قرار رفع الفائدة وخفض الجنيه.. أسبابه ونتائجه

قرار رفع الفائدة وخفض الجنيه.. أسبابه ونتائجه

    اتخذت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في جلسته الاستثنائية يوم الإثنين 21 مارس 2022م، قرارين مهمين للغاية: الأول، يتعلق بالمرونة في سعر صرف الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الأخرى، حيث تحدث بيان البنك عن إيمانه بأهمية مرونة سعر الصرف؛ وهو ما يعني تعويما نسبيا جديدا للجنيه بعد التعويم الأول الذي تم باتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي في 3 نوفمبر 2016م. والثاني هو رفع سعر الفائدة بنسبة 1% ليصل سعر الفائدة على الإيداع والإقراض إلى 9.25% و10.25%. في أعقاب البيان التقطت البنوك هذه الإشارة والسماح بتحريك سعر الجنيه مقابل الدولار بعد ست سنوات من التعويم النسبي حيث حافظ البنك المركزي على سعر الصرف عند الحدود المسموح بها من الدولة، وفي غضون ساعات انخفضت قيمة الجنيه من 15.64 إلى 18.4 بنسبة انخفاض بلغت نحو 17%.[[1]] فما الأسباب التي دعت الحكومة إلى خفض الجنيه في هذا التوقيت؟ وما الأهداف المتوقعة من هذه الخطوة؟ وما النتائج المترتبة عليها في ظل الارتباك الذي يسود العالم حاليا بسبب تداعيات تفشي جائحة كورونا ثم الغزو الروسي لأوكرانيا؟ معدلات التضخم هذه الخطوة تأتي في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وفشل زيارات السيسي مؤخرا لكل من السعودية والإمارات والكويت في تحقيق المأمول منها بالحصول على مساعدات مالية تنقذ النظام من الورطة الغارق فيها.  ورغم الادعاء بأن خطوة البنك المركزي تستهدف الحد من خطورة الموجة التضخمية إلا أن النتيجة الحتمية المترتبة على تعويم الجنيه مرة أخرى سوف  تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم؛ ولذلك لجأ المركزي إلى زيادة سعر الفائدة بنسبة 1%، كما أعلن بنكا الأهلى ومصر الحكوميين طرح شهادات ادخار مرتفعة العائد لمدة عام، وصل العائد عليها إلى 18%. وعلى الأرجح فإن البنك سوف يلجأ إلى استمرار رفع أسعار الفائدة للحد من مخاطر التضخم الذي ارتفع إلى 10% خلال فبراير 2022؛ حيث يرتبط التضخم في مصر بسعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية بسبب التأثير الكبير على أسعار الواردات في ظل عجز الميزان التجاري الكبير (الفارق بين الصادرات والواردات)، فمصر تستورد نحو 65% من غذائها من الخارج كما تستورد الكثير من المواد الخام التي تدخل في إنتاج العديد من الصناعات علاوة على استيراد نحو 40% من حاجتها من الوقود (تبلغ فاتورة الاستيراد نحو 76 مليار دولار سنويا).  ويستهدف النظام برفع الفائدة مكافحة التضخم وتشجيع المدخرين على الاحتفاظ بالجنيه المصري وعدم الانزلاق نحو حيازة العملات الأجنبية أو ما يعرف باسم “الدولرة (ادخار الدولار)” خاصة مع توجه الفيدرالي الأميركي لرفع الفائدة على الدولار بنحو ما بين 2 و3% خلال العام الجاري. الأسباب والمستهدفات وبعيدا عن مزاعم الحكومة والبنك المركزي، فإن خطوة التعويم الحالية يستهدف بها النظام أمرين: الأول، هو محاولة الحد من تخارج الأموال  الساخنة من السوق المصري، فقد هرب نحو (4.2 مليار دولار في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا). ووفقا لتقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في فبراير 2022، فقد «بلغ حجم الاستثمار غير المقيم في سوق السندات المحلية في مصر 28.8 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2021، أو حوالي 56% من احتياطيات النقد الأجنبي وأصول العملات الأجنبية الأخرى للبنك المركزي المصري». وأضاف التقرير أن هروب هذه الاستثمارات بدأ قبل الحرب بشهور، ليصل إجمالي تلك الأموال الهاربة خمسة مليارات في الفترة بين سبتمبر وديسمبر الماضيين.[[2]] معنى ذلك أن مصر تخارج منها نحو (9,2) مليارات دولار من الأموال الساخنة خلال الشهور الست الماضية.  وقد كشفت دراسة أصدرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أن ارتفاع أسعار القمح عالميا يمكن أن يؤدي إلى تضاعف الإنفاق على واردات القمح سنويا إلى 5.7 مليار دولار مما يمثل ضغطا ماليا على الحكومة المصرية ويُؤجج التضخم. وبالتالي فإن هذه الإجراءات (رفع سعر الفائدة + خفض قيمة الجنيه) مصممة لاحتجاز السيولة في السوق، وجلب المستثمرين الذين ينتظرون وصول الجنيه إلى أدنى مستوى له.[[3]] وتأتي خطوة البنك المركزي نحو مزيد من المرونة في تحرير سعر صرف الجنيه بعد أسبوعين فقط من تقديرات محللين من بنك الاستثمار “جيه.بي. مورغان” بأن الجنيه المصري مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية بنسبة 15 بالمائة، مرجحين أن يكون خفض قيمته مطلوبا، لأن مصر قد تحتاج للمزيد من المساعدة من صندوق النقد الدولي إذا تزايدت الضغوط على أسواق المال. وهو عين ما انتهى إليه تقرير وكالة رويترز الذي أكد أن خطوة البنك المركزي تستهدف “الحفاظ على السيولة داخل السوق وجذب المستثمرين (تجار الديون) الذين ربما يقفون على الهامش انتظارا لهبوط الجنيه إلى حده الأدنى”. وزاد من الضغوط على الجنيه المصري رفع البنك المركزي الأمريكي في 16 مارس 2022، سعر الفائدة على الدولار بنسبة (0.25%) وهو ما يغري المتاجرين في أذون وسندات الديون المصرية بالهروب نحو السوق الأمريكي الأكثر قوة واستقرارا. وبالتالي فإن الهدف من خفض قيمة الجنيه هو الحد من هروب الأموال الساخنة، في ظل تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك، والتي يمثل تراجعها لمستويات سالبة ضغطًا على قيمة العملة المحلية، حيث بلغ صافي الأصول الأجنبية  سالب 7.1 مليار دولار، بنهاية نوفمبر 2021،  بحسب بيانات البنك المركزي. ويمثل صافي الأصول الأجنبية حجم ما تملكه البنوك من أصول بالعملة الأجنبية (ودائع، أوراق مالية…)، مخصومًا منه التزاماتها بالعملة الأجنبية. ويعني تسجيله قيمًا إيجابية امتلاك البنوك فائض نقد أجنبي يفوق التزاماتها، أما صافي الأصول الأجنبية بقيمة سالبة فيعنى أن التزامات البنوك بالنقد الأجنبي تفوق ما تملكه منه. لكن بعض المحللين يذهبون إلى أن هذه الإجراءات (رفع الفائدة + خفض قيمة الجنيه) لن تكون كافية لاستعادة الأجانب إلى سوق الدين؛ لأن المستثمرين في الدين المصري (أصحاب الأموال الساخنة)  لا يغادرون هذا السوق لأسباب تتعلق بالسوق المصري نفسه، وإنما ضمن ما يعرف باستراتيجية الأسواق الناشئة إجمالًا، والتي تحكم سلوك هؤلاء المستثمرين حيال الاستثمار في ديون الأسواق الناشئة عمومًا في أوقات الأزمات الشبيهة بالأزمة الحالية، ففي تلك الحالات تُتخذ قرارات صارمة بمغادرة تلك الأسواق، أيًا ما كانت المغريات فيها، إلى ملاذات أكثر أمنًا وعلى رأسها السوق الأمريكي. ولهذا لجأ النظام إلى صندوق النقد الدولي. الثاني، هو التمهيد لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، ويبدو واضحا أن مزاعم البنك والحكومة بأن الخطوة تستهدف الحد من مخاطر التضخم كانت للتغطية على حقيقة الأمر، وهو الاتفاق على قرض جديد (رابع) من صندوق النقد الدولي، وهو ما خلا منه بيان البنك المركزي؛ لكن صندوق النقد أعلن عنه رسميا بعد يومين فقط (الأربعاء 23 مارس 2022)، بالتأكيد على أنه تلقى طلبا من مصر لدعم برنامج إصلاح اقتصادي شامل، وتعزو رئيسة بعثة الصندوق في القاهرة سيلين ألارد، في بيان لها، أسباب لجوء الحكومة المصرية للصندوق بالتداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا الذي أربك سلاسل التوريد العالمية وأدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأولية.[[4]] بالإضافة إلى تعزيز قدرة القاهرة على بسط مظلة الحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة؛ وهو ما يبدو للتغطية…

تابع القراءة
تحالف الغرماء.. كيف يدير السيسي علاقته بالمؤسسة العسكرية؟؟

تحالف الغرماء.. كيف يدير السيسي علاقته بالمؤسسة العسكرية؟؟

  المؤسسة العسكرية هي الفاعل الأهم في جهاز الدولة المصرية، بل يمكن القول إنها هي الدولة منذ انقلاب الضباط في 1952، فخلال كل هذه السنوات كان العسكريون هم الحاكم الفعلي في البلاد، يحكمون من مواقعهم في المؤسسة العسكرية، ومن خلال مناصبهم في جهاز الدولة البيروقراطي، ومن خلال العسكري القابع في قصر الرئاسة. هذا الدور الكبير الذي تضطلع به المؤسسة العسكرية طوال هذه السنوات، ليس في السياسة فقط وإنما في الاقتصاد أيضاً، هو ما دفع بالكثيرين للاهتمام بمتابعة نشاطاتها. ومع الدور الفاعل الذي لعبته المؤسسة العسكرية خلال ثورة يناير وما تلاها وصولاً للحظة 3 يوليو 2013، تضاعف من هذا الاهتمام. فما حدث في الحقيقة أن الفترة (من يناير 2011، ويوليو 2013) كشفت عن الدور المركزي الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في رسم واقع البلاد ومستقبلها، على الأقل لدى من لم يشهد التفاعلات التي كانت المؤسسة العسكرية طرف أساسي فيها خلال فترتي الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات. وقد نجم عن هذا أن الاهتمام بالمؤسسة العسكرية وشبكة علاقاتها مع بقية مؤسسات الدولة لم يعد يشغل فقط متخصصي العلاقات المدنية العسكرية، إنما بات يشغل اهتمام كل من يتابع المشهد لسياسي في مصر. جزء من هذا الاهتمام بالمؤسسة العسكرية وأدوارها تولدت عنه هذه السطور، التي تحاول الوقوف على الخطوط العريضة للسياسات التي تتبعها القيادة السياسية في التعامل مع المؤسسة العسكرية. هي محاولة للإجابة على تساؤل: كيف ينظر السيسي للمؤسسة العسكرية؟ وكيف يتعامل معها؟ أهمية التقرير تنبع من محاولته، تسليط الضوء على جانب من العلاقة بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة، لعل ذلك يسهم بالاشتباك الايجابي والعلمي مع ما يثار بين فينة وأخرى عن نشوب توترات بين الرئيس والمؤسسة العسكرية، وعن السيناريوهات المتوقعة لتطور هذه التوترات. المؤسسة العسكرية كشريك: من ناحية، يبدو السيسي كأنه ينظر للمؤسسة العسكرية باعتبارها شريك أساسي في السلطة: فهو منذ البدايات الأولى لسيطرته عمل على تصدير هذه الصورة؛ فقد قدم نفسه للجمهور، إبان ترشحه للرئاسة، كرجل المؤسسة العسكرية للحكم وليس حاكمًا بخلفية عسكرية، فهو أعلن نيته بالترشح بعد إخطار القوات المسلحة[1]، كما أنه أعلن ترشحه مرتدياً الزي العسكري العملياتي كأنه مفوض بمهمة عسكرية لحكم مصر من قبل الجيش[2]، وبعدها كان دائم الحرص في خطاباته على التأكيد على عملية الشراكة مع المؤسسة العسكرية، ونذكر في هذا السياق تصريحه الشهير عن جاهزية الجيش للانتشار في كامل البلاد خلال 6 ساعات فقط إذا ظهر أية تهديد للنظام القائم[3]، إضافة للحضور الكثيف للعسكريين في جهاز الدولة البيروقراطي، وفي إدارة وتنفيذ المشروعات الانشائية الكبيرة التي يدشنها النظام، وخلال كل الفاعليات التي تنظمها الرئاسة. وهناك الصلاحيات والسلطات غير المسبوقة التي بات يتمتع بها العسكريون بموجب التعديلات الدستورية التي أقرت في 20-22 أبريل؛ والتي تمنح الجيش بعد تعديل المادة 200، مهام “صون الدستور والديموقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد”، ما يعني انفراد الجيش بتحديد ما يعد خرقاً للدستور، وتحديد ما يمثل تهديداً لمقومات الدولة الأساسية، وما يتهدد مدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق المواطنين، فالمؤسسة باتت فعلياً هي رأس الدولة والرقيبة عليها وعلى المجتمع، وتعديل المادة 204 والتي تمنح القضاء العسكري الحق في محاكمة أي مواطن في حال اعتداءه على أياً من «المنشآت التي تتولى حمايتها» قوات الجيش، حتى وإن كانت أحد منافذ بيع السلع التابعة للجيش! وأخيراً المادة 243 والتي تجعل تعيين وزيراً للدفاع مرهون بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة[4]. المؤسسة العسكرية كغريم محتمل: في المقابل، بدا السيسي وكأنه ينظر للقيادات العليا للجيش باعتبارهم أحد حلفائه خلال مرحلة الاطاحة بالرئيس مرسي، وبالتالي من المهم تحييدهم لاحقاً، وإخراجهم من المشهد السياسي، مثلما تم تحييد باقي مكونات مشهد الثالث من يوليو 2013، ويبدو أن هذا ما قام به النظام بالفعل، (1) في الفترة من 2013 وحتى 2019، قام السيسي بإخراج 36 قائد عسكري من المجلس العسكري؛ حتى يكون متفرداً بالقرار داخل الجيش[5]، علاوة على ما حدث مع كل من سامي عنان وأحمد شفيق والعقيد محمد قنصوه وفريد حجازي، والقائمة تطول من العسكريين الذين استبعدوا خلال الفترة الماضية[6]. (2) خلال 15 شهراً فقط، في الفترة الممتدّة من أكتوبر 2017 حتى ديسمبر 2018، جرى إقصاء مفاجئ لكل من محمود حجازي رئيس الأركان، واللواء خالد فوزي مدير المخابرات العامة، ووزير الدفاع صدقي صبحي، واللواء محمد عرفان جمال الدين مدير جهاز الرقابة الإدارية، ومحمد الشحات مدير المخابرات العسكرية. وخلال الفترة نفسها، جرت عملية إقالة واسعة النطاق لأكثر من مائتين من كبار قيادات المخابرات العامة، وذلك بصورة غير متوقّعة من دون تقديم أي مبرّر للرأي العام[7]. (3) القانون الذي أقره البرلمان في 16 يوليو 2018، “قانون معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة[8]“، والذي تنص مادته الأولى على حق الرئيس في استدعاء “الضباط من كبار قادة القوات المسلحة إلى الخدمة العسكرية مدى حياتهم، حتى لو كانوا قد استقالوا من مناصبهم العسكرية وانضموا من جديد إلى القوة العاملة المدنية”. لا يُحدّد القانون رتبة عسكرية دنيا، ما يُتيح للرئيس أن يختار، كما يحلو له، الضباط الذين ستُطبَّق عليهم القانون. وهذا يحول فعلياً دون تمكُّن المنافسين المحتملين في صفوف كبار الضباط العسكريين من الترشح للرئاسة وتحدّي عبد الفتاح السيسي، فالقانون المصري يمنع العسكريين في الخدمة الفعلية من تسلم مناصب سياسية[9]. تحالف الغرماء: يمكن القول، أن السيسي حرص على إتباع الاستراتيجيتين معاً؛ فهو من جهة حريص على تقديم المؤسسة العسكرية للرأي العام باعتبارها شريك أساسي وحليف رئيسي للنظام القائم، ومنح المؤسسة كل الصلاحيات التي تجعلها المؤسسة الأولى في جهاز الدولة، والرقم الأكبر في مع معادلة الحكم في مصر، حامية الدستور والديمقراطية والمواطن وحقوق الإنسان. وهو من جهة أخرى حريص على ألا تنتقل هذه الصلاحيات والامتيازات التي تتمتع به المؤسسة إلى أياً من قياداتها، فهي امتيازات للمؤسسة وليست للعسكريين أنفسهم. يحقق ذلك من خلال عدة آليات: الآلية الأولى: آلية التدوير السريع والمستمر للنخبة العسكرية، لعدم السماح لأية قيادة عسكرية بأن تستمر في منصبها لفترة طويلة. فهو على غرار السادات[10]، يدير لعبة “لعبة الكراسي المتحركة” بين قادة الصف الأول للمؤسسة العسكرية، بما يحول دون استفراد قيادة بعينها بموقعها لفترة طويلة؛ بشكل يسمح لها بمراكمة نفوذ قد يدفعها للطموح لصعود درجة أعلى في هيكل السلطة الحاكمة، مع تصفية من لهم طموحات سياسية مقلقة. الآلية الثانية: تكتيكات فرق تسد بين مكونات المؤسسة والقيادات بها، ومحاولة خلق توازنات بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية أخرى؛ لذلك فإن الصراع بين الأجهزة الأمنية على الصحافة والإعلام وغيرهما؛ يتم على عين السيسي ورضاه، كجزء من هذه السياسة[11]. الآلية الثالثة: إدماج المؤسسة العسكرية في مشروعه للحكم؛ حتى لا يقود العسكريين أي تحرك ضده، وحتى تصبح القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية في مركب واحد في حال تحرك الشارع ضد النظام القائم، من هذه الزاوية، فإن السيسي يدعم تحول…

تابع القراءة
زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا: الدوافع والتداعيات وردود الأفعال

زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا: الدوافع والتداعيات وردود الأفعال

  تتسم العلاقة الإسرائيلية- التركية فى عهد الرئيس رجب طيب أردوغان – سواء عندما كان رئيس للوزراء أو بعدما صار رئيسًا للبلاد- فى طابعها العام بالتوتر، فقد ابتعد إردوغان كثيراً عن “إسرائيل”، واتخذ مواقف علنية شديدة القسوة منها، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008، ولتنقطع العلاقات بين البلدين عقب اعتراض البحرية الإسرائيلية “أسطول الحرية” إلى قطاع غزة بهدف فك الحصار عنه، فى مايو 2010، وهو الأسطول الذى توقف بعد تعرض سفينة “مرمرة” التركية لهجوم دام خلف قتلى وجرحى[1]. لكن ظل التأرجح في العلاقات سيد الموقف، ففي أعقاب إعلان تركيا استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عام 2016، عاد التوتر من جديد جراء موقف تركيا من قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بمجزرة بحق المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة خلال مظاهرات العودة في ذكرى النكبة، فى عام 2018، حيث طلبت من السفير الإسرائيلي بأنقرة مغادرة البلاد، وهو ما ردت عليه تل أبيب بطرد القنصل التركي بالقدس. ومنذ ذلك، أصبحت العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال[2]. ولكن شهدت الأشهر الأخيرة تقاربًا واضحًا بين تركيا وإسرائيل؛ إذ تحدث رئيسا الدولتين مرات عدة منذ تنصيب الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوغ، ولعل من أهمها تهنئة أردوغان له بمنصبه الجديد في يونيو 2021، ثم الإفراج عن سائحين “إسرائيليين” اعتقلا للاشتباه بتجسسهما في نوفمبر 2021، وأعقبه اتصال “هرتسوغ” به لشكره على ذلك، ثم اتصال أردوغان في يناير 2022 لتعزيته بوفاة والدته[3]. وفي ديسمبر الماضي، التقى الرئيس التركي مع أعضاء الجالية اليهودية التركية وأعضاء “تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية“[4]. كما بادر أردوغان في نوفمبر الماضي إلى الاتصال بنفتالي بينيت، هي الأولى له مع رئيس وزراء إسرائيلي منذ العام 2013، للاطمئنان على صحته بعد الإصابة بفيروس كورونا[5]. وفى هذا السياق، فقد جاءت زيارة الرئيس الإسرائيلى إلى تركيا، فى 9 و10 مارس الحالى، والتى تعتبر أول زيارة لرئيس إسرائيلى إلى أنقرة بعد 15 عامًا من أخر زيارة قام بها الرئيس الإسرائيلى شمعون بيريز إلى تركيا فى عام 2007. وما أظهرته الزيارة من مدى الترحيب التركي بالزيارة من خلال حفل الترحيب المهيب الذي أقيم في أنقرة لاستقبال الرئيس هرتسوغ، حيث حصل على أعلى درجات التكريم وفقًا للمراسم والبروتوكولات. وفيما يخص النقاط البارزة التي تم تناولها في المحادثات بين هرتسوج وأردوغان، فقد اتفقت الدولتان على إحياء الحوار السياسي القائم على احترام الرؤى المتبادلة، وعلى أساس الأهداف والمصالح المشتركة للبلدين، وتم تشكيل لجنة من أجل حل الخلافات ومنع سوء التفاهم بين أنقرة وتل أبيب. وأكد أردوغان على أن وزيري الخارجية والطاقة في تركيا سيزوران إسرائيل قريبًا لإجراء مزيد من المحادثات بشأن زيادة التعاون[6]. وعليه تحاول هذه الورقة الأجابة على مجموعة من التساؤلات التى أثارتها تلك الزيارة، ومن أهمها: ما هى الدوافع التى تقف خلف اقدام تركيا على تحسين علاقاتها مع إسرائيل فى هذا التوقيت؟، وكيف تنظر تل أبيب إلى تحسين العلاقة مع أنقرة؟، وأخيرًا، ما مدى تأثير هذه الزيارة على مكانة تركيا ورئيسها أردوغان لدى الإسلاميين عمومًا والفلسطينيين حصوصًا؟. أولًا: الدوافع التركية لتحسين العلاقة مع إسرائيل: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدوافع والأسباب التى تقف خلف قيام تركيا بتحسين علاقتها مع إسرائيل فى هذا التوقيت، وتتمثل أبرز تلك الدوافع فيما يلى: 1- الحرب الروسية الأوكرانية: اكتسبت زيارة “هرتسوغ” إلى تركيا أهمية استثنائية كونها أتت في خضم هزة عصفت بالنظام الدولي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وما قد تتركه من تهديد للاستقرار الإقليمي المحيط بهما معاً، خاصة عقب تقارب موقف أنقرة وتل أبيب من الحرب، مما يجعل من الزيارة فرصة لمزيد من تعاونهما الأمني والسياسي. فقد اختار كلا البلدين شكلًا معينًا من الحياد فى تلك الأزمة، إذ وقفا خطابيًا إلى جانب وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، بينما حاولا عدم تعطيل علاقاتهما مع موسكو. كما دخلت الدولتين بقوة على خط الوساطة بين كييف وموسكو في محاولة لوقف الحرب المستمرة، وعرض كلًا من أردوغان وبينيت التوسط. فالتقى الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بينما تحدث أردوغان معه عبر الهاتف[7]، ومؤخرًا نجحت تركيا بعد مرور أسبوعين على بدء الحرب، في جمع وزيري خارجية البلدين على طاولة واحدة في مدينة أنطاليا جنوب البلاد. وتسعى الدولتين إلى التهدئة بين روسيا وأوكراينا فى ظل وجود مصالح عدة لهما في حدوث هذه التهدئة؛ فتركيا لديها مصالح تجارية واقتصادية واسعة مع أوكرانيا وروسيا، كذلك لديها علاقات متشابكة مع روسيا في ملفات إقليمية في سوريا وليبيا، وفي العمق الآسيوي (أذربيجان وأرمينيا)، الذي تعده موسكو حديقتها الخلفية. وفي المقابل لدى أنقرة علاقات إستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة الأمريكية. من جهتها، وجدت إسرائيل نفسها في موقف حساس، وعلى الرغم من أنها حليفة واشنطن الأولى في منطقة الشرق الأوسط ولديها علاقات مميزة مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن لديها تفاهمات مهمة مع موسكو في ما يخص الملف السوري، واستهدافها الدائم عسكرياً للوجود الإيراني في سوريا، وهذا أمر لن يتم من دون موافقة روسيا بطبيعة الحال[8]. وبالتالى، يسعى الطرفين إلى محاولة التهدئة وإنهاء هذا الصراع لإدراكهما بأنهما سيكونان أكثر المتضررين فى حالة استمرار تلك الحرب، التى سترغمهما على ضرورة الاصطفاف مع طرف على حساب الأخر وهو ما سيضر بمصالحهما الاستراتيجية بصورة كبيرة. أضف إلى ذلك، فربما ترغب تركيا فى استعادة العلاقات المهتزة مع الولايات المتحدة في عهد بايدن، وهنا قد يكون هناك مجال للنقاش حول قدرة “إسرائيل” على تقديم المساعدة، في ظل نفوذها في دوائر القرار الأمريكي خاصة الكونغرس، وطالما اعتقد الأتراك أن بإمكان “إسرائيل” و”اللوبي” التابع لها التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، فإن تحسين العلاقات معها قد يفيدها على الساحة الأمريكية، ولعل هذا الأمر يزداد أهمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وحاجة أنقرة لعلاقات أفضل مع واشنطن[9]، بعد أن أبرزت حرب أوكرانيا مدى حاجتها للولايات المتحدة وحلف الناتو خاصة بعد لجوء روسيا إلى القوة العسكرية فى حسم خلافاتها مع أوكرانيا، وهو ما يثير تخوف تركيا من رد فعل روسى مشابه ضدها خاصة فى ظل تشابكهما بصورة متناقضة فى العديد من القضايا فى منطقة أسيا الوسطى والبحر الأسود والشرق الأوسط. ويرجع مراهنة أنقرة على تل أبيب فى تحسين علاقاتها مع واشنطن بعدما حاولت تركيا استخدام المغازلة مع الروس من أجل كسر الجليد في العلاقة مع الأميركيين، ولكن أفشلت ذلك الأزمة الروسية الأوكرانية، التي زادت من حساسية حلف الناتو تجاه أي تقارب تركي روسي، الأمر الذي سيهدّد عضوية تركيا في حلف الناتو، وسيفرض عليها عزلة أوروبية وأميركية[10]. وهنا ربما ترغب أنقرة فى قيام تل أبيب بنقل وتبرير وجهة النظر التركية حول ضرورة التواصل مع روسيا إلى واشنطن، خاصة أن إسرائيل هى الأخرى معنية بالحفاظ على قنوات تواصل مع روسيا خاصة فى الملف السورى[11]. 2- الاستجابة للحقائق الإقليمية الجديدة: تبرز قضايا سياسية وأمنية واقتصادية هامة تحفز الاتجاه التصالحي بين…

تابع القراءة
انتخابات حزب الوفد.. هل جاءت النتيجة على غير هوى السلطة؟

انتخابات حزب الوفد.. هل جاءت النتيجة على غير هوى السلطة؟

  أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات رئاسة حزب الوفد، فوز أستاذ القانون الدولي بجامعة المنوفية، عبد السند يمامة، برئاسة الحزب، لمدة أربع سنوات تمتد حتى 2026، في الانتخابات التي جرت في مقر الحزب بالقاهرة، الجمعة 11 مارس. بعدما تفوق في عدد الأصوات التي حصل عليها بـ 120صوتًا عن منافسه ورئيس الحزب منذ 2018 بهاء الدين أبو شقة وكيل مجلس الشيوخ المعين والمعروف بقربه من نظام السيسي[1]. أما عدد المشاركين في التصويت فقد بلغ 3 آلاف و293 ناخباً، وكان عدد الأصوات الصحيحة فيها 3 آلاف و216 صوتاً، والباطلة 77 صوتاً، وحصل يمامة على 1668 صوتاً، وأبو شقة على 1548 صوتاً[2]. وبحسب فؤاد بدراوي، سكرتير عام الحزب وعضو اللجنة المشرفة على الانتخابات، فإن الانتخابات تمت في وجود إشراف قضائي كامل على جميع لجان الانتخاب بواسطة مستشارين من هيئة النيابة الإدارية، وهو نفس رأي محمد جاد عضو الحملة الانتخابية للمرشح لرئاسة الحزب ياسر قورة الذي تنازل عن الترشح لصالح يمامة، حيث اعتبر أن الانتخابات تمت بحيادية ونزاهة[3]. وقد أعرب قادة وفديين عن تفاؤلهم بالنتيجة، معتبرينها إيذاناً بعودة حزب الوفد إلى الشارع للتعبير عن مبادئه ونهاية لفترة تقلص فيها حجم الحزب وأصبح لا يعبر سوى عن رأي أبو شقة الذي كان يرهب المختلفين معه بأنه رجل النظام[4]. في تفسير ما حدث: ثمة رواية راجت كثيراً خلال الأيام الماضية، مفادها أن ما حدث في الوفد جاء على خلاف إرادة النظام الذي يدعم بهاء أبو شقة[5]؛ وأن ما حدث دليل على قدرة القوى السياسية على أحداث التغيير[6] وإن كان على نطاق محدود، واعتباره تجسيد لمشهد ديمقراطي يجب أن يتباهى به حزب الوفد أمام الأحزاب الأخرى[7]. فهل بالفعل كان خروج أبو شقة خاسراً من المنافسة على مقعد رئيس حزب الوفد حدث على غير رغبة النظام، وأن هناك مشهد ديمقراطي شهدته الانتخابات الداخلية للحزب، وأن الأجهزة الأمنية كانت بعيدة عن انتخابات الوفد ولم تتدخل في تحديد نتائجها. لا يبدو أن الأمر بهذه البساطة والمباشرة. أولاً: ثمة من يرى أن فوز عبد السند يمامة برئاسة حزب الوفد على حساب بهاء أبو شقة الذي يعتبر رجل النظام داخل الحزب؛ كان نتيجة غياب التنسيق بين جهاز المخابرات وجهاز الأمن الوطني الذي تتم الانتخابات على الأرض بأشرافه؛ فبينما تنسق المخابرات مع بهاء الدين أبو شقة، فإن الأمن الوطني لم يعرقل فوز يمامة، ويعزى ذلك إلى العلاقات الجيدة التي تربط يمامة بالأجهزة الأمنية[8]. على أنه ينبغي التنبيه إلى أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة غياب التوافق بين الأمن الوطني والمخابرات هو الذي أسفر عن فوز يمامة المتحالف مع الأمن، على حساب أبو شقة القريب من المخابرات، وإنما يعني أن الأمن والمخابرات يدركان أن ليس ثمة فارق يذكر بين فوز أبو شقة أو فوز يمامة. ثانياً: أنه كان هناك شبه اتفاق داخل الحزب على ضرورة اقصاء أبو شقة، وكان ثمة توافق بين الجميع على ضرورة ذلك؛ ولعل هذا ما يفسر انسحاب ياسر قورة من الانتخابات لصالح عبد السند يمامة كطريقة لتوحيد الجهود في مواجهة أبو شقة. وهو الهدف الذي لم يلاقي رفضاً من جانب النظام ولم يقابل بتعنت من ناحية الأجهزة الأمنية؛ فلعل رغبة النظام التقت مع رغبة الوفديين المعارضين لـ “شقة” على ضرورة إقصاء هذا الأخير؛ وتستهدف السلطة من ذلك طي صفحة الخلاف الذي أججه بهاء أبو شقة بين أبناء حزب الوفد. جراء سياساته الاقصائية وتفرده بإدارة الحزب، ففي انتخابات مجلس النواب الأخيرة تجاهل أبو شقة ترشيحات الهيئة العليا للحزب وأختار منفرداً مرشحي الوفد على «القائمة الوطنية الموحدة»، التي يرأسها حزب مستقبل وطن ومحسوبة على النظام، وفي وقت لاحق قرر اختيار رجل الأعمال المتورط في قضايا فساد مالي سليمان وهدان رئيساً لهيئة حزب الوفد في مجلس النواب، بدلاً من النائب المخضرم محمد عبد العليم داوود، الذي اتهم حزب “مستقبل وطن” بتوزيع الرشى الانتخابية على الناخبين للوصول إلى مقاعد البرلمان[9]. ونتيجة مواقفه تلك دخل في صدامات مستمرة مع كوادر الحزب وقياداته، فضلاً عن تعامله مع مخالفيه بمنتهى العنف؛ فقد سبق وفصل 9 من قيادات الحزب فصلاً نهائياً، ومنعهم من دخول مقره، رداً على انتقاداتهم لبعض سياسات السلطة الحاكمة، كما تورط في واقعة اعتقال الأجهزة الأمنية لثلاثة من قيادات شباب الحزب بسبب انتقاداتهم له، وهناك تصريحه الشهير الذي قال فيه “أنا بتاع الدولة، والأجهزة الأمنية. واللي يعترض منكم أفصله، وأحبسه”، وذلك على خلفية تصاعد حدة الخلافات داخل الحزب بعد خسارة بعض القيادات في انتخابات الهيئة العليا[10]. أما لماذا يرغب النظام في معالجة الانقسامات داخل الوفد التي أحدثتها طريقة أبو شقة في إدارة الحزب؟ قد يكون ذلك جزء من سعي النظام إلى إعادة ترميم تحالفاته مع الأحزاب المتعاونة معه ومنها الوفد قبل انتخابات الرئاسة في 2024. ثالثاً: أن استبعاد بهاء أبو شقة لصالح عبد السند يمامة، تم بضوء أخضر من النظام؛ كجزء من سياسات تدوير النخبة التي يستخدمها للحيلولة دون ظهور مراكز قوى داخل القوى المتحالفة معه. فإن سياسات تدوير النخبة، والتي يمكن تسميتها مجازاً لعبة الكراسي الموسيقية التي يسيطر النظام بها على حلفائه، ليست قاصرة على المؤسسة العسكرية، إنما يستخدمها النظام مع الحكومة ومع البرلمانيين في النواب والشيوخ، ومع غيرهم[11]. الخاتمة، هل جاءت النتيجة على غير هوى النظام:   لعل من الأمور الدالة هنا، الإشارة إلى  أن أول تصريح رسمي للفائز برئاسة حزب الوفد، عبد السند يمامة، بعد إعلان نتيجة الانتخابات، كان قوله “الحزب مستمر في الدعم الكامل للقيادة السياسية والقوات المسلحة المصرية وجميع مؤسسات الدولة خلال الفترة المقبلة”[12]؛ كأنه يقدم فروض الولاء للعسكريين والرئاسة قبل بدأ مزاولة مهامه الجديدة. ومن الأمور الدالة كذلك قبول بهاء أبو شقة نتيجة الانتخابات، بل واعتبار ذلك من قبيل الالتزام بأعراف الديمقراطية، ليس هذا فقط، وإنما هنأ الفائز متمنياً له كل التوفيق في تحمل مسئوليته الجديدة[13]، وهو سلوك لم يكن ليتوقع من بهاء أبو شقة إذا كانت النتيجة على غير هوى النظام؛ وهو القائل “أنا بتاع الدولة، والأجهزة الأمنية. واللي هيعترض منكم هفصله، وأحبسه”[14]. ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام أيضاً أن رئيس حزب الوفد الجديد هو عضو الهيئة العليا للحزب تحت قيادة بهاء أبو شقة، كما تم تعيينه بقرار من بهاء أبو شقة في منصب رئيس معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية بحزب الوفد، منذ أكثر من عام[15]، بالتالي هو ليس من المغردين خارج سرب بهاء أبو شقة رجل الأمن والدولة في حزب الوفد كما وصف عن نفسه. في النهاية، يبقى التغيير ممكناً في مصر، وليس في ذلك شك، ويظل هناك مساحات غير خاضعة للتأميم من قبل النظام الحاكم، لكن المشكوك فيه هو أن يأتي التغيير من جانب أحزاب كرتونية تحتفظ فقط بحضور شكلي وتخضع بشكل كامل لسيطرة الأجهزة الأمنية. [1] فهو وكيل مجلس الشيوخ المصري المُعين، بعد استقالته من…

تابع القراءة
التضخم.. معناه وأنواعه وتداعياته

التضخم.. معناه وأنواعه وتداعياته

  ارتفع معدل التضخم في مصر خلال فبراير 2022 على أساس سنوي بنسبة 10%، كما ارتفع التضخم الشهري بنسبة 2%، وفقا لبيانات أسعار المستهلكين الصادرة يوم الخميس 10 مارس 2022م عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو المعدل الأعلى منذ عامين ونصف العام، ظل خلالها معدل التضخم في المستويات المقدرة من البنك المركزي (7%). وجاءت زيادة التضخم الشهري بقيادة بند الطعام والمشروبات الذي يحظى بالوزن النسبي الأكبر 33٪ من سلة السلع؛ حيث ارتفعت أسعار مجموعة الخضروات 19.6%، تلتها مجموعة اللحوم والدواجن 6%، ثم الفاكهة بزيادة 5.5%، وكذلك الحبوب والخبز والألبان والجبن والبيض بنحو 2%، بحسب بيان «التعبئة والإحصاء». أما على المستوى السنوي، جاءت القفزة بدفع من زيادة أسعار الطعام والمشروبات، التي زادت إجمالًا 20%، إذ قفزت أسعار الخضروات بنحو 44%، تلتها الزيوت والدهون 34%، ثم السكر 19%، واللحوم والدواجن بحوالي 18%، وامتدت الزيادات كذلك إلى الألبان والجبن والبيض 16%، والحبوب والخبز بقرابة 13%، واحتلت الأسماك أقل بنود الغذاء ارتفاعًا في الأسعار مُسجلةً 6.4%.[[1]] هذه القفزة في معدل التضخم لا علاقة لها بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتعطل سلاسل إمداد الغذاء؛ التي سوف يظهر أثرها لاحقا في معدلات التضخم خلال الشهور التالية؛ ذلك أن الذي قاد ارتفاع التضخم هي مجموعة الخضروات محلية الإنتاج وليست السلع المستوردة من الخارج. وتكشف بيانات التضخم في سلة الغداء خلال الشهور الماضية أن أسعار الطعام استمرت في الارتفاع، وسجلت مجموعة الخضروات على وجه الخصوص قفزات سعرية عالية، وعادة ما كانت أسباب الزيادة في الخضروات مرتبطة بعوامل داخلية تؤثر سلبًا على جانب المعروض، شملت تضرر محاصيل من التغيرات المناخية، مثل الطماطم والفلفل، أو تراجع في محصولات بعينها نتيجة تقلص المساحات المزروعة بها مثل البصل، أو ارتفاعات ناتجة عن تراجع المعروض من الخضر في الفترات ما قبل حصاد المحصول الجديد. هناك أيضا عدم التحكم في سلاسل إمداد الخضروات في مصر ما يؤثر على كميات العرض؛ بمعنى أن سلسلة الوسطاء بين الفلاح والمستهلك النهائي طويلة، ما يُنتج فرق في الأسعار بين سعر الشراء للمحصول من الفلاح وبين سعره للمستهلك النهائي، وأسهم في تفاقم الأزمة غياب أي دور رقابي على هوامش الربح للتجار.[[2]] وبالتالي فإن محاولات ضبط الأسعار قد تنجح حين يتم تقليص عدد الوسطاء عبر سلاسل الإمداد من الحقول إلى الأسواق، خاصة بالنظر إلى أن صغار المنتجين من الفلاحين يشكلون القطاع الأكبر من المنتجين، أي ليست لديهم قدرة مالية أكبر للنفاذ إلى الأسواق مباشرة، مع إزاحة الوسطاء عكس كبار المنتجين. كذلك فإن أسعار بعض السلع الغذائية المستوردة من الخارج تتعرض لضغط أكبر جراء تقلبات الأسعار العالمية، نتيجة أنها السلع التي توفر الغذاء الرخيص الذي تلجأ إليها الشريحة الأكبر من الفقراء، كمجموعة الحبوب والخبز والزيوت والسكر، هذه الشريحة لا تستطيع تأمين احتياجاتها من البروتين الحيواني المحلي، لارتفاع أسعاره، وتدني الدخول، على الرغم من أن مجموعة اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان هي من أنواع الغذاء التي تقترب مصر من تحقيق اكتفاء ذاتي فيها. والبرهان على ذلك انخفاض متوسط نصيب الفرد في مصر من اللحوم ومنتجات الألبان بفارق كبير عن المتوسط العالمي، بينما يرتفع متوسط استهلاك الفرد من الحبوب والزيوت والسكر عن المعدل العالمي. وشهدت مصر موجة تضخم غير مسبوقة في أعقاب تبني نظام السيسي ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، وما تلاه من تعويم العملة المحلية وارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية والخدمات، وبلغ التضخم ذروته في يوليو 2017 حين سجّل المؤشر السنوي لأسعار المستهلكين 34.2% وفقا للجهاز الركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وإن كان كثير من الخبراء والمحللين يشككون في هذه الأرقام مؤكدين أن نسب التضخم الحقيقية أكبر من ذلك بكثير وأن أجهزة الدولة تتلاعب بالأرقام الرسمية على نحو يقلل من خطورة الأزمة للحد من الغضب الشعبي ضد سياسات النظام. فما هو التضخم؟ وما أنواعه؟ وما تداعياته على مستوى الدول والأفراد؟ وكيف يمكن مواجهته والتغلب عليه؟ وهل يمكن أن تؤدي السياسات النيوليبرالية التي يتبناها نظام السيسي إلى التغلب على التضخم وتخفيض مستوياته؟ وماذا إذا فشلت سياسات النظام؟ وهل يمكن أن تخرج معدلات التضخم عن السيطرة؟ وهل يمكن أن تفضي إلى أزمات اجتماعية تهدد بقاء النظام وتزعزع وجوده؟ معنى التضخم يحدث التضخم عندما ترتفع الأسعار على نطاق واسع. وتُعتبر عبارة «على نطاق واسع» هي المفتاح لفهم معنى التضخم على نحو صحيح، وحتى نفهم  المسالة بشكل أكثر وضوحا، فعندما يتزايد الطلب على سلعة معينة نتيجة حملة دعاية أو ما شابه يزداد عليها الطلب؛  وبالتالي يرتفع سعرها وينخفض ثمن سلعة أخرى تراجع الطلب عليها؛ هذه التقلبات ثابتة وطبيعية وتحدث بشكل تلقائي في الأسواق. لكن «التضخم» يحدث عندما يرتفع متوسط سعر كل شيء يشتريه المستهلكون تقريبًا في توقيت واحد؛ (الغذاء ــ المنازل ــ الملابس ــ الأجهزة المنزلية ــ الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر ـ السيارات ــ خدمات الصحة والتعليم ــ الخدمات الإلكترونية كالإنترنت ــ الوقود والإيجارات وفواتير الكهرباء والمياه وتعريفة ركوب المواصلات وغيرها وما إلى ذلك)، كما يحدث حاليا في مصر والعالم، ولتوفير هذه الضروريات، يجب أن ترتفع الأجور والمرتبات بما يكافئ الزيادة في الأسعار (نسبة التضخم). فإذا ارتفع أسعار كل شيء بنسبة 10% يتعين زيادة الأجور والمرتبات بذات القيمة حتى تبقى القوة الشرائية للمستهكلين عند المعدل الطبيعي ويحدث التوازن في الأسواق، لكن إذا ارتفعت الأسعار مع ثبات الأجور والمرتبات، فإن القدرة الشرائية للمواطنين تتراجع، وبالتالي يزداد عدد الفقراء، ويصاب الاقتصاد بالحمى، ويطلق عليه الخبراء  في هذه الحالة «الاقتصاد المحموم» أي المريض. لماذا؟ لأن القوة الشرائية للعملة تراجعت، فإذا كان موظف يتقاضى (10 آلاف جنيه) شهريا، ويستطيع أن يتدبر أموره بهذا المبلغ، فإذا ارتفعت الأسعار (السلع والخدمات) بنسبة 40% مثلا، فإن قيمة مرتب هذا الموظف تنخفض بذات القيمة بمعنى أن  مرتب هذا الموظف (10 آلاف جنيه) بات يساوي فعليا (6 آلا جنيه فقط من قيمته قبل التضخم)؛ وبالتالي فسوف يعاني من عجز كبير لتوفير ما يكفيه شهريا للاستمرار  في ذات مستوى المعيشة الذي كان عليه قبل التضخم. وللحفاظ على مستوى معيشته، يتعين عليه زيادة دخله بذات النسبة التي ارتفعت بها الأسعار والخدمات (40%). معنى ذلك أنه يحتاج إلى (14 ألف جنيه) شهريا حتى يحافظ على مستوى معيشته قبل التضخم. ورغم أن دخله ارتفع بنسبة 40% إلا أن مستوى معيشته لم يرتفع؛ لأن التضخم التهم شطرا من قيمة العملة، فتراجعت قوتها الشرائية، وبالتالي تآكلت قيمة المرتب أو الدخل الشهري. يمكن أن نلخص ذلك بعبارة دقيقة وموجزة أنك إذا وجدت أن عملتك المحلية (الجنيه مثلا) لم تعد تشتري به ما كنت تشتريه من قبل أو قلَّت بركته  فالسبب هو «التضخم». إذا لم يتمكن هذا الموظف المسكين من زيادة دخله بما يكافئ نسبة التضخم (نسبة الزيادة في أسعار السلع والخدمات)، سيكون في هذه الحالة مجبرا…

تابع القراءة
هل تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية إلى ربيع عربي جديد؟

هل تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية إلى ربيع عربي جديد؟

    كانت تداعيات تفشي جائحة كورونا شديدة التاثير على نحو دفع باقتصادات الدول الناشئة ومن بينها مصر إلى غرفة الإنعاش، وتسببت في كثير من المتاعب بشأن توفير إمدادات الغذاء في أعقاب عمليات الغلق الواسعة على مستوى العالم وتوقف مئات الآلاف من المصانع والموانئ وشركات الطيران عن العمل خوفا من العدوى؛ كما تسببت في تراجع إيرادات الدول الهشة نتيجة انهيار السياحة بشكل حاد، وتوقف عجلة الإنتاج بسبب الغلق النسبي وتراجع النشاط الاقتصادي. وبينما لا تزال هذه الدول تعاني على هذا النحو الأليم، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليجهز على ما تبقى من قدرة الاقتصاد المصري وغيره من اقتصادات الدول العربية الهشة على الصمود. فروسيا وأوكرانيا من أعلى الدول إنتاجا وتصديرا للحبوب، لا سيما لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعلى رأسها مصر التي تستورد نحو 85% من القمح من الدولتين، وتستورد أكثر من 65% من غذائها من الخارج. وتشكل روسيا وأوكرانيا معا 28.5% من صادرات القمح العالمية، و18.7% من صادرات الذرة، و29.6% من صادرات الشعير، و78.3% من صادرات زيت عباد الشمس، وهي جميعا مواد أساسية في النظام الغذائي البشري وأعلاف الحيوانات. وتتربع  مصر على قمة الدول المستوردة للقمح بحجم 13.5 مليون طن سنويًا، ونُعتبر رابع أكبر مستورد للذرة الصفراء بنحو 10 ملايين طن سنويًا، وخامس أكبر مستورد لزيوت الطعام بنحو 3 ملايين طن سنويًا، ومعها 1.25 طن من السكر ونحو 50% من احتياجاتنا من اللحوم الحمراء والألبان المجففة، و100% من احتياجاتنا من العدس ونحو 80% من الفول وفقا للبيانات الرسمية. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022،  حذر البنك الدولي من أزمة غذاء عالمية؛ مشددا على أن التداعيات قد تكون قاسية، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويقول خبراء إن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، قد يساهم بزيادة ديون العديد من البلدان منخفضة الدخل، وهناك نحو 60 دولة تعاني من “ضائقة الديون”، مع تعطل خطوط إمدادات الغذاء وارتفاع النفط إلى ما فوق الــ140 دولارا للمرة الأولى منذ نحو 10 سنوات، فإن ذلك قد ينعكس على ارتفاعات غير مسبوقة بأسعار الغذاء وزيادة مستويات التضخم على نحو يجعل مئات الملايين من البشر مهددين في غذائهم وعدم قدرتهم على توفير أساسيات الحياة. فإلى أي مدى يمكن أن تصل تداعيات أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار داخل مصر والبلاد العربية؟ وهل يمكن أن تؤدي إلى فوضى واضطرابات واحتجاجات شعبية رفضا للغلاء وعدم قدرة الحكومات على حماية الأمن الغذائي؟ وهل يمكن أن يفضي ذلك إلى اندلاع شرارة ربيع عربي جديد بعدما تمكنت الحكومات القمعية من وأد الموجة الأولى التي اندلعت في 2011؟ وإلى أي مدى يمكن للحكومات احتواء تداعيات هذه الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر؟ وماذا إذا طالت الحرب لعدة شهور أو سنوات؟ فهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحولات ضخمة تكون في صالح الشعوب المتطلعة للحرية والخبز؟ أم أن الموجة ستمر بسلام وسيبقى الاستبداد جاثما على أنفاس الشعوب العربية حينا آخر من الدهر؟ معدلات مرتفعة للفقر وفقا لآخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حول معدلات الفقر في مصر، فقد تراجعت من 32.5% في 2018، إلى 29.7% في 2020، (نحو 30.6 مليون فقير)، وأرجع الجهاز ذلك إلى ما تسمى بالمشروعات القومية التي زادت معدلات التشغيل إلى جانب إجراءات الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة  ومنها برامج “فرصة ومستورة وسكن كريم” وغيرها من المبادرات. لكن فات الحكومة التي تتباهى بهذه الأرقام أمران: الأول، أن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي يعد بيانات الفقر، أوضح أن فترة إجراء بحث الدخل والإنفاق الذي يتم على أساسه حساب معدلات الفقر كانت من بداية أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى مارس/آذار 2020، أي قبل ظهور تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية، وقبل ارتفاع معدل التضخم، وفقدان الجنيه المصري لكثير من قوته الشرائية. تلك التداعيات تفاقم تأثيرها خلال الربع الثاني من عام 2020، وقال جهاز الإحصاء الرسمي عنها إنها تسببت في فقدان 2.3 مليون شخص وظائفهم، إلى جانب تخفيض الأجور في منشآت أخرى عديدة. ثانيا، نشرت صحيفة اقتصادية مصرية بالتزامن مع إعلان نتائج الفقر تقريراً مفاده أن النتائج قد تأخر إعلانها بضعة أسابيع، نظراً لاعتراض جهة سيادية على النتائج، ومطالبتها بـ”تحسين” النتائج، ورغم قيام جهاز الإحصاء بتحسين النتائج فقد طلب الجهاز السيادي تعديل نتائج معدلات الفقر مرة ثانية، أي أن النتائج المُعلنة قد تم تحسينها مرتين.[[1]] في المقابل، تذهب تقديرات للبنك الدولي أن نسبة الفقراء في مصر أو أولئك الذين يقبعون على خط الفقر تزيد عن نحو 60%، بما يعني أن نحو 62 مليون مصري باتوا فقراء. وما يبرهن أن معدلات الفقر الرسمية ملعوب فيها أيضا أن الاستثمارات الأجنبية في مصر لم تشهد ارتفاعا يعزز من تراجع مستويات الفقر، بل إن الحكومة خفضت مخصصات الدعم وفقا لأرقام الموازنة في سنوات 2019 و2020، فكيف يتراجع الفقر في ظل هذه الحقائق؟! أما عن أسباب اختلاف التقديرات بين الأرقام الرسمية الحكومية (29.7%) وتقديرات البنك الدولي للفقراء في مصر (60%)، فإن ذلك يعود إلى أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حدَّد خط الفقر القومي في بحث الدخل والإنفاق 2017-2018 عند مستوى 8827 جنيهاً للفرد في السنة، وهو ما يعادل حوالي 735.5 جنيه شهرياً، أي ما يعادل نحو 24.5 جنيه مصري (1.5 دولار أمريكي). بينما استند البنك الدولي في تقييمه لمصر لخط الفقر عند 1.9 دولار أمريكي للفرد يومياً، أي 894 جنيهاً للفرد شهرياً و10725 جنيهاً سنوياً، مع العلم أن مؤشر الفقر وفقاً للبنك يبدأ من 5.5 دولار للفرد يومياً وصولاً إلى الفقر المدقع بالعيش على 1.9 دولار أمريكي أو أقل للفرد يومياً.[[2]] يعزز  من اقتراب تقديرات البنك الدولي من النسب الصحيحة للفقر، أن الجائحة قد تكفلت بانخفاض دخول نحو 91%  من القوة العاملة بمصر؛ وفقا لأحدث دراسات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يناير 2022، حيث أوضحت الدراسة أن انتشار فيروس كورونا أثر على دخل الأفراد المشتغلين بنسبة 91.3% في حين أن 0.5% فقط زادت دخولهم بسبب الوباء. وتعددت أسباب انخفاض الدخول في فترة الوباء، ومنها فرض الإجراءات الاحترازية، والتعطل، وانخفاض الطلب على النشاط، وتوقف بعض المشاريع نهائيا.[[3]] وكانت دراسة أعدها الجهـاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، صدرت في 20 يونيو 2020م، قد كشف أن (73.5%) من المصريين انخفض دخلهم، بينما أفاد حوالي “25% أن دخولهم ثابتة، وأقل من 1% أفادوا أن دخولهم ارتفعت. وأن 26.2 % باتوا عاطلين عن العمل، و55.7% باتوا يعملون بشكل أقل من المعتاد، و18.1% باتوا يعملون بشكل متقطع.[[4]] علاوة على كل ذلك؛ فإن أعداد الفقراء في مصر مرشحة للارتفاع مجددا في أعقاب التعويم الجديد للجنيه أمام الدولار، حيث انخفض الجنيه بنحو 16% في أعقاب قرار البنك المركزي رفع الفائدة بقيمة 1% ليرتفع سعر صرف الدولار من 15.74 إلى 18.2 ظهر الإثنين 21 مارس 2022م، وهو…

تابع القراءة
أمريكا وروسيا في إفريقيا والحرب الأوكرانية

أمريكا وروسيا في إفريقيا والحرب الأوكرانية

  بدأ خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهور صراع جديد لطلب ود القارة الإفريقية واستغلال مواردها الطبيعية الوفيرة والزاخرة، فبالإضافة إلى القوى الأوروبية، هناك الولايات المتحدة الأمريكية، والصين التي أصبح نفوذها ينمو بشكل متزايد، بالإضافة الى تركيا والكيان الصهيوني، وبحلول عام 2014، انضم الدب الروسي أيضًا إلى ركب المتنافسين على القارة السمراء. هذه التطورات المتسارعة في نمو النفوذ الروسي بإفريقيا أدت أيضًا الى خلق حالة من القلق لكلٍّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتتهم الدول الغربية موسكو باستخدام وسائل فاسدة وسرية لمحاولة التأثير على الدول ذات السيادة، بما في ذلك شراكاتها الأمنية والاقتصادية، وتعتبر الدول الغربية روسيا، مثل الصين، وهما دولتان تمثلان تحديًا كبيرًا للغرب في إفريقيا. وفيما يلي نرصد تحركات الجانبين الروسي والأمريكي في القارة، مع إلقاء نظرة على تداعيات تلك التحركات على القارة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.. بعد القمة الأوروبية الإفريقية؛ حوار أمريكي إفريقي جديد: قال موسي فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إنه من دواعي سروري افتتاح الحوار الرفيع المستوى الثامن بين الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي في واشنطن لمناقشة الشراكة الاستراتيجية في السلام والأمن وتغير المناخ والتجارة، وتم توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون القوي بالفعل في مجال الأمن الصحي العالمي. وكانت الولايات المتحدة قد جدَّدت دعمها لجهود الاتحاد الإفريقي الرامية إلى تعزيز السلام والحكم الرشيد في إفريقيا. جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في واشنطن مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد. وناقش الجانبان -حسبما أفادت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني- قيمة الشراكة القوية في التصدي للتحديات المشتركة مثل مكافحة وباء كورونا، وتعزيز الأمن الصحي ومعالجة أزمة المناخ، إلى جانب التأكيد على الحاجة إلى انتقال عادل للطاقة وضرورة النهوض بالنمو الاقتصادي العالمي الشامل والديمقراطيات المرنة. ووقَّع الطرفان مذكرة تعاون لتعزيز الشراكة في مجال الصحة العامة، بما يشمل مواجهة جائحة كوفيد-19، حيث أشار الجانبان إلى التزام مشترك لرفع مستوى هذه الشراكة. وأوضح بيان وزارة الخارجية الأمريكية أن المذكرة من شأنها تعزيز وتأسيس معاهد وطنية للصحة العامة، وتدعيم أبحاث الصحة العامة في إفريقيا، وتوسيع تنمية القوى العاملة في مجال الصحة العامة، وتمكين مشاركة القطاع الخاص، وبناء القدرات في مجال تصنيع اللقاحات وغيرها من السلع المرتبطة بالأمن الصحي.[1] كما اجتمع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان لتعزيز التزام الرئيس بايدن بإفريقيا، وناقشا العمل معًا ومن خلال مؤسسات متعددة الأطراف، على غرار الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لمواجهة التحديات الدولية، مثل محاربة كوفيد-19، وتعزيز الأمن الصحي العالمي، وبناء اقتصاد عالمي قوي وشامل، ومكافحة أزمة المناخ، وتنشيط الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان. ورحَّب سوليفان بالبيان القوي لرئيس السنغال ورئيس الاتحاد الإفريقي ماكي سال، الذي دعا الاتحاد الروسي إلى احترام القانون الدولي وسيادة أوكرانيا الوطني، وأثار سوليفان أيضًا المجالات التي تتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي فيها بمصلحة في العمل معًا لاستعادة الديمقراطية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، ودعم التحولات الهشة في السودان وتشاد، والعمل نحو مستقبل سلمي ومستقر لإثيوبيا والصومال، واتفق الجانبان على مواصلة التنسيق الوثيق فيما ينوي الرئيس بايدن عقد قمة القادة الأمريكية الإفريقية للقادة من مختلف أنحاء القارة الإفريقية، واستضافة القمة الدولية حول كوفيد-19 لهذا العام.[2] العلاقات الأمريكية الإفريقية: انصرف اهتمام الولايات المتحدة بإفريقيا إلى اتجاهين رئيسيين، أولهما؛ الاتجاه الأمني: حيث زاد الانشغال الأمني بإفريقيا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وما تلا ذلك من تغير في العقيدة الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث سعت واشنطن للقيام بعدد من المراجعات، مسّت تعريف الأخطار المحيطة بأمنها القومي. وقد كشفت استراتيجية الأمن القومي لإدارة بوش في عام 2002 عن الحاجة إلى نهج استراتيجي أكثر تركيزًا فيما يتعلق بالقارة الإفريقية، ففي إفريقيا؛ ينتشر المرض والحرب والفقر المدقع، وهذا يهدد الأولوية الاستراتيجية للولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب العالمي. ولمواجهة هذه التحديات أكَّدت الوثيقة أن الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة يجب أن تركز على أمن الأفارقة وفق منطق التعاون الاستخباراتي والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، غير أن الاستراتيجية الأكثر حداثة للأمن الدولي للبيت الأبيض هي التي نُشرت عام 2006، وتُعرِّف إفريقيا بأنها “أولوية عالية لهذه الإدارة”، وأن “أمنها يعتمد على الشراكة مع الأفارقة لدعم الدول الهشّة والفاشلة، وتعزيز الديمقراطية”. وثانيهما؛ الاتجاه الاقتصادي: حيث يرجع كذلك تزايد الاهتمام الأمريكي بالقارة الإفريقية إلى كونها مصدرًا رئيسًا للموارد الطبيعية لاسيما مصادر الطاقة، ولتأمين مصادر الطاقة الآتية من القارة الإفريقية؛ تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية وفق ثلاثة محاور أساسية، هي: المحور التجاري: وذلك من خلال دعم التبادل التجاري، والمحور السياسي: والذي يتمثَّل في رفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان منذ عهد إدارة كلينتون، والمحور العسكري: وذلك عن طريق تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا. وقد سعت الولايات المتحدة من خلال تواجدها في القارة إلى مقاومة النفوذ المتزايد للدول الأخرى؛ حيث تفوَّقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لإفريقيا عام 2009، وفي يناير عام 2015، بدأت الصين للمرة الأولى في تاريخها بنشر كتيبة مشاة في بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان التي تمتلك الصين فيها مصالح نفطية كبيرة. وهذه الكتيبة تعتبر جزءًا من الزيادة الكبيرة منذ عام 2000 في مساهمات الصين بعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وأكثر من 80% منها في إفريقيا. وأعلنت الصين في نوفمبر 2015 أنها ستبني أول قاعدة عسكرية في الخارج، والتي تقرر بناؤها في دولة جيبوتي ذات الموقع الاستراتيجي، والتي تستضيف أيضًا القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة الدائمة في إفريقيا. كما تتطلع روسيا أيضًا إلى الانتشار في القارة السمراء، على المستويين السياسي والأمني وكذلك الاقتصادي.[3] العلاقات الروسية الإفريقية: وقد تمثَّلت في مجموعة من المجالات التي شهدت تعاونًا بين الجانبين الروسي والإفريقي؛ أولها؛ المجال السياسي: حيث استطاعت روسيا توطيد علاقاتها السياسية بأغلب دول القارة الإفريقية، من خلال الدعم المُقدَّم من قِبلها، خاصةً عقب حدوث الانقلابات العسكرية، فعلى سبيل المثال ما حدث في غرب إفريقيا، ومساعدة قوات فاغنر لدول مالي وبوركينا فاسو وغينيا بيساو. فضلًا عن زيارة محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس المجلس السيادي السوداني إلى موسكو، فبراير 2022، على رأس وفد من بلاده والتوقيع على اتفاقيات تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين. وثانيها؛ المجال العسكري: فخلال العقدين الماضيين، لعبت روسيا دورًا في إفريقيا بعيدًا عن أعين الدول الغربية، فأبرمت اتفاقيات في مجال الطاقة النووية وتصدير الأسلحة لتصبح روسيا في الوقت الحالي أكبر مصدر للأسلحة إلى القارة الإفريقية. أشار التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) عام 2020، إلى أن الصادرات العسكرية الروسية لإفريقيا مثَّلت 18٪ من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و2020. في حين أن العلاقات الدفاعية تنمو بشكل مستمر، فمنذ عام 2014، وقَّعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع 19 دولة إفريقية، وأبرمت اتفاقات…

تابع القراءة
كيف تتعامل مصر مع الحرب الروسية الأوكرانية

كيف تتعامل مصر مع الحرب الروسية الأوكرانية

  لم تكتمل بعد ملامح الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ فى 24 فبراير 2022. وعلى الرغم من ذلك، تظهر مؤشرات أولية متعلّقة بكيفية تعامل الحكومات العربية والإقليمية مع هذه الأزمة؛ في ضوء التحالفات التي بَنتها روسيا في العقد الأخير، ودينامية العلاقات الأميركية – الروسية. وأبعد من ذلك، الطبيعة المعقدة لهذا النزاع المسلح الذي يشتمل على عناصر مترابطة من المواجهة الاقتصادية والجيوسياسية، وعناصر أخرى مرتبطة بأسعار الطاقة وأنابيب الغاز وإمدادات القمح والممرات الاستراتيجية[1]. فكيف تتعامل مصر مع هذه الأزمة؟ دوليًا: الوقوف على الحياد بين موسكو وواشنطن: تحرص مصر على تبنى موقف محايد تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وترفض اتخاذ مواقف تغضب أى من موسكو وواشنطن. فمن جانب، صوتت مصر لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، فى 2 مارس الحالى، وجاء التصويت مخالفًا للتحسب الذي التزمته مصر في دعم مطلب غربي بإصدار إدانة واضحة للغزو الروسي لأوكرانيا منذ بدء الحرب فى 24 فبراير الماضى. وجاء تصويت مصر لصالح القرار، المُصاغ بناءً على مشروع القرار الأمريكي-الألباني، ضمن 141 صوتًا مؤيدًا، مقابل رفض خمسة أصوات (روسيا وسوريا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا)، وامتناع 35 عضوًا عن التصويت، بينها من الدول العربية الجزائر والعراق والسودان[2]. وطالب القرار، موسكو “بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”، و”بأن تسحب على نحو فوري وكامل وغير مشروط جميع قواتها العسكرية” من أوكرانيا، و”أدان قرار روسيا زيادة حالة تأهب قواتها النووية”[3]. ويأتى تصويت مصر لصالح قرار إدانة روسيا بعد ممارسة ضغوطات أمريكية وغربية على مصر لإدانة الغزو الروسى. فقد دعت مجموعة الدول السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي، فى 1 مارس الحالى، مصر إلى إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ودعا البيان إلى “قيام كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقديم إدانة جماعية لهذا الهجوم، في ضوء العدوان المسلح، للوقوف بجوار أوكرانيا والتأكيد على سيادتها واستقلالها داخل حدودها، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة”[4]. وفى هذا السياق، فقد نقل موقع “العربى الجديد” عن مصادر، أن القاهرة كانت تدرس خيار الامتناع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إدانة روسيا، باعتبار أن التغيب عن التصويت ليس رفضاً للقرار، ولا يحجبه، لكن المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أكدت لنظيرها المصري أسامة عبد الخالق أن ذلك سيعد بمثابة رفض للقرار[5]. وبجانب هذه الضغوطات، فقد أظهرت تصريحات من جانب الاتحاد الأوروبي بأنه سيهتم بقضية سد النهضة بعد انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. ما يجعل مصالح مصر كلها الآن مع الغرب متمثلاً تحديداً في الولايات المتحدة ودول جنوب ووسط أوروبا، وليست مع روسيا. التى رفضت فى الماضى القريب الوقوف إلى جانب مصر من أجل حل نزاعها مع إثيوبيا بخصوص سد النهضة، بينما كان بإمكانها على الأقل تحريك مجلس الأمن لإدانة تعنت أديس أبابا لكنها لم تفعل، في المقابل كانت إدارة ترمب تتدخل بشكل قوي لصالح مصر، ووضعت ضغوطاً حقيقية على إثيوبيا وقتها[6]. ومن الجدير بالملاحظة، أن التصويت المصرى والأثيوبى على بيان إدانة التدخل الروسى فى أوكرانيا بالأمم المتحدة كأنعكاس لتوازنات ومواقف سابقة، ففى حين أيدت مصر بيان الإدانة مع تحفظها على بعض بنوده، وهو يوضح ميلها إلى موقف الولايات المتحدة والغرب وإن كانت لا تلقى بكامل ثقلها معهم. ففى المقابل، أمتنعت أثيوبيا ومعها دول حوض النيل عن التصويت وفضلت الوقوف على الحياد. وعليه يمكن وصف الموقف المصرى بأنه انعكاس للموقف الذى يتخذه الغرب والولايات المتحدة تجاه أزمة سد النهضة، فى حين يأتى الموقف الأثيوبى كأنعكاس للموقف الأمريكى والغربى، وهو نفس الموقف أيضًا الذى تأمل اثيوبيا أن يتخذه الغرب والولايات المتحدة من أزمة السد[7]. وفي المقابل، ومنذ اندلاع الأزمة صدر بيان مقتضب من وزارة الخارجية المصرية، جاء فيه أن مصر “تتابع بقلق بالغ التطورات المتلاحقة اتصالاً بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها تسريع تسوية الأزمة سياسياً بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفادياً لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي”. ومن الملاحظ أن البيان لم يدن الغزو الروسى لأوكرانيا، وجاءت صيغته ومفرداته أقرب إلى المساواة بين الطرفين وعدم تحميل أى طرف مسئولية التصعيد. وبعدها دعت مصر لعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، وذلك للتباحث حول التطورات الجارية في أوكرانيا، وهو ما فسره مراقبون بأنه “محاولة مصرية للاختباء خلف موقف عربي جامع”[8]. وبعدما صوتت مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة قرار يطالب روسيا “بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”. قدمت مصر، ضمن دول أخرى، شرحًا لموقفها التصويتي، فى جلسة التصويت على القرار الأممى. وقال السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، إن هذا التصويت لا ينبغي أن يفتح الباب أمام غض الطرف عن الأسباب الحقيقية لجذور الأزمة، مضيفًا أن الهدف الأساسي الذي لا ينبغي إغفاله هو التوصل السريع لحل سياسي[9]. كما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا، فى 2 مارس، قالت إنه “شارح لتصويت مصر في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة” لمصلحة قرار يطالب روسيا “بالتوقف فورًا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا”. وذكرت وزارة الخارجية المصرية أنه “اتصالا بالقرار الذي تم اعتماده وصوتت مصر لصالحه انطلاقًا من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، تود مصر أن تؤكد أن البحث عن حل سياسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة يجب أن يظل نصب أعيننا جميعًا، والهدف الأساسي للمجتمع الدولي بأسره في التعامل مع الأزمة الراهنة، ومن ثم يتعين إتاحة الحيز السياسي الكفيل بتحقيق ذلك الهدف الأساسي”. وأكد البيان أنه “لا ينبغي أن يتم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار”. ورفض البيان “منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، والتي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية”. وقال البيان المصري إنه “من الواجب أن تتحلى كل الأطراف بالمسؤولية الواجبة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل محتاج دون تمييز، مع كفالة مرور المقيمين الأجانب بانسيابية عبر الحدود، حيث وردت بعض التقارير عن معاملات تمييزية”. وأضاف البيان أن مصر “تجدد التحذير من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته، والذي ما زال يعاني من تداعيات جائحة كورونا، ولعل الاضطراب المتزايد في سلاسل الإمداد وحركة الطيران الدولي لأبلغ دليل على ذلك”. وقال البيان إن “فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة إنما يعتمد على تناول كافة الأزمات الدولية وفقًا لمعايير واحدة ثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده دون أن تمر عقود تم خلالها تكريس الأمر الواقع…

تابع القراءة
تعديلات قانون السجون.. قراءة تحليلية

تعديلات قانون السجون.. قراءة تحليلية

    وافق البرلمان بشكل نهائي يوم الأربعاء 09 مارس 2022، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 الخاص بتنظيم السجون. وبحسب تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الدفاع والأمن القومى ومكتب لجنة التعليم والبحث العلمى، فإن مشروع القانون يتضمن ثلاث مواد بخلاف مادة النشر. أولا، أبرز التعديلات كانت تختص بتغيير مصطلحات: فمسمى القانون هو «تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعى» بدلا من «تنظيم السجون». وقطاع قطاع الحماية المجتمعية بدلا من قطاع السجون، ومركز إصلاح وتأهيل بدلا من سجن وليمان، ونزيل و نزلاء بدلا من سجين وسجناء أو مسجونين. ثانيا، نصت التعديلات على وجوب إعلان النزيل بتسليم الأوراق المطلوب إعلانها إليه بشخصه وتفهميمه ما تضمنته في حضور مدير مركز الإصلاح والتأهيل العمومي، ومدير مركز الإصلاح الجغرافي، أو من يقوم مقامهما، وإذا أبدى النزيل رغبة في إرسال صورة الإعلان إلى شخص معين، وجب إرسالها إليه بكتاب موصى عليه، وإثبات هذه الإجراءات في سجل خاص يُعد لهذا الغرض. ثالثا، توسَّعت التعديلات فيمن لهم سلطة إصدار قرار وضع قيد حديدي في قدم مسجون يُخشى هروبه، والتي كانت في يد مدير عام قطاع السجون فقط، لتمنح سلطة ذلك إلى مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية أو مدير اﻷمن المختص أو من يُفوض في ذلك. رابعا، فيما يتعلق بالطلاب السجناء، نصت التعديلات على إلزام الجهات التعليمية المقيدين بها، بعقد لجان خاصة لهم داخل مراكز الإيداع، أو أن يطلب مدير الجهة التعليمية انتقالهم لأداء الامتحانات الشفوية أو العلمية خارج مراكز الإيداع عند اللزوم، بشرط عدم وجود خطورة أمنية، وهو ما يعود لتقدير وزير الداخلية أو من يفوضه، خلافًا للمواد السابقة في القانون التي تعطي إدارة السجن الحق في السماح بتأدية الطلاب الامتحانات في مقار اللجان خارج السجن.[[1]] فما الهدف من هذه التعديلات في هذا التوقيت؟ وهل يمكن أن تؤدي فعلا إلى الحد من جرائم التعذيب الوحشي في السجون والمعتقلات؟ أم أنها مجرد إجراء شكلي يستهدف به النظام تحسين صورته عالميا في ظل تواصل الانتقادات الدولية لملفه المتخم بالانتهاكات والجرائم الوحشية؟ السياق العام أولا، الملاحظة الأهم أن هذه التعديلات شكلية ولا تضيف شيئا جديدا إلى الحقوق المنصوص عليها للسجناء في الدستور والقانون، فلا يهم إن كان اسمه سجن أو ليمان أو كان اسمه مركز إصلاح وتأهيل؛ فتغيير الأسماء لم يكن مشكلة على الإطلاق، بل المهم هو ضبط سلوك الضباط وعناصر الشرطة القائمين على إدارة السجون والتزامهم بالدستور والقانون ومنح المعتقلين والمسجونين حقوقهم المشروعة، ووقف آلة التعذيب الوحشية التي تحولت إلى قاعدة وسلوك يومي، لأن المشكلة دائما لم تكن في نصوص القوانين بل في اعتلاء الأوامر الصادرة من القيادات العليا مكانة أعلى من الدستور والقانون. فمصر هي دولة الأوامر وليست دولة القانون. وبالتالي تأتي التعديلات الأخيرة على قانون السجون لتمثل خطوة جديدة  (شكلية) من جانب النظام لتحسين صورته عالميا. لكن تغيير المسميات لن ينصف المحبوسين احتياطياً ممن تخطوا مدة الحبس الاحتياطي المقررة بعامين في القانون، ولن يعالج المرضى الذين يعانون من إهمال طبي في السجون، ولن يزيد من مساحة الزنازين الانفرادية ويقضي على وحشيتها، لا سيما وأن للمصريين تجارب سابقة مع مثل هذه التغييرات الشكلية التي لا تمس جوهر الأمور مطلقا؛ منها تغيير شعار “الشرطة في خدمة الشعب” إلى “الشرطة والشعب في خدمة الوطن” عقب ثورة 2011، ثم العودة إلى الشعار القديم في أعقاب انقلاب 2013، وكذلك تغيير مسمى جهاز “أمن الدولة” إلى “الأمن الوطني”، لكن ذلك لم يغير شيئا من حجم التعذيب والانتهاكات والممارسات الوحشية على يد الضباط في السجون والمعتقلات. ثانيا، التعديلات تستهدف أساساً الترويج للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها السيسي في سبتمبر2021، للتخفيف من حدة الضغوط الخارجية على نظامه حول ملف “حقوق الإنسان”، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. وتعتبر خطوة  ضمن مخطط واسع وضعه النظام في أعقاب فوز الديمقراطية برئاسة البيت الأبيض في نوفمبر 2021م، لا سيما وأن الرئيس بايدن كان انتقد انتهاكات نظام السيسي عندما كان مرشحا ووصف السيسي بدكتاتور ترامب المفضل. كما أن هذه التعديلات الشكلية قد تكون في سياق الحد من حدة الانتقادات التي وجهتها للنظام المصري حكومات 31 دولة في الثاني عشر من مارس2021، أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حيث عبرت عن “القلق العميق” إزاء انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي ترتكبها السلطات المصرية، في ظل إفلات مستمر من العقاب. وهو الإعلان المشترك من الدول، الذي عرض خلال الجلسة الـ 46 للمجلس، الذي دان استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة المعارضين السلميين. ودعت الدول المنضمة إلى الإعلان المشترك إلى “المساءلة والإنهاء الفوري للإفلات من العقاب”، وطالبت مصر بوقف انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة للمحاكمات العادلة، بما في ذلك الاستخدام المفرط للاحتجاز الطويل السابق للمحاكمة، وضم المحتجزين لقضايا جديدة بتهم مماثلة بعد انتهاء المدة القانونية لحبسهم الاحتياطي. بعدها، تبنت مائة منظمة حقوقية دولية وإقليمية هذا الإعلان، وسردت بدورها صوراً من تلك الانتهاكات. وجاء في بيان المنظمات المائة أنه “في ظل حكم السيسي، قضت السلطات المصرية فعلياً على مساحات التعبير والتجمع السلميين، والحق في تكوين الجمعيات. وارتكبت قوات الأمن بتواطؤ مع المدعين العموميين والقضاة جرائم الاعتقال والاحتجاز التعسفي، ومحاكمة الآلاف، بمن في ذلك مئات المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الأقباط، والمتظاهرين السلميين، والصحافيين والأكاديميين، والفنانين، والسياسيين، والمحامين”. بعدها شرع النظام في تخاذ عدة إجراءات شكلية تستهدف تحسين صورته أمام العالم: أولا، بالإفراج المحدود عن عدد من النشطاء والصحافيين، والحد من الإجراءات المشددة المفروضة على منظمات مجتمع مدني. ثانيا، إطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان مدتها خمس سنوات في سبتمبر 2021، تتضمن المحاور الرئيسية للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان في مصر، بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة ويحقق أهداف رؤية مصر 2030، وتشمل محاور عمل رئيسية، هي: الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الإنسان للمرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات في حقوق الإنسان. ثالثا، إعلان السيسي في 25 أكتوبر 2021، إنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. وسوّق النظام المصري لإعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ولإنهاء حالة الطوارئ، باعتبارها إنجازاً غير مسبوق وخطوة “حكيمة” في توقيت صائب بعد استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد. ثالثا، التعديلات رغم أنها شكلية ولا تغير من الواقع شيئا، إلا أنها حظيت بإشادة واسعة من جانب نواب المجلس أثناء التصويت عليها؛ واعتبرها بعضهم برهانا على انفتاح الحكومة وحرصها على تنفيذ استراتيجية حقوق الإنسان التي أطلقها السيسي في سبتمبر 2021م، وعدها رئيس لجنة حقوق الإنسان في المجلس، طارق رضوان، تقدما كبيرا في مجال حقوق الإنسان خاصة قطاع السجون، واعتبرها ممثل حزب النور بالمجلس انعكاسا للجمهورية الجديدة مشيدا بما وصفه بحالة الاستقرار في البلاد، قائلًا: «نحن أمام منظومة متكاملة نستطيع أن نوجه…

تابع القراءة

العلاج على نفقة الدولة.. الفساد والتمييز والجدوى

      فتح قرار علاج الممثل المشهور سمير صبري على نفقة الدولة خلال فبراير 2022م، بعد مداخلة عاطفية مع الإعلامي عمرو أديب في برنامجه على قناة “أم بي سي مصر”،  جدلا واسعا في الأوساط المصرية، حيث بادرت الرئاسة بتوجيه الحكومة بعلاج الممثل الشهير على نفقة الدولة؛ الأمر الذي قابله ممثلون بترحيب واسع واعتبروه برهانا على مدى الاهتمام الذي توليه الدولة بقطاع الفن والفنانين نظير ما يقدمونه من خدمات جليلة للوطن حسب زعمهم،  ينما تحفظ على القرار قطاعات واسعة من المحللين والجماهير لعدة اعتبارات:[[1]] أولا، سمير صبر ممثل شهير وملونير واسع الثراء يبلغ من العمر نحو 94 سنة وليس له ورثة؛ فقد تلقى صبري أجورا تصل إلى مئات الملايين من الجنيهات على مدار سنوات عمره المديدة، نظيرأعمال فنية وتقديم برامج تلفزيونية وحفلات متنوعة، بخلاف أن صبري ــ وفقا للصحفي محمد سعد خطاب في عدة تغريدات على صفحته بموقع تويتر ــ ورث عن أمه المحترمة السيدة سعاد القويضي وأبيه جلال صبري ــ لواء شرطة سابق ــ نحو 18 شقة بأرقى الأماكن في القاهرة والجيزة”.[[2]] ولم يكن قرار السيسي بعلاج سمير صبري على نفقة الدولة هو القرار الأول من نوعه؛ فلقد سبقه قرارات مشابهة بعلاج عدد من الفنانين على نفقة الدولة، منهم المطرب الراحل على حميدة والممثل شريف دسوقي -الذي بترت قدمه- والممثلة فاطمه كشري، و رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقا صفاء حجازي. كما سبق وأن قرر السيسي علاج الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بالخارج على نفقة الدولة. ودأب النظام العسكري على ذلك منذ عقود طويلة. ولكي يتمكن المريض من الحصول على قرار بالعلاج على نفقة الدولة يتعين عليه أولا أن يذهب إلى العيادات الخارجية بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة والسكان، أو المستشفيات الجامعية، لمناظرة المريض وإجراء الفحوصات الطبية لتشخيص الحالة، وذلك تمهيدا لإعداد “تقرير اللجنة الثلاثية”. وتاليا يقوم المريض بإثبات أنه غير خاضع للتأمين الصحي، بإحضار “برنت تأمين”، وتسليمه بالمستشفى، أو صورة قرار علاج على نفقة الدولة قديم. وثالثا، يقوم بعد ذلك المستشفى برفع تقرير اللجنة الثلاثية، والتقارير الطبية وصورة بطاقة الرقم القومي علي “بوابة المجالس الطبية المتخصصة بوزارة الصحة” إلكترونيا، والتي بدورها تفحص التشخيص الطبي وتقارير الفحوصات وإصدار قرار العلاج على نفقة الدولة، وعودة القرار إلكترونيا إلى المستشفى. وأخيرا، يتوجه المريض بعد ذلك لشباك القرارات على نفقة الدولة بالمستشفى الذي أجرى فيه الفحوصات الطبية للحصول على صورة من قرار العلاج على نفقة الدولة، والعودة له للعيادة التي تم تشخيصه بها، لصرف الأدوية أو تحديد موعد العملية الجراحية أو الأشعة أو التحاليل. وهي عادة إجراءات تستغرق شهورا، لكن في حالة حالة سمير صبري، جرى تجاوز كل هذه الخطوات القانونية، إضافة إلى أنه يتعالج بالفعل في مستشفى استثماري فخم (الصفا) وليس بمستشفى حكومي، وتصل تكلفة علاجه الممثل إلى نحو 1.6 مليون جنيه! ثانيا، قرار السيسي يحمل قدرا كبيرا من التمييز، ويبرهن على أن النظام يتعامل بانتقائية وعنصرية وينحاز إلى طبقة الجنرالات والمشهورين والأثرياء، ويمنحهم الكثير من العطايا والامتيازات في الوقت الذي يحرم فيه الفقراء من حقوقهم ويعمل النظام على تقليص مخصصات الدعم الخاصة بعشرات الملايين من الفقراء والمهمشين، فالجنرالات وضباط الجيش وأفراده يحظون برعاية صحية خاصة ومجانية بالمستشفيات العسكرية، بينما يحظى ضباط الشرطة وعناصرها برعاية طبية خاصة ومجانية بمستشفيات الشرطة، أما القضاة وكبار موظفي الحكومة، فإنهم يتمتعون  برعاية طبية خاصة على نفقة الدولة في كبرى المستشفيات الاستثمارية، أما باقي الشعب فإن الآلاف يموتون لعدم قدرتهم على تحمل نفقات العلاج بينما يُنعم النظام على مقربيه الأثرياء رغم أن المادة 9 من الدستور تنص على أن “تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز”. وقد كانت الفترة الماضية والحالية مع تفشي جائحة كورونا خير برهان على ذلك، وقد كان الآلاف يموتون مع تردي الخدمات الصحية على نحو أظهر حجم الفساد والفوضى والإهمال. فلماذا تتكفل الدولة الفقيرة بعلاج هذه النوعية من الأثرياء؟ أليس من الأولى أن يتكفل هؤلاء بعلاج أنفسهم لا سيما وأن لديهم من الأموال والثروات والأصول ما يكفيهم وأن  يبقى العلاج على نفقة الدولة حصرا على المحرومين والفقراء الذين لا يملكون نفقات العلاج؟ ثالثا، زاد من منسوب الغضب عند المصريين، أن حكومة السيسي التي قررت علاج سمير صبري على نفقة الدولة،  قررت في ذات التوقيت، استضافة عشرات الآلاف من السياح الروس والأوكرانيين على نفقة الدولة بعدما قررت مد إقامتهم في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير 2022م، كما قررت التكفل بنقل الأوكرانيين إلى الدول المجاورة لبلادهم عبر شركة “مصر للطيران” وشركة “إير كايرو” (Air Cairo) التابعة لها، على أن تتحمل الحكومة تكاليف تلك الرحلات.[[3]] في المقابل فإن السفارة المصرية في بولندا لم تتحمل تكاليف إقامة مواطن مصري واحد أصيب في الحرب الروسية الأوكرانية. حيث كشف المصري المصاب ويدعى محمد زايد في تصريحاته لموقع “مدى مصر” أن السفير المصري في بولندا ونائبه أخبراه بضرورة مغادرة بولندا مع عائلته إلى مصر فورا، وأنه طلب من السفير مهلة زمنية للتعافي من آثار العمليات الجراحية، لكن نائب السفير أخبره أن السفارة لا يمكنها تحمل تكلفة إقامته في الفندق، وأن هذا القرار لا يعود للسفارة وإنما “لتعليمات عليا”، وأن الأمر ليس مطروحا للنقاش. وكان زايد أصيب بطلقات من طائرة حربية في ثاني أيام الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا فيما كان في طريقه لشراء حليب صناعي لرضيعته التي ولدت قبل أيام، مما تسبب له في إصابات بالغة قادت إلى استئصال الطحال لاحقا، وتم نقله إلى بولندا عبر سيارة غير مجهزة، الأمر الذي تسبب في تفاقم حالته، حسب تصريحاته.[[4]] أمام هذه المعطيات؛ ما المقصود بالعلاج على نفقة الدولة؟ ومتى نشأ؟ وما المخصصات له في موازنة  الدولة؟ وهل يتمتع هذا النظام بالجدوى ويحقق الأهداف المنشودة منه وتقديم رعاية طبية جيدة للمواطنين أم مجرد بوابة لمافيا الفساد التي تلتهم كل شيء ولا تبقي للناس شيئا؟ ولماذا تتكفل الدولة بعلاج الأثرياء والمشاهير على نفقتها بينما تكاد تنعدم الرعاية الصحية للفقراء والمهمشين؟ ولماذا يصر النظام على التمييز والعنصرية ويمنح خواصه والمقربين منهم امتيازات لا حصر لها بينما يبقى جموع المصريين محرومين من حقوقهم المشروعة كالدعم والتعليم والرعاية الصحية؟ وإلى متى يتم تكريس هذه الطبقية البغيضة؟ وما مآلات الإصرار على هذه السياسات الجائرة؟ ألا يخشى النظام من عواقب سياساته المتوحشة التي تنحاز لقلة من الجنرالات واللواءات والأثرياء والممثلين على حساب باقي الشعب؟ ألا يخشى من انفجار شعبي وشيك على هذه السياسات الجائرة وتلك الطبقية البغيضة؟ أم أن النظام بات مفتونا بقوته وطغيانه وبات مطلق اليد لفعل ما يشاء دون خوف من عقاب أو عواقب؟ بدايته ومحطاته في عصور ما قبل 23 يوليو 1952م، كان الوقف  الخيري يتكفل بعلاج الفقراء، وفي ضوء نظام الوقف الذي تتميز به الحضارة الإسلامية عن سواها من الأمم…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022