتمردة، قائلةً إنها لجأت إليها لأن آلاف الأشخاص من تيجراي -حيث لم يتم تسليم المساعدات الغذائية منذ ديسمبر- بدأوا التدفق على المناطق الحدودية طلبًا للمساعدة. ورغم الهدنة، لا تزال البلاد -التي تعاني أيضًا جفافًا شديدًا- تواجه اضطرابات داخلية، ووردت أنباء عن مئات من حالات القتل العرقي في منطقة أروميا المضطربة. واتهم مسؤولون إثيوبيون جيش تحرير أرومو بتنفيذ الهجمات، وتقول الجماعة إن الميليشيات الموالية لأبي نفذتهم. وفي أغسطس، بعد أسابيع من الحشد العسكري على جانبي خط المواجهة، اندلع القتال على حدود منطقة تيجراي، ما أدى إلى تحطيم الهدنة التي استمرت خمسة أشهر بين المتمردين والحكومة، حيث اتهم كل جانب الآخر بإطلاق النار أولًا.[1]   ومن هذا السرد السريع للأحداث؛ يُمكن تقسيم الصراع في تيجراي إلى مجموعة مراحل؛ حيث مرحلة تفوق القوات الحكومية: الذي استمر منذ نوفمبر 2020 حتى يونيو 2021، حيث نجحت قوات آبي أحمد في بداية الصراع في السيطرة على إقليم تيجراي بعد فرار قوات دفاع تيجراي وقادة الجبهة؛ الأمر الذي دفع آبي أحمد إلى تنصيب حكومة إقليمية جديدة موالية له في الإقليم. وقد شهدت هذه المرحلة تورط القوات الإريترية وميليشيات عرقية الأمهرا في الصراع. ثم مرحلة استعادة سيطرة قوات التيجراي على الإقليم: وذلك في أواخر يونيو 2021 حتى نوفمبر 2021، حيث استطاعت قوات دفاع تيجراي إلحاق الهزيمة بالقوات الحكومية وطردها من العاصمة ميكيلي اعتمادًا على تكتيك حرب العصابات. كما تحولت استراتيجيتها العسكرية من حالة الدفاع في داخل الإقليم إلى حالة الهجوم خارج الإقليم حيث لاحقت قوات دفاع تيجراي القوات الحكومية في إقليمي عفر وأمهرا؛ الأمر الذي دفع آبي أحمد إلى تكرار الدعوة للحشد والتعبئة العامة للمواطنين كافة للانخراط في القتال ضد جبهة تحرير تيجراي، كما دعا حكومات الأقاليم الإثيوبية إلى إرسال قوات خاصة للمشاركة إلى جانب القوات الحكومية في مناطق القتال. ومع ذلك لم تستطع تلك القوات هزيمة قوات دفاع تيجراي التي كانت تمتلك العديد من الخبرات والقدرات القتالية. ثم مرحلة انسحاب جبهة تحرير تيجراي من الصراع: مع استمرار قوات دفاع تيجراي في التقدم نحو العاصمة أديس أبابا، أعلن آبي أحمد في 22 نوفمبر 2021 الانضمام إلى قواته وقيادتها في مناطق القتال، حيث استطاعت القوات الحكومية إعادة السيطرة على بعض المدن الاستراتيجية من قوات دفاع تيجراي وتحقيق تقدم استراتيجي وعسكري على الأرض، ويُفسر تراجع قوات تيجراي في هذا التوقيت اعتماد آبي أحمد على الطائرات المسيَّرة، التي حصل عليها من بعض الأطراف الإقليمية والدولية.[2]   تجدُّد الصراع: تجدَّد الصراع من جديد في إقليم تيجراي الإثيوبي، حيث تبادل جيش الجبهة الشعبية والقوات الفيدرالية الإثيوبية وميليشياتها إطلاق النيران، واتهم كلاهما الآخر بالمسئولية عن خرق وقف إطلاق النار الذي أُقر في مارس الماضي. اندلع قتال حول مدينة كوبو شمالي إثيوبيا اليوم الأربعاء، بين قوات تابعة لجبهة تحرير شعب تيجراي من جهة، والقوات الحكومية من جهة أخرى، لتنتهي بذلك هدنة صمدت نحو خمسة أشهر. ووقعت الاشتباكات حول مدينة كوبو على حدود الإقليم، وفقًا لما أفاد به متحدث باسم قوات تيجراي. من جانبه، أعلن جيش الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي أن الجيش الإثيوبي الاتحادي شنَّ هجومًا جديدًا، صباح الأربعاء 24 أغسطس، ضد إقليم تيجراي في شمال إثيوبيا. وقال بيان القيادة العسكرية لتيجراي “شنَّت القوات الإثيوبية، إلى جانب القوات الخاصة الأمهرا وميليشيات الأمهرا، هجومًا واسع النطاق حوالي الساعة الخامسة صباحًا في اتجاه ألاماتا، جنوب تيجراي”. ورد جهاز الاتصال الحكومي الإثيوبي، ببيان قال فيه إنه تم استئناف الأعمال العسكرية بين الجيش الاتحادي وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بعد فترة هدوء في الأشهر القليلة الماضية. وألقت الحكومة الفيدرالية باللوم على قوات التيجراي في استئناف الأعمال العدائية العسكرية، وقال البيان “بغض النظر عن كل خيارات السلام التي قدمتها الحكومة والجماعة الإرهابية، شنَّت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هجومًا صباح اليوم على الجبهة الشرقية في اتجاهات بيسو بير وزوبل وتكوليش ابتداءً من الساعة الخامسة صباحًا”. مُضيفًا أن قوات تيجراي “خرقت رسميًا وقف إطلاق النار”. وكانت المُتحدثة باسم رئيس الوزراء آبي أحمد قد اتَّهمت خلال تصريحات أدلت بها قبلها بأسبوع سلطات تيجراي بأنها ترفض قبول محادثات السلام.[3] وهكذا يلقي الطرفان باللوم في تجدُّد القتال أحدهما على الآخر. وأفاد سكان المنطقة بسماع دوي انفجارات ضخمة منذ ساعات الصباح الباكر، وأن اليومين الماضيين شهدا تحركات لجنود إثيوبيين، وقوات خاصة من الأمهرا، ومتطوعين من ميليشيا فانو. وأضافوا أنهم لا يعرفون أيّ الجانبين هو الذي بدأ القتال، حيث يتعذَّر الوقوف على وضع قوات جبهة التيجراي، لا سيما في ظل انقطاع اتصالات الهاتف داخل الإقليم منذ أكثر من عام.[4]   أسباب تجدُّد الصراع: يُمكن عزو أسباب تجدُّد الصراع إلى مجموعة من العوامل؛ كالتالي: على مستوى الداخل الإثيوبي: الوضع في إثيوبيا بالغ التعقيد والتشابك، وهو يعكس أزمة بناء الدولة الإثيوبية نفسها. فمن ناحية؛ يوجد الصراع الرئيسي بين الحكومة الفيدرالية وجبهة التيجراي، يرتبط برؤيتهما المتعارضة حول ماهية النظام السياسي الإثيوبي وكيف ينبغي تشكيله- على أساس المركزية السياسية أو الفيدرالية العرقية. ومن ناحية ثانية؛ هناك الصراع بين أمهرا والتيجراي على مفهوم الأرض المتنازع عليها تاريخيًا، حيث أنه في جوهره بمثابة حرب إقليمية على أوطان متخيلة. ومن ناحية ثالثة؛ هناك الصراع بين إريتريا والتيجراي، والذي يُعد…

تابع القراءة
اشتباكات طرابلس بين قوات باشاغا والدبيبة.. الدوافع والتداعيات والمسارات

اشتباكات طرابلس بين قوات باشاغا والدبيبة.. الدوافع والتداعيات والمسارات

شهدت العاصمة الليبية طرابلس، في 26 و27 أغسطس 2022، اندلاع مواجهات مسلحة في منطقتي  باب بن غشير وشارع الزاوية وسط طرابلس بين قوى مؤيدة لحكومة الاستقرار المفوضة من البرلمان الليبي بقيادة “فتحي باشاغا”، وعلى رأسها الكتيبة 777 بقيادة “هيثم التاجوري” والقوات التابعة لأسامة الجويلي من جانب، وجهاز “دعم الاستقرار” بقيادة “عبد الغني الككلي”، وهي القوات المؤيدة لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة من جانب أخر[1]. وذلك بعد محاولة قوات التاجوري والجويلي الاستيلاء على أراضٍ في طرابلس من عدة اتجاهات، لتصطدم بقوات دعم الاستقرار المساندة لحكومة الوحدة الوطنية، ولتنشب مواجهات عنيفة باستخدام الأسلحة الخفيفة والرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون[2]. وتعد هذه الاشتباكات هي الاعنف منذ محاولة خليفة حفتر الاستيلاء على طرابلس عام 2019، حيث شهدت انخراط العديد من المجموعات المسلحة من غرب ليبيا، فعلى الرغم من أن الصراع كان قد بدأ بين “جهاز دعم الاستقرار” وكتيبة 777، إلا أنه سرعان ما اتسعت نطاق الاشتباكات لتشمل محاولة المجموعات المسلحة التابعة لحكومة باشاغا دخول طرابلس عبر ثلاث جبهات، من الجبهة الغربية عبر المجموعات القادمة من الزاوية، والجبهة الجنوبية عبر القوات المسلحة القادمة من الزنتان بقيادة أسامة الجويلي، وأخيراً الجبهة الشرقية من خلال القوات القادمة من مصراتة بقيادة “سالم جحا”. كما اتسعت الاشتباكات في وسط العاصمة طرابلس وأمتدت إلى عدة أحياء سكنية خصوصاً منطقتي باب بن غشير وشارع الزاوية وشارعي الصريم والجمهورية وسط طرابلس، الأمر الذي أسفر عن سقوط 32 قتلاً ونحو 160 جريحاً. وقد استمرت الاشتباكات لنحو يومين قبل أن تتوقف بشكل مفاجئ، وهو ما يعكس احتمالات وجود تحذيرات غربية (أمريكية بالأساس) من أجل توقف التصعيد[3]. وتسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي دوافع الصراع بين الطرفين، وتداعيات هذا الصراع ومستقبله.   أولًا: سياق الصراع بين الدبيبة وباشاغا ودوافعه: يمكن تفهم الدوافع والأسباب التي تقف خلف هذا التصعيد الحالي من خلال التعرف علي تطورات الأزمة الليبية عمومًا وفي طرابلس خصوصًا، والتي جاء التصعيد الأخير في سياقها، والتي تتمثل أبرزها في: 1- سياسيًا: على الرغم مما شهدته الساحة الليبية في الأشهر الأخيرة من تراجع نسبي للتفاعلات الصراعية والنزاعات المسلحة، إلا أن المشهد طغى عليه في المقابل حالة التأزم والاستقطاب السياسي، وتعدد هيئات الحكم التي تتنازع الحكم فيما بينها، خصوصًا مع تفويض مجلس النواب الليبي في فبراير 2022 لوزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا من أجل تشكيل حكومة جديدة تقود البلاد، وهي الخطوة التي رفضها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، والذي أعلن عن تمسكه بالسلطة حتي تسليمها لحكومة منتخبة[4]، مستندًا في بقاء حكومته إلى مخرجات ملتقى الحوار الليبي الذي رعته الأمم المتحدة، بينما يرفض البرلمان تلك الرؤية، ويصر على سحب الثقة منه بدعوى فشل حكومته في المهام الموكلة إليها بمحاربة الفساد وتوحيد مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، والأهم عجزه عن إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في 24 ديسمبر 2021. يزيد الأمور تعقيدًا أن الانتخابات تأجلت إلى أجل غير مسمى، مع تأكيد الدبيبة أنه لن يسلم السلطة إلا عبر انتخابات، إذ أكد الرجل مرارًا أنه لن يقبل بأي صيغة أخرى للخروج من منصبه[5]، وفي ظل الانشغال الدولي بعدد من القضايا الأكثر إلحاحاً مثل الأزمة الأوكرانية، يبدو أنه قد تولدت قناعة لدى طرفي الصراع بأن الحل العسكري ربما يكون هو المحدد الحاسم. فضلًا عن الموقف التركي الحيادي وغير الداعم لأي طرف على حساب الأخر، ربما يكون قد وصل رسائل غير ملتبسة لطرفي الصراع بأن هذه إشارة غير مباشرة من أنقرة بعدم ممانعتها لحسم الصراع عسكريًا[6]. في ذات السياق، امتدت حالة الاستقطاب السياسي التي تشهدها البلاد لتشمل الجوانب التشريعية؛ ففي ظل الخلافات بين مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة، فشلت جهود ومحاولات بناء قاعدة دستورية مستقرة تُمهد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في ليبيا، بما يضمن تجاوز المرحلة الانتقالية[7]. 2- أمنيًا: بعد حرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر الفاشلة على العاصمة الليبية في عام 2019، شهدت العاصمة طرابلس أربعة مشاريع حروب متتالية، منذ تكليف مجلس النواب المنعقد في طبرق، في فبراير 2022، باشاغا بتشكيل حكومة لتكون بديلة عن حكومة الدبيبة المستقرة في طرابلس. وكانت الحرب الأولى على وشك الوقوع، حين كانت مليشيات من مدينة مصراتة، تابعة لباشاغا، على مشارف العاصمة الليبية، في 10 مارس الماضي، بهدف اقتحامها، قبل أن تتراجع لفتح المجال لمفاوضات سياسية. في المرة الثانية، تمكنت “قوة دعم الاستقرار” التابعة للدبيبة، في مايو الماضي، من تدمير مقار قوة “لواء النواصي” في مصيف طرابلس، وقاعدة بوستة البحرية، بعدما مكّنت هذه القوة باشاغا من دخول طرابلس لساعات. أما المرة الثالثة، فقد كانت في 22 يوليو الماضي، عندما هاجمت “قوة الردع” مقار “كتيبة ثوار طرابلس” في عين زاره، بعدما ظهرت على هذه الكتيبة علامات الميل لصالح معسكر باشاغا. أما “الحرب” المصغرة الرابعة، فاندلعت في 26 و27 أغسطس الحالي، عندما هاجمت “قوة دعم الاستقرار” مقرات “الكتيبة 777”[8]. وتأتي تلك الحرب الأخيرة، بعدما تصاعدت حدة الخطاب بين باشاغا والدبيبة، فبينما طالب باشاغا من حكومة الدبيبة تسليم السلطة بشكل سلمي لتجنب البلاد اندلاع صراعات جديدة، داعياً المجموعات المسلحة الموالية للدبيبة إلى الانضمام الى الشرعية، في المقابل هدد “عبد الحميد الدبيبة” باستخدام القوة ضد أي محاولة لدخول طرابلس[9]. وقد ترافق حدة الخطاب بين الرجلين مع تكثيف حالة الحشد العسكري التي كانت قد سبقت الاشتباكات، والتي كانت تنبئ بشكل واضح بأن الأوضاع تتجه نحو التصعيد العسكري، خاصةً مع حشد باشاغا لقواته على حدود العاصمة من عدة جبهات، فيما كانت قوات الدبيبة تتمركز داخل طرابلس وتعيد نشر عناصرها للاستعداد لأي هجوم محتمل[10]. فقد شهدت الأسابيع الاخيرة تحركات مكثفة من قبل باشاغا في غرب ليبيا، نجح خلالها من حشد دعم واسع من المجموعات المسلحة في الغرب، خاصةً في مصراته والزاوية والزنتان، فضلاً عن الدعم القبلي الواسع لباشاغا في غرب ليبيا، وهو ما انعكس في اللقاءات التي عقدها مؤخراً مع عدد من أعيان وحكماء غرب ليبيا، والتي أعلن بعدها عن وجود دعوات مكثفة له للدخول إلى العاصمة. وقد رصدت بعض التقارير وصول مجموعات مسلحة قادمة من مصراته بقيادة “سالم جحا”، وقد تمركزت هذه المجموعات في جنوب طرابلس عند منطقة “العزيزية”، إلى جانب المجموعات المسلحة من الزنتان والتي يقودها “أسامة الجويلي”[11]. وفي المقابل، بادر عدد من القيادات الموالية للدبيبة إلى تفعيل ما كان يعرف باسم “مجلس طرابلس العسكري”، تزامنًا مع تحركات لأرتال تابعة للدبيبة بهدف تأمين مداخل ومخارج المدينة الجنوبية والغربية والشرقية، بالإضافة إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى مطار طرابلس المغلق. وبدأت الميليشيات المسلحة الموالية لـ “الدبيبة” والتي يرأسها عبد الغني الككلي، والتي يُطلق عليها “قوات حماية الدستور”، في التمركز على طريق مطار طرابلس الدولي[12]. كما أصدر الدبيبة قراراً باعادة هيكلة “جماعة القوة المشتركة مصراتة” تحت مسمى جديد هو “لواء ليبيا”، وتكليفها بحماية مقر رئاسة الحكومة بالعاصمة طرابلس[13]….

تابع القراءة
جولة بايدن في الشرق الأوسط: الأهداف والنجاحات والاخفاقات

جولة بايدن في الشرق الأوسط: الأهداف والنجاحات والاخفاقات

أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن أول زيارة له، بوصفه رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، إلى منطقة الشرق الأوسط، في الفترة 13-16يوليو 2022، شملت إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والمملكة العربية السعودية[1]. وقد طرح الرئيس بايدن أربعة أهداف من وراء زيارته لمنطقة الشرق الأوسط، أشار إليها في مقالته التي نشرها بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية يوم 9 يوليو الجاري بعنوان: “لماذا أذهب إلى السعودية؟”، وفي التصريحات العديدة له، ولوزير خارجيته بلينكن، ولمستشاره للأمن القومي سوليفان؛ وهي عدم سماح واشنطن بوجود فراغ في المنطقة تملؤه الصين وروسيا، وإقامة تجمُع وتنسيق عسكري جوي بين دول المنطقة بما فيها إسرائيل ضد التهديد الإيراني للأمن الإقليمي، والعمل على دمج إسرائيل في منظومة العلاقات الإقليمية وتفاعلاتها والبناء على ما تحقق في الاتفاقيات الإبراهيمية، وإقناع دول الخليج لإنتاج المزيد من النفط والغاز لتعويض النقص الذي سببته الحرب الروسية في أوكرانيا[2]. وقد أسفرت تلك الجولة عن ثلاث وثائق رسمية: الأولى حملت عنوان “الإعلان المشترك بشأن الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل”، وصدرت في أعقاب لقاء جرى في مدينة القدس في 14 يوليو بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد. وحملت الوثيقة الثانية عنوان “بيان أميركي حول العلاقة الأميركية الفلسطينية”، وصدرت عقب لقاء الرئيس الأميركي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيت لحم في 15 يوليو. أما الوثيقة الثالثة فحملت عنوان “البيان الختامي”، وصدرت في أعقاب القمة العربية الأميركية “قمة جدة للأمن والتنمية”، التي عقدت في مدينة جدة في 16 يوليو وحضرها، إلى جانب الرئيس الأميركي، قادة دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والكويت) بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق. وتعكس هذه الوثائق الثلاث بدقة، سواء من حيث الشكل أو المضمون، مستوى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لعلاقتها بالأطراف الثلاثة الذين شملتهم الجولة، وهم: الطرف الإسرائيلي، والطرف الفلسطيني، والطرف العربي[3]. وهو ما سنحاول توضيحه خلال السطور القادمة، مع توضيح أهداف كل طرف وما تم إنجازه من تلك الأهداف وما فشلت في تحقيقه.   أولًا: الطرف الأمريكي: يسعي الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال هذه الجولة إلي تحقيق عدة أهداف لعل أبرزها: 1- إبعاد حلفائها في الخليج، وعموم منطقة الشرق الأوسط، عن الصين وروسيا، والتأكيد على شراكاتها الاستراتيجية معهم. فقد كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن مدى تراجع النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا في ضوء انكفاء واشنطن عنها وتراجع اهتمامها بها، ولا سيما بعد الانسحاب من أفغانستان؛ إذ رفض أغلب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما فيهم السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتجاهلت السعودية والإمارات طلبات أميركية متكررة بزيادة إنتاجهما من النفط لخفض الأسعار، وتسهيل استغناء أوروبا عن النفط الروسي. ومن هذا الباب، أرادت إدارة بايدن أن تعلن عبر هذه الجولة عودتها بقوة إلى المنطقة وأنها “لن تنسحب منها وتترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا”، خاصة في ظل تزايد التقارير الاستخبارية التي تؤكد تنامي نفوذ الصين الاقتصادي في المنطقة، وسعي بعض حلفاء واشنطن الخليجيين لتعميق الشراكات التجارية القائمة، والتوصل حتى إلى شراكات استراتيجية معها ومع روسيا، ومحاولة شراء أسلحة منهما، بسبب التعقيدات التشريعية والإجرائية الأميركية في هذا المجال، وفي ضوء وقف واشنطن مبيعاتها من الأسلحة الهجومية، خاصة إلى السعودية. كما رصدت الاستخبارات الأمريكية سعي الصين لإنشاء قاعدة عسكرية لها في الإمارات، وسعيها للحصول على تكنولوجيا اسرائيلية متقدمة. وما يدعم من إمكانية نجاح واشنطن في تحقيق هذا الهدف، إن السعودية ودول الخليج الأخرى تبقى معتمدة على نحو كبير على الأنظمة الدفاعية الأميركية، ولن يكون تغييرها سهلًا. وقد تبيّن خلال ما تعرّضت له السعودية والإمارات مؤخرًا من هجمات صاروخية أن الصين وروسيا لا تمثّلان بديلًا على الإطلاق. وإضافة إلى ذلك، لا تطمح الصين إلى أن تؤدي دورًا أمنيًا في المنطقة أو منافسة واشنطن في هذا المجال، بل تركّز على تطوير علاقاتها الاقتصادية فيها، فضلًا عن أن علاقة الصين القوية بإيران تثير شكوكًا لدى الرياض وأبوظبي، الأمر الذي يمنع أيّ رهانات على دور لها في أيّ صراع مستقبلي مع طهران[4]. وبالنظر إلي النتائج التي أسفرت عنها جولة بايدن، يمكن القول أن الولايات المتحدة قد نجحت بصورة جزئية في تحقيق هذا الهدف؛ فقد عملت واشنطن علي تأكيد شراكتها الاستراتيجية مع دول الإقليم، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، وترجمة ذلك في مبادرات؛ تتعلق بأزمات الطاقة، فوفقاً لنص “بيان جدة” بشأن المباحثات الأمريكية – السعودية، وبيان “قمة جدة للأمن والتنمية”؛ توافق الجانبان السعودي والأمريكي على الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، ورحبت الولايات المتحدة بالتزام المملكة بدعم توازن أسواق النفط العالمية من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المُستدام. واتفق الطرفان على التشاور بانتظام بشأن أسواق الطاقة العالمية على المديين القصير والطويل، وكذلك العمل معاً كشركاء استراتيجيين في مبادرات المناخ وانتقال الطاقة. وفي مجال أمن الغذاء و الاستثمار في البنية التحتية في الدول مُنخفضة ومُتوسطة الدخل؛ وفقاً لإعلان “قمة جدة للأمن والتنمية”، توافقت مجموعة “التنسيق العربية”، التي تضم عشر مؤسسات تمويل تنموية وطنية وعربية ومتخصصة، على تقديم مبلغ لا يقل عن 10 مليارات دولار، لغرض الاستجابة لتحديات الأمن الغذائي إقليمياً ودولياً، وبما يتفق مع أهداف (خريطة الطريق للأمن الغذائي العالمي – نداء للعمل) التي تقودها الولايات المتحدة. كما قدمت واشنطن دعماً إضافياً بقيمة مليار دولار لتلبية حاجات الأمن الغذائي المُلحة على المديين القريب والبعيد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. علاوة على إعلان عدد من الشركاء من دول مجلس التعاون الخليجي خططها لاستثمار ما مجموعه 3 مليارات دولار في مشاريع تتوافق مع أهداف مبادرة الشراكة العالمية للاستثمار والبنية التحتية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة، وذلك للاستثمار في البنى التحتية الرئيسية في الدول مُنخفضة ومُتوسطة الدخل، بما في ذلك الاستثمار في مشاريع تعزز أمن الطاقة، والمناخ، والاتصال الرقمي، وتنويع سلاسل الإمداد العالمية. وتكشف هذه المبادرات عن سياسة احتواء جديدة تنتهجها واشنطن في مواجهة بكين بالشرق الأوسط. وهذه السياسة ترتكز على العودة وتكثيف الانخراط في الإقليم، خاصةً على المستوى الدبلوماسي، وذلك بمبادرات جديدة تتجاوز فكرة التركيز على الدور العسكري الأمريكي في المنطقة. كما تعمل واشنطن علي منافسة بكين في التكنولوجيا الجديدة، فخلال السنوات السابقة، نجحت بكين في تقديم نفسها بمنطقة الشرق الأوسط في مجالات التكنولوجيا الجديدة، خاصةً شبكة اتصالات الجيل الخامس G5، والتي تمثل واحدة من الشبكات المُتقدمة التي يُنظر لها باعتبارها ترتبط بالأمن القومي للدول. وفي هذا الإطار، عملت شركة “هواوي” الصينية على توقيع اتفاقيات مع الشركات السعودية لتوفير هذه الخدمة في المملكة. وهذا التطور دفع الولايات المتحدة إلى أن تجعل التنافس مع الصين في التكنولوجيا الجديدة جزءاً من أجندة زيارة بايدن للمملكة. وفي ضوء ذلك، تم توقيع مذكرة تعاون جديدة تربط شركات التكنولوجيا في كل من السعودية والولايات المتحدة؛ وذلك لتعزيز تطبيق تقنية الجيل الخامس باستخدام شبكات الراديو المفتوحة، وتمكين تطوير الجيل السادس عبر تقنيات…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022